حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني

علي الصعيدي العدوي

[مقدمة الكتاب]

[مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَبَعْدُ فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ الْقَدِيرِ عَلِيٌّ أَبُو الْحَسَنِ الْمَالِكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَمَشَايِخِهِ وَأَوْلَادِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ السَّتَّارِ، الْمُنْعِمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْغَفَّارِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ نَرْجُو مِنْ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ صُحْبَتَهُ فِي دَارِ الْقَرَارِ، مُحَمَّدٍ وَآلِهِ السَّادَةِ الْأَبْرَارِ. (وَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْفَقِيرُ لِرَحْمَةِ مَوْلَاهُ عَلِيٌّ الصَّعِيدِيُّ الْعَدَوِيُّ الْمَالِكِيُّ: لَمَّا أَرَادَ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ وَعَظُمَ شَأْنُهُ بِالْمُذَاكَرَةِ مَعَ الْإِخْوَانِ فِي كِفَايَةِ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ، وَظَهَرَ بَعْضُ تَقَايِيدَ أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَهَا لِنَفْسِي، وَمَنْ هُوَ قَاصِرٌ مِثْلِي، جَعَلَهَا اللَّهُ خَالِصَةً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِجِنَانِ النَّعِيمِ، فَأَقُولُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدُ] قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَاوَ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا، وَأَمَّا نَائِبَةٌ عَنْ مَهْمَا، فَالْوَاوُ نَائِبَةُ النَّائِبِ، بِدَلِيلِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ زَائِدَةً، وَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَقُولُ قُدِّمَ لِلْحَصْرِ وَالْوَاوُ إمَّا عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَافِ، أَيْ وَبَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ، فَإِنْ قُلْت كَمَا تُطْلَبُ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ. تُطْلَبُ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدَلَةِ. وَلَمْ يَبْتَدِئْ ذَلِكَ الشَّرْحَ بِهَا، فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: يَدَّعِي أَنَّهُ حَمِدَ لَفْظًا فَالْمَعْنَى وَبَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَوْ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى رِوَايَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَهُوَ قَدْ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَهُوَ فِي الْمَقَامِ رِوَايَةُ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُقَيَّدَانِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْبَسْمَلَةِ وَرِوَايَةُ الْحَمْدَلَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اتَّحَدَ الْمُقَيَّدُ وَمَا هُنَا قَدْ تَعَدَّدَ. [قَوْلُهُ: فَيَقُولُ إلَخْ] أَصْلُهُ يَقُولُ عَلَى وَزْنِ يَنْصُرُ بِضَمِّ الْوَاوِ فَاسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَيْهَا فَنُقِلَتْ إلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الضَّمَّةَ عَلَى الْوَاوِ وَكَذَا الْيَاءُ إنَّمَا تَكُونُ ثَقِيلَةً إذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ التَّسْكِينِ فَلَا وَلِذَلِكَ أُعْرِبَ دَلْوٌ وَظَبْيٌ بِالْحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا ظَهَرَتْ فِي الِاسْمِ لِخِفَّتِهِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَثَقِيلٌ وَالثَّقِيلُ لَا يَتَحَمَّلُ مَا فِيهِ ثِقَلٌ، أَوْ أَنَّ عِلَّةَ الثِّقَلِ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا سَكَنَتْ فِي الْمَاضِي سَكَنَتْ فِي الْمُضَارِعِ لَكِنْ فِي الْمَاضِي بَعْدَ قَلْبِهَا أَلِفًا فِي الْمُضَارِعِ مَعَ بَقَائِهَا بِدُونِ قَلْبٍ [قَوْلُهُ: الْعَبْدُ] أَيْ الْمَمْلُوكُ لِمَوْلَاهُ بِسَبَبِ الْإِيجَادِ، فَهُوَ اعْتِرَافٌ بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِأَمْرِهِ، وَتَوْطِئَةٌ لِلْوَصْفِ بِالْفَقِيرِ هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ مِنْ مَعَانِي الْعَبْدِ فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: الْفَقِيرُ] أَيْ دَائِمُ الْحَاجَةِ، فَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، أَوْ كَثِيرُ الِاحْتِيَاجِ فَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لَكِنْ فِي الثَّانِي شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْخَ وَغَيْرَهُ دَائِمُ الِاحْتِيَاجِ لِإِنْعَامِ رَبِّهِ لَا كَثِيرُهُ الْمُفِيدُ أَنَّهُ قَدْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِرَحْمَةِ] الرَّحْمَةُ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ وَانْعِطَافٌ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى الْمَوْلَى، فَأُطْلِقَ اللَّفْظُ وَأُرِيدَ لَازِمُ مَعْنَاهُ الْبَعِيدُ بِمَرْتَبَةٍ وَهُوَ نَفْسُ الْإِنْعَامِ أَوْ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَهُوَ نَفْسُ الْمُنْعَمِ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهِيَ أَيْ الرَّحْمَةُ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ لَازِمُهُ الْقَرِيبُ وَهُوَ إرَادَةُ الْإِنْعَامِ فَتَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ، وَاللَّامُ بِمَعْنَى إلَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عِلَّةٌ لِلْغِنَى لَا لِلْفَقْرِ؛ لِأَنَّ رَحْمَتَهُ صِفَةُ جَمَالٍ لَا يَصْدُرُ عَنْهَا الْفَقْرُ، وَآثَرَ اللَّامَ عَلَى إلَى مَعَ أَنَّ الْفَقْرَ يَتَعَدَّى بِإِلَى لِلِاخْتِصَارِ. [قَوْلُهُ: رَبِّهِ] الرَّبُّ قِيلَ: مَصْدَرٌ

وَإِخْوَانِهِ وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا تَعْلِيقٌ لَطِيفٌ لَخَّصْتُهُ مِنْ شَرْحَيْ الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ عَلَى رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَهِيَ تَبْلِيغُ الشَّيْءِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى الْحَدِّ الَّذِي أَرَادَهُ الْمُرَبِّي، ثُمَّ وَصَفَ بِهِ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَزَّ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فِي حَوْزِ مَوْلَاهُ يُرَبِّيهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَقِيلَ: وَصْفٌ مَقْصُورٌ مِنْ رَابَبَ، فَيَكُونُ اسْمَ فَاعِلٍ، وَحُذِفَتْ أَلِفُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى وَزْنِ فَعَلَ فَأَصْلُهُ رَبَبَ فَيَكُونُ صِفَةً مُشَبَّهَةً [قَوْلُهُ: الْقَدِيرِ] أَيْ ذِي الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ. وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ فَقِيرٍ وَقَدِيرٍ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعِيَّةِ: الطِّبَاقُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ يَلْزَمُهُ الْعَجْزُ [قَوْلُهُ: عَلِيٌّ] بَدَلٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ عَلِيٌّ [قَوْلُهُ: أَبُو الْحَسَنِ] بَدَلٌ مِنْ عَلِيٍّ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَقَدَّمَ الِاسْمَ عَلَى الْكُنْيَةِ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ. [قَوْلُهُ: الْمَالِكِيُّ] نَعْتٌ لِأَبِي الْحَسَنِ لَا نَعْتٌ لِعَلِيٍّ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْبَدَلِ أَوْ عَطْفُ الْبَيَانِ عَلَى النَّعْتِ مَعَ أَنَّهُمَا يُؤَخَّرَانِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّوَابِعَ إذَا اجْتَمَعَتْ يُقَدَّمُ النَّعْتُ فَالْبَيَانُ فَالتَّأْكِيدُ فَالْبَدَلُ فَعَطْفُ النَّسَقِ. وَهَذَا الشَّارِحُ هُوَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَلَاثًا ابْنِ خَلَفٍ، الْمَنُوفِيُّ بَلَدًا الْمِصْرِيُّ مَوْلِدًا، وُلِدَ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثَالِثَ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْعَامِلُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ، وَأَخَذَ النَّحْوَ وَغَيْرَهُ عَنْ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَغَيْرِهِ، وَلَازَمَ الْجَلَالَ السُّيُوطِيَّ وَأَخَذَ عَنْهُ. تُوُفِّيَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَدُفِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ بَابِ الْوَزِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفِيشِيُّ. [قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَهُ] أَيْ سَتَرَهُ اللَّهُ بِمَحْوِ ذَنْبِهِ مِنْ الصُّحُفِ أَوْ لَا يُؤَاخِذُهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الصُّحُفِ إظْهَارًا لِفَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ لِحَدِيثِ: " كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ " وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [نوح: 28] [قَوْلُهُ: وَلِوَالِدِيهِ] أَعَادَ الْجَارَ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَعَوْدُ خَافِضٍ لَدَى عَطْفٍ عَلَى. إلَخْ وَتَرَكَهُ فِيمَا بَعْدُ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِقَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ: وَلَيْسَ عِنْدِي لَازِمًا. وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقْرَأَ بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعًا لِيَشْمَلَ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ، فَالْجَدُّ وَالِدٌ وَالْجَدَّةُ وَالِدَةٌ، فَفِيهِ تَغْلِيبُ الْوَالِدِينَ عَلَى الْوَالِدَاتِ. [قَوْلُهُ: وَمَشَايِخِهِ] جَمْعُ شَيْخٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شُيُوخٍ وَأَشْيَاخٍ، وَالشَّيْخُ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَمَّنْ طَعْنٍ فِي السِّنِّ ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَلَوْ صَبِيًّا، وَأَرَادَ مَشَايِخَ عِلْمٍ أَوْ طَرِيقَةٍ وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِوَالِدَيْهِ عَلَى الدُّعَاءِ لِمَشَايِخِهِ؛ لِأَنَّ تَرْبِيَةَ وَالِدَيْهِ سَابِقَةٌ وَإِنْ كَانَتْ تَرْبِيَةَ الْمَشَايِخِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ تَرْبِيَةَ الْوَالِدَيْنِ لِحِفْظِ جِسْمٍ فَانٍ، وَتَرْبِيَةَ الْمَشَايِخِ لِحِفْظِ رُوحٍ بَاقِيَةٍ. [قَوْلُهُ: وَأَوْلَادِهِ] أَرَادَ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ التَّلَامِذَةَ إنْ كَانَ لِلشَّيْخِ أَوْلَادُ نَسَبٍ وَإِلَّا فَهُمْ التَّلَامِذَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِخْوَانِهِ] جَمْعُ أَخٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَامَهُ مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ وَاوٌ وَتُرَدُّ فِي التَّثْنِيَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، فَيُقَالُ: أَخَوَانِ، وَفِي لُغَةٍ يُسْتَعْمَلُ مَنْقُوصًا فَيُقَالُ: أَخَانِ وَجَمْعُهُ إخْوَةٌ وَإِخْوَانٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِيهِمَا وَضَمُّهَا لُغَةٌ اهـ. وَأَرَادَ بِهِمْ مَا يُشَارِكُهُ فِي أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُشَارِكٌ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ الْأَصْحَابُ أَوْ مَا يَشْمَلُ الْمُشَارِكَ فِيمَا ذُكِرَ، وَالْأَصْحَابُ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ غَلَبَ فِي الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الْفَتْوَى. [قَوْلُهُ: وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ] قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعُصَاةِ فَيَكُونُ لَفْظُ جَمِيعٍ إمَّا مِنْ بَابِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ أَيْ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَوْ الْجَمِيعِيُّ، وَيُخَصَّصُ بِمَنْ عَدَا مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ نُفُوذَ الْوَعِيدِ فِيهِ أَوْ لَا يُخَصَّصُ بِأَنْ يُرَادَ تَعَلُّقُ الْغُفْرَانِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الذُّنُوبِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِغُفْرَانِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعُمُومِ. [قَوْلُهُ: هَذَا إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِمَا فِي الذِّهْنِ بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ، أَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ

وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى أَحْبَابِنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَنَفَعَنَا بِعُلُومِهِ وَجَعَلَنَا مِنْ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ آمِينَ تَلْخِيصًا حَسَنًا مُجْتَنِبًا فِيهِ التَّطْوِيلَ الْمُمِلَّ وَالِاخْتِصَارَ الْمُخِلَّ لِيَنْتَفِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَخْصُوصَةُ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى التَّأْلِيفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا فَشَبَّهَهَا بِمَحْسُوسٍ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ حَاضِرٍ بِجَامِعِ التَّعَيُّنِ، وَاسْتَعَارَ لَهَا لَفْظَ هَذَا، الْمَوْضُوعُ لِلْمُشَاهِدِ الْمَحْسُوسُ عَلَى مَا هُوَ مُبَيَّنٌ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً. [قَوْلُهُ: تَعْلِيقٌ] أَيْ مُعَلَّقٌ أَيْ مَوْضُوعٌ، فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّ تَعْلِيقَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْمُؤَلَّفِ. [قَوْلُهُ: لَطِيفٌ] قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ: اللَّطِيفُ رَقِيقُ الْقَوَامِ أَوْ كَوْنُهُ شَفَّافًا لَا يَحْجُبُ الْبَصَرَ عَنْ إدْرَاكِ مَا وَرَاءَهُ اهـ. فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي قَلِيلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ سَهْلِ الْمَأْخَذِ عَلَى الثَّانِي عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ التَّبَعِيَّةِ، أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْكَافِ أَيْ كَاللَّطِيفِ، فَقَدْ شَبَّهَ قِلَّةَ الْأَلْفَاظِ أَوْ سُهُولَةَ الْمَأْخَذِ بِرِقَّةِ الْقَوَامِ أَوْ الشَّفَّافِيَّةِ، وَاسْتُعِيرَ اللُّطْفُ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، وَاشْتُقَّ مِنْ اللُّطْفِ بِمَعْنَى قِلَّةِ الْأَلْفَاظِ أَوْ سُهُولَةِ الْمَأْخَذِ لَطِيفٌ بِمَعْنَى قَلِيلِ الْأَلْفَاظِ أَوْ سَهْلِ الْمَأْخَذِ هَذَا عَلَى الِاسْتِعَارَةِ. وَأَمَّا عَلَى التَّشْبِيهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: لَخَّصْتُهُ] أَيْ جَمَعْتُهُ أَيْ أُلَخِّصُهُ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّأْلِيفِ أَوْ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ عَلَى أَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ، وَيُعَيِّنُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ بَعْدُ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُهُ الْمَعُونَةَ عَلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مِنْ شَرْحَيْ الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ] اعْلَمْ أَنَّ لِلشَّارِحِ شُرُوحًا سِتَّةً عَلَى هَذَا الْكِتَابِ بَيَّنَهَا الْفِيشِيُّ بِقَوْلِهِ: الْأَوَّلُ غَايَةُ الْأَمَانِيِّ. وَالثَّانِي تَحْقِيقُ الْمَبَانِي. وَالثَّالِثُ تَوْضِيحُ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي. وَالرَّابِعُ تَلْخِيصُ التَّحْقِيقِ. وَالْخَامِسُ الْفَيْضُ الرَّحْمَانِيُّ. وَالسَّادِسُ كِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَالْكَبِيرُ هُوَ غَايَةُ الْأَمَانِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَسَطِ تَحْقِيقَ الْمَبَانِي كَمَا وَجَدَتْ تَقْيِيدًا يُقَيِّدُهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَهُ تَأْلِيفٌ عَلَى الْعَقِيدَةِ مُسْتَقِلٌّ وَتَآلِيفُ شَتَّى، وَقَوْلُهُ: عَلَى رِسَالَةِ حَالٌ إمَّا مِنْ شَرْحَيْ أَوْ مِنْ الْوَسَطِ وَالْكَبِيرِ. قَالَ (عج) : وَسُمِّيَتْ رِسَالَةً لِلسُّلُوكِ بِهَا مَسْلَكَ الرَّسَائِلِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ عَادَةً. [قَوْلُهُ: رَحِمَهُ اللَّهُ إلَخْ] جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَأَعَادَ] أَيْ أَوْصَلَ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى أَحْبَابِنَا] جَمْعُ حِبٍّ بِمَعْنَى مَحْبُوبٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَلَا يَشْمَلُ مَنْ يُحِبُّ الشَّارِحُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوبًا لَهُ لِكَوْنِهِ أَتَى بَعْدَهُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: مِنْ بَرَكَاتِهِ] أَيْ شَيْءٌ مِنْ بَرَكَاتِهِ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَوْ بَعْضُ بَرَكَاتِهِ فَالْمَفْعُولُ مِنْ بِمَعْنَى بَعْضٍ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَا أَسْرَارَهُ وَمَعَارِفَهُ، فَالْعِبَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ مُمَاثِلِ أَسْرَارِهِ وَمَعَارِفِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَا خَيْرَاتٍ تَصِلُ لِلشَّارِحِ وَأَحْبَابِهِ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ وَاسِطَةً فِيهَا، أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى وَأَعَادَ عَلَيْنَا شَيْئًا نَافِعًا أَجْلِ بَرَكَاتِهِ أَيْ أَسْرَارِهِ وَمَعَارِفِهِ، أَيْ مِنْ أَجْلِ التَّوَسُّلِ بِهَا فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِعُلُومِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِنَفَعَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَالْمُرَادُ الْعُلُومُ الَّتِي اسْتَفَادَهَا الشَّارِحُ مِنْ كُتُبِهِ لَا مُطْلَقُ الْعُلُومِ، فَيَكُونُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَهُ بِتِلْكَ الْعُلُومِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَتَكُونَ سَبَبًا لِلظَّفَرِ بِالْجِنَانِ، أَوْ أَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ نَفَعَنَا بِمَا عَلَّمْنَاهُ حَالَةَ كَوْنِنَا مُتَوَسِّلِينَ لَهُ بِعُلُومِهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ عُلُومِهِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ] أَيْ بِأَنْ نَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَنَفْعَلَ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّبَاعِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنْ نَعْمَلَ بِمُقْتَضَى أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. 1 - [قَوْلُهُ: بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٌ تَنَازَعَ فِيهَا الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَيْ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَخْ فِي حَالِ كَوْنِنَا مُتَوَسِّلِينَ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ. [قَوْلُهُ: وَآلِهِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ عُصَاةً، وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّوَسُّلِ بِآلِهِ وَلَوْ عُصَاةً؛ لِأَنَّهُمْ بَضْعَةٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ أَقَارِبُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَيْنَ الْآلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالصَّحْبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ. مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي سَيِّدِنَا عَلِيٍّ مَثَلًا، وَيَنْفَرِدُ الْآلُ فِي أَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْهُ وَالصَّحْبُ فِي أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَصَحْبِهِ] جَمْعٌ لِصَاحِبٍ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ قَوْلَانِ،

بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُبْتَدِي لِقِرَاءَتِهَا وَالْمُنْتَهِي لِمُطَالَعَتِهَا، اقْتَصَرَتْ فِيهِ عَلَى حَلِّ أَلْفَاظِهَا وَذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحَابِيُّ مَنْ اجْتَمَعَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤْمِنًا وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ طَالَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ أَوْ لَمْ يَطُلْ، بِخِلَافِ التَّابِعِيِّ مَعَ الصَّحَابِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ طُولِ اجْتِمَاعِهِ بِالصَّحَابِيِّ حَتَّى يُسَمَّى تَابِعِيًّا. [قَوْلُهُ: وَعِتْرَتِهِ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: رَوَى ثَعْلَبٌ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعِتْرَةَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَذُرِّيَّتُهُ وَعَقِبُهُ مِنْ صُلْبِهِ، وَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ الْعِتْرَةِ غَيْرَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْعِتْرَةُ وَالرَّهْطُ بِمَعْنًى، وَرَهْطُ الرَّجُلِ قَوْمُهُ وَقَبِيلَتُهُ الْأَقْرَبُونَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ الْعِتْرَةُ أَخَصَّ مِنْ الْآلِ، فَالْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ بِلَصْقِهِ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: آمِينَ] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، اسْمُ فِعْلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [قَوْلُهُ: تَلْخِيصًا] مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِقَوْلِهِ لَخَّصْته. [قَوْلُهُ: مُجْتَنِبًا] حَالٌ مِنْ فَاعِلِ لَخَّصْته، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَسَنًا، أَوْ أَنَّ الْحُسْنَ مِنْ جِهَةِ بَلَاغَةِ نَظْمِهِ. [قَوْلُهُ: التَّطْوِيلُ إلَخْ] التَّطْوِيلُ كَمَا أَفَادَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي الزِّيَادَةُ عَلَى أَصْلِ الْمَعْنَى لَا لِفَائِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ الزَّائِدُ مُتَعَيِّنًا كَقَوْلِهِ: وَأَلْفَى قَوْلَهَا ... كَذِبًا وَمَيْنًا فَإِنَّ الْمَيْنَ هُوَ الْكَذِبُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الزَّائِدُ مُتَعَيِّنًا فَهُوَ الْحَشْوُ كَقَوْلِهِ: وَأَعْلَمُ عِلْمَ ... الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَبْلَهُ مُتَعَيِّنٌ لِلزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَمْسِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّطْوِيلَ لُغَةً وَهُوَ كَثْرَةُ الْعِبَارَاتِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَائِدَةٌ. [قَوْلُهُ: الْمُمِلَّ] أَيْ الْمُورِثَ لِلْمَلَلِ وَالسَّآمَةِ. [قَوْلُهُ: وَالِاخْتِصَارَ] هُوَ تَقْلِيلُ الْأَلْفَاظِ، [وَقَوْلُهُ: الْمُخِلَّ] أَيْ الَّذِي يَتَعَذَّرُ مَعَهُ فَهْمُ الْمَعْنَى أَوْ يَتَعَسَّرُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْمَنْفِيَّ الْمُقَيَّدَ بِقَيْدٍ يَتَسَلَّطُ النَّفْيُ عَلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَالنَّفْيُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَفْظُ مُجْتَنِبًا أَيْ فَالْمَنْفِيُّ هُنَا الْإِمْلَالُ وَالْخَلَلُ، فَيُفِيدُ ثُبُوتَ أَصْلِ التَّطْوِيلِ وَأَصْلِ الِاخْتِصَارِ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَأَمَّا عِنْدَ تَعَدُّدِهِ كَأَنْ يَكُونَ التَّطْوِيلُ فِي مَوْضِعٍ وَالِاخْتِصَارُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا تَنَافِي فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِيَنْتَفِعَ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ حَسَنًا أَوْ مُجْتَنِبًا. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] أَتَى بِهِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] [قَوْلُهُ: الْمُبْتَدِي إلَخْ] هُوَ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مَا مِنْ الْفَنِّ وَالْمُنْتَهِي مَنْ حَصَّلَ أَكْثَرَهُ وَصَلُحَ لِإِفَادَتِهِ. قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا: وَمُفَادُهُ أَنَّ الَّذِي لَمْ يَشْرَعْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ لِلشُّرُوعِ أَوْ لَمْ يُحَصِّلْ لَا يُقَالُ فِيهِ مُبْتَدِئٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبْتَدِئَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي هَذَيْنِ، وَاَلَّذِي حَصَّلَ شَيْئًا أَيْ قَلِيلًا وَقَصَرَ النَّفْعَ عَلَى الْمُبْتَدِئِ وَالْمُنْتَهِي مَعَ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ كَذَلِكَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ الْمُنْتَهِي بِالْأَوْلَى، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ مَنْ حَصَّلَ نِصْفَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ وَلَمْ يَصْلُحْ لِإِفَادَتِهِ، وَإِذَا كَانَ مَنْ حَصَّلَ أَكْثَرَهُ وَصَلُحَ لِإِفَادَتِهِ مُنْتَهِيًا فَلْيَكُنْ مَنْ حَصَّلَ كُلَّهُ وَصَلُحَ لِإِفَادَتِهِ مُنْتَهِيًا بِالْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ حَصَّلَ كُلَّهُ وَلَمْ يَصْلُحْ لِإِفَادَتِهِ يُقَالُ لَهُ مُتَوَسِّطٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا سُلِّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّيْءِ الصَّلَاحِيَّةُ لِلْإِفَادَةِ وَفِيهِ مَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: لِقِرَاءَتِهَا] اللَّامُ بِمَعْنَى فِي أَيْ فِي حَالِ قِرَاءَتِهَا، وَالْمَانِعُ مِنْ إبْقَائِهَا عَلَى أَصْلِهَا صِدْقُهُ بِاَلَّذِي حَصَّلَ الْعِلْمَ مِنْ غَيْرِهَا، وَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَ قِرَاءَتَهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ مُبْتَدِئٌ. [قَوْلُهُ: لِمُطَالَعَتِهَا] أَيْ فِي حَالِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: طَالَعَهُ طِلَاعًا وَمُطَالَعَةً اطَّلَعَ عَلَيْهِ اهـ. [قَوْلُهُ: اقْتَصَرْت فِيهِ عَلَى حَلِّ أَلْفَاظِهَا] أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ بَيَانَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَبَيَانَ الْمَعْنَى، وَفِي الْعِبَارَةُ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَتَخْيِيلٌ، فَشَبَّهَ الْأَلْفَاظَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ

مِنْ الْقُيُودِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ الْمَشْهُورِ وَمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الرُّمُوزِ: بِمَا صُورَتُهُ: (ك) فَلِلْفَاكِهَانِيِّ وَبِمَا صُورَتُهُ (ق) فَلِلْأَقْفَهْسِيِّ وَبِمَا صُورَتُهُ (ع) فَلِابْنِ عُمَرَ وَبِمَا صُورَتُهُ (ج) فَلِابْنِ نَاجِي وَبِمَا صُورَتُهُ (د) فَلِلشَّيْخِ أَحْمَدَ زَرُّوقٍ، وَسَمَّيْته: كِفَايَةُ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ لِرِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِمَنْ رَأَى فِيهِ غَيْرَ الصَّوَابِ وَأَصْلَحَهُ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ وَدَعَا لِمُؤَلِّفِهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ الْمَعُونَةَ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي أَمَّلْنَاهُ بِمَنِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُصُولِ الْمُرَادِ مِنْهَا بِشَيْءٍ مَعْقُودٍ عَلَى مَطْلُوبٍ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فِي النَّفْسِ وَالْحَلُّ قَرِينَةٌ، وَإِضَافَةُ الْأَلْفَاظِ إلَيْهَا لِلْبَيَانِ أَيْ أَلْفَاظُ هِيَ الرِّسَالَةِ إذْ يَجُوزُ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَذِكْرِ] مَعْطُوفٌ عَلَى حَلِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْقُيُودِ] بَيَانٌ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَأَلْ الْجِنْسِيَّةُ إذَا دَخَلَتْ عَلَى جَمْعٍ أَبْطَلَتْ جَمْعِيَّتَهُ، فَالْمُرَادُ جِنْسُ الْقُيُودِ فَيَصْدُقُ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ أَوْ أَنَّ الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْكِتَابِ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْمَاضِي أَعْنِي اقْتَصَرْت وَذَكَرْت وَمَا وَقَعَ إلَخْ وَأَرَادَ الْمُضَارِعَ. [قَوْلُهُ: وَالتَّنْبِيهِ] يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى الْقُيُودِ وَعَلَى حَلِّ. [قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ فَلِلْفَاكِهَانِيِّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مِنْ الرُّمُوزِ] الرُّمُوزُ جَمْعُ رَمْزٍ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِعَيْنٍ أَوْ حَاجِبٍ أَوْ شَفَةٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَأَرَادَ بِالرَّمْزِ هُنَا الْإِشَارَةَ إلَى هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ بِأَحْرُفٍ مَخْصُوصَةٍ مُقْتَطِعَةٍ مِنْ أَسْمَائِهَا. [قَوْلُهُ: ك] أَيْ الَّذِي هُوَ مُسَمًّى كَافٍ، وَهَكَذَا فِيمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: فَلِلْفَاكِهَانِيِّ] هُوَ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْيَمَنِ عَلِيُّ بْنُ سَالِمِ بْنِ صَدَقَةَ اللَّخْمِيُّ الْمَالِكِيُّ الشَّهِيرُ بِتَاجِ الدِّينِ الْفَاكِهَانِيِّ يُكَنَّى أَبَا حَفْصٍ الْإِسْكَنْدَرِيَّ، تُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَمَوْلِدُهُ بِهَا. [قَوْلُهُ: فَلِلْأَقْفَهْسِيِّ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْدَادٍ الْأَقْفَهْسِيُّ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ، تَفَقَّهَ بِالشَّيْخِ خَلِيلٍ وَشَرَحَ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي ثَلَاثِ مُجَلَّدَاتٍ، تُوُفِّيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ الْكَامِنَةِ. [قَوْلُهُ: فَلِابْنِ عُمَرَ] هُوَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْفَاسِيُّ كَانَ شَيْخًا صَالِحًا عَالِمًا مُحَقِّقًا عَابِدًا، تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: إنَّ تَقْيِيدَهُ وَتَقْيِيدَ الْجُزُولِيِّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا لَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ تَأْلِيفًا، وَإِنَّمَا هِيَ تَقَالِيدُ الطَّلَبَةِ. [قَوْلُهُ: فَلِابْنِ نَاجِي] هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عِيسَى بْنُ نَاجِي أَبُو الْفَضْلِ، وَأَبُو الْقَاسِمِ شَرَحَ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ، أَخَذَ عَنْ الشَّبِيبِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَأَصْحَابِهِ. فَائِدَةٌ: مَتَى قَالَ ابْنُ نَاجِي شَيْخُنَا وَأَطْلَقَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْبُرْزُلِيُّ وَإِنْ قَيَّدَهُ فَأَبُو مَهْدِيٍّ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فَهُوَ ابْنُ عَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ زَرُّوقٍ] جَمَعَ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ، وَلِذَا وَصَفَهُ الشَّارِحُ بِالشَّيْخِ، أَخَذَ عَنْ الْعَلَّامَةِ شَيْخِ عَصْرِهِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ السَّنْهُورِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: وَإِنَّمَا جَاءَنِي زَرُّوقٌ مِنْ جِهَةِ الْجَدِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ أَزْرَقَ الْعَيْنَيْنِ وَاكْتَسَبَ ذَلِكَ مِنْ أُمِّهِ، لَهُ تَآلِيفُ كَثِيرَةٌ كَشَرْحِ الْإِرْشَادِ وَشَرْحِ الرِّسَالَةِ وَقِطْعَةٌ عَلَى مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ، تُوُفِّيَ بِبِلَادِ طَرَابُلُسَ فِي صَفَرٍ عَامَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ. [قَوْلُهُ: وَسَمَّيْته] مَعْطُوفٌ عَلَى لَخَّصْته أَيْ سَمَّيْت ذَلِكَ التَّعْلِيقَ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ [قَوْلُهُ: الرَّبَّانِيُّ] نِسْبَةً لِلرَّبِّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ بِزِيَادَةِ الْأَلْفِ وَالنُّونِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الصِّفَةِ كَمَا يُقَالُ لِكَثِيرِ الشَّعْرِ شَعْرَانِيٌّ وَالرَّبَّانِيُّ هُوَ شَدِيدُ التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. قَالَهُ فِي الْكَشَّافِ، وَأَرَادَ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيمَا يَظْهَرُ، الْقَاصِدَ بِطَلَبِهِ الْعِلْمَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ يَكْفِي مَنْ كَانَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. [قَوْلُهُ: لِرِسَالَةِ] مُتَعَلِّقٌ بِالطَّالِبِ أَيْ الطَّالِبِ لِفَهْمِ رِسَالَةِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ [قَوْلُهُ: غَيْرَ الصَّوَابِ] وَهُوَ الْخَطَأُ [قَوْلُهُ: وَأَصْلَحَهُ] أَيْ بِالْكِتَابَةِ فِي أَوْرَاقٍ أَوْ عَلَى الطُّرَّةِ لَا يَمْحُوهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَيُثْبِتُ ذَلِكَ الصَّوَابَ بَدَلَهُ لِاحْتِمَالِ

وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ. فَأَقُولُ: وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ: افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ: بِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَعَمَلًا بِقَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَمْحُوُّ صَوَابًا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ] أَيْ بِعَيْنِ الرِّضَا لَا بِعَيْنِ السُّخْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَدَعَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِمُؤَلِّفِهِ إلَخْ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَدَعَا لِي؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِظْهَارَ لِنُكْتَةِ أَنَّ عِلَّةَ الدُّعَاءِ التَّأْلِيفُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ الْمَأْخَذِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ. [قَوْلُهُ: بِالْمَغْفِرَةِ] هِيَ سَتْرُ الذَّنْبِ. [قَوْلُهُ: وَالرَّحْمَةِ] هِيَ الْإِنْعَامُ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِيُفِيدَ أَنَّ مَنْ دَعَا بِأَحَدِهِمَا يَدْخُلُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ الْمُؤَلِّفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا، فَتُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَنْ دَعَا بِهِمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهَ أَسْأَلُ إلَخْ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأً وَأَسْأَلُ خَبَرًا وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ أَسْأَلُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ إثْبَاتُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: الْمَعُونَةَ] اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَهَلْ الْمِيمُ زَائِدَةٌ فَوَزْنُهَا مَفْعَلَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَوْ أَصْلِيَّةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمَاعُونِ فَوَزْنُهَا فَعُولَةٌ؟ قَوْلَانِ أَفَادَهُمَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي أَمَّلْنَاهُ] أَيْ رَجَوْنَاهُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ مُلَخَّصًا تَلْخِيصًا حَسَنًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِمَنِّهِ إلَخْ] الْمَنُّ يُطْلَقُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ: الْإِنْعَامُ، وَالِامْتِنَانُ، وَالْقَطْعُ، وَإِذْهَابُ الْقُوَّةِ. وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْأَوَّلُ وَعَطْفُ الْكَرَمِ عَلَيْهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، فَأَرَادَ بِالْكَرَمِ صِفَةَ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ الْإِنْعَامُ، وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ حَالٌ مِنْ الْمَعُونَةِ أَيْ أَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ حَالَةَ كَوْنِ تِلْكَ الْإِعَانَةِ مِنْ إنْعَامِهِ وَكَرَمِهِ، أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ فِعْلَ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ. [قَوْلُهُ: إنَّهُ إلَخْ] بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافًا لَفْظًا تَعْلِيلًا مَعْنًى وَبِالْفَتْحِ عَلَى حَذْفِ اللَّامِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَشَاءُ] يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً أَيْ الَّذِي يَشَاؤُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَشِيئَتَهُ، مُتَعَلِّقُ قُدْرَتِهِ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْقُدْرَةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَشَاءُ] مُتَعَلِّقٌ بِقَدِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَبِالْإِجَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِجَدِيرٍ، أَيْ حَقِيقٍ. وَلَمَّا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَّصِفًا بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ نَاسَبَ أَنْ يُسْأَلَ إذْ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِمَا مَعًا لَا يُسْأَلُ، وَقَدَّمَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُتَفَرِّعَةٌ مَعْنًى عَلَى الْأُولَى إذْ الْإِجَابَةُ فَرْعُ الْقُدْرَةِ. [قَوْلُهُ: فَأَقُولُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسْبِي] : أَيْ مُحْتَسَبِي أَيْ كَافِيَّ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ أَقْوَالٍ، وَمَعْمُولُهُ الَّذِي هُوَ افْتَتَحَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] الْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ هُوَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ نِعْمَ الْوَكِيلُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَهِيَ لَا تُعْطَفُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسْبِي، فَيُقَدَّرُ مُبْتَدَأٌ لِلْخُلُوصِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ عَلَى مِثْلِهَا أَيْ وَهُوَ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ مَقُولٌ فِي حَقِّهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ، فَتَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً مُتَعَلِّقُ خَبَرِهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَإِنْ أَرَدْت تَمَامَ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَرَاجِعْ حَفِيدَ السَّعْدِ. 1 - [قَوْلُهُ: افْتَتَحَ إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ خَطًّا وَيَحْتَمِلُ وَلَفْظًا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: كَغَيْرِهِ] حَالٌ مِنْ فَاعِلِ افْتَتَحَ أَيْ افْتَتَحَ الْمُصَنِّفُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُمَاثِلًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ هَذِهِ الْحَالِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ الْمَذْكُورَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَيْ الْفِعْلِيِّ. [قَوْلُهُ: اقْتِدَاءً] مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ عَامِلُهُ افْتَتَحَ. تَنْبِيهٌ: قَصَدَ بِقَوْلِهِ: اقْتِدَاءً أَنَّهُ مَبْدُوءٌ بِهَا لَفْظًا وَخَطًّا قَبْلَ الْفَاتِحَةِ، فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْجَوَابِ بِأَنَّهُ مَبْدُوءٌ بِكِتَابَتِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تُنْدَبُ لَفْظًا أَيْضًا فِي أَوَّلِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح. [قَوْلُهُ: بِكِتَابِ اللَّهِ] مَصْدَرُ كَتَبَ سَمَاعِيٌّ إلَّا أَنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ بِمَكْتُوبِ اللَّهِ، أَوْ أَنَّ الْكِتَابَ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ، وَالْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَعْهُودُ عِنْدَنَا مَعْشَرَ الْأُمَّةِ وَهُوَ الْقُرْآنُ. [قَوْلُهُ: الْعَزِيزِ] أَيْ عَدِيمِ الْمِثَالِ، وَقِيلَ:

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَال لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» . وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ) لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الَّذِي يَتَعَذَّرُ الْإِحَاطَةُ بِوَصْفِهِ وَيَعْسُرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ تَشْتَدُّ إلَيْهِ، وَحَيْثُ جُعِلَتْ الْإِضَافَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ لِلْعَهْدِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْعَزِيزِ وَصْفًا مُؤَكِّدًا، وَيَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ إضَافَةُ كِتَابٍ لِلْجِنْسِ فَيَكُونُ الْعَزِيزُ وَصْفًا مُقَيَّدًا إذْ هُوَ وَصْفٌ خَاصٌّ بِالْقُرْآنِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كِتَابَ اسْمٌ جَامِدٌ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التُّونُسِيُّ مِنْ إجْمَاعِ عُلَمَاءِ كُلِّ أُمَّةٍ عَلَى أَنَّ اللَّهَ افْتَتَحَ جَمِيعَ كُتُبِهِ بِبَسْمِ اللَّهِ. وَيَشْهَدُ لَهُ خَبَرُ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ " وَحِينَئِذٍ فَنُكْتَةُ التَّخْصِيصِ أَنَّهُ أَشْرَفُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ. [قَوْلُهُ: الْوَارِدُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَرَدَ زَيْدٌ الْمَاءَ فَهُوَ وَارِدٌ، وَوَرَدَ زَيْدُ عَلَيْنَا وُرُودًا حَضَرَ، وَوَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ شَبَّهَ وُصُولَ الْقُرْآنِ إلَيْنَا بِالْوُرُودِ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْوُرُودِ لِلْوُصُولِ، وَاشْتُقَّ مِنْ الْوُرُودِ بِمَعْنَى الْوُصُولِ، وَارِدٌ بِمَعْنَى وَاصِلٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ] أَيْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. [قَوْلُهُ: وَعَمَلًا] عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَمْرٌ بِالِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ، فَفِيهِ أَمْرٌ ضِمْنًا [قَوْلُهُ: بِقَوْلِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ، فَقَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ مَعْمُولُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَقُولُهُ فَقَوْلُهُ كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ بَدَلٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] هُوَ إنْسَانٌ ذَكَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَبْلِيغِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِذَلِكَ فَرَسُولٌ أَيْضًا فَالنَّبِيُّ أَعَمُّ مِنْ الرَّسُولِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ] أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مَنْسُوبٍ لِلْأَمْرِ ذِي الْبَالِ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْئِيِّ لِكُلِّيِّهِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: ذِي بَالٍ] أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا فَيَخْرُجُ الْمَكْرُوهُ وَالْمُحَرَّمُ فَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ وَتَحْرُمُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَالِ الْقَلْبُ إمَّا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ قَدْ مَلَكَ قَلْبَ صَاحِبِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ شُبِّهَ بِذِي قَلْبٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ تَقُولَ: شَبَّهَ الْأَمْرَ ذُو الْبَالِ بِإِنْسَانٍ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فِي النَّفْسِ وَأُثْبِتَ لِلْمُشَبَّهِ شَيْءٌ مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَفِي ذَلِكَ الْوَصْفِ فَائِدَةٌ وَهِيَ رِعَايَةُ تَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ حَيْثُ لَا يُبْدَأُ بِهِ إلَّا فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا بَالٌ. [قَوْلُهُ: لَا يُبْدَأُ فِيهِ] مَعْنَى بَدَأَ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ تَصَدَّرَهُ بِذِكْرِهِ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي وَهُوَ الْأَوْلَى لَا ضَمِيرَ مُسْتَتِرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَدَأَ الشَّيْءَ أَنْشَأَهُ بِخِلَافِ بَدَأَ بِهِ بِمَعْنَى جَعَلَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ الْجَعْبَرِيُّ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ أَقْطَعُ] مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ فَهُوَ كَالْأَقْطَعِ وَالْأَقْطَعُ هُوَ الَّذِي قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا، أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ كَمَا فِي: زَيْدٌ أَسَدٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ سَعْدِ الدِّينِ وَالْمُشَابَهَةُ مِنْ حَيْثُ قِلَّةِ الْبَرَكَةِ أَوْ عَدَمِهَا. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِكُبْرَى قِيَاسٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَلَبِ الِابْتِدَاءِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ، فَنَقُولُ: هَذَا التَّأْلِيفُ أَمْرٌ ذُو بَالٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يُطْلَبُ فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ يُنْتِجُ هَذَا التَّأْلِيفُ تُطْلَبُ فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ، أَمَّا الصُّغْرَى فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَدَلِيلُهَا هَذَا الْحَدِيثُ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ] دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الثُّبُوتَ قَبْلَ الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَصَلَّى اللَّهُ إلَخْ] الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ وَأَمَّا مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَكِ فَهِيَ الدُّعَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسَّلَامُ مَعْنَاهُ التَّحِيَّةُ وَالْإِكْرَامُ وَالسَّيِّدُ الْكَامِلُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِمَا نَصَّ إلَخْ] عِلَّةٌ لِثَبَتَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ تَعْلِيلًا لِلثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ تَعْلِيلٌ لِلْإِثْبَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمُعَلَّلَ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ الَّذِي هُوَ هُنَا الْإِثْبَاتُ، وَخُلَاصَةُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْبُدَاءَةِ بِالصَّلَاةِ يَتَحَقَّقُ بِالْكَتْبِ وَبِاللَّفْظِ وَعَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَكُونُ تَحَقَّقَ بِالْكَتْبِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ تَحَقَّقَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ، فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحَبَّةٌ لِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ، وَبَيْنَ يَدَيْ كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَثَبَتَ فِي بَعْضِهَا أَيْضًا. (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَهِيَ رِوَايَتُنَا وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَعَلَى ثُبُوتِهَا سُؤَالَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَبَّرَ بِقَالَ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ يَحْكِي بِهِ مَا وَقَعَ، وَتَأْلِيفُ الْكِتَابِ مُسْتَقْبَلٌ لَمْ يَقَعْ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِيَقُولُ. أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا: أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْمَاضِيَ مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ تَنْزِيلًا لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ الْمُصَنِّفَ صَلَّى وَسَلَّمَ بَلْ وَتَشَهَّدَ لَفْظًا قَائِلًا إذْ حَالُهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبَعْضَ لَا يُخَالِفُهُ غَيْرُهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ تت: قِيلَ: لَمْ تَثْبُتْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كِتَابَتِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يُسْتَحَبُّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ] أَيْ كَالْحَمْدِ لِلَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْجَارِّ: أَيْ مِنْ أَنَّ بَيَانًا لِمَا نَصَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَا. [قَوْلُهُ: وَبَيْنَ يَدَيْ كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ] أَيْ قُدَّامَ كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَمِنْهُ خَاطِبٌ وَمُتَزَوِّجٌ وَمُزَوِّجٌ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْفَاكِهَانِيُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ بِذِي بِذِكْرِ الْبُدَاءَةِ أَوَّلًا، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَفِي كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِكُلِّ مُصَنِّفٍ، أَيْ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ. تَنْبِيهٌ: زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبَيْنَ يَدَيْ كُلِّ أَمْرٍ مُهِمٍّ مَا نَصُّهُ: وَيَتَأَكَّدُ الْحَثُّ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ وَعِنْدَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَفِي آخِرِ الْكِتَابِ وَفِي آخِرِ الدُّعَاءِ اهـ. وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنَّ الْبُدَاءَةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَيْ اسْتِحْبَابًا غَيْرَ أَكِيدٍ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي آخِرِ الدَّرْسِ وَفِي آخِرِ الْخُطْبَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ آخِرِ الْكِتَابِ آخِرُ الدَّرْسِ مِنْ حَيْثُ تَأْكِيدُ الِاسْتِحْبَابِ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَبَيْنَ يَدَيْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ تَذْكُرْ الْعُلَمَاءُ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. قَالَ عج مَا نَصُّهُ: ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ عِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا عِنْدَهَا خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَثَبَتَ فِي بَعْضِهَا أَيْضًا] فِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْغَلَبَةِ فِي الْأَوَّلِ بَلْ قَالَ فِي الْأَوَّلِ مِثْلَ مَا قَالَ شَارِحُنَا. [قَوْلُهُ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ] إمَّا صِفَةُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ بِمَعْنَى إرَادَةِ الْإِنْعَامِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ تَجَدُّدُهُ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُسْتَقْبَلٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحَالِ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ أَزَلِيَّةٌ يَسْتَحِيلُ تَجَدُّدُهَا حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا الدُّعَاءُ فَيَتَعَيَّنُ الْأَوَّلُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَأَرْضَاهُ] أَيْ فَعَلَ بِهِ مَا يُصَيِّرُهُ رَاضِيًا وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللَّهُمَّ أَنْعِمْ عَلَيْهِ بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ عَظِيمَةٍ حَتَّى يَرْضَى وَلَا يَلْتَفِتَ لِسِوَاهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ رِوَايَتُنَا] أَيْ الَّتِي تَلَقَّيْنَاهَا عَنْ الْأَشْيَاخِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا. وَفِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ. ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ فَوَجَدْته مِنْ كَلَامِهِ إلَى قَوْلِهِ: وَمَنَاقِبُهُ إلَخْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: يَحْكِي بِهِ مَا وَقَعَ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَكَيْت الشَّيْءَ أَحْكِيهِ حِكَايَةً إذَا أَتَيْت بِمِثْلِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَتَى بِهَا غَيْرُك، فَأَنْتَ كَالنَّاقِلِ اهـ. [قَوْلُهُ: فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِيَقُولُ] لَمْ يَقُلْ الصَّوَابُ إشَارَةً إلَى إمْكَانِ الْجَوَابِ، فَإِنْ قُلْت: أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلٌ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ فَقَطْ تَتَحَصَّلُ بِالْقَرِينَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ. [قَوْلُهُ: بِأَجْوِبَةٍ] جَمْعُ قِلَّةٍ [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَوَّرَ فِي ذِهْنِهِ مَا يَقُولُهُ حَتَّى صَارَ كَالْمَوْجُودِ الْخَارِجِيِّ، أَوْ أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ. [قَوْلُهُ: اسْتَعْمَلَ الْمَاضِيَ] أَيْ لَفْظَ الْمَاضِي،

مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ، لِأَنَّهُ لَمَّا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ هَذَا التَّأْلِيفِ صَارَ كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فِي مَوَاطِنَ مِنْ الشَّرْعِ. ثَانِيهَا: لِأَيِّ شَيْءٍ زَكَّى نَفْسَهُ وَفِيهَا تَزْكِيَةٌ وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا قَالَ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ التَّأْلِيفِ، أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ، وَمَنَاقِبُ الشَّيْخِ وَسِيرَتُهُ مَعْرُوفَةٌ نَقَلْنَا مِنْهَا جُمْلَةً فِي الْأَصْلِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَلَمَّا كَانَ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ وَالْإِقْدَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: مَوْضِعَ الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ مَوْضِعَ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ بِالْقَرِينَةِ، وَهُوَ لَفْظُ الْمُضَارِعِ. [قَوْلُهُ: تَنْزِيلًا لَهُ] أَيْ لِلْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ بِمَعْنَى الْحَدَثِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ أَوْ أَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ لِمَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ الِاسْتِقْبَالِيُّ وَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ تَنْزِيلِهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ] عِلَّةٌ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِهِ إذْ هُوَ إنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَقِلًّا لِلِاسْتِعْمَالِ الْمَذْكُورِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَلِّلَ التَّنْزِيلَ بِقَوْلِهِ: لِرَغْبَتِهِ فِي حُصُولِهِ أَوْ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي تَعْلِيلِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَثِقَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِإِيجَادِ هَذَا التَّأْلِيفِ] أَيْ الْمُؤَلَّفِ وَأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَالْأَصْلُ بِإِيجَادِهِ أَيْ إيجَادِ اللَّهِ إيَّاهُ أَوْ إيجَادِهِ هُوَ بِمَعْنَى اكْتِسَابِهِ. [قَوْلُهُ: كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْمَوْجُودِ، تَفْسِيرًا لِلْمُحَقَّقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَيْ كَالْمَوْجُودِ بِالْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ، أَيْ الَّذِي لَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ، أَيْ وَإِذَا صَارَ كَالْمُحَقَّقِ الْمَوْجُودِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ] أَيْ الظَّنُّ الْغَالِبُ أَيْ الْقَوِيُّ بَلْ الظَّنُّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ يُجْعَلُ كَالْيَقِينِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرْعِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ صَارَ كَالْمُحَقَّقِ. [قَوْلُهُ: فِي مَوَاطِنَ إلَخْ] أَيْ كَالْوُضُوءِ لَا كَالصَّلَاةِ، أَيْ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ وُضُوءَهُ بَاقٍ وَتَوَهَّمَ عَدَمَ بَقَائِهِ فَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، وَإِذَا ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً فَقَطْ فَيَعْمَلُ عَلَى رَكْعَةٍ فَقَطْ، وَأَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ مَرْجِعُهُ عِلْمُ الْبَيَانِ لَا الشَّرْعُ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ] أَيْ الشَّارِعُ الَّذِي هُوَ اللَّهُ حَقِيقَةً، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجَازًا أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْجَابِ أَوْ الرِّيَاءِ لَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: جَائِزٌ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ إذَا انْتَفَى قَصْدُ كُلٍّ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَالِاعْتِرَافِ تَرْجِيحًا لِجَانِبٍ دَرْءِ الْمَفْسَدَةِ. وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إمَّا تَحْرِيمٌ أَوْ كَرَاهَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ إلَخْ] أَيْ بِأَنَّ التَّكْنِيَةَ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا أَوْ التَّزْكِيَةَ الْمُتَحَقِّقَةَ بِهَا وَبِغَيْرِهَا وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» . وَمَعْنَى ذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ عَظَّمَهُ لَا الْفَخْرَ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مَذْمُومٌ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] . وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ الْمُجَامِعُ لِلنَّدْبِ، وَإِضَافَةُ دَرَجَةٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَيْ سَوَاءٌ أَلَّفَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ دَرَجَةَ التَّدْرِيسِ عَلَى وَجْهِهَا الْمَرَضِيِّ تَسْتَلْزِمُ دَرَجَةَ التَّأْلِيفِ وَأَنَّ مَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ كَالْكَرَمِ يَجُوزُ لَهُ التَّكْنِيَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الَّذِي كَنَّاهُ إنَّمَا هُوَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَكَتَبُوهَا كَذَلِكَ لِاسْتِحْبَابِ مُخَاطَبَةِ أَهْلِ الْفَضْلِ بِهَا كَمَا فِي تت، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ التَّكْنِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ صَدَرَتْ مِنْ الْمَشَايِخِ أَوْ مِنْ التَّلَامِذَةِ، وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ يَمْنَعْ أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ عَلَى عُمُومِهَا وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ. [قَوْلُهُ: مِنْ صُنْعِ] مِنْ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ نَاشِئًا مِنْ صُنْعِ لَا أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ. [قَوْلُهُ: وَمَنَاقِبُ الشَّيْخِ] جَمْعُ مَنْقَبَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْفِعْلِ الْكَرِيمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَسِيرَتُهُ] أَيْ طَرِيقَتُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقَبَةِ لِانْفِرَادِهَا بِتَلْقِيبِهِ بِمَالِكٍ الْأَصْغَرِ مَثَلًا إذْ لَا يُقَالُ فِيهِ مَنْقَبَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَعْرُوفَةٌ] أَيْ فَلَا يَتَأَتَّى الطَّعْنُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: نَقَلْنَا مِنْهَا جُمْلَةً إلَخْ] مِنْهَا كَثْرَةُ حِفْظِهِ. وَدِيَانَتِهِ وَكَمَالُ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَصَلَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: صِحَّةُ

عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبًا قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» . وَلَا يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ، حَدِيثُ الْبَسْمَلَةِ الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ حُمِلَ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ بِحَيْثُ لَا يَسْبِقُهُ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ، وَحَدِيثُ التَّحْمِيدِ عَلَى ابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةَ، وَآثَرَ الِابْتِدَاءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَدَنِ وَالسَّعَةُ فِي الْعِلْمِ وَالْمَالِ، وَمَنْ قَرَأَ كِتَابَهُ هَذَا وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْ بَعْضُهَا، وَكَانَ يُلَقَّبُ بِخَلِيفَةِ مَالِكٍ وَبِمَالِكٍ الْأَصْغَرِ، وَكَانَ يُقَالُ فِيهِ: قُطْبُ الْمَذْهَبِ، وَكَانَ صَاحِبَ فِرَاسَةٍ فَرُبَّمَا قَالَ: حَدَّثَتْنِي نَفْسِي أَنَّ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ كَذَا وَكَذَا سُؤَالًا فَأَيُّكُمْ صَاحِبُ سُؤَالِ كَذَا فَيَقُولُ: أَنَا فَيُجِيبُهُ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَصْلِ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَخَّصَهُ مِنْ شَرْحَيْنِ الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ، فَهُمَا الْأَصْلُ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كُلًّا مِنْهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا يُعْلَمُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِمُرَاجَعَتِهِمَا. [قَوْلُهُ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ] أَيْ عَلَى نَقْلِنَا جُمْلَةً مِنْ مَنَاقِبِهِ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ حَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِشَرْحِهِ الْبَرَكَةُ، أَوْ لِكَوْنِهِ تَحْصِيلَ عِلْمٍ وَهُوَ نِعْمَةٌ فَيَنْبَغِي الْحَمْدُ عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ، أَوْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى تِلْكَ الْمَنَاقِبِ وَالسِّيرَةِ فَيَكُونُ حَمْدًا عَلَى نِعْمَةٍ وَاصِلَةٍ لِلْغَيْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى مُنْعَمٍ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِقْدَارُ عَلَيْهِ] أَيْ جَعَلَ لَهُ قُدْرَةً عَلَيْهِ، وَالْجَعْلُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ بِوُجُودِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ، فَهُوَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ جَمْعِ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إنْعَامٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنِّعَمِ مَا يَشْمَلُ الْمُنْعَمَ بِهِ، وَيَكُونُ نَاظِرًا إلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَنَفْسُ الْإِنْعَامِ، وَيَكُونُ نَاظِرًا إلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْإِقْدَارُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ شُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبًا] أَيْ مُتَأَكِّدًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الشُّكْرُ اللِّسَانِيُّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ. [قَوْلُهُ: أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ] أَيْ تَأَكَّدَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ أَمْرٍ إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعْمُولِيَّةِ أَوْ الْبَدَلِيَّةِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ أَجْذَمُ] أَيْ كَالرَّجُلِ الْأَجْذَمِ أَيْ الْأَقْطَعِ، كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، أَوْ مَنْ قَامَ بِهِ الْجُذَامُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَمَا قِيلَ فِي أَقْطَعَ مِنْ التَّشْبِيهِ وَالِاسْتِعَارَةِ يُقَالُ فِي أَجْذَمَ. [قَوْلُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعَارَضَةَ مُفَاعَلَةٌ تَكُونُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَيَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ فَاعِلًا وَحَدِيثَ مَفْعُولًا وَالْعَكْسُ، إلَّا أَنَّ الْأَنْسَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ مُتَقَدِّمٌ اعْتِبَارًا فَتُسْنَدُ الْمُعَارَضَةُ لِلْمُتَأَخِّرِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ حَدِيثَ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَيْنِ إذَا كَانَ ظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضَ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ إعْمَالُهُمَا أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِمَا، أَوْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِحَيْثُ إلَخْ] حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ أَيْ بِقَيْدٍ وَإِضَافَةِ قَيْدٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ التَّحْمِيدِ] التَّحْمِيدُ مَصْدَرُ حَمَّدَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ الْحَمْدِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَالْأَنْسَبُ وَحَدِيثُ الْحَمْدِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْحَمْدِ. [قَوْلُهُ: عَلَى ابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةَ] أَيْ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ خَلَا جُمْلَةَ الْبَسْمَلَةِ فَإِنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ أَيْ وَمَا عَدَا قَوْلَهُ: وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حُمِلَ عَلَى الِابْتِدَاءِ مَا عَدَا التَّسْمِيَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ حُمِلَ عَلَى الِابْتِدَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَمْدَلَةُ عَلَى الْإِضَافِيِّ وَبَيْنَهُمَا التَّبَايُنُ عَلَى تَقْرِيرِهِ، فَإِنْ قُلْت هَلَّا عُكِسَ الْأَمْرُ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْبَسْمَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ؟ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يَعْكِسْ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ الْحَمْدَلَةِ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْبَسْمَلَةِ صَحِيحٌ وَحَدِيثَ الْحَمْدَلَةِ حَسَنٌ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلِمُوَافَقَةِ كِتَابِ اللَّهِ الْوَارِدِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ سَمَّى إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ، فَالْمُرَادُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَأَنَّهَا أَيْ التَّسْمِيَةُ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ. [قَوْلُهُ: وَآثَرَ] أَيْ فَضَّلَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: آثَرْته بِالْمَدِّ فَضَّلْتُهُ اهـ. أَيْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فَضَّلَهُ حَيْثُ تَلَبَّسَ بِهِ وَاتَّصَفَ بِهِ. [قَوْلُهُ: دَلَالَةً] أَيْ لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِهَا فَهِيَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّلَالَةَ

دَلَالَةً عَلَى عِظَمِهَا حَيْثُ جُعِلَتْ مُفْتَتَحًا لِلْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ؛ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ. وَاصْطِلَاحًا فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا، وَذَلِكَ الْفِعْلُ إمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ أَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةَ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ: لِعِظَمِهَا لَصَحَّ أَيْضًا وَكَانَتْ عِلَّةً بِدُونِ الْوَصْفِ بِكَوْنِهَا غَائِيَّةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الشَّيْءِ عِلَّةٌ فِيهِ وَتَكُونُ غَائِيَّةً وَغَيْرَ غَائِيَّةٍ. [قَوْلُهُ: حَيْثُ جُعِلَتْ] حَيْثِيَّةَ تَعْلِيلٍ لِقَوْلِهِ: عِظَمِهَا أَيْ إنَّمَا كَانَتْ عَظِيمَةً؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ الَّذِي هُوَ مُنَاسِبٌ لِلرُّبُوبِيَّةِ الَّتِي هِيَ وَصْفٌ ثَابِتٌ دَائِمٌ، وَظَهَرَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّ الْحَيْثِيَّةَ تَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ، وَتَأْتِي لِلتَّقْيِيدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهَا مَعْنًى ثَالِثٌ وَهُوَ: أَنَّهَا تَكُونُ لِلْإِطْلَاقِ، تَقُولُ: أَكْرِمْ زَيْدًا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا. [قَوْلُهُ: مُفْتَتَحًا] أَيْ مُبْتَدَأً كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: لُغَةً] أَيْ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ تَقْدِيرًا، وَالْأَصْلُ وَتَفْسِيرُ الْحَمْدِ حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْطُ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَافَ مُقْتَضٍ لِلْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: الْوَصْفُ] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاللِّسَانِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَيَشْمَلُ حَمْدَ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِاللِّسَانِ بِمَعْنَى آلَةِ النُّطْقِ وَلَوْ غَيْرَ الْمَعْهُودَةِ خَرْقًا لِلْعَادَةِ كَمَا إذَا نَطَقَتْ يَدُهُ مَثَلًا فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ غَيْرِهِ هُوَ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِالْجَمِيلِ إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَحْمُودُ بِهِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ لِأَجْلِ جَمِيلٍ إلَخْ، وَالْمَحْمُودُ بِهِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَصَبَاحَةِ الْوَجْهِ وَالْمُرَادُ الْجَمِيلُ، وَلَوْ فِي زَعْمِ الْحَامِدِ أَوْ فِي زَعْمِ الْمَحْمُودِ، لَكِنْ عَلَى زَعْمِ الْحَامِدِ يَدْخُلُ الْوَصْفُ بِالظُّلْمِ عِنْدَ اعْتِقَادِ مَنْ ذُكِرَ حُسْنُهُ بِخِلَافِ الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا. وَأَرْكَانُ الْحَمْدِ خَمْسَةٌ: حَامِدٌ وَمَحْمُودٌ وَمَحْمُودٌ بِهِ وَمَحْمُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ. وَالتَّعْرِيفُ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا، فَالْوَصْفُ يَتَضَمَّنُ وَاصِفًا وَمَوْصُوفًا أَيْ الْحَامِدَ وَالْمَحْمُودَ، وَالثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ: بِالْجَمِيلِ. وَالرَّابِعُ: هُوَ قَوْلُهُ لِأَجْلِ جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَالْمَحْمُودُ بِهِ مَعْنًى فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَالٍّ عَلَيْهِ وَهِيَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ الرُّكْنُ الْخَامِسُ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ التَّعْظِيمُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، فَلَا يُقَالُ لَهُ حَمْدٌ، وَهُنَا سُؤَالٌ وَجَوَابٌ اُنْظُرْهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَحْذِفْ جِهَةَ إشْعَارًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحَمْدِ لَيْسَ نَفْسَ التَّعْظِيمِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي هُوَ مُوَافَقَةُ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ طَرِيقَتُهُ وَطُرُزُهُ أَعْنِي عَدَمَ مُخَالَفَةِ الْأَرْكَانِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي التَّعْظِيمِ الْبَاطِنِيِّ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ جَمِيلٍ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْجَمِيلُ، مُتَعَدِّيًا كَالْإِنْعَامِ عَلَى الْغَيْرِ أَوْ قَاصِرًا كَحُسْنِ خَطِّهِ. [قَوْلُهُ: اخْتِيَارِيٌّ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَشَمَلَ الْحَمْدَ عَلَى ذَاتِ الْمَوْلَى وَصِفَاتِهِ، فَإِنَّهَا اخْتِيَارِيَّةٌ حُكْمًا، أَمَّا الذَّاتُ، فَلِأَنَّهَا مَنْشَأُ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ، وَأَمَّا الصِّفَاتُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ ذَاتَهُ الْمُقَدَّسَةَ اسْتَلْزَمَتْهَا اسْتِلْزَامًا لَا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ، فَنَزَلَتْ تِلْكَ الصِّفَاتُ بِسَبَبِ اسْتِلْزَامِ الذَّاتِ إيَّاهَا مَنْزِلَةَ أَفْعَالٍ اخْتِيَارِيَّةٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالذَّاتِ، الصِّفَاتُ بِالِاسْتِلْزَامِ وَالْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ بِالْإِيجَادِ. [قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا] أَيْ اصْطِلَاحَ النَّاسِ أَيْ عُرْفَهُمْ لَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، إذْ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَاخْتَصَّ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: فِعْلٌ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ وَالشَّأْنُ عَلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ حَفِيدُ السَّعْدِ أَيْ فَصَحَّ شُمُولُهُ لِمَا كَانَ بِاللِّسَانِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ لَا فِعْلٌ، وَلَمَّا كَانَ بِالْجَنَانِ وَهُوَ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ لَا فِعْلٌ قَالَهُ الشَّيْخُ يَاسِينُ. [قَوْلُهُ: يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ إلَخْ] ظَاهِرٌ فِي اللِّسَانِ وَفِعْلِ الْجَوَارِحِ، وَأَمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ فَهُوَ خَفِيٌّ، فَيُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْحَامِدِ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِقَوْلٍ مِنْ الْحَامِدِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْحَامِدِ حَمْدًا وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا] أَيْ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ إمَّا بِفَعَلَ أَوْ بِيَشْعُرُ أَوْ بِتَعْظِيمٍ أَيْ لَا بِاعْتِبَارِهِ وَحْدَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا] مَفْهُومٌ مِنْ تَعَلُّقِ تَعْظِيمٍ بِالْمُنْعِمِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِعِلِّيَّةِ الْمَأْخَذِ وَهُوَ الْإِنْعَامُ

الِاعْتِقَادَ بِاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ أَوْ فِعْلُ اللِّسَانِ، أَعْنِي ذِكْرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْ فِعْلُ الْجَوَارِحِ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِأَفْعَالٍ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا: فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا إلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ. وَأَعْطَاهُ لِأَجْلِهِ كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَى مُطَالَعَةِ مَصْنُوعَاتِهِ، وَالسَّمْعِ إلَى تَلَقِّي مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْتَقُّ مِنْهُ لَفْظُ الْمُنْعِمِ. [قَوْلُهُ: إمَّا فِعْلُ الْقَلْبِ] أَيْ الْعَقْلِ أَيْ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ النَّفْسِ، إلَّا أَنَّ الْقَلْبَ آلَةُ هَذَا وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضٌ إلَى أَنَّ الْقَلْبَ يُطْلَقُ عَلَى النَّفْسِ فَلَا تَجُوزُ. [قَوْلُهُ: أَعْنِي الِاعْتِقَادَ] سَوَاءٌ كَانَ جَازِمًا أَوْ رَاجِحًا ثَابِتًا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ] أَرَادَ بِالْأُولَى الْأَوْصَافَ الثُّبُوتِيَّةَ كَالْعِلْمِ وَالْكَرَمِ، وَأَرَادَ بِالثَّانِيَةِ أَعْنِي الْجَلَالَ الْأَوْصَافَ السَّلْبِيَّةَ كَعَدَمِ الْبُخْلِ وَكَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصِّفَاتُ اخْتِيَارِيَّةً أَوْ لَا كَمَا ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا. تَنْبِيهٌ: أَرَادَ بِالصِّفَاتِ الْجِنْسَ فَيَصْدُقُ بِوَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَدُّدُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَعْنِي ذِكْرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ] أَيْ ذِكْرَ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ إلَخْ، وَمُرَادُهُ بِالذِّكْرِ حَرَكَاتُ اللِّسَانِ، النَّاشِئُ عَنْهَا اللَّفْظُ بِمَعْنَى الْمَلْفُوظِ الْمَوْصُوفِ بِكَوْنِهِ دَالًّا عَلَى الِاتِّصَافِ لَا مُقَارَنَةَ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ لِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُتَحَدِّدَ ثَلَاثَهُ أُمُورٍ: الْمُقَارَنَةُ وَالْحَرَكَةُ وَالْمَلْفُوظُ وَالْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ فِعْلًا لِلِّسَانِ نَفْسُ الْحَرَكَةِ لَا نَفْسُ مُقَارَنَةِ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْحَرَكَةِ وَلَا الْمَلْفُوظُ، فَحِينَئِذٍ يَرِدُ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِكَوْنِهِ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ هُوَ اللَّفْظُ بِمَعْنَى الْمَلْفُوظِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الِاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا الذِّكْرُ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، فَيُجَابُ بِأَنْ يُرَادَ بِالذِّكْرِ بِمَعْنَى الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ الْمَلْفُوظُ وَإِضَافَتُهُ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ وَتَسْمِيَتُهُ فِعْلًا لِلِّسَانِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ فِعْلِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِتْيَانُ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ فِعْلَ الْجَوَارِحِ هُوَ الْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الِاتِّصَافِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ لَا الْإِتْيَانُ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ بِتِلْكَ الْحَرَكَاتِ، وَأَيْضًا فَالْإِتْيَانُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ هُوَ الْمُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ بَلْ الْمُشْعِرُ هُوَ نَفْسُ الْحَرَكَاتِ، فَالْمُخَلِّصُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤَوَّلَ الْإِتْيَانُ بِمَا أَتَى بِهِ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ التَّصْوِيرِ [قَوْلُهُ: بِأَفْعَالٍ إلَخْ] أَيْ جِنْسِ أَفْعَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِعْلٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ] أَيْ فَبَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ التَّرَادُفُ كَانَ الْإِنْعَامُ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا اصْطِلَاحًا] أَيْ اصْطِلَاحَ الشَّرْعِ لِاخْتِصَاصِ الْمُتَعَلِّقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ فِي الْحَمْدِ مُغَايِرٌ لِلِاصْطِلَاحِ فِي الشُّكْرِ. [قَوْلُهُ: صَرْفُ إلَخْ] يُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ صَرْفُهُ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ النِّعْمَةِ، وَيُحْتَمَلُ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَالْأَوَّلُ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الشُّكْرُ إلَّا بِصَرْفِ اللِّسَانِ لِلشُّكْرِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءٍ مِنْ وُجُودِهِ، وَلَا خَفَاءَ فِي تَعَذُّرِ هَذَا أَوْ تَعَسُّرِهِ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الشَّاكِرِينَ فِينَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالصَّرْفِ هُنَا أَنَّهُ لَا يَصْرِفُهُ فِي مَعْصِيَةٍ اهـ. وَيُجَابُ بِمَا أَفَادَهُ خُسْرٍ وَمِنْ أَنَّ الْقِلَّةَ بِاعْتِبَارِ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ أَفْرَادِ الشَّاكِرِينَ فَكَثِيرٌ فَلَا مُنَافَاةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ إلَخْ] مَا مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ جَمِيعُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ أَيْ الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ السَّمْعِ بَيَانٌ لِمَا. [قَوْلُهُ: إلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ] أَيْ الَّذِي أَوْ شَيْءٌ خَلَقَهُ اللَّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا لِأَجْلِ مَا، فَمَصْدُوقُ " مَا " مُطَالَعَةُ مَصْنُوعَاتِهِ مَثَلًا إلَّا أَنَّ الشَّارِحَ أَخَلَّ بِإِبْرَازِ الضَّمِيرِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ أَوْ الصِّفَةَ لَمْ تَجْرِ عَلَى " مَا " كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَأَعْطَاهُ] عَطْفٌ عَلَى خَلَقَ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَارِزُ مَفْعُولُهُ الثَّانِي، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ الْعَبْدُ، وَتَقْدِيرُ الْعِبَارَةِ مِنْ أَوَّلِهَا: صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا إلَى شَيْءٍ

يُنْبِئُ عَنْ مَرْضَاتِهِ وَالِاجْتِنَابِ عَنْ مَنْهِيَّاتِهِ، فَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَبَيْنَ الشُّكْرَيْنِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ. (الَّذِي) اسْمٌ مَوْصُولٌ صِفَةٌ لِلَّهِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ. وَجُمْلَةُ (ابْتَدَأَ الْإِنْسَانُ بِنِعْمَتِهِ) صِلَتُهُ وَالِابْتِدَاءُ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ، وَأَعْطَى مَا ذُكِرَ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. وَيَجُوزُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّك تَقُولُ إلَى شَيْءٍ مِنْ صِفَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَبْدَ وَأَعْطَى الْعَبْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مُطَالَعَةِ الْمَصْنُوعَاتِ مَثَلًا كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: كَصَرْفِ النَّظَرِ إلَخْ] أَيْ الْبَصَرِ. [قَوْلُهُ: إلَى مُطَالَعَةِ إلَخْ] أَيْ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَا فِي مَصْنُوعَاتِهِ مِنْ دَقَائِقِ الصُّنْعِ الْعَجَبِ وَالْحِكْمَةِ الْأَنِيقَةِ. [قَوْلُهُ: إلَى تَلَقِّي] أَيْ سَمَاعِ. [قَوْلُهُ: مَا يُنْبِئُ] أَيْ أَوَامِرُ وَنَوَاهٍ وَإِخْبَارَاتٌ تُخْبِرُ عَنْ مَرْضَاتِهِ، وَفِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ وَالْمُرَادُ تَدُلُّ عَلَى رِضَاءٍ أَيْ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالِاجْتِنَابِ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَرْضَاتِهِ، أَيْ وَتَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مَا لَا يُرْضِيهِ الَّذِي هُوَ الْمَنَاهِي كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَعَدَّى الِاجْتِنَابَ بِعَنْ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ بِدَلِيلِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ} [النساء: 31] إلَخْ، لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى التَّجَاوُزِ أَيْ وَالتَّجَاوُزُ عَنْ مَنَاهِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ نَهْيٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ بِمَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: فَالنِّسْبَةُ إلَخْ] هَذَا التَّفْرِيعُ قَاصِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ حَمْدٌ لُغَوِيٌّ وَحَمْدٌ عُرْفِيٌّ وَشُكْرٌ لُغَوِيٌّ وَشُكْرٌ عُرْفِيٌّ، فَالْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ يُؤْخَذُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ ثَلَاثُ نِسَبٍ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ مَعَ كُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ نِسْبَتَانِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ الشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مَعَ مَا بَعْدَهُ فَيَتَحَصَّلُ نِسْبَةٌ فَتَكُونُ جُمْلَةُ النِّسَبِ سِتَّةً. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّرْحُ نِسْبَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ عَنْ الْحَمْدِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي ثَنَاءٍ بِلِسَانٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ كَأَنْ يَحْمَدَهُ لِكَوْنِهِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً جَيِّدَةً، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ الِاصْطِلَاحِيُّ فِي فِعْلِ جَارِحَةٍ أَوْ قَلْبٍ فِي مُقَابَلَةِ إحْسَانٍ، وَبَيْنَ الشُّكْرَيْنِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ شُكْرٌ لُغَةً وَلَا عَكْسَ، فَإِذَا صَرَفَ جَارِحَةَ اللِّسَانِ فَقَطْ لِكَوْنِ الْمَوْلَى مُنْعِمًا فَهُوَ شُكْرٌ لُغَةً لَا اصْطِلَاحًا وَتَرَكَ أَرْبَعَةً وَنَقُولُ: بَيَانُهَا أَنَّ النِّسْبَةَ بَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ الْعُرْفِيَّ وَهُوَ عَيْنُ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ، وَبَيْنَ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ وَالشُّكْرِ الِاصْطِلَاحِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ حَمْدٌ لُغَوِيٌّ وَلَا عَكْسَ، بَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ التَّرَادُفُ، وَبَيْنَ الْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَالشُّكْرِ الِاصْطِلَاحِيِّ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ شُكْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ حَمْدٌ عُرْفِيٌّ وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ عُرْفِيٍّ شُكْرًا اصْطِلَاحِيًّا [قَوْلُهُ: صِفَةُ اللَّهِ] أَيْ وَصْفٌ مُؤَكَّدٌ، فَإِنْ قُلْت: النَّعْتُ مُشْتَقٌّ وَالْمَوْصُولُ جَامِدٌ، قُلْت: النَّعْتُ إمَّا مُشْتَقٌّ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِهِ، وَالْمَوْصُولُ أَيْ مَعَ مَا بَعْدَهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمُشْتَقِّ أَيْ الْمُبْتَدِئِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بَدَلٌ] أَيْ بَدَلٌ مُطَابِقٌ، فَإِنْ قُلْت: الْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى نِيَّةِ الطَّرْحِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْجَلَالَةِ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ مَعَ أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ، قُلْت: مَعْنَى كَوْنِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ فِي الْأَخْبَارِ الْبَدَلُ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا مَا لَمْ يُفِدْهُ الْمُبْدَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ أَقْوَى وَأَشْرَفَ مِنْ الْبَدَلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجَلَالَةِ مَدْلُولُهُ الذَّاتُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: بِنِعْمَتِهِ] الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ بَدْءًا مُلَابِسًا لِإِنْعَامِهِ مِنْ مُلَابَسَةِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ، إشَارَةً إلَى أَنْ ذَلِكَ الْبَدْءَ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هُوَ إنْعَامٌ وَكَرَمٌ مِنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ أَوْجَدَهُ بِسَبَبِ نِعْمَتِهِ، أَيْ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِوُجُودِهِ بِسَبَبِ إرَادَةِ وُجُودِهِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ مِنْ الْمَوْلَى لَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ مَعْنَاهُ الِاخْتِرَاعُ] أَيْ فَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ابْتَدَأَ إلَخْ. اخْتَرَعَهُ أَيْ أَوْجَدَهُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ مِثَالٍ، أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ابْتَدَأَ بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ أَشْيَاءَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قُلْت: فِي الْقُرْآنِ بَدَأَ فَلِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ؟ قُلْنَا: لَيْسَ تَعَبُّدُنَا بِالْأَلْفَاظِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي، وَابْتَدَأَ وَبَدَأَ بِمَعْنًى.

الِاخْتِرَاعُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْإِنْسَانِ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ. وَالْإِنْسَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّأَنُّسِ، وَقِيلَ مِنْ النِّسْيَانِ، وَالنِّعْمَةُ بِكَسْرِ النُّونِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْعَبْدِ بِهِ، وَبِفَتْحِهَا التَّنَعُّمُ وَبِضَمِّهَا السُّرُورُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْكَافِرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلِأَنَّ مَا مِنْ نِقْمَةٍ وَعَذَابٍ إلَّا وَثَمَّ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، فَكَانَ نِعْمَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ فِي نِعْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ انْتِقَامٍ وَغَضَبٍ. وَذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَى النَّارِ (وَصَوَّرَهُ) بِمَعْنَى وَشَكَّلَهُ عَلَى صِفَةٍ أَرَادَهَا (فِي الْأَرْحَامِ) جَمْعُ رَحِمٍ وَهُوَ مَوْضِعُ وُقُوعِ نُطْفَةِ الذَّكَرِ فِي فَرْجِ الْأُنْثَى، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِانْعِطَافِهِ وَحُنُوِّهِ عَلَى مَا فِيهِ. وَأَفْرَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْأَلِفُ إلَخْ] الْأَحْسَنُ وَأَلْ. [قَوْلُهُ: لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ] أَيْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ، فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى عِيسَى أَوْ آدَمَ لِبُعْدِهِ، وَقَوْلُهُ: وَصَوَّرَهُ فِي الْأَرْحَامِ أَيْ أَغْلَبَ الْأَفْرَادِ فَلَا يَرِدُ آدَم. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا خَصَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ كَانَ مَا مِنْ مَوْجُودٍ كَمَا قَالَ بَعْضٌ إلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ لِأَشْرَفِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ التَّأَنُّسِ] ؛ لِأَنَّ أَفْرَادَهُ يَأْنَسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حَصْرَ التَّأَنُّسِ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَجِدُ الْحَيَوَانَاتِ يَتَأَنَّسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجِنَّ كَذَلِكَ دُونَ الْمَلَكِ وَحَرِّرْهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ النِّسْيَانِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَنْسَى مَا كَانَ مُتَذَكِّرًا لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجِنَّ كَذَلِكَ، وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ كَذَلِكَ؟ وَعِبَارَةُ تت سُمِّيَ الْإِنْسَانُ إنْسَانًا لِظُهُورِهِ وَسُمِّيَ الْجِنُّ جِنًّا لِخَفَائِهِ، وَقِيلَ: لِنِسْيَانِهِ، وَقِيلَ: لِتَأَنُّسِهِ اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: الْإِنْسَانُ مُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ تت. لِقَضِيَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْجِنِّ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْحَصْرُ أَيْ حَصْرُ النِّسْيَانِ وَالتَّأَنُّسِ فِي الْإِنْسَانِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَرَيَانُ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالنِّعْمَةُ إلَخْ] مُرَادُهُ تَفْسِيرُ الْمَادَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَيْئَتِهَا؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ فِي الْمُصَنِّفِ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ. [قَوْلُهُ: مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ] يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْعَبْدُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَهُوَ الْإِنْسَانُ، وَأَنْ يُرَادَ عَبْدُ الْإِيجَادِ لِمَا قَالَهُ بَعْضٌ: إنَّهُ مَا مِنْ مَوْجُودٍ إلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَةٌ. [قَوْلُهُ: وَبِفَتْحِهَا التَّنَعُّمُ] أَيْ التَّرَفُّهُ أَفَادَهُ الْقَامُوسُ. [قَوْلُهُ: السُّرُورُ] حَالَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ وُجُودِ مَا يَنْتَظِرُهُ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] أَيْ لِجَعْلِ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ إنَّمَا هُوَ فِي نِعْمَةِ الْوُجُودِ فَقَطْ، فَلَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ شَارِحُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَوَاضِحٌ] ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِأَنْوَاعِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَيْ أَغْلَبُ أَفْرَادِهِ فَلَا يَرِدُ الْمَرِيضُ الَّذِي أَضْنَاهُ الْمَرَضُ فَصَارَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا فِيهِ لَذَّةٌ أَوْ كُلُّ أَفْرَادِهِ، وَنَقُولُ: الْكَافِرُ الْمَذْكُورُ بِاعْتِبَارِ مَا يَعْقُبُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَلَمِ فِي الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَذَابٍ] عَطْفٌ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: فَكَانَ نِعْمَةً] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ النِّقْمَةِ وَالْعَذَابِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ] أَيْ عُرْفًا أَوْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ شَرْعًا، فَالْقَوْلُ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَغَضَبٍ] أَيْ مِنْ اللَّهِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُرَادِفٌ؛ لِأَنَّ الْغَضَبَ هُوَ الِانْتِقَامُ حَيْثُ لُوحِظَ أَنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ، وَأَمَّا لَوْ فُسِّرَ بِإِرَادَةِ الِانْتِقَامِ فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ. [قَوْلُهُ: وَذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ] هُوَ عَلِيٌّ أَبُو الْحَسَنُ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَصِيرَهُ إلَخْ] مِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا نَظَرَ إلَى مَا هُوَ قَاطِعًا النَّظَرَ عَمَّا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ، وَفِي الْآخِرَةِ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مَا مِنْ عَذَابٍ إلَّا وَثَمَّ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ. وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ مُنْعَمًا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا نَظَرَ إلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ، وَفِي الْآخِرَةِ نَظَرَ إلَى مَا هُوَ فِيهِ قَاطِعًا النَّظَرَ عَنْ كَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ مُصَرِّحًا بِأَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَمَنْ نَفَى كَوْنَهُ لَفْظِيًّا لَمْ يُصِبْ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى وَشَكَّلَهُ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اللَّفْظِ غَيْرُ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ. [قَوْلُهُ: مَوْضِعُ وُقُوعِ نُطْفَةِ] فِي الْعِبَارَةِ حَزَازَةٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ:

الضَّمِيرَ الْبَارِزَ وَإِنْ كَانَ الْمُصَوَّرُ فِي الرَّحِمِ غَيْرَ وَاحِدٍ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْإِنْسَانِ. وَذَكَرَ الْأَرْحَامَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى وَالْبَاءُ فِي (بِحِكْمَتِهِ) لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ صَوَّرَهُ مُصَاحَبًا بِحِكْمَتِهِ وَهِيَ الْإِتْقَانُ وَقِيلَ الْعِلْمُ. وَمِنْ حِكْمَتِهِ تَعَالَى أَنْ جَعَلَ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِحَرِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَجَعَلَ غِذَاءَهُ فِي سُرَّتِهِ، وَجَعَلَ أَنْفَهُ بَيْنَ فَخِذَيْهِ لِيَتَنَفَّسَ فِي فَارِغٍ. (وَ) الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي (أَبْرَزَهُ) عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْبَارِزُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمَجْرُورُ بِالْإِضَافَةِ فِي (إلَى رِفْقِهِ) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الْإِنْسَانِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى رِفْقِ الْإِنْسَانِ بِهِ جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ أَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى أَبْرَزَ أَظْهَرَ، وَالرِّفْقُ فِي جَمِيعِ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَوْضِعُ وُقُوعِ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ النُّطْفَةَ تَقَعُ فِيهِ وَهُوَ مَوْضِعُهَا. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ فِي فَرْجِ الْأُنْثَى مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِ فَهُوَ صَرِيحٌ بِأَنَّ الْفَرْجَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ لَا الرَّحِمَ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مَوْضِعُ انْتِهَاءِ وُقُوعِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ] أَيْ مَوْضِعُ إلَخْ أَوْ الرَّحِمُ بِمَعْنَى الذَّاتِ، وَقَوْلُهُ: بِذَلِكَ أَيْ بِالرَّحِمِ بِمَعْنَى اللَّفْظِ لَا بِمَعْنَى الذَّاتِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: لِانْعِطَافِهِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ وَحُنُوِّهِ أَنْ يَقُولَ لِعَطْفِهِ وَيُعْطَفُ عَلَيْهِ حُنُوُّهُ عَطْفَ مُرَادِفٍ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: حَنَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى وَلَدِهَا تَحْنِي وَتَحْنُو حُنُوًّا، عَطَفَتْ وَأَشْفَقَتْ اهـ. [قَوْلُهُ: وَحُنُوِّهِ] عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلَفْظِ الْإِنْسَانِ] إذْ لَفْظُهُ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى] ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَفْرَادُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَمُرَاعَاةُ الْمَعْنَى بَعْدَ مُرَاعَاةِ اللَّفْظِ فَصِيحَةٌ لِقُوَّةِ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِتْقَانُ] هُوَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَنَاسِبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَالْحِكْمَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ] أَخَّرَهُ لِضَعْفِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاءَ إمَّا أَنْ تُجْعَلَ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِلْمِ وَتَعَلُّقِهِ قَدِيمٌ وَالِاصْطِحَابُ يُؤْذِنُ بِالْحُدُوثِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ حَادِثٌ، وَالْأَصْلُ تَسَاوِي الْمُقْتَرِنَيْنِ. وَعَلَى الثَّانِي أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِهَا بِالْإِتْقَانِ فَإِنَّهُ صِفَةُ فِعْلٍ وَهِيَ حَادِثَةٌ فَيَصِحُّ الِاصْطِحَابُ، وَلَا تُجْعَلُ الْبَاءُ عَلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِتْقَانَ صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا بَلْ هُوَ مُقَارِنٌ لِلتَّصَوُّرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ حِكْمَتِهِ] أَيْ إتْقَانِهِ رُجُوعٌ لِلتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، وَأَتَى بِمَنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَمِنْهُ خَلْقُ الْبَصَرِ وَجَعْلِهِ فِي أَعْلَى جَسَدِهِ لِتَكُونَ مَنْفَعَتُهُ أَعَمَّ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ أَجْفَانًا كَالْأَغْطِيَةِ تَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ، وَجَعَلَهَا مُتَحَرِّكَةً تَنْطَبِقُ وَتَنْفَتِحُ بِمِقْدَارِ حَاجَتِهِ، وَجَعَلَ فِي أَطْرَافِهَا شَعْرًا يَمْنَعُ لَدْغَ الذُّبَابِ وَالْهَوَامِّ إذَا نَزَلَتْ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهَا زِينَةً لَهَا كَحِلْيَةِ مَا يُحَلَّى، وَجَعَلَ عَظْمَ الْحَاجِبِ بَارِزًا عَلَيْهَا يَقِيهَا وَيَدْفَعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَطِيفَةٌ فِي شَكْلِهَا. [قَوْلُهُ: بِحَرِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] أَيْ إذَا كَانَا حَارَّيْنِ أَوْ بِبَرْدِهِمَا إذَا كَانَا بَارِدَيْنِ، أَوْ أَنَّ لَهُمَا فِي ذَاتِهِمَا حَرَارَةً. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ غِذَاءَهُ فِي سُرَّتِهِ] لِقُرْبِهَا مِنْ مَعِدَتِهِ، فَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي الْغِذَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَ مِنْ فَمِهِ. [قَوْلُهُ: إلَى رِفْقِ الْإِنْسَانِ] أَيْ ارْتِفَاقِهِ، وَقَوْلُهُ: بِهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلرِّفْقِ الْوَاقِعِ فِي الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمَنْفَعَةِ الْمُرْتَفَقِ بِهَا، فَحَاصِلُ الْمَعْنَى فَمَنْ نَظَرَ إلَى ارْتِفَاقِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَرْتَفِقُ بِهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ جَعَلَهُ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ] أَيْ خَلَقَ لَهُ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ أَعَادَهُ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى وَأَبْرَزَهُ إلَيَّ شَيْءٍ يَرْتَفِقُ الْإِنْسَانُ بِهِ مُضَافًا لِلْمَوْلَى عَلَى جِهَةِ الْخَلْقِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الرِّفْقَ فِي الْمُصَنِّفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَرْتَفِقُ الْإِنْسَانُ بِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلَّهِ عَلَى هَذَا فِيهِ تَكَلُّفٌ، فَالْأَنْسَبُ جَعْلُ الضَّمِيرِ عَائِدًا عَلَى الْإِنْسَانِ فَقَطْ، وَذَهَبَ تت إلَى أَنَّ الرِّفْقَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ وَهُوَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: أَظْهَرَ] أَيْ مِنْ الْعَدَمِ لِلْوُجُودِ، فَالرِّفْقُ لَحِقَ بِهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُ حِجْرَ أُمِّهِ وَطَنًا وَثَدْيَهَا لَهُ حُقًّا وَجَعَلَ لَبَنَهَا بَيْنَ الْمُلُوحَةِ وَالْعُذُوبَةِ إذْ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَسَئِمَهُ بَارِدًا فِي الصَّيْفِ سُخْنًا فِي الشِّتَاءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ:

يُرْتَفَقُ بِهِ. (وَ) أَبْرَزَهُ إلَى (مَا) أَيْ الَّذِي (يَسَّرَهُ) اللَّهُ (لَهُ مِنْ رِزْقِهِ) مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ (وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ) وَهِيَ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ وَهُوَ مَا يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَقِيلَ: الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ كَالذَّوْقِ وَالشَّمِّ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللَّمْسِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وَفَضْلُهُ تَعَالَى إعْطَاءُ الشَّيْءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي شَيْئًا رَجَاءَ الثَّوَابِ، إمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ، وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْجَدَهُ بَعْدَ الْعَدَمِ وَأَنْ جَعَلَهُ حَيَوَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ جَمَادًا، وَأَنْ جَعَلَهُ إنْسَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ بَهِيمَةً (وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ) أَيْ أَيْقَظَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ وَجَعَلَ لَهُ عَقْلًا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَصْنُوعِ صَانِعًا صَنَعَهُ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQأَظْهَرَهُ مِنْ ضِيقٍ إلَى سَعَةٍ، أَيْ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إلَى خَارِجِهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ] أَيْ فَالرِّزْقُ عَلَى الصَّحِيحِ عَامٌّ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ حِينِ يُخْلَقُ إلَى أَنْ يَمُوتَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا يَكُونُ إلَّا حَلَالًا وَهُوَ بَاطِلٌ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ إلَخْ] مَا اسْمٌ مَوْصُولٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْلِ حَتَّى يَطْرَأَ الْعِلْمُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الشَّهَادَةُ] أَيْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُدْرَكُ بِالنَّظَرِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ بِالنَّظَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ يُدْرَكُ إنَّمَا هُوَ الْمَعْلُومُ لَا الْعِلْمُ النَّظَرِيُّ الْمَقْصُودُ تَفْسِيرُهُ، وَالنَّظَرُ تَرْتِيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لِتُؤَدِّيَ إلَى مَجْهُولٍ كَتَرْتِيبِ، الْعَالَمُ مُتَغَيِّرٌ، وَكُلُّ مُتَغَيِّرٍ حَادِثٍ، الْمُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ الَّذِي هُوَ الْمَجْهُولُ، وَقَوْلُهُ: وَالِاسْتِدْلَالُ هُوَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ فَهُوَ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ] هُوَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَلَا عَلَى اسْتِدْلَالٍ. [قَوْلُهُ: كَالذَّوْقِ] قَالَ سَعْدُ الدِّينِ: الذَّوْقُ قُوَّةٌ إدْرَاكِيَّةٌ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِإِدْرَاكِ لَطَائِفِ الْكَلَامِ وَمَعَانِيهِ انْتَهَى. وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ كَالْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالذَّوْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَوَاسِّ. [قَوْلُهُ: وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ] أَيْ وَالْعِلْمِ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَرَحِ وَالْغَمِّ وَغَيْرِهِمَا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا مَا يَحْصُلُ بِالْحَوَاسِّ كَعِلْمِكَ بِبَيَاضِ زَيْدٍ أَوْ سَوَادِهِ مَثَلًا، ثَانِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْبَاطِنِيَّةِ كَعِلْمِك بِجُوعِك أَوْ عَطَشِك وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، ثَالِثُهَا مَا كَانَ أَوَّلِيًّا كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ لَا أَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ هُوَ الذَّوْقُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِ إلَخْ] هَذَا مُشْكِلٌ بِأَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا فَإِنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ ثَوَابًا لَا دُنْيَا وَلَا أُخْرَى، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الطَّائِعَ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ فَهُوَ رَاجٍ لِلثَّوَابِ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ جَعَلَهُ حَيَوَانًا إلَخْ] أَيْ فَالْحَيَوَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَادِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرْزَقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَتَلَذَّذُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ جَعَلَهُ إنْسَانًا وَلَمْ يَجْعَلْهُ بَهِيمَةً] فَإِنْ قُلْت: الْكَافِرُ جَعْلُهُ بَهِيمَةً أَحْسَنُ لَهُ؛ لِأَنَّ مَآلَهُ إلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ. قُلْت: الْكَافِرُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ نَفْسَهُ بِاخْتِيَارِهِ الْكُفْرَ الْمُوجِبَ لِلْعَذَابِ الدَّائِمِ. [قَوْلُهُ: وَنَبَّهَهُ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَالتَّقْدِيرُ وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: صَنْعَتِهِ] أَيْ إيجَادِهِ، فَالْآثَارُ مُتَعَلِّقُ الصَّنْعَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِالْإِيجَادِ فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ فَالْإِضَافَةُ حَقِيقَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، أَيْ آثَارٍ هِيَ صَنْعَتُهُ أَيْ مَصْنُوعَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت عج أَفَادَهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَيَجُوزُ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ عج وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّنْعَةِ الْمَصْنُوعُ وَآثَارُهُ مَا احْتَوَى عَلَيْهِ مِنْ بَدِيعِ الْحِكَمِ. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ لَهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: يُسْتَدَلُّ بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ لَا أَنَّهُ الدَّلِيلُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ لِلْمَصْنُوعِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ احْتِوَائِهِ عَلَى بَدِيعِ الْحِكَمِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ: فَانْظُرْ إلَى نَفْسِك إلَخْ. أَيْ فَإِذَا نَظَرَ فِي الْمَصْنُوعِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ

{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ (وَأَعْذَرَ) اللَّهُ (إلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَطَعَ عُذْرَهُ بِتَقْدِيمِ الرُّسُلِ إلَيْهِ وَهَذَا الْإِعْذَارُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وَالرُّسُلُ جَمْعُ رَسُولٍ، وَهُوَ إنْسَانٌ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ. وَالنَّبِيُّ مُخْبِرٌ بِالْغَيْبِ خَاصَّةً فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلَا يَنْعَكِسُ. وَعِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا مِائَةُ أَلْفٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَائِعِ الْحِكَمِ عَلِمَ أَنَّ وُجُودَهُ لَيْسَ مِنْ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ صَانِعٍ أَحْكَمَهُ وَأَتْقَنَهُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّنْبِيهُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ اللَّهَ نَبَّهَ الْإِنْسَانَ بِهَذِهِ الْآثَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَدَهَا وَجَعَلَ لَهُ عَقْلًا عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا وَاحِدًا قَدِيمًا بَاقِيًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ نَبَّهَهُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ حَيْثُ يَقُولُ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات: 21] إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَهَذَا التَّنْبِيهُ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لَهُ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات: 21]] أَيْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ فِي حَالِ ابْتِدَائِهَا وَتَنَقُّلِهَا وَبَوَاطِنِهَا وَظَوَاهِرِهَا مِنْ بَدَائِعِ الْخَلْقِ مَا تَتَحَيَّرُ فِيهِ الْأَذْهَانُ {أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] نَظَرَ مُعْتَبِرٍ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تُبْصِرُونَ بَلْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ. [قَوْلُهُ: وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ] أَيْ بِالْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. [قَوْلُهُ: لَآيَاتٍ] أَيْ دَلَالَاتٍ عَلَى قُدْرَتِهِ وَوُجُودِهِ وَوَحْدَتِهِ وَعِلْمِهِ، وَتَخْصِيصُ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِشُمُولِهَا. [قَوْلُهُ: الْأَلْبَابِ] أَيْ الْعُقُولِ. [قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ وَانْظُرْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ إنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ فَلَا تَعْتَقِدْ قَصْرَ التَّنْبِيهِ عَلَى خُصُوصِ مَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَلْسِنَةِ] جَمْعُ لِسَانٍ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ يُخْبِرُ بِمَا فِيهِ، وَأَلْسِنَةٌ جَمْعُ قِلَّةٍ مُرَادٌ مِنْهُ جَمْعُ الْكَثْرَةِ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالرُّسُلُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَارْتَضَى تت أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اللُّغَاتُ الثَّلَاثَةُ سُرْيَانِيَّةٌ وَعِبْرَانِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: الْمُرْسَلِينَ] جَمْعُ مُرْسَلٍ بِمَعْنَى رَسُولٍ. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَطَعَ عُذْرَهُ] أَيْ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتْرُكْ لَهُ شَيْئًا فِي الِاعْتِذَارِ يَتَمَسَّكُ بِهِ، فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ أَيْ أَزَالَ عُذْرَهُ فَلَمْ يُبْقِ لَهُ اعْتِذَارًا حَيْثُ أَرْسَلَ لَهُ الرُّسُلَ اهـ. [قَوْلُهُ: بِتَقَدُّمِ الرُّسُلِ إلَيْهِ] أَيْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ إلَيْهِ حَيْثُ بَيَّنُوا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَالْمُتَشَابِهَ، فَمَعْنَى الْمُصَنِّفِ، وَقَطَعَ عُذْرَهُ بِشَيْءٍ وَأَرَادَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَذَكَرَ عج وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى بَالَغَ فِي الْمَعْذِرَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ، وَلَيْسَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْقَامُوسِ مَا يُفِيدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْإِعْذَارِ] أَيْ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ الْعُذْرِ. [قَوْلُهُ: وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ] أَيْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ لَهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَكُونَ إلَخْ] أَيْ لِتَنْتَفِيَ الْحُجَّةُ عَلَى اللَّهِ لِلنَّاسِ، أَيْ لَا يَبْقَى لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ إرْسَالِ الرُّسُلِ. [قَوْلُهُ: إنْسَانٌ] أَيْ لَا جِنٌّ وَلَا مَلَكٌ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] إلَخْ فَالْمُرَادُ مِنْ أَحَدِكُمْ، وَهُمْ الْإِنْسُ. [قَوْلُهُ: أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ] لَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِهِ. [قَوْلُهُ: بِشَرْعٍ] كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا، نَاسِخٌ لِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: مُخْبَرٌ] بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِكَوْنِهِ نَبِيًّا لِيُحْتَرَمَ. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] لَيْسَ مِنْ تَمَامِ التَّعْرِيفِ وَإِلَّا لَاقْتَضَى الْمُبَايَنَةَ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ، فَمُرَادُهُ أَنَّكَ تَقْتَصِرُ فِي تَعْرِيفِ النَّبِيِّ عَلَى قَوْلِك مُخْبَرٌ بِالْغَيْبِ وَلَا تَزِيدُ، وَأُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ كَمَا زِدْته فِي تَعْرِيفِ الرَّسُولِ أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ مُخْبَرٌ بِالْغَيْبِ وَلَا بُدَّ سَوَاءٌ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَكِسُ] أَيْ لُغَوِيًّا بِحَيْثُ تَقُولُ: وَكُلُّ نَبِيٍّ رَسُولٌ بَلْ يَنْعَكِسُ مَنْطِقِيًّا وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّبِيِّ رَسُولٌ. [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ] الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا وَرَدَ فِي بَيَانِ الْعِدَّةِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مَرْفُوعًا] حَالٌ مِنْ مَا أَيْ حَالَةَ كَوْنِ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَابِلُهُ الْمَوْقُوفُ فَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ مَا أُسْنِدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَرِيحًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَأَنْ أُسْنِدَ لِلصَّحَابِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ

وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، الرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ. وَالرُّسُلُ كُلُّهُمْ عَجَمٌ إلَّا خَمْسَةً مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَهُودًا وَصَالِحًا وَشُعَيْبًا. وَالْوَحْيُ إلَى جَمِيعِهِمْ كَانَ فِي الْمَنَامِ إلَّا أُولُو الْعَزْمِ أَيْ الْجِدِّ وَالثَّبَاتِ، وَهُمْ عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَإِبْرَاهِيمُ صَبَرَ عَلَى النَّارِ وَذَبْحِ وَلَدِهِ، وَإِسْحَاقُ عَلَى الذَّبْحِ وَيَعْقُوبُ عَلَى فَقْدِ وَلَدِهِ وَذَهَابِ بَصَرِهِ، وَيُوسُفُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ، وَالْمَوْقُوفُ مَا أُسْنِدَ لِلصَّحَابِيِّ وَلِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ أَيْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابِيِّ. [قَوْلُهُ: وَالرُّسُلُ كُلُّهُمْ عَجَمٌ إلَخْ] أَيْ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ إلَّا هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَالْمُرَادُ بِالْعَجَمِيَّةِ مَا يَشْمَلُ السُّرْيَانِيَّةَ، وَالْعِبْرَانِيَّة، فَالسُّرْيَانِيُّونَ فَإِنَّهُمْ خَمْسَةٌ: إدْرِيسُ وَنُوحٌ وَلُوطٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَيُونُسُ. وَالْعِبْرَانِيُّونَ: بَنُو إسْرَائِيلَ وَهُمْ يَعْقُوبُ وَمَنْ وَلَدَ، وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ فِي آدَمَ وَإِسْحَاقَ وَنَحْوِهِمَا، وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ آدَمَ سُرْيَانِيٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْحَاقَ كَذَلِكَ، قِيلَ: إنَّ إبْرَاهِيمَ تَكَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّة. فَائِدَةٌ: نَقَلَ تت عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ إلَّا ثَمَانِيَةً: آدَم وَشِيثُ وَإِدْرِيسُ وَنُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَلُوطٌ وَيُونُسُ وَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا عَشَرَةً الثَّمَانِيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ اهـ. قُلْت: وَأَيُّوبُ أَيْضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعِيصِ أَخِي يَعْقُوبَ. [قَوْلُهُ: كَانَ فِي الْمَنَامِ] وَالسَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ جِبْرِيلُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: الْجِدُّ] أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَبِالْكَسْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: وَهَمَ عَلَى مَا فِي الْكَشَّافِ إلَخْ] أَيْ فَهُمْ تِسْعَةٌ وَمُقَابِلُ مَا فِي الْكَشَّافِ مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ مِنْ أَنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَنَظَّمَهُمْ تت فَقَالَ: مُحَمَّدٌ إبْرَاهِيمُ مُوسَى كَلِيمُهُ ... وَنُوحٌ وَعِيسَى هُمْ أُولُو الْعَزْمِ فَاعْرِفَا قَالَ تت: وَلَمْ يَعُدَّ أَيْ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مِنْهُمْ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَحْيُ إلَى جَمِيعِهِمْ كَانَ فِي الْمَنَامِ إلَّا أُولُو الْعَزْمِ الْخَمْسَةُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمْ فِي النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: نُوحٌ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ] أَيْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّ نُوحًا دَعَا عَلَى قَوْمِهِ فَلَوْ كَانَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِهِ إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ صَبَرَ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ، وَنَظِيرُهَا مِمَّا سَيَأْتِي تَحَقُّقُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ هَؤُلَاءِ أُولُو الْعَزْمِ. [قَوْلُهُ: صَبَرَ عَلَى النَّارِ] أَيْ عَلَى الْإِلْقَاءِ فِيهَا لَا أَنَّهُ صَبَرَ عَلَى النَّارِ بِالْفِعْلِ بِحَيْثُ طُرِحَ فِيهَا وَهِيَ تُحْرِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] [قَوْلُهُ: وَذَبْحِ وَلَدِهِ] أَيْ عَلَى الْأَمْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَمْ يُذْبَحْ. [قَوْلُهُ: وَإِسْحَاقُ عَلَى الذَّبْحِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَيُوَافِقُهُ حَدِيثٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَنَصُّهُ الذَّبِيحُ إِسْحَاقُ قَطُّ فِي الْإِفْرَادِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَزَّارِ وَابْنِ مَرْدُوَيْهِ إلَخْ وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ قَطُّ لِلدَّارَقُطْنِيِّ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ. «إنَّ آدَمَ لَمَّا تِيبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَتْ الصُّبْحَ وَفُدِيَ إِسْحَاقُ عِنْدَ الظُّهْرِ فَصَلَّى إبْرَاهِيمُ أَرْبَعًا فَصَارَتْ الظُّهْرَ، وَبُعِثَ عُزَيْرٌ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ لَبِثْت فَقَالَ: لَبِثْت يَوْمًا فَرَأَى الشَّمْسَ فَقَالَ: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَغُفِرَ لِدَاوُدَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فَقَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَجَهِدَ فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثًا، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» اهـ. نَقَلَ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَلْقَمِيُّ، فَإِنْ قُلْت: فَمَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَا ابْنُ الذَّبِيحَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ؟ قُلْت: أَفَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِ مَجَازٌ حَيْثُ أَطْلَقَ مَا لِأَخِي أَبِيهِ الْأَعْلَى عَلَى أَبِيهِ الْأَعْلَى، وَقِيلَ:

الْجُبِّ وَالسِّجْنِ، وَأَيُّوبُ عَلَى الضُّرِّ، وَمُوسَى قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إنَّا لَمُدْرَكُونَ {قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] وَدَاوُد بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَعِيسَى لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ وَقَالَ: إنَّهَا مَعْبَرَةٌ فَاعْبُرُوهَا وَلَا تَعْمُرُوهَا. (الْخِيرَةُ) بِتَسْكِينِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِهَا صِفَةٌ لِلْمُرْسَلِينَ أَيْ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِلتَّبْلِيغِ، (مِنْ خَلْقِهِ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ نَصُّهُ يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإسْمَاعِيلُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ إِسْحَاقَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ بَلْ نَسَبَهُ بَعْضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ، فَقَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُ الذَّبِيحُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَا إِسْحَاقُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَذَهَابِ بَصَرِهِ] لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمِيَ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَلْ رَقْرَقَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ بِحَيْثُ يَتَرَاءَى أَنَّهُ عَمِيَ، وَفِي الْوَاقِعِ لَيْسَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَأَيُّوبُ عَلَى الضُّرِّ] أَيْ عَلَى الْمَرَضِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَمُوسَى قَالَ لَهُ قَوْمُهُ إنَّا لَمُدْرَكُونَ] أَيْ لَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَى الْبَحْرِ وَخَرَجَ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ وَرَاءَهُ وَتَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إنَّا لَمُدْرَكُونَ أَدْرَكَنَا فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ قَالَ: كَلًّا أَيْ فَهُوَ ذُو عَزْمٍ حَيْثُ لَمْ يُبَالِ بِفِرْعَوْنَ: وَقَالَ كَلًّا. [قَوْلُهُ: وَدَاوُد بَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ إلَخْ] عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ كَانَ ذَنْبُ دَاوُد أَنَّهُ الْتَمَسَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي هُوَ أُورِيَّا أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عَنْ امْرَأَتِهِ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَغْبَةٌ فِي الدُّنْيَا وَازْدِيَادٌ فِي النِّسَاءِ وَقَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ أُمُّ سُلَيْمَانَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: خَطَبَهَا أُورِيَّا ثُمَّ دَاوُد فَآثَرَهُ أَهْلُهَا فَكَانَ ذَنْبُهُ أَنْ خَطَبَ عَلَى خُطُوبَةِ أَخِيهِ مَعَ كَثْرَةِ نِسَائِهِ، قُلْت: وَيَحِلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِ أَيْ فَهُوَ ذُو ثَبَاتٍ حَيْثُ اسْتَمَرَّ يَبْكِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا تِلْكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ. [قَوْلُهُ: وَعِيسَى لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ] قَالَ فِي الصِّحَاحِ: اللَّبِنَةُ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا وَالْجَمْعُ لَبِنٍ، مِثْلُ كَلِمَةٍ وَكَلِمٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَمِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ لِبْنَةٌ وَلِبَنٌ مِثْلُ لِبْدَةٍ وَلِبَدٍ اهـ. أَيْ فَعَزْمُ عِيسَى عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةً، أَفْصَحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ إنَّهَا] أَيْ الدُّنْيَا، فَالْمَرْجِعُ إمَّا كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي عِبَارَتِهِ أَوْ مَعْلُومًا مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ. [قَوْلُهُ: مِعْبَرَةٌ] الْمِعْبَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُعْبَرُ عَلَيْهِ مِنْ سَفِينَةٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، فَمِعْبَرَةٌ فِي كَلَامِ شَارِحِنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدُّنْيَا مَحَلُّ عُبُورٍ فِيهَا لِلْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: فَاعْبُرُوهَا] أَيْ فَاذْهَبُوا مِنْهَا لِلْآخِرَةِ وَلَا تَعْمُرُوهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْمِيرِ دَارٍ مَآلُهَا إلَى الْخَرَابِ، فَالصَّوَابُ السَّعْيُ إلَى الْبَاقِي الَّذِي لَا يَفْنَى. [قَوْلُهُ: الْخِيرَةُ بِتَسْكِينِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِهَا] أَيْ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ أَوْ اسْمُ مَصْدَرٍ أَوْ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالسُّكُونِ اسْمُ مَصْدَرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَقْوَالٌ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ نَعْتٌ لِلْمُرْسَلِينَ إمَّا بِتَأْوِيلِهِ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ الْمُخْتَارِينَ، أَوْ أَنَّهُمْ نَفْسُ الِاخْتِيَارِ مُبَالَغَةً، أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذِي اخْتِيَارٍ عَلَى حَدِّ، زَيْدٌ عَدْلٌ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ نَصِّهِ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ أَشُكُّ فِي كَوْنِهِ ظَاهِرَ كَلَامِهِ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ خِلَافَ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ أَوْ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْإِضْرَابِ أَيْ بَلْ نَصُّهُ فَفُهِمَ أَوَّلًا أَنَّهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ نَصُّهُ فَأَضْرَبَ إلَيْهِ إضْرَابًا إبْطَالِيًّا. [قَوْلُهُ: يَقْتَضِي تَفْضِيلَ الْأَنْبِيَاءِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ تَفْضِيلُ الرُّسُلِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ ذَاهِبٌ إلَى اتِّحَادِ النَّبِيِّ وَالرَّسُولِ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ أَنَّ خَوَاصَّ الْآدَمِيِّينَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ الْأَرْبَعَةُ الْمُقَرَّبُونَ مِيكَائِيلُ وَجِبْرِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَعِزْرَائِيلُ، وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْمُتَّقُونَ وَعَوَامُّ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَهُمْ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالتَّفْضِيلُ حَيْثُ قِيلَ بِهِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَيُوَافِقُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الْفَخْرِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْضِيلِ بِمَعْنَى أَيُّهُمَا أَكْثَرُ ثَوَابًا عَلَى الطَّاعَاتِ اهـ. وَفِي كَلَامِ اللَّقَانِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُثَابُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ. [قَوْلُهُ:

وَمُقَابِلُهُ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَعَلَى الثَّانِي لِلتَّبْعِيضِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ هَذَا الْخِلَافِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ. تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ مَا قَالَهُ هُنَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَ يَدْخُلُ فِيهِمْ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمُرْسَلِينَ تَنْبِيهٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ، وَفَسَادُ قَوْلِ الْبَرَاهِمَةِ: أَنَّ الْعَقْلَ يُغْنِي عَنْ الرُّسُلِ، وَنَبَّهَ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: (فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهِ وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُقَابِلُهُ] أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ: [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ] أَيْ كَالبَاقِلَّانِيِّ وَالرَّازِيِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ إلَخْ] أَيْ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ هُمْ خَلْقُهُ هَذَا مَعْنَاهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خَلْقَهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مُبَالَغَةً أَوْ فَجَعَلَهُمْ نَفْسَ خَلْقِهِ مُبَالَغَةً يُفِيدُ تَفْضِيلَهُمْ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ الَّذِينَ مِنْهُمْ الْمَلَائِكَةُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي لِلتَّبْعِيضِ] أَيْ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِلتَّبْلِيغِ وَهُمْ بَعْضُ خَلْقِهِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ يُقَالُ: إنَّ اخْتِيَارَهُمْ لِلتَّبْلِيغِ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ يُؤْذِنُ بِأَفْضَلِيَّتِهِمْ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَوْا إلَخْ] أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ إنَّ جِبْرِيلَ أَفْضَلُ مِنْ نَبِيِّنَا فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا رَيْبٍ] عَطْفُ مُرَادِفٍ عَلَى قَوْلِهِ شَكٍّ، وَأَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ مَا قَالَهُ هُنَا إلَخْ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَأَعْذَرَ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْإِنْسَانِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الرُّسُلَ أُرْسِلَتْ لِلْإِنْسَانِ فَقَطْ فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَعْدُ الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَى الْعِبَادِ الشَّامِلَ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَيُجَابُ بِأَنَّ أَلْ فِي الْمُرْسَلِينَ لِلْجِنْسِ أَيْ أَعْذَرَ لِلْإِنْسَانِ فَقَطْ عَلَى أَلْسِنَةِ هَذَا الْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي غَيْرِ نَبِيِّنَا، فَإِنَّ الْإِرْسَالَ لِلْجِنِّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ نَبِيِّنَا. وَقَوْلُهُ: فِيمَا يَأْتِي الْبَاعِثُ الرُّسُلَ إلَخْ، مَعْنَاهُ الْبَاعِثُ جِنْسَ الرُّسُلِ إلَى جِنْسِ الْعِبَادِ فَيَصْدُقُ بِكَوْنِ بَعْضِ الرُّسُلِ لِبَعْضِ الْعِبَادِ كَغَيْرِ نَبِيِّنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ، وَيَكُونُ بَعْضُ الرُّسُلِ لِكُلِّ الْعِبَادِ كَنَبِيِّنَا فَإِنَّهُ أُرْسِلَ لِلْكُلِّ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ لَيْسَ فِي الْعِبَارَةِ حَصْرٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِبَادَ يَدْخُلُ إلَخْ] أَشَارَ بِقَوْلِهِ: يَدْخُلُ فِيهِمْ إلَى أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا غَيْرَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ دَاخِلٌ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ خُصَّ بِالرِّسَالَةِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، بَلْ أَفَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَرَجَّحَهُ الْبَارِزِيُّ وَزَادَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُرْسَلٌ إلَى نَفْسِهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَلِيمِيُّ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْعَقْلَ يُحَسِّنُ وَيُقَبِّحُ] أَيْ يُدْرِكُ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَا أَنَّهُ الْمُحَسِّنُ وَالْمُقَبِّحُ بِذَاتِهِ وَخُلَاصَتُهُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُدْرِكُ لِلْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلُ، وَنَحْنُ نَقُولُ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ فَالْمُحَسِّنُ وَالْمُقَبِّحُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّفَاقٍ. وَفِي ظَنِّي أَنَّ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْذَارَ عِنْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرْسَالِ بَلْ هُوَ مَنُوطٌ بِالْعَقْلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ مُؤَكِّدًا فِيمَا أَدْرَكَهُ الْعَقْلُ بِالضَّرُورَةِ كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ، أَوْ بِالنَّظَرِ كَحُسْنِ الْكَذِبِ النَّافِعِ وَقُبْحِ الصِّدْقِ الضَّارِّ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَجَاءَ مُعِينًا لِلْعَقْلِ فِيمَا خَفِيَ عَلَيْهِ كَحُسْنِ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَقُبْحِ صَوْمِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَفَسَادِ قَوْلِ الْبَرَاهِمَةِ أَنَّ الْعَقْلَ يُغْنِي إلَخْ] أَيْ فَهُمْ يُنْكِرُونَ الرُّسُلَ فَلِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِمْ دُونَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يُنْكِرُونَ فَهُمْ مُسْلِمُونَ عَلَى الْأَصَحِّ [قَوْلُهُ: وَنَبَّهَ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ قَدْ يَتَجَرَّدُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ كَقَوْلِك: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو فَلَيْسَ مَلْزُومًا لِلسَّبَبِيَّةِ حَتَّى يَأْتِيَ التَّنْبِيهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَهَدَى مَنْ إلَخْ] أَيْ فَأَرْشَدَ وَبَيَّنَ الطَّرِيقَ لِمَنْ وَفَّقَهُ حَالَةَ كَوْنِ تِلْكَ الْهِدَايَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ هَدَى مُلْتَبِسَةً بِفَضْلِهِ مِنْ الْتِبَاسِ الْجُزْئِيِّ بِالْكُلِّيِّ، أَوْ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ مِنْ أَفْرَادِ فَضْلِهِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ التَّوْفِيقُ مِنْ فَضْلِهِ هَذَا عَلَى مُغَايَرَةِ الْهِدَايَةِ لِلتَّوْفِيقِ،

بِعَدْلِهِ) عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ سَبَبٌ، وَكَقَوْلِك: سَهَا فَسَجَدَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّنْبِيهَ وَالْإِعْذَارَ سَبَبٌ لِقَبُولِهِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُمَا سَبَبٌ فِي الْغَوَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ وَالْبَيَانِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3] أَيْ بَيَّنَّا لَهُ طَرِيقَيْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقِيلَ: الْهِدَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ لَفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالضَّلَالُ وَالْخِذْلَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكُفْرِ، فَهِدَايَةُ الْمُهْتَدِي مَحْضُ فَضْلٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ عِوَضًا عَنْ شَيْءٍ وَلَا سَابِقَةَ اسْتِحْقَاقٍ لِلْعَبْدِ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَيْءٌ، وَالْإِضْلَالُ وَالْخِذْلَانُ عَدْلٌ مِنْهُ وَالْعَدْلُ مَا لِلْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ حَجْرٍ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيهَا؛ وَلِهَذَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وَتَبَيَّنَ بِهَذَا الرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ، فَإِنْ قِيلَ: الْهِدَايَةُ بِمَعْنَى الْبَيَانِ عَامَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَلَى عَدَمِهَا فَالْمَعْنَى فَهَدَى مَنْ أَرَادَ تَوْفِيقَهُ أَيْ وَفَّقَ مَنْ أَرَادَ تَوْفِيقَهُ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ التَّوْفِيقِ مُلْتَبِسًا بِفَضْلِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ سَبَبٌ] وَهُوَ التَّنْبِيهُ وَالْإِعْذَارُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّنْبِيهَ وَالْإِعْذَارَ سَبَبٌ] لَمْ يَقُلْ سَبَبَانِ مَعَ أَنَّهُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا سَبَبٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي الْهِدَايَةِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَبَبٌ، وَقَوْلُهُ: لِقَبُولِهِمَا أَيْ لِأَجْلِ قَبُولِهِمَا أَوْ عِنْدَ قَبُولِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَالْإِعْرَاضِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ لِقَبُولِهِمَا إلَخْ أَنْ يَقُولَ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا أَيْ لِأَجْلِ الْإِعْرَاضِ أَوْ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا فِي الْغَوَايَةِ أَيْ أَنَّ التَّنْبِيهَ وَالْإِعْذَارَ سَبَبٌ فِي الْهِدَايَةِ لِأَجَلِ قَبُولِهِمَا أَوْ عِنْدَ قَبُولِهِمَا وَسَبَبٌ فِي الْغَوَايَةِ لِأَجْلِ الْإِعْرَاضِ أَوْ عِنْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا. [قَوْلُهُ: الْغَوَايَةُ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ خِلَافُ الرُّشْدِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَيَانِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالْهِدَايَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى شَامِلَةٌ لِلْكَافِرِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ] أَيْ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ. [قَوْلُهُ: خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ] أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَيْدٍ وَالدَّاعِيَةِ إلَيْهَا. وَقِيلَ: خَلْقُ الطَّاعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَكُونُ مُوَفَّقًا بِهَا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ التَّأْلِيفُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكُفْرِ] أَرَادَ بِهَا الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ. [قَوْلُهُ: فَهِدَايَةُ الْمُهْتَدِي] أَيْ إرْشَادُهُ وَالْبَيَانُ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ تَوْفِيقُهُ عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: مَحْضُ فَضْلٍ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ فَضْلٌ مَحْضٌ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ عِوَضًا تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ مَحْضُ فَضْلٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا سَابِقَةَ اسْتِحْقَاقٍ] أَيْ وَلَا اسْتِحْقَاقٌ سَابِقٌ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَفْعَلْ مَعَ مَوْلَاهُ شَيْئًا تَكُونُ تِلْكَ الْهِدَايَةُ عِوَضًا عَنْهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمَعْطُوفُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَ اللَّهِ تِلْكَ الْهِدَايَةَ لِذَاتِهِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجِبُ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ مَحْضُ فَضْلٍ. [قَوْلُهُ: سُبْحَانَهُ] أَيْ أُنَزِّهُهُ تَنْزِيهًا. [قَوْلُهُ: تَعَالَى] أَيْ ارْتَفَعَ. [قَوْلُهُ: وَلِهَذَا] أَيْ وَلِكَوْنِهِ مَالِكًا اعْلَمْ: أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِهَا مَا نَصُّهُ فَلَا أُعَذِّبُ عَبْدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ اهـ. فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا مَسُوقَةٌ بِالنَّظَرِ لِلْوَعْدِ لَا بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا يَتَصَرَّفُ كَيْفَ يَشَاءُ الَّذِي كَلَامُ الشَّارِحِ فِيهِ إذْ لَوْ نَظَرَ لِذَلِكَ لَجَازَ أَنْ يُعَذَّبَ وَلَوْ بِدُونِ ذَنْبٍ، فَلَا يُنَاسِبُ إيرَادُ الْآيَةِ فَإِنْ قُلْت: ظَلَّامٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مَعْنَاهَا كَثِيرُ الظُّلْمِ فَالنَّفْيُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ كَثْرَةُ الظُّلْمِ فَيُفِيدُ ثُبُوتَ أَصْلِ الظُّلْمِ لَهُ وَالْغَرَضُ نَفْيًا قُلْت: أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ.: الْأَوَّلُ أَنَّ ظَلَّامٍ مِنْ بَابِ النَّسَبِ كَتَمَّارٍ أَيْ ذِي تَمْرٍ، فَالْمَعْنَى وَمَا رَبُّك بِمَنْسُوبٍ لِلظُّلْمِ، الثَّانِي: أَنَّ الْمُبَالَغَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنَّفْيِ أَيْ انْتَفَى الظُّلْمُ عَنْ الْمَوْلَى انْتِفَاءً مُؤَكَّدًا وَالْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَنْفِيِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: رِعَايَةُ الصَّلَاحِ إلَخْ] الصَّلَاحُ مَا قَابَلَهُ فَسَادٌ كَمُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ بِالْعِقَابِ، وَالْأَصْلَحُ مَا قَابَلَهُ صَلَاحٌ

لِلْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ خَصَّهَا بِالْمُوَفَّقِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوَفَّقَ لَمَّا انْتَفَعَ بِالْهِدَايَةِ دُونَ الضَّالِّ صَارَتْ فِي حَقِّ الضَّالِّ كَالْعَدَمِ. (وَيَسَّرَ) أَيْ هَيَّأَ (الْمُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى) أَيْ لِلطَّاعَةِ، وَقِيلَ مَعْنَى يَسَّرَ هَوَّنَ عَلَيْهِمْ فِعْلَ الطَّاعَةِ بِأَنْ جَعَلَهَا فِيهِمْ مَجْبُولَةً لَهُمْ حَتَّى تَكُونَ عَلَيْهِمْ أَهْوَنَ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا قَالَ: الْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ (وَشَرَحَ) بِمَعْنَى فَتَحَ وَوَسَّعَ (صُدُورَهُمْ) أَيْ قُلُوبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمُقَابَلَةِ الْإِنْعَامِ بِدِينَارٍ بِالْإِنْعَامِ بِدِرْهَمٍ. وَفِي الْمَقَامِ كَلَامٌ آخَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِهِ [قَوْلُهُ: فَلِأَيِّ شَيْءٍ إلَخْ] هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْهِدَايَةَ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْهِدَايَةِ الْوُصُولُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ السُّؤَالُ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْوِجُ إلَى سُؤَالٍ مَعَ مُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى أَضَلَّ خَلَقَ قُدْرَةَ الْمَعْصِيَةِ فِي قَلْبِ مَنْ أَرَادَ خِذْلَانَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ عج: وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِعَدَمِ بَيَانِ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إذْ مَنْ يَبِينُ لَهُ طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ لَيْسَ بِمَخْذُولٍ. . . [قَوْلُهُ: أَيْ هَيَّأَ إلَخْ] مِنْ هَيَّأَ الْفَرَسَ لِلرُّكُوبِ إذَا أَلْجَمَهَا كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ لِقَوْلِهِ: بَعْدُ فَآمَنُوا إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَى يَسَّرَ هَوَّنَ إلَخْ] قَالَ عج: إنَّ هَذَا أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ يُهَيَّأُ لِلشَّخْصِ فِعْلُ الطَّاعَةِ مَعَ عُسْرِهَا عَلَيْهِ اهـ. وَالظَّاهِرُ لِي أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ التَّيْسِيرَ بِمَعْنَى التَّهْيِئَةِ بِمَعْنَى رَغْبَتِهِمْ فِي الطَّاعَةِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهَا سَهْلَةً عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: فِيهِمْ] أَيْ ثَابِتَةً فِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: مَجْبُولَةً لَهُمْ أَيْ وَمَجْبُولَةً لَهُمْ إذْ حَرْفُ الْعَطْفِ يَجُوزُ حَذْفُهُ اخْتِيَارًا عَلَى التَّحْقِيقِ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي جَعَلَهَا أَوْ الضَّمِيرِ فِيهِمْ أَيْ مَطْبُوعَةٌ وَمَغْرُوزَةٌ فِيهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى الْقَلْبِ أَيْ جَعَلَهُمْ مَجْبُولِينَ عَلَيْهَا أَيْ مَطْبُوعِينَ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَبَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كَذَا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَطَرَهُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَكُونَ إلَخْ] حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ فَمَدْخُولُهَا عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ] أَيْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا أَيْ يُمَيِّزُوا بِالتَّعْرِيفِ بَيْنَ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْإِنْسَانُ نَاجِيًا وَالْخَصْلَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْإِنْسَانُ كَافِرًا يُعَبِّرُونَ عَنْ الْخَصْلَةِ الْحَمِيدَةِ بِالْإِيمَانِ دُونَ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ آثَرَ الْمُصَنِّفُ التَّعْبِيرَ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ فَرْقٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ أَيْ يَذْكُرُ هَذِهِ الْمَادَّةَ فِي ضِمْنِ التَّعْبِيرِ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ إرَادَةِ الْفَرْقِ بَيْنِ ذِي الْإِيمَانِ وَذِي الْكُفْرِ بِذِكْرِ أَوْصَافِ هَذَا وَأَوْصَافِ هَذَا، أَيْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَذْكُرُوا أَوْصَافَ هَذَا وَأَوْصَافَ هَذَا يُعَبِّرُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِالنَّظَرِ لِعِبَارَتِهِ. وَأَمَّا تت فَقَدْ عَبَّرَ بِأَمْرٍ وَاضِحٍ لَا يَحْتَاجُ لِتَكَلُّفٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَعَبَّرَ بِالْمُؤْمِنِينَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ لِلْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَتَحَ وَوَسَّعَ] كَذَا فِي الْقَامُوسِ إلَّا أَنَّهُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَجَازِهِ وَهُوَ تَهَيُّؤُ الْقُلُوبِ لِلْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ قُلُوبَ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصُّدُورَ مَجَازٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الصَّدْرُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ الْقَلْبُ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ الْعَقْلَ، إذْ هُوَ أَيْ الْقَلْبُ قَدْ يُطْلَقُ كَمَا فِي الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ، كَمَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ اللَّحْمَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ وَذَكَرَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَالْقُلُوبُ جَمْعُ قَلْبٍ وَيَقَعُ عَلَى اللَّحْمَةِ الصَّنَوْبَرِيَّةِ وَعَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِهَا وَهُوَ الْعَقْلُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَسُمِّيَ قَلْبًا لِتَقَلُّبِهِ بَيْنَ الْخَوَاطِرِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ اهـ. وَالصَّنَوْبَرِيَّة بِفَتْحِ الصَّادِ كَمَا هُوَ مَضْبُوطٌ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الصِّحَاحِ مُعْتَمَدَةُ الضَّبْطِ. وَقَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ أَيْ الْكَامِلِينَ فِي الْإِيمَانِ أَيْ مَنْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ إلَى الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، هَيَّأَ قُلُوبَهُمْ لِذَلِكَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ وَحَمَلْنَا الْإِيمَانَ عَلَى الْكَامِلِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: فَآمَنُوا إلَخْ فَفِي الْعِبَارَةِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ أَنَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْمُلُ إيمَانُهُمْ هَيَّأَ قُلُوبَهُمْ

الْمُؤْمِنِينَ (لِلذِّكْرَى) أَيْ لِلْإِيمَانِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22] " إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ النُّورَ فِي الْقَلْبِ فَتَحَهُ وَوَسَّعَهُ، وَعَلَامَتُهُ الْعَمَلُ لِدَارِ الْخُلُودِ وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ "، وَعَطَفَ قَوْلَهُ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِهِ وَعَطَفَ قَوْلَهُ (فَآمَنُوا بِاَللَّهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينَ وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ عَامِلِينَ) لِمَجِيئِهِ مَجِيءَ الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَعَامِلِينَ بِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وَكُتُبُهُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَجْرُورَ عَلَى الْمُتَعَلَّقِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكَمَالِ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِلْإِيمَانِ] اعْلَمْ أَنَّ الذِّكْرَى مَصْدَرٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ الْإِيمَانُ، وَرُجِّحَ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ شَارِحُنَا، وَقِيلَ: إنَّهُ الْمَوْعِظَةُ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تت. [قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الزمر: 22]] يُؤْخَذُ مِنْ مُوَافَقَةِ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ لِلَفْظِ الْآيَةِ تَفْسِيرُ الذِّكْرَى بِالْإِيمَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ نَفْسُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ مُفِيدًا لِتَرَادُفِهِمَا وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الذِّكْرَى الْإِيمَانُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ} [الزمر: 22] إلَخْ اهـ. وَمَنْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ. {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ} [الزمر: 22] كَذَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ الشِّهَابُ: أَيْ كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ أَوْ كَمَنْ قَسَا قَلْبُهُ. [قَوْلُهُ: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22]] أَيْ ثَابِتٌ وَمُسْتَقِرٌّ عَلَى نُورٍ. قَالَ الشِّهَابُ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ: وَالنُّورُ مُسْتَعَارٌ لِلْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ كَمَا يُسْتَعَارُ لِضِدِّهِ الظُّلْمَةُ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْهِدَايَةَ وَالْمَعْرِفَةَ مُحَصَّلُ الْإِيمَانِ الَّذِي جُعِلَ مُرَادِفًا لِلْإِسْلَامِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ النُّورَ نَفْسُ ذَلِكَ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ فَصَرَّحَ بِهِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهِ حَيْثُ كَانَ نُورًا مِنْ رَبِّهِ مَعَ أَنَّ الْمَحَلَّ لِلضَّمِيرِ. [قَوْلُهُ: إذَا أَنْزَلَ اللَّهُ النُّورَ فِي الْقَلْبِ إلَخْ] قَالَ الشِّهَابُ: وَالْمُرَادُ بِالنُّورِ فِيهِ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْهِدَايَةُ وَالْيَقِينُ اهـ. أَيْ إذَا أَرَادَ اللَّهُ إنْزَالَ النُّورِ فِي الْقَلْبِ فَتَحَهُ وَوَسَّعَهُ أَيْ هَيَّأَهُ لِقَبُولِ ذَلِكَ النُّورِ، فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ] كَذَا فِي نُسْخَةٍ يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، وَعَلَامَتُهُ بِدُونِ لَفْظِ مِنْ أَيْ عَلَامَةُ الْإِنْزَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَنْزَلَ أَوْ الْفَتْحِ الْمَأْخُوذِ مِنْ فَتَحَ، ثُمَّ أَقُولُ: وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْآيَةِ مُرَادٌ بِهِ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: لِدَارِ الْخُلُودِ] أَيْ الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّجَافِي] أَيْ التَّبَاعُدُ. [قَوْلُهُ: عَنْ دَارِ الْغُرُورِ] أَيْ الْبَاطِلِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّنْيَا [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِعْدَادُ] أَيْ وَالتَّهَيُّؤُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ حُصُولِهِ [قَوْلُهُ: فَآمَنُوا] لَيْسَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ بَلْ لِمَنْ هَدَاهُمْ وَيَصِحُّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِتَكْلِيفٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ مَنْ أَرَادَ إيمَانَهُمْ، وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَدَمُ لُزُومِ اخْتِلَافِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ إذْ ضَمِيرُ تَعَلَّمُوا وَوَقَفُوا لِلْمُؤْمِنِينَ كَذَا ذَكَرَهُ عج [قَوْلُهُ: بِأَلْسِنَتِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَاطِقِينَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِمْ: أَبْصَرْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي وَنَاطِقِينَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي آمَنُوا. [قَوْلُهُ: وَبِقُلُوبِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُخْلِصِينَ أَوْ مُصَدِّقِينَ، فَالْإِخْلَاصُ هُنَا لَيْسَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ الَّذِي فِيهِ أَقْوَالٌ فَقِيلَ إنَّهُ تَرْكُ حُبِّ الْمَدْحِ عَلَى الْعَمَلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ تَرْكُ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَقِيلَ: إنَّهُ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكْتُبُهُ وَلَا شَيْطَانٌ فَيُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ الْإِيمَانَ مُرَكَّبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: النُّطْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْعَمَلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُهُ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ: نَاطِقِينَ وَمُخْلِصِينَ وَعَامِلِينَ، فَلَوْ فُسِّرَ بِالْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ التَّعَرُّضُ لِلتَّصْدِيقِ صَرِيحًا. تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْإِخْلَاصَ عَلَى النُّطْقِ وَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا. [قَوْلُهُ: لِمَجِيئِهِ إلَخْ] أَيْ فَعَطَفَ قَوْلَهُ: فَآمَنُوا عَلَى قَوْلِهِ: فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِدَايَةِ مُطْلَقُ الدَّلَالَةِ فَهِيَ سَبَبٌ وَإِيمَانُهُمْ بِاَللَّهِ مُسَبَّبٌ أَفَادَهُ عج. وَفِيهِ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلسَّبَبِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَقْدِيمٌ

لِتَسْتَقِيمَ بِهِ الْفَوَاصِلُ وَهِيَ حِلْيَةُ الْكَلَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِي آخِرِ بَابِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: النُّطْقُ وَالتَّصْدِيقُ، وَالْعَمَلُ بِالْجَوَارِحِ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِهِ أَوَّلَ الْبَابِ الْمَذْكُورِ إنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَشَرْطُ كَمَالٍ لَا شَرْطُ صِحَّةٍ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَوْلُهُ: بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ النُّطْقُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ (وَتَعَلَّمُوا) أَيْ الْمُؤْمِنُونَ (مَا عَلَّمَهُمْ) اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ (وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ) وَهُوَ الْوَاجِبَاتُ وَالْمَنْدُوبَاتُ وَالْمُحَرَّمَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ، فَالْوُقُوفُ هُنَا مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْمُلَازَمَةُ لَهُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ، فَوَقَفُوا عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ بِالِامْتِثَالِ وَعَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ بِالِاجْتِنَابِ (وَاسْتَغْنَوْا) بِمَعْنَى اكْتَفَوْا (بِمَا أَحَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَأْخِيرٌ] التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا فِي الْحَالِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ. [قَوْلُهُ: الْفَوَاصِلُ] جَمْعُ فَاصِلَةٍ وَهِيَ فِي النَّثْرِ بِمَنْزِلَةِ الْقَافِيَةِ فِي الشِّعْرِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ حِلْيَةُ الْكَلَامِ] أَيْ زِينَةُ الْكَلَامِ أَيْ يَتَزَيَّنُ الْكَلَامُ بِهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ إلَخْ] أَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ فِي أَنَّ مُرَادَهُ هُنَا بِالْإِيمَانِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ وَمَا سَيَأْتِي مُرَادُهُ بِهِ أَصْلُ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنْ اثْنَيْنِ فَقَطْ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنْ لَا مُخَالَفَةَ ثُمَّ أَقُولُ: وَالْمَشْهُورُ خِلَافُ مَا ادَّعَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ إذْ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ نَاجِيًا مِنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ، لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ طُلِبَ مِنْهُ النُّطْقُ لَأَتَى بِهِ وَلَمْ يَأْتِ [قَوْلُهُ: فَيُجْزِيهِ عَنْ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ] أَيْ فَلَا لِإِشَارَةٍ قَائِمَةٍ مَقَامَ النُّطْقِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْإِيمَانِ أَيْ فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ إلَّا إذَا أَتَى بِتِلْكَ الْإِشَارَةِ هُنَا عَلَى مَا ادَّعَى أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا إنَّهُ الْمَشْهُورُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ نَعَمْ لَا يُعْرَفُ كَوْنُهُ انْتَقَلَ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ إلَّا بِالْإِشَارَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِيمَانُ] اعْتَرَضَهُ عج بِالْقُصُورِ حَيْثُ قَالَ: وَتَعَلُّمُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَلَّمَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ الْمَعْرِفَةُ وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ وَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ. وَاقْتَصَرَ الشَّاذِلِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَقَالَ: مَا عَلَّمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْإِيمَانُ اهـ. وَفِيهِ قُصُورٌ اهـ. كَلَامُ عج، بَقِيَ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: تَصْدِيقٌ وَقَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ تَعَلُّمُهَا فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ الْقَصْدُ الِاتِّصَافُ بِهَا، فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَتَعَلَّمُوا مَجَازًا عَنْ الِاتِّصَافِ أَيْ وَاتَّصَفُوا، وَتَجَوَّزَ بِقَوْلِهِ: مَا عَلَّمَهُمْ عَنْ إيجَادِ اللَّهِ ذَلِكَ الْإِيمَانَ فِيهِمْ وَالتَّقْدِيرُ، وَاتَّصَفُوا بِالْإِيمَانِ الَّذِي أَوْجَدَهُ اللَّهُ فِيهِمْ وَيُمْكِنُ إبْقَاءُ الْكَلَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ: الْإِيمَانُ أَيْ شَرَائِعُ الْإِيمَانِ نَعَمْ يُرَادُ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَعَلُّمِ الْمُعَلِّمِ لَهُمْ، قُلْنَا: مَعْنَى عِبَارَتِهِ شَرَعُوا فِي تَعَلُّمِ مَا وَجَبَ تَعَلُّمُهُ عَلَيْهِمْ أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الشَّيْءِ] هُوَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، وَالْمُلَازَمَةُ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ، وَالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ التَّرْكُ، وَتَرَكَ الْمُبَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَدٌّ. [قَوْلُهُ: بِالِامْتِثَالِ] قَالَ فِي الْقَامُوسِ: امْتَثَلْت أَمْرَهُ أَطَعْتُهُ، وَالْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوِّرًا الْوُقُوفَ فِي جَانِبِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِالْإِطَاعَةِ أَيْ فِعْلُهُمَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: بِالِاجْتِنَابِ أَيْ تَرْكُهُمَا وَبِتَقْدِيرِنَا هَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَ عج مُتَعَقِّبًا لِعِبَارَةِ الشَّارِحِ وَنَصِّهِ، وَهُوَ أَيْ كَلَامُ الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ فِعْلُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي لَا عَلَى وَجْهِ الْمُوَاظَبَةِ بِأَنْ عَاجَلَهُ الْمَوْتُ لَا يَكُونُ وَاقِفًا عَلَى الْحُدُودِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِالْعَمَلِ بِالْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، ثُمَّ قَالَ: بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّاذِلِيُّ يُقَالُ: مَا حِكْمَةُ اعْتِبَارِ الِامْتِثَالِ فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ دُونَ النَّوَاهِي مَعَ أَنَّ الثَّوَابَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَالْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَتَحَقَّقُ بِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الِامْتِثَالِ اهـ.

[سبب تأليف الكتاب]

لَهُمْ) بِالنَّصِّ (عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ) بِالنَّصِّ. وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ، ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ سَبَبَ تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فَقَالَ: (أَمَّا) كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ وَفَصْلٍ، يَفْصِلُ بِهَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ (بَعْدُ) ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ (أَعَانَنَا اللَّهُ) أَيْ خَلَقَ لَنَا قُدْرَةً عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ (وَإِيَّاكَ) وَغَيْرُهُ مِمَّا سَيَأْتِي لِمَنْ سَأَلَهُ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرِزٌ (عَلَى رِعَايَةِ) أَيْ حِفْظِ (وَدَائِعِهِ) وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ (وَ) أَعَانَنَا عَلَى (حِفْظِ مَا أُودِعْنَا مِنْ شَرَائِعِهِ) جَمْعُ شَرِيعَةٍ، وَهِيَ الْأَحْكَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ بِالنَّظَرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ لَا بِالنَّظَرِ لِلثَّوَابِ وَعَدَمِهِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ فَنَقُولُ: إنَّ مَا تَوَقَّفَتْ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ يُثَابُ إذَا قَصَدَ الِامْتِثَالَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَا إنْ قَصَدَ عَدَمَ الِامْتِثَالِ، وَأَمَّا مَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى نِيَّةٍ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ فَيَتَوَقَّفُ حُصُولُ الثَّوَابِ فِيهِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ لَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَوْ قَصَدَ عَدَمَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنَّظَرِ لِلْمَأْمُورِ. وَأَمَّا الْمَنْهِيُّ فَثَوَابُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ فِي التَّرْكِ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الْعُهْدَةِ فَيَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِنَابِ هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ عج فَرَاجِعْهُ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَغْنَوْا إلَخْ] لَازِمٌ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ عج بِقَوْلِهِ، وَلَوْ قَالَ بِالدَّلِيلِ بَدَلَ قَوْلِهِ بِالنَّصِّ فِيهِمَا لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ قَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا النَّصُّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا غَيْرُهُ مِنْ بَاقِي الْأَدِلَّةِ أَيْ كَالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اهـ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّصِّ نَصُّ الْأَئِمَّةِ فَيَشْمَلُ بَاقِيَ الْأَدِلَّةِ مَا وَرَدَ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ حَتَّى لَا يَشْمَلَ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْعَقْلِ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِحِلٍّ وَلَا تَحْرِيمٍ، هَلْ يَكُونُ حَلَالًا أَوْ يُوقَفُ عَنْهُ؟ هُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ لَا أَصْلِيًّا وَلَا فَرْعِيًّا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي تَحْكِيمِهِمْ الْعَقْلَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ اهـ. [سَبَب تَأْلِيف الْكتاب] [قَوْلُهُ: وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْخُطْبَةِ إلَخْ] فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ بَيَانَ سَبَبِ التَّأْلِيفِ لَيْسَ مِنْ الْخُطْبَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَعَارَفَ أَنَّ الْخُطْبَةَ مَا تُقَدَّمُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ فَيَشْمَلُ سَبَبَ التَّأْلِيفِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ مُصْطَلَحَهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ اسْمٌ لِمَا احْتَوَى عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ [قَوْلُهُ: هَذَا الْكِتَابِ] الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْكِتَابِ الْأَلْفَاظُ وَهِيَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا. [قَوْلُهُ: كَلِمَةُ افْتِتَاحٍ] أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُفْتَتَحٌ أَيْ مُنْقَطِعٌ عَنْ الَّذِي قَبْلَهَا فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ افْتِتَاحٌ يُنَافِي قَوْلَهُ فَصْلٌ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا وَقَعَتْ أَوَّلًا، وَلَفْظُ فَصْلٍ يُشْعِرُ بِسَبْقِ كَلَامٍ، وَجَوَابُهُ مَا أَشَرْنَا لَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ افْتِتَاحٍ أَنَّ بَعْدَهَا كَلَامًا مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْلَهَا. [قَوْلُهُ: أَعَانَنَا اللَّهُ إلَخْ] النُّونُ إمَّا لِلْمُتَكَلِّمِ وَمَعَهُ غَيْرُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَإِيَّاكَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ اهْتِمَامًا بِهِ لِكَوْنِهِ السَّائِلَ أَوْ لِلْعَظَمَةِ، إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ التَّعَاظُمِ بِالْعِلْمِ فَقَدْ جَدَّ الْأَثَرُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَعَاظَمْ بِالْعِلْمِ» وَمَعْنَاهُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ عَظِيمًا بِالْعِلْمِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَحَلًّا لَهُ وَمَوْصُوفًا بِهِ وَلَمْ يَسْتَرْذِلْهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ أَنَّ مَعْنَى التَّعَاظُمِ رُؤْيَةُ النَّفْسِ مُرْتَفِعَةً عَلَى الْغَيْرِ مُحْتَقِرَةً بِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَذَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الشَّيْخُ مُحْرَزٌ] بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَوَارِحُ السَّبْعَةُ] السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَجُعِلَتْ وَدَائِعَ تَشْبِيهًا لَهَا بِالْوَدَائِعِ مِنْ الْمَالِ بِجَامِعِ الْحِفْظِ مِنْ التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ، فَاسْتِعْمَالُ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَيْرِ مَا جُعِلَتْ لَهُ تَلَفٌ لَهَا وَضَيَاعٌ، وَوَدَائِعُ جَمْعُ وَدِيعَةٍ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. [قَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ

بِالْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورَاتِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ سُنَّةً أَوْ فَضِيلَةً، وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَةً كَانَتْ أَوْ مَكْرُوهَةً، (فَإِنَّك) جَوَابُ أَمَّا التَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّك (سَأَلْتَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً) وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ الْكَثِيرَةُ الْمَعْنَى، ثُمَّ بَيَّنَ الْجُمْلَةَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ الدِّيَانَاتِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ (مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ) كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَ) مِمَّا (تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ) كَالْإِيمَانِ (وَ) مِمَّا (تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ) كَالصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ حِفْظِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَأَعَانَنَا عَلَى حِفْظِ إلَخْ] تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّعْبِيرِ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِالتَّكْرَارِ، فَعَبَّرَ بِرِعَايَةٍ فِي الْوَدَائِعِ وَبِالْحِفْظِ فِي الشَّرَائِعِ مَعَ أَنَّ مَعْنَى رِعَايَةٍ حِفْظٌ. [قَوْلُهُ: مَا أَوْدَعَنَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ وَالشَّرَائِعِ مُودَعُ الْمُكَلَّفِ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهِ لَكِنْ حِفْظُ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: جَمْعُ شَرِيعَةٍ] إلَخْ هِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ وَشَرْعًا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ الْأَحْكَامُ تَفْسِيرٌ لِلشَّرَائِعِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ لَا تَفْسِيرٌ لِلْمُفْرَدِ، فَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ تَقِفْ عَلَى الْمُرَادِ، وَالْحُكْمُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِيجَابُ وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ كَثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِلنِّيَّةِ فِي قَوْلِك النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: بِالْإِتْيَانِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: جَوَابُ أَمَّا] فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا بِالنِّسْبَةِ لِشَرْطِهِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَك سَأَلْتنِي. [قَوْلُهُ: مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ] مُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ تَأَكُّدُ التَّقْدِيمِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ إلَخْ] أَيْ فَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَآمَنُوا بِاَللَّهِ إلَخْ، ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَفْعَالُ مُسْنَدَةً لِغَيْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ. [قَوْلُهُ: أَنْ أَكْتُبَ لَك] أَيْ أُصَنِّفَ لَك، وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى الْكَتْبِ تَوَاضُعًا لِمَا فِي التَّعْبِيرِ بِالتَّأْلِيفِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَيْ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّحَدُّثِ بِنِعْمَةِ الْمَوْلَى. [قَوْلُهُ: جُمْلَةً] أَيْ طَائِفَةً مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَقْصُودِ لِلسَّائِلِ، وَعَبَّرَ بِجُمْلَةٍ دُونَ الْجُمَلِ مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ إشْعَارًا بِقِلَّتِهَا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَلِيلَةُ اللَّفْظُ] تَفْسِيرٌ لِلْمُخْتَصَرَةِ أَيْ فَالِاخْتِصَارُ التَّعْبِيرُ بِاللَّفْظِ الْقَلِيلِ عَنْ الْمَعْنَى الْكَثِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاقْتِصَارِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَا ذَكَرَ وَالِاقْتِصَارُ الْإِتْيَانُ بِبَعْضِ الشَّيْءِ دُونَ بَعْضٍ، ثُمَّ يَرِدُ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِمَا ذَكَرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ. وَقَوْلُهُ: الْقَلِيلَةُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ لَفْظٌ وَلَا يَصِحُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَوْصُوفَ بِالْقِلَّةِ يُرَادُ مِنْهُ أَجْزَاءُ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ بِالْجُمْلَةِ، فَحَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وَاجِبٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّرَ فِيهِ أَحْكَامٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَحْكَامِ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ، وَالْجُمْلَةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ الْأَحْكَامِ بَلْ دَالَّةٌ عَلَى الْأَحْكَامِ، فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ آخَرُ أَيْ مِنْ دَالِّ أَحْكَامٍ وَاجِبٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أُمُورِ] جَمْعُ أَمْرٍ بِمَعْنَى الشَّأْنِ فَيَشْمَلُ الْأَقْوَالَ وَغَيْرَهَا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الدِّيَانَةِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا مِنْهَا الْقَوْلُ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَمِنْهَا الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَمِنْهَا أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ، وَإِضَافَةُ وَاجِبٍ إلَى أُمُورٍ مِنْ إضَافَةِ الْبَعْضِ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بَعْضُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَإِضَافَةُ أُمُورٍ إلَى الدِّيَانَةِ لِلْبَيَانِ أَيْ أُمُورٍ هِيَ الدِّيَانَةُ، وَأَلْ فِي الدِّيَانَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَطَابَقَ الْبَيَانُ الْمُبَيَّنُ، وَالدِّيَانَةُ الْعِبَادَةُ [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الْجِنْسُ لَا الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا نَفْسُهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ أَيْ أَنْوَاعٍ هِيَ الْعِبَادَاتُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ] حَالٌ مِنْ وَاجِبِ أَيْ حَالَةِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بَعْضَ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اللِّسَانَ آلَةُ النُّطْقِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ إسْنَادُ النُّطْقِ إلَى اللِّسَانِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ مَا صَدَّقَهُمَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّطْقُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: كَالْإِيمَانِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُعْتَقَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ (وَمَا يَتَّصِلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى وَاجِبٍ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (بِالْوَاجِبِ) لِلْعَهْدِ، وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْوَاجِبُ وَهُوَ عِنْدَنَا مُرَادِفٌ لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَيُذَمُّ تَارِكُهُ، وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَرَامُ وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ وَيُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أَيْ الْهَيْئَةِ الْمَعْهُودَةِ خَارِجًا؛ لِأَنَّهَا الْمَعْمُولَةُ لِلْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: وَمَا يَتَّصِلُ إلَخْ] الْمُرَادُ الِاتِّصَالُ رُتْبَةً؛ لِأَنَّ رُتْبَةَ السُّنَنِ بَعْدَ رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْ فُعِلَتْ قَبْلَهَا، أَوْ وَحْدَهَا كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. [قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْخَارِجِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، أَيْ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُ لَوْ أُضْمِرَ لَتُوُهِّمَ رُجُوعُهُ لِمَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ حَالٌ مِنْ مَا أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَتَّصِلُ أَيْ وَاَلَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْوَاجِبُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الَّذِي يَتَّصِلُ بَعْضُ مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوَاجِبِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ، وَالِاحْتِمَالَانِ مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا اعْتَبَرْت الْوَاجِبَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْته مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فَالْمُتَّصِلُ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِذَا اعْتَبَرْت الْمُتَّصِلَ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ يَكُونُ ذَلِكَ الْوَاجِبُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَهَكَذَا. وَإِنَّمَا قُصِرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ عَلَى مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ لِكَوْنِهِ بَيَّنَ الْمُتَّصِلَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا تَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ الْوَاجِبَ، فَلَا يَتَّصِلُ بِهِ رَغِيبَةٌ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْوَاجِبَ لَا تَتَّصِلُ بِهِ سُنَّةٌ وَلَا رَغِيبَةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ فِيهَا مَا هُوَ سُنَّةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ رَغِيبَةٌ وَفِيهَا مَا هُوَ فَضِيلَةٌ فَيَتَّصِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا، وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ فِيهِ السُّنَّةُ كَقِرَاءَةِ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْفَضِيلَةُ كَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ بِإِثْرِ الْفَرِيضَةِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ فِي حَالِ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ السُّنَّةُ وَالْفَضِيلَةُ فَقَطْ، وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فِيهِ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ، فَالْمُتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ مِمَّا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ الْفَضِيلَةُ فَقَطْ كَاعْتِقَادِ فَضْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنْفَعُ عِلْمُهُ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ أَحَدُ أَقْسَامِ إلَخْ] فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْإِيجَابُ لَا الْوَاجِبُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ [قَوْلُهُ: أَقْسَامُ الْأَحْكَامِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَقْسَامٌ هِيَ الْأَحْكَامُ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: الشَّرْعِيَّةِ] نِسْبَةٌ لِلشَّرْعِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ هُوَ الْأَحْكَامُ فَفِيهِ نِسْبَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالشَّرْعِ الْأَدِلَّةُ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ مَجَازًا أَوْ يُرَادُ بِهِ الشَّارِعُ كَذَلِكَ أَيْ مَجَازًا؛ وَالشَّارِعُ حَقِيقَةً اللَّهُ تَعَالَى وَمَجَازًا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عِنْدَنَا إلَخْ] الْمُحْتَرَزُ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُوَافِقُونَنَا عَلَى تَرَادُفِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالْفَرْضُ يُغَايِرُ الْوَاجِبَ حَتَّى فِي غَيْرِ بَابِ الْحَجِّ، فَالْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ هَكَذَا يَقُولُونَ. ثُمَّ إنَّ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ أَوَّلًا مُرَادًا مِنْهُ الْمَعْنَى، وَأَطْلَقَهُ ثَانِيًا وَأَرَادَ بِهِ اللَّفْظَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَفَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ، أَيْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاجِبِ يُرَادِفُ لَفْظَ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُمَا تَرَادَفَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الْمَدْلُولِ الَّذِي تَرَادَفَ عَلَيْهِ اللَّفْظَانِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: مَا يُمْدَحُ] أَيْ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَإِنْ لَمْ يُمْدَحْ بِالْفِعْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَدْحَ الْمَوْلَى لَهُ. [قَوْلُهُ: فَاعِلُهُ] أَيْ اخْتِيَارًا فَالْمُكْرَهُ عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا. [قَوْلُهُ: وَيُذَمُّ تَارِكُهُ] فَفَاعِلُ الْمَكْرُوهِ لَا يُذَمُّ وَإِنْ كَانَ يُلَامُ أَيْ اخْتِيَارًا فَمَنْ تَرَكَهُ مُكْرَهًا لَا يُذَمُّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. تَنْبِيهٌ: هَلْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَنَحْوُهَا مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى نِيَّةٍ يَتَوَقَّفُ الْمَدْحُ فِيهِ عَلَى نِيَّةِ الِامْتِثَالِ كَمَا قِيلَ فِي الثَّوَابِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يُمْدَحُ تَارِكُهُ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ غَفْلَةً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ غَفْلَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الِامْتِثَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا فِي الْأُولَى، وَأَوْلَى إذَا كَانَ خَوْفًا. [قَوْلُهُ: شَرْعًا] هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْكُلِّ فَلَا

وَالْمَكْرُوهُ وَهُوَ مَا فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ، وَالْمَنْدُوبُ وَهُوَ مَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ، وَالْمُبَاحُ مَا تَسَاوَى طَرَفَاهُ وَقَوْلُهُ: (مِنْ السُّنَنِ) بَيَانٌ لِمَا جَمْعُ سُنَّةٍ، وَهِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ (مِنْ مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا) بَدَلٌ مِنْ السُّنَنِ وَالْمُؤَكَّدُ مِنْهَا مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالنَّوَافِلُ جَمْعُ نَافِلَةٍ وَهِيَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ وَاصْطِلَاحًا: مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَحُدَّهُ بِحَدٍّ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ نَحْوِ الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّهْرِ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدَاوِمُ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَالرَّغَائِبُ جَمْعُ رَغِيبَةٍ وَهِيَ لُغَةً: التَّحْضِيضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهَ لِتَرْكِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ] يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي الْمُحَرَّمِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عِقَابٌ] نَفْيُ الْعِقَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ اللَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ يُلَامُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ] لَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ نَفْيَ الْعِقَابِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ اللَّوْمِ إذْ يَتَرَتَّبُ اللَّوْمُ عَلَى تَرْكِ الْمَنْدُوبِ اخْتِيَارًا. [قَوْلُهُ: مَا تَسَاوَى طَرَفَاهُ] أَيْ أَنَّ طَرَفَ الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِطَرَفِ التَّرْكِ، فَلَيْسَ فِي الْفِعْلِ ثَوَابٌ كَالْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَلَا عِقَابَ كَالْحَرَامِ وَلَا لَوْمَ كَالْمَكْرُوهِ، وَلَا فِي التَّرْكِ ثَوَابٌ كَالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَلَا عِقَابَ كَالْوَاجِبِ وَلَا لَوْمَ كَالْمَنْدُوبِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً الطَّرِيقَةُ] مُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً أَوْ غَيْرَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَأَظْهَرَهُ فِي جَمَاعَةٍ] أَيْ فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ إلَخْ. فِي هَذَا التَّعْرِيفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ النَّوَافِلَ وَالرَّغَائِبَ، فَلَوْ قَالَ: مَا طُلِبَ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ لَشَمِلَ الْكُلَّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ مِنْ مُؤَكَّدِهَا بَيَانًا لِلسُّنَّةِ الْمُعَرَّفَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا الْمَغَارِبَةِ الْمُفَرِّقِينَ بَيْنَهُمَا، فَهَذَا التَّعْرِيفُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرَّغِيبَةِ وَالنَّافِلَةِ [قَوْلُهُ: وَدَاوَمَ عَلَيْهِ] قَالَ عج: أَيْ فُهِمَ مِنْهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ اهـ. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ دَاوَمَ عَلَيْهِ مَا فَعَلَهُ فِي جَمَاعَةٍ. وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ كَالتَّرَاوِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى سُنَّةً. [قَوْلُهُ: بَدَلٌ مِنْ السُّنَنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلُ مِنْ السُّنَنِ بِإِعَادَةِ مِنْ، فَالْبَدَلِيَّةُ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لَا مِنْ الْمَجْرُورِ فَقَطْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ لَا بَدَلَ كُلٍّ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ وَإِلَّا لَوَجَبَ حَذْفُ الضَّمِيرِ مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكُلِّ لَا يَقْتَرِنُ بِالضَّمِيرِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ [قَوْلُهُ: مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ] هَذَا غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الرَّغِيبَةَ وَالْمَنْدُوبَاتِ الْمُؤَكَّدَةَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا كَثُرَ ثَوَابُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ الَّذِي هُوَ النَّوَافِلُ وَالرَّغَائِبُ. [قَوْلُهُ: كَالْوِتْرِ] هُوَ آكَدُ مِمَّا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْعِيدَيْنِ] يَلِيَانِ الْوِتْرَ فِي الْآكَدِيَّةِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا آكَدَ مِنْ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَالْكُسُوفِ] يَلِي الْعِيدَيْنِ فِي الْآكَدِيَّةِ، وَأَمَّا الْخُسُوفُ فَمُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَالْمُرَادُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِسْقَاءِ] يَلِي الْكُسُوفَ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: الزِّيَادَةُ] أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ ثُبُوتُهُ لَا الزِّيَادَةُ عَلَى مَا فُرِضَ مِنْ الْعِبَادَةِ لِقُصُورِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُدَّهُ] أَيْ بِعَدَدٍ أَيْ يَقْصُرْهُ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ النَّقْصُ عَنْهُ مَعُونَةً لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا يَصْدُقُ بِالْمُدَاوَمَةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً قَالَ: وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ التَّحْدِيدِ نَفْيُ الدَّوَامِ؛ لِأَنَّ دَوَامَهُ يَسْتَلْزِمُ تَحْدِيدَهُ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَمْ يَحُدَّهُ قُلْت: لَا يَسْلَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِتَحْدِيدِهِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ نَقَصَ لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَوَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ إلَخْ] وَلِذَلِكَ عَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ سَوَاءٌ الَّذِي لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ أَوْ دَاوَمَ عَلَيْهِ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الْعَصْرِ. [قَوْلُهُ: كَأَنْ يُدَاوِمَ إلَخْ] أَيْ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ لِمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: التَّحْضِيضُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحْضِيضَ هُوَ الْحَثُّ التَّامُّ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَهُوَ

عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَحَدَّهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فِي جَمَاعَةٍ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةِ رَاجِعَةٌ لِلسُّنَنِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (وَشَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْهَا) رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ، وَأَرَادَ بِالْآدَابِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْكِتَابِ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (وَجُمَلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ) بِالْجَرِّ مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ مُخْتَصَرَةٍ، قِيلَ: أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ كَمَسْأَلَةِ بُيُوعِ الْآجَالِ، فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ قَوْلُهُ: (وَفُنُونِهِ) جَمْعُ فَنٍّ وَهُوَ الْفَرْعُ (عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ، وَأَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَهُ، (وَ) بِ (طَرِيقَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ الرَّغِيبَةَ لُغَةً إذْ هِيَ لُغَةً مَا رُغِّبَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِ الْمُخَيَّرِ] الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْقَيْدِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالرَّغِيبَةُ الْأَمْرُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْعَطَاءُ الْكَثِيرُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَحَدَّهُ] خَرَجَ الرُّكُوعُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ مَثَلًا فَإِنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهِ وَلَمْ يَحُدَّهُ [قَوْلُهُ: كَصَلَاةِ الْفَجْرِ] الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا إلَّا رَغِيبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَغَائِبِهَا مُرَادًا مِنْهُ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي فَرْدٍ. [قَوْلُهُ وَالضَّمَائِرُ الثَّلَاثَةُ] أَيْ الَّتِي فِي مُؤَكَّدِهَا وَنَوَافِلِهَا وَرَغَائِبِهَا. [قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ] غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ هُوَ بِصَدَدِ مَا يَكُونُ مِنْهُ الْجُمْلَةُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَنِ لَا بِمَعْنَى الْوَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَهُ وَلَا بِمَعْنَى السُّنَنِ الْمُبَيَّنَةِ بِقَوْلِهِ: مِنْ مُؤَكَّدِهَا إلَخْ بَلْ بِمَعْنَى وَاجِبٍ وَسُنَّةٍ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ كَانَتْ تِلْكَ السُّنَنُ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَابَلَ الْمُسْتَحَبَّ أَوْ لَا وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الْآدَابِ بَعْضُهُ وَاجِبٌ كَرَدِّ السَّلَامِ وَبَعْضُهُ سُنَّةٌ وَبَعْضُهُ مَنْدُوبٌ، وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى: أَكْتُبُ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَةِ وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ وَمِنْ السُّنَنِ وَمِنْ شَيْءٍ مِنْ الْآدَابِ وَمِنْ شَيْءٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاتَّضَحَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَشَيْءٍ وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَاجِبٍ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ: مَعْطُوفٌ عَلَى السُّنَنِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَّصِلُ بِالْوَاجِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُرُوجُهَا عَنْ الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] أَتَى بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ لِمَا قَالَهُ الطَّيَالِسِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصُولِ الْأَحَادِيثُ الْمُلَخَّصَةُ الْأَسَانِيدِ أَيْ الْمَحْذُوفَةُ الْأَسَانِيدِ، وَبِالْفُنُونِ الْآرَاءُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعُلَمَاءِ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: وَهَذَا شَاهِدٌ عَلَى خَطَأِ مَنْ فَسَّرَ أُصُولَ الْفِقْهِ بِأُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ اهـ. [قَوْلُهُ: أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ] أَيْ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْهَا جُمْلَةُ مَسَائِلَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَسْأَلَةِ، تَمْثِيلٌ لِمُفْرَدِ الْمَسَائِلِ الْكُلِّيَّةِ وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِمَا. [قَوْلُهُ: فَهِيَ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] أَيْ؛ لِأَنَّهَا الْبَيْعُ الْمُتَكَرِّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ إنْ أَدَّى إلَى مُحَرَّمٍ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَهَذِهِ كُلِّيَّةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ. [قَوْلُهُ: وَفَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ] وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَيَرِدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَقَامِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا جَوَابُ مَا يُقَالُ: إنَّ الرِّسَالَةَ مُؤَلَّفَةٌ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ فَكَيْفَ يَقُولُ وَجُمَلٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ؟ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَصْلِيَّةَ الَّتِي ثَبَتَتْ لَهَا نِسْبِيَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا فَرْعٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أُخِذَتْ مِنْهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ إلَخْ] الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أُمَّهَاتُ الْمَسَائِلِ. [قَوْلُهُ: وَفُنُونِهِ] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْفُرُوعُ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَهَا فُرُوعٌ، وَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَرَادَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ الْأَدِلَّةَ وَبِالْفُنُونِ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْفُرُوعِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لَهَا قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ لَا أَدِلَّةٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَذْهَبِ إلَخْ] هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَالْحَدَثُ، ثُمَّ تُعُورِفَ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا إمَامٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَيَكُونُ " مَذْهَبِ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى الْمَذْهُوبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَذْهُوبٌ إلَيْهَا لَا فِيهَا. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِأَكْتُبَ] أَيْ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَالِ بِعَامِلِهَا، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا

قَوْلَ أَصْحَابِهِ (مَعَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا، مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جُمْلَةً، أَيْ سَأَلْتنِي أَنْ أَكْتُبَ لَك جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً مُصَاحِبَةً لِ (مَا) أَيْ لِلَّذِي (سَهَّلَ) أَيْ بَيَّنَ (سَبِيلَ مَا) أَيْ طَرِيقَ الَّذِي (أَشْكَلَ) أَيْ الْتَبَسَ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا الْبَيَانُ مَأْخُوذٌ (مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ) أَيْ الثَّابِتِينَ فِي الْعِلْمِ. (وَ) مِنْ (بَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ) أَرَادَ بِهِمْ الْفُقَهَاءَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ فِي الْمُتَفَقِّهِ الْمُتَوَسِّطِ فِي الْفِقْهِ، وَأَضَافَ التَّفْسِيرَ لِلرَّاسِخِينَ وَالْبَيَانَ لِلْمُتَفَقِّهِينَ؛ لِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ الْكَشْفُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ وَالْبَيَانُ التَّعْبِيرُ عَنْ إظْهَارِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ بِعِبَارَةٍ مُبَيِّنَةٍ عَنْ حَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَالْفَضْلُ لِكَاشِفِ الْمُرَادِ مِنْ أَصْلِهِ دُونَ الْمُعَبِّرِ عَنْهُ. وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ وَمَا انْضَمَّ إلَيْهَا ثُمَّ بَيَّنَ سُؤَالَ السَّائِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَالٌ مِنْ الْجُمْلَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْجُمْلَةِ مُشْتَمِلَةً مِنْ اشْتِمَالِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْلُولِ عَلَى الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا الْإِمَامُ، أَيْ جِنْسُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا الْإِمَامُ لَا كُلُّهَا لِمُشَاهَدَةِ خِلَافِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَهُ] أَيْ رَأْيَهُ أَيْ الْحُكْمَ الَّذِي رَآهُ وَاعْتَقَدَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي وَرَأْيِ أَصْحَابِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا وَوَجْهُ كَوْنِ رَأْيِ أَصْحَابِهِ طَرِيقَتَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوَاعِدِهِ صَحَّ أَنْ يُجْعَلَ طَرِيقَةً لَهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِطَرِيقَتِهِ مَذْهَبُهُ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْعَيْنِ] قَدَّمَ الْفَتْحَ؛ لِأَنَّهُ الْفَصِيحُ. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ اسْمٌ لَا ظَرْفٌ. وَقَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جُمْلَةً مِنْ تَعَلُّقِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا وَقَوْلِهِ: مُصَاحَبَةً أَيْ فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ فَهُوَ مَجَازٌ. قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ: صُحْبَةٌ هَذَا مُفَادُ عِبَارَتِهِ مَعَ أَنَّ النُّحَاةَ ذَكَرُوا أَنَّهَا اسْمٌ لِمَكَانِ الِاصْطِحَابِ أَوْ وَقْتِهِ فَهِيَ ظَرْفٌ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَهِيَ ظَرْفٌ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَكْتُبُ لَك جُمْلَةً حَالَةَ كَوْنِهَا كَائِنَةً فِي مَكَانِ الَّذِي سَهَّلَ بِمَعْنَى مُصْطَحِبَةً مَعَ الَّذِي سَهَّلَ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَعْنَاهُ الصُّحْبَةُ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ مُصَاحَبَةً حَلَّ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: أَيْ طَرِيقُ الَّذِي أَشْكَلَ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِسَبِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ] حَاصِلُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْتِبَاسٌ بَيَّنَهُ وَذَلِكَ الْبَيَانُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ كَابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَصَدُوا إزَالَةَ مَا أَشْكَلَ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَقَدِّمُونَ عَلَيْهِ، وَمُفَادُ كَلَامِهِ حَيْثُ رَجَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْمَذْهَبِ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا أَشْكَلَ مِنْ رَأْيِ أَصْحَابِهِ، وَمُفَادُ عج. أَنَّ الْبَيَانَ تَعَلَّقَ بِهِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ هُنَا مَا يَشْمَلُ رَأْيَ أَصْحَابِهِ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْبَيَانُ] أَيْ وَهَذَا التَّبْيِينُ مَأْخُوذٌ، فَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ تَفْسِيرِ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مِنْ تَفْسِيرِ حَالًا مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ، مَا بَيْنَ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَيْنِ مَأْخُوذًا مِنْ تَفْسِيرِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ بَيَانِ] أَيْ تَبْيِينِ. [قَوْلُهُ: كَابْنِ الْقَاسِمِ] لِأَعْظَمِيَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُتَفَقِّهِ الْمُتَوَسِّطُ فِي الْفِقْهِ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْكَامِلُ كَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ يُقَالُ: الْكَامِلُ فِي الْفِقْهِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ إلَخْ] أَيْ إنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْمُتَفَقِّهَ هُوَ الْمُتَوَسِّطُ لَا كَامِلُ الْفِقْهِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُشْعِرُ بِالتَّكَلُّفِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْبَيَانِ] أَيْ التَّبْيِينِ. [قَوْلُهُ: عَنْ إظْهَارِ] الصَّوَابِ حَذَفَ إظْهَارَ؛ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ وَصْفُ الْمُظْهَرِ وَلَيْسَ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَخُلَاصَةُ الْكَلَامِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْكَشْفُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ بِعِبَارَةٍ فِيهَا خَفَاءٌ، وَالْبَيَانُ إيضَاحُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ الْخَفِيَّةِ بِعِبَارَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: عَنْ حَقِيقَةِ] عَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ ضِمْنِ مُبِينَةٌ مُفْصِحَةٌ، وَإِضَافَةُ حَقِيقَةِ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَنْ حَقِيقَةِ وَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ هِيَ الْمَعْنَى الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: دُونَ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ] أَيْ فَقَطْ أَيْ بِدُونِ كَشْفٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْكَاشِفَ مُعَبِّرٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْكَاشِفَ جَمْعٌ بَيْنَ

بِقَوْلِهِ: (لِمَا رَغِبْتَ فِيهِ) بِفَتْحِ التَّاءِ خِطَابًا لِمُحْرِزٍ أَيْ لِمَا أَرَدْتَهُ (مِنْ تَعْلِيمِ ذَلِكَ) أَيْ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (لِلْوِلْدَانِ) أَيْ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا. وَانْظُرْ كَيْفَ شَبَّهَ تَعْلِيمَ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِتَعْلِيمِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ: (كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ) أَيْ الْقِرَاءَةَ الدَّالَّةَ عَلَى مَعَانِيهِ، وَالْمُشَبَّهُ بِالشَّيْءِ لَا يَقْوَى قُوَّتَهُ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْعَقَائِدِ وَمَعْرِفَةَ الشَّرَائِعِ آكَدُ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يُتَعَلَّمُ حُرُوفُهُ دُونَ مَعَانِيهِ، وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَشْفِ وَالتَّعْبِيرِ، وَالْمُبَيِّنُ جَمْعٌ بَيْنَ الْإِيضَاحِ وَالْأَوَّلُ أَشْرَفُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي حَدِّ ذَاتِهِمَا لَا بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ الْمَقَامِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ] أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ [قَوْلُهُ: وَمَا انْضَمَّ إلَيْهَا] هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَعَ مَا سَهَّلَ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ سُؤَالَ السَّائِلِ] أَيْ بَيَّنَ سَبَبَ سُؤَالِ السَّائِلِ. [قَوْلُهُ: لِمَا أَرَدْته] أَيْ فَالرَّغْبَةُ الْإِرَادَةُ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي شِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِالشَّيْءِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْجُمْلَةُ] وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ] وَيُلْتَحَقُ بِهِمْ جَهَلَةُ الْمُؤْمِنِينَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلَّمَ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ الْقُرْآنَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِ تَعْلِيمِهِمْ إيَّاهُ حَرَامًا، وَهَلْ تَعْلِيمُهُمْ تِلْكَ الْجُمْلَةَ كَذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ الْقُرْآنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؟ نَعَمْ نَصَّ الْبُرْزُلِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُ أَوْلَادِ الظَّلَمَةِ وَلَا أَوْلَادِ كَتَبَةِ الْمُكُوسِ الْخَطَّ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَوَصَّلُونَ بِذَلِكَ إلَى كِتَابَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُوَصِّلُ لِلْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ. [قَوْلُهُ: كَمَا تُعَلِّمُهُمْ حُرُوفَ الْقُرْآنِ] يُطْلَقُ الْقُرْآنُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا بِالْأَلْفَاظِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النُّقُوشَ تَدُلُّ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَالْأَلْفَاظُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعَانِي، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَمِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ عَلَى الثَّانِي، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ أُرِيدَ مِنْ الْحُرُوفِ الْأَلْفَاظُ، فَلَوْ أُرِيدَ مِنْهَا النُّقُوشُ لَكَانَ مِنْ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْقِرَاءَةَ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا تُعَلِّمُهُمْ أَلْفَاظَهُ الدَّالَّةَ عَلَى مَعَانِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَصْفُ الْقَارِئِ فَلَيْسَتْ هِيَ الدَّالَّةُ عَلَى مَعَانِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُشَبَّهُ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَقْوَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَهُنَا الْمُشَبَّهُ أَقْوَى وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّشْبِيهِ أَنْ تَعَلُّمَ الْحُرُوفِ وَاجِبٌ كَتَعْلِيمِ الْعَقَائِدِ وَالشَّرَائِعِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ إلَخْ. 1 - [قَوْلُهُ: الْعَقَائِدِ] جَمْعُ عَقِيدَةٍ بِمَعْنَى مُعْتَقَدَةٍ إلَّا أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى ذَاتِ الْقَضِيَّةِ، كَقَوْلِهِ: اللَّهُ وَاحِدٌ، وَعَلَى نِسْبَتِهَا الَّتِي هِيَ الْمُعْتَقَدَةُ [قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَةَ الشَّرَائِعِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ مَعْرِفَةٍ عُطِفَتْ عَلَى تَعْلِيمٍ أَوْ عَلَى الْعَقَائِدِ، أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ حَدِيثَنَا فِي التَّعْلِيمِ لَا فِي نَفْسِ الْمَعْرِفَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ لَمْ تَكُنْ مُتَعَلِّقَ التَّعْلِيمِ أَيْ لَيْسَتْ مُعَلَّمَةً بَلْ نَاشِئَةً عَنْهُ بَلْ الْمُعَلَّمُ نَفْسُ الشَّرَائِعِ فِي الْأَحْكَامِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: آكَدُ مِنْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ] أَيْ بِارْتِفَاعِهِ إلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ الْوَاجِبُ إلَّا الْفَاتِحَةُ وَيُسَنُّ كَآيَةٍ وَمَا زَادَ فَمُسْتَحَبٌّ، فَالتَّفْضِيلُ عَلَى الْقُرْآنِ بِحَسَبِ أَغْلَبِهِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ. وَقَالَ عج: التَّشْبِيهُ فِي التَّعْلِيمِ لَا فِي حُكْمِهِ فَإِنَّ حُكْمَ تَعْلِيمِ الْأَوَّلِ لَيْسَ كَحُكْمِ تَعْلِيمِ الثَّانِي إذْ مَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَوَاءٌ، وَمَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِمَّا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا يُتَعَلَّمُ حُرُوفُهُ] أَيْ بِحَسَبِ جَرْيِ الْعَادَةِ. [قَوْلُهُ: دُونَ مُعَانِيهِ.] يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ تَعْلِيمُ الْمَعَانِي لَانْتَفَتْ تِلْكَ الْآكَدِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ الْفِقْهِيَّةَ لَا نُدْرِكُهَا مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُفِيدُ شَيْئًا فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَحَطُّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ] أَيْ بِالِارْتِقَاءِ إلَى دَرَجَةِ الْمَنْدُوبِ فَيَصْدُقُ بِالِارْتِقَاءِ إلَى دَرَجَةِ الْوُجُوبِ كَأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِلَى دَرَجَةِ السُّنِّيَّةِ كَالسُّورَةِ، فَقَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ وَمَا ذَكَرْنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِ إذْ لَا وُجُوبَ عَلَى الصَّبِيِّ، وَمَعْرِفَةُ الْعَقَائِدِ أَرْجَحُ مِنْ مَعْرِفَةِ الشَّرَائِعِ وَإِنْ

الْقُرْآنِ إلَّا أُمُّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمُسْتَحَبٌّ وَقَوْلُهُ: (لِيَسْبِقَ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ خَصَصْت الْأَوْلَادَ؟ فَقَالَ لِكَيْ يَسْبِقَ أَيْ يُسْرِعَ (إلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ دِينِ اللَّهِ) وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ. (وَ) يَسْبِقَ إلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ فَهْمِ (شَرَائِعِهِ) وَهِيَ فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (مَا) اسْمٌ مَوْصُولٌ فَاعِلُ يَسْبِقَ وَ (تُرْجَى لَهُمْ) أَيْ لِلْوِلْدَانِ (بَرَكَتُهُ وَتُحْمَدُ لَهُمْ عَاقِبَتُهُ) وَالرَّجَاءُ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَطْبُوعٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ الْأَخْذِ فِي عَمَلٍ مُحَصَّلٍ لَهُ، وَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْعَمَلِ فَهُوَ طَمَعٌ وَهُوَ قَبِيحٌ، وَالرَّجَاءُ حَسَنٌ وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَزِيَادَتُهُ وَعَاقِبَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخَرَ، وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ دِينُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ ثَبَتَ ذَلِكَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَزَادَ فَهْمُهُمْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُنَا ثَمَّ سُؤَالُ مُحْرِزٍ وَجَوَابُهُ وَالْفَاءُ رَابِطَةٌ لِلسُّؤَالِ بِالْجَوَابِ مِنْ قَوْلِهِ: (فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى سُؤَالِك ـــــــــــــــــــــــــــــQاشْتَرَكَا فِي الْوُجُوبِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْبُرْزُلِيِّ يُفِيدُ اسْتِوَاءَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ [قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ] أَيْ ابْنَ أَبِي زَيْدٍ قَالَ لَهُ أَيْ لِمُحْرَزٍ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَ أَيْ مُحْرَزٌ [قَوْلُهُ: مِنْ فَهْمِ دِينِ اللَّهِ] أَيْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ] أَرَادَ بِالدِّينِ الْأَحْكَامَ الِاعْتِقَادِيَّةَ، وَمُرَادُهُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي وَقَعَ مُضَافًا إلَيْهِ الِانْقِيَادُ الْبَاطِنِيُّ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا. [قَوْلُهُ: فُرُوعُ الشَّرِيعَةِ] أَرَادَ بِالْفُرُوعِ الْأَحْكَامَ الْفَرْعِيَّةَ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ حَيْثُ أُرِيدَ بِالشَّرِيعَةِ الْأَحْكَامُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ] أَيْ كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا. [قَوْلُهُ: اسْمٌ مَوْصُولٌ] أَيْ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ. [قَوْلُهُ: وَتُحْمَدُ] مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: وَالرَّجَاءُ] أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ تُرْجَى. [قَوْلُهُ: تَعَلُّقُ الْقَلْبِ] أَيْ الْعَقْلِ، وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ وَالْحَقِيقَةُ نِسْبَةُ التَّعَلُّقِ لِلنَّفْسِ. [قَوْلُهُ: بِمَطْمُوعٍ] أَيْ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اتِّصَافَهُ بِكَوْنِهِ مَطْمُوعًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ التَّعَلُّقِ، فَفِي الْعِبَارَةِ مَجَازُ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ] أَيْ يُظَنُّ حُصُولُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَتَحَقَّقُ لِجَوَازِ عُرُوضِ مَانِعٍ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْعَمَلِ] أَيْ عَنْ الْأَخْذِ فِي الْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَبِيحٌ] أَيْ شَرْعًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ وَاجِبًا وَمَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ مَنْدُوبًا أَوْ عُرْفًا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَطْمُوعُ دُنْيَوِيًّا. [قَوْلُهُ: وَالرَّجَاءُ حَسَنٌ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَزِيَادَتُهُ] أَيْ كَيْفًا فَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْبَرَكَةَ إمَّا الزِّيَادَةُ كَمًّا وَكَيْفًا أَوْ كَمَالًا كَيْفًا أَوْ كَيْفًا لَا كَمًّا. [قَوْلُهُ: وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا] وَهِيَ الرُّسُوخُ وَالزِّيَادَةُ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَأَرَادَ بِالْعَاقِبَةِ هُنَا شَيْئًا يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلِمَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ حَسَنَةٍ لَا يُبَدَّلُ بِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا يُبَدَّلُ بِمَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ سَيِّئَةٍ اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا تَمَكَّنَ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَطْرُقُ الْقُلُوبَ زَمَنَ خُلُوِّهَا مِنْ شَوَاغِلِ الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا ثَبَتَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَأَحْكَامُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَزَادَ فَهْمُهُمْ] أَيْ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ دِينِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ الَّتِي لَمْ يَعْلَمُوهَا، وَلَمَّا كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْ زِيَادَةِ الْفَهْمِ السُّهُولَةُ أَتَى بِهَا. [قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا يَذْكُرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ] حَالٌ مِنْ الْفَاءِ أَيْ الْفَاءُ حَالَةَ كَوْنِهَا مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْ الْمُبْتَدَأِ ضَعِيفًا أَوْ أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَيَانٌ لِلْجَوَابِ، أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي، مُتَعَلِّقٌ بِرَابِطَةٍ أَيْ رَبَطَتْ السُّؤَالَ بِالْجَوَابِ فِي قَوْلِهِ: فَأَجَبْتُك، أَوْ أَنَّ خَبَرَ جَوَابَ قَوْلِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى رَأْيِ مَنْ قَالَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: وَالْفَاءُ إلَخْ. جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: فَأَجَبْتُك إلَخْ] السُّؤَالُ هُنَا لَيْسَ عَنْ وَاجِبٍ فَالْجَوَابُ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ السُّؤَالُ عَنْ وَاجِبٍ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَالْجَوَابُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ الْمُجِيبُ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ. [قَوْلُهُ: إلَى سُؤَالِك] بِمَعْنَى

وَاللَّامُ فِي (لِمَا) لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَوْصُولَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ سَأَلَتْنِي فَأَجَبْتُك لِأَجْلِ الَّذِي (رَجَوْتُهُ) أَيْ طَمِعْت فِيهِ (لِنَفْسِي وَلَكَ مِنْ ثَوَابِ) أَيْ جَزَاءِ (مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ أَوْ دَعَا إلَيْهِ) قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ؛ لِأَنَّ التَّأْلِيفَ تَعْلِيمٌ وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَمُحْرِزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ حَقِيقَةً ثُمَّ حَثَّ عَلَى تَعْظِيمِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ الْقُلُوبِ أَوْعَاهَا) أَيْ أَحْفَظُهَا (لِلْخَيْرِ وَأَرْجَى) أَيْ أَقْرَبُ (الْقُلُوبِ لِلْخَيْرِ مَا) أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي (لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ قَبِلَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ أَحْسَنَ قَبُولٍ، وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ عَظُمَتْ الْحِيلَةُ فِي إزَالَتِهِ كَالْآنِيَةِ الْجَدِيدَةِ يُجْعَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْئُولِك [قَوْلُهُ: أَيْ طَمِعْت] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ تَعَلَّقَ قَلْبِي بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّمَعَ قَبِيحٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَزَاءِ] فَسَّرَ الثَّوَابَ بِالْجَزَاءِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى يُعْطِيهِ لِعِبَادِهِ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ الْحَسَنَةِ الْمَقْبُولَةِ. [قَوْلُهُ: مَنْ عَلَّمَ دِينَ اللَّهِ] الْمُرَادُ بِالدِّينِ مُطْلَقُ الْأَحْكَامِ، اعْتِقَادِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً. [قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ] وَقِيلَ: إنَّ أَوْ تَنْوِيعِيَّةٌ فَالْمُعَلِّمُ الْمُصَنِّفُ، وَالدَّاعِي مُحْرَزٌ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِي الْعِبَارَةِ قَضِيَّةٌ مَحْذُوفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ، وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ وَصُورَتُهُ التَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ تَعْلِيمٌ فَيَنْتُجُ: التَّأْلِيفُ تَعْلِيمٌ، وَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ تُفِيدُهُ عِبَارَتُهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي. [قَوْلُهُ: فَهُوَ دَاعٍ] مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَضِيَّةٍ مَحْذُوفَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِالْقَضِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمَحْذُوفَةِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: التَّعْلِيمُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَالتَّأْلِيفُ كَذَلِكَ أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَتَرْتِيبُ الْعِلْمِ إلَى التَّأْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ التَّنَاوُلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْلِيفِ بِدُونِ التَّنَاوُلِ، فَصَارَ الْمُصَنِّفِ: بِذَلِكَ دَاعِيًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: وَالتَّأْلِيفُ فِعْلٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ، وَالْعِلْمُ مَحْمُودٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ حَاصِلٌ مِنْ التَّأْلِيفِ فَبِهَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ دَاعِيًا. [قَوْلُهُ: وَقَدْ قَامَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ] أَيْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَلَّفَ فَيَكُونُ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي وَقَعَ مَوْضُوعًا لِلْقَضِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إلَخْ مُحْتَوٍ عَلَى دَعْوَتَيْنِ، كُلُّ وَاحِدَةٍ تَحْتَهَا طَرَفَانِ الْأُولَى مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَهَذِهِ بِطَرَفَيْهَا ظَاهِرَةٌ وَإِلَيْهَا يُشِيرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْعِبَارَةِ بِقَوْلِهِ: مُحْرَزٌ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ، وَحَقِيقَةُ الثَّانِيَةِ الْمُصَنِّفُ دَاعٍ وَمُعَلِّمٌ وَفِيهَا خَفَاءٌ مِنْ جِهَةِ الطَّرَفَيْنِ، فَبَيَّنَ الشَّارِعُ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ قَوْلُنَا: الْمُصَنِّفُ دَاعٍ بِقَوْلِهِ: فَهُوَ دَاعٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ تَفَرُّعِهِ عَلَى الْمَحْذُوفَةِ، وَبَيَّنَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وَالتَّعْلِيمُ فِعْلٌ، وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَلَّفَ فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا أَوْ وَقَدْ قَامَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّأْلِيفِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا. وَقَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ. [قَوْلُهُ: وَمُحْرَزٌ دَاعٍ] أَيْ دَاعٍ إلَى تَعْلِيمِ دِينِ اللَّهِ كَمَا يُفِيدُهُ تت، أَيْ إمَّا مِنْ حَيْثُ سُؤَالُهُ الْمُصَنِّفَ تَأْلِيفَ هَذَا الْكِتَابِ أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَدْعُو الْوِلْدَانَ لِلتَّعْلِيمِ ثُمَّ يُعَلِّمُهُمْ. تَنْبِيهٌ: تَرَجَّى الْمُصَنِّفُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ لِلْعَمَلِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَالثَّوَابُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْقَبُولِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ خَيْرَ] أَيْ أَحْسَنَهَا، وَقَوْلُهُ: أَوْعَاهَا لِلْخَيْرِ أَيْ ضِدُّ الشَّرِّ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْخَيْرَانِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَكَتْ فِي الْحُسْنِ وَحِفْظِ الْخَيْرِ وَأَحْسَنُهَا مَا كَانَ أَحْفَظَ لِلْخَيْرِ فَكُلٌّ مِنْ خَيْرِ الْأَوَّلِ، وَأَوْعَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ دُونَ خَيْرِ الثَّانِي فَلَيْسَ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ الشَّرِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْقَلْبُ الَّذِي إلَخْ] جَعَلَ مَا اسْمًا مَوْصُولًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَيْ قَلْبٌ لَمْ يَسْبِقْ الشَّرُّ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الشَّرُّ] أَيْ الْمَعْصِيَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَبَقَ إلَيْهِ اعْتِقَادُ الشَّرِّ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ اعْتِقَادُ إذْ حُبُّ الْمَعْصِيَةِ شَرٌّ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا. [قَوْلُهُ: يُجْعَلُ فِيهَا الْقَطِرَانُ] اقْتَصَرَ عَلَى

فِيهَا الْقَطِرَانُ فَلَا تَزُولُ مِنْهَا رَائِحَتُهَا إلَّا بَعْدَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ. (وَ) اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ (أَوْلَى) أَيْ أَحَقَّ (مَا عُنِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنَى شُغِلَ (بِهِ النَّاصِحُونَ) أَيْ الْمُرْشِدُونَ لِلْخَيْرِ الْمُحَذِّرُونَ مِنْ الشَّرِّ (وَرَغِبَ فِي أَجْرِهِ الرَّاغِبُونَ) أَيْ الطَّالِبُونَ لِلْخَيْرِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا: (إيصَالُ الْخَيْرِ) أَيْ تَبْلِيغُهُ (إلَى قُلُوبِ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لِ) كَيْ (يَرْسَخَ) أَيْ يَثْبُتَ (فِيهَا وَ) ثَانِيهَا: (تَنْبِيهُهُمْ) أَيْ إيقَاظُهُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَالْجَهَالَةِ (عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ) ، أَرَادَ بِهَا هُنَا قَوَاعِدَ الدِّينِ. (وَ) ثَالِثُهَا: عَلَى (حُدُودِ الشَّرِيعَةِ) وَهِيَ الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَحَقَّ بِمَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ (لِ) أَجْلِ أَنْ (يُرَاضُوا) أَوْلَادَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ يُذَلِّلُوا (عَلَيْهَا) مِنْ رُضْت الدَّابَّةَ أَيْ ذَلَّلْتهَا؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَثْبُتُ الدِّينُ فِي قُلُوبِهِمْ وَتَنْقَادُ إلَيْهِ طَبَائِعُهُمْ وَيُطَاوِعُونَ لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ كَالْبَهِيمَةِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطِرَانِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَعَلُّقًا مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَشَقَّةٍ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَحَقُّ] ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا [قَوْلُهُ: بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ] هَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ زُكِمَ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي أَتَتْ عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ، لَكِنَّ الشَّارِحَ فَسَّرَهَا بِشُغِلَ الَّذِي هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ عُنِيَ فَلَا يُعْلَمْ مِنْهُ أَنَّ عُنِيَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، فَلَوْ فَسَّرَهَا بِنَحْوِ اهْتَمَّ لَكَانَ أَحْسَنَ لِإِفَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ حَقِيقَةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُرْشِدُونَ لِلْخَيْرِ إلَخْ] أَيْ فَالنُّصْحُ بِالْإِرْشَادِ لِلْخَيْرِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ الشَّرِّ، ثُمَّ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ النُّصْحَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ فَأَحَدُهُمَا لَا يُقَالُ لَهُ نُصْحٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ نُصْحٌ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الطَّالِبُونَ لِلْخَيْرِ] تَفْسِيرٌ لِلرَّاغِبِ بِحَسَبِ الْمَقَامِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّغْبَةَ الْإِرَادَةُ. [قَوْلُهُ: إيصَالُ الْخَيْرِ] قَالَ تت: مَنْ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ اهـ. وَغَيْرُ الْعِلْمِ كَالْقُرْآنِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ تت أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَتَنْبِيهُهُمْ إلَخْ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ يُؤْذِنُ بِالْمُغَايَرَةِ بِحَيْثُ يُرَادُ بِالْخَيْرِ مَا عَدَا الْأَحْكَامِ مُطْلَقًا اعْتِقَادِيَّةً أَوْ عَمَلِيَّةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ] خَصَّ الْأَوْلَادَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَجْلِ قَوْلِهِ لِيَرْسَخَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ إلَخْ] السِّنَةُ: مَا تَقَدَّمَ النَّوْمَ مِنْ الْفُتُورِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَالْغَفْلَةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ غَيْبَةُ الشَّيْءِ عَنْ بَالِ الْإِنْسَانِ وَعَدَمُ تَذَكُّرِهِ لَهُ، وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيمَنْ تَرَكَهُ إعْرَاضًا وَإِهْمَالًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] اهـ. وَالْجَهَالَةُ عَدَمُ الْعِلْمِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ فَنَقُولُ: إنَّ عَطْفَ الْجَهَالَةِ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَإِضَافَةُ سِنَةٍ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَيْ إيقَاظُهُمْ مِنْ الْجَهَالَةِ الشَّبِيهَةِ بِالسِّنَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهَا إلَخْ] الْمَعَالِمُ جَمْعُ مَعْلَمٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْأَثَرُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَلِذَلِكَ قَالَ: أَرَادَ بِهَا هُنَا قَوَاعِدَ الدِّينِ هَكَذَا أَفَادَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي. وَقَوْلُهُ: هُنَا لَا مُحْتَرَزَ لَهُ. [قَوْلُهُ: قَوَاعِدَ الدِّينِ] جَمْعُ قَاعِدَةٍ هِيَ أَسَاسُ الْبَيْتِ هَذَا فِي اللُّغَةِ اُسْتُعِيرَتْ لِلْعَقَائِدِ بِجَامِعِ مُطْلَقِ الِاعْتِمَادِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْفَرْعِيَّةَ لَا ثَبَاتَ لَهَا إلَّا بِالْأَصْلِيَّةِ أَيْ لَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُكَلَّفِ الْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ إلَّا إذَا قَامَ بِهِ الْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّةُ. وَقَوْلُهُ: الدِّينَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الدِّيَانَةَ اسْمٌ بِمَعْنَى الدِّينِ، وَظَهَرَ مِنْ تَقْرِيرِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَيْ بِالدِّينِ الْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ قَاعِدَةً لِلْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَحْكَامُ] تَفْسِيرٌ لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ، وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ حُدُودٌ هِيَ الشَّرِيعَةُ. [قَوْلُهُ: مِنْ رُضْت الدَّابَّةَ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رُضْت الدَّابَّةَ رِيَاضَةً ذَلَّلْتهَا اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ] الضَّمِيرُ لِلْحَالِ وَالشَّأْنِ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ إيصَالِ الْخَيْرِ إلَى قُلُوبِهِمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى مَعَالِمِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يُثَبِّتُ الدِّينَ] أَيْ الْأَحْكَامَ أَصْلِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يُثَبِّتُ الدِّينَ فِي قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ تَنْبِيهِهِمْ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَتَنْقَادُ إلَخْ] الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ يُثَبِّتُ؛ لِأَنَّ الثَّبَاتَ بَعْدَ الِانْقِيَادِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا أَوْ الْمُرَادُ

تُرَاضُ لِلتَّعْلِيمِ لِيَتَأَتَّى مِنْهَا الْمُرَادُ، وَإِذَا لَمْ تَتَعَلَّمْ كَانَتْ جَمُوحًا شَمُوصًا لَا تَنْقَادُ، وَقَوْلُهُ: (وَمَا عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ وَقَوْلِهِ: (وَتَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: حُدُودُ الشَّرِيعَةِ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَى آخِرِهِ بِحَدِيثَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَأَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (رُوِيَ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ لِكِتَابِ اللَّهِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ) الْإِطْفَاءُ الْإِخْمَادُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ رَدُّ الْعَذَابِ الْوَاقِعِ بِالْغَضَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ وَهِيَ الْإِرَادَةُ إذْ مَعْنَاهَا لُغَةً غَلَيَانُ الدَّمِ، وَهُوَ يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْقَادُ طِبَاعُهُمْ إلَى الدِّينِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمُوهُ. [قَوْلُهُ: لِلْعَمَلِ بِذَلِكَ] أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الضَّمِيرِ وَالْأَصْلُ بِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلتَّعْلِيمِ] الْمُنَاسِبُ لِلتَّعَلُّمِ؛ لِأَنَّهُ وَصْفُ الدَّابَّةِ لَا التَّعْلِيمِ أَيْ الَّتِي تُذَلَّلُ لِتَعَلُّمِ الطَّحْنِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: الْمُرَادُ أَيْ الطَّحْنُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: جَمُوحًا] بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ مُسْتَعْصِيَةً عَلَيْهِ فَتَغْلِبُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: شَمُوصًا] فِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ شَمُوصًا مَعْنَاهُ سَائِقًا سَوْقًا عَنِيفًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ لَا الدَّابَّةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّارِحِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ تَسَمَّحَ فِي وَصْفِ الدَّابَّةِ بِوَصْفِ الشَّخْصِ فَأَرَادَ مِنْهُ مَا أَرَادَ مِنْ جَمُوحًا مِنْ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فِيهِ وَهُوَ الِاسْتِعْصَاءُ عَلَيْهِ. فَقَوْلُهُ: لَا تَنْقَادُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُمَا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ جَمُوحًا وَشَمُوصًا أَنَّهَا لَا تَنْقَادُ. [قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا إلَخْ] أَيْ بِالْمُرَادِفِ وَحَلَّهُ بَعْضٌ بِمَا يَدْفَعُ التَّكْرَارَ فَحَمَلَ قَوْلَهُ: مَعَالِمُ الدِّيَانَةِ عَلَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ، وَحَمَلَ مَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ الدِّينِ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَقَائِدِ الْإِيمَانِ، وَحَمَلَ حُدُودَ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ مِنْ نَحْوِ الزِّنَا وَالْقَتْلِ، وَمَا تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهَا اهـ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّكْرَارَ وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَجِيءُ عَلَى جَعْلِ مَا فِي قَوْلِهِ: وَمَا عَلَيْهِمْ مَوْصُولَةً مَعْطُوفَةً عَلَى مَعَالِمِ الدِّيَانَةِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهُهُمْ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ تَعْتَقِدَهُ قُلُوبُهُمْ وَتَعْمَلَ بِهِ جَوَارِحُهُمْ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الدِّينِ بَيَانٌ لِلشَّيْءِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ تَعْتَقِدَهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ: قُلُوبُهُمْ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعْتَقِدُهُ كَمَا يُوهِمُهُ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ اسْتِفْهَامِيَّةً وَالتَّقْدِيرُ أَيْ مَشَقَّةٌ تَلْحَقُهُمْ فِيهِ مَعَ كَبِيرِ فَائِدَتِهِ وَهِيَ الرُّسُوخُ فِي الْقَلْبِ وَالرِّيَاضَةُ وَالتَّأَنُّسُ وَحُصُولُ شَرَفِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَا تَكْرَارَ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَدَلَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِدْلَالٌ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْقُرْآنُ لَا كُلُّ أَفْرَادِهِ إذْ مِنْ أَفْرَادِهِ الْعِلْمُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: لِيَرْسَخَ فِيهَا، أَيْ تَعْلِيمُ الصِّغَارِ يُفِيدُ الرُّسُوخَ وَالثُّبُوتَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ إلَخْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ إلَخْ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ أَوْلَى مَا عُنِيَ إلَخْ أَيْ إنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَعْلِيمَ الصِّغَارِ يُطْفِئُ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. [قَوْلُهُ: الْإِطْفَاءُ وَالْإِخْمَادُ] أَيْ الَّذِي هُوَ تَسْكِينُ لَهَبِ النَّارِ فَهُوَ مِنْ مُلَائِمَاتِ النَّارِ. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْعَذَابِ] الْمُنَاسِبُ السُّكُوتُ عَلَى قَوْلِهِ رَدُّ أَيْ فَأَرَادَ بِالْإِطْفَاءِ الرَّدَّ وَأَرَادَ بِالْغَضَبِ الْعَذَابَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، فَإِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِالْغَضَبِ سَبَبِيَّةٌ وَالْمُرَادُ رَدُّ دَوَامِ الْعَذَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاقِعِ الْمُتَوَقَّعُ، وَأَلْجَأَنَا إلَى ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا لَازِمُهُ] أَيْ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَاهُ لُغَةً الَّذِي هُوَ غَلَيَانُ الدَّمِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْبَارِئِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْغَضَبَ الْمُضَافَ لِلْبَارِئِ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، ثُمَّ تَجَوَّزَ بِهَا أَيْضًا عَنْ الْعَذَابِ، أَيْ فَالْغَضَبُ فِي الْمُصَنَّفِ عِبَارَةٌ عَنْ الْعَذَابِ مَجَازٌ عَنْ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ الَّتِي هِيَ مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِ الدَّمِ وَعَلَاقَةُ الْأَوَّلِ السَّبَبِيَّةُ وَالثَّانِي اللُّزُومُ. وَقَوْلُهُ: هُنَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْبَارِئِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمُرَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْغَضَبِ الْعَذَابُ وَهُوَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُتَكَلَّفُ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِرَادَةُ إلَخْ] هَذَا إذَا جُعِلَ صِفَةَ ذَاتٍ، وَإِنْ جُعِلَ صِفَةَ فِعْل فَيُفَسَّرُ

تَعَالَى، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ يَرُدُّ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ آبَائِهِمْ أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ أَوْ عَنْ مُعَلِّمِهِمْ أَوْ عَنْهُمْ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَنَّ) أَيْ وَرُوِيَ أَنَّ (تَعَلُّمَ الشَّيْءِ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ) (ع) زَادَ فِي النَّوَادِرِ: وَالتَّعَلُّمُ فِي الْكِبَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ، قُلْت: الْحَدِيثُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ «مَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي الْكِبَرِ كَاَلَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاءِ» . وَأَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ: أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ ... وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا ... وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ فَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا ... لَأَلْفَى فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ ... إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِانْتِقَامِ. [قَوْلُهُ: الْوَاقِعَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ] أَيْ بِسَبَبِ إرَادَةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْغَضَبِ الَّذِي يُضَافُ لِلَّهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِمَا عَلِمْته [قَوْلُهُ: عَنْ آبَائِهِمْ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَعْلِيمِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَمَّنْ تَسَبَّبَ فِي تَعْلِيمِهِمْ وَلَوْ غَيْرَ آبَائِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَنْ الْمَجْمُوعِ] أَيْ جُمْلَةِ مَنْ تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَرُدُّ الْعَذَابَ عُمُومًا] أَيْ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْخَلْقِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ مُعَلَّلًا لَهُ بِمَا وَرَدَ مَعْنَاهُ: لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ] أَيْ فَكَمَا أَنَّ النَّقْشَ فِي الْحَجَرِ لَهُ أَثَرٌ ظَاهِرٌ مُسْتَمِرٌّ كَذَلِكَ التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ. [قَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ عَلَى الْمَاءِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَثَرَهُ ذَاهِبٌ لَا ثَبَاتَ لَهُ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ إلَخْ] أَيْ مِثْلُ تَعَلُّمِ الَّذِي يَتَعَلَّمُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: نِفْطَوَيْهِ إلَخْ] قَالَ الدُّلَجِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الشِّفَاءِ. قَالَ نِفْطَوَيْهِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: نِفْطَوَيْهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهِ وَهُوَ وَأَمْثَالُهُ عِنْدَ النُّحَاةِ بِوَاوٍ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا سَاكِنٌ مَا بَعْدَهَا، وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَاوُهُ سَاكِنَةٌ مَضْمُومٌ مَا قَبْلَهَا مَفْتُوحٌ مَا بَعْدَهَا ثُمَّ هَاءٌ وَالتَّاءُ خَطَأٌ وَعَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ اهـ. بِلَفْظِهِ قَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَلَى قَوْلِهِ نِفْطَوَيْهِ: هُوَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَرَفَةَ الْأَزْدِيُّ النَّحْوِيُّ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ. [قَوْلُهُ: أَرَانِي] أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي. وَقَوْلُهُ: أَنْسَى أَيْ نَاسِيًا أَيْ أُبْصِرُ نَفْسِي حَالَةَ كَوْنِي نَاسِيًا مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ أَوْ أَعْلَمُ نَفْسِي نَاسِيًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ] لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِنْ تَفَاوَتَ بِدَلِيلِ الْمَقَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا عَدَا الشَّبُوبَةَ وَبِالصِّبَا الشَّبُوبَةَ، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَبْيَاتِ لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ مَا يُفِيدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ حَالَ الصِّغَرِ يَتَفَاوَتُ وَكُلَّمَا كَانَ أَنْزَلَ مِنْ الْبُلُوغِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَانَ التَّعَلُّمُ فِيهِ أَثْبَتُ مِمَّا كَانَ فَوْقَهُ مِمَّا كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْبُلُوغِ، وَلَفْظُ الْكِبَرْ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَكَذَا الرَّاءُ الْوَاقِعَةُ رَوِيًّا وَالْبُيُوتُ مِنْ الطَّوِيلِ. [قَوْلُهُ: وَمَا الْعِلْمُ] الرَّاسِخُ أَيْ وَمَا يَكُونُ الْعِلْمُ الرَّاسِخُ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا غَالِبِيٌّ فَقَدْ تَفَقَّهَ الْقَفَّالُ وَالْقُدُورِيُّ بَعْدَ الشَّيْبِ فَفَاقَا الشَّبَابَ. [قَوْلُهُ: وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ] بِاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَالْحِلْمُ الْأَنَاةُ وَالْعَقْلُ وَالتَّحَلُّمُ تَكَلُّفُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ، أَيْ وَمَا الْحِلْمُ الْمُعْتَبَرُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ أَيْ تَكَلُّفُهُ فِي الْكِبَرِ. وَالْمُتَكَلَّفُ فِيهِ يَأْتِي عَلَى أَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ. [قَوْلُهُ: لَأَلْفَى فِيهِ إلَخْ] أَيْ لَوَجَدَ فِيهِ الْعِلْمَ، وَقَوْلُهُ: كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ حِسًّا بَلْ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ رُسُوخِهِ وَثُبُوتِهِ، وَأَرَادَ بِالنَّقْشِ الْأَثَرَ الظَّاهِرَ فِي الْحَجَرِ لَا الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الشَّخْصِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّيْبِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ الصِّبَا بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالصِّبَا مَا يَشْمَلُ الشَّبُوبَةَ، وَالشَّيْبُ مَا عَدَاهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا تَعَسُّفٌ] الْمَعْنَى وَمَا الْعِلْمُ مُتَّصِفٌ بِحَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا لِتَعَسُّفٍ

وَمَا الْمَرْءُ إلَّا اثْنَانِ عَقْلٌ وَمَنْطِقٌ ... فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا فَقَدْ دَمَرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَدْ مَثَّلْت) أَيْ بَيَّنْت (لَك) ، الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ وَالْإِشَارَةُ فِي (مِنْ ذَلِكَ) عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ (مَا) أَيْ الَّذِي (يَنْتَفِعُونَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ وَيَشْرُفُونَ بِعِلْمِهِ وَيَسْعَدُونَ بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ) الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ، وَيَجُوزُ فِي الثَّالِثِ ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَنْتَفِعُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَشْرُفُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيَسْعَدُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ النَّفْعِ الْحِفْظَ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حِفْظِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ الشَّرَفِ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ الشَّرَفُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْأَقْرَانِ إذْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: إذَا كَلَّ] أَيْ عَيَّ وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ: بَعْدَ الشَّيْبِ، أَيْ لَا بَعْدَ الشَّيْبِ مُطْلَقًا بَلْ بِقَيْدِ كِلَالِ قَلْبِ الْمَرْءِ إلَخْ. أَوْ وَصْفٌ كَاشِفٌ لِلشَّيْبِ أَيْ الشَّيْبُ الْكَائِنُ إذَا كَلَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَقْلٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْطِقٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِاللُّزُومِ أَيْ مِنْ حَيْثُ أَنْ كُلًّا لَهُمَا يَلْزَمُهُ فَوَاتُ النُّطْقِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ فَاتَهُ هَذَا وَهَذَا] أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: إذَا كَلَّ إلَخْ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ هَذَا أَوْ هَذَا. [قَوْلُهُ: فَقَدْ دَمَّرَ] أَيْ هَلَكَ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: أَيْ بَيَّنْت إلَخْ] أَيْ جَعَلْت لَك الْمَسَائِلَ وَاضِحَةً كَالْمِثَالِ. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى السُّؤَالِ] وَعَلَيْهِ فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بَيَّنْت لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَجْلِ سُؤَالِك أَوْ أَنَّ " مِنْ " بَيَانٌ " لِمَا " وَالسُّؤَالُ بِمَعْنَى الْمَسْئُولِ. [قَوْلُهُ: بِحِفْظِهِ] قَضِيَّةُ قَوْلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ إلَخْ أَنَّ الْبَاءَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ يَنْتَفِعُونَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ بِسَبَبِ حِفْظِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ 1 - [قَوْلُهُ: وَيَشْرُفُونَ] بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَاضِيهِ شَرُفَ بِضَمِّ الرَّاءِ إذَا نَالَ الْعُلُوَّ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِعِلْمِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْضًا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي. [قَوْلُهُ: وَيَسْعَدُونَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ السَّعَادَةَ إمَّا دُنْيَوِيَّةٌ وَإِمَّا أُخْرَوِيَّةٌ، فَالدُّنْيَوِيَّةُ امْتِثَالُ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْأُخْرَوِيَّةُ التَّمَتُّعُ فِي الْجَنَّةِ إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ إلَخْ الْبَاءُ فِيهِ لِلتَّصْوِيرِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلِلسَّبَبِيَّةِ بِاعْتِبَارِ السَّعَادَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا فِي قَوْلِهِ مَا يَنْتَفِعُونَ إنْ أُوقِعَتْ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمَسْئُولَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالِاخْتِصَارِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَتْنِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعِلْمِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِعِلْمِ مَدْلُولِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: بِاعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَقَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِهِ نَاظِرٌ لِأُصُولِ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: بِالْعَمَلِ نَاظِرٌ لِلْفُرُوعِ وَإِنْ أُوقِعَتْ عَلَى جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الْمَدْلُولَةِ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَحْتَاجُ لِحَذْفِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ بِحِفْظِهِ، أَيْ حِفْظِ دَالِّهِ وَلَا يَحْتَاجُ لَهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ. [قَوْلُهُ: ضَمُّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ] أَيْ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ اللَّهُ السَّعَادَةَ بِاعْتِقَادِهِ وَتَكَفَّلَ بِتَوْضِيحِ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ، فَفِيهِ سَعِدَ فُلَانٌ يَسْعَدُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا إلَى أَنْ قَالَ: وَيُعَدَّى بِالْحَرَكَةِ فِي لُغَةٍ، فَيُقَالُ أَسْعَدَهُ اللَّهُ يُسْعِدُهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ فَهُوَ مَسْعُودٌ، وَقُرِئَ فِي السَّبْعَةِ بِهَذِهِ اللُّغَةِ فِي قَوْلِهِ: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ إلَخْ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ فَيُقَالُ: أَسْعَدَهُ اللَّهُ اهـ. [قَوْلُهُ: رَابِطَةٌ لِلْجُمَلِ الثَّلَاثِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْجُمَلِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَمُرَادُهُ أَنَّهَا مَحْذُوفَةٌ مِنْ الْأَخِيرَيْنِ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّيْءِ إلَخْ] أَيْ كَالْجُمْلَةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمَسْئُولَةِ أَيْ الِانْتِفَاعُ الْكَامِلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَنْتَفِعُ بِالرِّسَالَةِ مَنْ لَمْ يَحْفَظْهَا. [قَوْلُهُ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ الشَّرَفَ] الْمُنَاسِبُ الَّذِي قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ: وَجُعِلَ مُتَعَلِّقُ الشَّرَفِ وَالْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ الشَّرَفُ] أَيْ الْعُلُوُّ [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا إلَخْ] قَضِيَّتُهُ حَصْرُ الشَّرَفِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الشَّرَفُ أَيْضًا فِي الْآخِرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَقْرَانِ] مُرَادُهُ بِهِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِي السِّنِّ أَوْ فِي أَوْصَافٍ غَيْرِ

أَشْرَفُ مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ، وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ وَالْمُرَادُ بِالسَّعَادَةِ هُنَا فِي الدُّنْيَا بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. (وَقَدْ جَاءَ أَنْ يُؤْمَرُوا) أَيْ الصِّغَارُ «بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (ع) ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ وَكَوْنُهُمْ مَأْمُورِينَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ بِالشَّرْعِ الْوَلِيُّ لِيَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ، أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ خِطَابَ تَكْلِيفٍ بَلْ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْوَلِيُّ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ أَوْ فِي الْعِلْمِ مَا عَدَا هَذَا اُنْظُرْ الْمِصْبَاحَ. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الِاعْتِقَادَ] حَقُّهُ أَنْ يَزِيدَ وَالْعَمَلَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ السَّعَادَةِ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ لَا الِاعْتِقَادُ وَحْدَهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السَّعَادَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ غَيْرُ الِاعْتِقَادِ مَعَ أَنَّهَا نَفْسُ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِخْلَاصُ إلَخْ] قَالَ عج: وَتَفْسِيرُهُ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ الِاعْتِقَادُ فِيمَا يُطْلَبُ اعْتِقَادُهُ وَالْعَمَلُ أَيْ فِيمَا يَعْمَلُ، وَالْمُرَادُ الْعَمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا] حَالٌ مِنْ السَّعَادَةِ، وَقَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ إلَخْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ شَيْءٌ مُصَوَّرٌ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّمَتُّعِ فِي الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: لِسَبْعِ سِنِينَ] أَيْ لِلدُّخُولِ فِيهَا، وَقَوْلُهُ: لِعَشْرٍ لِلدُّخُولِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ تَأْتِي لِمَالِكٍ بِالنَّهَارِ فَيُهْدِيهَا لَهُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: ابْنُ وَهْبٍ عَالِمٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقِيهٌ. [قَوْلُهُ: دَلِيلًا إلَخْ] هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى [قَوْلُهُ: قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهَا إذَا عَرَفَ يَمِينَهُ مِنْ شِمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يُؤْمَرُ بِهَا إذَا أَطَاقَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ اهـ. [قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَاطَبُ بِالصَّلَاةِ] أَيْ فَكَيْفَ يُخَاطِبُهُ الشَّرْعُ بِالصَّلَاةِ.، [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ] جَوَابٌ بِالْمَنْعِ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيَظْهَرُ أَنْ لَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى جَوَابِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ إذْ الثَّوَابُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَلَا أَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّبِيِّ فَلَا ثَوَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّبِيَّ تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الْوَلِيِّ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَاطَبُ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَ ثَمَّ وَلِيٌّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ بِالْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعَلَّقَ بِجَامِعَةِ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ] جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ أَيْ بِتَسْلِيمِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ لَكِنْ لَا عَلَى وَجْهِ التَّكْلِيفِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَإِنْ اخْتَلَفَ حَالُ الْآمِرِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ تَأْدِيبٌ وَلِلْوَلِيِّ تَكْلِيفٌ، وَلَا ثَوَابَ لِلصَّبِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ خِطَابَ تَأْدِيبٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاطِبِ لَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَلِيَّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خِطَابُهُ أَصَالَةً أَوْ نِيَابَةً لَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَصَالَةً إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُخَاطَبُ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِيَابَةً عَنْ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيُّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَعَادَ السُّؤَالُ، وَعَلَى الثَّانِي الشَّرْعُ هَذَا وَالْحَقُّ مَا قُلْنَا سَابِقًا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَأَنَّ الصَّبِيَّ مُخَاطَبٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيُثَابُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْحَقُّ أَنَّ الْبُلُوغَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْخِطَابِ بِالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ اهـ. [قَوْله: مَحْمُولٌ عَلَى

مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا أُمِرَ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ دُونَ الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ. قَالَ بِهِ ابْنُ قَاسِمٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا بَلَغُوا سَبْعَ سِنِينَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ هُنَا التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ، وَإِنْ كَانُوا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَالصَّلَاةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمُوا) أَيْ الصِّغَارُ (مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) الْمُكَلَّفِينَ (مِنْ قَوْلٍ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ. (وَ) مِنْ (عَمَلٍ) وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّدْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ بَطَّالٍ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّارِعِ لِلْوَلِيِّ أَمْرُ إيجَابٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ الْوَلِيُّ الْأَوْلَادَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: دُونَ الصِّيَامِ] أَيْ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ إذْ الثَّوَابُ فِي فِعْلِ الْمَطْلُوبِ لَا فِي فِعْلِ الْمُبَاحِ وَلَا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ، هَذَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شَارِحَنَا غَايَةُ مَا أَفَادَ نَفْيَ الْأَمْرِ، وَالْجَوَازُ وَعَدَمُهُ شَيْءٌ آخَرُ بَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يُنْدَبُ بَلْ يَجُوزُ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّتِهِ، وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ إلْزَامُ الصَّبِيِّ مَا فِي فِعْلِهِ مَشَقَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَالْحَاجَةُ إلَيْهَا أَشَدُّ] أَيْ إلَى حِفْظِهَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْمُتَكَرِّرَ شَأْنُهُ الثِّقَلُ عَلَى النَّفْسِ فَيَحْتَالُ فِي تَحْصِيلِهِ بِالْأَمْرِ بِهِ نَدْبًا قَبْلَ وَقْتِهِ لِأَجْلِ التَّمَرُّنِ وَالِاعْتِيَادِ فَلَا يَحْصُلُ ثِقَلٌ فِي وَقْتِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالضَّرْبُ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ] أَيْ حَيْثُ ظَنَّ الْإِفَادَةَ وَإِلَّا فَيَضْرِبْ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَقْصِدُهَا لَا تُشْرَعُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِحَالِ الصِّبْيَانِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَدْ شَاهَدْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَلِّمِينَ الصُّلَحَاءَ يَضْرِبُ نَحْوَ الْعِشْرِينَ وَأَزْيَدَ اهـ. [قَوْلُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ] وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَهْشِمُ لَحْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً، وَمَحَلُّ الضَّرْبِ عِنْدَ الْعَشْرِ إذَا دَخَلَ فِيهَا وَلَمْ يَمْتَثِلْ بِالْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: التَّفْرِيقُ بِالْأَثْوَابِ] ظَاهِرُهُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ ثَوْبٌ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا لَابِسًا ثَوْبًا وَالْآخَرُ غَيْرَ لَابِسٍ لَمْ يَكْفِ فِي التَّفْرِقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ. كَمَا قَالَ عج، أَقُولُ: وَكَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَكِنْ نَقَلَ عج عَنْ بَعْضِهِمْ مَا يُفِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ سَبَبَ التَّفْرِيقِ مَخَافَةَ أَنْ يَأْنَسُوا بِمَا يَحْصُلُ مِنْ الِالْتِذَاذِ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ وَعَدَمُهَا يُكْرَهُ وَهُوَ أَيْضًا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَلِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِتْيَانُ فَيَنْبَغِي فِي التَّنْظِيرِ وَإِنْ كَانَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِتَعْلِيمِهِمْ لِلْفُرُوضِ لَا بِأَمْرِهِمْ بِتَحْصِيلِهَا، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْ التَّعَلُّمِ التَّحْصِيلُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ كَالشَّهَادَتَيْنِ يُعَلَّمُونَهُ لِأَجْلِ أَنْ تَكَرَّرَ عَلَى لِسَانِهِمْ وَهُوَ التَّحْصِيلُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَقِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا مِنْ قِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ كَالصَّلَاةِ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ تَحْصِيلِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالِاعْتِقَادَاتُ يُعَلَّمُونَهَا لِأَجْلِ كَثْرَةِ وُرُودِهَا عَلَى الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ عَمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُعَلَّمُونَهُ وَلَا يُقْصَدُ تَحْصِيلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعِبَارَةُ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَهُ لِلنَّدْبِ عَطْفُهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ إلَخْ، ثُمَّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَأَوْلَى مَا عُنِيَ بِهِ النَّاصِحُونَ إلَخْ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] إشَارَةٌ إلَى التَّخْصِيصِ فِي الْعِبَادِ لَا كُلِّ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ قَطْعًا وَكَذَا آدَم وَحَوَّاءُ، وَأَوْلَادُ آدَمَ إنَّمَا كُلِّفُوا عِنْدَ الْبُلُوغِ وَفِي الْجِنِّ نِزَاعٌ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ كَمَا ذَكَرَهُ عج أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلٍ] الْمُرَادُ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ لَا الْمَصْدَرُ وَلَا الْمَقُولُ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ هُوَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْفَرْضِيَّةِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] أَيْ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ

جَمِيعُ أَعْمَالِ الطَّاعَةِ (قَبْلَ بُلُوغِهِمْ لِ) كَيْ (يَأْتِيَ عَلَيْهِمْ الْبُلُوغُ وَقَدْ تَمَكَّنَ) أَيْ ثَبَتَ وَرَسَخَ (ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (مِنْ) بِمَعْنَى فِي (قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَتْ) أَيْ مَالَتْ (إلَيْهِ أَنْفُسُهُمْ وَأَنِسَتْ) أَيْ اسْتَأْنَسَتْ (بِمَا) أَيْ بِاَلَّذِي (يَعْلَمُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ (جَوَارِحُهُمْ) . وَقَوْلُهُ: (وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (عَلَى الْقَلْبِ عَمَلًا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ) كَالْإِيمَانِ (وَعَلَى الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ عَمَلًا مِنْ الطَّاعَاتِ) كَالصَّلَاةِ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (وَسَأُفَصِّلُ) أَيْ أُفَرِّقُ (لَك) يَعْنِي غَالِبًا، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّبْوِيبَ فِي مَوَاضِعَ (مَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ، وَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْكَافِ يَقُولُ: كَشَهَادَةِ لِيَدْخُلَ تَحْتَ الْكَافِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْفُرُوضِ الْقَوْلِيَّةِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى شَهَادَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ جَمِيعُ أَعْمَالِ الطَّاعَةِ] ظَاهِرُهُ شُمُولُهُ لِلْقَوْلِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقْصَرَ عَلَى أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَالْقُلُوبِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ، وَيُقَوِّيهِ كَمَا فِي تت قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ» وَإِضَافَةُ أَعْمَالٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، وَأَلْ فِي الطَّاعَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَتَطَابَقَ الْبَيَانُ مَعَ الْمُبَيَّنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ [قَوْلُهُ: وَرَسَخَ:] مُرَادِفٌ لِثَبَتَ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فِي] رَدَّهُ عج بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِمِنْ يُفِيدُ أَنَّهُ امْتَزَجَ بِالْقَلْبِ وَثَبَتَ فِيهِ، وَالظَّرْفِيَّةُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ أَقُولُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعَمَلِ الْقَلْبِيِّ، وَأَمَّا الْجَارِحِيُّ وَاللِّسَانِيُّ فَلَا؛ لِأَنَّ ظَرْفَهُمَا اللِّسَانُ وَالْجَوَارِحُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الرُّسُوخُ فِي الْقَلْبِ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْرِفَةُ وَعَدَمُ نِسْيَانِهِمَا أَصْلًا [قَوْلُهُ: وَسَكَنَتْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَالَتْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَتَكْرَارِ الْقَوْلِ وَحُصُولِ الْأَعْمَالِ أَيْ تَمِيلُ لِتَكْرَارِ الْقَوْلِ وَلِعَمَلِ الْجَارِحَةِ وَكَثْرَةِ حُضُورِ الْقَلْبِيِّ كَالِاعْتِقَادِيَّاتِ. [قَوْلُهُ: أَنْفُسُهُمْ] جَمْعُ نَفْسٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الرُّوحُ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَنِسَتْ إلَخْ] إسْنَادُ ذَلِكَ لِلْجَوَارِحِ، مَجَازًا، وَأَرَادَ بِالْجَوَارِحِ مَا يَشْمَلُ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمُرَادُ بِأَنِسَتْ عَدَمُ تَأَلُّمِهَا أَيْ الْجَوَارِحِ مِنْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ التَّأَنُّسُ فِي الْأَصْلِ ضِدُّ الِاسْتِيحَاشِ اهـ. لَكِنْ لَا مَانِعَ مِنْ إرَادَتِهِ أَيْضًا إذْ التَّجَوُّزُ مَوْجُودٌ عَلَى كُلٍّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الَّذِي يَعْلَمُونَ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِالصَّوْمِ أَصْلًا [قَوْلُهُ: عَلَى الْقَلْبِ] فِيهِ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ: وَعَلَى الْجَوَارِحِ إذْ الْفَرْضُ إنَّمَا هُوَ عَلَى النَّفْسِ. [قَوْلُهُ: كَالْإِيمَانِ] هُوَ التَّصْدِيقُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ تَمْثِيلُ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ كَيْفِيَّةٌ فَتَعَلُّقُ الْفَرْضِ بِأَسْبَابِهِ لَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَإِدْخَالُهُ فِي الِاعْتِقَادِ تَسَامُحٌ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ اعْتِقَادَ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَنَحْوَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ غَيْرُ التَّصْدِيقِ فَقَدْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ الْإِذْعَانُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْجَوَارِحِ] أَدْخَلَ فِيهَا اللِّسَانَ وَأَطْلَقَ الْعَمَلَ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ بَيْنَ مَا يُشَارِكُ فِيهِ الْقَلْبُ وَالْجَوَارِحُ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ أَوَّلًا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ بِخِلَافِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ، فَلَا تَعَلُّقَ لِلْجَوَارِحِ فِيهِ بِوَجْهٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَلْبِ خَاصَّةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْجَوَارِحِ وَهُوَ مَا لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ وَمَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا مَعًا كَالصَّلَاةِ فَلَوْ جَعَلَهَا هَكَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّهُ تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ عَمَلٍ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِعَمَلِ الْقَلْبِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ أُفَرِّقُ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بِمَعْنَى التَّفْرِيقِ، وَمِنْهُ تَفْصِيلُ الثَّوْبِ أَيْ تَفْرِيقُهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّبْوِيبَ فِي مَوَاضِعَ] كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَمَعَ جُمْلَةَ أَشْيَاءَ فِي بَابٍ وَاحِدٍ فَلَمْ يُبَوِّبْ لِكُلِّ قِسْمٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَرَكَ التَّبْوِيبَ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُنَاكَ جَوَابَانِ آخَرَانِ أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بَابًا بَابًا أَيْ فِيمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ ثَانِيهِمَا تَرْجَمَةً بَعْدَ تَرْجَمَةٍ

الَّذِي (شَرَطْت لَك) الْخِطَابُ لِمُحْرِزٍ (ذِكْرَهُ) الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى مَا وَهِيَ عَائِدَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَشَرْطُهُ الْتِزَامُهُ لِلْجَوَابِ حِينَ قَالَ: فَأَجَبْتُك إلَى ذَلِكَ، وَانْتَصَبَ (بَابًا بَابًا) عَلَى الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَقًّا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ إذْ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ (لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ مُتَعَلِّمِيهِ) وَيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَالْفَهْمَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ، وَقَدَّمَ الْمَفْعُولَ فِي (وَإِيَّاهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (نَسْتَخِيرُ) لِلِاخْتِصَاصِ وَالْحَصْرِ، أَيْ نَخُصُّهُ بِالِاسْتِخَارَةِ فَلَا نَطْلُبُهَا إلَّا مِنْهُ (وَبِهِ نَسْتَعِينُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَهُمَا فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: الْتِزَامُهُ لِلْجَوَابِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَشَرْطُهُ الْتِزَامُهُ ذِكْرَ الْجُمْلَةِ بِالْجَوَابِ حِينَ قَالَ: فَأَجَبْتُك، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَأُفَصِّلُ لَك جُمْلَةً الْتَزَمْت ذِكْرَهَا، فَالشَّرْطُ بِمَعْنَى الِالْتِزَامِ مُتَعَلِّقٌ بِذِكْرِ الْجُمْلَةِ لَا بِالْجَوَابِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: بَابًا بَابًا] عَلَى الْحَالِ أَيْ مَجْمُوعُهُمَا هُوَ الْحَالُ عَلَى طَرِيقِ الزَّمَانُ حُلْوٌ حَامِضٌ فَإِنَّ مَجْمُوعَ حُلْوٍ حَامِضٍ هُوَ الْخَبَرُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُرَادِيِّ. قَالَ: وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ الثَّانِيَ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْفَاءِ وَالْمَعْنَى بَابًا فَبَابًا لَكَانَ مَذْهَبًا حَسَنًا. وَقَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْفَاءِ أَيْ أَوْ ثُمَّ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُكَرَّرَاتِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ نَصَّ عَلَى الْأَوَّلِ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَعَلَى الثَّانِي الشَّيْخُ الرَّضِيُّ، وَبِأَنَّ الثَّانِيَ وَمَا قَبْلَهُ مَنْصُوبَانِ بِالْعَامِلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَهُمَا هُوَ الْحَالُ كَمَا تَبَيَّنَ [قَوْلُهُ: إذْ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا] يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ اسْمَ مَفْعُولٍ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ حَالًا مِنْ مَا وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ اسْمَ فَاعِلٍ حَالًا مِنْ فَاعِلِ أُفَصِّلُ، وَالْمَعْنَى وَسَأُفَصِّلُ لَك الَّذِي الْتَزَمْته بِإِجَابَتِي لَك حَالَةَ كَوْنِهِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِي مُفَصِّلًا بَابًا بَعْدَ بَابٍ فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ فِي مَعْنَى مُفَصِّلًا فَلَيْسَتْ الْحَالُ إلَّا مُؤَكِّدَةً، لِقَوْلِهِ: وَسَأُفَصِّلُ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ مُفَصِّلًا أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّنْوِيبِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فِعْلُ ذَلِكَ] أَيْ تَفْصِيلُهُ الْمُتَحَقِّقُ فِي كَوْنِهِ بَابًا بَابًا لَا أَنَّ الْمُرَادَ تَفْصِيلُهُ بَابًا بَابًا وَإِلَّا لَاقْتَضَى أَنَّ تَفْصِيلَهُ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقْرُبُ مَعَ أَنَّ الْحَالَ وَاحِدٌ [قَوْلُهُ: لِيَقْرُبَ] أَيْ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ. [قَوْلُهُ: وَيَسْهُلَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ] لَمَّا كَانَ التَّفْصِيلُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْقُرْبُ مِنْ الْفَهْمِ وَتَسْهِيلِ الْحِفْظِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْأَوَّلَ أَتَى الشَّارِحُ بِالثَّانِي إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ الْقُرْبُ مِنْ الْفَهْمِ أَيْ قُرْبُ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ مِنْ الْفَهْمِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: لِيَقْرُبَ مِنْ فَهْمِ إلَخْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ أَيْ قُرْبُ الْفَهْمِ مِمَّا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرُبَ مَا الْتَزَمَ ذِكْرَهُ مِنْ الْفَهْمِ فَقَدْ قَرُبَ الْفَهْمُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ] وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ لَهُمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّفْصِيلَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَالَ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَخْ نُعَلِّقُهَا بِفِعْلِهِ وَأَيْضًا الْأَنْسَبُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يُسْنِدُ الْعَجْزَ إلَى نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَهْمَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ] أَيْ وَقُرْبَ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى قُرْبِ الْفَهْمِ، وَمَصْدُوقُ الْغَيْرِ إمَّا الْجُمْلَةُ أَوْ فَهْمُ مُتَعَلِّمِيهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِلِاخْتِصَاصِ] أَيْ عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَصْرُ أَيْ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ: أَيْ نَخُصُّهُ رَاجِعٌ لِمَادَّةِ الِاخْتِصَاصِ. [قَوْلُهُ: بِالِاسْتِخَارَةِ] طَلَبُ الْخِيَرَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا نَطْلُبُهَا] أَيْ الِاسْتِخَارَةُ لَكِنْ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يَطْلُبُ طَلَبَ الْخِيَرَةِ، بَلْ بِمَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ الْخِيَرَةُ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ وَهُوَ أَنْ تَذْكُرَ الشَّيْءَ بِمَعْنًى ثُمَّ تُعِيدُ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنًى آخَرَ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذَا طَاعَةٌ فَكَيْفَ يَسْتَخِيرُ؟ قُلْنَا: اسْتَخَارَ فِيهِ خَوْفًا مِنْ الرِّيَاءِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ فَيَسِّرْهُ لِي وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَخِرْ حِينَ بَدَأَ بِالْكِتَابِ

أَيْ نَطْلُبُ مِنْهُ الْإِعَانَةَ عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ، وَالْإِعَانَةُ التَّقَوِّي عَلَى مَا فِعْلِ الْخَيْرَاتِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا (وَلَا حَوْلَ) عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ (وَلَا قُوَّةَ) عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ (إلَّا بِعَوْنِ اللَّهِ الْعَلِيِّ) بِالْمَنْزِلَةِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الضِّدِّ وَالنِّدِّ وَالشَّبِيهِ (الْعَظِيمِ) الْقَدْرِ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ وَبِهِ وَنَسْتَعِينُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَمَرْتَبَةُ الْمُصَنِّفِ تُنَافِي ذَلِكَ، قُلْت: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ الِاسْتِخَارَةَ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا أَمَّلْنَاهُ] أَيْ مِنْ ذِكْرِ جُمْلَةٍ مُخْتَصَرَةٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْإِعَانَةُ] أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهَا [قَوْلُهُ: التَّقَوِّي عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّقَوِّي مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَالْإِعَانَةُ وَصْفٌ لَهُ تَعَالَى فَلَا يَصِحُّ التَّفْسِيرُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْإِقْدَارُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَأَلْ فِي الْخَيْرَاتِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ وَلَوْ بِوَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا] أَيْ كَأَنْ يُعِينُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنْ دَرَاهِمَ يُعْقِبُهُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَحَاوِيجِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّحْصِيلِ تِلْكَ الْحَالَةَ أَعْنِي الصَّرْفَ وَآلَ الْأَمْرُ إلَى الصَّرْفِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ قَصَدَ تِلْكَ الْحَالَةَ فَنَفْسُ التَّحْصِيلِ خَيْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخَيْرِ إلَّا مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَهُوَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ مَا يُؤَدِّي إلَى فِعْلِهَا، وَيُخَصُّ الْأَوَّلُ بِمَا كَانَ صُورَتُهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَتَحْصِيلُ الدَّرَاهِمِ إنَّمَا كَانَ فِعْلَ خَيْرٍ بِالنِّيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ صُورَتِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ] أَيْ بِحِفْظِهِ [قَوْلُهُ: بِعَوْنِ] اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ تَفْسِيرِ مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْ إلَّا الْمَعْنَى فَقَطْ لَا الْإِعْرَابَ بِحَيْثُ تَقُولُ: إنَّ إلَّا بِاَللَّهِ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَعَلُّقِ إلَّا بِاَللَّهِ بِالطَّرَفَيْنِ مَعًا، وَالتَّقْدِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ ثَابِتَانِ إلَّا بِاَللَّهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ] أَيْ عُلُوًّا مُلْتَبِسًا بِالْمَنْزِلَةِ مِنْ الْتِبَاسِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ أَيْ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا. [قَوْلُهُ: الْمُنَزَّهُ إلَخْ] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ الْمُعَلَّى بِالْمَنْزِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الضِّدِّ] هُوَ الْمُضَادُّ لِلْمَوْلَى بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا يَنْتَفِي الْآخَرُ، وَالضِّدُّ فِي الِاصْطِلَاحِ مَعْنًى لَا ذَاتٌ فَإِطْلَاقُهُ عَلَيْهَا مَجَازٌ. [قَوْلُهُ: وَالنِّدُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالنِّدُّ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ وَالنَّدِيدُ مِثْلُهُ وَالْجَمْعُ أَنْدَادٌ مِثْلُ حَمْلٍ وَأَحْمَالٍ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ] الْمُشَابِهُ فَالْمُشَابَهَةُ الْمُشَارَكَةُ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي اهـ. مِنْ الْمِصْبَاحِ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِثْلَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى النِّدِّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَارَكَ فِي مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ الشَّبِيهُ أَعَمُّ مِنْ النِّدِّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الشَّبِيهِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَالشَّبِيهُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: الْعَظِيمِ الْقَدْرِ] دَفَعَ بِقَوْلِهِ الْقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ تَكُونُ ذَاتُهُ كَالْجَبَلِ مَثَلًا، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَظِيمُ مِنْ حَيْثُ قَدْرُهُ، فَإِنْ قُلْت لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ كَأَنْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ الْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ الْقَدْرِ، أَوْ يَقُولُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ الْعَظِيمُ بِالْقَدْرِ، أَيْ عَظِيمًا مُلْتَبِسًا بِالْقَدْرِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ . قُلْت: تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ، أَقُولُ: وَالْقَدْرُ وَالْمَنْزِلَةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَصْغُرُ إلَخْ] أَيْ حَقُّهُ أَنْ يَصْغُرَ إذْ كَثِيرًا مَا لَا يُشَاهَدُ عَلَيْهِ الصِّغَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَآلِهِ وَصَحْبِهِ] أَرَادَ بِالْآلِ الْأَتْبَاعَ أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ، وَعَطْفُ الصَّحْبِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَنُكْتَتُهُ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: تَسْلِيمًا كَثِيرًا] أَتَى بِهِ فِي جَانِبِ السَّلَامِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ صَلَّى التَّصْلِيَةُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْإِحْرَاقُ فَلَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ أَوْ أَنَّهُ لَمَّا انْحَطَّتْ رُتْبَتُهُ عَنْ الصَّلَاةِ احْتَاجَ لِلتَّأْكِيدِ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا إشَارَةٌ إلَى عِظَمِهِ كَمِيَّةً وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عِظَمِهِ كَيْفِيَّةً كَأَنْ يَقُولَ: عَظِيمًا، وَلَعَلَّهُ لَاحَظَ أَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ وَيَكْفِي هَذَا الْقَدْرُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَوَانُ] الْمُشَارُ لَهُ الزَّمَنُ الْحَاضِرُ وَقَوْلُهُ أَوَانُ أَيْ زَمَنُ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: وَبِهِ نَسْتَعِينُ] جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ أَوْ حَالِيَّةٌ.

[باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة]

قَوْلُهُ: بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ (بَابٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا بَابٌ وَهُوَ لُغَةً: الطَّرِيقُ إلَى الشَّيْءِ وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ، وَاصْطِلَاحًا: اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ الْمُرَادِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ كَبَابِ الْمَسْجِدِ، مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى كَهَذَا (وَمَا) مَوْصُولٌ قَائِمٌ مَقَامَ مُضَافٍ إلَيْهِ مَحْذُوفٌ فِي اللَّفْظِ التَّقْدِيرُ: هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ الَّذِي (تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَ) فِي بَيَانِ الَّذِي (تَعْتَقِدُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ] ُ [قَوْلُهُ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ اقْرَأْ بَابَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ بَابُ مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَاخْتَارَ الشَّارِحُ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ صَحَّ الْجَمِيعُ لِكَوْنِهِ الْأَوْلَى لِلْعَمْدِيَّةِ، وَلِكَوْنِ الْخَبَرِ مَحَطَّ الْفَائِدَةِ فَلَا يُنَاسَبُ حَذْفُهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلَهُ: وَهُوَ] لُغَةً الطَّرِيقُ إلَى الشَّيْءِ وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ أَيْ حِسًّا أَوْ مَعْنًى، فَالْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ، وَإِلَى ذَلِكَ، الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ كَبَابِ الْمَسْجِدِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا هُنَا. [قَوْلُهُ: وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: لِنَوْعٍ. . . إلَخْ] تُطْلَقُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَعَلَى نِسْبَتِهَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَعْرِيفِهَا بِقَوْلِهِمْ: مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهِنُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعِلْمُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَنَقُولُ: إنَّ الْبَابَ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ التَّرَاجِمِ مَوْضُوعٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ فَيُرَادُ بِالنَّوْعِ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ قَضَايَا مَخْصُوصَةٍ مِنْ جُمْلَةِ قَضَايَا الْعِلْمِ، فَيَكُونُ ذَاهِبًا إلَى إطْلَاقِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْقَضِيَّةِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْعِلْمِ] اعْلَمْ أَنَّ الْعِلْمَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَلَكَةُ وَيُطْلَقُ، وَيُرَادُ بِهِ الْإِدْرَاكَاتُ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ، فَإِضَافَةُ مَسَائِلَ إلَيْهِ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَلَوْ بِاعْتِبَارِهَا الْمَدْلُولِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَمِنْ إضَافَةِ الدَّالِ لِلْمَدْلُولِ عَلَى الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَضَايَا دَالَّةٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلَهُ: الْمُرَادِ] لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ] أَيْ فِي دَاخِلِ الْأَجْسَامِ وَهُوَ الْفُرْجَةُ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لُغَةً: هُوَ الْفُرْجَةُ وَلَيْسَتْ هِيَ بِجِسْمٍ بَلْ دَاخِلُ جِسْمٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى] أَرَادَ بِهَا مَا قَابَلَ الذَّاتَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَدْلُولَ لِبَابٍ إنَّمَا هُوَ الْأَلْفَاظُ وَأَرَادَ مَجَازًا لُغَةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الِاصْطِلَاحِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَاصْطِلَاحًا [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ] أَيْ إيضَاحٍ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ تَقْرِيرُهَا: شَبَّهَ مُلَابَسَةِ الْأَلْفَاظِ بِالْإِيضَاحِ أَيْ الْأَلْفَاظِ مُطْلَقًا وَالْإِيضَاحِ الْمُطْلَقِ بِالظَّرْفِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ ثُمَّ سَرَى التَّشْبِيهُ إلَى الْجُزْأَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا الظَّرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ وَالْمُلَابَسَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ، الْمُعَنْوَنُ عَنْهَا بِالْبَابِ وَالْإِيضَاحِ الْمَخْصُوصِ، فَاسْتُعِيرَ اللَّفْظُ فِي الْمَوْضُوعِ لِلظَّرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لِتِلْكَ الْمُلَابَسَةِ الْمَخْصُوصَةِ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً. [قَوْلُهُ: الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ إلَخْ] أَيْ فِي بَيَانِ الْقَوْلِ الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْقِلَّةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ فَفِيهِ مَجَازٌ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ الَّذِي] أَيْ بَيَانِ الْعَقَائِدِ الَّتِي تَعْتَقِدُهَا الْأَفْئِدَةُ، وَيَأْتِي مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَلْسِنَةِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى

الْأَفْئِدَةُ) جَمْعُ فُؤَادٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْقَلْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: قَبْلُ، وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ، وَالِاعْتِقَادُ هُوَ الرَّبْطُ وَالْجَزْمُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ وَالتَّقْلِيدِ، فَإِنْ كَانَ جَازِمًا مُطَابِقًا لِمُوجِبٍ فَهُوَ الْعِلْمُ، وَإِنْ كَانَ جَازِمًا لَا لِمُوجِبٍ فَهُوَ التَّقْلِيدُ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ: (مِنْ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ) لِلتَّبْعِيضِ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُطْقًا أَوْ اعْتِقَادًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِبَيَانِ الْجِنْسِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ مَا يَجِبُ اعْتِقَادًا وَنُطْقًا، وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا الْبَابُ عَلَى مِائَةِ عَقِيدَةٍ فَأَكْثَرَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ فِيمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِسْمٌ فِيمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ، وَقِسْمٌ فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ. وَبَدَأَ بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَلْبِ] أَيْ لَا بِمَعْنًى دَاخِلِ الْقَلْبِ كَمَا قِيلَ بِهِ، وَقِيلَ: الْفُؤَادُ الْغِشَاءُ الَّذِي عَلَى الْقَلْبِ، وَإِسْنَادُ الِاعْتِقَادِ لِلْقَلْبِ مَجَازٌ إنْ أُرِيدَ الْقَلْبُ الْجُسْمَانِيُّ أَوْ الْعَقْلُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقِدَ إنَّمَا هُوَ النَّفْسُ وَحَقِيقَةٌ إنْ أُرِيدَ الرُّوحُ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَنَّ الْقَلْبَ لَطِيفَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَهِيَ الْمُخَاطَبَةُ الَّتِي تُثَابُ وَتُعَاقَبُ وَتُسَمَّى رُوحًا وَنَفْسًا اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْجَزْمُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: وَيُطْلَقُ] أَيْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ الظَّنُّ تَحْتَ الرَّبْطِ وَالْجَزْمِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الِاعْتِقَادَ لَهُ إطْلَاقَانِ، إلَّا أَنَّهُ سَاقَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ عَلَى أَنَّهُمَا تَقْرِيرَانِ، فَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنْ ق، وَالثَّانِيَ عَنْ ك. [قَوْلُهُ: وَالتَّقْلِيدِ] هُوَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ أَيْ اعْتِقَادُ صِحَّةِ مَضْمُونِ قَوْلِ الْغَيْرِ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ دُخُولِهِ تَحْتَ الِاعْتِقَادِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ الثَّانِيَ أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِشُمُولِهِ الظَّنَّ وَالْأَوَّلُ لَمْ يَشْمَلْهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ جَازِمًا] أَيْ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ جَازِمًا، وَإِسْنَادُ جَازِمًا لِلِاعْتِقَادِ مَجَازٌ إذْ الَّذِي يَسْتَنِدُ إلَيْهِ حَقِيقَةُ نَفْسِ الشَّخْصِ. [قَوْلُهُ: لِمُوجِبِ] أَيْ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازِمًا لَا بِقَوْلِهِ مُطَابِقًا؛ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ لِلْوَاقِعِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ التَّقْلِيدُ] وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ غَيْرُ صَحِيحٍ إنْ لَمْ يُطَابِقْ. [قَوْلُهُ: أُمُورٌ إلَخْ] أَيْ شُئُونٌ وَجَمَعَ الدِّيَانَاتِ مَعَ أَنَّ الدِّينَ وَاحِدٌ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَبِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِينَ قَالَهُ تت [قَوْلُهُ: لِلتَّبْعِيضِ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ مَصْدُوقَ الْوَاجِبِ النُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ وَالْعَمَلُ وَمَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ مُتَعَلِّقُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النُّطْقِ وَالِاعْتِقَادِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ أَوْ لِلتَّبْعِيضِ؟ . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي الْمُصَنَّفِ مِنْ أَيْ مُتَعَلِّقِ وَاجِبٍ، وَالتَّبْعِيضُ وَالْجِنْسِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ فِي الْمَعْنَى. [قَوْله: أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُطْقًا أَوْ اعْتِقَادًا] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ عَمَلًا فَيَكُونُ الْفَرْدَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ اللَّذَانِ هُمَا مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ بَعْضًا مِنْ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ، بَقِيَ فِي الْمَقَامِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَعْضِيَّةَ لِلشَّيْءِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ قَبِيلِ الْكُلِّ لَا مِنْ قَبِيلِ الْكُلِّيِّ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَذَا أَوْ كَذَا، فَقَدْ تَسَمَّحَ فِي التَّعْبِيرِ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إلَخْ] أَيْ جِنْسُ الَّذِي تَنْطِقُ إلَخْ، أَيْ جِنْسٌ هُوَ الَّذِي تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ هُوَ وَاجِبُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ، فَيَكُونُ وَاجِبُ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ خُصُوصُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، لَكِنْ يَأْتِي بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ وَاجِبِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ الْعَمَلُ. [قَوْلُهُ: اعْتِقَادًا وَنُطْقًا] بِالْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ دُونَ مَا فِي نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَوْ. [قَوْلُهُ: عَلَى مِائَةِ عَقِيدَةٍ] تُطْلَقُ الْعَقِيدَةُ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَعَلَى نِسْبَتِهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ اشْتِمَالِ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ اشْتِمَالِ الدَّالِّ عَلَى الْمَدْلُولِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ] مِنْ رُجُوعِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ بِمُلَاحَظَةِ التَّفْصِيلِ فِي الْأَقْسَامِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يَجِبُ إلَخْ] مِنْ ظَرْفِيَّةِ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْمَعَانِيَ قَوَالِبُ لِلْأَلْفَاظِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُسْتَحْضَرُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِلَفْظٍ عَلَى طِبْقِهَا وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقَائِدَ تُطْلَقُ عَلَى الْقَضَايَا فَأَقْسَامُهَا كَذَلِكَ وَمَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَعْنَى أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْئِيِّ فِي الْكُلِّيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَقَائِدَ مُرَادٌ مِنْهَا الْمَعَانِي فَأَقْسَامُهَا كَذَلِكَ، فَالْقِسْمُ جُزْئِيٌّ وَمَا يَجِبُ لِلَّهِ مَعْنًى كُلِّيٌّ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ فَإِنْ قُلْت: مَا هُوَ الْوَاجِبُ وَمَا هُوَ الْمُسْتَحِيلُ وَمَا هُوَ الْجَائِزُ؟ قُلْت. قَالَ بَعْضٌ: إنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إلَى مَا يَجِبُ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ: الْعَالِمُ الْخَبِيرُ إلَى قَوْلِهِ: الْبَاعِثُ، وَأَشَارَ إلَى الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ غَيْرُهُ إلَى قَوْلِهِ: الْعَالِمُ

[تنبيهات الأول: إيمان المقلد]

تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ فَقَالَ: (مِنْ ذَلِكَ) الْوَاجِبُ (الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقُ بِاللِّسَانِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ إنْ عَطَفَ النُّطْقَ عَلَى الْقَلْبِ أَمَّا إنْ عَطَفْته عَلَى الْإِيمَانِ فَلَا يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ مِنْ الْإِيمَانِ، وَظَاهِرُهُ: فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَنُسِبَ لِلْمُعْتَزِلَةِ وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ حَبِيبٍ ق: مَا أَحْسَنُ مَا قَالَ عِيَاضٌ: إنْ وُجِدَ الِاعْتِقَادُ وَالنُّطْقُ فَمُؤْمِنٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ عُدِمَ فَكَافِرٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ وُجِدَ الِاعْتِقَادُ وَمَنَعَهُ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ فَمُؤْمِنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ وُجِدَ النُّطْقُ وَحْدَهُ فَمُنَافِقٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالْآنَ زِنْدِيقٌ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ إيمَانَ الْمُقَلِّدِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَبِيرُ بِإِخْرَاجِ الْغَايَةِ، وَإِلَى الْجَائِزِ بِقَوْلِهِ: الْبَاعِثُ. . . إلَخْ. وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ أَوَّلَ الْوَاجِبَاتِ أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ أَنَّ الْوُجُودَ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ إلَهٌ وَاحِدٌ صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ يَجِبُ اعْتِقَادُهَا لَهُ اهـ. فَإِنْ قُلْت الْوَاجِبُ لِلَّهِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هَلْ هُوَ النِّسْبَةُ أَوْ غَيْرُهَا لَمَقْتٌ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ لِلَّهِ عَلَى الصِّفَةِ كَالْقُدْرَةِ وَاجِبَةٌ لِلَّهِ، وَعَلَى النِّسْبَةِ كَثُبُوتِ الْقُدْرَةِ وَاجِبٌ لَهُ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِمَا تَعْتَقِدُهُ الْأَفْئِدَةُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُعْتَقَدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُتَعَلَّقُهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالِاعْتِقَادِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ] رَجَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ لِلْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَلْبِ مِنْ أَفْرَادِهِ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْوَاجِبَ قَرِيبٌ وَذَلِكَ اسْمُ إشَارَةٍ لِلْبَعِيدِ، قُلْت قَدْ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بَعْدَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَالْمُنْقَضِي فِي حُكْمِ الْمُتَبَاعِدِ أَوْ أَنَّ الْبُعْدَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْمَنْزِلَةِ، وَبُعْدُ مَرْتَبَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ إشْعَارًا بِعُلُوِّ رُتْبَةِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَنْدُوبِ، أَشَارَ لِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: بِالْقَلْبِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ الْإِيمَانُ الْمُصَوَّرُ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ، أَيْ عَلَى عَطْفِ النُّطْقِ عَلَى الْقَلْبِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ إلَخْ] بَلْ صَرِيحُهُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ عَطَفْته عَلَى الْإِيمَانِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُخَلِّصَ عِنْدَ اللَّهِ النَّاجِي صَاحِبُهُ بِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ هُوَ التَّصْدِيقُ فَقَطْ، نَعَمْ الْإِيمَانُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ نَاجِيًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا لَا يَحْصُلُ بِالتَّصْدِيقِ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مُصَاحَبَةِ النُّطْقِ لَهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَنَقُولُ: يَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْعَطَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي إلَخْ] : قَصْدُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِيهِ تَنَافٍ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَنَافِي؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي بَيَانِ الْكَامِلِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ] قَضِيَّتُهُ مِنْ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِثْلُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَحَاشَا اللَّهَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ ذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُمْ بِالْإِيمَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ. [قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ] كَأَنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ. [قَوْلُهُ: فَمُؤْمِنٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ النُّطْقِ مَانِعٌ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ لَا الْإِبَاءِ لَا يَكُونُ كَافِرًا بَلْ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّطْقُ إنَّمَا هُوَ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ [قَوْلُهُ: فَمُنَافِقٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ] أَيْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: وَالْآنَ زِنْدِيقٌ] أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُنَافِقُ لَا يُقْتَلُ وَالزِّنْدِيقُ يُقْتَلُ، فَمَا صَدَقَ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا تَسْمِيَةً وَحُكْمًا. [تَنْبِيهَات الْأَوَّل: إيمَانَ الْمُقَلِّدِ] [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ إنْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِفَهْمِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ كَافِرٌ وَعَلَيْهِ مَشَى السَّنُوسِيُّ فِي كُبْرَاهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ هُوَ عَيْنُ الْمُقَلِّدِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُقَلِّدِ مُقَيَّدٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ إذَا لَمْ يَرْجِعْ بِرُجُوعِ مُقَلِّدِهِ، وَأَمَّا إنْ رَجَعَ بِرُجُوعِهِ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْ عَدَمَ رُجُوعِهِ

[التنبيه الثاني: الإيمان والإسلام واحد]

الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ بِمَعْنَى قَبُولِ الْأَحْكَامِ وَالْإِذْعَانِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ. الثَّالِثُ: اُخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ - وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم: 19 - 52] . وَقَوْلُهُ: (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَهٌ وَاحِدٌ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ، مَعْمُولٌ لِلنُّطْقِ، وَأَتَى بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِسْلَامُ لَا غَيْرُ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ تَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ، وَإِنَّمَا يُجْزِئُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ الْكِتَابُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19] وَالْإِجْمَاعُ قَالَتْ الْأَمَةُ بِلِسَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرُجُوعِهِ بَعِيدٌ. [التَّنْبِيه الثَّانِي: الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ وَاحِدٌ] [قَوْلُهُ: وَاحِدٌ] أَيْ مُتَّحِدَانِ مَاصَدَقًا وَمَفْهُومًا. [قَوْلُهُ: هُوَ الْخُضُوعُ] أَيْ الْبَاطِنِيُّ وَقَوْلُهُ: وَالِانْقِيَادُ عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: وَالْإِذْعَانُ] مُرَادِفٌ لِقَبُولِ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ] أَيْ الْقَلْبِيِّ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ التَّرَادُفُ وَهُوَ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الْأُخْرَى لِجُمْهُورِ الْأَشَاعِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ الْخُضُوعُ الظَّاهِرِيُّ الْمُلَابِسُ لِلْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ وَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ. [قَوْلُهُ: فِي الشَّرْعِ] أَيْ بِحَسَبِ مَا عِنْدَ اللَّهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَنَا فَلَا نُجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامَ الشَّرْعِ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ إلَّا إذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَهْلِ الْعِلْمِ] أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، لِقَوْلِهِ: مِنْهُمْ مَالِكٌ لَا خُصُوصَ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَيْسَ مِنْهُمْ بَلْ مِنْ أَكَابِرِ الْفُقَهَاءِ، مُقَابِلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ النَّظَرُ، وَقِيلَ: الْقَصْدُ إلَى النَّظَرِ وَقِيلَ: الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّظَرِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ] أَيْ بِمَا يَجِبُ لَهُ وَيَجُوزُ، وَيَسْتَحِيلُ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَرَسُولِهِ وَإِضَافَةُ رَسُولٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ السَّنُوسِيِّ، وَأَنْ يَعْرِفَ مَا يَجِبُ فِي حَقِّ الرُّسُلِ إلَخْ وَأَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ أَيْ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعِلْمُ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْعِلْمَ بِهِمْ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّةَ الْكُبْرَى وَحَاشِيَةَ الْبُوسِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إذْعَانٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ وَقَدْ جَعَلَهَا السَّنُوسِيُّ مِنْ أَقْوَى مَا قِيلَ فِي أَوَّلِ وَاجِبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبُوسِيُّ مِنْ جُمْلَةِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ الْإِيمَانَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ الْإِذْعَانُ الْبَاطِنُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِي الْآيَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّصْدِيقُ أَيْ الْإِذْعَانُ الْمُقَارِنُ لِلِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ الَّذِي عَنْ دَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَدِينِهِ] أَيْ أَحْكَامُهُ أَيْ مَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَلْيَعْلَمُوا دَلِيلٌ لِبَعْضِ مَاصَدَقَاتِهِ ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآيَتَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ أَوَّلُ وَاجِبٍ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الَّتِي قِيلَ إنَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ الْمَعْرِفَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْإِلَهِ فَقَطْ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ اللَّقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَأَتَى بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِمَادِ أَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ، أَيْ وَعَدَمُ إجَابَةِ الدَّاعِي لِفَقْدِ شَرْطِهَا. [قَوْلُهُ: فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ [قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ أَنْ تَقُولَ إلَخْ] الْأَنْسَبُ لِمَا قَالَ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يُجْزِئُ: الْعَزِيزُ إلَهٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَا يُجْزِئُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ كَلِمَةَ تَوْحِيدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا يُجْزِئُ لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُجْزِئُ اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت مَا قَرَّرْنَا فَالظَّاهِرُ إجْزَاءُ لَا إلَهَ إلَّا الْعَزِيزُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ أَشْهَدُ وَلَا النَّفْيُ وَلَا الْإِثْبَاتُ وَلَا التَّرْتِيبُ وَلَا الْفَوْرِيَّةُ وَلَا اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ الْكِتَابُ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَحْدَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي إثْبَاتِهَا بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَحْدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقِيلَ: نَعَمْ، وَهُوَ رَأْيُ فَخْرِ الدِّينِ قَائِلًا: إنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِكَوْنِ الْإِلَهِ وَاحِدًا فَلَا جَرَمَ أَمْكَنَ

وَاحِدٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، وَالْعَقْلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ لَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا، وَإِذَا اخْتَلَفَا إمَّا أَنْ يَتِمَّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا أَوْ لَا يَتِمَّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا وَهُمَا مُسْتَحِيلَانِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ فِي الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ (لَا إلَهَ غَيْرُهُ) تَأْكِيدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتُ الْوَحْدَانِيَّةِ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ شَارِحُنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقِيلَ: لَا وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ رَادًّا لِلْأَوَّلِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِصِحَّةِ النُّبُوَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَائِلَ أَنَّهُ رَسُولٌ إذَا ادَّعَى الرِّسَالَةَ وَأَقَامَ الْخَارِقَ عَلَى صِدْقِهِ فَلَا بُدَّ لِوُجُودِ الْخَارِقِ عَلَى صِدْقِهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الَّذِي جَاءَ بِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ مُرْسِلِهِ لِيَكُونَ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِتَحَدِّيهِ، وَسُؤَالُهُ نَازِلًا مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ: صَدَقْت فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَنَا عِلْمٌ بِنَفْيِ فَاعِلِيَّةِ غَيْرِهِ فَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ فَعَلَهُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ إثْبَاتِ أَنَّ هَذَا الْخَارِقَ كَإِحْيَاءِ الْمَوْتَى مَثَلًا لَا يَفْعَلُهُ غَيْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِدَلِيلِ السَّمْعِيِّ فِيهِ دَوْرٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُنَاسِبُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ أَنْ يَزِيدَ وَالسُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ قَالَتْ الْأُمَّةُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ، فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى عَابِدِ الصَّنَمِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّ الصَّنَمَ إلَهٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْإِجَابَةَ دَلِيلُكُمْ عَيْنُ دَعْوَاكُمْ. [قَوْلُهُ: بِلِسَانٍ وَاحِدٍ] أَيْ قَالَتْ الْأُمَّةُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: الْوَاحِدُ الْأَحَدُ إلَخْ] قِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى، وَقِيلَ: إنَّ الْأَحَدَ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَجَزِّئٍ، وَالْوَاحِدَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْوَاحِدَ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ وَالْأَحَدَ نَفْيٌ لِلْكَمِّ الْمُتَّصِلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَيْنِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ، وَحْدَةُ الذَّاتِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ وَبِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ، فَالْأَوَّلُ أَلَّا تَكُونَ ذَاتُهُ الْعَلِيَّةُ مُرَكَّبَةً مِنْ جُزْأَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَالثَّانِي أَلَّا يَكُونَ ذَاتَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى، وَوَحْدَةُ الصِّفَاتِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ مِنْهَا أَيْضًا. أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَعْنِي بِهِ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً وَإِرَادَةً وَاحِدَةً وَهَكَذَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَنَعْنِي بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ ذَاتٌ تَتَّصِفُ بِمِثْلِ صِفَاتِ مَوْلَانَا، وَوَحْدَةُ الْأَفْعَال بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ مُوجِدٌ سِوَاهَا وَهُوَ الْخَامِسُ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ إلَخْ. ظَاهِرٌ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ وَحْدَةِ الذَّاتِ، وَيَجْرِي فِي الْبَقِيَّةِ بِحَسَبِ مَا يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى عَلَى مَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَتِمُّ مُرَادُهُمَا جَمِيعًا] يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَلَّا يَتِمَّ مُرَادُ هَذَا وَلَا هَذَا أَوْ يَتِمَّ مُرَادُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ] وَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ فِي تَمَامِ مُرَادِهِمَا جَمِيعًا أَنَّهُ يَلْزَمُ اجْتِمَاعَ مُتَنَافِيَيْنِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ وَجْهُهَا فِي عَدَمِ تَمَامِ مُرَادِهِمْ مَعًا، أَوْ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ عَجْزُهُمَا. وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُ عَجْزُ مَنْ تَعَطَّلَ مُرَادُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَجْزُ الْآخَرِ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَقَوْلُهُ: لَجَازَ أَنْ يَخْتَلِفَا إلَخْ أَيْ وَجَازَ أَنْ يَتَّفِقَا وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَتَيْنِ إذَا تَوَجَّهَتَا فَإِمَّا أَنْ يَقْدِرَ نُفُوذُ مُرَادِهِمَا أَوَّلًا وَكِلَاهُمَا مُحَالٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ مُؤَثِّرَيْنِ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِمَّا أَنْ يُقَدَّمَ عَدَمُ نَفَاذِ مُرَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَجْزِ الْمُؤَدِّي لِعَدَمِ الْبَاطِلِ أَوْ عَدَمِ نَفَاذِ وَاحِدٍ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَجْزِ الْآخَرِ لِلْمُمَاثَلَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا فَرْدًا، وَذَلِكَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِلَهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ التَّعَلُّقِ، وَهَذَا الدَّلِيلُ كَمَا ثَبَتَ بِهِ نَفْيُ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فِي الذَّاتِ يَثْبُتُ بِهِ نَفْيُ الْكَمِّ الْمُنْفَصِلِ فِي الصِّفَاتِ، وَنُبَيِّنُ وَجْهَ الِاسْتِحَالَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ فَنَقُولُ تَبَعًا لَهُمْ: إنَّ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ فِي الذَّاتِ أَنَّ أَوْصَافَ الْإِلَهِ إمَّا أَنْ تَقُومَ بِكُلِّ فَرْدٍ أَوْ بِالْمَجْمُوعِ أَوْ بِالْبَعْضِ، وَتِلْكَ الْأَقْسَامُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعَجْزِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ يَكُونُ إلَهًا فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي تَعَدُّدِ الْإِلَهَيْنِ الَّذِي قَرَّرَ الشَّارِعُ دَلِيلَهُ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَجْزُ كُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ يُوجِبُ عَجْزَ الْمَجْمُوعِ لِلْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ كُلِّ جُزْءٍ وَالْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ الْحَبْلِ الْمُؤَلَّفِ مِنْ شَعَرَاتٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَدَبَّرْ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِبَعْضِ الْأَجْزَاءِ عَلَى بَعْضٍ حِينَئِذٍ لَا يَقُومُ بِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ

لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إلَهٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: هَذَا أَبْلَغُ؛ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ لِوُجُودِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْإِثْبَاتُ بِخِلَافِ: اللَّهُ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ لِمَ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ إلَى آخِرِهِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ) هُمَا وَالْمَثِيلُ أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُنَا لَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَجْزَ جَمِيعِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَفْيِ الْكَمِّ الْمُتَّصِلِ فِي الصِّفَاتِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ قُدْرَتَانِ وَإِرَادَتَانِ وَعِلْمَانِ إلَى الْآخِرِ السَّبْعِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا وَحْدَانِيَّةُ صِفَتَيْ التَّأْثِيرِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ؛ لِأَنَّ التَّخَالُفَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَوْ التَّوَافُقَ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ مُؤَثِّرَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَأْتِي فِيهِمَا بِخِلَافِ سَائِرِ الصِّفَاتِ السَّبْعِ كَالْكَلَامَيْنِ وَالْعِلْمَيْنِ، فَوَجْهُ الِاسْتِحَالَةِ فِي ذَلِكَ مَا يُبَيِّنُهُ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى بِقَوْلِهِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ حَيَاتَانِ أَوْ عِلْمَانِ مَثَلًا لَكَانَ أَحَدُ الْعِلْمَيْنِ أَوْ أَحَدُ الْحَيَاتَيْنِ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ لِلذَّاتِ مَا هُوَ لَازِمٌ لَهَا وَهُوَ كَوْنُ الذَّاتِ حَيَّةً عَالِمَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ لِلذَّاتِ لِحُصُولِ ذَلِكَ بِالْحَيَاةِ الْأُخْرَى وَالْعِلْمِ الْآخَرِ، وَإِمَّا أَلَّا يَحْصُلَا لِلذَّاتِ ذَلِكَ اللَّازِمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَا وُجِدَا بِدُونِ لَازِمِهِمَا الَّذِي يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوجَدَا عَارِيَّيْنِ عَنْهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُعْقَلُ اهـ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ مَوْلَانَا تَأْثِيرٌ فِي فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّذِي هُوَ الْخَامِسُ فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ مَوْلَانَا تَأْثِيرٌ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَثَرُ مَقْدُورًا لَهُ تَعَالَى لِعُمُومِ قُدْرَتِهِ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ أَوْ الِاخْتِلَافُ، وَيَأْتِي مَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ غَيْرَ مَوْلَانَا لَزِمَ عَجْزُ مَوْلَانَا وَيَلْزَمُ عَجْزُهُ فِي سَائِرِ الْمُمْكِنَاتِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هَذَا أَبْلَغُ] مِنْ الْبَلَاغَةِ وَهِيَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ، إذْ الْحَالُ يَقْتَضِي التَّصْرِيحَ بِنَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ عَلَى مَا قِيلَ فِي ثُبُوتِ الْإِلَهِيَّةِ لِمَوْلَانَا تَعَالَى، وَالْمُحْتَاجُ لَهُ إنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْأُلُوهِيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ بِشَهَادَةِ قَوْله تَعَالَى: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ} [الزمر: 3] . [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْعِرُ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: يُصَرِّحُ إذْ الْإِشْعَارُ مَوْجُودٌ حَقٌّ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَالْإِثْبَاتُ] لَا حَاجَةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْبَاتَ فِيهِ، فَإِنْ قُلْت: خُلَاصَةُ الْكَلَامِ: أَنْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ إلَهٍ غَيْرِهِ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِاعْتِبَارِ جَوْهَرِهِ وَذَاتِهِ ثُبُوتُ الْأُلُوهِيَّةِ لِأَحَدٍ، وَاَللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ الْوَحْدَانِيَّةِ لَهُ مُسْتَلْزِمٌ نَفْيَ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبْلَغَ اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ قُلْت: جَوَابُ ذَلِكَ مَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي ثُبُوتِ الْأُلُوهِيَّةِ لَهُ إنَّمَا الْمُحْتَاجُ لَهُ نَفْيُهَا عَنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ] ظَاهِرُهُ فَرْضٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا جُزْءَ فَرْضٍ، وَجُزْءُ الْفَرْضِ فَرْضٌ، اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، أَمَّا الْمُؤْمِنُ بِالْأَصَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ يَنْوِي فِي تِلْكَ الْمَرَّةِ بِذَكَرِهِمَا الْوُجُوبَ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ وَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَذِكْرُهُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِيهِ النِّزَاعُ الَّذِي قَدْ عَلِمْته. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ نَبَّهَ إلَخْ] أَيْ فَذَكَرَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِيَعْتَقِدَ مَضْمُونَهُ وَيَنْطِقَ بِهِ مِنْ كَوْنِ رَسُولِهِ خَاتَمَ الرُّسُلِ أَيْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا فَرْضٌ بِمَا سَيَأْتِي مَضْمُومًا لِمَا هُنَا. [قَوْلُهُ: مُتَرَادِفُهُ] أَيْ مَدْلُولُهَا وَاحِدٌ مَاصَدَقُهَا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ] أَيْ فَقَدْ اخْتَلَفَا بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ وَإِنْ اتَّحَدَا بِحَسَبِ الذَّاتِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ اتَّحَدَا ذَاتًا وَمُتَعَلَّقًا أَيْ لَا شَبِيهَ لَهُ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَكَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ فِيهِمَا، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَصِحُّ عَكْسُهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي، فَقَالَ: لَا شَبِيهَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ أَنَّ قَوْلَهُ: لَا شَبِيهَ لَهُ إلَخْ تَأْكِيدٌ أَيْضًا. وَحَاصِلُ تَوْضِيحِ الْمَقَامِ أَنَّ اللُّغَوِيِّينَ يَجْعَلُونَ الْمَثِيلَ وَالنَّظِيرَ وَالشَّبِيهَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا، وَلِلسُّيُوطِيِّ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَثِيلَ الْمُسَاوِيَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالشَّبِيهَ الْمُشَارِكُ فِي أَكْثَرِ الْوُجُوهِ شَارَكَهُ فِي الْكُلِّ أَمْ لَا، وَالنَّظِيرُ الْمُشَارِكُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَكْثَرَهَا سَوَاءٌ شَارَكَ فِي بَقِيَّتِهَا أَمْ لَا، فَالْمَثِيلُ أَخَصُّ مِنْ الشَّبِيهِ وَالشَّبِيهُ

صِفَاتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ لَمْ يَكُنْ إلَهًا وَاحِدًا (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ) أَيْ زَوْجَةً (وَلَا شَرِيكَ لَهُ) فِي أَفْعَالِهِ إذْ مِنْهُ الْإِيجَادُ وَالِاخْتِرَاعُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَيْسَ لِأَوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ وَلَا لِآخِرِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ) مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ وُجُودُهُ مُفْتَتَحًا فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا مُنْقَضِيًا فَيَكُونُ لَهُ آخِرٌ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ، فَمُحَالٌ فِي حَقِّهِ الْأَوَّلِيَّةُ وَالْآخِرِيَّةُ وَكَأَنَّهُ قَصَدَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد: 3] أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَصُّ مِنْ النَّظِيرِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] دَلِيلٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْكَافُ صِلَةٌ أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ مُمَاثِلًا لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَلَا مِنْ حَيْثُ صِفَاتِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ لِلطَّرَفَيْنِ مَعًا، وَقِيلَ: لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْبَيْضَاوِيُّ: الْمِثْلُ فِي الْآيَةِ إمَّا بِمَعْنَى الذَّاتِ أَوْ الصِّفَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْآيَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ مَعًا عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ إنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَوَّلُ الْآيَةِ رَدٌّ عَلَى الْمُجَسِّمَةِ وَآخِرُهَا إثْبَاتٌ، فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ النَّافِينَ لِزِيَادَةِ الصِّفَاتِ، وَقَدَّمَ النَّفْيَ عَلَى الْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ] أَيْ لَيْسَ أَحَدٌ مُمَاثِلًا لَهُ لَا فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَوْ هَذِهِ شَرْطِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مُقَدَّمٍ وَتَالٍ وَالتَّالِي بَاطِلٌ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ الَّذِي هُوَ الْمُشَابَهَةُ، وَإِذَا بَطَلَتْ الْمُشَابَهَةُ ثَبَتَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ وَنَفْيُ الْمُشَابَهَةِ فِي الذَّاتِ وَفِي الصِّفَاتِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ إلَيْهِمَا فَرْدَانِ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْدَانِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْوَحْدَانِيَّةِ عَلَى نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ. [قَوْلُهُ: لَا وَلَدَ لَهُ] ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: وَلَا وَالِدٌ] أَرَادَ بِهِ جِنْسَ الْوَالِدِ أَيْ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ أَبًا أَوْ أُمًّا أَدْنَى أَوْ أَعْلَى [قَوْلُهُ: أَيْ زَوْجَةً] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ السُّرِّيَّةَ [قَوْلُهُ: وَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي أَفْعَالِهِ] الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ فِي الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَا تَنْفِي أَنَّ لِغَيْرِهِ أَفْعَالًا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ عَمَّمَ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلْيَكُنْ قَوْلُهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ، مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَإِنْ خَصَّ بِمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ. [قَوْلُهُ: إذْ مِنْهُ الْإِيجَادُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذْ مِنْهُ الْوُجُودُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَادَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمَقْدُورِ، فَلَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ نَاشِئًا مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَالِاخْتِرَاعُ] عَيْنُ الْإِيجَادِ [قَوْلُهُ: مَعْنَى كَلَامِهِ إلَخْ] أَيْ فَاللَّامُ فِيهَا بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَابْتِدَاءُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَانْقِضَاءٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ فَلَيْسَ مُبْتَدَأً أَيْ مُفْتَتَحًا وُجُودُهُ فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ، وَلَا مُقْتَضِيًا فَيَكُون لَهُ آخِرٌ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ لَهُ أَوَّلٌ] مُتَفَرِّغٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَكَذَا قَوْلُهُ: فَيَكُونُ لَهُ آخِرٌ [قَوْلُهُ: فَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ إلَخْ] أَيْ لَا يَقْبَلُ الِانْتِفَاءَ لَا أَوَّلًا وَلَا آخِرًا قَصَدَ بِذَلِكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هَذَا إشَارَةٌ إلَى عَقِيدَةِ الْوُجُودِ وَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مُفْتَتَحًا وَلَا مُنْقَضِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَاجِبًا لَهُ الْوُجُودُ، فَهَذِهِ عَقِيدَةُ الْوُجُودِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا السَّنُوسِيُّ بِقَوْلِهِ: وَهِيَ الْوُجُودُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوُجُودِ الْمَوْصُوفِ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا الْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ اللَّذَانِ أَشَارَ لَهُمَا السَّنُوسِيُّ. بِقَوْلِهِ: بَعْدُ وَالْقِدَمُ وَالْبَقَاءُ فَأَشَارَ لَهُمَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: فَمُحَالٌ فِي حَقِّهِ الْأَوَّلِيَّةُ وَالْآخِرِيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ قَصَدَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا قُرِّرَ أَوَّلًا، بَلْ إشَارَةٌ إلَى حَلٍّ آخَرَ أَحْسَنَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَحَاصِلُهُ، أَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى السَّبْقِيَّةِ عَلَى الْأَشْيَاءِ، وَالْآخِرِيَّةُ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ، التَّابِعَيْنِ لَهُ تَعَالَى، وَأَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ لِسَبْقِيَّتِهِ الْأَشْيَاءَ ابْتِدَاءً وَلَا لِبَقَائِهِ انْقِضَاءً، بِخِلَافِ سَبْقِيَّةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، فَلَهَا

السَّابِقُ لِلْأَشْيَاءِ الْبَاقِي بَعْدَهَا. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا يَبْلُغُ كُنْهَ) أَيْ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَةَ (صِفَتِهِ الْوَاصِفُونَ) فَعَدَمُ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ) أَيْ شَأْنِهِ (الْمُتَفَكِّرُونَ) أَيْ الْمُتَأَمِّلُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] مِنْ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِعْزَازِ وَالْإِذْلَالِ وَالْإِفْقَارِ وَالْإِغْنَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (يَعْتَبِرُ الْمُتَفَكِّرُونَ) أَيْ يَتَّعِظُ الْمُتَأَمِّلُونَ (بِآيَاتِهِ) الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، فَالْعَقْلِيَّةُ مَخْلُوقَاتُهُ وَهِيَ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرْعِيَّةُ آيَاتُ كِتَابِهِ وَأَدِلَّةُ خِطَابِهِ، (وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَائِيَّةِ ذَاتِهِ) بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَلْفِ هَمْزَةٌ وَقَدْ تُبَدَّلُ هَاءً، فَيُقَالُ: مَاهِيَّةٌ وَمَعْنَاهُمَا الْحَقِيقَةُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءٌ وَبَقَاءُ ابْنِهِ بَعْدَهُ لَهُ انْقِضَاءٌ، فَلَا اسْتِحَالَةَ فِي الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ. [قَوْلُهُ: كُنْهَ إلَخْ] إضَافَةُ كُنْهٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ عَرَّفُوا الْعِلْمَ وَعَرَّفُوا الْقُدْرَةَ، وَغَيْرَهُمَا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَهَذَا يَقْتَضِي مَعْرِفَةَ الْكُنْهِ، قُلْت لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّ التَّعَارِيفَ كَمَا تُفِيدُ مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ أَيْ كُنْهَهُ تُفِيدُ تَمْيِيزَهُ عَمَّا عَدَاهُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ، أَيْ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالرَّسْمِ لَا بِالْحَقِيقَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ بَابٍ أَوْلَى] أَيْ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا شَأْنُهَا الظُّهُورُ، وَقِيلَ: بِإِدْرَاكِ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَارِئَ يَعْلَمُ، وَالْعِلْمُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، إذْ لَوْ تَعَلَّقَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ لَكَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، إذْ الثَّانِي يُقِرُّ بِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ، وَالْعُقُولُ قَاصِرَةٌ عَنْ إدْرَاكِ جَلَالِهِ. وَالْأَوَّلُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ عَرَفَهُ الْعَارِفُونَ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ، وَتَحَقَّقُوا اتِّصَافَهُ بِوَاجِبِ الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُحِيطُ بِأَمْرِهِ. . . إلَخْ] الْإِحَاطَةُ وَالْعِلْمُ مُتَرَادِفَانِ، وَقِيلَ لَا فَالْمُتَعَلِّقُ بِالْمَحْسُوسَاتِ عِلْمٌ وَإِحَاطَةٌ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِغَيْرِهَا عِلْمٌ وَلَيْسَ بِإِحَاطَةٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ شَأْنِهِ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ، الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ مُكَلَّفُونَ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمْ بِهِ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَأَمِّلُونَ] أَيْ فَالْفِكْرُ لُغَةً التَّأَمُّلُ وَاصْطِلَاحًا تَرْتِيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ لِتُؤَدِّي إلَى مَجْهُولٍ فَالتَّفْسِيرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلَّ يَوْمٍ} [الرحمن: 29]] هَذَا لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لِعَدَمِ الْإِحَاطَةِ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ أَنَّ لَهُ شُؤُونًا كَثِيرَةً، وَكَوْنُهَا تُدْرَكُ أَوَّلًا شَيْءٌ آخَرُ. [قَوْلُهُ: كُلَّ يَوْمٍ] أَيْ زَمَنٍ، [قَوْلُهُ: وَغَيْرِ ذَلِكَ] كَتَصْحِيحِ مَرِيضٍ وَإِمْرَاضِ صَحِيحٍ. [قَوْلُهُ: بِآيَاتِهِ] أَيْ بِسَبَبِ آيَاتِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّفَكُّرِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: فَالْعَقْلِيَّةُ مَخْلُوقَاتُهُ] نِسْبَةً لِلْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَكَّرُ فِي أَحْوَالِهَا فَيَعْلَمُ أَنَّ لَهَا صَانِعًا، [قَوْلُهُ: بِأَسْرِهِ] أَيْ بِجُمْلَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ] أَيْ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ جَوَاهِرُ وَأَعْرَاضٌ، وَالْحَقُّ نَفْيُ الْأَحْوَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْبِيرِ بِالْمُثْبَتَاتِ بَدَلَ الْمَوْجُودَاتِ لِإِدْخَالِهَا، وَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ وَصِفَاتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَا يُقَالُ لَهَا عَيْنٌ. [قَوْلُهُ: آيَاتِ كِتَابِهِ] إضَافَةُ الْكِتَابِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْقُرْآنِ، وَإِضَافَةُ الْآيَاتِ لِلْبَيَانِ مِنْ إضَافَةِ الْبَعْضِ لِلْكُلِّ، إنْ لُوحِظَ فِيهَا التَّفْصِيلُ وَإِنْ لُوحِظَ فِيهَا الْمَجْمُوعُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَأَدِلَّةُ خِطَابِهِ] أَيْ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى خِطَابِهِ، وَالْخِطَابُ، مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْكَلَامُ الْمُخَاطَبُ بِهِ أَيْ الْقَدِيمُ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَدِلَّةِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَحْكَامِهِ فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ، وَيَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ أَحَادِيثَ رَسُولِهِ. فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَفَكَّرُونَ] أَيْ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ لِلِاعْتِبَارِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ لِأَحَدِكُمْ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ اللَّهَ فَدَوَاءُ ذَلِكَ، أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَعْتَبِرُ، وَيَنْظُرُ فِي الْآيَاتِ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ، وَيَنْظُرَ فِي ذَاتِ مَوْلَاهُ [قَوْلُهُ: فِي مَائِيَّةٍ إلَخْ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ إلَخْ] نِسْبَةً لِمَا؛ لِأَنَّهُ يُجَابُ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ بِمَا. [قَوْلُهُ: فَيُقَالُ مَاهِيَّةً] نِسْبَةً لِمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُ يُجَابُ بِهَا عَنْ السُّؤَالِ بِمَا هُوَ، تَقُولُ: مَا الْإِنْسَانُ وَمَا هُوَ الْإِنْسَانُ، وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الشَّارِحِ: أَنَّ الْمَائِيَّةَ وَالْمَاهِيَّةَ وَالْحَقِيقَةَ وَمِثْلُهَا الطَّبِيعَةُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ عِبَارَةً عَمَّا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ كَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسَانِ بِخِلَافِ الضَّاحِكِ وَالْكَاتِبِ مَثَلًا مِمَّا يُتَصَوَّرُ الْإِنْسَانُ بِدُونِهِ فَإِنَّهُ مِنْ

«تَفَكَّرُوا فِي مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا تَتَفَكَّرُوا فِي ذَاتِهِ» . (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ عِبَادِهِ تَعَالَى (لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) بِمَعْنَى مَعْلُومَاتِهِ (إلَّا بِمَا شَاءَ) فَيُعَلِّمُهُ لَهُمْ وَيُحِيطُونَ بِهِ (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ الْكُرْسِيَّ جِرْمٌ مَحْسُوسٌ لِمَا صَحَّ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّهُ جِسْمٌ عَظِيمٌ تَحْتَ الْعَرْشِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَعَنْ أَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لُؤْلُؤَةٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَمُقَاتِلٌ: كُلُّ قَائِمَةٍ مِنْ الْكُرْسِيِّ طُولُهَا مِثْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِينَ السَّبْعِ، (وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) أَيْ لَا يُثْقِلُهُ حِفْظُ مَا فِيهِمَا (وَهُوَ الْعَلِيُّ) بِالْمَنْزِلَةِ (الْعَظِيمُ) الْقَدْرِ الرَّفِيعُ النَّعْتِ الَّذِي يَصْغُرُ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ ذِكْرِ عَظَمَتِهِ، وَهُنَا انْتَهَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَهِيَ خَمْسُونَ كَلِمَةً حَاوِيَةٌ لِخَمْسِينَ بَرَكَةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَوَارِضِ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَائِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَدَى جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَهُمَا مُحَالَانِ عَلَى الْمَوْلَى جَلَّ وَعَزَّ، وَأُجِيبُ بِالتَّسَمُّحِ. [قَوْلُهُ: تَفَكَّرُوا إلَخْ] الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ إذَا كَانَ الْفِكْرُ وَسِيلَةً لِمَعْرِفَةٍ وَاجِبَةٍ، وَلِلنَّدْبِ إذَا كَانَ وَسِيلَةً لِمَعْرِفَةٍ مَنْدُوبَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا تَتَفَكَّرُوا فَالنَّهْيُ تَحْرِيمٌ. [قَوْلُهُ: فِي ذَاتِهِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: مِنْ عِبَادِهِ] مِنْ بَيَانِيَّةٌ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مَعْلُومَاتِهِ إلَخْ] لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: مِنْ عِلْمِهِ تَجَزُّؤَ الْعِلْمُ مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّجَزُّؤَ، أَوَّلَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ وَإِرَادَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَيُجَابُ أَيْضًا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مُتَعَلِّقُ عِلْمِهِ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِمَا شَاءَ] بَدَلٌ مِنْ شَيْءٍ أَيْ إلَّا بِالْمَعْلُومِ الَّذِي شَاءَ، إحَاطَتَهُمْ بِهِ فَمَا اسْمٌ مَوْصُولٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً؛ لِأَنَّ الْعِبَادَ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ، أَيْ إرَادَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُحِيطُونَ بِهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، أَيْ وَيَعْلَمُونَ بِهِ بِسَبَبِ تَعْلِيمِهِ لَهُمْ، قَوْلُهُ: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] إلَخْ أَيْ لَمْ يَضِقْ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لِسَعَتِهِ فَالسَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي جَنْبِ الْكُرْسِيِّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي فَلَاةٍ. [قَوْلُهُ: السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ] جَمَعَ السَّمَوَاتِ وَأَفْرَدَ الْأَرْضَ مَعَ أَنَّهَا سَبْعٌ كَالسَّمَوَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ السَّمَوَاتُ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنْ نُجُومٍ وَقَمَرٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا مِنْ الْأَرْضِ إلَّا وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ] مُقَابِلُهُ أَنَّ الْكُرْسِيَّ عِلْمُهُ، تَسْمِيَةً بِمَكَانِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ كُرْسِيُّ الْعَالِمِ، أَوْ مُلْكُهُ تَسْمِيَةً بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ كُرْسِيُّ الْمُلْكِ أَوْ قُدْرَتُهُ. [قَوْلُهُ: مَحْسُوسٌ] وَصْفٌ كَاشِفٌ. [قَوْلُهُ: تَحْتَ الْعَرْشِ. . . إلَخْ] وَضَّحَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: هُوَ جِسْمٌ عَظِيمٌ نُورَانِيٌّ بَيْنَ يَدَيْ الْعَرْشِ مُلْتَصِقٌ بِهِ، لَا قَطْعَ لَنَا بِحَقِيقَتِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ] وَهَلْ هُوَ مُلْتَصِقٌ بِهَا أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: لُؤْلُؤَةٌ] مُقَابِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْبَعْضُ، [قَوْلُهُ: كُلُّ قَائِمَةٍ مِنْ الْكُرْسِيِّ] الْقَائِمَةُ مَا قَامَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ، وَهَلْ تِلْكَ الْقَوَائِمُ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ؟ أَوْ لَيْسَتْ مُسْتَقِرَّةً عَلَى شَيْءٍ بَلْ قَائِمَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَانْظُرْ مَا عَدَدُ تِلْكَ الْقَوَائِمِ. [قَوْلُهُ: طُولُهَا مِثْلُ السَّمَوَاتِ] وَهَلْ عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُونَ، الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ سَعَةَ السَّمَاءِ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ كَذَلِكَ وَالْأَرْضِينَ، كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ وَلَوْ وُصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُثْقِلُهُ حِفْظُ مَا فِيهِمَا] أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ حِفْظُ مَا فِيهِمَا، وَأَوْلَى حِفْظِهِمَا إذْ لَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لَكَانَ عَاجِزًا وَالْعَجْزُ مُحَالٌ، وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَأْوِيلِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ مَا فِيهِمَا لَا يُحْصَى وَلَا يُعَدُّ لِكَثْرَتِهِ كَثْرَةً لَا يَعْلَمُهَا إلَّا خَالِقُهَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَثِيرُ لَا يُتْعِبُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ حِفْظُهُ فَأَوْلَى مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَهُوَ ذَاتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ الْآيَةَ نَاصَّةً عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ، [قَوْلُهُ: الْعَلِيُّ بِالْمَنْزِلَةِ] أَيْ الْمَرْتَبَةِ أَيْ لَا عُلُوَّ مَكَان وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الرَّفِيعُ النَّعْتِ] أَيْ الْمُرْتَفِعُ الْوَصْفُ بِمَعْنَى الصِّفَةِ أَيْ أَنَّ صِفَاتِهِ مُرْتَفِعَةٌ ارْتِفَاعًا مَعْنَوِيًّا، وَكَأَنَّهُ قَصَدَ بِقَوْلِهِ الرَّفِيعُ النَّعْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَهُ تَفْسِيرًا لِشَيْءٍ مِنْ الْآيَةِ، الْإِشَارَةُ إلَى تَفْسِيرِ الْعَظِيمِ الْقَدْرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يَصْغُرُ إلَخْ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ التَّعْلِيلُ وَأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ التَّوْصِيفُ. [قَوْلُهُ: هُنَا انْتَهَتْ إلَخْ] لَعَلَّ فَائِدَةَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَهُوَ مَعْلُومُ

وَبِهَا تَمَّ قِسْمُ مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى (الْعَالِمُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ تَنْكَشِفُ بِهَا الْمَعْلُومَاتُ الْمَوْجُودَاتُ وَالْمَعْدُومَاتُ وَمِنْهَا (الْخَبِيرُ) بِمَعْنَى الْمُطَّلِعُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ لَهُ، فَهُوَ تَعَالَى مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ وَلِمَا حَضَرَ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا ظَهَرَ وَاسْتَتَرَ وَمِنْهَا (الْمُدَبِّرُ) قَالَ تَعَالَى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [السجدة: 5] وَأَصْلُ التَّدْبِيرِ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لِتَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْلَحِ، هَذَا فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْبَارِي تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِشَارَةِ، أَنَّ مَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ لَاحَظَ فِيهِ الْآيَةَ لِكَمَالِ الْبَرَكَةِ أَوْ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ آخِرَهَا خَالِدُونَ أَيْ وَهُنَا، انْتَهَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا بَعْضَهَا لَا كُلَّهَا كَمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: حَاوِيَةً لِخَمْسِينَ بَرَكَةً] مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَيَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ فَلِكُلِّ كَلِمَةٍ بَرَكَةٌ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ الْحَسَنَةَ، وَنُكْتَةُ التَّعْبِيرِ بِالْبَرَكَةِ الْإِشَارَةُ إلَى عِظَمِهَا، حَيْثُ عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِاسْمِهَا الْمَعْهُودِ إظْهَارًا لِمَزِيَّةِ تِلْكَ الْآيَةِ، وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَاوِيَةً أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْبَرَكَةِ مَنْفَعَةً تَلْحَقُهُ بِهَذِهِ الدَّارِ فِي مَالِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَتَفْصِيلُهَا مُفَوَّضٌ إلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: مَا يَسْتَحِيلُ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ قِسْمٌ هُوَ مَا يَسْتَحِيلُ. أَيْ ثُمَّ طَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَسْمَاءِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَوْصَافَ أَعْنِي الْمُشْتَقَّاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِمَعْنًى. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ عَلَى صِفَةٍ] أَيْ ذُو صِفَةٍ وَنُكْتَةُ هَذَا التَّعْبِيرِ الْإِشَارَةُ إلَى تَمَكُّنِ الْمَوْلَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ، فَيَكُونُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى قُوَّةِ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَالِمٌ بِذَاتِهِ. [قَوْلُهُ: يَنْكَشِفُ بِهَا الْمَعْلُومَاتُ] فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ تَعْبِيرُهُ بِالِانْكِشَافِ الْمُوجِبِ لِسَبْقِ الْخَفَاءِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِذَلِكَ الْعِلْمِ، الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: الْمَعْلُومَاتُ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، أَيْ الَّتِي تَصِيرُ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بَعْدَ الْكَشْفِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْمَوْجُودَاتُ] أَيْ وَاجِبَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَيَدْخُلُ فِي الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَةِ عِلْمُهُ فَيَعْلَمُ بِعِلْمِهِ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقَوْله: الْمَعْلُومَاتُ أَيْ مُمْكِنَةٌ أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ وَلِلْعِلْمِ تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ الصُّلُوحِيُّ؛ لِأَنَّ الصَّالِحَ لِلتَّعَلُّقِ بِالْفِعْلِ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ، فَيُوهِمُ سَبْقَ الْجَهْلِ. [قَوْلُهُ: الْمَشَاهِدِ لَهُ] تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ الْمُطَّلِعِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْخَبِيرُ أَخَصَّ مِنْ الْعَالِمِ فَكُلُّ خَبِيرٍ عَالِمٌ وَلَا عَكْسَ كَالْوَاحِدِ مِنَّا يَرَى مَكَّةَ فَهُوَ عَالِمٌ بِهَا وَخَبِيرٌ، أَيْ فِي وَقْتِ الرُّؤْيَةِ وَإِذَا تَبَاعَدَ عَنْهَا أَوْ جَاءَهُ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ بِوُجُودِهَا وَلَمْ يَرَهَا فَهُوَ عَالِمٌ وَلَيْسَ بِخَبِيرٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا غَابَ] أَيْ عَنَّا أَيْ مَعْشَرَ الْآدَمِيِّينَ كَاَلَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِينَ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ مَعْشَرَ الْمَخْلُوقِينَ، مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا حَضَرَ] أَيْ لَنَا وَهُوَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَنُو آدَمَ، أَوْ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْمَخْلُوقَاتُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مُطَّلِعٌ] هُوَ بِمَعْنَى، مُشَاهِدٌ وَقَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ هُوَ عَيْنُ مَا حَضَرَ، وَقَوْلُهُ: وَاسْتَتَرَ هُوَ عَيْنُ مَا غَابَ فَقَدْ تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَتَرَ] عِبَارَةٌ عَمَّا غَابَ، [قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى {يُدَبِّرُ} [السجدة: 5] إلَخْ] أَتَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مِنْهَا الْمُدَبِّرَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ وُرُودُ الْفِعْلِ وَلَا الْمَصْدَرِ، نَعَمْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ اسْمُ الْمُدَبِّرُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْلُ التَّدْبِيرِ] أَيْ الْمَعْنَى الْمَعْنَوِيِّ اللُّغَوِيِّ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ، [قَوْلُهُ: فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ] مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، فَتَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْوَجْهِ الْأَصْلَحِ] أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ الصَّلَاحِ، إذْ الْأَصْلَحُ مُقَابِلُ الصَّلَاحِ، أَيْ أَوْ لِتُوقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الصَّالِحِ، لَا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ فَفِي الْعِبَارَةِ قُصُورٌ. [قَوْلُهُ: هَذَا فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ صِفَاتٍ، وَيَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ الْبَشَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ لِلْجِنِّ أَوْ

فَمَعْنَاهُ إبْرَامُ الْأَمْرِ وَتَنْفِيذُهُ وَقَضَاؤُهُ وَمِنْهَا. (الْقَدِيرُ) مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَمِنْهَا (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وَرَدَ بِهِمَا الْخَبَرُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِمَا فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَامِعٌ لِكَلَامِهِ الْأَزَلِيِّ وَلِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ عِنْدَ وُجُودِهِمْ وَمِنْهَا (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) قَالَ تَعَالَى {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12] لَيْسَ عُلُوُّهُ سُبْحَانَهُ عُلُوَّ جِهَةٍ وَلَا اخْتِصَاصٍ بِبُقْعَةٍ، وَلَا كَبِيرَ بِعِظَمِ جُثَّةٍ وَكِبَرِ بِنْيَةٍ، بَلْ الْعَلِيُّ وَصْفُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِنُعُوتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَلَكِ يَكُونُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَتَنْفِيذُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ: وَقَضَاؤُهُ مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِتَمَامِ الْأَمْرِ وَحُصُولِهِ وَالْقَضَاءُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَفْسِيرِهِ، أَيْ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ وَهِيَ إرَادَةُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَزَلًا، وَقِيلَ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ أَزَلًا، وَلِلْإِرَادَةِ ثَلَاثُ تَعَلُّقَاتٍ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ: صُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ، وَتَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ وَتَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ، فَإِيمَانُ الْمُؤْمِنِ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ التَّعَلُّقَاتِ الثَّلَاثِ وَكُفْرُهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الصُّلُوحِيُّ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ التَّنْجِيزِيِّينَ. [قَوْلُهُ: مُبَالَغَةً فِي الْقُدْرَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ مُتَعَلِّقُهَا لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ مُبَالَغَةً فِي قَادِرٍ، أَيْ أَنَّ قَدِيرَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ مُتَعَلِّقَاتِ قُدْرَتِهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّ قُدْرَتُهُ إلَخْ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، أَيْ إنَّمَا وُصِفَ اللَّهُ بِالْقَدِيرِ الَّذِي هُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ إلَخْ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْنَى قَدِيرٍ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا قُدْرَةٌ كَثِيرَةُ الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَلَا نَقُولُ إنَّ الْمُبَالَغَةَ عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّك تُثْبِتُ لِلشَّيْءِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ مُسْتَحِقَّهُ، وَهَذَا مُحَالٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعْنِي بِالْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَهِيَ إفَادَةُ اللَّفْظِ أَكْثَرَ مِمَّا يُفِيدُهُ غَيْرُهُ لَا الْمُبَالَغَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَقُدْرَتُهُ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ يَتَأَتَّى بِهَا إيجَادُ كُلِّ مُمْكِنٍ وَإِعْدَامُهُ. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقَةٌ] أَيْ تَعَلُّقًا صُلُوحِيًّا قَدِيمًا وَلَهَا تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهَا بِوُجُودِ الْمَقْدُورِ وَقْتَ وُجُودِهِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِهِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعَدَمِهِ لَزِمَ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ، وَلَا بِالْمُسْتَحِيلِ؛ لِأَنَّهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِوُجُودِهِ لَزِمَ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِعَدَمِهِ لَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. [قَوْلُهُ: وَرَدَ بِهِمَا] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ وَالْخَبَرُ قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقُرْآنَ لِظُهُورِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِكَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ] أَيْ وَلِلَفْظِ الْمَخْلُوقِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا بَلْ كَانَ كَلِمَةً، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِهِمْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ نُطْقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَلَامًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ سَمْعَهُ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ مُطْلَقًا حَادِثًا أَوْ قَدِيمًا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ، وَالْحَقُّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ، أَيْ فَسَمْعُهُ صِفَةٌ يَنْكَشِفُ بِهَا الْمَوْجُودُ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا، كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يَسْمَعَ لَنَا أَوَّلًا فَذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَكَذَا ذَوَاتُنَا وَصِفَاتُنَا مَسْمُوعَةٌ لَهُ بِسَمْعِهِ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُهُ هُوَ وَلَهُ تَعَلُّقٌ وَتَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ، وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ أَزَلًا، وَصُلُوحِيٌّ قَدِيمٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا أَزَلًا، وَتَنْجِيزِيٌّ حَادِثٌ وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا عِنْدَ وُجُودِنَا، وَكَذَا بَصَرُهُ صِفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَوْجُودٍ عَلَى وَجْهِ الِاتِّضَاحِ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْوَاتِ أَوْ غَيْرِهَا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْجُودَاتِ، وَلِكُلٍّ مِنْ التَّعَلُّقَيْنِ حَقِيقَةٌ تَخُصُّهُ يَعْلَمُهَا هُوَ، وَالْبَصَرُ مِثْلُ السَّمْعِ فِي التَّعَلُّقَاتِ الثَّلَاثِ. [قَوْلُهُ: عُلُوَّ جِهَةٍ] أَيْ لَيْسَ عُلُوُّهُ عُلُوًّا مُلْتَبِسًا بِجِهَةٍ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ لِجِهَةِ الْفَوْقِ، [قَوْلُهُ: وَلَا اخْتِصَاصَ بِبُقْعَةٍ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَا اخْتِصَاصًا بِبُقْعَةٍ بِالتَّنْوِينِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عُلُوَّ جِهَةٍ، أَيْ لَيْسَ عُلُوُّهُ مُخْتَصًّا بِبُقْعَةٍ بِأَنْ يَكُونَ فَوْقَ الْعَرْشِ مَثَلًا، وَهَذَا الْمَعْطُوفُ أَخَصُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا كَبِيرَ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَ كِبَرُهُ بِعِظَمِ جُثَّةٍ [قَوْلُهُ: كِبَرَ بِنْيَةٍ] مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ وَكَثْرَةَ بِنْيَةٍ، أَيْ وَكَثْرَةَ أَجْزَاءٍ، فِي الْقَامُوسِ الْبُنْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَا بَنَيْته تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: بَلْ الْعَلِيُّ وَصْفُهُ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَلْ الْعُلُوُّ، أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ عَلَا وَصْفُهُ أَيْ صِفَتِهِ، [قَوْلُهُ: لِنُعُوتِ الْجَلَالِ] أَيْ أَوْصَافِ الْجَلَالِ، كَالْعَظِيمِ وَالْقَهَّارِ وَالْقَوِيِّ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ، يَدُلُّ عَلَى السَّطْوَةِ

الْجَلَالِ، وَالْكِبْرِيَاءُ نَعْتُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِصِفَاتِ الْجَمَالِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّهُ) تَعَالَى (فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ بِذَاتِهِ) أُخِذَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ بِذَاتِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَمْ يَرِدْ بِهَا السَّمْعُ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْكَلَامَ يَتَّضِحُ بِبَيَانِ مَعْنَى الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَرْشِ وَالْمَجِيدِ وَالذَّاتِ، فَالْفَوْقِيَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْرَامِ كَقَوْلِنَا: زَيْدٌ فَوْقَ السَّطْحِ مَجَازٌ فِي الْمَعَانِي كَقَوْلِنَا: السَّيِّدُ فَوْقَ عَبْدِهِ، وَفَوْقِيَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ فَوْقِيَّةٌ مَعْنَوِيَّةٌ بِمَعْنَى الشَّرَفِ وَهِيَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْمُلْكِ، فَتَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْقَهْرِ وَالْعَرْشُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَلَا، وَالْمُرَادُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقَهْرِ وَقَوْلُهُ: وَالْكِبْرِيَاءُ الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ وَالْكِبَرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَبِيرٍ، وَقَوْلُهُ: نَعْتُهُ أَيْ وَصْفُهُ. [قَوْلُهُ: لِصِفَاتِ الْجَمَالِ] مِنْ حَلِيمٍ وَغَفَّارٍ مِنْ كُلِّ وَصْفٍ، يَدُلُّ عَلَى الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاعْتُرِضَ عج عَلَى الشَّارِحِ، فَقَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعَلِيِّ وَالْكَبِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ. قَالَهُ الشَّاذِلِيُّ: فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: أُخِذَ عَلَيْهِ] أَيْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ بِذَاتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَوْقَ عَرْشِهِ الْمَجِيدِ فَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِ فِيهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِ الْفَوْقِيَّةِ كَقَوْلِهِ: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ، فَالْمُرَادُ إطْلَاقُ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، لَا بِخُصُوصِ الْإِضَافَةِ لِلْعَرْشِ، فَيَجُوزُ قَوْلُ الْقَائِلِ فَوْقَ سَمَائِهِ أَوْ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى فَوْقِيَّةِ الشَّرَفِ وَالْجَلَالِ وَالسَّلْطَنَةِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُجَاهِدٍ، مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّهُ تَعَالَى فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ دُونَ أَرْضِهِ إطْلَاقًا شَرْعِيًّا، وَلَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ فِي الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ قَالَ دُونَ أَرْضِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَحْسَنَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إلَخْ، وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَصِحُّ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ أَنَّ مَعْنَى الْفَوْقِيَّةِ كَذَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَالْفَوْقِيَّةُ] نِسْبَةٌ لِلْفَوْقِ أَيْ الشَّامِلَةُ لِلْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ. [قَوْلُهُ: كَوْنُ الشَّيْءِ أَعْلَى] أَيْ حِسِّيًّا كَانَ ذَلِكَ الْعُلُوُّ أَوْ مَعْنَوِيًّا فَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ] كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، [قَوْلُهُ: فِي الْأَجْرَامِ] أَيْ فِي كَوْنِ جِرْمٍ أَعْلَى مِنْ جِرْمٍ عُلُوًّا حِسِّيًّا، [قَوْلُهُ: فِي الْمَعَانِي] أَيْ فِي كَوْنِ شَيْءٍ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا [قَوْلُهُ: كَقَوْلِنَا السَّيِّدُ فَوْقَ عَبْدِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مَجَازُ اسْتِعَارَةٍ وَتَقْرِيرُهَا أَنْ تَقُولَ: شَبَّهَ كَوْنَ الشَّيْءِ أَشْرَفَ مِنْ غَيْرِهِ، بِكَوْنِ جِرْمٍ أَعْلَى مِنْ جِرْمٍ الَّذِي هُوَ عُلُوٌّ حِسِّيٌّ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ الَّذِي هُوَ الْفَوْقِيَّةُ لِلْمُشَبَّهِ، وَإِنْ شِئْت جَعَلْت فِيهَا اسْتِعَارَةً تَمْثِيلِيَّةً بِأَنْ تَقُولَ، شُبِّهَتْ حَالُ السَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ مِنْ حَيْثُ التَّمَكُّنُ بِحَالَةِ مُسْتَعْلٍ عَلَى سَطْحٍ مَثَلًا مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ مِنْهُ إلَّا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْفَوْقِيَّةُ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَ الْفَوْقِيَّةِ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي التَّرْكِيبِ. وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ لَفْظُ فَوْقَ، قَالَ عَجَّ: بَعْدَمَا فِي الشَّارِحِ وَقَدْ يُقَالُ: الْفَوْقِيَّةُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفَوْقِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْعُلُوِّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَكَانِ وَغَيْرِهِ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ] الْمُنَاسِبِ وَهُوَ أَيْ الشَّرَفُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ أَيْ بِمَعْنَى هُوَ الْحُكْمُ، وَلَمَّا كَانَ تَفْسِيرُ الشَّرَفِ بِهِ فِيهِ خَفَاءٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: بِمَعْنَى الْحُكْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ تَفْسِيرٌ ثَانٍ، وَالتَّقْدِيرُ أَوْ هِيَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُلْكِ] الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُلْكَ عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمُلْكِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَالِكٌ لِلْعَرْشِ وَحَاكِمٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: فَتَرْجِعُ إلَخْ] أَيْ وَإِذَا فَسَّرْت الْفَوْقِيَّةَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَتَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْقَهْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ رُجُوعِ الشَّيْءِ إلَى لَازِمِهِ، أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْمُلْكِ وَالْحُكْمِ الْقَهْرُ، وَإِضَافَةُ مَعْنًى إلَى الْقَهْرِ إضَافَةٌ لِلْبَيَانِ، وَكَأَنَّ الْمَقْصُودَ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِخْبَارِ إلَى ذَلِكَ اللَّازِمِ، فَلِذَلِكَ نَظَرَ إلَيْهِ فَقَالَ: فَتَرْجِعُ إلَخْ، ثُمَّ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْقَهْرِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْعَرْشَ ذُو إدْرَاكٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ مَقْهُورًا، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَرْجِعُ إلَى الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الِالْتِفَاتِ الْمَذْكُورِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: وَالْعَرْشُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا عَلَا] أَيْ لُغَةً وَالْمُنَاسِبُ، أَنْ يَقُولَ وَالْعَرْشُ مَا عَلَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِقَوْلِهِ اسْمٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُ الْعَرْشِ، وَهُوَ لَيْسَ

هُنَا مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مِنْ جَوْهَرَةٍ خَضْرَاءَ فَوْقَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَهُوَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ لَهُ أَلْفُ أَلْفُ رَأْسٍ فِي كُلِّ رَأْسٍ أَلْفُ أَلْفِ وَجْهٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ الْوَاحِدُ كَطِبَاقِ الدُّنْيَا أَلْفُ أَلْفِ مَرَّةٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ مَرَّةٍ، فِي الْوَجْهِ الْوَاحِدِ أَلْفُ أَلْفِ لِسَانٍ وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ لِسَانٍ كُلُّ لِسَانٍ يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَلْفِ أَلْفِ لُغَةٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِهِ خَلْقًا فِي مَلَكُوتِهِ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ بِتِلْكَ اللُّغَاتِ، دَلَّ عَلَى وُجُودِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَالْمَجِيدُ، يُقَالُ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِلْعَرْشِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَهُوَ الْمَجِيدُ، أَيْ الْعَظِيمُ فِي ذَاتِهِ، وَذَاتُ الشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ، وَالضَّمِيرُ فِي بِذَاتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْعَرْشِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِك: أَقَمْت بِمَكَّةَ أَيْ فِيهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْعَرْشُ الْمَجِيدُ أَيْ الْعَظِيمُ فِي ذَاتِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ لَهُ تَعَالَى بِالذَّاتِ لَا بِالْغَيْرِ مِنْ كَثْرَةِ أَمْوَالٍ وَفَخَامَةِ أَجْنَادٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (هُوَ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (فِي كُلِّ مَكَانٍ بِعِلْمِهِ) أُخِذَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِهَةُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عِلْمَهُ مُتَجَزِّئٌ مُفَارِقٌ لِذَاتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَقْصُودٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ اسْمٌ أَنْ يَقُولَ وَالْمُرَادُ مِنْهُ، أَيْ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ، إذْ مَا قَالَهُ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا قُلْنَاهُ سَابِقًا مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْعَرْشُ مَا عَلَا وَيَجِبُ بِأَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ [قَوْلُهُ: مِنْ جَوْهَرَةٍ خَضْرَاءَ] اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ خِلَافَهُ، وَهُوَ أَنْ لَا قَطْعَ لَنَا بِحَقِيقَتِهِ، ثُمَّ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَنْ ابْتِدَائِيَّةً، أَيْ نَاشِئًا مِنْ جَوْهَرَةٍ أَيْ فَكَانَ أَوَّلًا جَوْهَرَةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ صَوَّرَهُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ عَرْشًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ أَيْ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ جَوْهَرَةً خَضْرَاءَ. [قَوْلُهُ: فَوْقَ السَّمَوَاتِ] أَيْ وَفَوْقَ الْكُرْسِيِّ مُلْتَصِقٌ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ] ضَعِيفٌ بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، أَنَّ أَوَّلَهَا نُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ الْمَاءُ ثُمَّ الْعَرْشُ ثُمَّ الْقَلَمُ. [قَوْلُهُ: كَطِبَاقٍ إلَخْ] طِبَاقٌ يَأْتِي مَصْدَرًا وَجَمْعًا لِطَبَقٍ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ، وَطَبَقَةٌ أَيْ الَّتِي هِيَ الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ كَرَحَبَةٍ وَرِحَابٍ، وَالدُّنْيَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ، وَهُوَ جَمْعُ طَبَقَةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ طَبَقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَعَلَّ جَعْلَهَا طِبَاقًا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا مَا كَانَتْ مُتَّسِعَةً كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الطِّبَاقِ أَوْ جَعَلَهَا طِبَاقًا بِاعْتِبَارِ أَرْكَانِهَا وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ إنَّمَا ذَلِكَ ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: بِأَلْفِ أَلْفِ لُغَةٍ] أَيْ لَفْظَةٍ مُغَايِرَةٍ لِأُخْتِهَا دَالَّةٍ عَلَى التَّنْزِيهِ، [قَوْلُهُ: بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ لُغَاتِهِ] أَيْ بِسَبَبِ كُلِّ لُغَةٍ أَوْ أَنَّ الْبَاءَ، بِمَعْنَى مِنْ أَيْ خَلْقًا نَاشِئًا مِنْ كُلِّ لُغَةٍ. [قَوْلُهُ: فِي مَلَكُوتِهِ] وَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ لَنَا كَمَا فِي بَاطِنِ السَّمَوَاتِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَخْلُوقُونَ مَلَائِكَةً. [قَوْلُهُ: وَيُقَدِّسُونَهُ] مُرَادِفٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَالْمَقْصُودُ يُنَزِّهُونَهُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] قَالَ تَعَالَى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» . [قَوْلُهُ: أَيْ الْعَظِيمِ فِي ذَاتِهِ] أَيْ أَنَّ ذَاتَهُ عَظِيمَةٌ، مِنْ حَيْثُ إنَّهَا جُعِلَتْ ظَرْفًا لِلْعِظَمِ أَيْ مَوْصُوفَةً بِهِ [قَوْلُهُ: أَنَّ هَذِهِ الْفَوْقِيَّةَ الْمَعْنَوِيَّةَ بِالذَّاتِ] أَيْ بِسَبَبِ الذَّاتِ. [قَوْلُهُ: وَفَخَامَةِ أَجْنَادٍ] أَيْ وَعِظَمِ أَجْنَادٍ، كَمًّا أَوْ كَيْفًا وَأَجْنَادُ جَمْعُ جُنْدٍ، وَالْجُنْدُ الْأَنْصَارُ وَالْأَعْوَانُ وَكَذَا يُجْمَعُ عَلَى جُنُودٍ، فَلَهُ جَمْعَانِ وَوَاحِدُ جُنْدٍ جُنْدِيٌّ، فَأَجْنَادٌ فِي مَعْنَى جَمْعِ الْجَمْعِ لَهُ، كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَنَحْوِهِمَا، [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِهَةُ] الْمُنَاسِبُ: أَنْ يَقُولَ الْمَكَانُ الَّذِي قَدْ صَرَّحَ بِهِ، بِقَوْلِهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ. [قَوْلُهُ: مُتَجَزِّئٌ] أَيْ ذُو أَجْزَاءٍ مُفَارِقٌ لِذَاتِهِ أَيْ أَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ غَيْرَ لَائِقِينَ: التَّجْزِئَةُ وَالْمُفَارَقَةُ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إذْ غَايَةُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ حَالٌّ فِي أَمْكِنَةٍ

صِفَةٌ قَدِيمَةٌ لَا تُفَارِقُ الذَّاتَ، أُجِيبُ: بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فِي أَمَاكِنِهَا وَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ قَوْله تَعَالَى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] . الْآيَةَ أَيْ عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) أَيْ أَوْجَدَ جِنْسَهُ الصَّادِقَ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ تَعَالَى (يَعْلَمُ مَا) أَيْ الَّذِي (تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أَيْ الْإِنْسَانُ وَوَسْوَسَةُ نَفْسِهِ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، وَنِسْبَةُ الْوَسْوَسَةِ لِلنَّفْسِ مَجَازٌ كَنِسْبَةِ الْإِنْسَاءِ لِلشَّيْطَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63] إذْ لَا قُدْرَةَ لِلشَّيْطَانِ عَلَى إيجَادِ شَيْءٍ وَلَا إعْدَامِهِ (وَهُوَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَقْرَبُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِنْسَانِ (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ هُنَا قُرْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَدِّدَةٍ مُلَابِسٌ لِعِلْمِهِ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ تَعَدُّدُ ذَاتِهِ وَعِلْمِهِ وَهُوَ أَمْرٌ آخَرُ غَيْرُ التَّجْزِئَةِ وَالْمُفَارَقَةِ [قَوْلُهُ: أَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ إلَخْ] الْمُرَادُ أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فِي مَكَانِهَا أَيْ حَالَةَ كَوْنِهَا كَائِنَةً فِي مَكَانِهَا أَيْ فَهِيَ مَكْشُوفَةٌ لَهُ غَيْرُ خَافِيَةٍ عَلَيْهِ، وَحَاصِلُ مَعْنَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا حَلَّ فِي كُلِّ مَكَان بِعِلْمِهِ، أَيْ بِوَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى ذَاتِهِ لَا بِذَاتِهِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ. [قَوْلُهُ: وَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ إلَخْ] أَيْ فَقَدْ بَيَّنَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُصَاحَبَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ قَوْلِهِ: إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ، وَمَا بَعْدَهَا مُصَاحَبَةُ عِلْمٍ لَا مُصَاحَبَةُ ذَاتٍ فَافْهَمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمُهُ مُحِيطٌ إلَخْ] هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ وَقَوْلُهُ بِجَمِيعِ الْأَمْكِنَةِ أَيْ الْأَمْكِنَةِ مَعَ مَا فِيهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَبْلُ: بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فِي مَكَانِهَا. [قَوْلُهُ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ] أَيْ وَغَيْرَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِنْسَانَ بِالذِّكْرِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْجَدَ جِنْسَهُ] أَيْ أَوْجَدَ جِنْسًا هُوَ الْإِنْسَانُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالْمُرَادُ أَوْجَدَ الْجِنْسَ فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهِ مَعَ أَفْرَادِهِ، لَا الْجِنْسَ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: الصَّادِقَ بِالذَّكَرِ] الصِّدْقُ فِي الْمُفْرَدَاتِ بِمَعْنَى الْحَمْلِ، وَفِي الْجُمَلِ بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالذَّكَرِ، بِمَعْنَى عَلَى أَيْ الصَّادِقِ عَلَى الذَّكَرِ إلَخْ: أَيْ الْمَحْمُولِ وَلَوْ جَعَلَ أَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ أَحْسَنَ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي إلَخْ] جُعِلَ " مَا " اسْمٌ مَوْصُولٌ وَعَلَيْهِ فَالْهَاءُ مَنْ بِهِ هِيَ الْعَائِدُ وَتُوَسْوِسُ بِمَعْنَى تُحَدِّثُ بِهِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: مَا يَخْطُرُ إلَخْ] كَذَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ، [قَوْلُهُ: بِبَالِهِ] أَيْ بِقَلْبِهِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْبَالُ الْقَلْبُ وَخَطَرَ بِبَالِي أَيْ بِقَلْبِي اهـ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخُطُورَ فِي النَّفْسِ، فَيَكُونُ مَجَازًا أَوْ أَرَادَ بِالْقَلْبِ الرُّوحَ فَيَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَنِسْبَةُ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ فِيهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ مِنْ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ، ثُمَّ أَقُولُ، وَفِي عِبَارَتِهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ الْوَسْوَسَةَ بِمَا قَدْ عَلِمْته، فَلَيْسَتْ حَدَثًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْبَةَ الَّتِي يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالْمَجَازِيَّةِ، إنَّمَا تُضَافُ لِلْحَدَثِ، كَأَنْ تَقُولَ فِي: بَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ نِسْبَةُ الْبِنَاءِ لِلْأَمِيرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ. فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَنِسْبَةُ الْوِسْوَاسِ بِالْكَسْرِ لِلنَّفْسِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، فَفِي الْمِصْبَاحِ: الْوِسْوَاسُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ وَرَجُلٌ مُوَسْوِسٌ اسْمُ فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْوَسْوَسَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: مَجَازٌ] أَيْ عَقْلِيٌّ كَمَا قَرَّرْنَا أَوَّلًا، أَيْ وَالْفَاعِلُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الشَّخْصُ، كَذَا فِي كَلَامِ بَعْضٍ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَتَحَدَّثُ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْخَفِيِّ، فَالتَّحَدُّثُ قَائِمٌ بِهَا وَنِسْبَةُ الشَّيْءِ إلَى الْقَائِمِ بِهِ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا لَهُ كَقَامَ زَيْدٌ. [قَوْلُهُ: كَنِسْبَةِ الْإِنْسَاءِ لِلشَّيْطَانِ] أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَالْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى: [قَوْلُهُ: وَمَا أَنْسَانِيهُ] أَيْ بِإِلْقَاءِ الْخَوَاطِرِ فِي الْقَلْبِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، فَإِسْنَادُ الْإِنْسَاءِ لِلشَّيْطَانِ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ إلْقَاءَ الْخَوَاطِرِ فِي الْقَلْبِ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْإِنْسَاءُ، أَيْ إيجَادُ اللَّهِ النِّسْيَانَ. [قَوْلُهُ: عَلَى إيجَادٍ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَادَ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا لَهَا بَلْ مَا مُتَعَلِّقُهَا إلَّا الْوُجُودُ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي الْإِعْدَامِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَقْرَبُ إلَيْهِ] أَيْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَارَكَ حَبْلَ الْوَرِيدِ فِي الْقُرْبِ لِلْإِنْسَانِ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَشَدُّ قُرْبًا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقُرْبُ بِالْإِضَافَةِ فَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ قُرْبُ عِلْمٍ، وَبِالنِّسْبَةِ لِحَبْلِ الْوَرِيدِ قُرْبُ مَسَافَةٍ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ

عِلْمٍ لَا قُرْبُ مَسَافَةٍ فَهُوَ مَثَلٌ فِي فَرْطِ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَعْلُومَاتِ الْعِبَادِ وَسَرَائِرِهِمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَأَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى قَرِيبَةٌ مِنْهُ، وَالْحَبْلُ الْعِرْقُ شُبِّهَ بِالْحَبْلِ اسْتِعَارَةً مِنْ حَيْثُ اشْتَدَّ اللَّحْمُ بِهِ وَارْتَبَطَ، وَالْوَرِيدُ عِرْقٌ بِبَاطِنِ الْعُنُقِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) مِنْ زَائِدَةٍ أَيْ وَمَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ مِنْ أَيِّ وَرَقَةٍ كَانَتْ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ (إلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ وَرَقَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقُرْبِ] الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ بِالْأَقْرَبِيَّةِ هُنَا، أَيْ فِي جَانِبِ الْمَوْلَى قُرْبُ عِلْمٍ، أَيْ قُرْبٌ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ، لَا أَنَّ الْعِلْمَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ قَرِيبٌ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ لَا تُفَارِقُ الذَّاتَ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ مِثْلٌ. . . إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَوْ هُوَ مِثْلُ إشَارَةٍ إلَى وَجْهٍ ثَانٍ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ شَبَّهَ حَالَ اللَّهِ مَعَ عَبْدِهِ مِنْ حَيْثُ اطِّلَاعِهِ عَلَى سَرَائِرِهِ، وَمَا يُخْفِيهِ بِحَالِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ قُرْبًا حِسِّيًّا فَرْضًا وَاسْتُعِيرَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، فَقَوْلُهُ فَهُوَ مِثْلٌ أَيْ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ فِي فَرْطِ الْقُرْبِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ شِدَّةُ الْقُرْبِ. [قَوْلُهُ: وَسَرَائِرِهِمْ] جَمْعُ سَرِيرَةٍ أَيْ مَا يُسِرُّهُ فِي الْقَلْبِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: فَكَأَنَّ ذَاتَه تَعَالَى قَرِيبَةٌ] أَيْ فَالْأَقْرَبِيَّةُ، بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ تَقْدِيرًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّنَافِي لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ، فَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ هَذَا وَجْهٌ ثَانٍ لَا أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ. [قَوْلُهُ: وَالْحَبْلُ الْعِرْقُ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْلِ الْعِرْقُ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْحَبْلِ الْعِرْقُ، وَقَوْلُهُ شَبَّهَ أَيْ الْعِرْقَ بِالْحَبْلِ، أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، فَالْحَبْلُ الثَّانِي غَيْرُ الْحَبْلِ الْأَوَّلِ، هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَالْمَعْنَى وَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْحَبْلِ: الْعِرْقُ، وَقَوْلُهُ شُبِّهَ بِالْحَبْلِ، أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى لِلَفْظِ الْحَبْلِ. [قَوْلُهُ: اسْتِعَارَةً] أَيْ لِأَجْلِ اسْتِعَارَةِ اسْمِ الْحَبْلِ لِلْعِرْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ [قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ شَبَّهَ، أَيْ شَبَّهَ مِنْ أَجْلِ اشْتِدَادِ اللَّحْمِ بِهِ، وَارْتِبَاطِ بِهِ بِالْحَبْلِ بِجَامِعِ مُطْلَقِ الِارْتِبَاطِ، وَقَوْلُهُ وَارْتَبَطَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَالْوَرِيدُ عِرْقٌ بِبَاطِنِ الْعُنُقِ] فِي الْمِصْبَاحِ وَالْوَرِيدُ عِرْقٌ قِيلَ هُوَ الْوَدَجُ وَقِيلَ بِجَنْبِهِ اهـ. فَعَلَى أَنَّهُ الْوَدَجُ يَكُونُ لِكُلِّ إنْسَانٍ وَرِيدَانِ، وَحَيْثُ كَانَ الْحَبْلُ اسْتِعَارَةً لِلْعِرْقِ وَالْوَرِيدُ عِرْقٌ مَخْصُوصٌ، كَانَتْ إضَافَةُ حَبْلٍ إلَى الْوَرِيدِ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ، فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَسُمِّيَ وَرِيدًا كَمَا قَالَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ تَرِدُهُ، وَخَصَّهُ؛ لِأَنَّ بِهِ حَيَاتَهُ وَهُوَ بِحَيْثُ يُشَاهِدُهُ كُلُّ أَحَدٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ زَائِدَةٌ] أَيْ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ، [قَوْلُهُ: أَيْ وَمَا تَسْقُطُ وَرَقَةٌ] حَمَلَ الْوَرَقَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ، أَيْ سَاقِطَةٌ كَانَتْ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَيِّ وَرَقَةٍ] الْأَوْلَى حَذْفُ مِنْ [قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقُطْرُ بِالضَّمِّ، الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ وَالْجَمْعُ أَقْطَارٌ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٌ اهـ. [قَوْلُهُ: إلَّا يَعْلَمُهَا] حَالٌ مِنْ وَرَقَةٍ، وَجَاءَتْ الْحَالُ مِنْ النَّكِرَةِ لِاعْتِمَادِهَا عَلَى النَّفْيِ وَالتَّقْدِيرِ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلَّا فِي حَالِ كَوْنِهِ عَالِمًا هُوَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُهَا بِإِرَادَتِهِ. [قَوْلُهُ: فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ] أَيْ بُطُونِهَا، [قَوْلُهُ: بِالْجَرِّ] وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ، [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ] أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَبَّةِ وَاحِدَةَ، الْحَبِّ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْقَامُوسُ بِقَوْلِهِ الْحَبَّةُ وَاحِدَةُ الْحَبِّ الْجَمْعُ حَبَّاتٌ وَحُبُوبٌ اهـ. بَلْ الْمُرَادُ أَقَلُّ قَلِيلٍ أَيْ مَا يَشْمَلُ أَقَلَّ قَلِيلٍ لِأَجْلِ شُمُولِهِ الْحَبَّةَ الْمَعْرُوفَةَ وَغَيْرَهَا وَإِنْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ لَفَاتَهُ الْكَلَامُ عَلَى الْحَبَّةِ، وَلَا يُقَالُ تُفْهَمُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ وَالْوَرَقَةُ كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مَجَازِيٌّ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْحَبَّةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ ثَبَتَ لَهُ الْقِلَّةُ فَأَطْلَقَهَا وَأَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالْقِلَّةِ، وَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ذَاتٌ ثَبَتَتْ لَهَا الْقِلَّةُ أَدَقُّ مِنْ الْوَرَقَةِ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ قَوْلَيْنِ، أَحَدَهُمَا أَنَّهَا مِنْ هَذَا الْحَبِّ الْمَعْرُوفِ

أَقَلُّ قَلِيلٍ عَبَّرَ بِهَا تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ (وَلَا رَطْبٍ) هُوَ مَا يَنْبُتُ (وَلَا يَابِسٍ) هُوَ مَا لَا يَنْبُتُ (إلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، يَعْنِي أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ فِيهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ مَا دَقَّ وَمَا جَلَّ حَتَّى سُقُوطِ الْوَرَقَةِ وَالْحَبَّةِ وَهِيَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا وَلَا حِسَابَ وَلَا مُجَازَاةَ، فَمَا ظَنَّكَ بِالْأَعْمَالِ الْمُجَازَى عَلَيْهَا بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ، ثَانِيهِمَا أَنَّهَا الْحَبَّةُ الَّتِي فِي الصَّخْرَةِ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: تَقْرِيبًا لِلْإِفْهَامِ] أَيْ لِتَعَاهُدِ النَّاسِ لَهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا رَطْبٍ] مَعْطُوفٌ عَلَى وَرَقَةٍ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَقُرِئَ الْأَخِيرَانِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ وَرَقَةٍ. وَقِيلَ رَفْعُهُمَا بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ إلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ اهـ. [قَوْلُهُ: هُوَ مَا يَنْبُتُ إلَخْ] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ نَبَتَ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ هَكَذَا ظَهَرَ لِي وَارْتَضَاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَشَيْخُنَا السَّيِّدُ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَالثَّانِي قَلْبُ الْمُنَافِقِ، أَوْ الْأَوَّلُ الْإِيمَانُ وَالثَّانِي الْكُفْرُ، أَوْ الْأَوَّلُ الْحَاضِرَةُ، وَالثَّانِي الْبَادِيَةُ، أَقْوَالٌ وَأَرَادَ بِالسُّقُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَازِمُهُ وَهُوَ الثُّبُوتُ لَا الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذُكِرَ، وَقِيلَ الرَّطْبُ النُّطْفَةُ الَّتِي تَتَكَوَّنُ وَالْيَابِسُ النُّطْفَةُ الَّتِي لَا تَتَكَوَّنُ فَالتَّعْبِيرُ بِالسُّقُوطِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي كِتَابٍ] بَدَلٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ بَدَلُ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ إنْ أُرِيدَ بِهِ اللَّوْحُ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ مُنْسَحِبٌ عَلَى مَا بَعْدَهُ، [قَوْلُهُ: مُبِينٍ] أَيْ بَيِّنٍ. [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] قَدْ عَرَفْت مُقَابِلَهُ، [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] إنَّمَا عَبَّرَ بِيَعْنِي دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْأَعْمَالِ فِي الْكِتَابِ الْمُبِينِ، مَعَ أَنَّهَا أَوْلَى أَنْ تَكُونَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا الْمَجَازِيُّ عَلَيْهَا، وَخُلَاصَةُ الْجَوَابِ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ الْآيَةُ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِ الْكِتَابِ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَا لَا حِسَابَ فِيهِ فَأَوْلَى مَا فِيهِ الْحِسَابُ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْغَايَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَلَّذِي لَا يُجَازَى عَلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: حَتَّى سُقُوطِ الْحَبَّةِ وَالْوَرَقَةِ، وَكَذَا مَا بَعْدَهَا فَإِنْ قُلْت: كَوْنُ الْآيَةِ دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يُسَلَّمُ إذْ مَا لَا حِسَابَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ فِيهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قُلْت: جَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ تَعْدَادَ الْأَشْيَاءِ وَعَدَمَ الْوُقُوفِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ رُبَّمَا آذَنَ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَغَيْرَهُمَا، ثُمَّ إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلِّ شَيْءٍ مَا دَقَّ وَمَا جَلَّ ذَوَاتٌ دَقَّتْ وَجَلَّتْ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى ذَاتٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، فَيُؤَوَّلُ قَوْلُهُ: سُقُوطِ إلَخْ بِأَنْ يُجْعَلَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، أَيْ الْوَرَقَةُ السَّاقِطَةُ إلَخْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعَلُّقُ الْعِلْمِ فِي الْآيَةِ بِنَفْسِ الْوَرَقَةِ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: عِلْمُ كُلَّ شَيْءٍ مَا دَقَّ وَمَا جَلَّ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَايَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي وَنَصُّهُ: الْمَعْلُومَاتُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ كَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَقِسْمٌ عَلِمَهُ اللَّوْحُ وَالْقَلَمُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فِي اللَّوْحِ، وَقِسْمٌ عَلِمَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقِسْمٌ عَلِمَهُ الْأَنْبِيَاءُ، وَقِسْمٌ عَلِمَتْهُ الْأَوْلِيَاءُ كَالْمُكَاشَفَاتِ وَعِلْمُ اللَّهِ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: فِيهِ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ] أَيْ مَعْلُومٌ هُوَ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْعَالِمِ أَوْ مُتَعَلِّقُ عِلْمِ كُلِّ شَيْءٍ الَّذِي هُوَ نَفْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَمَّا فَاتَهُ التَّصْرِيحُ بِالْمُضَافِ أَوَّلًا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: كُلِّ شَيْءٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: دَقَّ] أَيْ قَلَّ [قَوْلُهُ: وَجَلَّ] أَيْ عَظُمَ. [قَوْلُهُ: لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا إلَخْ] أَيْ لَا تَكْلِيفَ لِأَجْلِهَا وَلَا حِسَابَ لِأَجْلِهَا، أَيْ لَا تَكْلِيفَ مَنُوطٌ بِهَا إلَخْ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا وَلَا حِسَابَ وَلَا عِقَابَ أَيْضًا إذْ الْمُتَّصِفُ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْعَبْدُ. [قَوْلُهُ: الْمَجَازِيُّ عَلَيْهَا] أَيْ لِأَجْلِهَا، وَكَذَا الْحِسَابُ لِأَجْلِهَا وَالتَّكْلِيفُ. [قَوْلُهُ: وَالْغُفْرَانُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ فِي

وَالْغُفْرَانَ إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ مَنَّانٌ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) لَا يَرِدُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ مَا وَرَدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلُ، فَوْقَ عَرْشِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَتَى بِهِ وَهُوَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ، فَمِنْ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ شِهَابٍ وَمَالِكٍ مَنْ مَنَعُوا تَأْوِيلَهُ وَقَالُوا: نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَتَعَرَّضُ لِمَعْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ تَأْوِيلَهُ قَصْدًا لِلْإِيضَاحِ، فَمَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوْلَى عَلَيْهِ اسْتِيلَاءَ مَلِكٍ قَادِرٍ قَاهِرٍ، وَمِنْ اسْتَوْلَى عَلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ كَانَ مَا دُونَهُ فِي ضِمْنِهِ وَمُنْطَوِيًا تَحْتَهُ، وَقِيلَ: الِاسْتِوَاءُ بِمَعْنَى الْعُلُوِّ أَيْ عُلُوِّ مَرْتَبَةٍ وَمَكَانَةٍ لَا عُلُوِّ مَكَان (وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَى) حَقِيقَةُ الِاحْتِوَاءِ الِاسْتِدَارَةُ وَهِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى إحَاطَةِ قُدْرَتِهِ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ، وَمِلْكِهِ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ، وَالْمَلَكُوتُ عِبَارَةٌ عَنْ بَاطِنِ الْمُلْكِ وَالْمُلْكُ هُوَ الظَّاهِرُ (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِصْبَاحِ عَفَا عَنْك أَيْ مَحَا ذُنُوبَك اهـ. وَالْغُفْرَانُ سَتْرُ الذَّنْبِ وَسَتْرُهُ مَحْوُهُ. [قَوْلُهُ: جَوَادٌ] بِالتَّخْفِيفِ [قَوْلُهُ: كَرِيمٌ] هُوَ بِمَعْنَى جَوَادٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: مَا وَرَدَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلُ فَوْقِ عَرْشِهِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيرَادَ عَلَى قَوْلِهِ بِذَاتِهِ، وَأَمَّا الْفَوْقِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهَا. [قَوْلُهُ: كَابْنِ شِهَابٍ] شَيْخٌ لِمَالِكٍ فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ [قَوْلُهُ: مَنَعُوا تَأْوِيلَهُ إلَخْ] أَيْ تَفْصِيلًا فَلَا يَنْفُونَ تَأْوِيلَهُ إجْمَالًا فَيُنَزِّهُونَ الْيَدَ عَنْ كَوْنِهَا كَالْيَدِ الْحَادِثَةِ فَهُوَ تَأْوِيلٌ إجْمَالًا وَيُفَوِّضُونَ عِلْمَ الْحَقِيقَةِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: نُؤْمِنُ بِهِ] أَيْ بِمَعْنَاهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ كَوْنُهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ تَأْوِيلَهُ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يُوجِبُونَ تَأْوِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: فَمَعْنَى اسْتِوَائِهِ إلَخْ] رَدَّ ابْنُ رُشْدٍ ذَلِكَ بِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمُغَالَبَةِ وَالْمُقَاهَرَةِ. [قَوْلُهُ: قَادِرٌ قَاهِرٌ] لَازِمٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ ذُو إدْرَاكٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا تَقَدَّمَ فِي الشَّارِحِ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَخْلُوقٌ عَظِيمٌ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: كَانَ مَا دُونَهُ] أَيْ كَانَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَا دُونَهُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَمُنْطَوِيًا تَحْتَهُ تَأْكِيدٌ [قَوْلُهُ: عُلُوِّ مَرْتَبَةٍ وَمَكَانَةٍ] أَيْ فَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَشْرَفُ مِنْ الْعَرْشِ فَهَذَا التَّأْوِيلُ لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُغَايِرًا لَهُ، وَعَطْفُ الْمَكَانَةِ مُرَادِفٌ. تَتِمَّةٌ: قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ: مَذْهَبُ السَّلَفِ أَسْلَمُ فَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَيَكْفِيك عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ ذَهَابُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ إلَيْهِ. وَأَمَّا طَرِيقَةُ الْخَلَفِ فَهِيَ أَحْكَمُ بِمَعْنَى أَكْثَرُ إحْكَامًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانًا لِمَا فِيهَا مِنْ إزَالَةِ الشُّبَهِ عَنْ الْأَفْهَامِ وَبَعْضٌ عَبَّرَ بِأَعْلَمَ بَدَلَ أَحْكَمُ بِمَعْنَى أَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى التَّفْصِيلِيِّ. [قَوْلُهُ: فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ إلَخْ] أَيْ فَالْمِلْكُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ، وَالْمَعْنَى أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ بِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ فَمُرَادُ الشَّارِعِ بِالْمُمْكِنَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُمْكِنَ فِي ذَاتِهِ يَشْمَلُ الْمَعْدُومَ الَّذِي لَمْ يَرِدْ اللَّهُ وُجُودَهُ وَلَمْ تُحِطْ الْقُدْرَةُ بِهِ أَيْ لَمْ تَتَعَلَّقْ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِحَاطَةِ التَّعَلُّقَ التَّنْجِيزِيَّ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ مَا مِنْ مَخْلُوقٍ إلَّا، وَقُدْرَةُ الْبَارِي قَدْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ فَرْدٌ مِنْهُ عَنْهَا فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الشَّارِحِ يُشْعِرُ بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الِاحْتِوَاءِ فِي إحَاطَةِ الْقُدْرَةِ مَجَازٌ أَيُّ مَجَازٍ هُوَ؟ قُلْت: اسْتِعَارَةٌ وَتَقْرِيرُهَا شَبَّهَ إحَاطَةَ الْقُدْرَةِ بِمَا ذَكَرَ بِالِاحْتِوَاءِ وَالْعَلَاقَةُ ظَاهِرَةٌ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ وَاشْتُقَّ مِنْ الِاحْتِوَاءِ بِمَعْنَى الْإِحَاطَةِ احْتَوَى بِمَعْنَى أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: عَنْ بَاطِنِ الْمُلْكِ] أَيْ مَا خَفِيَ عَنَّا مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُلْكُ هُوَ الظَّاهِرُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ: وَالْمَلَكُوتُ إلَخْ. إذْ هُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَلَكُوتَ بَعْضُ الْمُلْكِ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُلْكُ هُوَ الظَّاهِرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ

الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) وَصْفُ الْأَسْمَاءِ وَهِيَ جَمْعٌ بِالْحُسْنَى وَهُوَ مُفْرَدٌ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى إذْ هُوَ مَصْدَرٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمٌ إلَّا بِتَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ. (وَ) لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الصِّفَاتُ الْعُلَى) أَيْ الْمُرْتَفِعَةُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ، وَلَمَّا بَيْنَ أَنَّ لَهُ تَعَالَى أَسْمَاءَ وَصِفَاتٍ عَقَّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ فَقَالَ (لَمْ يَزَلْ) أَيْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُرِيدُ وَلَا يَزَالُ مُتَّصِفًا (بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَ) مُسَمًّى بِ (أَسْمَائِهِ) وَمَعْنَى لَمْ يَزَلْ عِبَارَةٌ عَنْ الْقِدَمِ، وَلَا يَزَالُ عِبَارَةٌ عَنْ الْبَقَاءِ، وَقَصَدَ الشَّيْخُ بِهَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ الرَّدَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ الزَّاعِمِينَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ، وَعَلَى الْقَائِلِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ فِي أَزَلِهِ بِلَا اسْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُبَايِنٌ لَهُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَرَادَ بِالْمُلْكِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَإِنْ كَانَ الْمُلْكُ يُطْلَقُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمَلَكُوتُ عَلَى الْبَاطِنِ [قَوْلُهُ: لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى إلَخْ] الْأَسْمَاءُ جَمْعُ اسْمٍ وَهُوَ لُغَةً: كُلُّ مَا لَهُ مُسَمًّى، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا دَلَّ عَلَى مُجَرَّدِ ذَاتِهِ كَلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ عَلَى الذَّاتِ مَعَ الصِّفَةِ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ، وَوَجْهُ حُسْنِهَا دَلَالَتُهَا عَلَى مَعَانٍ هِيَ أَشْرَفُ الْمَعَانِي وَأَفْضَلُهَا. [قَوْلُهُ: إذْ هُوَ مَصْدَرٌ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمَصْدَرَ يَصْدُقُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِالْكَثِيرِ إذْ هُوَ مَصْدَرٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ فِي بَيَانِهِ: لِأَنَّ حُسْنَى جَمْعٌ فِي الْمَعْنَى إذْ هُوَ مَصْدَرٌ لِحَسَنَ حُسْنًا ضِدُّ قَبُحَ، فَإِنْ قَصَدْت الْمُبَالَغَةَ فِي الْحُسْنِ قُلْت: حُسْنَى عَلَى وَزْنِ فُعْلَى، وَمُذَكَّرُهُ حَسُنَ عَلَى وَزْنِ فَعُلَ اهـ. وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا إذَا أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ مِنْ حَيْثُ الْكَمِيَّةُ [قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ إلَخْ] الْأَنْسَبُ تَأْخِيرُ هَذَا الصَّحِيحِ عَنْ الَّذِي بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ مَحْصُورَةٍ إلَخْ] إذْ مِنْهَا الْمُدَبَّرُ وَمِنْهَا الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ فَهُمَا وَارِدَانِ وَالْحَنَّانُ مَنْ يُقْبِلُ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ، وَالْمَنَّانُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ] عَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ بِالصَّحِيحِ وَهُنَا بِالْأَصَحِّ تَفَنُّنًا إذْ الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: تَوْقِيفِيَّةٌ] أَيْ تَعْلِيمِيَّةٌ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ عج إلَّا مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ كَالْبَاعِثِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا وَرَدَ آحَادًا فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَهُ الْجُمْهُورُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَمَلِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْآحَادُ. وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَقَلَ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ أَنَّهَا تَوْفِيقِيَّةٌ، وَلَكِنْ فِي مَسَالِكِ الْحُنَفَاءِ مَا يُفِيدُ خِلَافَهُ، وَفِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ نَحْوُ مَا فِي السِّيرَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِتَوْقِيفٍ] أَيْ تَعْلِيمٍ. [قَوْلُهُ: الصِّفَاتُ إلَخْ] الصِّفَاتُ جَمْعُ صِفَةٍ وَهِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالْمَوْصُوفِ [قَوْلُهُ: الْعَلِيُّ] جَمْعُ الْعَلْيَاءِ تَأْنِيثُ الْأَعْلَى كَمَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ، أَيْ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ وَلَا يَزَالُ إلَخْ] أَيْ فَالْمُصَنِّفُ أَشَارَ إلَى الْقِدَمِ وَلَمْ يُشِرْ إلَى الْبَقَاءِ، فَأَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ وَلَا يَزَالُ وَلَا ضَرُورَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى لَمْ يَزَلْ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ إذْ الْقِدَمُ وَصْفٌ سَلْبِيٌّ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْأَوَّلِيَّةِ، وَلَمْ يَزَلْ نَفْيُ نَفْيٍ وَهُوَ إثْبَاتٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ عِبَارَةً عَنْهُ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِهِ وَأَسْمَاءَهُ لَيْسَتْ مُحْدَثَةً. [قَوْلُهُ: بِهَذَا] أَعْنِي قَوْلَهُ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَبْله الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَالصِّفَاتُ الْعُلَى. وَقَوْلُهُ: الزَّاعِمِينَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَائِلِينَ إلَخْ نَاظِرٌ لِلثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ إلَخْ [قَوْلُهُ: الزَّاعِمِينَ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ] أَيْ وَلَا كَلَامَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي، فَتَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهُ عَالِمٌ بِذَاتِهِ قَادِرٌ بِذَاتِهِ، فَرُّوا بِذَلِكَ مِنْ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّوَافِضَ مِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْمُسْتَحِيلَ إنَّمَا هُوَ تَعَدُّدُ ذَوَاتٍ لَا ذَاتٍ مَعَ صِفَاتٍ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْقَائِلِينَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ غَيْرُ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمْ نَفْسُ الْمُعْتَزِلَةِ، فَعِبَارَةُ تت أَحْسَنُ حَيْثُ قَالَ: لِلرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ الزَّاعِمِينَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَالْقَائِلِينَ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ فِي أَزَلِهِ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ:

وَلَا صِفَةٍ، وَأَنَّ عِبَادَهُ هُمْ الَّذِينَ خَلَقُوا لَهُ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ (تَعَالَى) أَيْ تَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ عَمَّا يَقُولُونَ مِنْ (أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ مَخْلُوقَةً وَ) أَنْ تَكُونَ (أَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً) ظَاهِرُ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَقَدِيمَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهَا حَادِثَةٌ أَيْ مُتَجَدِّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا إضَافَاتٌ تَعْرِضُ لِلْقُدْرَةِ. وَهِيَ تَعَلُّقَاتُهَا بِوُجُودَاتِ الْمَقْدُورَاتِ لِأَوْقَاتِ وُجُودَاتِهَا وَلَا مَحْذُورَ فِي اتِّصَافِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ بِالْإِضَافَاتِ كَكَوْنِهِ قَبْلَ الْعَالِمِ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا صِفَاتُ الذَّاتِ قَدِيمَةٌ اتِّفَاقًا لَا تُفَارِقُ الذَّاتَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ. الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْعِلْمُ وَالْحَيَاةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْبَقَاءُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ إجْمَاعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (كَلَّمَ مُوسَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (بِكَلَامِهِ) الْقَدِيمِ (الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ) فَخَلَقَ لَهُ فَهْمًا فِي قَلْبِهِ، وَسَمْعًا فِي أُذُنَيْهِ يَسْمَعُ بِهِ كَلَامًا لَيْسَ بِصَوْتٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلَقُوا لَهُ الْأَسْمَاءَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَسْمَاءَ أَلْفَاظٌ دَلَّتْ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا فَوَصْفُهُمْ بِذَلِكَ أَيْ بِكَوْنِهِمْ خَلَقُوا الْأَسْمَاءَ لِكَوْنِهِمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَالصِّفَاتِ إلَخْ] هَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ هِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْمَوْصُوفِ فَهُوَ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ وَلَا نَاشِئًا عَنْ فِعْلِهِ، وَالْمَخْلُوقُ لَهُمْ عِنْدَهُمْ مَا ذُكِرَ فَقَطْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْأَسْمَاءِ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ فَقَطْ، وَالصِّفَاتِ مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ وَالصِّفَةِ، وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَتَعَاظَمَ] مُرَادِفٌ [قَوْلُهُ: مِنْ أَنْ تَكُونَ] بَيَانٌ لِمَا فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَجْرُورَةٌ بِمِنْ مُقَدَّرَةٌ، وَأَنَّ تَعَالَى يَتَعَدَّى بِعَنْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ تَكُونَ مَجْرُورَةً بِعَنْ مَحْذُوفَةً فَهُوَ أَخَصْرُ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ مَخْلُوقَةً وَأَسْمَاؤُهُ مُحْدَثَةً] فَالتَّعْبِيرُ فِي الصِّفَاتِ بِمَخْلُوقَةٍ وَفِي الْأَسْمَاءِ بِمُحْدَثَةٍ تَفَنُّنٌ لَا يَخْفَى أَنَّ الصِّفَاتِ قَدِيمَةٌ وَلَا خَفَاءَ فِي قِدَمِهَا، وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ فَكَيْفَ تَكُونُ قَدِيمَةً مَعَ أَنَّهَا أَلْفَاظٌ وَكُلُّ لَفْظٍ حَادِثٌ؟ فَتَخَلَّصَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ قِدَمَ الْأَسْمَاءِ بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعَانِي كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسْمَاءِ التَّسْمِيَاتُ، وَالتَّسْمِيَاتُ كَلَامُهُ وَكَلَامُهُ قَدِيمٌ، وَلَعَلَّ جَعْلَ الْكَلَامِ تَسْمِيَةً تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ جَعْلَ اللَّفْظِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: وَالرَّزْقُ] بِفَتْحِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَيَصِحُّ كَسْرُهَا بِجَعْلِهِ اسْمَ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ يُرْجِعُونَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ وَمَا مَاثَلَهَا إلَى صِفَةِ مَعْنًى قَدِيمَةٍ قَائِمَةٍ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ تُسَمَّى التَّكْوِينُ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَيَاةِ سُمِّيَتْ إحْيَاءً وَبِالْمَوْتِ سُمِّيَتْ إمَاتَةً وَغَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُتَجَدِّدَةٌ] أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُدُوثِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي هُوَ الْوُجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ، بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ التَّجَدُّدُ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ [قَوْلُهُ: إضَافَاتٌ] أَيْ نَسَبٌ [قَوْلَهُ: وَهِيَ] أَيْ تِلْكَ الْإِضَافَاتُ. [قَوْلُهُ: تَعَلُّقَاتُهَا] أَيْ التَّنْجِيزِيَّةُ الْحَادِثَةُ. [قَوْلُهُ: بِوُجُودَاتِ إلَخْ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ. [قَوْلُهُ: الْأَوْقَاتِ] أَيْ عِنْدَ أَوْقَاتِ وُجُودَاتِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا مَحْذُورَ] أَيْ لَا ضَرَرَ [قَوْلُهُ: كَكَوْنِهِ قَبْلَ الْعَالَمِ] فَالْقَبْلِيَّةُ نِسْبِيَّةٌ، وَكَذَا الْمَعِيَّةُ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَهِيَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا وُجُودِيَّةٌ، وَإِطْلَاقُ الْحُدُوثِ عَلَيْهَا مَجَازٌ، وَاسْتِحَالَةُ اتِّصَافِ الْمَوْلَى بِالْحَادِثِ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْوُجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْبَقَاءُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى كَوْنِ مُوسَى سَمِعَ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ إذْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا سَمِعَ صَوْتًا، وَاخْتُصَّ بِاسْمِ الْكَلِيمِ لِكَوْنِهِ بِلَا وَاسِطَةِ الْكِتَابِ وَالْمَلَكِ. هَذَا إذَا أُرِيدَ إجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ الشَّامِلَةِ لِسُنِّيِّهَا وَمُبْتَدِعِهَا كَمَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَقْوَى الِاعْتِرَاضُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّ مَصَبَّ قَوْلِهِ: إجْمَاعًا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَلَّمَ مُوسَى فَقَطْ. [قَوْلُهُ: الْقَدِيمِ] وَصْفٌ مُخَصِّصٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ الْمَعْلُومِ، أَعْنِي اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ عَلَى نَبِيِّنَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ] أَيْ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ،

حَرْفٍ، يَسْمَعُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بِكُلِّ جَارِحَةٍ وَلَمْ تَقَعْ لَهُ رُؤْيَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقَوْلُهُ (لَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ مُوسَى مَا كَلَّمَهُ مَخْلُوقٌ، وَإِنَّمَا كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِهِ قَدِيمٌ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ (وَتَجَلَّى) أَيْ ظَهَرَ (لِلْجَبَلِ) وَهُوَ طُورُ سَيْنَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، (فَصَارَ دَكًّا) أَيْ مُسْتَوِيًا مَعَ الْأَرْضِ (مِنْ جَلَالِهِ) تَعَالَى، وَجَلَالُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحْقَاقُهُ لِنُعُوتِ التَّعَالِي وَهُوَ رِفْعَتُهُ وَعُلُوُّهُ، وَقِيلَ: سَاخَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ بِمَعْنَى غَابَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ يَذْهَبُ حَتَّى الْآنَ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ) الْقَائِمُ بِذَاتِهِ (لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا وَصْفٌ كَاشِفٌ حَيْثُ أُرِيدَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ [قَوْلُهُ: فَخَلَقَ لَهُ فَهْمًا] أَيْ يُدْرِكُ بِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ مِمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَسَمْعًا فِي أُذُنَيْهِ] أَيْ وَقُوَّةً. [قَوْلُهُ: بِهِ] أَيْ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ [قَوْلُهُ: وَلَا حَرْفَ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ أَخَصُّ مِنْ الصَّوْتِ وَالصَّوْتُ أَعَمُّ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ نَفْيُ الْأَخَصِّ. [قَوْلُهُ: بِكُلِّ جَارِحَةٍ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ، إذْ مُقْتَضَى مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ إنَّمَا سَمِعَهُ بِجَارِحَةِ الْأُذُنَيْنِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ سَمْعًا فِي أُذُنَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ فِي كُلِّ جَوَارِحِهِ، وَكَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا تَقْرِيرٌ أَنَّ الْأَوَّلَ لِلْفَاكِهَانِيِّ وَالثَّانِي لِابْنِ عُمَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ تَقَعْ لَهُ رُؤْيَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ] وَقِيلَ: رَآهُ وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ إلَخْ] أَيْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي كَلَّمَ. [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ] هَذَا أَحْسَنُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْكِيدًا لِرَدٍّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا أَنَّهُ مُوجِدٌ لِأَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ دَالَّةٍ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ فِي أَجْسَامٍ مَخْصُوصَةٍ، أَوْ لِلْإِشْكَالِ بِالْكِتَابَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِإِنْكَارِهِمْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ، وَاسْتِحَالَةُ قِيَامِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ بِهِ. [قَوْلُهُ: طُورُ سَيْنَاءَ إلَخْ] يُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَكُونَ الْجَبَلُ الْمُسَمَّى بِالطُّورِ مُضَافًا إلَيَّ بُقْعَةٍ اسْمُهَا سَيْنَاءُ أَوْ يَكُونُ اسْمًا لِلْجَبَلِ مُرَكَّبًا مِنْ مُضَافٍ وَمُضَافٍ إلَيْهِ وَهُوَ جَبَلُ فِلَسْطِينَ، وَسَيْنَاءُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّكْيِيفَ مَصْدَرُ كَيْفِهِ إذَا ذَكَرَ أَوْ أَدْرَكَ كَيْفِيَّتَهُ أَيْ صِفَتَهُ، وَالتَّشْبِيهُ مَصْدَرُ شِبْهِهِ إذَا جَعَلَهُ مِثْلَ غَيْرِهِ فِي صِفَةٍ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ الْكَيْفِيَّةِ وَالصِّفَةِ اللَّائِقَةِ بِالْحَوَادِثِ. [قَوْلُهُ: مُسْتَوِيًا] وَقِيلَ صَارَ غُبَارًا. قَالَ بَعْضٌ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَبَلَ ذَهَبَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ وَصَارَ مَا بَقِيَ مِنْهُ مُسْتَوِيًا، وَهُوَ الْيَوْمَ مَزَارُ يُصْعَدُ فَوْقَهُ تَبَرُّكًا بِهِ حَكَاهُ تت. [قَوْلُهُ: مِنْ جَلَالِهِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ جَلَالِهِ، تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالدَّكُّ إنَّمَا جَاءَ مِنْ التَّجَلِّي بِصِفَاتِ الْجَلَالِ إذْ لَوْ تَجَلَّى لَهُ بِصِفَاتِ الْجَمَالِ لَمَا انْدَكَّ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ] أَقُولُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّ لِلْجَلَالِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مَعْنًى آخَرَ وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ لِلْقُشَيْرِيِّ وَنَصُّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ جَلَالَهُ اسْتِحْقَاقُهُ لِنُعُوتِ التَّعَالِي إلَخْ. أَيْ فَأَهْلُ الْحَقِّ مُجْمِعُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَقْتَضِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ لِلْجَلَالِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مَعْنًى كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ شَارِحِنَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْعِبَارَةَ عَلَى وَجْهِهَا. [قَوْلُهُ: لِنُعُوتِ التَّعَالِي] أَيْ لِأَوْصَافِ التَّعَالِي أَيْ لِلْأَوْصَافِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعَالِي. [قَوْلُهُ: وَهُوَ رِفْعَتُهُ] تَفْسِيرٌ لِلتَّعَالِي. [قَوْلُهُ: وَعُلُوُّهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ وَالرِّفْعَةُ وَالْعُلُوُّ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ أَلْيَقُ، وَفَسَّرَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ الْجَلَالَ بِالْعَظَمَةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ. [قَوْلُهُ: غَابَ فِي الْأَرْضِ] أَيْ تَحْتَ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ إلَخْ] هَذَا مُسْتَفَادٌ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ إذْ يَصِيرُ حَشْرًا كَمَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: كَلَامُ اللَّهِ] بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَقَوْلُهُ: الْقَائِمُ بِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ بِمَعْنَى الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قَائِمَةً بِذَاتِهِ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ خَبَرٌ وَعَقَّبَ الْقُرْآنَ بِقَوْلِهِ: كَلَامُ اللَّهِ

بِمَخْلُوقٍ فَيَبِيدَ وَلَا صِفَةً لِمَخْلُوقٍ فَيَنْفَدَ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَبِيدُ مَعْنَاهُ يَذْهَبُ، وَيَنْفُدُ مَعْنَاهُ يَتِمُّ. قِيلَ: مِنْهُ نَفِدَ يَنْفَدُ نَفَادًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] وَكِلَاهُمَا مَنْصُوبَانِ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ. (وَ) وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ) بِتَحْرِيكِ الدَّالِ. ق: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَجْمُوعُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فِيمَا يَأْتِي وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّنَا وَقَالَ: (عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ) وَقَالَ: تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ وَالضَّمَائِرُ فِي قَوْلِهِ (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ) عَائِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: لَمَّا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يُقَالُ: الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِئَلَّا يَسْبِقَ لِلْفَهْمِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ قَدِيمٌ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ جَهْلًا وَعِنَادًا. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ يَذْهَبُ] أَيْ يَفْنَى وَيَهْلَكُ [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ يَتِمُّ] لَا يَخْفَى أَنَّ تَمَامَهُ ذَهَابُهُ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ مَعَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُتَّحِدًا أَنَّ شَأْنَ الْمَخْلُوقِ أَنْ يُوصَفَ بِالْهَلَاكِ لَا بِالتَّمَامِ. قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} [القصص: 88] أَيْ فَانٍ، فَنَاسَبَ تَفَرُّعَ الْهَلَاكِ عَلَى الْمَخْلُوقِيَّةِ الْمَنْفِيَّةِ، وَشَأْنُ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ أَنْ يُوصَفَ بِالتَّمَامِ تَقُولُ: تَمَّ كَلَامِي وَلَا تَقُولُ هَلَكَ كَلَامِي أَوْ فَنِيَ، فَنَاسَبَ تَفَرُّعُ التَّمَامِ عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً لِمَخْلُوقٍ: وَأَجَابَ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: قُلْت؛ لِأَنَّ الْأَجْسَامَ تَفْنَى أَصَالَةً، فَنَاسَبَ قَوْلَهُ: يَبِيدُ، وَالْأَعْرَاضُ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَنَاسَبَ يَنْفَدُ اهـ. [قَوْلُهُ: لَنَفِدَ الْبَحْرُ] أَيْ فَرَغَ جِنْسُ الْبَحْرِ وَانْتَهَى قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ وَتَفْرُغَ كَلِمَاتُ رَبِّي؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ وَإِنْ تَعَدَّدَ مُتَنَاهٍ؛ لِأَنَّهُ جِسْمٌ مُتَنَاهٍ، وَكَلِمَاتُ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَلَا تَنْفَدُ. [قَوْلُهُ: وَكِلَاهُمَا مَنْصُوبَانِ] رَاعَى الْمَعْنَى، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظَ لَقَالَ: وَكِلَاهُمَا مَنْصُوبٌ، وَيَصِحُّ الرَّفْعُ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ الْفَاءَ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ أَيْ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَيْسَ بِبَائِدٍ. [قَوْلُهُ: بِتَحْرِيكِ الدَّالِ] وَحُكِيَ سُكُونُهَا بَلْ جَعَلَهُمَا اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَتِهِ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ كِلَاهُمَا مَصْدَرٌ، قَدَرْت الشَّيْءَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِهَا إذَا أَحَطْت بِمِقْدَارِهِ. [قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ إلَخْ] أَيْ فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ مُرَكَّبَةٍ مِنْ ثَلَاثِ صِفَاتٍ. وَفِي كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ نَظَرٌ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَوْله: وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي إلَخْ. لَا يُسَلِّمُ إذْ قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّنَا مِنْ مَادَّةِ الْقَدَرِ، فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي إرَادَةِ الْقُدْرَةِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ تَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ إلَخْ إخْبَارٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِصِفَاتِ الْمَوْلَى لِأَجْلِ أَنْ تَعْتَقِدَ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعِلْمَ جُزْءُ الْمَدْلُولِ لِلْقَدَرِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى إلَخْ. بَلْ الْقَدَرُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ إيجَادُ الْأَشْيَاءِ عَلَى قَدَرٍ مَخْصُوصٍ وَتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ فِي ذَوَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا طِبْقَ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ، أَيْ فَهُوَ صِفَةُ فِعْلٍ، وَعِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ تَحْدِيدُهُ أَزَلًا كُلُّ مَخْلُوقٍ يَحُدُّهُ الَّذِي يُوجَدُ بِهِ مِنْ حُسْنٍ وَقُبْحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَيْ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ بِالْحَدِّ الَّذِي يُوجَدُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ قَاسِمٍ. [قَوْلُهُ: بِتَأْوِيلِ خَيْرِ إلَخْ] إنَّمَا احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ الْقَدَرَ بِالْأَوْصَافِ الثَّابِتَةِ، فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ إبْدَالُ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ إلَخْ. مِنْهَا أَيْ فَالْمُرَادُ الْخَيْرُ مِنْ الْمَقْدُورَاتِ الْمُضَافَةِ لِلْقَدَرِ، وَهَكَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ بِأَنَّ الْخَيْرَ مِنْ مُتَعَلَّقِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ فَعَلِمَهَا وَأَرَادَهَا أَزَلًا وَتَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِوُجُودِهَا فِيمَا لَا يَزَالُ، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَدَرِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ، بَلْ الْقَصْدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ مِنْ مُتَعَلَّقِ قَدَرِهِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامًا أَطْلَقَ الْقَدَر أَوَّلًا وَأَرَادَ بِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمَقْدُورُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مُضَافٍ لِلْقَدَرِ

عَلَى الْقَدَرِ بِتَأْوِيلِ خَيْرِ مَقْدُورَاتِهِ وَشَرِّ مَقْدُورَاتِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّصْدِيقُ بِعُمُومِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَات خَيْرًا كَانَتْ أَوْ شَرًّا حُلْوًا أَوْ مُرًّا، وَفَسَّرُوا الْخَيْرَ بِالطَّاعَاتِ وَالْحُلْوَ بِلَذَّتِهَا وَثَوَابِهَا وَالشَّرَّ بِالْمَعْصِيَةِ وَالْمُرَّ بِمَشَقَّتِهَا وَعِقَابِهَا، (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ الْخَيْرُ وَمَا بَعْدَهُ (قَدْ قَدَّرَهُ اللَّهُ رَبُّنَا) ق: وَمَعْنَى (وَمَقَادِيرُ الْأُمُورِ) أَيْ مَبَادِئُهَا (بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ (وَمَصْدَرُهَا) أَيْ وُقُوعُهَا عَلَى شَكْلٍ دُونَ شَكْلٍ، وَوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ (عَنْ قَضَائِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ، عَبَّرَ بِالْقَضَاءِ عَنْ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْإِرَادَةِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ) مِنْ الْمُمْكِنَاتِ (قَبْلَ كَوْنِهِ) أَيْ وُقُوعِهِ (فَجَرَى) أَيْ وَقَعَ (عَلَى قَدَرِهِ) أَيْ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَاعْتِقَادُ غَيْرِهِ كُفْرٌ يُقْتَلُ مُعْتَقِدُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ قِيلَ: الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ وَالْكُفْرُ بِقَضَاءِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: وَشَرِّ مَقْدُورَاتِهِ] أَيْ وَهَكَذَا مِنْ الْحُلْوِ وَالْمُرِّ، وَقِيلَ: إنَّ الْقَدَرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَقْدُورَاتِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ [قَوْلُهُ: بِعُمُومٍ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَدَرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِرَادَةِ فَقَطْ فَيُنَافِي كَلَامَهُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: بِجَمِيعِ] أَيْ لِجَمِيعِ [قَوْلُهُ: الْمُمَكَّنَاتِ] أَيْ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِالْوُجُودِ. [قَوْلُهُ: خَيْرًا كَانَتْ أَوْ شَرًّا] اُقْتُصِرَ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَإِنْ كَانَتْ الْمُبَاحَاتُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ التَّعْمِيمُ. تَقُولُ لِغَيْرِك: اعْلَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَقَصْدُك جَمِيعُ مَا هُوَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَثَوَابُهَا] عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّوَابِ اللَّذَّةُ فِي الْآخِرَةِ، وَقُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّاعَةِ فِي الدُّنْيَا الْمَشَقَّةُ وَالْمَرَارَةُ لَا اللَّذَّةُ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ أَحَمْزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا. [قَوْلُهُ: وَعِقَابُهَا] عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ الْأُخْرَوِيَّةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِقَابِ، وَقُلْنَا الْأُخْرَوِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ شَأْنُهَا الْحُبُّ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْخَيْرُ وَمَا بَعْدَهُ] أَيْ بِتَأْوِيلِهَا بِالْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ أُفْرِدَ. [قَوْلُهُ: قَدْ قَدَّرَهُ إلَخْ] أَيْ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِوُجُودِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ بِوُجُودِهِ أَفَادَهُ عج. وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّة مَا قُلْنَاهُ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: مَبَادِئُهَا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعُ مَبْدَأٍ أَيْ مَحَلُّ بَدْئِهَا، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِيَدِهِ لِلتَّصْوِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَحَلُّ بَدْئِهَا أَيْ ابْتِدَائِهَا مُصَوَّرٌ بِيَدِهِ أَيْ قُدْرَتِهِ إلَخْ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَالْمَعْنَى ابْتِدَاءُ الْأُمُورِ، وَخَبَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ أَيْ مَبَادِئُهَا وَالتَّقْدِيرُ، وَمَعْنَى مَقَادِيرِ الْأُمُورِ ظَاهِرٌ بِقَوْلِنَا أَيْ مَبَادِئُهَا، وَلَمْ يُفَسِّرْ الْمَقَادِيرَ جَمْعُ مِقْدَارٍ بِمَعْنَى الْقَدْر أَيْ إنْ قَدَّرَهَا مِنْ صِغَرٍ وَكِبَرٍ وَطُولٍ وَقِصَرٍ بِيَدِهِ أَيْ قُدْرَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَصْفُ الْإِرَادَةِ لَا الْقُدْرَةِ، وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُمَا لَمَّا تَلَازَمَا عَبَّرَ بِأَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ وُقُوعُهَا] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَصْدَرَهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الصُّدُورِ أَيْ الْوُقُوعِ [قَوْلُهُ: وَزَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَوَقْتٌ دُونَ وَقْتٍ فَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ: وَمَكَانٍ دُونَ مَكَان وَجِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ لَكَانَ أَفْضَلَ. [قَوْلُهُ: قُدْرَتِهِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إرَادَتُهُ لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ إنَّ الْوُقُوعَ عَلَى شَكْلٍ دُونَ شَكْلٍ إلَخْ تَخْصِيصٌ وَهُوَ شَأْنُ الْإِرَادَةِ لَا الْقُدْرَةِ، الثَّانِي: إنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُمْ إمَّا الْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ أَوْ عِلْمُهُ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْإِرَادَةِ] أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا مَجْمُوعِهِمَا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُمْكِنَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحِيلِ، وَقَصَرَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ لِقَوْلِهِ: قَبْلَ كَوْنِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قَدْرِهِ] أَيْ حَسَبَ عِلْمِهِ أَيْ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَيْ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: قَدَرِهِ عَائِدٌ عَلَى الْعِلْمِ الْمَفْهُومِ مِنْ عِلْمٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] وَالْمُرَادُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلِمَهُ، فَالدَّالُ فِي قَدْرِهِ سَاكِنَةٌ وَعِبَارَةُ تت فَجَرَى مَقْدُورُهُ أَيْ وَقَعَ وَجَاءَ عَلَى قَدْرِهِ الَّذِي عَلِمَهُ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ الْعِلْمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْجَرَيَانِ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْأُولَى الَّذِينَ يُنْكِرُونَ تَعَلُّقَ عِلْمِ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ هَؤُلَاءِ [قَوْلُهُ:

وَهُوَ لَا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكُفْرَ مَقْضِيٌّ لَا قَضَاءُ وَالرِّضَا إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْمَقْضِيِّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ (لَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ إلَّا وَقَدْ قَضَاهُ) دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ إلَخْ. قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ، وَيَعْلَمُ الْجُزْئِيَّ وَالْكُلِّيَّ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَيَعْلَمُ الْكُلِّيَّ لَا الْجُزْئِيَّ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ كُفْرِهِمْ وَعَصَمَنَا مِنْ اعْتِقَادِهِمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَقَوْلِهِ: (وَسَبَقَ عِلْمُهُ بِهِ) هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ قَبْلَ كَوْنِهِ كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] أَلَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا النَّافِيَةِ، وَمَعْنَاهَا تَحْقِيقُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ إذَا دَخَلَ عَلَى النَّفْيِ أَفَادَ الْإِثْبَاتَ وَالتَّقْرِيرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى بَابِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَمَنْ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَلَا يَعْلَمُ الْخَالِقُ مَخْلُوقَهُ أَوْ خَلْقَهُ، وَالْخَلْقُ عَامٌّ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: مَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْجَوَابُ إلَخْ] جَوَابٌ بِالْمَنْعِ لِتَوَهُّمِ أَنَّ السَّائِلَ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْ أَفْرَادِ الْقَضَاءِ، فَأَجَابَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ مُتَعَلَّقِ الْقَضَاءِ، وَالْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقَائِلَ رَضِيَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ لَا يُرِيدُ أَنَّهُ رَضِيَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إنَّهُ رَضِيَ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ الْمُقْتَضَى، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ الرِّضَا بِالْكُفْرِ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِكُفْرٍ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. [قَوْلُهُ: دُونَ الْمَقْضِيِّ] أَيْ فَلَا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ مُطْلَقًا بَلْ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ وَجَبَ الرِّضَا بِهِ أَوْ مَنْدُوبًا نُدِبَ أَوْ حَرَامًا حُرِّمَ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ أَوْ مُبَاحًا أُبِيحَ أَوْ مَكْرُوهًا كُرِهَ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا عَمَلٌ] أَدْخَلَ فِيهِ عِلْمَ الْقَلْبِ [قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِي عُمُومِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مُغَايِرٌ لَهُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ صَدَرَ مِنْ عِبَادِهِ قَدْ تَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَضَاءَ إرَادَةُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةُ أَزَلًا، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَوَجْهُ الدُّخُولِ عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ شَامِلٌ لِلْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَغَيْرِهِمَا. [قَوْلُهُ: يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ لَنَا كُلًّا وَيُقَابِلُهُ الْجُزْءُ وَكُلِّيًّا وَيُقَابِلُهُ جُزْئِيٌّ، الْأَوَّلُ كَالْجَبَلِ فَإِنَّهُ كُلٌّ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ مِنْهُ جُزْءٌ، وَالثَّانِي كَالْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ كُلِّيٌّ وَزَيْدٌ وَعَمْرٌو وَغَيْرُهُمَا جُزْئِيَّاتٌ لَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْجُمْلَةِ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَيَعْلَمُ الْكُلِّيَّ وَالْجُزْئِيَّ نَاظِرٌ لِلثَّانِي فَلَا يُتَوَهَّمُ اتِّحَادُهُمَا، وَالْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ: وَقِيلَ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْجُمْلَةِ أَيْ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَأْخُوذِ مِمَّا هُنَا، وَكَمَا يَعْلَمُ الْكُلِّيَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا تَقَدَّمَ يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا هُنَا أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ إلَخْ. لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيِّ وَلَا الْكُلِّ، بَلْ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ إلَّا أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّرْكِيبِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مِنْ بَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ الْمَجْمُوعِيِّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: عَنْ كُفْرِهِمْ] أَيْ مَا كَفَرُوا بِهِ، فَلَيْسَ التَّنَزُّهُ عَنْ نَفْسِ الْكُفْرِ بَلْ مَا كَفَرُوا بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَلِمَ الْجُمْلَةَ لَا التَّفْصِيلَ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي مِنْ الصِّفَاتِ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اعْتِقَادَهُمْ هُوَ كُفْرُهُمْ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، صَرَّحَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الْكُفْرَ اعْتِقَادُهُمْ. [قَوْلُهُ: هُوَ عَيْنُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَامٌّ فِي عِبَادِهِ مُطْلَقًا وَهَذَا خَاصٌّ بِعِبَادِهِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْخَاصُّ لَيْسَ عَيْنَ الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ] أَيْ الْإِنْكَارِيِّ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ] أَيْ الْإِنْكَارِيَّ [قَوْلُهُ: وَالتَّقْرِيرَ] هُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا بَعْدَ النَّفْيِ فَعَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: عَلَى بَابِهِ] أَيْ مِنْ طَلَبِ الْإِفْهَامِ. [قَوْلُهُ: لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ] أَيْ لِاسْتِدْعَائِهِ الْجَهْلَ. [قَوْلُهُ: مَخْلُوقَهُ أَوْ خَلْقَهُ] تَنْوِيعٌ فِي الْعِبَارَةِ، وَالْمُرَادُ

أَيْ أَلَا يَعْلَمُ اللَّهُ مَنْ خَلَقَ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عِبَادَهُ دُونَ أَفْعَالِهِمْ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ، وَاللَّطِيفُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ بِمَعْنَى الْعَلِيمِ بِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَغَوَامِضِهَا وَمُشْكِلَاتِهَا، وَبِمَعْنَى الرَّحِيمِ وَبِمَعْنَى فَاعِلِ اللُّطْفِ. وَقَوْلُهُ: (وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ فَيَخْذُلُهُ بِعَدْلِهِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَيُوَفِّقُهُ بِفَضْلِهِ) دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ إلَخْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالضَّلَالُ وَالْخِذْلَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ضِدُّ ذَلِكَ، وَالْعَدْلُ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ وَالْفَضْلُ إعْطَاءُ عَطِيَّةٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: يَضِلُّ إلَخْ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٌ إذْ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ الْمَخْلُوقُ [قَوْلُهُ: وَالْخَلْقُ عَامٌّ] أَيْ وَكَذَا الْمَخْلُوقُ عَامٌّ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ لَا يَعْقِلُ] أَيْ كَأَفْعَالِنَا الِاخْتِيَارِيَّةِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الذَّوَاتَ وَصِفَاتِهَا مِنْ بَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَقُدْرَةٍ وَإِرَادَةٍ وَغَيْرِهَا، وَالْأَفْعَالَ الِاضْطِرَارِيَّةَ مَخْلُوقَةٌ لِلْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ بِاتِّفَاقٍ، وَالْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُعْتَزِلَةُ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلْعَبْدِ. [قَوْلُهُ: مَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ] أَيْ فَيَكُونُ الْفَاعِلُ مَحْذُوفًا وَاعْتُرِضَ تت هَذَا الْإِعْرَابُ بِقَوْلِهِ: وَفِي هَذَا الْإِعْرَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِمَا لَا لِمَنْ إذْ قَبْلَهُ، وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ فَهِيَ عَلَى هَذَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَا تُكِنُّهُ الصُّدُورُ فَالْوَاجِبُ مَا اهـ. وَمَقْصُودُهُمَا كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ دُونَ أَفْعَالِهِمْ الَّذِي هُوَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ، أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ فِعْلَ عَبْدِهِ، وَخَلْقُ الْجَمَادِ شَيْءٌ آخَرُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمَوْلَى لَا يَخْلُقُ إلَّا مَنْ يَعْقِلُ فَقَطْ، وَأَمَّا الْجَمَادَاتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَا يَقُولُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهَا مَعَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَا، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا نَسَبَهُ لِلْمُعْتَزِلَةِ مَنْ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَعْلَمُ أَفْعَالَ الْعِبَادِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُعْتَزِلَةِ الْأُولَى الَّذِينَ يُنْكِرُونَ تَعَلُّقَ عِلْمِ الْبَارِي بِالْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَدْ انْقَرَضَ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْآنَ كَمَا قَالَ بَعْضٌ فَهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةَ مَقْدُورَةٌ وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِإِزَاءِ مَعَانٍ] أَيْ فِي مُقَابَلَةِ مَعَانٍ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْعَلِيمِ] فَهُوَ بِمَعْنَى الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتِ الذَّاتِ. [قَوْلُهُ: وَغَوَامِضُهَا] عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَقَوْلُهُ وَمُشْكِلَاتُهَا مُرَادِفٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخَفَاءَ وَالْغُمُوضَ وَالْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لَنَا وَإِلَّا فَالْكُلُّ عِنْدَ اللَّهِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى الرَّحِيمِ] إنْ فُسِّرَ بِالْمُنْعِمِ بِدَقَائِق النِّعَمِ كَانَ دَالًّا عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِمُرِيدِ الْإِنْعَامِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى صِفَةِ ذَاتٍ. [قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى فَاعِلِ اللُّطْفِ] أَيْ فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ عَلَى هَذَا. [قَوْلُهُ: اللُّطْفُ] أَيْ الْإِحْسَانُ، وَهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْإِحْسَانِ مَا يُنْعِمُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إذْ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْطَاءُ لَا نَفْسُ الْإِعْطَاءِ الَّذِي هُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ لَهُ. [قَوْلُهُ: يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ] أَيْ مَنْ يَشَاءُ ضَلَالَهُ. وَقَوْلُهُ: فَيَخْذُلُهُ مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ: يُضِلُّ، فَأَتَى بِهِ تَثْبِيتًا وَتَقْرِيرًا لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَتَى بِالثَّانِي عَلَى وَفْقِهِ لِيَتَنَاسَقَ الْكَلَامُ، وَغَايَرَ فِي التَّعْبِيرِ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِالتَّكْرَارِ اللَّفْظِيِّ. [قَوْلُهُ: دَلِيلًا إلَخْ] لَا مَعْنَى لِتِلْكَ الدَّلَالَةِ إذْ هَذِهِ كُلُّهَا جُمَلٌ أَتَى بِهَا الْمُصَنِّفُ مُجَرَّدَةً عَنْ الْأَدِلَّةِ لِيُعْتَقَدَ مَدْلُولُهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْقَصْدَ أَنَّ ذَلِكَ لَمَّا جَاءَ الْقُرْآنُ بِهِ كَانَ دَلِيلًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْصُودًا لِلْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ] أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْعَرَضَ الْمُقَارِنَ لِلْفِعْلِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّهَا خَلْقُ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَا بِهِ الْوِفَاقُ وَهُوَ بِخَلْقِ الطَّاعَةِ لَا بِالْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَارِنَةً فَإِنْ قُلْت: أَلْ فِي الطَّاعَةِ لِلْجِنْسِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ قُلْت: لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ خَلْقُ الْقُدْرَةَ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ بِحَيْثُ لَا تَقَعُ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ أَصْلًا فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّقَانِيُّ: فَالْمُوَفَّقُ لَا يَعْصِي أَيْ لَا يَقَعُ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ أَصْلًا. [قَوْلُهُ: ضِدُّ ذَلِكَ] وَهُوَ خَلْقُ

(فَكُلٌّ) بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (مُيَسَّرٌ) أَيْ مُسَهَّلٌ، وَالتَّنْوِينُ لِلْعِوَضِ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ، وَيُرْوَى فَكُلُّ مُيَسَّرٍ بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ (بِتَيْسِيرِهِ إلَى مَا) أَيْ الَّذِي (سَبَقَ مِنْ عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ) مِنْ بِمَعْنَى فِي مُتَعَلِّقٌ بِسَبَقِ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ (مِنْ شَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ) لِبَيَانِ السَّابِقِ مِنْ عِلْمٍ وَقَدَرٍ، وَالشَّقَاوَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَضَرَّةِ اللَّاحِقَةِ فِي الْعُقْبَى وَالسَّعَادَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْفَعَةِ اللَّاحِقَةِ فِي الْعُقْبَى، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِهِ فَكُلٌّ إلَخْ بِقَوْلِهِ: (تَعَالَى) أَيْ تَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ عَنْ (أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يُرِيدُ أَوْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى) لَوْ قَالَ لِشَيْءٍ بَدَلٌ لِأَحَدٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ، لَكِنَّهُ أَتَى بِلَفْظِ أَحَدٍ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15] ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ النَّاسِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ الْقَائِلِينَ إنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى إيجَادِ أَفْعَالِهِمْ قَبْلَ إيجَادِهَا، مُسْتَغْنُونَ عَنْ رَبِّهِمْ فِي حَالِ اخْتِرَاعِهِمْ لَهَا، وَهَذَا هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدْرَةِ عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ قَالَ: بَعْضٌ: الْخِذْلَانُ مُرَادِفٌ لِلْكُفْرِ فَالْعَاصِي عَلَى هَذَا لَا يُقَالُ: فِيهِ مَخْذُولٌ، وَفِي عِبَارَةٌ أَنَّ الضَّلَالَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْخِذْلَانُ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَالْفَاسِقُ عَلَى هَذَا مَخْذُولٌ وَيَكُونُ الْخِذْلَانُ أَعَمَّ. [قَوْلُهُ: تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مُلْكِهِ] أَيْ بِغَيْرِ الْإِحْسَانِ فَيَكُونُ مُبَايِنًا لِلْفَضْلِ، أَوْ بِالْإِحْسَانِ وَبِغَيْرِهِ فَيَكُونُ الْفَضْلُ أَخَصَّ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُسَهَّلٌ] أَيْ مُهَيَّأٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ كُلُّ شَيْءٍ إلَخْ] لَوْ قَالَ: أَيْ كُلُّ مُكَلَّفٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِعُمُومِ الشَّيْءِ مَعَ أَنَّ التَّيْسِيرَ لِمَا ذُكِرَ خَاصٌّ بِالْمُكَلَّفِ. [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى إلَخْ] وَالتَّقْدِيرُ فَكُلُّ شَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ مُيَسَّرًا مُلْتَبِسٌ بِتَيْسِيرِهِ إلَى الَّذِي سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ مِنْ أَسْبَابِ شَقَاوَةِ شَقِيٍّ وَأَسْبَابِ سَعَادَةِ سَعِيدٍ، وَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَحَاصِلُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: إلَى مَا تَنَازَعَ فِيهِ مُيَسَّرٌ وَتَيْسِيرٌ، وَأُعْمِلَ الثَّانِي قُرِئَ بِالتَّنْوِينِ أَوْ بِالْإِضَافَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَدَرِهِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِرَادَةُ إذْ لَهَا تَعَلُّقٌ تَنْجِيزِيٌّ قَدِيمٌ [قَوْلُهُ: عَنْ الْمَضَرَّةِ إلَخْ] هِيَ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُلُودُ فِي النَّارِ وَتَوَابِعُهُ [قَوْلُهُ: اللَّاحِقَةِ فِي الْعُقْبَى] أَيْ مُنْتَهَى أَمْرِهِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْمَنْفَعَةِ إلَخْ] وَهِيَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَتَوَابِعُهُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ مَذْهَبُ الْأَشْعَرِيِّ، وَذَهَبَ الْمَاتُرِيدِيُّ إلَى أَنَّ السَّعِيدَ هُوَ الْمُسْلِمُ وَالشَّقِيُّ هُوَ الْكَافِرُ، فَعَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَنْتَقِلُ السَّعِيدُ عَمَّا ثَبَتَ لَهُ وَكَذَلِكَ الشَّقِيُّ، وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَاتُرِيدِيُّ يُتَصَوَّرُ أَنَّ السَّعِيدَ قَدْ يَشْقَى بِأَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَالشَّقِيُّ قَدْ يَسْعَدُ بِأَنْ يُؤْمِنَ بَعْدَ الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَدَلَّ إلَخْ] إلَّا أَنَّ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ أَعْنِي قَوْلَهُ: أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَنْهُ غِنًى اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِتَيْسِيرِهِ، فَفِي الْعِبَارَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا جُمَلٌ الْقَصْدُ مِنْهَا الِاعْتِقَادُ فَلَا اسْتِدْلَالَ. وَقَوْلُهُ: مَا لَا يُرِيدُ لَوْ تَمَّ الْكَلَامُ لَقَالَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ فِي مُلْكِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ وَمَا لَا يُرِيدُهُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْقَدَرِ الْإِرَادَةَ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ: سَبَقَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُرِدْهُ بِلَمْ الْجَازِمَةِ [قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ] ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ بَقِيَّةَ الْحَيَوَانَاتِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ] أَيْ هَذَا الطَّرَفُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ إلَخْ فَيُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُرِيدُ الشَّرَّ وَالْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ وَقَعَتْ أَمْ لَا وَيُرِيدُ الطَّاعَةَ وَالْخَيْرَ وَقَعَ أَمْ لَا، وَأَنَّ الْإِرَادَةَ تُوَافِقُ الْأَمْرَ فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ يُرِيدُهُ وَعِنْدَنَا يَنْفَكَّانِ فَقَدْ يُرِيدُ وَيَأْمُرُ كَإِيمَانِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَدْ لَا يُرِيدُ وَلَا يَأْمُرُ كَكُفْرِهِ، وَقَدْ يُرِيدُ وَلَا يَأْمُرُ كَكُفْرِ أَبِي جَهْلٍ، وَقَدْ يَأْمُرُ وَلَا يُرِيدُ كَإِيمَانِهِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمْ] أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبِدْعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُمْ قَادِرُونَ إلَخْ] أَيْ فَعِنْدَهُمْ الْقُدْرَةُ سَابِقَةٌ عَلَى الْفِعْلِ، إلَّا أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلْمَوْلَى جَلَّ وَعَزَّ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْفِعْلِ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ، وَصِحَّةُ التَّكْلِيفِ تَعْتَمِدُ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ لَا عَلَى الْقُدْرَةِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ، فَلَا يُقَالُ: إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ لَا سَابِقَةً

الضَّلَالُ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: (أَوْ يَكُونُ خَالِقٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَامَّةً (لِشَيْءٍ إلَّا هُوَ) رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102] وَفِيهِ عُمُومٌ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، إذْ يَخْرُجُ مِنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ وَأَسْمَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (رَبُّ الْعِبَادِ) أَيْ خَالِقُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ (وَرَبُّ أَعْمَالِهِمْ وَالْمُقَدِّرُ لِحَرَكَاتِهِمْ) وَسَكَنَاتِهِمْ (وَآجَالِهِمْ) جَمْعُ أَجَلٍ وَهُوَ مُدَّةُ الشَّيْءِ وَوَقْتُهُ، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْقَاتِلَ قَدْ قَطَعَ عَلَى الْمَقْتُولِ أَجَلَهُ وَمَا قَالُوهُ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ} [نوح: 4] {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَجِبُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ مِنْ إيجَادِ الْخَلْقِ بَعْدَ عَدَمِهِمْ وَعَدَمِهِمْ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ يَلْزَمُ تَكْلِيفُ الْعَاجِزِ، وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ مَنُوطٌ بِسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَجَائِزٌ أَنْ تَحْصُلَ قَبْلَ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: مُسْتَغْنَوْنَ عَنْ رَبِّهِمْ فِي حَالِ اخْتِرَاعِهِمْ] يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُدْرَةَ إذَا كَانَتْ سَابِقَةً عَلَى الْفِعْلِ فَالِاسْتِغْنَاءُ حَاصِلٌ وَلَوْ قَبْلَ الِاخْتِرَاعِ، فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاسْتِغْنَاءِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا مُطْلَقًا لِمَا قُلْنَا أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. [قَوْلُهُ: إلَّا هُوَ] بَدَلٌ مِنْ خَالِقٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ الْخَلْقِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا] أَيْ كَمَا حَصَلَ الرَّدُّ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَكُونُ إلَخْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ وَزِيَادَةُ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ تَثْبِيتًا لِلْمُبْتَدِئِ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ عُمُومٌ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَيْءٍ، مُشَاءٌ أَيْ مُرَادٌ، فَتَخْرُجُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُمْكِنِ [قَوْلُهُ: وَأَسْمَاؤُهُ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ خَالِقُهُمْ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْخَالِقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْقَائِمُ بِالْأُمُورِ وَالْمُصْلِحُ لَهَا إذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَيْ خَالِقُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ إشَارَةً لِمَعْنَيَيْنِ مِنْ مَعَانِي الرَّبِّ. [قَوْلُهُ: وَرَبُّ أَعْمَالِهِمْ] أَيْ خَالِقُهَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَالْمُقَدِّرُ لِحَرَكَاتِهِمْ] أَيْ الْمُحَدِّدُ وَالْمُعَيِّنُ كَمَا قَالَ تت، وَالْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ أَزَلًا بِحَرَكَاتِهِمْ جَمْعُ حَرَكَةٍ وَعُرِفَتْ بِأَنَّهَا كَوْنَانِ فِي آنَيْنِ فِي مَكَانَيْنِ، وَالسُّكُونُ كَوْنَانِ فِي آنَيْنِ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَالْآنَيْنِ تَثْنِيَةُ آنٍ وَهُوَ طَرَفُ الزَّمَانِ وَقِيلَ أَيْضًا فِي تَعْرِيفِهِمَا الْحَرَكَةُ حُصُولُ أَوَّلٍ فِي حَيِّزٍ ثَانٍ وَالسُّكُونُ حُصُولُ ثَانٍ فِي حَيِّزٍ أَوَّلٍ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنٌ وَاحِدٌ عَلَى هَذَا وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ كَوْنٍ آخَرَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَسَكَنَاتِهِمْ] زَادَهَا الشَّارِحُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ إمَّا؛ لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْوُجُودِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إنَّمَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَى الْحَرَكَاتِ غَالِبًا. [قَوْلُهُ: وَوَقْتِهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: قَدْ قَطَعَ إلَخْ] يُطْلَقُ الْأَجْلُ وَيُرَادُ بِهِ مُدَّةُ الْعُمْرِ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لِلْمَوْتِ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَالْأَجَلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَالْأَجَلُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ قَطَعَ عَلَى الْمَقْتُولِ أَجَلَهُ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ لَا الثَّانِي فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِأَجَلِهِ] أَيْ فِي أَجَلِهِ، أَرَادَ بِالْأَجَلِ هُنَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ لَاحْتُمِلَ أَنْ يَحْيَا وَأَنْ يَمُوتَ فَلَا قَطْعَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ غَيْبٌ عَلَيْنَا هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] عَطْفٌ عَلَى، إذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ أَيْ أَخْبَرَ بِأَمْرَيْنِ هُمَا: إذَا جَاءَ الْأَجَلُ لَا يُؤَخَّرُ وَأَنَّكُمْ لَا تَتَقَدَّمُونَ عَلَى الْأَجَلِ بِحَيْثُ تَمُوتُونَ قَبْلَهُ فَلَا يَرِدُ مَا يُقَال إذَا جَاءَ الْأَجَلُ كَيْفَ يُعْقَلُ تَقَدُّمٌ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْوُرُودِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ وَالْوُرُودُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَا يَسْتَأْخِرُونَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ إلَخْ] لَمَّا كَانَ الْجَائِزُ شِبْهُ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْجُزْءَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ إلَخْ] حَالٌ مِنْ مَا أَوْ فَاعِلٌ يَجُوزُ، وَأَتَى بِقَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الْجَائِزَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ لَا مِنْ بَابِ الْعَدْلِ إذْ مِنْ أَفْرَادِ الْجَائِزِ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْعَدْلِ أَيْضًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ سَيَقُولُ: وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا إلَخْ.

وُجُودِهِمْ وَبَعْثَةُ الرُّسُلِ وَبَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (الْبَاعِثُ الرُّسُلِ) أَيْ وَمِنْ الْجَائِزِ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ بَعْثَةُ الرُّسُلِ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعِبَادِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ بَعْضِ الْعِبَادِ وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ مِنْهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ) إذْ الْمَقَامُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ التَّكْلِيفِ وَهِيَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ، فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى مَا قَالَ (ع) قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَتَمَ الرِّسَالَةَ) وَهِيَ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِطَابِ التَّبْلِيغِ (وَالنِّذَارَةِ) بِكَسْرِ النُّونِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ التَّحْذِيرُ مِنْ السُّوءِ، (وَالنُّبُوَّةَ) مِنْ النَّبَأِ وَهُوَ الْخَبَرُ أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ وَهِيَ الرِّفْعَةُ (بِمُحَمَّدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ الْجَائِزِ وَلَيْسَ مِنْ بَاب الْفَضْلِ بَلْ مِنْ بَابِ الْعَدْلِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْإِحْسَانِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَعَدَمِهِمْ بَعْدَ وُجُودِهِمْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَإِعْدَامِهِمْ بَعْدَ وُجُودِهِمْ، أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى حَيَاةٍ دَائِمَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّكَلُّمَ عَلَى الْإِيجَادِ بَعْدَ الْعَدَمِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ، إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ أَنْ يَنْظُرَ بِهِ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ فِي قَوْلِهِ كَمَا بَدَأَهُمْ يَعُودُونَ، وَأَنَّ الْإِعْدَامَ بَعْدَ الْوُجُودِ إنَّمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: يَمُوتُ [قَوْلُهُ: وَالْإِيمَانُ بِهِ] أَيْ الْإِذْعَانُ، وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُغَايِرٌ. [قَوْلُهُ: وَبَعْثَةُ الرُّسُلِ] الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ آدَمَ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ] أَيْ مِنْ الْإِنْسِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ رَسُولٍ، وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ بِالنِّسْبَةِ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُرْسَلْ لِلْجِنِّ غَيْرُهُ وَتَسَلُّطُ السَّيِّدِ سُلَيْمَانَ إنَّمَا هُوَ تَسَلُّطُ مُلْكٍ لَا رِسَالَةٍ. [قَوْلُهُ: لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ] بَيَانٌ لِفَائِدَةِ الْبَعْثَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ لَمْ يُرْسِلْ لَهُمْ رَسُولًا لَقَالُوا: هَلْ أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا فَلَا حُجَّةَ تُقَامُ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَرْسَلَ لَهُمْ الرَّسُولَ ثَبَتَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: فَالصَّبِيُّ] أَيْ مَنْ مَاتَ صَبِيًّا [قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ] أَيْ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمَاتَ عَلَى جُنُونِهِ، وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَمَاتَ عَلَيْهِ فَالْعِبْرَةُ بِالْحَالَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُؤَاخِذٍ] أَيْ مُرْسَلٌ لَهُ الرُّسُلَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَيَلْزَمُ مَنْ نَفْيِ الرِّسَالَةَ نَفْيُ الْأَخْذِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّبِيَّ مُكَلَّفٌ بِالْمَنْدُوبِ، فَيَكُونُ الرَّسُولُ مُرْسَلًا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِهِ [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ وَفِي حُكْمِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذْ الرَّسُولُ فِي حَقِّهِمَا كَالْعَدَمِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا لَمْ يُبْعَثْ لَهُمَا رَسُولٌ فَالْآيَةُ دَلِيلٌ لِلثَّلَاثَةِ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْفَتْرَةِ لَا يُعَذَّبُونَ وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ] إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ ذَكَرَ أَنَّهُ تَتِمَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ جَاءَ بِهِ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَذَلِكَ الْوَاجِبُ وَاجِبُ أُصُولٍ فَمَنْ كَذَّبَ بِهِ أَوْ شَكَّ فَهُوَ كَافِرٌ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَاهِلِ وَيَظْهَرُ عَدَمُ كُفْرِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ [قَوْلُهُ: اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ إلَخْ] أَيْ كَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ الْخِطَابِ الَّذِي صَارَ رَسُولًا بِهِ. وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ تَفْسِيرَ الرِّسَالَةِ بِذَلِكَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَتَفْسِيرُهَا الْحَقِيقِيُّ كَوْنُهُ مُوحًى إلَيْهِ بِشَرْعٍ وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ. [قَوْلُهُ: بِخِطَابِ التَّبْلِيغِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بَاقِيًا عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ بِتَوْجِيهِ الْكَلَامِ إلَيْهِ لِأَجْلِ التَّبْلِيغِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ أَيْ اخْتِصَاصُهُ بِكَلَامِ مُخَاطَبٍ بِهِ دَالٌّ عَلَى أَحْكَامٍ لِأَجْلِ تَبْلِيغِهَا [قَوْلُهُ: مِنْ السُّوءِ] أَيْ عَذَابِ اللَّهِ [قَوْلُهُ: مِنْ النَّبَأِ] أَيْ قَالُوا: وَفِي نُبُوَّةٍ أَصْلُهَا الْهَمْزُ أَوْ تُقْرَأُ بِالْهَمْزِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَبَرُ] أَيْ فَالنَّبِيُّ مُخْبَرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ عَنْ اللَّهِ، وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ بِنُبُوَّتِهِ لِيُحْتَرَمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ النُّبُوَّةِ] وَعَلَيْهِ فَيَقْرَأُ نُبُوَّةٌ بِالْوَاوِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الرِّفْعَةُ] أَيْ فَهُوَ أَيْ النَّبِيُّ مُرْتَفِعٌ أَوْ مَرْفُوعٌ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ هَذَيْنِ إنَّمَا هُوَ نَبِيٌّ وَالظَّاهِرُ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ أَيْضًا، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّهُ اُعْتُرِضَ عَلَى تَفْسِيرِ النُّبُوَّةِ بِالرِّفْعَةِ بِأَنَّهَا الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ لَا الرِّفْعَةُ وَقَدَّمَ الرِّسَالَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَ النِّذَارَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ لَوَازِمِ الرِّسَالَةِ. [قَوْلُهُ: بِمُحَمَّدٍ] أَيْ بِرِسَالَةِ وَنِذَارَةِ

نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَلَمَّا كَانَتْ رِسَالَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَانِعَةً مِنْ ظُهُورِ نُبُوَّةٍ وَرِسَالَةٍ بَعْدَهُ شُبِّهَتْ بِالْخَتْمِ الْمَانِعِ مِنْ ظُهُورِ مَا خُتِمَ عَلَيْهِ، فَكَانَ خِتَامَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ فَسَّرَ خَتْمَ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ (فَجَعَلَهُ) أَيْ صَيَّرَ اللَّهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (آخِرَ الْمُرْسَلِينَ بَشِيرًا) مِنْ الْبِشَارَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا إذَا أُطْلِقَتْ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْخَيْرِ، فَإِذَا قُيِّدَتْ جَازَ أَنْ تَكُونَ بِالشَّرِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] (وَ) جَعَلَهُ (نَذِيرًا) مِنْ النِّذَارَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَهِيَ لِلْعَاصِينَ، وَالْبِشَارَةُ لِلطَّائِعِينَ (وَدَاعِيًّا) مِنْ الدَّعْوَةِ وَهِيَ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ وَالدُّعَاءُ (إلَى اللَّهِ) تَعَالَى بِتَبْلِيغِ التَّوْحِيدِ وَمُكَافَحَةِ الْكَفَرَةِ، (بِإِذْنِهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ أَيْ إلَى أَمْرِهِ (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَتْ رِسَالَةُ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلَمَّا كَانَتْ رِسَالَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنِذَارَتُهُ وَنُبُوَّتُهُ مَانِعَةً مِنْ ظُهُورِ رِسَالَةٍ وَنِذَارَةٍ وَنُبُوَّةٍ بَعْدَهُ شُبِّهَتْ بِالْخَتْمِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ وَإِثْبَاتِ خَتْمِ تَخْيِيلٍ، أَيْ وَشُبِّهَتْ الرِّسَالَاتُ وَالنِّذَارَاتُ وَالنُّبُوَّاتُ بِشَيْءٍ نَفِيسٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ خَتْمَ قَرِينَةُ الِاسْتِعَارَتَيْنِ الْمَكْنِيَّتَيْنِ. وَقَوْلُهُ: بِالْخَتْمِ الْأَوْلَى الْخَاتَمُ الَّذِي هُوَ الْآلَةُ؛ لِأَنَّهُ الْمُشَبَّهُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تُعُورِفَ الْخَتْمُ فِي الْخَاتَمِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ ظُهُورٍ] أَيْ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ تِلْكَ الْآلَةِ. [قَوْلُهُ: خِتَامَهُمْ] أَيْ تَمَامَهُمْ أَيْ مُتَمِّمَهُمْ رِسَالَةً وَنِذَارَةً وَنُبُوَّةً أَيْ فَلَزِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُصْطَفَى مُتَمِّمُهُمْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ فُسِّرَ خَتْمُ الرِّسَالَةِ] أَيْ جِنْسُ الرِّسَالَةِ أَيْ الْجِنْسُ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ، فَالْمَخْتُومُ جَمْعُ الرِّسَالَاتِ لَا رِسَالَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالنِّذَارَةُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: آخِرَ الْمُرْسَلِينَ] مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: فَجَعَلَهُ آخِرَ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَالنَّبِيِّينَ رَسُولًا وَمُنْذِرًا وَنَبِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَاحَظَ بِقَوْلِهِ بَشِيرًا إلَخْ. الْإِشَارَةُ إلَى الْآيَةِ [قَوْلُهُ: بَشِيرًا] أَيْ مُخْبِرًا لِلطَّائِعِينَ بِالْخَيْرِ مِنْ الْبِشَارَةِ، وَهِيَ الْخَبَرُ السَّارُّ، وَسُمِّيَ بِالْبِشَارَةِ؛ لِأَنَّ بَشَرَةَ الْإِنْسَانِ أَيْ جِلْدَهُ تَحْسُنُ عِنْدَهُ [قَوْلُهُ: إذَا أُطْلِقَتْ] أَيْ هَذِهِ الْمَادَّةُ وَلَوْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبَشِّرْهُمْ} [آل عمران: 21] [قَوْلُهُ: جَازَ أَنْ تَكُونَ بِالشَّرِّ] وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ مُطْلَقُ التَّأَثُّرِ؛ لِأَنَّ الْمُبَشَّرَ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ وَالْمُنْذَرُ يَصْفَرُّ وَجْهُهُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ نَذِيرًا] لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرٍ جَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَشِيرًا الْوَاقِعُ حَالًا إلَّا أَنْ يُقَالَ قَصَدَ حَلَّ الْمَعْنَى وَجَانِبَهُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ لِلْعَاصِينَ] تَقَدَّمَ أَنَّ النِّذَارَةَ هِيَ التَّحْذِيرُ مِنْ السُّوءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَمَا يَكُونُ لِلْمُتَلَبِّسِ بِالسُّوءِ يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ فَهُوَ لِلْعَاصِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ هِيَ لِلْعَاصِينَ بِالْقَصْدِ الْأَوْلَى، وَقَوْلُهُ: وَالْبِشَارَةُ لِلطَّائِعِينَ. يُقَالُ أَيْضًا: إنَّ الْبِشَارَةَ الْخَبَرُ السَّارُّ، وَكَمَا تَكُونُ لِلْمُتَلَبِّسِ بِالطَّاعَةِ تُقَالُ لِغَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ فِعْلِهِ وَيُجَابُ بِمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ لِجَمِيعِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الدَّعْوَةَ الَّتِي اُشْتُقَّ مِنْهَا دَاعِيًا لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ لَيْسَ مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِهِ التَّعَلُّقُ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، نَعَمْ ذَلِكَ الْمُشْتَقُّ الَّذِي هُوَ وَصْفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَدَاعِيًا جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ. [قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ] لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ إلَى اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ دَاعِيًا إلَى اللَّهِ أَيْ إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَمَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ أَيْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَالِبٌ مِنْهُمْ الْإِقْبَالَ إلَيْهِ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ قَصَدَ حَلَّ الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: بِتَبْلِيغِ التَّوْحِيدِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ تَبْلِيغِ التَّوْحِيدِ أَيْ الْأَحْكَامِ الِاعْتِقَادِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَمُكَافَحَةِ الْكَفَرَةِ] أَيْ رَدِّهِمْ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا هُوَ دَاعِي الْخَلْقِ إلَى التَّوْحِيدِ فَهُوَ دَاعِيهِمْ إلَى الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُزِيدُهَا الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ أَيْ بِأَمْرِهِ] أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ وَاجِبَةٌ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْأَمْرِ بِهَا لَا الْإِذْنِ الْمُتَبَادَرِ

قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46] الْمَعْنَى ذَا سِرَاجٍ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِلنُّورِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ شَرْعُهُ، فَإِنَّ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ يَخْرُجُ بِنُورِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ، وَشُبِّهَ بِالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ دُونَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ؛ لِأَنَّ نُورَهُمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نُورٌ، وَإِنْ أُخِذَ فَنَادِرٌ بِتَكَلُّفٍ، وَنُورُ السِّرَاجِ يُوقَدُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ أَسْرِجَةٍ وَمِنْ غَيْرِ نَقْصٍ مِنْهُ، وَإِذَا ذَهَبَ نُورُ الْأَصْلِ بَقِيَ نُورُ فَرْعِهِ وَنُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْأَنْوَارُ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَنْزَلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كِتَابَهُ الْحَكِيمَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ الْإِبَاحَةُ [قَوْلُهُ: الْمَعْنَى ذَا سِرَاجٍ] وَيَجُوزُ إبْقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مُبَالَغَةً. [قَوْلُهُ: وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ] أَيْ السِّرَاجُ. [قَوْلُهُ: لِلنُّورِ] أَيْ لِذِي النُّورِ أَيْ الْأَحْكَامِ الِاعْتِقَادِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: يُخْرِجُهُ بِنُورِهِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ وَاحْتَجْنَا لِهَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ السِّرَاجُ وَهُوَ ذُو نُورٍ فَيَكُونُ الْمُشَبَّهُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ شَرْعُهُ] أَرَادَ بِهِ الْأَحْكَامَ مُطْلَقًا اعْتِقَادِيَّةً أَوْ فَرْعِيَّةً، فَيَكُونُ مِنْ تَضَمُّنِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ أَوْ أَرَادَ بِهِ الْأَدِلَّةَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السِّرَاجَ الْقُرْآنُ. وَالتَّقْدِيرُ: ذَا سِرَاجٍ أَوْ تَالِيًا سِرَاجًا، وَوُصِفَ بِالْإِنَارَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ السِّرَاجِ مَا لَا يُضِيءُ إذَا دَقَّتْ فَتِيلَتُهُ أَوْ قَلَّ سَلِيطُهُ [قَوْلُهُ: يُخْرِجُ بِنُورِهِ] أَرَادَ بِهِ ذَا النُّورِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْمُشَبَّهَةُ بِالسِّرَاجِ، وَالضَّمِيرُ فِي بِنُورِهِ يَجُوزُ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ أَوْ مِنْ، وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ فَكَمَا يَخْرُجُ أَيْ يُتَخَلَّصُ مِنْ الظُّلْمَةِ الْحِسِّيَّةِ بِالسِّرَاجِ كَذَلِكَ يُتَخَلَّصُ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ فِيمَا هُوَ شَبِيهٌ بِالسِّرَاجِ، أَعْنِي الْأَحْكَامَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إمَّا مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ أَوْ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ بِأَنْ يَتَجَوَّزَ فِي الظُّلْمَةِ بِاسْتِعَارَتِهَا إلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ ثُمَّ يُبَيَّنُ بِالْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: وَشُبِّهَ] أَيْ ذُو النُّورِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أُخِذَ] أَيْ مِنْ نُورِهِمَا نُورٌ فَنَادِرٌ مَعَ تَكَلُّفٍ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ] هَذَا هُوَ الْفَارِقُ فَإِنْ قُلْت: هَذَا الَّذِي يُمَيَّزُ بِهِ السِّرَاجُ عَنْ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرُ مَوْجُودٌ فِي الشَّمْعِ وَالشَّمْعُ أَقْوَى نُورًا مِنْ السِّرَاجِ فَهُوَ أَوْلَى بِالذِّكْرِ مِنْ السِّرَاجِ، قُلْت: الشَّمْعُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، فَفِي ذِكْرِهِ كَسْرُ خَاطِرِ الْعَاجِزِ عَنْهُ [قَوْلُهُ: أَسْرِجَةٍ] جَمْعُ الْقِلَّةِ لَيْسَ مُرَادًا مِنْهُ الْقِلَّةُ بَلْ الْكَثْرَةُ أَيْ نُورُ السِّرَاجِ يُؤْخَذُ مِنْهُ نُورُ أَسْرِجَةٍ وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ مِنْهُ هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا ذَهَبَ نُورُ الْأَصْلِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ وَصَفَ نُورَ السِّرَاجِ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ، فَيَكُونُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ فَرْعًا فَتُجْعَلُ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيُّ نُورٍ هُوَ الْأَصْلُ وَنُورٌ هُوَ فَرْعُهُ. [قَوْلُهُ: وَنُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] أَيْ وَنُورُ أَحْكَامِهِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَفَدْت أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ الْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّةُ الْمَوْصُوفَةُ بِأَنَّ لَهَا نُورًا؛ لِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالسِّرَاجِ الَّذِي لَهُ نُورٌ، فَمَا الْمَأْخُوذُ مِنْ نُورِهَا؟ قُلْت: ذَلِكَ الْمَأْخُوذُ مَعَارِفُ وَعُلُومٌ فَتِلْكَ الْأَحْكَامُ حِينَ تَتَمَكَّنُ فِي قَلْبِ مَنْ تَتَمَكَّنُ بِهِ يَثْبُتُ لَهَا إشْرَاقٌ قَلْبِيٌّ يَنْشَأُ مِنْهُ مَعَارِفُ وَعُلُومٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَذْهَبُ بِذَهَابِهِ] أَيْ وَلَا يَذْهَبُ ذَلِكَ النُّورُ بِذَهَابِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ أَحْكَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ نُورِ السِّرَاجِ؛ لِأَنَّ نُورَ السِّرَاجِ لَا يَبْقَى فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ حِينَئِذٍ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقُوَّةَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ تَكْفِي وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالْقُوَّةُ فِي السِّرَاجِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ حِسِّيٌّ، وَالْمَحْسُوسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَحْسُوسٌ أَعْلَى مِنْ الْمَعْقُولِ. [قَوْلُهُ: أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ كِتَابَهُ الْحَكِيمَ] الْمُرَادُ بِهِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّنَا لِلْإِعْجَازِ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ، وَصِفَةُ إنْزَالِهِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ لَفْظًا فَأَسْمَعَهُ لِجِبْرِيلَ فَحَفِظَهُ جِبْرِيلُ، وَنَقَلَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تَلَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفِظَهُ وَوَعَاهُ، وَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ نَقَلَ ذَلِكَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَنَزَلَ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلَقَّنَتْهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَقَّنْتُهُ لِجِبْرِيلَ فِي عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَلَقَّنَهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِاللَّفْظِ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ نَزَلَ بِالْمَعْنَى فَقِيلَ: إنَّ جِبْرِيلَ عَبَّرَ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقِيلَ:

بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ أَيْ الَّذِي أُحْكِمَتْ فِيهِ عُلُومُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، أَوْ لِأَنَّهُ أُحْكِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] (وَشَرَحَ) بِمَعْنَى فَتَّحَ وَوَسَّعَ (بِهِ) أَيْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (دِينَهُ) أَيْ دِينَ الْإِسْلَامِ (الْقَوِيمَ) أَيْ الْمُسْتَقِيمَ (وَهَدَى بِهِ) أَيْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (الصِّرَاطَ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا دِينُ الْإِسْلَامِ (الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ السَّاعَةَ) وَهِيَ الْقِيَامَةُ أَيْ انْقِرَاضُ الدُّنْيَا (آتِيَةٌ) أَيْ جَائِيَةٌ (لَا رَيْبَ) أَيْ لَا شَكَّ (فِيهَا) فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: 11] وَلَا يَعْلَمُ وَقْتَ مَجِيئِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا أُلْقِيَ الْمَعْنَى عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبَّرَ عَنْهُ أَفَادَ ذَلِكَ عج. [قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي أُحْكِمَتْ فِيهِ] أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمُحْكَمَ، أَصْلُهُ الْمُحْكَمُ فِيهِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ. [قَوْلُهُ: عُلُومُ الْأَوَّلِينَ] أَيْ مَا قَبْلَ نَبِيِّنَا وَالْآخِرِينَ هُمْ أُمَّةُ نَبِيِّنَا أَيْ جُمِعَتْ فِيهِ تِلْكَ الْعُلُومُ يُدْرِكُهَا مِنْهُ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِأَنَّهُ أُحْكِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ] أَيْ أُتْقِنَ عَلَى وَجْهٍ [قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ فِيهِ] أَيْ الْقُرْآنِ، هَذَا تَفْرِيعٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى عَلَى مَا قَبْلَهُ، أَيْ أُتْقِنَ عَلَى وَجْهٍ عَظِيمٍ فَصَارَ لَا يَقَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَصْلًا أَيْ تَنَاقُضٌ مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَزَّ وَجَلَّ {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ} [النساء: 82] إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَضْلًا عَنْ الْقَلِيلِ لَكِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ أَصْلًا لَا كَثِيرًا وَلَا قَلِيلًا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَتَّحَ وَوَسَّعَ] هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَالْقَصْدُ مِنْهُ لَازِمُ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْإِظْهَارُ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ، وَالْمَعْنَى وَأَظْهَرَ وَبَيَّنَ دِينَ الْإِسْلَامِ أَيْ الْأَحْكَامَ اعْتِقَادِيَّةً وَفَرْعِيَّةً عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: أَيْ الْمُسْتَقِيمَ] أَيْ فَقَوْلُهُ الْقَوِيمَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ بِحَذْفِ الْكَافِ أَيْ الَّذِي هُوَ كَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَوْ اسْتِعَارَةٌ، وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الِاسْتِقَامَةُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّرِيقِ الْحِسِّيَّةِ وَمَعْنَى مُسْتَقِيمٍ أَنَّهُ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَهَدَى بِهِ] يُحْتَمَلُ وَبَيَّنَ بِهِ إلَخْ. فَيَكُونُ عَيْنُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَقَصْدُهُ التَّثْبِيتُ الْمُبْتَدِئُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَهَدَى النَّاسَ إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ أَيْ وَفَّقَهُمْ إلَيْهِ بِسَبَبِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الصِّرَاطُ مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا دِينُ الْإِسْلَامِ] أَيْ لَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ، فَشَبَّهَ دِينَ الْإِسْلَامِ بِالصِّرَاطِ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَقِيمَ وَصْفٌ لِلصِّرَاطِ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ فَلْيَكُنْ تَرْشِيحًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دِينُ الْإِسْلَامِ أَيْ هَذَا التَّرْكِيبُ الْإِضَافِيُّ صَارَ عَلَمًا عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: أَيْ انْقِرَاضُ الدُّنْيَا إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّ أَوَّلَ السَّاعَةِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ إلَى أَنْ تَسْتَقِرَّ النَّاسُ فِي الدَّارَيْنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لَا مِنْ الْأَوْلَى خِلَافًا لتت، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّهَا مِنْ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ فَتَعْلَمُ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا لَا أَنَّهَا نَفْسُ انْقِرَاضِ الدُّنْيَا وَالنَّفْخَةُ الْأُولَى لِلْإِمَاتَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلْإِحْيَاءِ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ: نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَنَفْخَةُ الْمَوْتِ وَنَفْخَةُ الْإِحْيَاءِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِيَةٌ] الْإِتْيَانُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْرَامِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهَا، فَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إلَيْهَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ: [قَوْلُهُ: أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا] أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَالْوَهْمَ. [قَوْلُهُ: فِي عِلْمِ اللَّهِ] أَيْ فِي مَوْصُوفِ عِلْمِ اللَّهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ الْعَلِيَّةُ، أَيْ أَنَّ الذَّاتَ الْعَلِيَّةَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا لَيْسُوا مَوْصُوفِينَ بِالشَّكِّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ شَكَّ فِيهَا كَثِيرٌ، وَخُلَاصَةُ الْجَوَابِ أَنَّ نَفْيَ الشَّكِّ بِحَسَبِ ذَاتِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَأُجِيبُ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّ الْمَعْنَى مَا حَقُّهَا أَنْ يُرْتَابَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ] أَيْ أَوْ تَرَدَّدَ، فَلَعَلَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِيمَنْ كَذَّبَ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْحَقِيقَةِ] أَيْ وَأَمَّا عَلَى الْإِجْمَالِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ الْأَمَارَاتِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ لَهَا أَشْرَاطٌ] أَيْ عَلَامَاتٌ

إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ لَهَا أَشْرَاطٌ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ: مِنْهَا كَثْرَةُ الْجَهْلِ وَقِلَّةُ الْعِلْمِ وَإِمَارَةُ الصِّبْيَانِ وَكَثْرَةُ الرِّبَا وَكَثْرَةُ الزِّنَا وَالْفِتَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبُلْدَانِ، قِيلَ: وَهُوَ أَوَّلُ الْأَشْرَاطِ، وَقِيلَ: عِنْدَهُ يُغْلَقُ بَابُ التَّوْبَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (يَبْعَثُ مَنْ يَمُوتُ) هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْدِمُ الذَّوَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ يُعِيدُهَا، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ: أَحَدُهَا قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ عِشْرُونَ ذَكَرَهَا فِي الْكَبِيرِ وَشَرْحِ الْعَقِيدَةِ الْمُسَمَّى بِالْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] وَمِنْهَا بَعْثَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَظُهُورُ أُمَّتِهِ وَتَأْمِينُ الْخَائِنِ وَخِيَانَةُ الْأَمِينِ وَالتَّطَاوُلُ فِي الْبُنْيَانِ وَزَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ. [قَوْلُهُ: وَقِلَّةُ الْعِلْمِ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ [قَوْلُهُ: وَإِمَارَةُ الصِّبْيَانِ] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ كَوْنُهُمْ أُمَرَاءَ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الْبَالِغِينَ الْقَرِيبِينَ مِنْ الصِّبَا بِأَنْ يُرَادَ بِهِمْ مَنْ شَأْنُهُمْ ضَعْفُ الْعَقْلِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَشْرَاطِ إلَخْ] ضَعِيفٌ فَلَيْسَ مِنْ الْكُبْرَى بَلْ هُوَ مِنْ الصُّغْرَى وَأَوَّلُهَا بَعْثَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ الْفِتَنَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْكُبْرَى وَلَا أَوَّلَ الصُّغْرَى مُؤْذِنَةٌ بِتَغَيُّرِ الْوَقْتِ وَعِظَمِ الْهَوْلِ وَفَقْدِ الرَّاحَةِ فَلَعَلَّهَا أَوْلَى بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ، وَأَشَارَ لِهَذَا الْقَوْلِ الْفَاكِهَانِيُّ بِزِيَادَةٍ فَنَذْكُرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ وَنَصُّهُ: وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَوَّلُهَا الْفِتَنُ فِي الْبُلْدَانِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعَدُوِّ ثُمَّ قَحْطٌ ثُمَّ الدَّجَّالُ ثُمَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجُ ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَكْثُرُ الشَّرُّ لِغَلَبَةِ الْأَشْرَارِ عَلَى الْأَخْيَارِ فَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ ثُمَّ الدُّخَانُ ثُمَّ رِيحٌ تُلْقِي أَكْثَرَ النَّاسِ فِي الْبَحْرِ كُرْهًا أَوْ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ فِيهِ، ثُمَّ نَارٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ مِنْ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إلَى الْمَحْشَرِ، رُوِيَ أَنَّ الدَّابَّةَ تَكُونُ فِي زَمَنِ عِيسَى وَأَنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ بَعْدَ عِيسَى أَرْبَعِينَ عَامًا وَقِيلَ: ثَمَانِينَ عَامًا ثُمَّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَوَّلُهَا طُلُوعُ الشَّمْسِ وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى فَأَيَّتُهُمَا سَبَقَتْ فَالْأُخْرَى فِي أَثَرِهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي الشَّكَّ فِي السَّابِقَةِ مِنْهُمَا اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا] اُخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَعَادَتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَعِنْدَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا تَغْرُبُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَوَرَدَ أَنَّ الْقَمَرَ حِينَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا يَطْلُعُ مِنْ الْمَغْرِبِ أَيْضًا قَالَ عج فِي حَاشِيَتِهِ: وَاخْتُلِفَ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ مِنْ الذَّنْبِ وَالْإِيمَانِ مِنْ الْكَافِرِ فَقِيلَ: لَا يُقْبَلَانِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: عَدَمُ قَبُولِهِمَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ شَاهَدَ الطُّلُوعَ وَهُوَ مُمَيِّزٌ، فَأَمَّا مَنْ يُولَدُ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ وَمَيَّزَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إيمَانُهُ وَتَوْبَتُهُ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّ مَنْ رَأَى طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَحَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا إيمَانُهُ، وَمَنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَعَ الْيَقِينِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِيمَانُهُ اهـ. وَمِثْلُ غَيْرِ الْمُمَيَّزِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَّا عِنْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ إيمَانُهُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ عج فِي شَرْحِ خَلِيلٍ: إنَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مُذْنِبًا فَتَابَ مِنْ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَتُهُ. [قَوْلُهُ: هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ] أَيْ بَعْثُ مَنْ يَمُوتُ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِهِ: يَبْعَثُ فَهُوَ عَلَى حَدِّ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ أَيْ الْعَدْلُ وَالْبَعْثُ هُوَ الْإِحْيَاءُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ يَقْتَضِي أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَعْنَى الْبَعْثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْبَعْثِ بَلْ فِي الْإِعَادَةِ هَلْ هِيَ عَنْ عَدَمٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ عَنْ تَفْرِيقٍ وَهُوَ خِلَافُهُ. [قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ] وَمُقَابِلُهُ تَفَرُّقُ الْأَجْزَاءِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ يُرَكِّبُهَا مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: الْحَقُّ إمْكَانُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ إذْ السَّمْعُ لَمْ يُوجِبْ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ إلَخْ] ثَانِيهَا قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. قَالَ تَعَالَى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] ثَالِثُهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ

كَمَا بَدَأَهُمْ يَعُودُونَ) التِّلَاوَةُ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ يَعْنِي كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَذَلِكَ يُنْشِئُكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ إلَى الْحَشْرِ، وَيُحْشَرُ الْعَبْدُ وَلَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ، فَمَنْ قُطِعَ مِنْهُ عُضْوٌ يَعُودُ إلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ حَتَّى الْخِتَانُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضَاعَفَ) أَيْ كَثَّرَ (لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) دُونَ الْكَافِرِينَ مُطِيعِينَ أَوْ عَاصِينَ مُكَلَّفِينَ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفِينَ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَجْرِ الصَّبِيِّ لِمَنْ هُوَ (الْحَسَنَاتُ) جَمْعُ حَسَنَةٍ وَهِيَ مَا يُحْمَدُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى إخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنْ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِالْمَطَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] رَابِعُهَا: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ عَلَى إخْرَاجِ النَّارِ مِنْ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] [قَوْلُهُ: قِيَاسُ الْإِعَادَةِ] أَيْ فَالِابْتِدَاءُ بَعْدَ عَدَمٍ فَلْتَكُنْ الْإِعَادَةُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: التِّلَاوَةُ إلَخْ] أَيْ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِمَعْنَى الْآيَةِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ رِوَايَتَهَا بِالْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: كَمَا أَنْشَأَكُمْ أَوَّلًا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَذَلِكَ يُعِيدُكُمْ بَعْدَ عَدَمِكُمْ بِالْمَوْتِ إلَى الْوُجُودِ، هَذَا وَالْأَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ كَمَا أَنْشَأَكُمْ بَعْدَ عَدَمٍ كَذَلِكَ يُعِيدُكُمْ بَعْدَ عَدَمٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَنْشَأْته مَعْنَاهُ أَحْدَثْته أَيْ أَوْجَدْته، فَيُؤَوَّلُ الْمَعْنَى كَمَا أَوْجَدَكُمْ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَلَا مُحَصِّلَ لَهُ. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ يُنْشِئُكُمْ] أَيْ يُوجِدُكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ إلَى الْحَشْرِ، وَالْحَشْرُ سَوْقُهُمْ جَمِيعًا إلَى الْمَوْقِفِ الْهَائِلِ كَمَا قَالَهُ السَّنُوسِيُّ. [قَوْلُهُ: وَيُحْشَرُ الْعَبْدُ] أَيْ وَيُسَاقُ الْعَبْدُ إلَى الْمَوْقِفِ الْهَائِلِ وَحَشَرَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ وُلِدَ] يَقْتَضِي أَنَّهُ يُبْعَثُ بِلَا أَسْنَانٍ وَلَا لِحْيَةٍ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَقَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ يَوْمَ وُلِدَ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا تَمْتَنِعُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَمَنْ قُطِعَ إلَخْ] أَيْ وَمِنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِتِلْكَ الْيَدِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَلِجَ النَّارَ عُضْوٌ لَمْ يُذْنِبْ بِهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَابِعَةٌ لِلْبَدَنِ لَا حُكْمَ لَهَا عَلَى الِانْفِرَادِ فِي طَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ إنَّمَا هِيَ بِحَالِ الْمَوْتَى وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ بِانْفِرَادِهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَغَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهَا اهـ. وَأَمَّا الشَّخْصُ الَّذِي خُلِقَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَاسْتَظْهَرَ السَّيِّدُ عِيسَى أَنَّهُ يُعَادُ بِيَدٍ وَرِجْلٍ يَخْلُقُهُمَا اللَّهُ لَهُ اهـ. [قَوْلُهُ: حَتَّى الْخِتَانَ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُزَالُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ. [قَوْلُهُ: أَيْ كَثَّرَ] فَتَكُونُ الْمُضَاعَفَةُ إلَى عَشْرٍ إلَى سَبْعِينَ إلَى سَبْعِمِائَةٍ إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ إلَى مَا لَا غَايَةَ لَهُ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُضَاعِفُ الْحَسَنَةَ إلَى أَلْفِ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَثْرَةَ الْمُضَاعَفَةِ وَقِلَّتَهَا بِحَسَبِ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ. وَقُلْنَا إلَى عَشْرٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الْمُضَاعَفَةِ عَشْرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ لَهُ إحْدَى عَشَرَةَ لَكِنَّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشَرَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَمْسَ صَلَوَاتٍ بِخَمْسِينَ صَلَاةً. [قَوْلُهُ: لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: دُونَ الْكَافِرِينَ] أَيْ فَلَا يُضَاعَفُ لَهُمْ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَلْ تُكْتَبُ لَهُمْ حَسَنَةٌ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: يُكْتَبُ وَيُجَازِي عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ تَفَاوُتُهُمْ فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ وَخِفَّتِهِ اهـ. مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُسْلِمْ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فَقَدْ جَرَى فِيهِ خِلَافٌ هَلْ يُجَازَى عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ مُضَاعَفَةً أَوْ لَا؟ وَالْمُرْتَضَى أَنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهَا مُضَاعَفَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلْقَمِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْجَامِعِ. [قَوْلُهُ: مُطِيعِينَ أَوْ عَاصِينَ] وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمُضَاعَفَةُ بِاعْتِبَارِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي أَجْرِ الصَّبِيِّ لِمَنْ هُوَ] هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِأَبَوَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ عَلَى التَّسَاوِي أَوْ التَّفَاضُلِ، وَالرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْحَسَنَاتِ تُكْتَبُ لَهُ وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَبَوَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْحَسَنَاتِ] أَيْ لَا السَّيِّئَاتِ أَيْ الْحَسَنَاتِ الْمَفْعُولَةِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ فَلَوْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لِمَانِعٍ كُتِبَ لَهُ وَاحِدَةٌ وَجُوزِيَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَضْعِيفٍ، وَكَذَا الْمَأْخُوذَةُ فِي نَظِيرِ الظُّلَامَةِ فَلَهُ ثَوَابُهَا مِنْ غَيْرِ مُضَاعَفَةٍ كَالْحَسَنَاتِ الْفَرْعِيَّةِ، فَالْمُضَاعَفَةُ إنَّمَا هِيَ

شَرْعًا عَكْسُ السَّيِّئَةِ وَهِيَ مَا يُذَمُّ عَلَيْهَا شَرْعًا، وَالْمُرَادُ مُضَاعَفَةُ جَزَائِهَا، وَالْمُضَاعَفَةُ أَنْوَاعٌ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (صَفَحَ) أَيْ تَجَاوَزَ وَعَفَا عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ وَالْكَرَمِ (لَهُمْ) أَيْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَصْلِيَّةِ الْمَقْبُولَةِ، وَقَدْ تُضَاعَفُ أَفْرَادُ الثَّوَابِ الْمُجَازَى بِهِ عَلَى الْحَسَنَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ثُمَّ يُضَاعَفُ لَهُ كُلُّ حَسَنَةٍ مِنْ الْمِائَةِ بِعَشْرٍ» وَكَذَا لَا تَضْعِيفَ فِي أَجْزَاءِ عِبَادَةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ فَلَا تَضْعِيفَ لِتَسْبِيحٍ وَخُشُوعٍ وَتَكْبِيرٍ وَقِرَاءَةٍ مِنْ رَكْعَةٍ فِي صَلَاةٍ قَطَعَهَا الْمُصَلِّي كَمَا حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي قَطْعِهَا وَاسْتَظْهَرَ اللَّقَانِيُّ أَنَّهَا لَوْ تَمَّتْ تُضَاعَفُ لِكُلِّ ذِكْرٍ وَتَسْبِيحٍ وَقِرَاءَةٍ كَمَا يُضَاعَفُ أَجْرُ نَفْسِهَا. [قَوْلُهُ: مَا يُحْمَدُ الْإِنْسَانُ] أَيْ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ حُمِدَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: مَا يُذَمُّ] أَيْ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ مُضَاعَفَةُ جَزَائِهَا] أَيْ فَالْحَسَنَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاعَةِ الَّتِي فَعَلَهَا الْعَبْدُ وَالتَّضْعِيفُ مُتَعَلِّقٌ بِجَزَائِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْمُضَاعَفَةُ أَنْوَاعٌ] قِسْمٌ يُضَاعَفُ إلَى عَشَرَةٍ وَهُوَ عَمَلُ الْبَدَنِ كَالذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقِسْمٌ يُضَاعَفُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَفِي الْحَدِيثِ: «صُمْ يَوْمَيْنِ وَلَك مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الْحَسَنَةُ بِخَمْسَةَ عَشْرَ وَقِسْمٌ بِثَلَاثِينَ» ، فَفِي الْحَدِيثِ «صُمْ يَوْمًا وَلَك مَا بَقِيَ فَالْحَسَنَةُ بِثَلَاثِينَ وَقِسْمٌ بِخَمْسِينَ» . فَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً وَقِسْمٌ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَهُوَ نَفَقَةُ الْأَمْوَالِ قَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] إلَخْ وَقِسْمٌ يُضَاعَفُ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ قِيلَ: هُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَقِيلَ: هُوَ أَجْرُ الصَّائِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] اهـ. وَالْمُرَادُ بِإِعْرَابِهِ مَعْرِفَةُ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ اللَّحْنَ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَعَ فَقْدِهِ لَيْسَتْ بِقِرَاءَةٍ وَلَا ثَوَابَ عَلَيْهَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ. وَقَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ عَمَلُ الْقَلْبِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَمَّ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَلَيْسَ فِيهِ تَضْعِيفٌ. [أَقُولُ] وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ هَذِهِ الْأَعْدَادَ إمَّا بَيَانٌ لِأَقَلَّ مَا بِهِ التَّضْعِيفُ كَالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ» ، وَإِمَّا بِالنَّظَرِ لِحَالِ الْمُخَاطَبِ كَالْحَدِيثَيْنِ الْمُتَعَلِّقَيْنِ بِالصَّائِمِ أَوْ بِحَالِ الْفَاعِلِينَ كَآيَةِ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 261] بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] وَآيَةِ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} [الزمر: 10] لَا يُقْصَرُ الصَّابِرُونَ عَلَى الصَّائِمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَغَيْرِهَا أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. فِي الْحَدِيثِ: «لَا يُنْصَبُ لَهُمْ الْمِيزَانُ بَلْ يُصَبُّ عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ صَبًّا» اهـ. كَلَامُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ. [قَوْلُهُ: وَعَفَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَالْكَرَمِ] عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: لَهُمْ] اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَجَعَلَهَا تت بِمَعْنَى عَنْ وَجَعَلَ عَنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ مَا يَشْمَلُ الْكُفْرَ وَتَوْبَةَ الْكَافِرِ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إسْلَامُهُ وَبِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْمَعَاصِي كَالْمُسْلِمِ إلَّا أَنَّ مِنْهَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَتَرْكِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، وَمِنْهَا مَا لَا يَتَوَقَّفُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ تَصِحُّ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ هَذَا

وَالْكَافِرِينَ (بِ) سَبَبِ (التَّوْبَةِ عَنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ) ظَاهِرُهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ آخِرُ الْكِتَابِ: وَالتَّوْبَةُ فَرِيضَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَنَّهَا كَذَلِكَ تَفْتَقِرُ لِتَوْبَةٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَغَفَرَ لَهُمْ الصَّغَائِرَ) أَيْ إثْمَهَا (بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ) أَنَّهَا تُكَفَّرُ بِتَرْكِ التَّلَبُّسِ بِالْكَبَائِرِ وَالْإِبْعَادِ عَنْهَا فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى تَوْبَةٍ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: فَيُؤْخَذُ مِنْ الرِّسَالَةِ قَوْلَانِ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ شَرْعًا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ظَهَرَ لِي وَعَلَيْكَ بِالتَّحْرِيرِ. [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ التَّوْبَةِ] أَيْ فَالتَّوْبَةُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ. [قَوْلُهُ: عَنْ كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ] أَيْ عَنْ الْكَبَائِرِ مِنْ السَّيِّئَاتِ أَوْ عَنْ السَّيِّئَاتِ الْكَبِيرَةِ فَهِيَ إضَافَةُ حَقِيقَةٍ أَوْ إضَافَةُ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ. [قَوْلُهُ: لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ] أَيْ فَلَا تُكَفَّرُ كَبِيرَةٌ بِتَرْكِ كَبِيرَةٍ أُخْرَى، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا قَدْ تُكَفَّرُ بِمَحْضِ الْفَضْلِ أَوْ بِالْحَدِّ أَوْ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ أَيْ كَفَّارَاتٌ لَا زَوَاجِرُ، فَإِنْ زَنَا وَحُدَّ حَصَلَ تَكْفِيرُ الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ سُقُوطِ قَضَاءِ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ مِنْ دَيْنٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَتَكْفِيرُ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ وَالْكَبَائِرِ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوْبَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مِنْ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا إلَّا فِي الْآخِرَةِ خِلَافَ التَّوْبَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِي الدُّنْيَا، كَرَفْعِ الْفِسْقِ وَنَحْوِهِ، فَهَذَا لَا دَخْلَ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ لَا يُفِيدُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ بِشُرُوطِهَا اهـ. وَوُجِدَ بِخَطِّ الرَّمْلِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى شَرْحِ الرَّوْضَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مَا صُورَتُهُ: إنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا كَرَفْعِ الْفِسْقِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّكْفِيرِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ اهـ. وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ اللَّقَانِيُّ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّغَائِرُ] أَيْ كَقُبْلَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَعْنِ الْمُعَيَّنِ وَلَوْ بَهِيمَةً، وَكِذْبَةٍ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّا لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا إفْسَادَ بَدَنٍ وَلَا مَالٍ وَلَا ضَرُورَةَ، وَهَجْوِ الْمُسْلِمِ وَلَوْ تَعْرِيضًا، وَهَجْرِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالنَّوْحِ وَالْجُلُوسِ مَعَ الْفَاسِقِ، وَالنَّجْشِ وَالِاحْتِكَارِ الْمُضِرِّ، وَبَيْعِ مَا عَلِمَ مَعِيبًا كَاتِمًا عَيْبَهُ وَالْغِشِّ وَالْخَدِيعَةِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا كَذَلِكَ تَفْتَقِرُ لِتَوْبَةٍ] وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَغَفَرَ لَهُمْ الصَّغَائِرَ إلَخْ أَنَّهَا تُكَفَّرُ، فَقَدْ رَدَّهُ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ التَّوْبَةَ فِي ذَاتِهَا فَرْضٌ تَرَتَّبَ الْخِطَابُ بِهِ عَلَى مُجَرَّدِ مُقَارَفَةِ الذَّنْبِ، وَإِنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ ابْنُ الطَّيِّبِ] هُوَ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ [قَوْلُهُ: وَغَفَرَ لَهُمْ الصَّغَائِرَ] أَيْ كُلَّ صَغِيرَةٍ كَانَتْ مِنْ تَوَابِعِ تِلْكَ الْكَبَائِرِ وَمُقَدَّمَاتِهَا، كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ لِلزِّنَا وَدُخُولِ دَارِ الْغَيْرِ دُونَ إذْنِهِ وَفَتْحِ حِرْزِهِ كَذَلِكَ لِلسَّرِقَةِ أَوْ لَا كَشَتْمٍ بِمَا لَا يُوجِبُ حَدًّا إذَا اُجْتُنِبَتْ السَّرِقَةُ مَثَلًا، وَهَلْ أَلْ فِي قَوْلِهِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِوَاحِدٍ كَاجْتِنَابِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عج أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ اللَّقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: أَوْ لَمْ تَكُنْ تَابِعَةً كَشَتْمٍ بِمَا لَا يُوجِبُ حَدًّا إذَا اُجْتُنِبَتْ السَّرِقَةُ وَالزِّنَا وَنَحْوُهُمَا مِنْ بَقِيَّةِ الْكَبَائِرِ. [قَوْلُهُ: أَقُولُ] : مَا ذَهَبَ إلَيْهِ اللَّقَانِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَلْ فِي الصَّغَائِرِ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَفِي الْكَبَائِرِ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ. تَتِمَّةٌ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ يَحْصُلُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ قَصَدَ الِامْتِثَالَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ أَمْ لَا وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اجْتَنَبَهَا امْتِثَالًا فَلَوْ اجْتَنَبَهَا امْتِثَالًا وَخَوْفًا مِنْ ضَرَرِهَا مَثَلًا فَكَمَنْ اجْتَنَبَهَا لِلثَّانِي فَقَطْ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الِامْتِثَالَ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَ لَتَحَقَّقَ الِاجْتِنَابُ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِنَابِ لَهُ خَاصَّةً أَفَادَ ذَلِكَ عج. [قَوْلُهُ: إنَّهَا تُكَفَّرُ بِتَرْكِ التَّلَبُّسِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمُرَادُ بِاجْتِنَابِهَا مَا يَشْمَلُ التَّوْبَةَ مِنْهَا بَعْدَ ارْتِكَابِهَا لَا مَا يَخُصُّ عَدَمَ مُقَارَبَتِهَا أَصْلًا كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ، وَالْحَالَةُ الْأُولَى تُسَمَّى تَوْبَةً، وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ عَدَمُ الْمُقَارَبَةِ أَصْلًا تُسَمَّى تَقْوَى.

الْفَوْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ مَنْ أَخَّرَهَا عَصَى ثَبَتَ وُجُوبُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إجْمَاعًا، وَاخْتُلِفَ فِي تَوْبَةِ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي هَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ شَرْعًا أَيْ ظَنًّا وَصَحَّحَ أَوْ قَطْعًا وَشُهِرَ. وَاخْتُلِفَ إذَا أَذْنَبَ التَّائِبُ هَلْ تَعُودُ إلَيْهِ ذُنُوبُهُ أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ لَا. وَلِلتَّوْبَةِ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّل النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لِرِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ تَرَكَ الْمَعْصِيَةَ مِنْ غَيْرِ نَدَمٍ لَا يَكُونُ تَائِبًا شَرْعًا وَكَذَلِكَ مَنْ نَدِمَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَنْ أَخَّرَهَا عَصَى] أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ أَيْ وَلَوْ كَانَ الذَّنْبُ صَغِيرَةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَوْبَتَانِ قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِ التَّوْبَةِ عَنْ مَعْصِيَةِ لَحْظَةٍ أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّوْبَةُ ذَنْبٌ آخَرُ وَهُوَ ذَنْبُ التَّأْخِيرِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ هَذَا التَّأْخِيرِ أَيْضًا كَمَا وَجَبَتْ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْأُولَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مِنْ الْكَبِيرَةِ زَمَنًا وَاحِدًا يَلْزَمُ كَبِيرَتَانِ: الْمَعْصِيَةُ وَتَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْهَا، وَزَمَانَيْنِ أَرْبَعٌ الْأُولَيَانِ وَتَرْكُ التَّوْبَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَثَلَاثُ أَزْمَانٍ ثَمَانُ كَبَائِرَ، وَأَرْبَعَةُ أَزْمَانٍ سِتَّةَ عَشَرَ، وَهَكَذَا تَتَضَاعَفُ الْكَبَائِرُ حَسَبَ تَضَاعُفِ بُيُوتِ الشِّطْرَنْجِ فِي فَنِّ الْحِسَابِ، فَمَهْمَا زَادَ فِي التَّأْخِيرِ زَمَنًا زَادَ فِي الْكَبَائِرِ ضَعْفُ مَا حَصَلَ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ. وَأَقَرَّهُ عج وَرَدَّهُ اللَّقَانِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ السَّعْدِ قَائِلًا أَيْ اللَّقَانِيُّ فَإِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مَعْصِيَةٌ وَاحِدَةٌ يَجِبُ مِنْهَا التَّوْبَةُ، وَلَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا، لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِهِ فِي كَلَامِ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ اهـ. [قَوْلُهُ: وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ] أَيْ مِنْ كُفْرِهِ وَأَمَّا مَنْ غَيْرَهُ فَكَالْمُؤْمِنِ الْعَاصِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: مَقْبُولَةٌ قَطْعًا] أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: 38] إلَخْ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ الْإِيمَانِ النَّدَمُ عَلَى الْكُفْرِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَرَجَّحَهُ اللَّقَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ أَوْ لَا؟ . وَبِهِ قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ يُمْحَى بِإِيمَانِهِ وَإِقْلَاعِهِ. [قَوْلُهُ: هَلْ هِيَ مَقْبُولَةٌ شَرْعًا] أَيْ فَاتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِهَا شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} [الشورى: 25] وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ. [قَوْلُهُ: ظَنًّا] أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} [التوبة: 15] فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شَاءَ، وَمَا زَالَتْ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ يَرْغَبُونَ فِي قَبُولِهِمْ طَاعَاتِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ مَقْبُولَةً قَطْعًا لَمَا طَلَبُوا قَبُولَهَا، فَإِنْ قِيلَ قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} [الشورى: 25] إلَخْ قُلْنَا: لَا عُمُومَ فِيهَا وَلَوْ سُلِّمَ فَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِبَعْضِ النَّاسِ أَوْ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ فَلَا قَطْعَ. [قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ] أَيْ قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ [قَوْلُهُ: أَوْ قَطْعًا] لَا يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُثِيبَ الْعَاصِيَ وَيُعَاقِبَ الطَّائِعَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَأَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ، وَالْقَطْعُ الْمَحْكُومُ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ وَعْدِ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَشُهِرَ] أَيْ قِيلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشْهُورَ قَدْ قِيلَ فِيهِ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّصْحِيحِ كَوْنُهُ مَشْهُورًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِجَوَازِ أَنْ يَصِحّ قَوْلُ الْأَقَلِّ. [قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ لَا] ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَادَ لِمَجْلِسِ التَّوْبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ يُجَدِّدُ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفَ، وَإِذَا تَابَ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ دُونَ بَعْضٍ فَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إيمَانِ الْكَافِرِ مَعَ إدَامَتِهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ [قَوْلُهُ: النَّدَمُ] هُوَ تَحَزُّنٌ وَتَوَجُّعٌ عَلَى أَنْ فَعَلَ وَتَمَنَّى كَوْنَهُ لَمْ يَفْعَلْ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ وَعِجْ. [قَوْلُهُ: لِرِعَايَةِ حَقِّ اللَّهِ] أَيْ لِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً كَمَا عَبَّرَ سَعْدُ الدِّينِ، وَأَمَّا النَّدَمُ لِخَوْفِ النَّارِ أَوْ لِلطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ هَلْ يَكُونُ نَدَمًا عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا وَلِكَوْنِهَا مَعْصِيَةً أَوْ لَا؟ وَكَذَا النَّدَمُ عَلَيْهَا لِقُبْحِهَا مَعَ غَرَضٍ آخَرَ، وَالْحَقُّ أَنَّ جِهَةَ الْقُبْحِ إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَتَحَقَّقَ النَّدَمُ فَتَوْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا يَكُون تَوْبَةً كَمَا إذَا كَانَ الْغَرَضُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ لَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ سَعْدِ الدِّينِ، وَتُقْبَلُ التَّوْبَةُ فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ. قَالَ سَعْدُ الدِّينِ: هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَضَرَّتْ بِهِ فِي بَدَنِهِ. الثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، الثَّالِثُ: الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ فَيَرُدُّ الْمَظَالِمَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّضَرُّعِ وَالتَّصَدُّقِ لِيَرْضَى عَنْهُ خَصْمُهُ وَيَكُونُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ صِدْقَ الْعَبْدِ أَرْضَى عَنْهُ خُصَمَاءَهُ مِنْ خَزَائِنِ فَضْلِهِ وَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الذُّنُوبَ قِسْمَانِ: صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي الْكَبِيرِ (وَجَعَلَ) أَيْ صَيَّرَ (مَنْ لَمْ يَتُبْ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا (صَائِرًا) أَيْ ذَاهِبًا (إلَى مَشِيئَتِهِ) أَيْ إرَادَتِهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبِعَدْلِهِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ صُدُورُهَا قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ، وَأَمَّا الْمَاتُرِيدِيَّةُ فَإِنَّمَا يَشْتَرِطُونَ عَدَمَ الْغَرْغَرَةِ فِي الْكَافِرِ دُونَ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ تَرَكَ الْمَعْصِيَةَ] أَيْ كَالْمَاجِنِ إذَا مَلَّ مِنْ مُجُونِهِ وَاسْتَرْوَحَ إلَى بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ لَيْسَ بِتَوْبَةٍ. [قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا أَضَرَّتْ بِهِ بَدَنَهُ] أَيْ أَوْ لِإِخْلَالِهَا بِعِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ عج عَنْ السَّعْدِ. [قَوْلُهُ: الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ] أَيْ إذَا قَدَرَ مَنْ سُلِبَ الْقُدْرَةَ عَلَى الزِّنَا مَثَلًا وَانْقَطَعَ طَمَعُهُ مِنْ عَوْدَةِ الْقُدْرَةِ إلَيْهِ فَيَكْفِي فِي تَوْبَتِهِ النَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الْقَوْمِ الْعَزْمَ لَهُ شَرْطًا ثَانِيًا إنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ تَقْرِيرٍ؛ لِأَنَّ النَّادِمَ عَلَى الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ] أَيْ بِتَرْكِ التَّلَبُّسِ بِالْمَعْصِيَةِ. [قَوْلُهُ: فَيَرُدُّ الْمَظَالِمَ] تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ بَقِيَتْ أَعْيَانُهَا أَوْ اُسْتُهْلِكَتْ وَتَعَلَّقَتْ بِالذِّمَّةِ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ إذْ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ الْمَوْجُودِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذِّمَّةِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ لِاسْتِهْلَاكِهِ وَنَحْوِهِ فَرَدُّ عِوَضِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ فِي الْغَصْبِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَاجِبٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَحْتَاجُ لِتَوْبَةِ كَمَا أَفَادَهُ السَّنُوسِيُّ كَتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْقِصَاصِ وَالشُّرْبِ، وَكَتَسْلِيمِ مَا وَجَبَ فِي الزَّكَوَاتِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ آخَرُ كَمَا أَفَادَهُ شَرْحُ الْمَقَاصِدِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقِ لِيَرْضَى عَنْهُ خَصْمُهُ] ظَاهِرُهُ وَسَوَاءٌ تَصَدَّقَ عَنْهُ أَوْ لَا، وَأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ لَكِنْ يُرْجَى مِنْ اللَّهِ الصَّفْحُ، وَمُفَادُ تت أَنَّهُ يَبْرَأُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الرَّدِّ لِرَبِّهِ إذَا تَصَدَّقَ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ بِتَكْثِيرِ حَسَنَاتِهِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ أَنْ يُرْضِيَهُ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ كَلَامِ شَارِحِنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَصَدَّقْ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنْ هَذَا ثَابِتٌ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَتَصَدَّقْ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا التَّصَدُّقَ لَا يُوجِبُ الصَّفْحَ وَالْعَفْوَ بَلْ يُرَجَّحُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمَرْجُوُّ مِنْ فَضْلِهِ إلَخْ وَجَعْلُهُ الْفَضْلَ الْعَظِيمَ مَرْجُوًّا مِنْهُ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْجُوَّ مِنْهُ الذَّاتُ الْعَلِيَّةُ، وَقَوْلُهُ أَرْضَى عَنْهُ خُصَمَاءَهُ مِنْ خَزَائِنِ فَضْلِهِ إلَخْ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ حَالَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ بِحَالِ مَلِكٍ كَرِيمٍ عِنْدَهُ مِنْ خَزَائِنِ الْإِنْعَامِ مَا لَا يَبْخَلُ بِهِ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ] أَيْ وَلَا حُكْمَ يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا حُكْمَ مِنْ حَاكِمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ لَا بِإِعْطَائِهِ وَلَا مَنْعٍ. [قَوْلُهُ: صَغَائِرُ وَكَبَائِرُ] هُوَ مَذْهَب الْجُمْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا كَبَائِرُ وَمَا مِنْهَا صَغِيرَةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إلَى أَكْبَرَ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ] وَكَذَا الْكُفَّارُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعَاصِي غَيْرُ الْكُفْرِ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ قَائِلًا: فَلَا مَانِعَ مِنْ وَزْنِ سَيِّئَاتِهِمْ غَيْرَ الْكُفْرِ لِيُجَازُوا عَلَيْهَا بِالْعِقَابِ زِيَادَةً عَلَى عِقَابِ كُفْرِهِمْ إنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ لَهُمْ عَنْهَا اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْكَبَائِرِ] أَفَادَ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَغَائِرُ وَمَاتَ قَبْلَ تَكْفِيرِهَا بِتَوْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَيْسَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ الشَّارِحُ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ إنَّ الْعَاصِيَ بِالصَّغَائِرِ يُسْأَلُ وَلَا يُعَاقَبُ، وَالْعَاصِي بِالْكَبَائِرِ الْغَيْرِ التَّائِبِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا] الظَّاهِرُ إسْقَاطُهُ إذْ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً وَخَلَا ذِهْنُهُ مِنْهَا فَلَمْ يُكَرِّرْهَا وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتُبْ كَانَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْإِصْرَارِ عَدَمَ التَّوْبَةِ [قَوْلُهُ: عَاقَبَهُ بِنَارٍ] وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْمَعَاصِي، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ لَحْظَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ سَاعَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ يَوْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ جُمُعَةً وَمِنْهُمْ شَهْرًا وَمِنْهُمْ سَنَةً

لَهُ فَبِفَضْلِهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا قَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] . وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ (مَنْ عَاقَبَهُ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْمُوَحِّدِينَ (بِنَارِهِ) فِي دَارِ الْعِقَابِ (أَخْرَجَهُ مِنْهَا بِ) سَبَبِ (إيمَانِهِ فَأَدْخَلَهُ) بِسَبَبِهِ (جَنَّتَهُ) دَارَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ قُلْت: لِمَ جُعِلَ الْإِيمَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ الْجَنَّةَ» قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّ إيمَانَهُ سَبَبٌ مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وُجُودِهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا قَالَهُ بِقَوْلِهِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] التِّلَاوَةُ فَمَنْ بِالْفَاءِ، وَالْمِثْقَالُ ثِقْلُ الشَّيْءِ أَيْ زِنَتُهُ، وَإِطْلَاقُ الْمِثْقَالِ هُنَا مَجَازٌ إذْ الْمَعْنَى لَا يُوزَنُ بِمِثْقَالٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَالذَّرَّةُ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَذَّبُ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ، وَهُوَ آخَرُ مَنْ يَبْقَى فِي النَّارِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: هَنَّادٌ، وَقِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ وَالْبَاءُ فِي بِنَارِهِ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: فِي دَارِ الْعِقَابِ] إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّارِ دَارَ الْعِقَابِ فَوَرَدَ عَلَى الشَّارِحِ حِينَئِذٍ اعْتِرَاضٌ بِأَنَّ الْعَذَابَ فِيهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّارِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ النَّارَ مُعْظَمُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنَّارِ دَارَ الْعِقَابِ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: لِاشْتِمَالِ تِلْكَ الدَّارِ عَلَى النَّارَ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ فَلَا اعْتِرَاضَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَأَدْخَلَهُ بِسَبَبِهِ] أَيْ فَالْإِيمَانُ سَبَبٌ فِي شَيْئَيْنِ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ النَّارِ، وَفِي إدْخَالِهِ الْجَنَّةَ. [قَوْلُهُ: جَنَّتَهُ] أَيْ جِنْسَ جَنَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَانَ سَبْعٌ: جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى وَجَنَّةُ الْخُلْدِ، وَجَنَّةُ النَّعِيمِ، وَجَنَّةُ عَدَنَ، وَدَارُ السَّلَامِ، وَدَارُ الْخُلْدِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إلَخْ] جَعَلَ السُّؤَالَ مُتَعَلِّقًا بِالطَّرَفِ الثَّانِي، أَعْنِي قَوْلَهُ: فَأَدْخَلَهُ بِسَبَبِهِ دُونَ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا بِسَبَبِ إيمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مَا يُنَاقِضُهُ. [قَوْلُهُ: أُجِيبُ إلَخْ] أَيْ فَالسَّبَبُ مُرَكَّبٌ مِنْ طَرَفَيْنِ: الْإِيمَانُ وَالرَّحْمَةُ، أَيْ فَقَوْلُهُ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ أَرَادَ وَحْدَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُدْخِلُ مَعَ غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَةُ. وَقَوْلُهُ: فَأَدْخَلَهُ بِسَبَبِهِ جَنَّتَهُ أَيْ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ الرَّحْمَةُ، وَأُجِيبُ بِجَوَابٍ ادَّعَى تت أَنَّهُ أَظْهَرُ مِنْ الْجَوَابِ الَّذِي أَشَارَ بِهِ شَارِحُنَا، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: ذَكَرَ الْإِيمَانَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ دُخُولِ الْكَافِرِ إذْ لَوْ قَالَ: مَنْ عَاقَبَهُ بِنَارِهِ أَخْرَجَهُ مِنْهَا فَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ لَالْتَبَسَ الْأَمْرُ، وَلَمَّا زَادَ بِإِيمَانِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُخْرَجَ مِنْ النَّارِ إنَّمَا هُوَ الْمُؤْمِنُ، قُلْت: فَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِإِيمَانِهِ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ يُقَالُ: الْإِيمَانُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَمَلٌ إلَّا عَلَى جِهَةِ النُّدُورِ، وَالْغَالِبُ إطْلَاقُهُ عَلَى عَمَلِ الْجَوَارِحِ. [قَوْلُهُ: مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ عِبَارَةٌ عَنْ إنْعَامِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وُجُودُهُ يَرْجِعُ لِإِنْعَامِهِ، وَالْعَفْوُ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ جَمْعُ الرَّحْمَةِ وَالْجُودِ لِكَوْنِهِمَا يَرْجِعَانِ إلَى الْإِنْعَامِ وَتَقْدِيمِ الْعَفْوِ، فَيَقُولُ: سَبَبٌ مَعَ عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وُجُودِهِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَالْعَفْوُ يَرْجِعُ لِلتَّخْلِيَةِ وَالْجُودُ لِلتَّحْلِيَةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَدَلَّ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّةَ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ لِتَكُونَ إشَارَةً إلَى الْآيَةِ لِأَجْلِ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنْ قُلْت: إنَّهُ لَاحَظَ الِاسْتِدْلَالَ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى قُلْت: الْقُرْآنُ لَا تَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِالْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِدْلَال مِنْ حَيْثُ الْمُوَافَقَةُ لِمَعْنَى الْآيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ رِوَايَةَ الْقُرْآنِ بِالْمَعْنَى، لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ وَيُؤْذِنُ بِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْوَاجِبِ اعْتِقَادَ مَدْلُولِهِ لَا قَصْدَ الِاسْتِدْلَالِ، فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ؟ قُلْت إنَّ رُؤْيَةَ الْجَزَاءِ بِمُقْتَضَى كَلَامِهِ لَا تَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ الْجَنَّةِ أَوْ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ خُرُوجُهُ مِنْ النَّارِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْأَعْرَافِ جَزَاءٌ لِعِلْمِهِ مَعَ أَنَّهُ يُقَالُ: إنَّ الْخُرُوجَ مِنْ النَّارِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ أَنْ يُعَدَّ جَزَاءً لِعَمَلِهِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ النَّارِ لَا يَكُونُ جَزَاءً لِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ النَّارِ لِكَوْنِهِ اسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِ فَبَقِيَ جَزَاءُ عَمَلِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِدُخُولِ الْجَنَّةِ أَوْ فِي الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: مِثْقَالَ ذَرَّةٍ] مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى. [قَوْلُهُ: خَيْرًا] مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَيْ مِنْ خَيْرٍ، [قَوْلُهُ: أَيْ زِنَتُهُ] وَيُطْلَقُ الْمِثْقَالُ أَيْضًا عَلَى دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: إذْ الْمَعْنَى لَا يُوزَنُ بِمِثْقَالٍ وَلَا غَيْرِهِ فَلَيْسَ الْمِثْقَالُ فِيهِ عَيْنَ الْمَعْنَى الْأَوْلَى الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ وَإِلَّا

وَالْخَيْرُ مَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ شَرْعًا وَالشَّرُّ عَكْسُهُ وَمَعْنَى يَرَهُ يَرَ جَزَاءَ عَمَلِهِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ إثْبَاتُ الشَّفَاعَةِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَ (يَخْرُجُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ دَارِ الْعِقَابِ بِالنَّارِ (بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ) فَاعِلِ يَخْرُجُ أَيْ يَخْرُجُ الَّذِي (شَفَعَ لَهُ) النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ) يَعْنِي الْعُصَاةَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ (مِنْ أُمَّتِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ك: أَجْمَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَقِّ عَلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِسَائِرِ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَوْلِهِ: وَلَا غَيْرِهِ، فَفِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ [قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ الْمِثْقَالِ إلَخْ] أَيْ وَاسْتِعْمَالُ الْمِثْقَالِ أَيْ الْمِثْقَالِ الْمُضَافُ لِلذَّرَّةِ. [قَوْلُهُ: مَجَازٌ] أَيْ اسْتِعَارَةٌ وَتَقْرِيرُهَا شَبَّهَ الْقَلِيلَ مِنْ الْخَيْرِ بِمِثْقَالِ الذَّرَّةِ مِنْ الْمَحْسُوسِ بِجَامِعِ الْقِلَّةِ، وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً. [قَوْلُهُ: إذْ الْمَعْنَى] أَيْ وَهُوَ الْعَمَلُ. [قَوْلُهُ: لَا يُوزَنُ] أَيْ لَا يُعْقَلُ وَزْنُهُ إلَخْ. قُلْت: وَلَعَلَّ هَذَا إشَارَةً إلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَالْأَعْمَشِ: أَنَّهُ لَا مِيزَانَ، وَيَحْمِلُونَ آيَاتِ الْمِيزَانِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَذِكْرُ الْمِيزَانِ وَالْوَزْنِ ضَرْبُ مَثَلٍ كَمَا يُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ فِي وَزْنِ هَذَا أَيْ يُعَادِلُهُ وَيُسَاوِيهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَجَوُّزٌ مَعَ إمْكَانِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ. ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوْزُونَ الْكُتُبُ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَسَنَاتِ تَكُونُ مُتَمَيِّزَةً بِكِتَابٍ وَالسَّيِّئَاتِ بِكِتَابٍ آخَرَ. الثَّانِي: أَنَّ الْمَوْزُونَ نَفْسُ الْأَعْمَالِ إمَّا لِجَوَازِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ أَجْسَامًا نُورَانِيَّةً فِي الْحَسَنَاتِ وَظُلْمَانِيَّةً فِي السَّيِّئَاتِ، ثُمَّ تُطْرَحُ تِلْكَ الْأَجْسَامُ فِي الْمِيزَانِ وَلَا يَلْزَمُ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ الْمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْتَنَعُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِيقَةِ الْأُولَى بِعَيْنِهَا، وَإِمَّا لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ أَجْسَامًا عَلَى عَدَدِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِلْأَعْمَالِ عَنْ الْعَرَضِيَّةِ. [قَوْلُهُ: النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ] وَقِيلَ: النَّمْلَةُ الْحَمْرَاءُ أَوْ الْبَيْضَاءُ أَوْ رَأْسُهُمَا أَوْ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَفِّ مِنْ التُّرَابِ إذَا وُضِعَ عَلَى الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: مَا يُحْمَدُ فَاعِلُهُ شَرْعًا] كَانَ ذَلِكَ بِالْقَلْبِ أَوْ اللِّسَانِ أَوْ الْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: وَالشَّرُّ عَكْسُهُ] أَيْ وَهُوَ مَا يُذَمُّ فَاعِلُهُ شَرْعًا، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْنَا. وَعَبْدُ اللَّهِ قَدْ يَتَخَلَّفُ وَلَيْسَ بِنَقْصٍ. [قَوْلُهُ: يَرَهُ] أَيْ فِي الْآخِرَةِ، هَذَا فِي الْمُؤْمِنِ وَأَمَّا مَا عَمِلَهُ الْكَافِرُ مِنْ خَيْرٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ فَقِيلَ: يُجَازَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِالتَّنْعِيمِ وَمُعَافَاةِ الْبَدَنِ وَكَثْرَةِ الْوَلَدِ، وَقِيلَ: فِي دَارِ الْعَذَابِ بِتَخْفِيفِ عَذَابِ غَيْرِ الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ دَارِ الْعِقَابِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنْ يُرْجِعَ الضَّمِيرَ لِلنَّارِ فَيَقُولَ: فَيَخْرُجُ مِنْهَا أَيْ مِنْ النَّارِ. وَقَوْلُهُ: بِالنَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعِقَابِ أَيْ فِي الْأَغْلَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعِقَابَ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ النَّارِ كَمَا قَدَّمْنَا. [قَوْلُهُ: بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] خَصَّهُ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِ غَيْرِهِ يَشْفَعُ أَيْضًا فِي إخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: أَوَّلُ شَافِعٍ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ الْمُرْسَلُونَ ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ ثُمَّ الصُّلَحَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ. [قَوْلُهُ: الْعُصَاةَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ] أَيْ غَالِبًا فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَفَعَ فِي عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنَّهُ نُقِلَ مِنْ غَمَرَاتٍ إلَى ضَحْضَاحٍ» . أَيْ يَسِيرٍ مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي دِمَاغُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُمُّ دِمَاغِهِ أَيْ رَأْسِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ أُمَّتِهِ] مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ لَا بَيَانِيَّةٌ وَإِلَّا لَاقْتَضَى أَنَّ كُلَّ أُمَّتِهِ أَهْلُ كَبَائِرَ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَشْفَعُ فِي أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: غَالِبًا وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: أَجْمَعَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ إلَخْ] ذَكَرَ بَعْضُ الْأَكَابِرِ أَنَّ السَّلَفَ مَا قَبْلَ الْأَرْبَعِمِائَةِ، وَالْخَلَفُ مَا بَعْدَ الْخَمْسِمِائَةِ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ الْمُتَأَخِّرُونَ مَا بَعْدَ الْخَمْسِمِائَةِ اهـ. وَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَخْ] أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ مُطْلَقًا حَتَّى يَشْمَلَ مَنْ كَانَ ذَا بِدْعَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَقُّ إذْ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَالْحَقِّ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَلِسَائِرِ الرُّسُلِ] أَرَادَ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الْأَنْبِيَاءَ، وَهَلْ شَفَاعَتُهُمْ خَاصَّةً بِأُمَمِهِمْ فَيَشْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي أُمَّتِهِ لَا غَيْرُ أَوْ لَيْسَتْ بِخَاصَّةٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَلَائِكَةِ] وَشَفَاعَتُهُمْ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا

مُطْلَقًا، وَأَجَلُّهَا وَأَعْظَمُهَا شَفَاعَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهَا أَعَمَّهَا وَأَتَمُّهَا، وَأَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الشَّفَاعَةَ وَهُمْ جَدِيرُونَ بِحِرْمَانِهَا. فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ الصَّفْحُ وَالْعَفْوُ عَنْ الذُّنُوبِ. وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ أَيْضًا: لَا شَفَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى جَوَازِهَا فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ دُونَ رَفْعِ السَّيِّئَاتِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَذَاهِبُ بَاطِلَةٌ يَشْهَدُ بِاسْتِحَالَتِهَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَعَدَدَ الشَّفَاعَاتِ فِي الْأَصْلِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (قَدْ خَلَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَظْهَرُ، وَهَلْ شَفَاعَتُهُمْ عَامَّةٌ فِي كُلِّ أُمَّةِ نَبِيٍّ أَوْ خَاصَّةٌ بِأُمَّةِ نَبِيِّنَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ تَثْبُتُ لَهُ الشَّفَاعَةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَقَعُ مِنْهُ الشَّفَاعَةُ بِالْفِعْلِ تَحْقِيقًا [قَوْلُهُ: وَالْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ أُمَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ وَأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوَاءٌ كَانُوا صَحَابَةً أَوْ تَابِعِينَ أَوْ عُلَمَاءَ أَوْ شُهَدَاءَ. [قَوْلُهُ: وَأَعْظَمُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: شَفَاعَةُ نَبِيِّنَا. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْأُولَى خَاصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ شَفَاعَتُهُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فِي الْمَوْقِفِ لِتَعْجِيلِ الْحِسَابِ، وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: شَفَاعَةُ نَبِيِّنَا. . . إلَخْ فَالْإِضَافَةُ لِلْعَهْدِ. الثَّانِيَةُ: الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابِ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَتَرَدَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَمْ يَرِدْ مِنْهُ شَيْءٌ. الثَّالِثَةُ: الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَلَا يَدْخُلُونَهَا أَيْ مَعَ الْحِسَابِ وَلَا تَخْتَصُّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَتَرَدَّدَ النَّوَوِيُّ. الرَّابِعَةُ: الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَيَخْرُجُونَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمَلُ خَيْرٍ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ، أَمَّا الشَّفَاعَةُ لِمَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ النَّارِ فَمُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. الْخَامِسَةُ: الْقَوْلُ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَادَّعَى عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ وَزَادَ عج. سَادِسَةً وَهِيَ شَفَاعَتُهُ فِي تَخْفِيفِ الْعَذَابِ عَنْ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَابِعَةً وَهِيَ التَّخْفِيفُ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهِ. [قَوْلُهُ: أَعَمَّهَا] أَيْ أَشْمَلُهَا لِشُمُولِهَا الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ. [قَوْلُهُ: وَأَتَمُّهَا] أَيْ أَكْمَلُهَا، وَهُوَ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ الشَّفَاعَةَ] أَيْ الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي بَعْضِ مَا ذُكِرَ، فَإِنَّ الْأُولَى يَعْتَرِفُونَ بِهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَيْ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ عِنْدَهُمْ وَيُعَذَّبُ عَذَابًا دُونَ عَذَابِ الْكُفْرِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ يَعْتَرِفُونَ بِالْأُولَى وَبِالشَّفَاعَةِ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ لِلْمُطِيعِينَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: جَدِيرُونَ] أَيْ حَقِيقُونَ بِحِرْمَانِهَا أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانُوا جَدِيرِينَ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَالنَّبِيُّ بُعِثَ رَحْمَةً. [قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: الْمُرْجِئَةُ] سُمُّوا مُرْجِئَةً؛ لِأَنَّهُمْ يُعْطُونَ الرَّجَاءَ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ [قَوْلُهُ: وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى جَوَازِهَا إلَخْ] يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ عَيْنَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يُعَمِّمُونَ فِي السَّيِّئَات صَغَائِرَ أَوْ كَبَائِرَ فَيَكُونُ مُخَالِفًا، وَيَكُونُ قَوْلُ الْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ صَاحِبُ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ فَهُوَ فِي النَّارِ مُخَلَّدٌ وَلَا إيمَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ كُلَّ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ، ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ ك [قَوْلُهُ: بِاسْتِحَالَتِهَا] أَيْ بِبُطْلَانِهَا [قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا وَعَدَدَ الشَّفَاعَاتِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذِهِ كُلُّهَا مَذَاهِبُ بَاطِلَةٍ يَشْهَدُ بِاسْتِحَالَتِهَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ، أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُحِيلُهَا، وَأَمَّا النَّقْلُ فَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ «فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَك تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي

الْجَنَّةَ فَأَعَدَّهَا) أَيْ هَيَّأَهَا وَيَسَّرَهَا (دَارَ) أَيْ مَنْزِلَ (خُلُودٍ) وَاسْتِقْرَارٍ مُؤَبَّدٍ (لِأَوْلِيَائِهِ) جَمْعُ وَلِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ فِيهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِاتِّفَاقِ الشُّيُوخِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ وَخَلَقَ النَّارَ فَأَعَدَّهَا دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: لَا يَعْلَمُ مَحَلَّهُمَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَكْرَمَهُمْ) أَيْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجَنَّةِ (بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ) الْمُرَادُ بِالْوَجْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُقَالُ: أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِك مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ. وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْمَذْكُورِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْمَقْصُودِ حَيْثُ يَقُولُ: «فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ: أَطْلِقْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ بُرَّةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ مِنْ إيمَانٍ» فَأَخْرِجْهُ مِنْهَا إلَخْ. وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ، وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى قَبُولِهَا وَصِحَّتِهَا اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي ادَّخَرْت شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» . تَتِمَّةٌ لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ بَلْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِشَفَاعَةِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، فَيَشْفَعُ فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَمَلُ خَيْرٍ قَطُّ وَالْأَوْلَادُ الصِّغَارُ يَشْفَعُونَ لِآبَائِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَاسْتِقْرَارٍ مُؤَبَّدٍ] أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولَ الْمُكْثِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَأَفَادَ اللَّقَانِيُّ أَنَّ الْخُلُودَ مَتَى أُطْلِقَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّأْبِيدِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ، وَاسْتَحَقُّوا التَّأْبِيدَ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُمْ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ مَا دَامُوا فِي الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: جَمْعُ وَلِيٍّ] فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، أَيْ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ فَلَمْ يَجْحَدْهُ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَنْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ بِحَيْثُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ بَلْ فِي حِفْظِهِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُؤْمِنُونَ] أَيْ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ إذْ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ: أَنَّ الْجِنَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَيَنْعَمُونَ فِيهَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يَكُونُ ثَوَابُهُمْ أَنْ يَنْجُوا مِنْ النَّارِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: كُونُوا تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ هَذَا فِي الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ، وَأَمَّا الْعَاصِي مِنْ الْجِنِّ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُعَذَّبُ فِي جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ كَانُوا سَاكِنِينَ بِهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ عَذَابَ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِمْ خَزَنَتُهَا، وَأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمَا دَارَيْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَا يَكُونَانِ إلَّا فِيهِمَا. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ كَلَامَ هَذَا الْبَعْضُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لَهُ، وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَحَرَّرُ بِالْبِنَاءِ عَلَى تَكْلِيفِ الْمَلَائِكَةِ وَعَدَمِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: مَنْ فِيهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ] بَيَّنَ التَّتَّائِيُّ تِلْكَ الصِّفَةَ بِقَوْلِهِ: مِنْ سَلَامَةِ لِسَانِهِ مِنْ الْمُهْلِكَاتِ وَقَلْبِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ وَعَمَلِهِ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ إلَخْ] وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا قَابَلَهُ بِالْكَافِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْمُؤْمِنِ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ إلَخْ] ذِكْرُهُ لِكَلَامِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ وَأَنَّ الْحَقَّ تَفْوِيضُ عِلْمِ مَحَلِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إلَى عِلْمِ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ قَدْ وَرَدَتْ بِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَتَحْتَ الْعَرْشِ، وَإِنَّهُ سَقْفُهَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي مَكَانِ النَّارِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: إنَّ النَّارَ تَحْتَ الْأَرْضِينَ السَّبْعِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالدُّنْيَا وَالْجَنَّةُ بَعْدَهَا اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَوْلِيَاءَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا] أَيْ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَدْخُلُهَا فَلَا تُعْقَلُ لَهُ رُؤْيَةٌ فِيهَا، وَيَرَاهُ الْمُؤْمِنُ فِي الْمَوْقِفِ أَيْضًا دُونَ الْكَافِرِ. وَقِيلَ: يَرَاهُ ثُمَّ يُحْجَبُ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ [قَوْلُهُ: صِفَةٌ لِلَّهِ] أَيْ كَالْقُدْرَةِ

الذَّاتُ وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مَعْلُومَةٌ مِنْ الشَّرْعِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهَا مَعَ نَفْيِ الْجَارِحَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّظَرِ مَيْلُ الْحَدَقَةِ إلَى الْمَرْئِيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مُحَالٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ صِفَةٌ تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ تُوجِبُ لَهُ كَوْنُهُ رَائِيًا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَاصِلَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ حَتَّى النِّسَاءَ وَلِمُؤْمِنِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ نَقَلْنَاهُ فِي الْكَبِيرِ (وَهِيَ) أَيْ الْجَنَّةُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا (الَّتِي أُهْبِطَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِمَعْنَى أُنْزِلَ (مِنْهَا آدَم) بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَوَّل وَبِالنَّصْبِ عَلَى الثَّانِي هُوَ أَبُو الْبَشَرِ، سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ آدَمَ اللَّوْنِ وَهِيَ حُمْرَةٌ تَمِيلُ إلَى سَوَادٍ، وَكُنْيَتُهُ فِي الْجَنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ كَرَامَةً لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُبُوطُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِرَادَةِ. [قَوْلُهُ: مَعْلُومَةٌ مِنْ الشَّرْعِ] أَيْ عَلَى الْإِجْمَالِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا] أَيْ مَيْلَ الْحَدَقَةِ إلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: مُحَالٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي الْجِهَةَ وَالْمُقَابَلَةَ، وَحَدَقَةُ الْعَيْنِ سَوَادُهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: تَقُومُ بِالْمَوْصُوفِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَبْدُ أَيْ بِبَصَرِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ] أَيْ أَنَّ الرَّائِيَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُكَيِّفَهُ أَيْ يَصِفَهُ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ كَمَا يُكَيِّفُ الْإِنْسَانُ مِنَّا غَيْرَهُ أَيْ يَذْكُرُ صِفَتَهُ [قَوْلُهُ: وَلَا تَشْبِيهَ] أَيْ يُشْبِهُهُ بِغَيْرِهِ أَيْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرَوْنَهُ فِي جِهَةٍ وَلَا مُقَابَلَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ عَادِيٌّ فِي الرُّؤْيَةِ لَا عَقْلِيٌّ، فَكَمَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ فَكَذَلِكَ لَا نَرَاهُ فِي جِهَةٍ. [قَوْلُهُ: وَلِمُؤْمِنِي الْأُمَمِ إلَخْ] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ حَتَّى يَكُونَ بَعْضًا مِنْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَوْ كَبَعْضٍ، وَمُؤْمِنُو الْأُمَمِ السَّابِقَةِ لَيْسُوا بَعْضًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا كَبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ] أَيْ فِي النِّسَاءِ وَمُؤْمِنِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ أَيْ مَا عَدَا الصِّدِّيقِينَ، فَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالصِّدِّيقِينَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ وَرِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْبَشَرِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ النِّسَاءَ لَا يَرَيْنَ؛ لِأَنَّهُنَّ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ، وَقِيلَ: يَرَيْنَ فِي مِثْلِ الْأَعْيَادِ، وَإِنَّ فِي مُؤْمِنِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ احْتِمَالَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا: كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ مُسَاوَاتُهُمْ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ فِي الْأُمَّةِ اهـ. وَلَكِنْ فِي التَّعْبِيرِ بِخِلَافٍ مَعَ قَوْلِهِ احْتِمَالَانِ تَنَافٍ فَتَدَبَّرْ. وَقَالَ اللَّقَانِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ أَيْ الَّذِينَ يَرَوْنَهُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْإِيمَانِ عِنْدَ الْمُوَافَاةِ سَوَاءٌ كُلِّفَ بِهِ بِالْفِعْلِ أَوْ كَانَ صَالِحًا لِلتَّكْلِيفِ بِهِ، فَدَخَلَ الْمَلَائِكَةُ وَمُؤْمِنُو الْجِنِّ وَالْأُمَمُ السَّابِقَةُ وَالصِّبْيَانُ وَالْبُلْهُ وَالْمَجَانِينُ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ الْبُلُوغُ عَلَى الْجُنُونِ وَمَاتُوا عَلَيْهِ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ أَهْلِ الْفَتْرَةِ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ رُؤْيَةَ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لِلَّهِ فِي الْجَنَّةِ لَا تُسَاوِي رُؤْيَةَ مُؤْمِنِي الْإِنْسِ لَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الرُّسُلَ وَالْأَنْبِيَاءَ يَرَوْنَهُ فِي كُلِّ يَوْمِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَفِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إلَّا الصِّدِّيقِينَ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَيَرَوْنَهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا، وَجُعِلَ ذَلِكَ التَّفَاوُتُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الْمَوْقِفِ ثُمَّ يُحْجَبُونَ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فِي النَّارِ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَرَوْنَهُ فِي الْجَنَّةِ، ثُمَّ لَا يُحْجَبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ رُجُوعٌ إلَى حَالِ الشُّعُورِ بِلَذَّاتِهِمْ فَهُمْ مُشَاهِدُونَ بِمَعْنَى لَا سَاتِرَ لَهُمْ، وَإِنْ جَذَبَتْهُمْ الطَّبَائِعُ الْبَشَرِيَّةُ بِخَلْقِهِ تَعَالَى وَتَمْكِينِهِ إلَى مَأْلُوفَاتِهَا فَيَكُونُونَ فِي كُلِّ حَالٍ مُشَاهِدِينَ وَبِكُلِّ جَارِحَةٍ نَاظِرِينَ، وَمُرَادُهُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ: بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ، وَافَقَهُ الشَّعْرَانِيُّ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: أَنَّ رُؤْيَةَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ فِي الْجَنَّةِ تَكُونُ بِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ الْبَدَنِيَّةِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تَكُونُ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَجْهِ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُتَكَلِّمِينَ: يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْأَبْصَارِ اقْتِصَارٌ عَلَى إعَادَةِ مَا هُوَ مَحَلُّ الرُّؤْيَا، وَبَيَانٌ لِمَا هُوَ الْمَأْلُوفُ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ حُمْرَةٌ] أَيْ الْأَدَمَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ آدَمَ، وَرَدَ ذَلِكَ بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّهُ كَانَ بَارِعًا فِي الْجَمَالِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَكُنْيَتُهُ فِي الْجَنَّةِ أَبُو مُحَمَّدٍ] وَوَرَدَ «لَا يُدْعَى أَحَدٌ فِي الْجَنَّةِ إلَّا بِاسْمِهِ إلَّا آدَم، فَإِنَّهُ يُكْنَى» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى ابْنِ الْجَوْزِيِّ

يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَخُلِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا أُخْرِجَ وَأُنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ وَعَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَدَفَنَهُ وَلَدُهُ شِيثُ فِي غَارِ أَبِي قُبَيْسٍ وَسَبَبُ هُبُوطِهِ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَهِيَ التِّينُ أَوْ الْحِنْطَةُ أَوْ الْكَرْمُ، فَأَكَلَ مِنْهَا نَاسِيًا أَوْ مُتَأَوِّلًا أَنَّهَا غَيْرُ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا. وَفِي قَوْلِهِ: وَهِيَ إلَى آخِرِهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَمُ جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا بِأَرْضِ عَدَنَ. وَفِي قَوْلِهِ: (نَبِيَّهُ وَخَلِيفَتَهُ) أَيْ الْحَاكِمَ بِأَمْرِهِ، رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الَّذِي أُهْبِطَ غَيْرُ آدَمَ أَبِي الْبِشْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ سُمِّيَ بِاسْمِهِ كَانَ فِي حَدِيقَةٍ عَلَى رَبْوَةٍ فَأُهْبِطَ مِنْهَا. (إلَى أَرْضِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأُهْبِطَ وَالْبَاءُ فِي (بِمَا سَبَقَ) سَبَبِيَّةٌ يَعْنِي أَنَّ هُبُوطَهُ إلَى الْأَرْضِ بِسَبَبِ الَّذِي سَبَقَ (فِي سَابِقِ عِلْمِهِ) أَنَّهُ يَخْلُقُ آدَمَ وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ شَرْطًا إنْ وَفَّى بِهِ أَهَّلَهُ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُوَفِّ أَخْرَجَهُ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ. [قَوْلُهُ: كَرَامَةً لِنَبِيِّنَا] أَيْ أَنَّ مِنْ كَرَامَاتِ نَبِيِّنَا تَخْصِيصَ كُنْيَةِ آدَمَ بِهِ، فَلَمْ يَقُلْ أَبُو إبْرَاهِيمَ مَثَلًا إنَّمَا قِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْجُمْهُورِ] وَقِيلَ: فِي الْأَرْضِ وَرَدَ إلَيْهَا قِيلَ: وَكَانَ بَيْنَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَخُرُوجِهِ مِنْهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ، كَذَا فِي تت وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْجُمْهُورِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ مَقَامُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ نِصْفَ يَوْمٍ وَمِقْدَارُ هَذَا النِّصْفِ سِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الْجَنَّةِ، وَهَبَطَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ اهـ. وَهُوَ يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَعَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ] قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ: يُحْتَمَلُ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي كَوْنَهُ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ اُشْتُهِرَ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ وَكَلَامِ مَيَّارَةَ يَقْتَضِي ضَعْفَهُ، وَأَنَّهُ مَا عَاشَ إلَّا تِسْعَمِائَةٍ وَسِتَّةً وَسِتِّينَ سَنَةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ] أَيْ آخِرَ النَّهَارِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي خُلِقَ فِيهَا وَأُخْرِجَ فِيهَا أَيْضًا مِنْ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ التِّينُ إلَخْ] أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَقِيلَ التَّمْرُ. [قَوْلُهُ: رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إلَخْ] وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ كَمَا فِي تت إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَهَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا جَنَّةٌ بِأَرْضِ عَدَنَ أَوْ غَيْرِهَا لَا دَارَ الثَّوَابِ وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ [قَوْلُهُ: بِأَرْضِ عَدَنَ] بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: نَبِيُّهُ] قَالَ نَبِيَّهُ دُونَ رَسُولِهِ مَعَ أَنَّهُ رَسُولٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ كَذَا قَالَ تت. [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَاكِمَ بِأَمْرِهِ] قَالَ تت: وَكُلُّ نَبِيٍّ خَلِيفَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ آدَم مَبْعُوثًا فِي وَقْتِ تَعَلُّمِهِ الْأَسْمَاءَ إلَى حَوَّاءَ، وَلَا يَبْعُدُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَبْعُوثًا إلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ التَّحَدِّي مِنْ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ وَإِنْ كَانُوا رُسُلًا فَقَدْ يَجُوزُ الْإِرْسَالُ إلَى الرُّسُلِ كَبَعْثِ إبْرَاهِيمَ إلَى لُوطٍ اهـ. [قَوْلُهُ: رَدٌّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرَّدَّ قَدْ حَصَلَ مِنْ اعْتِبَارِ أَنَّ الْمُهْبَطَ مِنْهَا دَارُ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: كَانَ فِي حَدِيقَةٍ] أَيْ بُسْتَانٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى رَبْوَةٍ] أَيْ مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ يَعْنِي فَأُهْبِطَ مِنْ تِلْكَ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ الْحَدِيقَةُ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ كَلَامًا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقَامُ وَنَصُّهُ: يُرِيدُ أَنَّ الْجَنَّةَ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى دَارَ خُلُودٍ لِأَوْلِيَائِهِ هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَم نَبِيُّهُ بِذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الَّتِي أُهْبِطَ مِنْهَا آدَم جَنَّةٌ فِي الدُّنْيَا بِأَرْضِ عَدْنَ، وَلَيْسَتْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ مُحْتَجَّا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ وَصَفَ جَنَّةَ أَوْلِيَائِهِ بِدَارِ الْخُلْدِ وَالْقَرَارِ وَلَا حَزَنَ فِيهَا، وَمَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48] وَهَذِهِ الصِّفَاتُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ جَنَّةِ آدَمَ؛ لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ صِفَاتِ الْجَنَّةِ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً لَهَا وَإِنَّمَا هِيَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَجَازَ وَصْفُهَا بِذَلِكَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَوْ يَكُونُ وَصْفُهَا بِذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى شَرْطٍ فَلَا يُوصَفُ بِهَا قَبْلَ الشَّرْطِ، وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِثْلُ مَنْ يُنْكِرُ أَنَّ آدَمَ الَّذِي عَصَى وَأُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ لَيْسَ أَبَا الْبَشَرِ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ سُمِّيَ بِاسْمِهِ كَانَ فِي حَدِيقَةٍ عَلَى رَبْوَةٍ فَأُهْبِطَ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: سَابِقِ عِلْمِهِ] أَيْ عِلْمِهِ السَّابِقِ أَيْ الْأَزَلِيِّ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَخْلُقُ آدَمَ] خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ أَنَّهُ يَخْلُقُ آدَمَ أَوْ بَدَلٌ مِنْ الَّذِي سَبَقَ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ، وَإِذَا نَظَرْت لِلتَّحْقِيقِ تَجِدُ السَّبَبَ عَدَمَ التَّوْفِيَةِ بِالشَّرْطِ [قَوْلُهُ: وَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ] مُرُورٌ عَلَى مُقَابِلِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ

فَقَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُوَفِّيَ بِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ النَّارَ) يَعْنِي دَارَ الْعِقَابِ الَّتِي فِيهَا النَّارُ (فَأَعَدَّهَا دَارَ) أَيْ مَنْزِلَ (خُلُودٍ) مُؤَبَّدٍ (لِمَنْ كَفَرَ بِهِ) أَيْ بِاَللَّهِ أَيْ جَحَدَ وُجُودَهُ (وَأَلْحَدَ) أَيْ ظَلَمَ وَزَاغَ (فِي آيَاتِهِ) أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ (وَ) أَلْحَدَ فِي (كُتُبِهِ) الْمُنَزَّلَةِ (وَرُسُلِهِ) الْمُرْسَلَةِ فَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَدَلَّ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْآنَ دَلَّ عَلَى وُجُودِهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ. (وَ) مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّابِقِ. [قَوْلُهُ: وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ شَرْطًا] وَهُوَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ الشَّجَرَةِ [قَوْلُهُ: أَهَّلَهُ فِيهَا] أَيْ أَقَرَّهُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: فَقَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ إلَخْ] قَضِيَّةُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُفَسِّرَ قَضَى بِعِلْمٍ فَيَكُونُ مُرُورًا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْقَضَاءَ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ فِي الْأَزَلِ، وَقِيلَ: هُوَ إرَادَةُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقَةِ أَزَلًا قَالَ عج: إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ وَالْقَدَر الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ اهـ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي دَارَ الْعِقَابِ] مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ. [قَوْلُهُ: مُؤَبَّدٍ] وَصْفٌ كَاشِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخُلُودَ حَقِيقَةٌ فِي التَّأْبِيدِ، أَوْ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ طُولِ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَحَدَ وُجُودَهُ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ الْكُفْرُ بِاَللَّهِ لَيْسَ قَاصِرًا عَلَى جَحْدِ الْوُجُودِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: كَأَنْ جَحَدَ وُجُودَهُ فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْكَافِ مَا إذَا جَحَدَ بَعْضَ صِفَاتِهِ، فَتَأَمَّلْ فِي الْمَقَامِ [قَوْلُهُ: أَيْ ظَلَمَ إلَخْ] بِأَنْ لَمْ يُعْطِ مَخْلُوقَاتِهِ حَقَّهَا مِنْ الِاعْتِبَارِ بِهَا وَالِاتِّعَاظِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى صَانِعٍ حَكِيمٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: زَاغَ أَيْ مَالَ فِيهَا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُورُ، وَعَطْفُ زَاغَ عَلَى ظَلَمَ لَازِمٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَطْفَ أَلْحَدَ عَلَى كَفَرَ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَيْضًا وَإِنْ شِئْت قُلْت: مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ [قَوْلُهُ: وَوَحْدَانِيِّتِهِ] فِيهِ مُرُورٌ عَلَى أَنَّ دَلِيلَ الْوَحْدَانِيَّةِ عَقْلِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَصِفَاتِهِ] أَيْ مَا عَدَا السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ فَإِنَّ دَلِيلَهَا سَمْعِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَأَلْحَدَ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ] فَسَّرَ بَعْضُهُمْ أَلْحَدَ بِارْتَابَ وَبَعْضٌ بِجَحَدَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ الشَّارِحِ فَنَقُولُ: أَيْ ظَلَمَ فِي كُتُبِهِ، أَيْ لَمْ يُعْطِهَا حَقَّهَا مِنْ الِاعْتِرَافِ بِهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِلتَّعْبِيرِ بِارْتَابَ وَجَحَدَ، وَأَرَادَ جِنْسَ كُتُبِهِ وَجِنْسَ رُسُلِهِ لِيَصْدُقَ بِالْبَعْضِ، وَمِثْلُ الرُّسُلِ الْأَنْبِيَاءُ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: فَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ] أَيْ مِنْ الْآيَاتِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَالْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ إنَّمَا كَانَتْ دَارَ خُلُودٍ لِمَنْ أَلْحَدَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى تَقْرِيرِ جَعْلِ الْوَاوِ فِي وَأَلْحَدَ بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمُرَادُ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنْ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَاَلَّذِي فِي الْقُرْآنِ، وَأَمَّا جَحْدُ شَيْءٍ لَمْ يُعْلَمْ ضَرُورَةً فَهُوَ لَيْسَ بِكُفْرٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ مَا ذُكِرَ تَفْصِيلًا لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رُتِّبَ الْكُفْرُ عَلَى الْجَحْدِ أَيْ الْإِنْكَارِ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ مَا يُفِيدُ الْكُفْرَ عِنْدَ الشَّكِّ، وَكَذَا ظَاهِرُ عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ شَكَّ بَعْدَ أَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِهَذَا الْمَعْنَى الثَّابِتِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. [قَوْلُهُ: مَوْجُودَتَانِ] تَفْسِيرٌ لَمَخْلُوقَتَانِ [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] قَالَ تَعَالَى {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ} [آل عمران: 133] فِيهِ دَلَالَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ عَرْضُهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا عَرْضَ لَهُ، وَالثَّانِي قَوْلُهُ: أُعِدَّتْ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي النَّارِ

يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ اللَّهَ (جَعَلَهُمْ) بِمَعْنَى صَيَّرَ مَنْ كَفَرَ وَأَلْحَدَ فِي آيَاتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ (مَحْجُوبِينَ) أَيْ مَمْنُوعِينَ (عَنْ رُؤْيَتِهِ) تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ الْكَرَامَاتِ وَالتَّشْرِيفِ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ) أَيْ تَزَايَدَ خَيْرُهُ (وَتَعَالَى) أَيْ تَعَاظَمَ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ (يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) قَالَ تَعَالَى {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْآيَةِ وَعَبَّرَ بِالْمُسْتَقْبَلِ قَصَدَ بِذَلِكَ تَفْسِيرَهَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ بِالْمَاضِي عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، إذَا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ وَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إلَيْهِ تَعَالَى مَصْرُوفٌ عَنْ ظَاهِرِهِ إجْمَاعًا إذْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْجِهَاتُ وَالْأَمْكِنَةُ وَالتَّحَوُّلُ فَالسَّلَفُ الصَّالِحُ قَالُوا: هَذَا مِنْ السِّرِّ الْمَكْتُومِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ] فَفِي التِّرْمِذِيِّ «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: اُنْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت إلَى أَهْلِهَا إلَى أَنْ قَالَ: اذْهَبْ إلَى النَّارِ فَانْظُرْ إلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْت إلَى أَهْلِهَا» الْحَدِيثَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَاتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى إجْرَائِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ] أَيْ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ، قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ كُفَّارٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِوُجُودِهِمَا الْآنَ، وَإِنَّمَا يُوجَدَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُمْ عُصَاةٌ لَا كُفَّارٌ، إلَّا أَنَّ الشَّارِحَ أَفَادَ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ: لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَالَهُ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ جَهْلًا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَمُؤَوِّلُونَ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمَا الْآنَ فَإِنْ قَالَهُ عَنْ تَأْوِيلٍ كَالْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يُكَفَّرُ، وَإِنْ قَالَهُ عَنْ جَهْلٍ، أَوْ عَمْدًا بِلَا تَأْوِيلٍ فَهُوَ كُفْرٌ أَفَادَ هَذَا التَّقْرِيرَ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمَا أَصْلًا لَا أَثَبْتَهُمَا الْآنَ وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ [قَوْلُهُ: لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ، وَمُفَادُ قَوْلِهِ: قَالَ خِلَافٌ إلَخْ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَهْلِ الْجَهْلُ الْمُرَكَّبُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ جَاهِلًا جَهْلًا بَسِيطًا بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ كَافِرٍ كَمَا هُوَ مُفَادُ قَوْلِهِ: فَمَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَأَلْحَدَ إلَخْ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمُعَوَّلُ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الرُّؤْيَةِ فِي الْمَوْقِفِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا فِي الْجَنَّةِ فَبِاتِّفَاقٍ لَا يَرَوْنَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَهَا، وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَرَاهُ كُلُّ كَافِرٍ مُنَافِقٍ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَرَاهُ الْمُنَافِقُ دُونَ غَيْرِهِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: وَالتَّشْرِيفِ] مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ [قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُنَافِقًا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: لَيْسَ أَهْلًا] أَيْ مُسْتَحِقًّا [قَوْلُهُ: أَيْ تَعَاظَمَ] بِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ تَعَالَى عَلَى تَبَارَكَ؛ لِأَنَّ تَعَالَى عَلَى مَا فُسِّرَ مِنْ بَابِ التَّخْلِيَةِ وَتَبَارَكَ مِنْ بَابِ التَّحْلِيَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ] أَيْ جِنْسِ صِفَاتِهِمْ وَلَوْ صِفَةً وَاحِدَةً، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: عَنْ الصِّفَاتِ الْحَادِثَةِ كَانَتْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ بِالْفِعْلِ أَوْ صِفَاتٍ أُخَرَ تَتَّصِفُ بِالْحُدُوثِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ إيجَادَهَا. [قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ] أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَيْ بِالْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ. [قَوْلُهُ: قَصَدَ بِذَلِكَ تَفْسِيرَهَا] وَهُوَ أَنَّ جَاءَ الْمَاضِي يُرَادُ مِنْهُ الْمُسْتَقْبَلُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَرَبَ إلَخْ] أَيْ وَالْقُرْآنُ وَارِدٌ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. [قَوْلُهُ: بِالْمَاضِي] أَيْ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي. [قَوْلُهُ: عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ] أَيْ عَنْ الْمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ إذَا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا تَرَجَّى الْوُقُوعَ. [قَوْلُهُ: إذْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْجِهَاتُ وَالْأَمْكِنَةُ وَالتَّحَوُّلُ] أَيْ الَّتِي هِيَ لَازِمَةٌ لِلْمَجِيءِ، وَلُزُومُ التَّحَوُّلِ لِلْمَجِيءِ مِنْ لُزُومِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ، وَعَطْفُ الْأَمْكِنَةِ عَلَى الْجِهَاتِ مُغَايِرٌ وَقَدْ يَتَّحِدَانِ ذِكْرًا وَيَخْتَلِفَانِ اعْتِبَارًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ لَهُ جِهَةٌ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي مَكَان أَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ لِشَيْءِ كَكُرَةِ الْعَالَمِ فَإِنَّهَا فِي مَكَان وَلَيْسَتْ جِهَةً لِشَيْءٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: السِّرِّ] أَيْ الْأَمْرِ الْخَفِيِّ وَقَوْلُهُ الْمَكْتُومِ أَيْ الَّذِي كَتَمَهُ اللَّهُ عَنَّا. [قَوْلُهُ: لَا

لَا يُفَسَّرُ، وَكَانَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا: اقْرَءُوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوَّلَهَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَى مَجِيئِهِ تَعَالَى ظُهُورُهُ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ فِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَجِيءٍ وَانْتِقَالٍ، فَعَبَّرَ عَنْ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: جَاءَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَأَوَّلُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ إلَى اسْتِقْرَارِ الْخَلْقِ فِي الدَّارَيْنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْجِنْسِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى رَبِّكَ وَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ يُنْصَبُ عَلَى الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ مَجِيءَ اللَّهِ تَعَالَى مُغَايِرٌ لِمَجِيءِ الْمَلَكِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَصَفًّا صَفًّا نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لَا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَالْمَعْنَى تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ فَيَصْطَفُّونَ صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مُحْدِقِينَ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ (لِعَرْضِ الْأُمَمِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِيءُ وَالْعَرْضُ تَمْيِيزُ الْمَعْرُوضِينَ وَالنَّظَرُ فِي أَحْوَالِهِمْ. ع: ظَاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفَسَّرُ] أَيْ لَا يَنْبَغِي تَفْسِيرُهُ أَيْ وَلَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، [قَوْلُهُ: وَكَانَ مَالِكٌ] أَيْ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، [قَوْلُهُ: بِلَا كَيْفٍ إلَخْ] أَيْ اقْرَءُوهَا وَأَحِيلُوا ظَاهِرَهَا فَلَا تُشَبِّهُوهُ بِخَلْقِهِ، [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوَّلُوهَا] أَيْ الْخَلَفُ هَذَا قَضِيَّةُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ: اُخْتُلِفَ، فَيَكُونُ الْبَعْضُ الَّذِي لَمْ يُؤَوِّلْ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ السَّلَفِ، وَيَكُونُ حَاصِلُهُ أَنَّ غَالِبَ السَّلَفِ لَيْسَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَبَعْضُهُمْ مِنْهُمْ وَلَا يُؤَوَّلُ كَالْغَالِبِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُمْ وَلَا يُؤَوَّلُ أَيْضًا وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ كُلَّهُمْ مِنْ الْخَلَفِ إلَّا أَنَّ غَالِبَهُمْ يُؤَوِّلُ وَغَيْرُ الْغَالِبِ يُوَافِقُ السَّلَفَ وَيَكُونُ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِ الْخَلَفِ يُؤَوِّلُونَ أَيْ غَالِبُهُمْ وَغَيْرُ الْغَالِبِ يُوَافِقُ السَّلَفَ بِتَمَامِهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّأْوِيلِ. [قَوْلُهُ: ظُهُورُهُ] أَيْ ظُهُورُ ذَاتِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُ فَقَطْ، فِي الْمَوْقِفِ أَيْ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ الْكُفَّارِ لَا يَرَوْنَهُ أَوْ يَرَوْنَهُ أَوْ الْمُرَادُ ظُهُورُ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَآثَارِهِ: قَهْرُهُ فَيُوَافِقُ قَوْلَ غَيْرِهِ، يُؤَوَّلُ بِظُهُورِ آثَارِ قُدْرَتِهِ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: وَانْتِقَالٍ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ جَاءَ أَمْرُهُ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَيْضًا مَجِيءُ الْأَمْرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ، مَا يُؤْمَرُ وَبِالنَّهْيِ مَا يُنْهَى أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ وَالْمَلَكُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، أَوْ يُقَالُ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَعْنِي مَجِيءَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، تُعُورِفَ فِي مَجِيءِ حَامِلِهِ أَيْ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً. [قَوْلُهُ: إلَى اسْتِقْرَارِ إلَخْ] وَقِيلَ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، [قَوْلُهُ: لِلْجِنْسِ] أَيْ ضِمْنِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي، [قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ] أَيْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يُقَدَّرُ لَهُ لَفْظٌ، وَجَاءَ أُخْرَى فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ جَمْعٌ إنَّمَا اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مَجَازٌ، وَالثَّانِي حَقِيقَةٌ، [قَوْلُهُ: انْصِبَابَةً وَاحِدَةً] تَأْكِيدٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفِعْلَ فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَيُحْتَمَلُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْفِعْلَ، فَلَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي الْحَقِيقَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الْمَلَكِ هُوَ الِانْتِقَالُ الْحِسِّيُّ، الْمَخْصُوصُ وَمَجِيءَ الرَّبِّ غَيْرُهُ أَمْرٌ يَلِيقُ بِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَجِيءِ هَذَا مُغَايِرَةٌ لِحَقِيقَةِ مَجِيءِ الْآخَرِ أَيْ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْعِبَارَةُ فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ لَفْظٌ جَاءَ وَلَوْ قَالَ أَيْ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كَمَا أَفَدْنَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ، وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْخَلَفِ فَاللَّفْظُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فِي الطَّرَفَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: لَا كَمَا تَوَهَّمَهُ] أَيْ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا صَفٌّ وَاحِدٌ، مَعَ أَنَّهُ سَبْعَةُ صُفُوفٍ، [قَوْلُهُ: تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ كُلِّ سَمَاءٍ] أَيْ فَقَدْ وَرَدَ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَيَأْمُرُهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَتَمْتَدُّ كَالْأَدِيمِ فَيَكُونُ فِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَطُوفُونَ بِالْخَلْقِ، ثُمَّ تَنْزِلُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَيَطُوفُونَ بِالْجَمْعِ إلَى آخِرِ السَّبْعِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إنْ اسْتَطَعْتُمْ، وَالْخَلْقُ عِنْدَ التَّبْدِيلِ عَلَى الصِّرَاطِ، [قَوْلُهُ: مُحْدِقِينَ بِالْإِنْسِ وَالْجِنِّ] أَيْ وَغَيْرِهِمْ عَلَى مَا

كَلَامِهِ أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ تُعْرَضُ، وَقِيلَ: لَا يُحْشَرُ لِلْعَرْضِ إلَّا مَنْ يُحَاسَبُ وَيُعَاقَبُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: (وَحِسَابَهَا وَعُقُوبَتَهَا وَثَوَابَهَا) فَالْبَهَائِمُ لَا تُحْشَرُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحَاسَبُ وَلَا تُعَاقَبُ، وَالْحِسَابُ هُوَ أَنْ يُعَدِّدَ عَلَيْهِ كُلَّ مَا فَعَلَ مِنْ حَسَنَةٍ وَمِنْ سَيِّئَةٍ فَيُحَاسَبُ الْمُؤْمِنُ بِالْفَضْلِ وَالْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ بِالْحُجَّةِ وَالْعَدْلِ، وَالْعُقُوبَةُ قِسْمَانِ: يَسِيرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَيَجِيءُ. [قَوْلُهُ: وَالْعَرْضُ تَمْيِيزٌ إلَخْ] أَيْ تَعْيِينُهُمْ فَعَطْفُ النَّظَرِ مُغَايِرٌ كَالْمَلِكِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، إذَا جِيءَ لَهُ بِقَوْمٍ فَيُمَيِّزُهُمْ، أَيْ يُعَيِّنُهُمْ وَيُعَرِّفُهُمْ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَرْضَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُسْتَحِيلٌ؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الْجَهْلِ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْجَوَابُ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَصْدَهُ تَفْسِيرُ الْعَرْضِ فِي ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْمَقَامِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لَهُ فَيُفَسَّرُ بِالطَّرَفِ الثَّانِي فَقَطْ أَيْ الذِّكْرِ هُوَ النَّظَرُ فِي الْأَحْوَالِ كَمَا فَسَّرَ بِهِ تت، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ الْعَرْضِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، تَفْسِيرٌ بِغَايَةِ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْحَقِيقَةِ الْإِظْهَارُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ عَرَضْت الشَّيْءَ عَرْضًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، فَأَعْرَضَ هُوَ بِالْأَلِفِ أَيْ أَظْهَرْته وَأَبْرَزْته، فَظَهَرَ هُوَ وَبَرَزَ وَالْمُطَاوِعُ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي تَعَدَّى ثُلَاثِيُّهَا وَقُصِرَ رُبَاعِيُّهَا عَكْسُ الْمُتَعَارَفِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ سَائِرَ الْأُمَمِ] أَيْ طَوَائِفَ الْحَيَوَانَاتِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ، فَالْبَهَائِمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا أَيْضًا كَلَامُ تت، وَقَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَقَوْلُهُ تُعْرَفُ أَيْ يُنْظَرُ فِي أَحْوَالِهَا، هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ لِلْعَرْضِ، أَيْ لِلنَّظَرِ فِي حَالِهِ، وَقَوْلُهُ إلَّا مَنْ يُحَاسَبُ يُعَاقَبُ، أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُعَاقَبَ وَيُحَاسَبَ وَهُمْ الْآدَمِيُّونَ، أَيْ لَا الْبَهَائِمُ فَقَوْلُهُ بَعْدُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُحَاسَبُ إلَخْ، أَيْ لِأَنَّ شَأْنَهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّينَ وَالْجِنِّ، فَإِنَّ شَأْنَهُمَا ذَلِكَ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي ضَعِيفٌ إذْ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ السُّيُوطِيّ، أَنَّ الْبَهَائِمَ أَيْ مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ يُحْشَرُ إذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى أَنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاءِ فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَبْقَ لِوَاحِدَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى تَبَعَةٌ يَقُولُ اللَّهُ: كُونُوا تُرَابًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا، أَيْ لَيْتَنِي كُنْت تُرَابًا فِي الدُّنْيَا فَلَمْ أُخْلَقْ وَلَمْ أَكُنْ أَوْ فِي هَذَا الْيَوْمِ، فَلَمْ أُبْعَثْ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّقْدِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ حَشْرِ الْجَمَادِ وَهُنَاكَ كَلَامٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَرَاجِعْهُ. [قَوْلُهُ: وَحِسَابَهَا إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِعَرْضِ الْأُمَمِ، [قَوْلُهُ: وَالْحِسَابُ هُوَ أَنْ يُعَدِّدَ عَلَيْهِ كُلَّ مَا فَعَلَ] أَيْ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فَيُكَلِّمُ الْمَوْلَى تَعَالَى عِبَادَهُ فِي شَأْنِ أَعْمَالِهِمْ وَكَيْفِيَّةِ مَا لَهَا مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. قَالَ فَخْرُ الدِّينِ إمَّا بِأَنْ يَسْمَعُوا كَلَامَهُ الْقَدِيمَ أَوْ يَسْمَعُوا صَوْتًا يَدُلُّ عَلَيْهِ، يَتَوَلَّى اللَّهُ تَخْلِيقَهُ فِي أُذُنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ فِي مَحَلٍّ يَقْرُبُ مَنْ أُذُنِهِ بِحَيْثُ لَا تَبْلُغُ قُوَّةُ ذَلِكَ الصَّوْتِ مَنْعُ الْغَيْرِ مِنْ سَمَاعِ مَا كُلِّفَ بِهِ اهـ. فَعَلَى هَذَا الْمُحَاسِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ اللَّقَانِيُّ وَعِنْدِي أَنَّ الْحَقَّ، أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا أَنَّ الْخَلْقَ فِي الْمُحَاسَبَةِ مُخْتَلِفَةُ الْأَقْوَالِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تُحَاسِبُهُ الْمَلَائِكَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُحَاسِبُهُ أَصْلًا أَيْ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعِي مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ سَيِّئَةٍ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَهِيَ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ، فَتَجُوزُ الْجَمْعُ وَظَاهِرُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَا يُعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ. [قَوْلُهُ: بِالْفَضْلِ] الْبَاءُ فِيهِ وَفِي بِالْعَدْلِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ حِسَابًا مُلْتَبِسًا بِالْفَضْلِ، فَالْمُؤْمِنُ يَخْلُو بِرَبِّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْكَافِرُونَ يُحَاسَبُونَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَيُنَادَى بِهِمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي حِسَابِ الْمُؤْمِنِينَ سَتْرٌ وَغُفْرَانٌ نَاسَبَ الْفَضْلَ، وَلَمَّا كَانَ فِي حِسَابِ الْكَافِرِ الْهَتْكُ نَاسَبَ الْعَدْلَ، وَعَطْفُ الْعَدْلِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُغَايِرٌ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُجَّةِ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُجَّةِ مَا يُقَامُ عَلَيْهِ مِنْ الْحُجَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي الذُّنُوبِ الَّتِي سَتَرَهَا عَلَيْهِ وَغَفَرَهَا، فَقِيلَ ذُنُوبٌ تَابَ مِنْهَا وَلَكِنْ

وَهِيَ مَا يُصِيبُ الْجِسْمَ، وَشَدِيدَةٌ وَهِيَ حَجْبُهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسَلُّطُ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّوَابُ الْجَزَاءُ فَيُجَازَى عَنْ الْإِحْسَانِ فِي الْجَنَّةِ وَعَنْ الْإِسَاءَةِ فِي النَّارِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ شَرْعًا أَنَّهُ (تُوضَعُ) أَيْ تُنْصَبُ (الْمَوَازِينُ لِ) أَجْلِ (وَزْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ) أَيْ الصَّحَائِفِ الَّتِي فِيهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء: 47] الْآيَةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْعُمُومُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مُحْسِنِينَ كَانُوا أَوْ مُسِيئِينَ. وَفِي الْكَافِرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ، وَحِكْمَةُ الْوَزْنِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَمْحُوهَا مِنْ الصَّحِيفَةِ، حَتَّى يُوقَفَ فَاعِلُهَا عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَقِيلَ صَغَائِرُ اقْتَرَفَهَا وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَمَعْنَى الْحِسَابِ أَنَّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعَدِّدُ عَلَى الْخَلْقِ أَعْمَالَهُمْ مِنْ إحْسَانٍ وَإِسَاءَةٍ وَيُعَدِّدُ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ثُمَّ يُقَابِلُ الْبَعْضَ بِالْبَعْضِ فَمَا يَشِفُّ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ اُعْتُبِرَ اهـ، كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ وَبَعْضُهُ بِالْمَعْنَى وَنَقَلَ اللَّقَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْفَاسِقَ يُحَاسَبُ بَيْنَ مَعَارِفِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَفْظَعَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَنَقُولُ: إنَّ الْفَضْلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ لَيْسَ ثَابِتًا لِكُلِّ مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ مَا قَالَهُ هَذَا الْبَعْضُ يُحْمَلُ عَلَى بَعْضِ الْفُسَّاقِ مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ فَضِيحَتَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَا يُصِيبُ الْجِسْمَ] ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ شَدِيدَةٍ أَوْ خَفِيفَةٍ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الشِّدَّةُ الْمُقَابِلَةُ لِلْيُسْرِ بِالْحَجْبِ، وَتَكُونُ مَعْنَوِيَّةً أَيْ تَكُونُ الشِّدَّةُ مَعْنَوِيَّةً وَتَكُونُ الْمَعْنَوِيَّةُ أَقْوَى مِنْ الْحِسِّيَّةِ، سَوَاءٌ صَاحَبَهَا عَذَابٌ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ أَمْ لَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَتَسْلِيطٌ إلَخْ لَا دَخْلَ لَهُ فِي تَحَقُّقِ الشِّدَّةِ، فَلَا يُنَاسِبُ ذِكْرُهَا [قَوْلُهُ: عَنْ الْإِحْسَانِ] الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ طَاعَةِ الْمَوْلَى مَصْدَرُ أَحْسَنَ أَيْ أَتَى بِفِعْلٍ حَسَنٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، [قَوْلُهُ: فِي الْجَنَّةِ] أَيْ الْمُجَازَاةُ الدَّائِمَةُ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ الْإِسَاءَةِ فِي النَّارِ] أَيْ دَارِ الْعِقَابِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَأْتِي هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا دَخَلَ النَّارَ لَا يُخَلَّدُ وَيُجَابُ بِمَا يَشْمَلُهُمَا، بِأَنْ يُرَادَ الْمُجَازَاةُ الْعُظْمَى فَالْمُجَازَاةُ فِي الْقَبْرِ وَفِي الْمَوْقِفِ دُونَهَا وَفِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى الْبَاءِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ، فَالسَّبَبُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ أَيْ وَمَا يَكُونُ فِيهَا الْإِحْسَانُ، وَفِي دُخُولِ النَّارِ وَمَا يَكُونُ فِيهَا الْإِسَاءَةُ إلَّا أَنَّ الْإِحْسَانَ لَيْسَ سَبَبًا تَامًّا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالْجَزَاءُ الثَّانِي رَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ وَبَعْضٌ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ الْجَنَّةَ أَيْ الْعَمَلُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْقَبُولِ وقَوْله تَعَالَى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] أَيْ بِالْعَمَلِ الْمُتَقَبَّلِ، وَالْقَبُولُ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: الصَّحَائِفُ إلَخْ] أَيْ فَالْمَوْزُونُ نَفْسُ الصَّحَائِفِ، أَوْ إنَّ الْأَعْمَالَ تُجَسَّمُ، وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الصَّحَائِفِ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ كُتُبَ الْأَعْمَالِ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ، وَقِيلَ تُوزَنُ الذَّوَاتُ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَيُؤْتَى بِالْعَظِيمِ الثَّقِيلِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ» . [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ لَا تُوزَنُ أَعْمَالُهُمْ وَيُوَافِقُهُ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا مِيزَانَ لِمَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَهْلِ الصَّبْرِ، نَعَمْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ تت، فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَعْمَالُ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَعْمَالُ الْخَيْرِ تُجْعَلُ فِي كِفَّةِ النُّورِ وَلَا يُوجَدُ لَهُ مَا يُجْعَلُ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، فَتُرْفَعُ كِفَّةُ النُّورِ إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَأَعْمَالُ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الشَّرُّ، أَيْ مِنْ كُفْرٍ وَسَيِّئَاتٍ تُجْعَلُ فِي كِفَّةِ الظُّلُمَاتِ، وَلَا يُوجَدُ مَا يُجْعَلُ لَهُمْ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فَتَهْبِطُ بِعَمَلِهِ إلَى سِجِّينٍ، أَقُولُ ذَكَرَ بَعْضٌ مَا حَاصِلُهُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهَا تُوضَعُ فِي مِيزَانِهِ فَيَرْجَحُ الْكُفْرُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُوزَنُ لَهُ عَمَلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى، {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] ، وَأَجَابَ الْأَكْثَرُ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَزْنًا نَافِعًا. [قَوْلُهُ: وَحِكْمَةُ الْوَزْنِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارِ بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: امْتِحَانُ اللَّهِ أَيْ إخْبَارُ اللَّهِ بِالْإِيمَانِ، أَيْ بِطَلَبِ الْإِيمَانِ

بِكُلِّ شَيْءٍ امْتِحَانُ اللَّهِ عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِأَهْلِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ فِي الْعُقْبَى، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْمِيزَانِ فَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآخِرَةِ مِيزَانٌ حِسِّيٌّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَدْلُ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ أَنَّهُ مِيزَانٌ حِسِّيٌّ لَهُ كِفَّتَانِ وَلِسَانٌ، وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ جِسْمٌ هَلْ هُوَ مِيزَانٌ وَاحِدٌ أَوْ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِيزَانٌ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِيزَانٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاحِدٌ وَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَلِعَظَمَتِهِ، أَوْ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ الْمُفْرَدُ وَالصَّنْجُ يَوْمئِذٍ مَثَاقِيلُ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ تَحْقِيقًا لِتَمَامِ الْعَدْلِ، وَتُطْرَحُ صَحَائِفُ الْحَسَنَاتِ فِي كِفَّةِ النُّورِ فَتَثْقُلُ بِهَا الْمِيزَانُ بِفَضْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمِيزَانِ فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَأَشَارَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ عَطْفًا عَلَى امْتِحَانٍ، وَجَعَلَ ذَلِكَ عَلَامَةً إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَجُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَخْ] سَبَبُ إنْكَارِهِمْ الْمِيزَانَ أَنَّ الْأَعْمَالَ أَعْرَاضٌ إنْ أَمْكَنَ إعَادَتُهَا، لَمْ يَكُنْ وَزْنُهَا؛ وَلِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِلَّهِ فَوَزْنُهَا عَبَثٌ، وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّ كُتُبَ الْأَعْمَالِ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ فَلَا إشْكَالَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَعْمَالِ الْعِبَادِ مُعَلَّلَةٌ بِالْأَغْرَاضِ، لَعَلَّ فِي الْوَزْنِ حِكْمَةٌ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهَا، وَعَدَمُ اطِّلَاعِنَا عَلَى الْحِكْمَةِ لَا يُوجِبُ الْعَبَثَ. [قَوْلُهُ: بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْعَدْلُ] أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَعْدِلُ بَيْنَ خَلْقِهِ فَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا، [قَوْلُهُ: كِفَّتَانِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ كِفَّةُ الْمِيزَانِ بِالْكَسْرِ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُهُ. [قَوْلُهُ: الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ جِسْمٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْضِعَ لِلضَّمِيرِ، فَكَانَ يَقُولُ: وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا أَيْ أَنَّ السَّلَفَ بَعْدَ أَنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِيزَانٌ حِسِّيٌّ، اخْتَلَفُوا أَهَلْ هُوَ مِيزَانٌ إلَخْ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ جِسْمٌ أَيْ حِسِّيٌّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَظْهَرَ إشَارَةً إلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ الْخَلَفِ التَّابِعِ لِلسَّلَفِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَخْتَلِفُوا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ مَنْ تَبِعَهُمْ فِي هَذَا مِنْ الْخَلَفِ. [قَوْلُهُ: فَلِعَظَمَتِهِ] بَيَّنَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ قِيلَ كِفَّتَانِ كَأَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ إحْدَاهُمَا مِنْ نُورٍ، وَهِيَ الَّتِي تُوزَنُ فِيهَا الْحَسَنَاتُ وَالْأُخْرَى مِنْ ظُلُمَاتٍ، وَهِيَ الَّتِي تُوزَنُ فِيهَا السَّيِّئَاتُ وَقِيلَ لَوْ وُضِعْت السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي إحْدَاهُمَا لَوَسِعَتْهُنَّ. [قَوْلُهُ: أَوْ أُرِيدَ بِالْجَمْعِ الْمُفْرَدُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ قُلْنَا فَجَمْعٌ لِعَظَمَتِهِ فَقَدْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ الْمُفْرَدَ. [قَوْلُهُ: وَالصَّنْجُ يَوْمئِذٍ إلَخْ] هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ إحْدَى الْكِفَّتَيْنِ تُوضَعُ فِيهَا الصَّنْجُ وَالْكِفَّةُ الثَّانِيَةُ يُوضَعُ فِيهَا الْمَوْزُونُ مِنْ حَسَنَاتٍ أَوْ مِنْ سَيِّئَاتٍ، [قَوْلُهُ: وَالْخَرْدَلُ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ إنَّ الْبَعْضَ مَثَاقِيلُ الذَّرِّ، وَالْبَعْضُ مَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ وَالذَّرُّ قَدْ عَرَفْته وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ارْتَكَبْنَا، جَعَلَ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ يُقَالُ: وَهُوَ الْأَوْلَى إنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّتِهَا جِدًّا فَلَمْ يُرِدْ مِنْ الْكَلَامِ حَقِيقَتَهُ، [قَوْلُهُ: تَحْقِيقًا لِتَمَامِ الْعَدْلِ] أَيْ؛ لِأَنَّ فِي قِلَّةِ الصَّنْجِ وَدِقَّتِهَا، لَا يَتَحَقَّقُ حَيْفٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَتُطْرَحُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا صَنْجَ؛ لِأَنَّ مُلَخَّصَهُ أَنَّ إحْدَى الْكِفَّتَيْنِ لِلْحَسَنَاتِ، وَالْأُخْرَى لِلسَّيِّئَاتِ. وَأَجَابَ عج بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّنْجَ فِيمَنْ لَهُ حَسَنَاتٌ فَقَطْ أَوْ سَيِّئَاتٌ فَقَطْ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ الْأَمْرَانِ مَعًا فَإِحْدَاهُمَا فِي كِفَّةٍ وَالْأُخْرَى فِي الْأُخْرَى، فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةٍ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ أَنَّ النَّاسَ فِي الْآخِرَةِ ثَلَاثُ طِبَاقٍ. مُتَّقُونَ لَا كَبَائِرَ لَهُمْ وَمُخْلِطُونَ، وَهُمْ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، وَكُفَّارٌ، فَالْمُتَّقُونَ تُوضَعُ حَسَنَاتُهُمْ فِي الْكِفَّةِ النَّيِّرَةِ، وَصَغَائِرُهُمْ إنْ كَانَتْ فِي الْأُخْرَى فَتَثْقُلُ النَّيِّرَةُ وَتَرْتَفِعُ الْمُظْلِمَةُ وَأَمَّا الْمُخْلِطُونَ، فَحَسَنَاتُهُمْ تُجْعَلُ فِي النَّيِّرَةِ وَسَيِّئَاتُهُمْ فِي الْمُظْلِمَةِ فَإِنْ تَسَاوَيَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، وَإِنْ رَجَحَ أَحَدُهُمَا عُمِلَ بِهِ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ أَوْ إلَى النَّارِ. إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُوضَعُ كُفْرُهُ فِي الْمُظْلِمَةِ وَلَا تُوجَدُ لَهُ حَسَنَةٌ تُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى وَتَبْقَى فَارِغَةً فَيَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ إلَى النَّارِ اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يُخْرَجُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ الْقَوِيِّ، وَيُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ أَطْرَافِ كَلَامِهِمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى أَحْوَالٍ فَالصَّنْجُ فِي حَقِّ أُنَاسٍ وَتَرْكُهَا فِي حَقِّ أُخْرَى وَتَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، [قَوْلُهُ: فَتَثْقُلُ بِهَا الْمِيزَانُ] لَا

اللَّهِ تَعَالَى، وَتُطْرَحُ صَحَائِفُ السَّيِّئَاتِ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ فَتَخِفُّ بِهَا الْمِيزَانُ بِعَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَمَنْ ثَقُلَتْ) أَيْ رَجُحَتْ (مَوَازِينُهُ) أَيْ مَوْزُونَاتُهُ وَهِيَ الصَّحَائِفُ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَالُ (فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) أَيْ النَّاجُونَ، وَانْظُرْ لِمَ تُرِكَ قَسِيمُ هَذَا وَهُوَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْبَاطِلَ، وَصِفَةُ الثِّقْلِ الِارْتِفَاعُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْأُمَمَ (يُؤْتَوْنَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ تُوزَنُ أَعْمَالُهُ وَحْدَهُ حَسَنَاتُهُ فِي كِفَّةٍ وَسَيِّئَاتُهُ فِي كِفَّةٍ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الرُّجْحَانَ حِسِّيٌّ لَا مَعْنَوِيٌّ، وَقِيلَ يُجْعَلُ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فِي الْمِيزَانِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْحَسَنَاتُ فِي كِفَّةِ النُّورِ وَالسَّيِّئَاتُ فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ لِكُلِّ إنْسَانٍ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَفْهَمُ بِهِ خِفَّةَ أَعْمَالِهِ وَثِقَلَهَا، وَقِيلَ عَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ يَقُومُ عَمُودٌ مِنْ كِفَّةِ الظُّلْمَةِ، حَتَّى يَكْسُوَ كِفَّةَ النُّورِ فَإِذَا رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ يَقُومُ عَمُودٌ مِنْ كِفَّةِ النُّورِ، حَتَّى يَكْسُوَ كِفَّةَ الظُّلْمَةِ اهـ، وَالظَّاهِرُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا لَهُ. قَالَهُ اللَّقَانِيُّ وَعَلَيْهَا فَالرُّجْحَانُ مَعْنَوِيٌّ اهـ، أَقُولُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُعْقَلُ صَنْجٌ أَصْلًا [قَوْلُهُ: بِفَضْلِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ الشَّارِحِ، فَتَثْقُلُ مَعَ هَذَا التَّعْبِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ بِفَضْلِ اللَّهِ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّابِتَ لِلْحَسَنَاتِ الثِّقْلُ، عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِلسَّيِّئَاتِ الْخِفَّةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَهُوَ: طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ قَائِلًا: إنْ كَانَ مُؤْمِنٌ يَثْقُلُ مِيزَانُهُ؛ لِأَنَّ إيمَانَهُ يُوزَنُ مَعَ حَسَنَاتِهِ، وَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102] أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ تَعْذِيبِهِمْ اهـ. أَقُولُ وَثَمَرَةُ الْوَزْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَمَارَةٌ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَاسْتَحْسَنَ هَذَا الْقَوْلَ عج وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّ الثِّقْلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ فَتُثْقِلُ مِيزَانَهُ بِهَا وَيُحْمَلُ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] أَيْ بَعْضُهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي غَيْرِهَا أَقُولُ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَةُ كَلَامِ شَارِحِنَا عَلَيْهِ بِأَنْ نَقُولَ: قَوْلُهُ، فَتَثْقُلُ أَيْ إنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالْفَضْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى لَوْ قَدَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَخِفَّ مِيزَانُهُ مَعَ كَثْرَةِ حَسَنَاتِهِ، لَمَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَجٌ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ يَفْعَلُ كَيْفَ يَشَاءُ. [قَوْلُهُ: فِي كِفَّةِ الظُّلْمَةِ] أَيْ عَنْ يَسَارِ الْعَرْشِ جِهَةَ النَّارِ، وَأَمَّا كِفَّةُ النُّورِ فَتُجْعَلُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ جِهَةَ الْجَنَّةِ، كَمَا قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: بِعَدْلِ اللَّهِ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِفَّةَ ضِدُّ الثِّقْلِ، فَيَكُونُ خِفَّةُ السَّيِّئَاتِ فَضْلًا؛ لِأَنَّهَا مُلَازِمَةٌ لِثِقَلِ الْحَسَنَاتِ وَالْعَدْلِ فِي ثِقَلِهَا؛ لِأَنَّهُ مُلَازِمٌ لِخِفَّةِ الْحَسَنَاتِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْزُونَاتِهِ] مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ وَإِرَادَةِ الْمَحَلِّ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَوَازِينِ الْآلَاتِ الَّتِي يُوزَنُ بِهَا، [قَوْلُهُ: وَهِيَ الصَّحَائِفُ] أَيْ وَالْأَجْسَامُ الَّتِي عَلَى عَدَدِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ] أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ التَّعْذِيبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ: تَرَكَهُ إشَارَةً إلَى سَعَةِ رَجَاءِ فَضْلِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا الثِّقْلُ. وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ فَلَا تَرْكَ حَقِيقَةٍ [قَوْلُهُ: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ] عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ الْمُؤْمِنِينَ تَثْقُلُ مَوَازِينُهُمْ، تَكُونُ الْآيَةُ مَحْمُولَةً عَلَى الْكُفْرِ وَإِمَّا عَلَى الْأُولَى وَهِيَ أَنَّ الَّذِي تَثْقُلُ مَوَازِينُهُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ، فَهِيَ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَتُؤَوَّلُ إمَّا بِمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا بِأَنَّ الْخُلُودَ يُطْلَقُ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إلَخْ] كَلَامُهُ يَنْزِلُ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ فَإِنَّ حَمَلَ الْحَقَّ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَالْبَاطِلَ عَلَى الْكُفْرِ كَانَ آتِيًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ كَانَ آتِيًا عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الثِّقْلِ الِارْتِفَاعُ] أَيْ عَلَى عَكْسِ مِيزَانِ الدُّنْيَا، وَهَذَا ضَعِيفٌ

أَيْ يُعْطَوْنَ (صَحَائِفَهُمْ) جَمْعُ صَحِيفَةٍ وَهِيَ الْكُتُبُ الَّتِي كَتَبَتْ الْمَلَائِكَةُ فِيهَا أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا (بِأَعْمَالِهِمْ) أَيْ مُصَاحِبَةً لِأَعْمَالِهِمْ فَإِذَا أُعْطُوهَا يَخْلُقُ اللَّهُ لَهُمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا يَفْهَمُونَ بِهِ مَا فِيهَا مِمَّا فَعَلُوهُ فِي الدُّنْيَا (فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الطَّائِعُ إجْمَاعًا وَالْعَاصِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ يَأْخُذُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ، وَيَكُون ذَلِكَ عَلَامَةً لِعَدَمِ خُلُودِهِ فِيهَا وَمِنْ لُطْفِهِ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ وَفَضْلِهِ عَلَيْهِ أَنْ جَعَلَ كِتَابَهُ بِيَدِهِ وَلَا يُعْطِيهِ لَهُ عَلَى يَدِ مَلَكٍ وَلَا نَبِيٍّ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى صِفَةِ مِيزَانِ الدُّنْيَا، كَمَا صَدَّرَ بِهِ تت وَارْتَضَاهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ. تَتِمَّةٌ الْمِيزَانُ بِيَدِ جِبْرِيلَ آخِذٌ بِعَمُودِهِ يَنْظُرُ إلَى لِسَانِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْأُمَمَ إلَخْ] أَيْ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ قَوْمًا يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى قُصُورِهِمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَلَا كُتُبَ لَهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ وَعَدَمِ مُجَازَاتِهِمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ، وَلَوْ قُلْنَا بِتَكْلِيفِهِمْ كَذَا قَالَ اللَّقَانِيُّ وَهُوَ يُنَاقِضُ مَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يُعْطَوْنَ صَحَائِفَهُمْ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَخْذَ الصُّحُفِ بَعْدَ الْعَرْضِ وَقَبْلَ السُّؤَالِ وَالْحِسَابِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ أَخْذَ الصُّحُفِ عَلَى الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ بَعْدَ الْحِسَابِ، وَالْحِسَابَ بَعْدَ أَخْذِ الصُّحُفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ يُؤْتَى الصُّحُفَ، وَخُلَاصَةُ مَا قَالُوا أَنَّ الرِّيحَ تُطَيِّرُهَا مِنْ خِزَانَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَلَا تُخْطِئُ صَحِيفَةٌ عُنُقَ صَاحِبِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْخُذُهَا الْمَلِكُ مِنْ الْعُنُقِ فَيَدْفَعُهَا لِصَاحِبِهَا [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْكُتُبُ] تَفْسِيرٌ لِلصَّحَائِفِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ لَا لِلْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ صَحِيفَةٌ، ثُمَّ: أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يُؤْتَوْنَ صَحَائِفَهُمْ فِيهِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فَتَقْتَضِي الْقِسْمَةُ عَلَى الْآحَادِ فَيُفِيدُ أَنَّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ صَحِيفَةً وَاحِدَةً وَيَشْهَدُ لَهُ الْأَحَادِيثُ، فَإِنَّهَا صَرِيحَةُ الظَّوَاهِرِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: الَّتِي كَتَبَتْ الْمَلَائِكَةُ فِيهَا أَعْمَالَهُمْ إلَخْ] قَدْ عَلِمْت أَنَّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ صَحِيفَةً وَاحِدَةً وَحِينَئِذٍ فَالْكَلَامُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ تُرْفَعُ لَهُ صَحِيفَةٌ فِي اللَّيْلِ وَصَحِيفَةٌ فِي النَّهَارِ وَلَا شَكَّ فِي كَثْرَتِهَا هَكَذَا اسْتَشْكَلَ اللَّقَانِيُّ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجْمَعُ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي وَاحِدَةٍ بِاتِّصَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فَصَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ لِكُلِّ مُكَلَّفٍ صَحِيفَةً وَاحِدَةً أَيْ بَعْدَ الْجَمْعِ، الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَهِيَ مَا نُقِلَ مِنْ الْكُتُبِ أَيْ أَنَّ مَا كَتَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ لِلْإِنْسَانِ يُنْقَلُ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ فَصَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ لِكُلِّ عَبْدٍ صَحِيفَةً، وَإِنْ كَانَ يُرْفَعُ لَهُ صَحِيفَةٌ فِي اللَّيْلِ وَصَحِيفَةٌ فِي النَّهَارِ، وَأَشَارَ لِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ اللَّقَانِيُّ بَعْدَ اسْتِشْكَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِي كَلَامِ شَارِحِنَا الْمَذْكُورِ إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِ مَا قِيلَ إنَّهَا صُحُفٌ يَكْتُبُهَا الْعَبْدُ فِي قَبْرِهِ يُنَادِيهِ مَلَكٌ اسْمُهُ رُومَانُ يَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ اُكْتُبْ عَمَلَك، فَيَقُولُ لَيْسَ مَعِي قِرْطَاسٌ وَلَا دَوَاةٌ فَيَقُولُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ كَفَنُك قِرْطَاسُك وَمِدَادُك رِيقُك وَقَلَمُكَ أُصْبُعُك، فَيَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ كَفَنِهِ فَيَكْتُبُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَاتِبٍ فِي الدُّنْيَا وَيَذْكُرُ حِينَئِذٍ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَطْوِي الْمَلَكُ تِلْكَ الرُّقْعَةَ وَيَجْعَلُهَا فِي عُنُقِهِ. [قَوْلُهُ: يَخْلُقُ اللَّهُ إلَخْ] أَيْ فَالْقِرَاءَةُ مَجَازٌ عَبَّرَ بِهَا عَنْ عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ حَقِيقِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: يَفْهَمُونَ بِهِ مَا فِيهَا] أَيْ يَفْهَمُونَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ مَا فِيهَا وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ خَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِمَا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَخْلُقُ لَهُمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا ثُمَّ يَعْلَمُونَ مَا فِيهَا بِذَلِكَ الْعِلْمِ، أَيْ بِحَيْثُ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ عِلْمَانِ أَحَدُهُمَا سَبَبٌ فِي الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الطَّائِعُ] وَأَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ وَأَبُو بَكْرٍ زَفَّتْ بِهِ الْمَلَائِكَة لِلْجَنَّةِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَاصِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ بِشِمَالِهِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَلَا قَائِلَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِشِمَالِهِ. [قَوْلُهُ: يَأْخُذُهُ قَبْلَ دُخُولِهِ النَّارَ] وَقِيلَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ، نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي الْعَقِيدَةِ [قَوْلُهُ: وَفَضْلِهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى لُطْفِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعْطِيهِ لَهُ عَلَى يَدِ مَلَكٍ إلَخْ] هَذَا مَحَطُّ الْفَائِدَةِ دُونَ قَوْلِهِ أَنْ جَعَلَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لَمَّا ذَكَرَ اللَّقَانِيُّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ

لَا يَطَّلِعَ عَلَى سِرِّهِ أَحَدٌ، (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) أَيْ سَهْلًا هَيِّنًا لَا يُنَاقَشُ فِيهِ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِمَا يَسُوءُهُ (وَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وَهُمْ الْكُفَّارُ إجْمَاعًا (فَأُولَئِكَ يَصْلَوْنَ سَعِيرًا) التِّلَاوَةُ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا، الْإِصْلَاءُ الِاحْتِرَاقُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة: 25] أَنَّ الْكَافِرَ تُغَلُّ يُمْنَاهُ إلَى عُنُقِهِ وَيُثْقَبُ صَدْرُهُ، فَيُدْخِلُ شِمَالَهُ مِنْهُ فَيَأْخُذُ بِهَا كِتَابَهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ فَإِنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ الصِّرَاطَ) أَيْ وُجُودُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمُرُورُ عَلَيْهِ (حَقٌّ) قَالَ تَعَالَى {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11] قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ: الْعَقَبَةُ الصِّرَاطُ يُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ كَحَدِّ السَّيْفِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصٌّ بِحَالِ عَاصٍ لَا يُعَذَّبُ، وَأَمَّا جَعْلُ الْكِتَابِ بِالْيَمِينِ فَعَامٌّ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ، فَإِنْ قُلْت هَذَا، أَيْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ عَلَى يَدِ مَلَكِ يُنَافِي مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَلَكَ يَأْخُذُهُ مِنْ عُنُقِهِ فَيَضَعُهُ فِي يَدِهِ، قُلْت: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يُعْطِيهِ لَهُ عَلَى يَدِ مَلَكٍ أَيْ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِيهِ [قَوْلُهُ: هَيِّنًا] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ سَهْلًا، وَقَوْلُهُ لَا يُنَاقَشُ فِيهِ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا، أَيْ إنَّمَا كَانَ سَهْلًا هَيِّنًا لِعَدَمِ الْمُنَاقَشَةِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بِمَا يَسُوءُهُ] يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ لَا يُعَذَّبُ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا أَفَادَهُ عج أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُؤْتَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ مِمَّنْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْمَعْنَى وَيَنْقَلِبُ إلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا، أَيْ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ وَلَوْ بَعْدَمَا اسْتَوْفَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَابِ عَلَى الثَّانِي، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَمَعْنَاهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِمَا يَسُوءُهُ إسَاءَةً تَامَّةً، وَهِيَ الْإِسَاءَةُ الَّتِي مَعَهَا الْخُلُودُ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا الْجَوَابَ وَجَدْت الْفَاكِهَانِيَّ أَفَادَهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: سَعِيرًا] اسْمٌ لِطَبَقَةٍ مِنْ طِبَاقِ النَّارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَهُ هُنَا عَلَى النَّارِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: التِّلَاوَةُ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا] يَقُولُ يَا ثُبُورَاهُ وَهُوَ الْهَلَاكُ. [قَوْلُهُ: الْإِصْلَاءُ الِاحْتِرَاقُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ فَأُولَئِكَ يَحْتَرِقُونَ نَارًا أَيْ فِي نَارٍ وَوَافَقَ تت الشَّارِحَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْإِصْلَاءُ الِاحْتِرَاقُ وَهَذَا عَلَى ضَمِّ يَاءِ يُصْلَوْنَ، وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِهَا فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِشْوَاءِ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ مَشْوِيَّةٌ اهـ، وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَالْإِصْلَاءُ الْإِحْرَاقُ مَصْدَرُ أَحْرَقَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يُبْنَى مِنْهُ الْمَفْعُولُ بِخِلَافِ احْتَرَقَ فَلَازِمٌ فَلَا يُبْنَى مِنْهُ الْمَفْعُولُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَحْرَقَتْهُ النَّارُ إحْرَاقًا ثُمَّ قَالَ وَاحْتَرَقَ الشَّيْءُ بِالنَّارِ وَتَحَرَّقَ اهـ، وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ عج فَقَالَ وَالْإِصْلَاءُ الْإِحْرَاقُ. [قَوْلُهُ: تُغَلُّ يُمْنَاهُ إلَى عُنُقِهِ] أَيْ تُضَمُّ إلَى عُنُقِهِ أَيْ بِآلَةٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ بَعْضِ النُّصُوصِ، [قَوْلُهُ: أَعَاذَنَا اللَّهُ] أَيْ حَفِظَنَا اللَّهُ [قَوْلُهُ: بِمَنِّهِ] أَيْ حَالَةِ كَوْنِ الْحِفْظِ مُلْتَبِسًا بِمَنِّهِ، مِنْ الْتِبَاسِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ أَوْ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ حَالَةِ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ مَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَعَطْفُ الْكَرَمِ عَلَى الْمَنِّ، عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ] عِلَّةٌ لِطَلَبِ الْإِعَاذَةِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: الْكَرِيمُ] هُوَ عَيْنُ جَوَادٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، جَادَ الرَّجُلُ يَجُودُ مِنْ بَابِ قَالَ يَقُولُ جُودًا بِالضَّمِّ تَكَرَّمَ فَهُوَ جَوَادٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْكَرِيمُ هُوَ الْجَوَادُ فَالْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَطَاؤُهُ اهـ. فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: أَيْ وُجُودُهُ فِي الْجُمْلَةِ] أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وُجُودِهِ الْآنَ أَوْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ [قَوْلُهُ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ] الْمُرَادُ هَلَّا عَلَا الْعَقَبَةَ يَعْنِي فَهَلَّا أَنْفَقَ مَالَهُ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ الْعَقَبَةَ مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ إلَخْ، وَالِاقْتِحَامُ الدُّخُولُ فِي الْأَمْرِ الشَّدِيدِ [قَوْلُهُ: كَحَدِّ السَّيْفِ إلَخْ] سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ أَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ، أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَجْرَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، كَمَا قَالَ الْكَمَالُ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ أَدَقَّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدَّ مِنْ السَّيْفِ، وَكَذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ قَائِلًا: لَمْ يَصِحَّ فِي الصِّرَاطِ أَنَّهُ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَرِيضٌ وَفِيهِ طَرِيقَانِ يُمْنَى وَيُسْرَى فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُسْلَكُ بِهِمْ ذَاتُ الْيَمِينِ وَأَهْلُ

مَسِيرَتُهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ عَامٍ أَلْفُ سَنَةٍ صُعُودٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ اسْتِوَاءٌ وَأَلْفُ سَنَةٍ هُبُوطٌ، وَفِي مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: «يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ» " الْحَدِيثَ. وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَرَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ، وَجَوَّزَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا الْآنَ كَجَهَنَّمَ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: يُضْرَبُ أَيْ يُؤْذَنُ بِالْمُرُورِ عَلَيْهِ، أَوْ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى حِينَ يَضْرِبُهُ عَلَى جَهَنَّمَ وَوَقْتُ الْمُرُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحِسَابِ، فَمَنْ تَعَدَّاهُ نَجَا جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ النَّاجِينَ. قَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ يَبْقَى إلَى خُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ لِيَجُوزُوا عَلَيْهِ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ يُزَالُ ثُمَّ يُعَادُ لَهُمْ أَوْ لَا يُعَادُ أَوْ تَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ إلَى السُّورِ الَّذِي فِي الْأَعْرَافِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (يَجُوزُهُ الْعِبَادُ بِقَدْرِ) أَيْ عَلَى قَدْرِ (أَعْمَالِهِمْ) الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا شُمُولُ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّهُمْ لِلنَّارِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّهُ جِسْرٌ يُضْرَبُ عَلَى ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ تَمُرُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّقَاوَةِ ذَاتُ الشِّمَالِ، وَفِيهِ طَاقَاتٌ كُلُّ طَاقَةٍ تَنْفُذُ إلَى طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ جَهَنَّمَ، وَجَهَنَّمُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ، وَالْجِسْرُ عَلَى مَتْنِهَا مَنْصُوبٌ فَلَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ حَتَّى يَمُرَّ عَلَى جَهَنَّمَ اهـ. وَفِي كَلَامِ عج وَاللَّقَانِيِّ مَيْلٌ إلَيْهِ وَلَفْظُ عج وَالظَّوَاهِرُ تَدُلُّ لِمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، فَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا لِقَوْلِ أَبِي سَعْدٍ، [قَوْلُهُ: مَسِيرَتُهُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ] هَذَا حَالُهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ [قَوْلُهُ: يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ أَيْ ظَهْرٌ فَزِيدَتْ الْأَلْفُ وَالنُّونُ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْيَاءُ لِصِحَّةِ دُخُولٍ بَيْنَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ وَقِيلَ لَفْظُ ظَهْرَانَيْ مُقْحَمٌ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] قَالَ الرَّسُولُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ، «فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُهُ» وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمئِذٍ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ إلَخْ [قَوْلُهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ إلَخْ] بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَجَوَّزَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَخْ] أَيْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وُجُودُهُ الْآنَ أَوْ وُجُودُهُ حِينَ يُضْرَبُ، أَيْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا وَغَيْرُهُ كَالْفَاكِهَانِيِّ جَزَمَ بَلْ جَزَمَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَلَفْظُهُ وَالصِّرَاطُ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، مَوْجُودٌ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ صِدْقٌ اهـ، [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مَعْنَى إلَخْ] لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا وَلَا يُضْرَبُ إلَّا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: وَيَخْلُقُهُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا الْآنَ وَيَجُوزُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَخْلُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَخْلُوقًا الْآنَ [قَوْلُهُ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ] نِسْبَةً إلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ مُرْضِعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ فَتْحُ الْحَاءِ، [قَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ] أَيْ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ [قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُعَادُ] وَعَلَيْهِ فَاَللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَذْهَبُوا إلَى الْجَنَّةِ بِدُونِ صِرَاطٍ، بِطَيَرَانٍ أَوْ تَرْفَعُهُمْ الْمَلَائِكَةُ إلَى الْجَنَّةِ [قَوْلُهُ: أَوْ تَصْعَدُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الزَّوَالِ الْمُحْتَمَلِ لِكَوْنِهِ يُعَادُ أَوْ لَا يُعَادُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ ثَمَرَةٌ لِذَلِكَ إلَّا لِكَوْنِهِ يُزَالُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ ثُمَّ يَعُودُ حِينَ خُرُوجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنْ النَّارِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي فِي الْأَعْرَافِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إلَى السُّورِ الَّذِي هُوَ الْأَعْرَافُ كَمَا فِي عِبَارَةِ عج، حَيْثُ قَالَ وَهُوَ أَيْ الْأَعْرَافُ سُوَرٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. [قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ] وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ وَكُلُّ الْكُفَّارِ يَسْقُطُونَ فِي النَّارِ. [قَوْلُهُ: وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ] عَبَّرَ بِزَعَمَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ الصَّحِيحَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ الْقَوْلِ، أَيْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ لَا يَمُرُّونَ أَيْ لَا يَمُرُّونَ عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُمْ يَمُرُّونَ عَلَى بَعْضِهِ ثُمَّ يَسْقُطُونَ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ] إنَّمَا عَبَّرَ بِظَاهِرٍ دُونَ نَصٍّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ جَمِيعَ مِنْ بَابِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ أَيْ بَعْضِهِمْ تَجَوُّزًا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. [قَوْلُهُ: تَمُرُّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ وَبَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْقُطُونَ فِي الْأَثْنَاءِ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِنَّهُ لَا يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ كَمَا أَفَادَهُ السُّيُوطِيّ، وَكَذَا طَوَائِفُ مِنْ الْكُفَّارِ بَعْضُهُمْ يُلْتَقَطُ مِنْ الْمَوْقِفِ إلَى النَّارِ، وَبَعْضُهُمْ يَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهِ إلَيْهَا، وَذَكَرَ اللَّقَانِيُّ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّ

الْخَلَائِقِ» (فَنَاجُونَ) أَيْ فَائِزُونَ مُخَلَّصُونَ (مُتَفَاوِتُونَ) أَيْ مُتَفَاضِلُونَ (فِي سُرْعَةِ النَّجَاةِ) أَيْ الْعَجَلَةِ (عَلَيْهِ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ) مُتَعَلِّقٌ بِنَاجُونَ التَّقْدِيرُ فَنَاجُونَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى الصِّرَاطِ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُرْعَةِ النَّجَاةِ (وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ) أَيْ أَهْلَكَتْهُمْ (فِيهَا) أَيْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (أَعْمَالُهُمْ) وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُقُوطِهِمْ فِي النَّارِ، وَيَدُلُّ لِمَا قَالَ مَا فِي مُسْلِمٍ: «فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيْرِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسْلِمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوشٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» الْمَكْدُوشُ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ الْمَدْفُوعُ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (الْإِيمَانُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ وَالسَّبْعِينَ أَلْفًا يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: فَنَاجُونَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُقَابِلَهُ قَوْلُهُ بَعْدُ، وَقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ. [قَوْلُهُ: مُخْلِصُونَ إلَخْ] مِنْ أَخْلَصَ فِي الْعَمَلِ أَيْ فَائِزُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ. [قَوْلُهُ: فِي سُرْعَةٍ] إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ تَعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ سُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَاجُونَ أَيْ مِنْ السُّقُوطِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ تَكُونَ سُرْعَةٌ فِي الْمُرُورِ أَوْ لَا، فَلَوْ قَالَ فَنَاجُونَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ مُتَفَاوِتُونَ فِي النَّجَاةِ، أَيْ الْمُتَحَقِّقَةِ مَعَ السُّرْعَةِ وَعَدَمِهَا لَكَانَ أَوْلَى، [قَوْلُهُ: أَيْ الْعَجَلَةِ] تَفْسِيرٌ لِسُرْعَةِ النَّجَاةِ أَيْ الْخُلُوصِ. [قَوْلُهُ: التَّقْدِيرُ فَنَاجُونَ إلَخْ] أَيْ فَنَاجُونَ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ نَارِ جَهَنَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ مُتَفَاوِتُونَ خَبَرٌ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الصِّرَاطِ أَيْ حَالَةِ كَوْنِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ. [قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُقُوطِهِمْ إلَخْ] أَيْ فِي سُرْعَةِ الْوُقُوعِ وَالْإِبْطَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَتَمُّ وَنَصُّهُ: وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي سُقُوطِهِمْ فِي النَّارِ، وَفِي وَصْفِ مَا يَنَالُهُمْ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ وَالْإِهَانَةِ وَسُفْلِ الدَّرَجَاتِ وَيُسْرِهَا عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيد الْخَارِجِينَ مِنْهَا بَعْدَ الْعِقَابِ. [قَوْلُهُ: فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَيْنِ] بِسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ نَظَرِهَا [قَوْلُهُ: وَكَأَجَاوِيدَ إلَخْ] ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ، أَنَّ جَوَادًا مِنْ الْخَيْلِ يُجْمَعُ عَلَى جِيَادٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُفْرَدَ أَجَاوِيدَ فَلَا أَدْرِي هَلْ هُوَ جَمْعُ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ جِيَادٌ أَوْ جَمْعٌ آخَرُ لِلْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ جَوَادٌ. وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا [قَوْلُهُ: وَالرِّكَابُ] هِيَ الْإِبِلُ أَيْ مَا يُرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ غَلَبَ فِيهِ كَمَا غَلَبَ الرَّاكِبُ عَلَى رَاكِبِهِ الْوَاحِدَةُ رَاحِلَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُهُ عَدْوًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُهُ مَشْيًا وَمِنْهُمْ حَبْوًا وَمِنْهُمْ عَلَى الْبَطْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُهُ عَلَى مِائَةِ عَامٍ وَآخَرُ يَجُوزُهُ عَلَى أَلْفِ عَامٍ. [قَوْلُهُ: مُسَلَّمٌ] تَوْضِيحٌ لِنَاجٍ أَيْ مِنْهُمْ النَّاجِي وَهُوَ الْمُسَلَّمُ مِنْ خَدْشِ الْكَلَالِيبِ وَمُسَلَّمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. [قَوْلُهُ: وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ] أَيْ تَخْدِشُهُ الْكَلَالِيبُ وَيَسْقُطُ وَيَقُومُ وَيُجَاوِزُهُ بَعْدَ أَعْوَامٍ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ وَكَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسَلَّمٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ النَّاجِينَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَهِيَ جَمْعُ كُلَّابِ بِالضَّمِّ أَوْ كَلُّوبٍ بِالْفَتْحِ وَشَدِّ اللَّامِ حَدِيدَةٌ مُعْوَجَّةُ الرَّأْسِ أَوْ عُودٌ فِي رَأْسِهِ اعْوِجَاجٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ. [قَوْلُهُ: بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ] عِيَاضٌ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ. قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ مَكْدُوسٌ فِي النَّارِ أَيْ مَدْفُوعٌ وَتَكَدَّسَ الْإِنْسَانُ إذَا دُفِعَ مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْوَى بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ الْكَدْشِ وَهُوَ السَّوْقُ الشَّدِيدُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ أَقُولُ وَقَضِيَّةُ الْحَدِيثِ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ تَخْدِشُهُ الْكُلَّابُ وَتَجْذِبُهُ إلَى أَنْ يَسْقُطَ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: فِيهِ مَدْفُوعٌ فِي النَّارِ بَلْ مَجْذُوبٌ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْمَدْفُوعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهَذَا فِي قُوَّةِ الْمَدْفُوعِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْفَاكِهَانِيَّ ذَكَرَ هَذَا الْقِسْمَ حَيْثُ قَالَ فَمِنْ جَائِزٍ عَلَيْهِ كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ إلَى أَنْ قَالَ وَعَلَى الْبَطْنِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوشٌ فِي النَّارِ مُخْتَطَفٌ بِكَلَالِيبَ ثُمَّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: إنَّ مُرُورَ الْخَلَائِقِ وَتَفَاوُتَهُمْ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، إذَا خَطَرَتْ فِي قُلُوبِهِمْ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَسْرَعَ إعْرَاضًا عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ كَانَ أَسْرَعَ مُرُورًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى يَكُونَ أَحَدُكُمْ كَالْبُرَاقِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ] الصَّوَابُ حَذْفُ اعْتِقَادِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ يُعْتَقَدُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْتَقَدُ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقُهُ، وَحَيْثُ قُلْنَا

التَّصْدِيقُ (بِ) وُجُودِ (حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ) نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرِدُهُ) أَيْ تَأْتِيهِ (أُمَّتُهُ) أَيْ أَتْبَاعُهُ حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ عِطَاشًا يَشْرَبُونَ مِنْهُ (لَا يَظْمَأُ) أَيْ لَا يَعْطَشُ (مَنْ شَرِبَ مِنْهُ أَبَدًا وَيُذَادُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ يُطْرَدُ وَيُبْعَدُ عَنْهُ (مَنْ بَدَّلَ) بِالِارْتِدَادِ (وَغَيَّرَ) فِي الْعَقَائِدِ كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ بِالْمَعَاصِي لَكِنَّ الْمُبَدِّلَ بِالِارْتِدَادِ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَالْمُبَدِّلَ بِالْمَعَاصِي فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنِّي عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَمَنْ جَحَدَهُ يُبَدَّعُ وَيُفَسَّقُ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْكُفْرَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: بِوُجُودِ حَوْضِ رَسُولِ اللَّهِ] هُوَ جِسْمٌ مَخْصُوصٌ يَصُبُّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ الْجَنَّةِ وَالْأَمِينُ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَوْضَ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَانِيهَا: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ ثَالِثُهَا لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ إلَّا صَالِحًا فَحَوْضُهُ ضَرْعُ نَاقَتِهِ. قَالَ عج فَإِنْ قِيلَ: الْقَوْلُ بِالْخُصُوصِ يَرُدُّهُ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً إلَخْ، أُجِيبُ بِأَنَّ أَبَا عِيسَى قَالَ فِيهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَتْبَاعُهُ] أَيْ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الِاخْتِصَاصِ فَلَا تَرِدُهُ أُمَّةٌ غَيْرُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ اللَّقَانِيِّ، قُلْت الْأَحَادِيثُ طَافِحَةُ الظَّوَاهِرِ بِأَنَّهُ لَا يَرِدُهُ غَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ اهـ. أَيْ فَيَشْرَبُ مِنْهُ مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ بِالنَّارِ، وَحِينَئِذٍ يُعَذَّبُ فِيهَا بِغَيْرِ الْعَطَشِ، كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: حِينَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ وُرُودَهُ قَبْلَ الْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ وَالصِّرَاطِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ عج، وَقِيلَ إنَّ الْمِيزَانَ قَبْلَ الْحَوْضِ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ، عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَقِيلَ: إنَّهُ بَعْدَهُ وَقِيلَ لَهُ حَوْضَانِ حَوْضٌ قَبْلَهُ وَحَوْضٌ بَعْدَهُ. تَتِمَّةٌ أَوَّلُ مَا يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: عِطَاشًا] بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَطْشَانَ لِلْمُذَكَّرِ وَعَطْشَى لِلْمُؤَنَّثِ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَطَشِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْعَطَشَ ثَابِتٌ لِلْكُلِّ لَا يُسْتَثْنَى أَحَدٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ. [قَوْلُهُ: لَا يَعْطَشُ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ شَرَابَ الْجَنَّةِ وَكَذَا أَكْلُهَا إنَّمَا هُوَ تَلَذُّذٌ صِرْفٌ وَشَهْوَةٌ لَا عَنْ جُوعٍ وَعَطَشٍ وَلَا نَوْمَ فِيهَا، وَلَا بَوْلَ وَلَا غَائِطَ وَإِنَّمَا رَشْحُهُمْ الْمِسْكُ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: بِالِارْتِدَادِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بَدَّلَ دِينَهُ بِسَبَبِ ارْتِدَادِهِ فَارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُؤْمِنًا [قَوْلُهُ: وَغَيَّرَ فِي الْعَقَائِدِ إلَخْ] قَدْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَمَا رَأَيْت التَّبْدِيلَ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالتَّغْيِيرَ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ مُصَدِّرًا بِأَنَّ التَّبْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَغَيَّرَ بِمَعْنَى أَوْ. [قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ] أَيْ كَالْقَدَرِيِّ وَالْجَبْرِيِّ وَالرَّافِضِيِّ وَإِنْ غُفِرَ لَهُمْ إذَا كَانَتْ عَقِيدَتُهُمْ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ كَمَا فِي عج لِعِظَمِ جُرْمِهِمْ، وَأَوْلَى إذَا كَانَتْ مُكَفِّرَةً كَمُنْكَرِي عِلْمِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَعَاصِي] مَعْطُوفٌ عَلَى فِي الْعَقَائِدِ، أَيْ الْمَعَاصِي بِالْكَبَائِرِ أَيْ إنْ لَمْ يَعْفُ عَنْهُمْ وَإِلَّا شَرِبُوا مِنْهُ، هَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ وَكَلَامُ شَارِحِ الْعَقِيدَةِ يُفِيدُ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ لَا يُذَادُونَ وَإِنْ دَخَلُوا النَّارَ أَيْ وَيُعَذَّبُونَ فِيهَا بِدُونِ الْعَطَشِ، وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمَطْرُودَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالظَّلَمَةِ الْمُسْرِفُونَ فِي الْجَوْرِ وَالْمُعْلِنُونَ بِالْكَبَائِرِ، أَقُولُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَلَبَّسَ بِالْكَبِيرَةِ مِنْ غَيْرِ إعْلَانٍ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَلَا مِنْ الظَّلَمَةِ إنَّهُ لَا يُذَادُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُبَدِّلُ بِالْمَعَاصِي فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ] وَسَكَتَ عَنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ تَارَةً تُكَفِّرُهُمْ بِدْعَتُهُمْ فَيُخَلَّدُونَ وَتَارَةً لَا، فَهُمْ فِي الْمَشِيئَةِ، وَمَعْنَى الْمَشِيئَةِ أَيْ إنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ النَّارَ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ نَفْسُ الْمَشِيئَةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَالْمُبَدِّلُ بِالْمَعَاصِي فِي الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ الْمَشِيءُ أَيْ الْمُرَادُ، وَلَا صِحَّةَ لَهُ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ إنْ شَاءَ عَاقَبَهُ حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِ مُرَادُهُ،

الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ أُنَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرْت مَا عَمِلُوا بَعْدَك؟ وَاَللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَك يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِك أَنَّ الْحَوْضَ عَلَى وَجْهِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَكُونُ وُجُودُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ وَلَمْ يُظْلَمْ عَلَى ظَهْرِهَا أَحَدٌ قَطُّ» ". (فَائِدَةٌ) فِي التِّرْمِذِيِّ مَرْفُوعًا: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَإِنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً» . وَقَدْ اتَّفَقَ الشُّيُوخُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (وَأَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَإِخْلَاصٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ) لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنِّي إلَخْ] مِنْ الْأُولَى اتِّصَالِيَّةٌ أَيْ هُمْ مُتَّصِلُونَ بِي، وَالثَّانِيَةُ تَبْعِيضِيَّةٌ، أَيْ بَعْضُ أُمَّتِي وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى مِنِّي أَيْ أَتْبَاعِي فَيَكُونُ عَيْنَ مَا بَعْدَهُ، فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ إنْ ارْتَدُّوا فَقَدْ خَرَجُوا مِنْ أُمَّتِي بِارْتِدَادِهِمْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَوَضَّأَ يُحْشَرُ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيَظُنُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ لِوُجُودِ الْغُرَّةِ فِيهِمْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُنَافِقَ وَالْمُرْتَدَّ يُحْشَرَانِ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيَظُنُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَلَا بُعْدَ فِي حَشْرِهِمْ بِالْغُرَّةِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ تَزُولُ عَنْهُمْ بَعْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْوُرُودِ نَكَالًا بِهِمْ وَمَكْرًا بِهِمْ لِيَزْدَادُوا حَسْرَةً اهـ. [قَوْلُهُ: أَمَا شَعَرْت] مِنْ بَابِ قَعَدَ أَيْ عَلِمْت كَمَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعْدَك] أَيْ مَا زَالُوا بَعْدَك يَرْجِعُونَ، فَقَوْلُهُ يَرْجِعُونَ خَبَرُ بَرِحَ اسْتَشْكَلَ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ وَمَمَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ حَمِدْت اللَّهَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ سَيِّئٍ اسْتَغْفَرْت اللَّهَ لَكُمْ» وَمَعَ مَا رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَتُعْرَضُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْمَالُ أُمَّتِهِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ اهـ. [قَوْلُهُ: يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ] أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَى السَّيِّئَةِ أَوْ مِنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ كَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ، أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّكْتَةَ فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً فِيهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنْ هَذَا لَا يَشْمَلُ الْمُنَافِقَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِك إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخُطُورَ بِالْبَالِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ طَلَبٌ وَلَا تَكْلِيفٌ، فَأَرَادَ بِهِ لَا تَعْتَقِدُ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِتِلْكَ الْعِبَارَةِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْفِيرِ. قَالَ اللَّقَانِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي وُجُودِهِ الْيَوْمَ أَوْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَطَعَ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. نَعَمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْكَوْثَرُ فَهُوَ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ وَالْكَوْثَرُ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَيْضًا وَلَمْ أَقِفْ إلَى الْآنَ عَلَى أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ يَشْرَبُونَ مِنْ الْحَوْضِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ] أَيْ يَفْتَخِرُونَ يُحْتَمَلُ بِالْمَقَالِ وَالْحَالِ أَوْ بِالْحَالِ فَقَطْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَوْلُهُ أَيُّهُمْ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَأَنَّهُمْ لَيَتَبَاهَوْنَ بِمَدْلُولِ جَوَابِ أَيِّهِمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً، ثُمَّ هَذَا مُشْكِلٌ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ مُحَمَّدًا أَكْثَرَ أُمَّةً وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُعَبِّرُ بِأَرْجُو؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَدَبِ اللَّائِقِ بِجَلَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: وَارِدَةً] أَيْ جَمَاعَةً وَارِدَةً كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. خَاتِمَةٌ فِي جُمْلَةِ مَا قِيلَ فِي وَصْفِهِ قِيلَ مَسِيرَتُهُ شَهْرٌ، وَقِيلَ شَهْرَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ، وَعَرْضُهُ وَطُولُهُ سَوَاءٌ، حَافَتَاهُ الزَّبَرْجَدُ آنِيَتُهُ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، لَهُ مِيزَابَانِ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ وَأَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ. [قَوْلُهُ: قَوْلٌ بِاللِّسَانِ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ بِاللِّسَانِ تَأْكِيدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ بِالْقَلْبِ وَأَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ التَّصْدِيقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالْجَوَارِحِ فَهُوَ تَأْسِيسٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ قَدْ يَكُونُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ بِالْبَدَنِ فَقَطْ وَقَدْ يَكُونُ بِهِمَا كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ،

يَأْتِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ ذَلِكَ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ وَعَمِلَ بِجَوَارِحِهِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ الْإِيمَانَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِبَيَانِ أَرْبَعَةِ فَوَائِدَ، أَشَارَ إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ (يَزِيدُ) أَيْ الْإِيمَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ (بِ) سَبَبِ (زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَيَنْقُصُ بِ) سَبَبِ (نَقْصِ الْأَعْمَالِ فَيَكُونُ فِيهَا) أَيْ الْأَعْمَالِ (النَّقْصُ وَبِهَا الزِّيَادَةُ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ بِاعْتِبَارِ الثَّمَرَاتِ هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْتَقِدْ إلَخْ] وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّهَا إيمَانٌ وَعِبَارَتُهُ تُصَدَّقُ بِهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إنَّهُ مُؤْمِنٌ] أَيْ مُؤْمِنٌ كَامِلٌ لَمْ يَرْتَكِبْ إثْمًا [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً] أَوْ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِبَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، فَإِنْ قُلْت لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَوْطِئَةً؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْفَوَائِدِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ، قُلْت لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ بَيَانَ الْفَوَائِدِ الْأَرْبَعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، بَلْ بَيَانُهَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَاءَ الْإِيمَانِ، فَمَعْنَى الْفَائِدَةِ الْأُولَى يَزِيدُ الْإِيمَانُ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَجْزَائِهِ، وَمَعْنَى الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ: لَا يَكْمُلُ قَوْلُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَجْزَائِهِ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ جُزْؤُهُ الْآخَرُ، وَمَعْنَى الثَّالِثَةِ لَا يَكْمُلُ قَوْلٌ وَلَا عَمَلَ اللَّذَانِ هُمَا أَجْزَاءُ الْإِيمَانِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ: فِي الْأَخِيرَةِ بِاعْتِبَارِهِمَا فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ] أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي إيمَانِ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ إيمَانَ الْأَنْبِيَاءِ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَإِيمَانُ الْمَلَائِكَةِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ، وَيُصَرِّحُ هَكَذَا فَيَقُولُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ إلَخْ، وَبَعْدَ هَذَا الْمَلْحَظُ تَكُونُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَهُ وَأَنَّ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَقَوْلُهُ نَقْصُ الْأَعْمَالِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ ارْتَكَبَهُ إيضَاحًا لِلْمُبْتَدِئِ، لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْإِيمَانِ الْكَامِلِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ سَبَبِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ السَّبَبُ وَهُوَ زِيَادَةُ الْأَعْمَالِ دَاخِلًا فِي الْمَاهِيَّةِ لَا خَارِجًا أَيْ مَاهِيَّةِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِيهَا النَّقْصُ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَأَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَعْمَالُ الْمَنْدُوبَةُ لَا الْوَاجِبَةُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا انْتَفَى كَوْنُهُ إيمَانًا كَامِلًا بَلْ وَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا أَصْلًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلِيِّ. [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الثَّمَرَاتِ] أَرَادَ بِهَا الْأَعْمَالَ وَصَرَّحَ بِهِ تت، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُرَادُهُ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقَ فَقَطْ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ الثَّمَرَاتِ الَّتِي هِيَ الْأَعْمَالُ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُخَالَفَةٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الَّذِي الْأَعْمَالُ جُزْءٌ مِنْهُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ ثَمَرَةٌ بِاعْتِبَارِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ أَوَّلًا] أَيْ كَانَ فِي بَدْءِ أَمْرِهِ يَقُولُ يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَآخِرِ أَمْرِهِ وَافَقَ السَّلَفَ فِي الْقَبُولِ لِلنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْقَسْطَلَّانِيِّ، وَصَرَّحَ بِهِ تت، وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ لَك مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ، أَنَّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مُشْكِلٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ مَالِكٍ عَنْ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِهِ فَخَشْيَةَ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْخَوَارِجِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ ذَهَبَتْ الْخَوَارِجُ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الطَّاعَاتُ بِأَسْرِهَا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، وَيُكَفِّرُونَ أَهْلَ الْمَعَاصِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالذُّنُوبِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تَحَاشِيَهُ لِلْإِطْلَاقِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا أَفَادَهُ تت لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] وَلَمْ يَرِدْ نَقْصُهُ، الْقَوْلُ الثَّالِثُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَهُوَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قَبِلَ الزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ كَانَ شَكًّا وَكُفْرًا قَالَ تت، وَأَرَادَ الْأَوَّلُونَ أَنَّ الْمُرَادَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ الْأَعْمَالُ، وَنُقْصَانُهَا لَا نَفْسَ التَّصْدِيقِ اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ لَنَا مِنْ تَقْرِيرِهِمْ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ وَأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إنَّمَا أَرَادَ فِي

وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ. قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاتُكُمْ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَكْمُلُ) قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُ الْإِيمَانِ) وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ (إلَّا بِالْعَمَلِ) أَيْ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ: الْكَمَالُ فِي كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ، وَعَلَيْهِ إذَا عَمِلَ كَانَ إيمَانُهُ كَامِلًا مُنَجِّيًا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ صَحَّ إيمَانُهُ وَكَانَ غَيْرَ كَامِلٍ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَكْمُلُ) بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ) صَحِيحٌ مِمَّا هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نِيَّةٍ (إلَّا بِنِيَّةٍ) أَيْ قَصْدٍ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا مِمَّا هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ وَالْأَذَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَائِدَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) أَيْ وَلَا يَكْمُلُ بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا نِيَّةٌ إلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ) النَّبَوِيَّةِ وَمُوَافَقَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَرَاتِ لَا نَفْسِ التَّصْدِيقِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِمَا أَرَادَ نَفْسَ التَّصْدِيقِ، هَذَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّصْدِيقَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ فِي النَّقْصِ، بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِهِ النَّقْصَ وَالزِّيَادَةَ أَنْ يَكُونَ شَكًّا وَكُفْرًا كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ الْمَشْهُورُ] أَيْ الْمَشْهُورُ عَنْهُ هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَعْمَالِ] أَيْ عَلَى مَا يَعُمُّ الْأَعْمَالَ أَيْ عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّتِي الْأَعْمَالُ جُزْءٌ مِنْهَا، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا إطْلَاقُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْمَالِ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي الْجُمْلَةِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ] ظَاهِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَانْظُرْهُ [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ] هَذَا الْحَمْلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلَا يُنَاسِبُ الْحَمْلَ عَلَيْهِ بَلْ الصَّوَابُ إبْقَاءُ الْعِبَارَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ شَرْطُ كَمَالٍ [قَوْلُهُ: الْإِيمَانِ] أَيْ الْقَوْلُ الْمَنْسُوبُ لِلْإِيمَانِ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَالَهُ عج وَأَرَادَ بِالتَّلَفُّظِ بِهِمَا حَرَكَةَ اللِّسَانِ بِهِمَا. [قَوْلُهُ: دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ] أَيْ أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْكَمَالُ] هَذَا هُوَ الصَّوَابُ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ] أَيْ الْإِيمَانِ الَّذِي بِهِ النَّجَاةُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ. [قَوْلُهُ: مُنَجِّيًا لَهُ مِنْ النَّارِ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا، وَقَوْلُهُ صَحَّ إيمَانُهُ أَيْ فَلَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ. [قَوْلُهُ: صَحِيحٌ] الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ، فَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَصِحُّ عَمَلٌ إلَّا بِنِيَّةٍ فَلَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَحِيحٌ. [قَوْلُهُ: كَزَوَالِ النَّجَاسَةِ وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ] مِثَالٌ لِلْفِعْلِ وَالْغُصُوبُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْوَدَائِعِ وَهُوَ جَمْعُ غَصْبٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَغْصُوبُ. [قَوْلُهُ: وَالْأَذَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ] مِثَالٌ لِلْقَوْلِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ سَنَدٌ أَنَّ الْأَذَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ، وَلَمْ نَرَ مَنْ نَقَلَ غَيْرَهُ كَمَا قَالَهُ عج، أَقُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَمْلَ النِّيَّةِ عَلَى الْقَصْدِ لَا يُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْ بَابِ الْفُرُوعِ وَلَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ فِيهَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِخْلَاصِ أَيْ لَا يَصِحُّ قَوْلٌ وَلَا عَمَلٌ إلَّا بِإِخْلَاصٍ، فَقَدْ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِنِيَّةٍ مَا نَصُّهُ، أَيْ مُخْلَصَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ فِي الْعِبَادَاتِ فَرْضٌ، وَهُوَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْأَعْمَالَ لِلَّهِ فَإِنْ ابْتَدَأَ الْعَمَلَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَسَدَ بِاتِّفَاقٍ، فَإِذَا ابْتَدَأَهُ لِلَّهِ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَإِذَا ابْتَدَأَهُ لِلَّهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَأَتَمَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَمْ يَدْفَعْ ذَلِكَ مِنْ قَلْبِهِ فَمَا بَعْدُ يَبْطُلُ بِاتِّفَاقٍ، وَمَا قَبْلُ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ، وَأَمَّا إذَا دَفَعَ ذَلِكَ فَلَا بُطْلَانَ بِاتِّفَاقٍ اهـ مُلَخَّصًا [قَوْلُهُ: السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ] أَيْ شَرِيعَتُهُ أَيْ أَحْكَامُهُ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، بِمَعْنَى أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَغَيْرِهِمَا وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، فَالْوَصْفُ بِقَوْلِهِ النَّبَوِيَّةِ كَاشِفٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا أَيْ

اتِّبَاعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَاتِّبَاعَ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» الْحَدِيثَ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مَعْرُوضَيْنِ عَلَى السُّنَّةِ، فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمَا خَالَفَهَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَكَانَ مَعْصِيَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ (لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ) أَيْ الْإِسْلَامِ. ك: مَا قَالَهُ هُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ سَلَفًا وَخَلَفًا خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ، حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ وَكُلُّ كَبِيرَةٍ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ وَمُرْتَكِبُهَا كَافِرٌ، وَخِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا: كُلُّ كَبِيرَةٍ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ وَمُرْتَكِبُهَا لَهُ مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِنًا وَلَا كَافِرًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ فَاسِقٌ وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُمْ عَلَى تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ اهـ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ كَانَ مُخَصَّصًا [قَوْلُهُ: فِيمَا جَاءَ بِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ هُوَ سُنَّتُهُ فَهُوَ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيرُ وَمُوَافَقَتُهَا إتْبَاعَهُ فِيهَا أَيْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا وَمَعْنَى مَا جَاءَ بِهِ أَيْ صَرِيحًا وَإِلَّا فَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ اتِّبَاعٌ لَهُ فِيمَا جَاءَ بِهِ ضِمْنًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ إنَّمَا اسْتَنْبَطُوهَا مِمَّا جَاءَ بِهِ صَرِيحًا، فَلَوْ أُرِيدَ بِمَا جَاءَ بِهِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى قَوْلِهِ، وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، إلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ لَمَّا ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيهِمْ نُسِبَتْ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ] قَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ. [قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى إلَخْ] دَلِيلٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دَلِيلٌ لِلثَّانِي، إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ أَعَمُّ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ إلَخْ] تَمَامُهُ «الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّوَاجِذُ قِيلَ الْأَضْرَاسُ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَالْعَمَلَ] يُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ النِّيَّةَ. [قَوْلُهُ: فَمَا وَافَقَهَا] أَيْ فَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ وَافَقَهَا فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [قَوْلُهُ: أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا] أَيْ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: بِذَنْبٍ] قَالَ عج بِذَنْبٍ أَيْ ذَنْبٍ يَبْقَى مَعَهُ الْإِيمَانُ فَالذَّنْبُ الْمُخِلُّ بِالْإِيمَانِ يَكْفُرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ أَيْ كَرَمْيِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَكَمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ إلَّا أَنَّهُ عَاصٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِسْلَامِ] صَلَّى أَوْ لَمْ يُصَلِّ [قَوْلُهُ: سَلَفًا وَخَلَفًا] اُعْتُرِضَ بِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ وَابْنَ عَبْدَ الْحَكَمِ وَغَيْرَهُمَا يَقُولُونَ بِتَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ تَفْرِيطًا وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ نَقَلَهُ تت، وَالشَّارِحُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: لِلْخَوَارِجِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَمِنْهُمْ أَيْ وَمِنْ الْمُبْتَدَعَةِ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَيُنْكِرُونَ أَمْرَهُ وَوِلَايَتَهُ وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِذَلِكَ الْخَارِجُونَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - اهـ. [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ] أَيْ فَيَقُولُونَ إنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَافِرٌ، وَإِنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] وَغَيْرِهَا. وَالْجَوَابُ أَنَّهَا مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ لِلنُّصُوصِ الْقَاطِعَةِ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ [قَوْلُهُ: وَخِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ] سَبَبُ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ أَنَّ رَئِيسَهُمْ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، اعْتَزَلَ مَجْلِسَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ يَقُولُ إنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَيُثْبِتُ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، فَقَالَ الْحَسَنُ اعْتَزَلَنَا وَاصِلٌ فَسُمُّوا مُعْتَزِلَةً وَهُمْ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ ثَوَابِ الْمُطِيعِ وَعِقَابِ الْعَاصِي عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَفْيِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا بِنَاءً مِنْهُمْ إلَخْ] أَيْ وَقَدْ تَقَرَّرَ بُطْلَانُهُ وَلَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَالْعَقْلُ لَا يُوجِبُ إحْبَاطَ خِدْمَةِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ مِائَةَ سَنَةٍ بِزَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، فِي الشَّاهِدِ فَكَذَلِكَ فِي الْغَائِبِ وَلِأَنَّ الذَّنْبَ لَوْ كَانَ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ مُحْبِطًا لِلطَّاعَاتِ لَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ مَعَهُ طَاعَةٌ كَالرِّدَّةِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْمِلَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ وَيُتَرَحَّمُ

الشُّهَدَاءَ) أَيْ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ جَمْعُ شَهِيدٍ، وَهُوَ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أَيْ فِي جَنَّةِ رَبِّهِمْ (يُرْزَقُونَ) مِثْلُ مَا يُرْزَقُ الْأَحْيَاءُ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى " {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] " سُمُّوا شُهَدَاءَ؛ لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ أُحْضِرَتْ دَارَ السَّلَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ. فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ لَا تَصِلُ إلَى الْجَنَّةِ، فَالشَّهِيدُ بِمَعْنَى الشَّاهِدِ أَيْ الْحَاضِرِ لِلْجَنَّةِ، وَخُصُّوا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا، مَا وَجْهُ كَوْنِ الْعَقْلِ يَجْعَلُهُ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ دُونَ أَنْ يَجْعَلُهُ كَافِرًا كَالْخَوَارِجِ أَوْ يَبْقَى مُسْلِمًا كَأَهْلِ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ] تَبِعَ ابْنَ عَطِيَّةَ حَيْثُ قَالَ، وَلَا خَفَاءَ فِي مَوْتِهِمْ وَأَنَّ أَجْسَامَهُمْ فِي التُّرَابِ وَأَرْوَاحَهُمْ كَأَرْوَاحِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا فُضِّلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرِّزْقِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَتْلِ حَتَّى كَأَنَّ حَيَاةَ الدُّنْيَا دَائِمَةٌ لَهُمْ، إلَّا أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْحَيَاةِ أَجْسَادُ الشُّهَدَاءِ، وَأَنَّ حَيَاتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَكِنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَ كَحَيَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَجْسَادَهُمْ لَا تَعُودُ إلَيْهَا الْحَيَاةُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تِلْكَ الْحَيَاةَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ بَلْ حَيَاةٌ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَدَلُ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ بِمَعْنَى طَاعَةِ اللَّهِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ جِهَادِ الْكُفَّارِ [قَوْلُهُ: كَلِمَةُ اللَّهِ] أَيْ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ مَأْثَمٍ؛ لِأَنَّهُمْ الْمُجَاهِدُونَ شَرْعًا قَالَ عج: وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ وَقَدْ قَاتَلَ لِلْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا تَكُونُ لَهُ هَذِهِ الْخَصِيصَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ نَحْوَهُ الشَّاذِلِيُّ قَبْلَ هَذَا الْمَحَلِّ اهـ، كَلَامُهُ، أَقُولُ وَبَعْضُهُمْ أَلْحَقَ بِهِمْ مَنْ قَاتَلَ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ ذَاهِبًا إلَى أَنَّ إرَادَةَ الْغَنِيمَةِ أَوْ الْوُقُوعِ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا تُنَافِي حُصُولَ الشَّهَادَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي جَنَّةِ رَبِّهِمْ] أَيْ فَلَيْسَتْ الْعِنْدِيَّةُ مُرَادًا مِنْهَا ظَاهِرُهَا. [قَوْلُهُ: يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ] أَيْ فَالْأَرْوَاحُ تَتَلَذَّذُ تَلَذُّذًا جُسْمَانِيًّا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ، يَجُوزُ أَنْ تُودَعَ الرُّوحُ فِي جَوْفِ طَيْرٍ أَوْ تَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ الطَّيْرِ وَيَصِلُ إلَيْهَا الْغِذَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ وَدِيعَةً فِي جَوْفِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَيَكُونُ هَذَا مَخْصُوصًا بِالشُّهَدَاءِ، نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ ثُمَّ نَقَلَ السُّيُوطِيّ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ سِرَاجِ الْمُرِيدِينَ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَجَّلُ الْأَكْلُ وَالنَّعِيمُ إلَّا لِلشُّهَدَاءِ اهـ. بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ بِاعْتِبَارِ الْجِسْمِ، فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالشُّهَدَاءَ يَأْكُلُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيَشْرَبُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيَحُجُّونَ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي نِكَاحِهِمْ نِسَاءَهُمْ وَيُثَابُونَ عَلَى صَلَاتِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَلَا كُلْفَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَتَلَذَّذُونَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْكَرَامَةِ لَهُمْ، وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ بِذَلِكَ اهـ. وَفِي السِّرِّ الْمَصُونِ لِسَيِّدِي أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَنْكِحُونَ فَإِنَّهُ قَالَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَحَمَلَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَنْكِحُونَ حَقِيقَةً، قَائِلُ غَيْرِ هَذَا صَرَفَ الْآيَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ يَنْكِحُونَ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِنِسَائِهِمْ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ ذَكَرَهُ عج وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ مَا تَتَنَعَّمُ بِهِ الشُّهَدَاءُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا يُنَعَّمُ بِغَيْرِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ بِأَنْ يُمْلَأَ عَلَيْهِ قَبْرُهُ خَضِرًا وَيُفْسَحَ لَهُ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ إلَخْ] أَيْ أَوْ لِأَنَّهُمْ شَهِدَ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ أَوْ لِأَنَّ دَمَهُ يَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، [قَوْلُهُ: أَحْضَرْت] أَيْ إلَّا مَنْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَكَانَ لَا يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ رُوحَهُ تُحْبَسُ عَنْ الْجَنَّةِ، هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: دَارَ السَّلَامِ] أَيْ الْجَنَّةَ سُمِّيَتْ بِهَا لِسَلَامَةِ أَهْلِهَا عَنْ كُلِّ أَلَمٍ وَآفَةٍ وَلِأَنَّ خَزَنَةَ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ لِأَهْلِهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ خُصُوصَ الْجَنَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِدَارِ السَّلَامِ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ لَا تَصِلُ إلَى الْجَنَّةِ، نَعَمْ يُسْأَلُ وَيُقَالُ فِي أَيْ جَنَّةٍ مِنْ الْجِنَانِ مَقَرُّهُمْ. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ إلَخْ] لَا

بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَهُمْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ عَلَى مَا قَالَ ع قَوْلُهُ: (وَأَرْوَاحُ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرَ الشُّهَدَاءِ إنَّمَا تَرَى مَقْعَدَهَا فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ فِي قَبْرِهَا أَوْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ وَلَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَذَا ذَكَرَ عج، أَقُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ أَرْوَاحَ السُّعَدَاءِ أَيْ وَلَوْ غَيْرَ شُهَدَاءَ فِي الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ أَيْ كُلِّ الْمُغَايِرِينَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، [قَوْلُهُ: فَالشَّهِيدُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُفَرَّعَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَلَوْ أَتَى بِأَوْ لَكَانَ أَفْضَلَ لِيُفِيدَ أَنَّهُ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا الْأَمْنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْهَا أَنْ يُتَوَّجَ بِتَاجِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَشْفَعُ فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ. . . إلَخْ] أَيْ مُلَاقَاةِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، وَظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ كَلَامِهِمْ وَالْحَدِيثُ كُلُّ ذَنْبٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرَةٍ أَيْ إلَّا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ حَدِيثٍ وَهُوَ يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدِّينَ، وَالْمُرَادُ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَأَيْتُهُ فِي ذَلِكَ تَابِعًا لِمَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ أَيْ اللَّقَانِيُّ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى مُقْتَضَى هَذَا الظَّاهِرِ مُصَرَّحًا بِهِ لِأَحَدٍ غَيْرَ مَا قَالَهُ الْجَلَالُ وَنَصُّ الْجَلَالِ قُلْت، وَعِنْدِي أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ، بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ أَعْنِي قَتْلَ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ يُكَفِّرُ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّهَا كَبَائِرِهَا وَصَغَائِرِهَا دُونَ مَا يَسْتَقْبِلُ مِنْهَا، فَإِنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ مُدَّةً وَقَدْ سَدَّدَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يُعَذَّبْ وَإِنْ لَمْ يُسَدِّدْ أُوخِذَ بِمَا جَنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَّرَ عَنْهُ اهـ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: فَإِذَا قَالَ: بِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كَافِرًا يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ، فَلْيَقُلْ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي أَرَاقَ الْكَافِرُ دَمَهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ قِيلَ فِي الْحَجِّ إنَّهُ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَبَائِرُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ اهـ. وَقَالَ عج نَاقِلًا عَنْ حَدِيثِ شَهِيدِ الْبَرِّ: يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ، وَشَهِيدُ الْبَحْرِ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ ذَنْبٍ وَالدَّيْنُ وَالْأَمَانَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ أَجْسَادَهُمْ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَكَذَا حُكْمُ مَنْ تَقَدَّمَنَا مِنْ الْأُمَمِ، مِمَّنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ عَلَى الْحَقِّ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْعُلَمَاءُ] يَعْنِي الْعَامِلِينَ كَمَا ذَكَرَهُ عج، [قَوْلُهُ: وَالْمُؤَذِّنِينَ] أَيْ احْتِسَابًا فَفِي الْحَدِيثِ: «الْمُؤَذِّنُ الْمُحْتَسِبُ كَالشَّهِيدِ الْمُتَشَحِّطِ فِي دَمِهِ، وَإِذَا مَاتَ لَمْ يُدَوَّدْ فِي قَبْرِهِ» ، وَزِيدَ قَارِئُ الْقُرْآنِ الْعَامِلُ بِهِ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وَمَنْ مَاتَ مَطْعُونًا صَابِرًا مُحْتَسِبًا وَالْمُكْثِرُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْمَحْبُوبُونَ لِلَّهِ وَالصِّدِّيقُونَ. قَالَ الْجَلَالُ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّينَ اهـ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ] قَابَلَ فِي التَّحْقِيقِ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ الْكَلَامُ فِي الْأَرْوَاحِ مُنْدَرِجٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّهَدَاءِ أَيْ فَالتَّكَلُّمُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ حَيَاةِ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ تَكَلُّمٌ عَلَى حَيَاةِ بَقِيَّةِ أَرْوَاحِ غَيْرِهِمْ، أَيْ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَقِيدَةً مُسْتَقِلَّةً، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَيْ اسْتِقْلَالًا [قَوْلُهُ: وَأَرْوَاحٌ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ فَقَطْ وَهُوَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، تَبِعَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ وَابْنُ هُبَيْرَةَ الْقَائِلِينَ أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ فَقَطْ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا لِلرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ الْجَلَالُ تَبَعًا لِشَيْخِهِ ابْنِ حَجَرٍ وَالتَّنْعِيمُ وَالْعَذَابُ، إمَّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ لِجُزْئِهِ إمَّا بَعْدَ إعَادَةِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ أَوْ بَعْضِهَا نَوْعًا مِنْ الْحَيَاةِ قَدْرَ مَا تُدْرِكُ بِهِ أَلَمَ الْعَذَابِ أَوْ لَذَّةَ التَّنْعِيمِ. وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ إعَادَةَ الرُّوحِ فِي بَدَنِهِ، وَلَا أَنْ يَتَحَرَّكَ وَيَضْطَرِبَ أَوْ يُرَى أَثَرُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ آخَرُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ: بِأَنَّهُ إنَّمَا أَسْنَدَ التَّنْعِيمَ وَالْعَذَابَ لِلرُّوحِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالْأَجْسَامِ، فَيَلْزَمُ مِنْ تَنْعِيمِ أَوْ تَعْذِيبِ الْأَرْوَاحِ

الْمُؤْمِنُونَ مُحْسِنُهُمْ وَمُسِيئُهُمْ (بَاقِيَةٌ) أَيْ غَيْرُ فَانِيَةٍ إذْ الْمَوْتُ لَيْسَ بِفِنَاءٍ مَحْضٍ وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَالٌ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ (نَاعِمَةٌ) أَيْ مُنَعَّمَةٌ بِرُؤْيَتِهَا لِمَقْعَدِهَا فِي الْجَنَّةِ (إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أَيْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ) وَهُمْ الْكُفَّارُ (مُعَذَّبَةٌ) بِرُؤْيَتِهَا لِمَقْعَدِهَا فِي النَّارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ (إلَى يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْأَرْوَاحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْعِيمُ أَوْ تَعْذِيبُ الْأَجْسَادِ وَلَا يَخْتَصُّ تَنْعِيمُ الْقَبْرِ بِمُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، كَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمُكَلَّفِينَ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْعَذَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ السَّعَادَةَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَتَفْسِيرُهَا بِالْجَنَّةِ تَفْسِيرُ الشَّيْءِ بِلَازِمِهِ وَالشَّقَاوَةُ الْمَوْتُ عَلَى الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: مُحْسِنُهُمْ وَمُسِيئُهُمْ] قَالَ عج يُفِيدُ كَغَيْرِهِ مِنْ شُرَّاحِ الْكِتَابِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ لَا يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ، أَيْ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَاعِمَةً وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ حَدِيثِ «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ السَّعَادَةِ النَّاجُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَذَابِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَنْجُ فَيُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ، فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ثَابِتٌ بِالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَمَنْ حَمَلَ أَهْلَ السَّعَادَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُحْسِنِ وَالْمُسِيءِ، وَحَمَلَ أَهْلَ الشَّقَاوَةِ عَلَى الْكَافِرِينَ كَأَبِي الْحَسَنِ وتت فِيهِ نَظَرٌ. فَإِنْ قُلْت قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ مُنَعَّمَةٌ بِرُؤْيَتِهَا لِمَقْعَدِهَا إلَخْ، قَدْ فَسَّرَهُ الطِّيبِيُّ بِالتَّبْشِيرِ بِالْجَنَّةِ وَهَذَا يَجْرِي فِي الْمُؤْمِنِ مُطْلَقًا فَصَحَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، قُلْت قَالَ عج، لَا يَصِحُّ لِبُعْدِهِ مِنْ الْعِبَارَةِ وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، فَالْمُخَلِّصُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ حَمْلُ أَهْلِ السَّعَادَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ، وَحَمْلُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ عَلَى الْكَافِرِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُصَنِّفُ سَاكِتًا عَنْ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ اهـ، كَلَامُ عج أَقُولُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الرُّؤْيَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَتَفْسِيرُ الطِّيبِيُّ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا، فَكَلَامُ الشَّارِحِ صَحِيحٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ فَانِيَةٍ] قَالَ عج: هَذَا مَا اسْتَظْهَرَهُ السُّبْكِيُّ فَهِيَ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِفَنَاءٍ مَحْضٍ] أَيْ لَيْسَ مُلْتَبِسًا بِفِنَاءٍ مَحْضٍ أَيْ لِلرُّوحِ، وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ أَيْ الْمَوْتُ ذُو انْتِقَالٍ أَيْ لِلرُّوحِ مِنْ حَالٍ وَهِيَ كَوْنُهَا قَارَّةً فِي الْجِسْمِ إلَى حَالٍ وَهِيَ كَوْنُهَا حَالَّةً فِي الْبَرْزَخِ. [قَوْلُهُ: بِرُؤْيَتِهَا إلَخْ] أَيْ رُؤْيَتِهَا فِي الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ فَقَطْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إلَخْ، لَكِنْ هَلْ الْمُرَادُ بِعَرْضِ مَقْعَدِهِ فِي الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ غَدَاةَ كُلِّ يَوْمٍ وَعَشِيَّةَ كُلِّ يَوْمٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَدَاةُ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَعَشِيَّةُ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَعَّمُ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا وَلَا يُعَذَّبُ الْكَافِرُ فِيهِ إلَّا يَوْمًا وَاحِدًا، احْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا فِي حَاشِيَةِ الْجَامِعِ، أَقُولُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: ثُمَّ إنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْعَدَ الَّذِي يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ حَقِيقَةً لَا مِثْلَهُ، وَكَلَامُ الطِّيبِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الَّذِي يُعْرَضُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ اهـ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ إذْ لَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ تَعْذِيبَهُ، أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُك، مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ حَيْثُ عَصَيْت، ثُمَّ أَقُولُ أَيْضًا وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ التَّنْعِيمَ لَيْسَ إلَّا بِرُؤْيَةِ الْمَقْعَدِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ نَعِيمِهِ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ تَوْسِيعُهُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يُفْسَحُ لِلْمُؤْمِنِ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي مِثْلِهَا وَفِي أُخْرَى مَدُّ الْبَصَرِ. وَفِي أُخْرَى أَنَّ الْغَرِيبَ يُفْسَحُ لَهُ فِيهِ إلَى بَلَدِهِ وَمِنْ نَعِيمِهِ جَعْلُ قِنْدِيلٍ فِيهِ وَإِمْلَاؤُهُ خَضِرًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُمْلَأُ عَلَيْهِ نِعَمًا غَضَّةً نَاعِمَةً اهـ. وَظَاهِرُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ فِي الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ لَا فِي مُطْلَقِ مُؤْمِنٍ، بِخِلَافِ رُؤْيَةِ الْمَقْعَدِ فِي الْجَنَّةِ فَفِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَلَوْ عَاصِيًا. [قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ النَّعِيمَ، وَهُوَ رُؤْيَةُ الْمَقْعَدِ فِي الْجَنَّةِ يَنْقَطِعُ فِي الْمَوْقِفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّنْعِيمَ بِالْقِنْدِيلِ وَنَحْوِهِ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا فِي الْمَوْقِفِ وَيُنَعَّمُ بِنِعَمٍ أُخَرَ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا جَمْعٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِجَمْعٍ لَا بِنَوْعٍ وَلَا بِنَوْعَيْنِ، وَهَلْ

جَمْعُ رُوحٍ وَهِيَ مُرَادِفَةٌ لِلنَّفْسِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ الْجَسَدِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ حَقِيقَتُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ السَّلَفِ، وَهِيَ مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَنْوَاعُ فِي الْكُفَّارِ مُتَّحِدَةٌ أَوْ إنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ قُوَّةً وَضَعْفًا بِحَسَبِ الْكُفَّارِ، تَفْوِيضُ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: إلَى يَوْمِ الدِّينِ] أَيْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ مَا عَدَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَجَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَمَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ كَمَا قَالَ النَّسَفِيُّ فِي بَحْرِ الْكَلَامِ أَنَّ الْكُفَّارَ يُرْفَعُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَجَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلِمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ إنَّ لِلْكُفَّارِ هَجْعَةً، أَيْ بَيْن النَّفْخَتَيْنِ يَجِدُونَ فِيهَا طَعْمَ النَّوْمِ، فَإِذَا صِيحَ بِأَهْلِ الْقُبُورِ قَالُوا: يَا وَيْلَنَا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْعَاصِي فَقَدْ قَالَ النَّسَفِيُّ إنَّهُ يُرْفَعُ عَنْهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا، ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِذَا مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتَهَا يَكُونُ لَهُ الْعَذَابُ سَاعَةً وَاحِدَةً. قَالَ عج قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَذَّبُونَ سِوَى جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ دُونِهَا وَأَنَّهُمْ إذَا وَصَلُوا إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْقَطَعَ، ثُمَّ يَعُودُ قَالَ وَهُوَ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ، قُلْت وَحَدِيثُ حُمَيْدٍ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتَهَا لَا يُعَذَّبُ وَيَتَبَادَرُ مِنْهُ، أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ الْعَذَابُ فَهُوَ يُوَافِقُ مَا لِلنَّسَفِيِّ، فِي عَدَمِ الْعَوْدِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ عج أَقُولُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ، مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ مِنْ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ قِسْمَانِ دَائِمٌ وَهُوَ عَذَابُ الْكُفَّارِ وَبَعْضِ الْعُصَاةِ، وَمُنْقَطِعٌ وَهُوَ عَذَابُ مَنْ خَفَّتْ جَرَائِمُهُمْ مِنْ الْعُصَاةِ فَإِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ بِحَسَبِهَا ثُمَّ يُرْفَعُ عَنْهُمْ بِدُعَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ اهـ، قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ حُمَيْدٍ وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ يَمُوتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا إلَّا وُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ وَلَقِيَ اللَّهَ وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شُهُودٌ يَشْهَدُونَ لَهُ» اهـ. وَارِدٌ فِي بَعْضِ الْعُصَاةِ وَهُوَ مَنْ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا وَيُحْمَلُ قَوْلُ النَّسَفِيِّ ثُمَّ لَا يَعُودُ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا كُلِّهِمْ وَيُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الْقَيِّمِ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ فَيَلْتَئِمُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ. تَتِمَّةٌ قَالَ تت: قَوْلُهُ إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ مَعَ قَوْلِهِ إلَى يَوْمِ إلَخْ الْمُغَايَرَةُ بَيْنهمَا لِلتَّفَنُّنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ الْمَخْصُوصَ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَإِذَا جَاءَ يَوْمُ الْبَعْثِ عُذِّبَ عَذَابًا آخَرَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُرَادِفَةٌ إلَخْ] وَمُقَابِلُ هَذَا الصَّحِيحِ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ هُمَا شَيْئَانِ فَالرُّوحُ هُوَ النَّفْسُ الْمُتَرَدِّدُ فِي الْإِنْسَانِ وَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ: لَهَا جَسَدٌ مُجَسَّدَةً لَهَا يَدَانِ وَرِجْلَانِ وَعَيْنَانِ وَرَأْسٌ، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَلْتَذُّ وَتَفْرَحُ وَتَتَأَلَّمُ وَتَحْزَنُ وَأَنَّهَا الَّتِي تُتَوَفَّى فِي الْمَنَامِ وَتَخْرُجُ وَتَسْرَحُ وَتَرَى الرُّؤْيَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: مَخْلُوقَةٌ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُحْدَثَةٌ. [قَوْلُهُ: بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ السُّنَّةِ مَا قَابَلَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُوَافِقُونَا عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ حَادِثَةٌ، فَمُرَادُهُ هُنَا بِأَهْلِ السُّنَّةِ الْإِسْلَامِيُّونَ؛ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ كَافِرٌ الَّذِينَ هُمْ الزَّنَادِقَةُ كَمَا أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ] الْأَوَّلُ جَزَمَ بِهِ ابْنُ حَزْمٍ مُدَّعِيًا فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثٍ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَهُوَ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَرْوَاحَ الْعِبَادِ قَبْلَ الْعِبَادِ بِأَلْفَيْ عَامٍ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِي بِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ، «إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ» ، وَأُجِيبُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ نَفْخِ الرُّوحِ وَخَلْقِهِ فَالرُّوحُ مَخْلُوقَةٌ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَأُرْسِلَتْ بَعْدَ تَصْوِيرِ الْبَدَنِ مَعَ الْمَلَكِ لِإِدْخَالِهَا فِي الْبَدَنِ كَمَا ذَكَرَهُ تت إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَ الْجَسَدِ أَيْ قَبْلَ جِنْسِ الْجَسَدِ وَقَوْلُهُ وَبَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ جَسَدِهَا الْمُعَيَّنِ لَهَا [قَوْلُهُ: حَقِيقَتُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ] أَيْ لِكُلِّ أَحَدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَلِذَلِكَ يُنْدَبُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْخَوْضِ فِي حَقِيقَتِهَا بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ، فَلَا يَنْبَغِي التَّكَلُّمُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ الْمُخْتَارَةُ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ: نَعَمْ مُقْتَضَى الِاسْتِئْثَارِ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ لَا يُنْدَبُ، وَقِيلَ: إنَّهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ

اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَمَقَرُّ الرُّوحِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ الْقَلْبُ وَبَعْدَ الْوَفَاةِ مُخْتَلَفٌ فَأَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْجَنَّةِ، وَأَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ خُضْرٍ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَتَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِهَا، وَأَرْوَاحُ السُّعَدَاءِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ) أَيْ يُخْتَبَرُونَ (فِي قُبُورِهِمْ) الْمُرَادُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ مُنْكَرٌ بِفَتْحِ الْكَافِ وَنَكِيرٌ فَقَوْل الشَّيْخِ: (وَيُسْأَلُونَ) تَفْسِيرٌ لِيُفْتَنُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ] أَيْ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا نَبِيٌّ وَلَا وَلِيٌّ وَلَا مَلَكٌ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَالْحَقُّ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ حَتَّى أَطْلَعَهُ عَلَى كُلِّ مَا أَبْهَمَهُ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِكَتْمِ بَعْضٍ وَالْإِعْلَامِ بِبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: وَمَقَرُّ الرُّوحِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ إلَخْ] الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَزْمِ بِكَوْنِهَا فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنْ الْبَدَنِ كَمَا أَفَادَهُ الْعُلَمَاءُ، وَإِنْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَالْحَقُّ عَلَى طَرِيقِ الْوَقْفِ أَيْ الْوَقْفِ عَنْ مَحَلِّ اسْتِقْرَارِهَا، وَعَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ تَجْرِي هَذِهِ الْأَقْوَالُ أَيْ كَوْنُ مَحَلِّهَا الْبَطْنُ أَوْ بِقُرْبِ الْقَلْبِ أَوْ بِالْقَلْبِ، ثُمَّ قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ مَحَلَّهَا الْجَسَدُ كُلُّهُ اهـ. أَيْ إنْ مَرَرْنَا عَلَى طَرِيقِ التَّعْيِينِ [قَوْلُهُ: فِي الْجَنَّةِ] لَمْ يُبَيِّنْ أَيَّ جَنَّةٍ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا نَقُولُ مِنْ أَنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ تَصِلُ إلَى عِلِّيِّينَ أَنْ تَكُونَ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ. [قَوْلُهُ: فِي حَوَاصِلِ طُيُورٍ إلَخْ] فِي بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أَوْ لَا مَانِعَ مِنْ بَقَائِهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَيُوَسِّعُهَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْفَضَاءِ، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَصِلُ لَهَا الْغِذَاءُ وَهِيَ فِيهَا عَلَى هَذَا؟ قُلْت: مِنْ خَلْقِهَا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي الْحَوَاصِلِ تَكُونُ مَحْصُورَةً. [قَوْلُهُ: عَلَى أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ] أَيْ لَا عَلَى الدَّوَامِ، وَالْأَفْنِيَةُ جَمْعُ فِنَاءٍ مِثْلُ كِتَابِ الْوَصِيدِ وَهُوَ سِعَةٌ أَمَامَ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَالْمُرَادُ هُنَا مَا حَوْلَ الْقَبْرِ. وَقِيلَ: إنَّهَا فِي الْبَرْزَخِ عِنْدَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ حِينَ رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ يَمِينِ آدَمَ أَهْلَ السَّعَادَةِ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَهْلَ الشَّقَاوَةِ، وَفِي الْهِدَايَةِ لِمَكِّيٍّ: أَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ وَهِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ السُّفْلَى. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ، وَقِيلَ: مِنْ الْقَبْرِ إلَى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ أَقُولُ حَامِدًا الْمَوْلَى: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ بِالْقَوْلِ الْأَخِيرِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ قَالَ: بِالْأَفْنِيَةِ أَيْ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْأَفْنِيَةِ وَتَجُولُ فِي الْمَلَكُوتِ، فَمِنْهُمْ مِنْ يَصِلُ إلَى عِلِّيِّينَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «عَنْ يَمِينِ آدَمَ أَهْلُ السَّعَادَةِ» أَنَّهَا اجْتَمَعَتْ إذْ ذَاكَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ أَنَّهَا فِي حِذَاءِ يَمِينِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا مُسْتَقِرَّةً فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَذَا يُقَالُ: فِي أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ أَرْوَاحَ أَهْلِ السَّعَادَةِ تَتَفَاوَتُ فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحُ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ تَتَفَاوَتُ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ إلَى سِجِّينٍ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي، وَنَصُّهُ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَرْوَاحِ سَعِيدُهَا وَشَقِيُّهَا مُسْتَقَرٌّ وَاحِدٌ وَلِكُلِّهَا عَلَى اخْتِلَافِ مَحَلِّهَا وَتَبَايُنِ مُقَارِّهَا اتِّصَالٌ بِأَجْسَادِهَا فِي قُبُورِهَا لِيَحْصُلَ لَهُمْ مِنْ النَّعِيمِ أَوْ الْعَذَابِ مَا كُتِبَ لَهُمْ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ إلَخْ] فَلَوْ أَنْكَرَ هَذَا الْوَاجِبَ وَهُوَ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ يُقْتَلْ وَيُضْرَبُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ شُمُولُهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ السُّيُوطِيّ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِتَكْلِيفِهِمْ وَعُمُومِ أَدِلَّةِ السُّؤَالِ، وَجَزَمَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِاخْتِصَاصِ السُّؤَالِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ عج: وَالصَّحِيحُ أَنَّ السُّؤَالَ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْأُمَمِ السَّابِقَةِ أَيْ قَوْلُ ابْنِ الْقَيِّمِ الْقَائِلِ: كُلُّ نَبِيٍّ مَعَ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ] أَيْ بِالِافْتِتَانِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلُهُ يُفْتَنُونَ [قَوْلُهُ: سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ أَيْ

وَدَلِيلُ مَا قَالَ قَوْله تَعَالَى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم: 27] وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَفِي الْآخِرَةِ) السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ. (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُسْأَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ: بَلْ يُسْأَلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقَ يُسْأَلُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ فِي قُبُورِهِمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَيِّتٍ يُسْأَلُ قُبِرَ أَوْ لَمْ يُقْبَرْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ أَوْ لَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشُّهَدَاءُ. الثَّالِثُ: الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُفْتَنُ سَبْعًا وَالْمُنَافِقَ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا. الرَّابِعُ: سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ: هَلْ تَلْبِسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُخْتَبَرُونَ؛ لِأَنَّهُ الِامْتِحَانُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالسُّؤَالِ لَا أَنَّهُ نَفْسُ السُّؤَالِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَسَمُّحٌ. [قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ] سُمِّيَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْقَهُمَا لَا يُشْبِهُ خَلْقَ أَحَدِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ بَلْ لَهُمَا خَلْقٌ بَدِيعٌ وَلَيْسَ فِي خَلْقِهِمَا أُنْسٌ لِلنَّاظِرِينَ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمَا أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا كَالْبَرْقِ وَصَوْتُهُمَا كَالرَّعْدِ إذَا تَكَلَّمَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِهِمَا النَّارُ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: جَعَلَهُمَا اللَّهُ تَكْرِمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَهَتْكًا لِلْكَافِرِينَ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لَذَابَتْ مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مِنْهَا: «أَنَّ الْمَرْءَ إذَا مَاتَ أُجْلِسَ فِي قَبْرِهِ فَيُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَنْ نَبِيُّك؟ فَيَقُولُ: رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، فَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ أُجْلِسَ قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَنْ نَبِيُّك؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي فَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ وَيُعَذَّبُ فِيهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «يُضْرَبُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيه إلَّا الثَّقَلَانِ» ، وَاعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلَانِهِ مَعًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ أَحَدُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ] أَيْ جَوَابُ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفِ ذَلِكَ الْمُضَافِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ] وَاعْتَمَدَهُ السُّيُوطِيّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ بَلْ يُسْأَلُ] وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي الشَّكُّ فِي سُؤَالِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضٌ؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ فِتْنَةٌ وَعَذَابٌ، وَهُمْ بِذَلِكَ أَحْرَى مِنْ الْمُسْلِمِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُنَافِقَ يُسْأَلُ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ ظَاهِرًا [قَوْلُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ] أَيْ أَوْ يُقَالُ قَبْرُ كُلِّ إنْسَانٍ مَكَانَهُ الَّذِي حَلَّ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ التَّفْرِيعِيَّةِ مِنْ أَنَّ مَنْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَيَاةَ فِي الْأَجْزَاءِ أَيْ وَيُعِيدَهُ كَمَا كَانَ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ سُؤَالَهُ بَعْدَ جَمْعِ أَجْزَائِهِ لَا فِي حَالِ تَفَرُّقِهَا. [قَوْلُهُ: مِنْهُمْ الشُّهَدَاءُ] وَلَوْ شُهَدَاءُ آخِرَةٍ فَقَطْ، أَيْ وَمِنْهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرَابِطُونَ وَالْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ أَوْ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ طَعْنٍ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَالْمَيِّتُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَدْخُلُ بِزَوَالِ شَمْسِ الْخَمِيسِ وَيَوْمِهَا، وَالْمَلَائِكَةُ وَقَارِئُ سُورَةِ تَبَارَكَ الْمُلْكِ كُلَّ لَيْلَةٍ وَقَارِئُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي زَمَنِ مَوْتِهِ، وَتَوَقَّفَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي أَهْلِ الْفَتْرَةِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبُلْهِ وَفِي الْأَطْفَالِ قَوْلَانِ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَأَقُولُ الْحَقُّ عِنْدِي فِي مَسْأَلَةِ الْأَطْفَالِ الْوَقْفُ إذْ لَيْسَ فِيهَا خَبَرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ بَعْضِهِمْ] كَلَامُهُ يُؤْذَنُ بِضَعْفِهِ، وَفِي كَلَامِ السُّيُوطِيِّ وَشَارِحِهِ مَا يُفِيدُ اعْتِمَادُهُ لِنَقْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ وَقِيلَ: ثَلَاثًا فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. قَالَ شَارِحُ السُّيُوطِيِّ: وَحِكْمَةُ الثَّلَاثِ أَوْ السَّبْعِ أَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ إلَيْهَا فَمَا أُمِرَ بِتَكْرِيرِهِ فَهُوَ فِي الْغَالِبِ ثَلَاثًا فَإِذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَكَرُّرِهِ كُرِّرَ سَبْعًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ شَيْءٍ يُعْرَضُ عَلَى الْمُؤْمِنِ جُعِلَ تَكْرِيرُهَا سَبْعًا؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ نَوْعَيْ التَّكْرِيرِ وَأَبْلَغُهُ، وَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْحِسَابَ يَقَعُ فِي الْمَوْقِفِ عَلَى سَبْعِ قَنَاطِرَ، وَيُرْوَى سَبْعِ عَقَبَاتٍ فَكَانَ السُّؤَالُ فِي الْقَبْرِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ عَلَى نَمَطِ السُّؤَالِ فِي الْمَوْقِفِ فِي سَبْعَةِ أَمْكِنَةٍ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْمُنَافِقُ] زَادَ تت: وَالْكَافِرُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَلَا غَرَابَةَ فِي سُؤَالِهِمَا مَرَّةً وَاحِدَةً

الرُّوحُ الْجُثَّةَ كَمَا كَانَتْ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ لَكِنْ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّهَا تَحِلُّ فِي نِصْفِهِ الْأَعْلَى. الْخَامِسُ: ضَغْطَةُ الْقَبْرِ وَهِيَ الْتِقَاءُ حَافَّتَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْمَيِّتِ لَمْ يَنْجُ مِنْهَا أَحَدٌ كَمَا أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ، وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ عَلَى الْعِبَادِ) إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَحْرَارًا وَأَرِقَّاءَ مِنْ وَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي أَقَالِيمَ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُخَيَّلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ الْمُخَاطَبُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَحْجُبُ اللَّهُ سَمْعَهُ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمَوْتَى لَهُمْ. [قَوْلُهُ: صَبَاحًا] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَوَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ أَيْ بِالْيَوْمِ مِرَارًا فِي عِبَارَةِ شَارِحِ السُّيُوطِيِّ، وَذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِ السُّؤَالِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّ ظَاهِرَ الْخَبَرِ أَنَّهَا تَحِلُّ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ يَقُولُ: إنَّ الرُّوحَ تُعَادُ لِلْبَدَنِ وَقْتَ السُّؤَالِ إلَّا أَنَّهَا وَإِنْ عَادَتْ إلَى الْبَدَنِ لَا لِكُلِّهِ بَلْ لِنِصْفِهِ الْأَعْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَلَعَلَّهُ قَصَدَ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ «فَيُقْعِدَانِهِ» فَإِنَّ شَارِحَ السُّيُوطِيِّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، وَظَهَرَ لِي مِنْهَا أَنَّ الظُّهُورَ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَنْجُ مِنْهَا أَحَدٌ] أَيْ حَتَّى الْأَطْفَالَ، فَعَنْ أَنَسٍ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا عُفِيَ أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ إلَّا فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ أَيْ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْقَاسِمُ أَيْ ابْنُهُ؟ وَلَا إبْرَاهِيمُ» وَكَانَ أَصْغَرَهُمَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْأَنْبِيَاءُ فَلَا يُضْغَطُونَ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: كَمَا وَرَدَ رَاجِعٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَإِنْ قُلْت: مَا السِّرُّ فِي سَلَامَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ؟ قُلْت: حُصُولُ بَرَكَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ قَبْرَهَا وَنَزَعَ قَمِيصَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمَعَّكَ فِي لَحْدِهَا ثُمَّ خَرَجَ، فَسَأَلُوهُ عَنْ نَزْعِ قَمِيصِهِ وَتَمَعُّكِهِ فِي لَحْدِهَا فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ لَا تَمَسَّهَا النَّارُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهَا قَبْرُهَا» وَقَالَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. تَتِمَّةٌ يَحْتَاجُ الْحَالُ إلَيْهَا هُوَ أَنَّ النَّسَفِيَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُ لَا يَكُونُ لَهُ عَذَابٌ فِي الْقَبْرِ وَتَكُونُ لَهُ الضَّغْطَةُ، فَيَجِدُ هَوْلَ ذَلِكَ وَخَوْفَهُ لِمَا أَنَّهُ تَنَعَّمَ بِنِعَمِ اللَّهِ وَلَمْ يَشْكُرْ وَوَرَدَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: ضَمَّةُ الْقَبْرِ إنَّهَا أُمُّهُمْ وَمِنْهَا خُلِقُوا فَغَابُوا عَنْهَا الْغَيْبَةَ الطَّوِيلَةَ، فَلَمَّا رُدُّوا إلَيْهَا ضَمَّتْهُمْ ضَمَّةَ الْوَالِدَةِ الَّتِي غَابَ عَنْهَا وَلَدُهَا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا، فَمَنْ كَانَ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى ضَمَّتْهُ بِرِفْقٍ وَرَأْفَةٍ، وَمَنْ كَانَ عَاصِيًا ضَمَّتْهُ بِعُنْفٍ سُخْطًا عَلَيْهِ، وَوَرَدَ أَيْضًا وَإِنَّ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ كَالْأُمِّ الشَّفُوقَةِ يَشْكُو إلَيْهَا ابْنُهَا الصُّدَاعَ فَتَغْمُرُ رَأْسَهُ غَمْرًا رَفِيقًا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّائِعِ، وَأَمَّا الْعَاصِي وَلَوْ مُؤْمِنًا فَقَدْ يُضْغَطُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ، أَقُولُ: فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ ثَمَرَةَ قِرَاءَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] السَّلَامَةُ مِنْ الضَّغْطَةِ الَّتِي بِهَا اخْتِلَافُ الْأَضْلَاعِ، وَأَمَّا الضَّمَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالطَّائِعِ فَلَا خَوْفَ مَعَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَعَهَا الشَّفَقَةَ وَالرَّأْفَةَ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ مُخَالَفَتُهُ لِكَلَامِ النَّسَفِيِّ، وَيَرِدُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: مَا وَجْهُ اسْتِثْنَاءِ الْأَنْبِيَاءِ؟ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخَوْفَ مَعَهَا أَوَّلًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] إلَخْ] أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَرَأَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ فِيهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لَمْ يُفْتَنْ فِي قَبْرِهِ وَأَمِنَ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَكُفِّهَا حَتَّى يَجُوزَ الصِّرَاطَ إلَى الْجَنَّةِ» اهـ. [قَوْلُهُ: إنْسِهِمْ وَجِنِّهِمْ] سَكَتَ عَنْ الْمَلَائِكَةِ لَكِنَّ الْجُزُولِيَّ اسْتَبْعَدَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ حَفَظَةٌ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ التَّسَلْسُلِ. [قَوْلُهُ: وَكَافِرِهِمْ] لَا يَخْفَى أَنْ هَذَا جَارٍ عَلَى تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الَّذِي يَكْتُبُهُ كَاتِبُ الْيَمِينِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَسَنَةَ لِلْكَافِرِ قُلْت: لِلْعُلَمَاءِ مَقَالَتَانِ: الْأَوْلَى: أَنَّ الَّذِي يَكْتُبُ هُوَ صَاحِبُ الشِّمَالِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الْيَمِينِ، وَيَكُونُ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ كَاتِبَ الْيَمِينِ يَكْتُبُ حَسَنَاتِ

التَّكْلِيفِ (حَفَظَةً) جَمْعُ حَافِظٍ كَكِتَابٍ وَكَتَبَةٍ (يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ) وَأَقْوَالَهُمْ حَتَّى الْمُبَاحَ وَالْأَنِينَ فِي الْمَرَضِ وَعَمَلِ الْقَلْبِ يَجْعَلُ اللَّهَ لَهُمْ عَلَامَةً عَلَى عَمَلِ الْقَلْبِ يُمَيِّزُونَ بِذَلِكَ بَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ؛ لِأَنَّ الْكَتْبَ لَا يَتَضَمَّنُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا وَهِيَ لِلَّقَانِيِّ مُسْتَظْهِرًا لَهَا، وَأَنَا أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَتْبِ حَسَنَاتِهِ وَثَمَرَتُهَا مَا يَلْحَقُهُ مِنْ تَخْفِيفِ عَذَابٍ غَيْرِ الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ التَّكْلِيفِ إلَخْ] أَمَّا الْإِنْسُ فَوَقْتُ تَكْلِيفِهِمْ الْبُلُوغُ، وَأَمَّا الْجِنُّ فَقَالَ عج: إنَّهُمْ كُلِّفُوا مِنْ أَوَّلِ الْفِطْرَةِ إلَّا أَنَّ الصَّوَابَ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِوَقْتِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ كَتْبُ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ دُونَ سَيِّئَاتِهِ، وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّ الْكَاتِبَ لِحَسَنَاتِهِ هُوَ الْكَاتِبُ لِلْمُكَلَّفِ وَهُوَ أَحَدُ الْحَافِظِينَ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُهُ وَلَا حَفَظَةَ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُ يُكْتَبُ. [قَوْلُهُ: يَكْتُبُونَ إلَخْ] قَالَ عج: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي تَكْتُبُهَا الْمَلَائِكَةُ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ لَيْسَ حُرُوفًا. قَالَ: وَإِنَّمَا ثُبُوتُ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَقْوَالُهُمْ] إشَارَةً إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَعْمَالِ مَا يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى الْمُبَاحَ] أَيْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَيْ فَيَكْتُبُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ، وَقِيلَ: لَا يَكْتُبُونَهُ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الصَّغَائِرِ الْمَغْفُورَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْكُتُبِ، وَفَائِدَةُ كَتْبِ الْمُبَاحِ كَمَا فِي عج رَجَاءُ الْكَفِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَرْضُ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَيْهِ لَا يَلِيقُ، فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْعَبْدُ ذَلِكَ رُبَّمَا انْكَفَّ عَنْهُ. أَقُولُ: وَيُقَالُ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى فِي الصَّغَائِرِ الْمَغْفُورَةِ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَنِينَ فِي الْمَرَضِ] أَيْ لِمَا رَوَاهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ كُلَّ شَيْءٍ صَدَرَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ، أَوْ الذُّهُولِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، وَالْأَنِينُ التَّصْوِيتُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَعْنًى أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَعَمَلَ الْقَلْبِ] مَنْصُوبٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبَاحِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْمُرَادُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ؟ قُلْت: هُوَ النَّدَمُ وَالْهَمُّ وَالْعَزْمُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَأْتِي قَرِيبًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ الْعُجْبُ وَنَحْوُهُ أَوْ أَوْلَى فَتَدَبَّرْ. وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ خَمْسُ مَرَاتِبَ: هَاجِسٌ وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا، وَخَاطِرٌ وَهُوَ جَرَيَانُهُ فِيهَا، وَحَدِيثُ نَفْسٍ وَهُوَ تَرَدُّدُهَا هَلْ تَفْعَلُ أَمْ لَا، وَهَمٌّ وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ، وَعَزْمٌ وَهُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَالْجَزْمِ. أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَلَا كَتْبَ فِيهَا، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَتَفْتَرِقُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ فَالْحَسَنَةُ تُكْتَبُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا مَانِعٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لِنَحْوِ كَسَلٍ، وَالسَّيِّئَةُ لَا تُكْتَبُ وَلَوْ كَانَ الْهَمُّ بِهَا فِي الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ تَرَكَهَا خَوْفَ النَّاسِ أَوْ رِيَاءً أَوْ كَسَلًا أَوْ عَدَمَ شَهْوَةٍ لَمْ يُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ أَوْ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ كَمَا ذَكَرَ اللَّقَانِيُّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ عَمَلَ السَّيِّئَةِ خَوْفَ النَّاسِ أَوْ رِيَاءً أَثِمَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْمَخْلُوقِ عَلَى خَوْفِ اللَّهِ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الرِّيَاءُ، وَأَنَّ فِعْلَ تِلْكَ السَّيِّئَةِ الَّتِي هَمَّ بِهَا كُتِبَ الْفِعْلُ وَحْدَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَالْهَمُّ مَرْفُوعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا الْخَامِسُ فَيُكْتَبُ مُطْلَقًا حَسَنَةً وَسَيِّئَةً مَا لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ لِخَوْفِ اللَّهِ فَإِنْ تَرَكَهَا حِسْبَةً لَهُ كُتِبَتْ حَسَنَةً بِالْأَوْلَى مِنْ الْهَمِّ وَالْعَزْمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كُتِبَتْ سَيِّئَةً لَكِنَّهَا لَا تُسَاوِيهَا، فَعَزْمُ كُلٍّ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ لَا يُسَاوِي فِعْلَهَا وَإِنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ ذَنْبِ وَسَيِّئَةٍ أُخْرَى، وَالْعَزْمُ عَلَى الْحَسَنَةِ يُسَاوِي الْهَمَّ بِهَا الْوَارِدُ فِي خَبَرِ وَمَنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً أَيْ غَيْرَ نَاقِصَةٍ فِي عِظَمِ الْقَدْرِ لَا التَّضْعِيفِ إلَى الْعَشْرِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَزْمَ وَإِنْ سَاوَى الْهَمَّ فِي عَدَمِ التَّضْعِيفِ إلَّا أَنَّهُمَا مُتَفَاوِتَانِ كَيْفِيَّةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يَجْعَلُ اللَّهُ إلَخْ] جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَقَوْلُهُ: عَمَلَ الْقَلْبِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ وَالْأَصْلُ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمْ عَلَامَةً عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: يُمَيِّزُونَ بِذَلِكَ] ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا بِمَعْنَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ بِهَا أَيْ بِالْعَلَامَةِ، وَتِلْكَ الْعَلَامَةُ قِيلَ هِيَ

{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 11] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ» الْحَدِيثَ. وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ كَذَّبَ بِهِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَسُمُّوا حَفَظَةً لِحِفْظِهِمْ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَعِلْمِهِمْ بِهِ وَلِحِفْظِهِمْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْجِنِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ تَحْصُلُ عِنْدَ صُدُورِ الْحَسَنِ عَنْ الْقَلْبِ وَرَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ تَصْدُرُ صُدُورَ السَّيِّئِ فَقَدْ سُئِلَ سُفْيَانُ كَيْفَ تَعْلَمُ الْمَلَائِكَةُ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ سَيِّئَةٍ قَالَ: إذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَجَدُوا رِيحَ الْمِسْكِ، وَإِذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَجَدُوا رِيحَ النَّتِنِ اهـ. قَالَ الْهَيْتَمِيُّ: وَلَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ تَعْيِينُ الْحَسَنِ مَا هُوَ وَلَا تَعْيِينُ السَّيِّئِ مَا هُوَ فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ التَّعْيِينَ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِكَشْفٍ عَنْ الْقَلْبِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ كَمَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَذَا ذَكَرَ اللَّقَانِيُّ. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الرَّائِحَةِ فِي الْهَمِّ، إذَا كَانَ بِسَيِّئَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْتَبُ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ فِي الْكَتْبِ حَسَنَةً إذَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَلَائِكَةٌ] فَاعِلٌ يَتَعَاقَبُونَ وَهِيَ لُغَةُ مَنْ يُلْحِقُ الْفِعْلَ عَلَامَةَ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ «وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِكَتْبِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ، فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمَا مَلَكَانِ بِالنَّوْعِ لَا بِالشَّخْصِ، فَلِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَلَكَانِ فَهُمَا أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ بِاللَّيْلِ وَاثْنَانِ بِالنَّهَارِ، وَعَلَيْهِ فَمَلَكَا اللَّيْلِ اثْنَانِ مُعَيَّنَانِ دَائِمًا وَكَذَلِكَ مَلَكَا النَّهَارِ كَمَا ذَكَرَهُ عج وَقِيلَ: هُمَا مَلَكَانِ يَلْزَمَانِ الْعَبْدَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ أَنْ تَرَدَّدَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَلَكَيْ الْإِنْسَانِ لَا يَتَغَيَّرَانِ عَلَيْهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ أَحَدِ الْمَلَكَيْنِ لِلْآخَرِ: إذَا لَمْ يَسْتَغْفِرْ دَاخِلَ السِّتِّ سَاعَاتٍ بَعْدَ عَمَلِ السَّيِّئَةِ اُكْتُبْ أَرَاحَنَا اللَّهُ مِنْهُ فَبِئْسَ الْقَرِينُ مَا أَقَلَّ مُرَاقَبَتَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَقَلَّ اسْتِحْيَاءَهُ، وَلَا يُقَالُ: ذَلِكَ لِمَنْ يَكُونَانِ مَعَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ لِسَانِ الْعَرَبِ اهـ. قَالَ عج: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ وَقْتِ الصُّعُودِ، قُلْت: وَرَأَيْت لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَلَائِكَةَ النَّهَارِ تَصْعَدُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحِينَئِذٍ فَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ تَكْتُبُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ لِلْغُرُوبِ اهـ. وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لُطْفٌ مِنْ اللَّهِ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ مِنْ طَاعَتِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَذَّبَ بِهِ] التَّكْذِيبُ جَحْدٌ فَلَا حَاجَةَ لَهُ، فَقَدْ قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: مَنْ كَذَّبَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ. قَالَ تَعَالَى إلَى آخِرِ مَا قَالَ شَارِحُنَا، وَأَمَّا مَنْ جَهِلَهُ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ. وَقَالَ الْأُصُولِيُّونَ: لَيْسَ بِكَافِرٍ وَصَوَّبَهُ اللَّقَانِيُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ الْمَحْكُومَ بِكُفْرِهِ هُوَ مَنْ تَرَدَّدَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَصْرِيحِ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ بِهِ أَوْ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَافِرٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنْ هَذَا التَّكْفِيرَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْجَحْدِ أَوْ الشَّكِّ إنَّمَا جَاءَ مِنْ حَيْثُ وُرُودُ الْقُرْآنِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ أَوْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ أَنْكَرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ الْمُتَحَقِّقِ فِي الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ وُرُودِ الْحَدِيثِ أَوْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ [قَوْلُهُ: وَعِلْمِهِمْ بِهِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ إذْ الْمُفِيدُ لِلْمُرَادِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ لِحِفْظِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَلِحِفْظِهِمْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْجِنِّ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْكَاتِبَيْنِ هُمَا الْحَافِظَانِ مِنْ الْجِنِّ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يَتَصَرَّفَانِ إلَّا فِي تَقْدِيرِ مَا يَصْدُرُ مِنْ الْإِنْسَانِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فَهُمَا حَفَظَةٌ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا غَيْرُ، ذَكَرَ هَذَا الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلْعَقِيدَةِ.

وَمَحَلُّهُمْ مِنْ الْإِنْسَانِ شَفَتُهُ، وَقَلَمُهُمْ لِسَانُهُ وَمِدَادُهُمْ رِيقُهُ، لَا يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ إلَّا عِنْدَ الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ قَعَدَ مَلَكَاهُ عَلَى قَبْرِهِ يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ حَفَظَةً جَمَعَهُمْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْعِبَادِ. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُ (لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ (عَنْ عِلْمِ رَبِّهِمْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ فَائِدَةَ كَتْبِ الْحَفَظَةِ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَائِدَةُ تَوْكِيلِهِمْ لُطْفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا عَلِمُوا أَنَّ مَلَائِكَةً تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَفْعَالَهُمْ وَيَكْتُبُونَهَا انْزَجَرُوا عَنْ الْمَعَاصِي وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ إذَا جَحَدُوا. (وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ) اسْمُهُ عِزْرَائِيلُ وَقِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ أَقُولُ: وَإِذَا كَانُوا يَحْفَظُونَهُ مِنْ الْجِنِّ فَيَكُونُونَ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ فَلَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ سَابِقًا مِنْ وَقْتِ التَّكْلِيفِ وَمُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَا قَوْلُهُ بَعْدُ لَا يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ. [قَوْلُهُ: شَفَتُهُ] فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّثْنِيَةِ مُوَافِقًا لِمَا فِي اللَّقَانِيِّ، وَفِي نُسْخَةٍ شَفَتُهُ بِالْإِفْرَادِ فَيُرَادُ الْجِنْسُ فَيُوَافِقُ الْأَوْلَى، وَهَذَا قَوْلٌ وَقِيلَ: عَاتِقَاهُ فَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ عَلَى الْأَيْمَنِ وَالسَّيِّئَاتِ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَقِيلَ: ذَقَنُهُ، وَقِيلَ: عَنْفَقَتُهُ، وَهِيَ الْوَفْرَةُ الَّتِي تَحْتَ الشَّفَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَلَمُهُمْ لِسَانُهُ] حَكَاهُ اللَّقَانِيُّ بِقِيلٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ التَّوَقُّفُ عَنْ تَعْيِينِ كُلِّ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْتُبُونَ عَمَلَ الْعَبْدِ فِي رِقٍّ. [قَوْلُهُ: إلَّا عِنْدَ الْخَلَاءِ إلَخْ] وَظَاهِرُهُ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا، وَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمَا عَلَامَةً عَلَى نَوْعِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِمْ حَفَظَةً مِنْ الْجِنِّ أَنْ لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَوْ فِي الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ خَوْفَ الْإِصَابَةِ مِنْ الْجِنِّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ الشَّارِعُ الِاسْتِعَاذَةَ عِوَضًا عَنْ حِفْظِهِمْ فِي الْخَلَاءِ، وَكَذَا التَّسْمِيَةَ عِوَضًا عَنْ حِفْظِهِمْ فِي حَالِ الْجِمَاعِ فَتَدَبَّرْ. وَكَاتِبُ الْحَسَنَاتِ أَمِينٌ عَلَى كَاتِبِ السَّيِّئَاتِ لَا يُمْكِنُهُ مِنْ كَتْبِ السَّيِّئَةِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّ سَاعَاتٍ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ، وَيُبَادِرُ لِكَتْبِ الْحَسَنَاتِ قَالَ بَعْضٌ: فَإِنْ اسْتَغْفَرَ فِي دَاخِلِ السَّاعَاتِ كَتَبَهَا كَاتِبُ الْيَمِينِ حَسَنَةً، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ اسْتِغْفَارٌ وَلَا تَوْبَةٌ كَتَبَهَا صَاحِبُ الشِّمَالِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ السَّاعَاتُ الْفَلَكِيَّةُ قَالَهُ تت وَغَيْرُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ سَبْعَ سَاعَاتٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِمْهَالِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُمَا يَقْعُدَانِ عَلَى قَبْرِهِ يَلْعَنَانِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. [قَوْلُهُ: يَسْتَغْفِرَانِ لَهُ] وَكَذَا يُسَبِّحَانِ وَيُهَلِّلَانِ وَيُكَبِّرَانِ وَيُكْتَبُ ثَوَابُهُ لِلْمَيِّتِ وَانْظُرْ هَلْ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ وَلَا يَزَالَانِ مَعَهُ فِي الْجَنَّةِ أَوْ إلَيْهَا وَقِيلَ: إذَا جَاءَ وَقْتُ النَّزْعِ فَإِنْ صُوحِبَا بِحُسْنٍ وَدَّعَاهُ وَدَعَيَا لَهُ بِخَيْرٍ وَقَبَّلَاهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَيَنْصَرِفَانِ إلَى مَقْعَدِهِمَا الَّذِي كَانَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْفِظَاهُ، وَإِنْ صُوحِبَا بِشَرٍّ قَالَا: لَا جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ نَفْسِك وَلَا عَنَّا خَيْرًا فَبِئْسَ الْقَرِينُ كُنْت [قَوْلُهُ: جَمَعَهُمْ بِاعْتِبَارِ عَدَدٍ لِلْعِبَادِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ هُوَ الْعِبَادُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ فَهُمَا مَلَكَانِ بِالشَّخْصِ فَقَطْ، وَجَمَعَهُمْ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَعَلَى أَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَعَلَيْهِ كَلَامُهُ أَوَّلًا كَمَا بَيَّنَّا، فَالْجَمْعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَكُونُ فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَى الْقَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: لُطْفٌ إلَخْ] خُلَاصَتُهُ أَنَّ فَائِدَةَ الْكَتْبِ أَمْرَانِ، إحْدَاهُمَا: دُنْيَوِيَّةٌ وَهِيَ الِانْكِفَافُ عَنْ الْمَعَاصِي فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَثَانِيَتُهَا: أُخْرَوِيَّةٌ وَهِيَ إقَامَةُ الْحُجَّةِ إذَا جَحَدُوا أَيْ أَنْكَرُوا، وَقَالُوا: مَا عَلِمْنَا وَفِي التَّعْبِيرِ بِإِذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَقَعُ مِنْهُمْ الْجَحْدُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت: 21] وَأَرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُ عَمَلَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَعَطْفُ الْكَتْبِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: وَإِقَامَةِ

عَبْدُ الْجَبَّارِ (يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ) كُلَّهَا أَرْوَاحَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ (بِإِذْنِ رَبِّهِ) قَالَ تَعَالَى {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] وَفِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَلَكِ الْمَوْتِ: «وَاَللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَبْضَ رُوحِ بَعُوضَةٍ مَا قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْذَنُ بِقَبْضِهَا» ، فَإِنْ قِيلَ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ إسْنَادُ التَّوَفِّي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42] وَقَالَ تَعَالَى {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام: 61] فَالْجَوَابُ أَنَّ إضَافَةَ التَّوَفِّي إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً وَإِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَبْضِ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْوَانُهُ يَأْخُذُونَ فِي جَذْبِهَا مِنْ الْبَدَنِ فَهُوَ قَابِضٌ وَهُمْ مُعَالِجُونَ. (وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُجَّةِ] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لُطْفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَبْدُ الْجَبَّارِ إلَخْ] لَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ أَنَّ عِزْرَائِيلَ مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ عَبْدُ الْجَبَّارِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: كُلَّهَا] أُتِيَ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَلْ فِي الْأَرْوَاحِ لِلْجِنْسِ [قَوْلُهُ: أَرْوَاحُ الْإِنْس وَالْجِنِّ] أَيْ وَالشُّهَدَاءِ وَلَوْ شَهِيدَ بَحْرٍ، وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ رُوحٌ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ وَلَوْ بَرَاغِيثَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَبْضَ رُوحِ بَعُوضَةٍ بَلْ يَقْبِضُ رُوحَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: إنَّمَا يَقْبِضُهَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قِيلَ: إنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ شُهَدَاءِ الْبَحْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عج. وَذُكِرَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَنْ قَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَكَذَا أَهْلُ الْجُوعِ فِي الدُّنْيَا، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا فَإِنْ قُلْت: إذَا مَاتَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ كَيْفَ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْجَمِيعِ قُلْت، ذَكَرُوا أَنَّ الدُّنْيَا بَيْنَ يَدَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْآكِلِ وَرِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى وَرَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَوَجْهُهُ مُقَابِلُ اللَّوْحِ. [قَوْلُهُ: بِإِذْنِ رَبِّهِ] أَيْ بِأَمْرِ رَبِّهِ. [قَوْلُهُ: بَعُوضَةٍ] فِي الْقَامُوسِ الْبَقَّةُ لَعَلَّ قَصْدَ مَلَكِ الْمَوْتِ مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ الدَّقِيقِ الْجِسْمِ لَا خُصُوصَ الْبَقَّةِ، وَإِلَّا فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ وَهُنَاكَ مَا هُوَ مِثْلُهَا فِي الدِّقَّةِ كَالنَّمْلَةِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَأْذَنُ بِقَبْضِهَا] ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ رُوحٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا إذْنٌ جَدِيدٌ، وَرَأَيْت مَا يُقَوِّيهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُقَالُ: إنَّ صَكًّا يَنْزِلُ عَلَى مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فِيهِ اسْمُ مَنْ أُمِرَ بِقَبْضِ رُوحِهِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْبَضُ فِيهِ، لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ وَجْهِهِ مُقَابِلٌ اللَّوْحَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالنَّظَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَرَاغِ أَجَلِ الْعَبْدِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنٍ جَدِيدٍ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ اللَّوْحَ يَقَعُ فِيهِ التَّغْيِيرُ وَالتَّبْدِيلُ فَيَظْهَرُ ثَمَرَةٌ لِلْإِذْنِ الْجَدِيدِ قُلْت: لَا ثَمَرَةَ حِينَئِذٍ لِلنَّظَرِ فِي اللَّوْحِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى مَا فِي اللَّوْحِ مَا لَمْ يَقَعْ تَغْيِيرٌ أَوْ يَنْزِلُ أَمْرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ الْجَدِيدُ عَامًّا بَلْ مَحْمُولٌ عَلَى الْبَعْضِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِعْلَ يُسْنَدُ حَقِيقَةً عَقْلِيَّةً لِمَنْ قَامَ بِهِ لَا لِمَنْ أَوْجَدَهُ كَقَامَ زَيْدٌ فَلَا يُقَالُ: قَامَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُوجِدُ لِلْقِيَامِ، وَكَذَا التَّوَفِّي الَّذِي هُوَ قَبْضُ الرُّوحِ إنَّمَا قَامَ بِالْمَلَكِ إسْنَادُ التَّوَفِّي إلَيْهِ حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَيَكُونُ إسْنَادُهُ لِلْمَوْلَى تَعَالَى غَيْرَ جَائِزٍ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِهِ وَإِنْ كَانَ خَلَقَهُ، نَعَمْ إنْ تَجَوَّزَ بِهِ عَنْ خَلْقِهِ لِقِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَى ذَلِكَ صَحَّ، فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً وَهُوَ مُنَافٍ لِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ لِلْقَبْضِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فَاعِلًا حَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ فَاعِلٌ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْفِعْلِ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْفَاعِلِ مَنْ أَوْجَدَ الْفِعْلَ وَخَلَقَهُ فَهُوَ اللَّهُ بِدُونِ رَيْبٍ إلَّا أَنَّ الْإِسْنَادَاتِ الْحَقِيقِيَّةَ وَالْمَجَازِيَّةَ لَيْسَتْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ الَّتِي الْإِسْنَادَاتُ بِاعْتِبَارِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى فَاعِلًا حَقِيقَةً فَلَا يُتَخَلَّصُ إلَّا بِجَعْلِ الْمُتَوَفَّى مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، أَعْنِي الْإِيجَادَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْجَذْبَ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ اتَّضَحَ الْحَالُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ أَعْوَانُهُ] أَيْ فَيَكُونُ إسْنَادُ التَّوَفِّي إلَيْهِمْ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، أَوْ اسْتَعْمَلَ تَوَفَّتْهُ فِي تَسَبَّبَتْ فِي وَفَاتِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا لُغَوِيًّا، وَلَمْ يُبَيِّنْ

مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ (أَنَّ خَيْرَ) أَيْ أَفْضَلَ (الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِينَ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآمَنُوا بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قِيلَ خَاطَبَهُمْ خِطَابَ مُشَافَهَةٍ أَيْ أَنْتُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ جَمِيعُ أُمَّتِهِ أَيْ كُنْتُمْ فِي الْأَزَلِ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟ وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ الْخَيْرِيَّةَ بِالْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْكُفَّارِ كَانُوا فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، وَرَأَوْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَنْفَعْهُمْ رُؤْيَتُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ إيمَانِهِمْ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي الْقَرْنِ مَا هُوَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْجِيلُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِدَّةَ هَؤُلَاءِ الْأَعْوَانِ وَهَلْ هِيَ مُسْتَوِيَةٌ فِي جم جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ قَابِضٌ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَاذِبًا، إلَّا أَنَّ الرُّوحَ إذَا قَرُبَتْ مِنْ الْخُرُوجِ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِدُونِ جَذْبٍ وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّعْرَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ حِكَايَةً عَنْ مَلَكِ الْمَوْتِ حَيْثُ قَالَ: الدُّنْيَا كُلُّهَا بَيْنَ رُكْبَتَيَّ وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ بَيْنَ عَيْنَيَّ وَيَدَايَ تَبْلُغَانِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، فَإِذَا نَفِدَ أَجَلُ عَبْدٍ نَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِ عَرَفَتْ أَعْوَانِي مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ وَبَطَشُوا بِهِ يُعَالِجُونَ نَزْعَ رُوحِهِ، فَإِذَا بَلَغُوا بِالرُّوحِ الْحُلْقُومَ عَلِمْت ذَلِكَ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، فَمَدَدْت يَدَيَّ إلَيْهِ فَانْتَزَعْتهَا مِنْ جَسَدِهِ. [قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ خَيْرَ إلَخْ] أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ خُطُورِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَالِ أَوْ ذِكْرِهِمْ بِاللِّسَانِ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ هَذِهِ التَّفْصِيلَاتُ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ اكْتِسَابُهُ أَوْ اعْتِقَادُهُ، بَلْ لَوْ غَفَلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقًا لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي الدِّينِ. نَعَمْ مَتَى خَطَرَتْ بِالْبَالِ أَوْ تَحَدَّثَ فِيهَا اللِّسَانُ وَجَبَ الْإِنْصَافُ وَتَوْفِيَةُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: رَأَوْا] أَيْ اجْتَمَعُوا بِهِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الِاجْتِمَاعِ، فَيَدْخُلُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُمْيَانِ [قَوْلُهُ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]] أَيْ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ أَيْ مِنْ النَّاسِ، وَالْمَعْنَى مَا أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ أُمَّةً خَيْرًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْخَازِنِ. [قَوْلُهُ: خِطَابَ مُشَافَهَةٍ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِطَابَ تَوْجِيهُ الْكَلَامِ إلَى حَاضِرٍ فَهُوَ يَقْتَضِي الْمُشَافَهَةَ فَقَوْلُهُ: مُشَافَهَةً لِلتَّأْكِيدِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ خِطَابًا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمِيعُ أُمَّتِهِ] أَيْ فَلَا يَكُونُ خِطَابَ مُشَافَهَةٍ هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ إذْ هُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ لَا تَغْلِيبَ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَفِيهِ تَغْلِيبُ الْمَوْجُودِ عَلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَفِي الْأَزَلِ] أَيْ أَوْ فِي اللَّوْحِ أَوْ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ، أَوْ الْمَعْنَى وَجَدْتُمْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَوْجُهَ جَارِيَةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي خُصُوصَ الصَّحْبِ أَوْ جَمِيعَ الْأُمَّةِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ، فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ كَثِيرًا] أَيْ فَذَكَرَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي. قَالَ عج: فَإِنْ قُلْت: خَيْرٌ اسْمُ تَفْضِيلٍ فَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ شَارَكَهُمْ غَيْرُهُمْ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَزَادُوهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ فِيهَا، وَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي فِي الْمُسْلِمِينَ لَا فِي الْكُفَّارِ إذْ هُمْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ أَلْبَتَّةَ، فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: وَآمَنُوا بِهِ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَيْرِيَّةَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِغَيْرِ الدِّينِ كَالْأَحْسَنِيَّةِ وَهَذَا يُوجَدُ فِي الْكُفَّارِ، فَلَوْ حَذَفَ وَآمَنُوا لَاقْتَضَى خَيْرِيَّةَ كُفَّارِ أَهْلِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ عَلَى كُفَّارِ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّانِي وَهَذَا لَيْسَ مُرَادًا أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ جَعَلَ قَوْلَهُ: وَآمَنُوا لَيْسَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا إشْكَالَ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْقَرْنِ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُلَخَّصِ الْمَقَاصِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجُمْلَةِ لَا الْآحَادِ بِمَعْنَى جُمْلَةِ الْقَرْنِ الثَّانِي أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ خَيْرًا وَبَرَكَةً مِنْ جُمْلَةِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ آحَادِ الثَّالِثِ أَفْضَلَ مِنْ آحَادِ الثَّانِي بَلْ ذَلِكَ كَثِيرٌ، وَأَمَّا الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَهُمْ الصَّحَابَةُ فَقِيلَ: فَضَّلَهُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجُمْلَةِ وَالْآحَادِ وَقِيلَ: بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمْلَةِ فَقَطْ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَوْ مَنْ بَعْدَهُمْ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْإِكْمَالِ قَالَ: لِأَنَّ مَزِيَّةَ الصُّحْبَةِ لَا يُوَازِي بِهَا عَمَلٌ، وَالثَّانِي قَوْلُ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَحْسَنَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِيلُ

الشَّيْخِ فَالْقَرْنُ الْأَوَّلُ الصَّحَابَةُ حَتَّى يَنْقَرِضُوا. وَالثَّانِي التَّابِعُونَ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَالثَّالِثُ تَابِعُ التَّابِعِينَ حَتَّى يَنْقَرِضُوا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ السُّنُونَ، وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِائَةٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَمْدُوحَةِ سَوَاءٌ أَوْ مُتَفَاضِلُونَ، قَوْلَانِ، فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ تَفْضِيلِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ بِإِسْنَادٍ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ قَالَ: «نَعَمْ قَوْمٌ يَجِيئُونَ بَعْدَكُمْ فَيَجِدُونَ كِتَابًا بَيْنَ لَوْحَيْنِ فَيُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهِ وَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيُصَدِّقُونَ بِمَا جِئْت وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ» قُلْت: أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِهِمْ فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ تَفْضِيلُهُمْ مُطْلَقًا. (تَنْبِيهٌ) الْخَيْرِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِخَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّفَاوُتِ فِي خِصَالِ الْفَضَائِلِ، فَمَنْ كَثُرَتْ فِيهِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَكَمْ مِنْ قَلِيلِ الْعَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا اعْتَمَدَهُ عج وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ الْجِيلَ هُوَ نَفْسُ الصَّحَابَةِ وَيُؤَيِّدُهُ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ الْجِيلُ الْأُمَّةُ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِائَةٌ إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ قِيلَ عَشَرَةٌ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ. وَقِيلَ: غَيْرَ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الْأَصَحِّ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ وَقَالَ لَهُ: عِشْ قَرْنًا» فَعَاشَ مِائَةَ عَامٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَنْ وُجِدَ فِي الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ تَابِعِيًّا خَيْرٌ مِمَّنْ وُجِدَ فِي الثَّالِثَةِ وَلَوْ تَابِعِيًّا. [قَوْلُهُ: الْمَمْدُوحَةِ] دَخَلَ فِيهَا الرَّابِعُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ ك: وَاخْتُلِفَ فِي تَفْضِيلِ الرَّابِعِ لِشَكِّ الرَّاوِي فِيهِ [قَوْلُهُ: أَوْ مُتَفَاضِلُونَ] أَيْ كُلُّ قَرْنٍ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا مِنْ عَامٍ أَوْ مَا مِنْ يَوْمٍ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ» . وَرُوِيَ «فِي كُلِّ عَامٍ تُرْذَلُونَ» . [قَوْلُهُ: بَيْنَ لَوْحَيْنِ] الْمُرَادُ بِهِمَا دَفَّتَا الْمُصْحَفِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُونَ بِي] هَذَا دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ بِمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: وَيُصَدِّقُونِ بِمَا جِئْت بِهِ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: فِي جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ] وَهُوَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَهُمْ خَيْرٌ مِنْكُمْ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْضِيلَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الطَّائِعِينَ. [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ] أَيْ وَالظَّاهِرِ. [قَوْلُهُ: وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ. [قَوْلُهُ: وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ إلَخْ] أَيْ وَرَفْعِ الْمَرَاتِبِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ مِقْدَارٌ مِنْ الْجَزَاءِ يُعْطِيهِ اللَّهُ فِي نَظِيرِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ رَفْعَ دَرَجَاتٍ وَغَيْرَهَا، هَذَا إذَا أُرِيدَ مِنْ رَفْعِ الْمَرَاتِبِ إعْطَاءُ مَنَازِلَ عَالِيَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ كَثْرَةُ النِّعَمِ وَعِظَمُ الْإِحْسَانِ، وَيَكُونُ مُرَادِفًا ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَجَدْت بَعْضَ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ ذَكَرَهُمَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِخَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ] أَيْ بِقَوْلٍ وَارِدٍ عَنْ الرَّسُولِ تَحَقَّقَ وُرُودُهُ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ، وَارْتَضَى اللَّقَانِيُّ هَذَا الطَّرَفَ وَهُوَ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى خَبَرٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَمَا قَالَ شَارِحُنَا بَلْ يُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ آوَوْا وَنَصَرُوا وَجَاهَدُوا وَصَبَرُوا وَتَصَدَّقُوا بِأَمْوَالِهِمْ عَلَى فَاقَةٍ وَبَاعُوا النُّفُوسَ فِي صُحْبَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ إلَخْ] حَاصِلُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْقَرْنِ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ، بَلْ مَنْ كَانَتْ خِصَالُهُ أَكْثَرُ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ كَانَتْ خِصَالُهُ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ أَكْثَرُ أَفْضَلَ مِنْ الَّذِي خِصَالُهُ أَقَلُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ. فَقَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ إلَخْ أَيْ وَإِذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ أَيْ مَا

(وَ) مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ صَحَابَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ بِفَتْحِ الصَّادِ الْأَصْحَابُ جَمْعُ صَاحِبٍ وَهُوَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ، وَغَيْرُهُمْ بِإِجْمَاعٍ مَنْ يَعْتَدُّ بِهِ، وَأَوَّلُهُمْ إسْلَامًا عَلَى الصَّحِيحِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَ (أَفْضَل ـــــــــــــــــــــــــــــQذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَقَوْلُهُ: بِالتَّفَاوُتِ أَيْ بِالتَّزَايُدِ وَقَوْلُهُ: فِي خِصَالِ الْفَضَائِلِ أَيْ فِي خِصَالٍ هِيَ الْفَضَائِلُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَأَرَادَ بِالْفَضَائِلِ مَا يَشْمَلُ الْفَوَاضِلَ، وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ. وَقَوْلُهُ: فَمَنْ كَثُرَتْ أَيْ فَحِينَئِذٍ مِنْ كَثُرَتْ فِيهِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الشَّارِحَ مُتَرَدِّدٌ فِي الْخَيْرِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّقَانِيَّ اعْتَبَرَ الْأَوَّلَ فَلْيُعَوِّلْ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ: «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابَهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ» [قَوْلُهُ: فَكَمْ] الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ تَعْلِيلِ كَوْنِ الْأَفْضَلِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ. [قَوْلُهُ: قَطْعًا أَوْ ظَنًّا] وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ قَطْعِيًّا أَنَّ التَّفْضِيلَ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَعَلَى كَوْنِهِ ظَنِّيًّا أَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ اللَّقَانِيُّ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ أَوْ هُنَا لِلتَّرَدُّدِ كَالْأَوَّلِ، وَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقَطْعُ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اللَّقَانِيَّ رَجَّحَ الْبَاطِنَ، وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَكَذَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَهْلِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِمْ، فَوَقَعَ الْخِلَافُ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ فَقِيلَ: قَطْعِيٌّ وَهُوَ الْحَقُّ، وَقِيلَ: ظَنِّيٌّ وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَهُوَ الْحَقُّ. أَوْ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالصَّحَابَةُ إلَخْ] هُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ. [قَوْلُهُ: الْأَصْحَابُ] قَالَ فِي شَرْحِ الْعَقِيدَةِ: وَجَمْعُ الْأَصْحَابِ أَصَاحِيبُ [قَوْلُهُ: جَمْعُ صَاحِبٍ] رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَصْحَابًا جَمْعٌ لِصَحْبٍ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ هَلْ هُوَ أَيْ صَحْبٌ جَمْعٌ لِصَاحِبٍ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ أَوْ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: لِلْأَخْفَشِ وَالثَّانِي لِسِيبَوَيْهِ، وَلَيْسَ أَيْ أَصْحَابُ جَمْعًا لِصَاحِبٍ؛ لِأَنَّ فَاعِلًا لَمْ يَثْبُتْ جَمْعُهُ عَلَى أَفْعَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] قَالَ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ: الْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُمَاشَاةِ وَوُصُولِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ] اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا اجْتَمَعَ بِهِ مُؤْمِنًا ثُمَّ مَاتَ مُرْتَدًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ فَلَيْسَ بِصَحَابِيِّ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا مَنْ ارْتَدَّ بَعْدَ صُحْبَتِهِ ثُمَّ آمَنَ فَقَضِيَّةُ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَحَابِيًّا إلَّا إنْ عَادَ لِلْإِسْلَامِ وَلَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَانِيًا مُسْلِمًا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِ مَنْ لَا يَرَى الْإِحْبَاطَ إلَّا بِالْمَوْتِ كَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُسَمَّى صَحَابِيًّا إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ارْتَدَّ، وَأُتِيَ بِهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسِيرًا فَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ، وَاشْتِرَاطُ الْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابِيِّ الَّذِي يُتَرَضَّى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ: إنَّ الْمُنَاسِبَ إسْقَاطُ قَوْلِهِ: ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَلَا تَتَحَقَّقَ الصُّحْبَةُ لِأَحَدٍ فِي حَيَاتِهِ [قَوْلُهُ: عُدُولٌ] أَيْ فَلَا يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ كَمَا قَالَ الْمَحَلِّيُّ لَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا فِي شَهَادَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَّةِ، وَمَنْ طَرَأَ لَهُ مِنْهُمْ قَادِحٌ كَسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا وَرَدَ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ] أَيْ كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَدْخُلُوا فِي الْحُرُوبِ لَا مَعَ عَلِيٍّ وَلَا مَعَ مُعَاوِيَةَ، وَرَاعَى مَعْنَى مَنْ فَجَمَعَ، وَلَوْ رَاعَى اللَّفْظَ لَقَالَ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ] وَمُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ قِيلَ: إنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ يُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ إلَّا مَنْ يَكُونُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ أَوْ مَقْطُوعَهَا كَالشَّيْخَيْنِ، وَقِيلَ: هُمْ عُدُولٌ إلَى قَتْلِ عُثْمَانَ فَيُبْحَثُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ مِنْ حِينِ قَتْلِهِ لِوُقُوعِ الْفِتَنِ بَيْنَهُمْ مِنْ حِينَئِذٍ، وَفِيهِمْ مَنْ انْعَزَلَ عَنْهُمْ حَالَةَ الْفِتْنَةِ، وَقِيلَ: هُمْ عُدُولٌ إلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا فَهُمْ فُسَّاقٌ لِخُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ الْحَقِّ وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ أَبُو بَكْرٍ] مُقَابِلُ الصَّحِيحِ أَقْوَالٌ، قِيلَ: خَدِيجَةُ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ،

الصَّحَابَةِ) أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِينَ بَايَعُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَفْضَلُهُمْ أَهْلُ بَدْرٍ، وَأَفْضَلُهُمْ الْعَشَرَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَسَعِيدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَامِرُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَفْضَلُهُمْ (الْخُلَفَاءُ) الْأَرْبَعَةُ جَمْعُ خَلِيفَةٍ، سُمُّوا خُلَفَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ خَلَفُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَحْكَامِ. (الرَّاشِدُونَ) جَمْعُ رَاشِدٍ (الْمَهْدِيُّونَ) جَمْعُ هَادٍ، وَاللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ لِأَنَّك تَقُولُ: أَرْشَدَك أَيْ هَدَاك، وَتَقُولُ: هَدَاك اللَّهُ أَيْ أَرْشَدَك، وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ: عَلِيٌّ وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَقِيلَ: بِلَالٌ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَالْأَوْرَعُ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدٌ، وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ اهـ. فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَقْوَالِ: [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الصَّحَابَةُ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ] أَيْ بَعْدَ عِيسَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَحَابِيٌّ كَمَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: الَّذِينَ بَايَعُوهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -] إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 18] إلَخْ. وَذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمَهُ وَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ أَرْسَلَ لَهُمْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يُبَلِّغُهُمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَأْتِهِمْ مُقَاتِلًا وَلَا مُحَارِبًا وَإِنَّمَا جَاءَهُمْ زَائِرًا لِلْبَيْتِ وَمُعَظِّمًا لَهُ، فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ وَبَلَغَ الْخَبَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ قُرَيْشًا قَتَلَتْ عُثْمَانُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَ ذَلِكَ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ. وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا وَلَا يَفِرُّوا، ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُ خَبَرِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَادَنَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُرَيْشًا ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا» . [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُمْ أَهْلُ بَدْرٍ] أَيْ أَفْضَلُ الْحُدَيْبِيِّينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُمْ الْعَشَرَةُ] أَيْ أَفْضَلُ أَهْلِ بَدْرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِيهِ أَيْضًا إذَا تَقَرَّرَ لَك مَا ذَكَرْته فَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ مَا عَدَا أَهْلَ بَدْرٍ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ الَّذِينَ لَمْ يَحْضُرُوا الْحُدَيْبِيَةَ، وَأَنَّ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ أُحُدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ فِي نَظْمِ النُّقَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ تَرْتِيبَ الْأَرْبَعَةِ فِي الْفَضْلِ: فَالسِّتَّةُ الْبَاقُونَ ثُمَّ أَهْلُ ... بَدْرٍ فَأَهْلُ أُحُدٍ فَكُلُّ مَنْ بَايَعَ النَّبِيَّ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... فَسَائِرُ الصَّحَابَةِ الْمُفْتَخِرَةِ فَمَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ ... عَلَى اخْتِلَافِ وَصْفِهِ الْجَلِيِّ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ] أَيْ فَمَرْتَبَةُ السِّتَّةِ تَلِي مَرْتَبَةَ الْأَخِيرِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ قَائِلًا: وَانْظُرْ مَنْ الْأَفْضَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ وَمَنْ يَلِيهِ، فَإِنِّي مَا رَأَيْته اهـ. [قَوْلُهُ: جَمْعُ خَلِيفَةٍ إلَخْ] وَهُوَ كُلُّ مَنْ صَارَ عِوَضًا عَنْ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ، فَإِنْ خَلَفَهُ فِي شَرٍّ قِيلَ فِيهِ خَلْفٌ وَإِنْ خَلَفَهُ فِي خَيْرٍ، قِيلَ: فِيهِ خَلِيفَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} [ص: 26] وَقَالَ تَعَالَى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم: 59] كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ [قَوْلُهُ: جَمْعُ رَاشِدٍ] وَهُوَ الْمُسَدَّدُ فِي نَفْسِهِ الْمُوَفَّقُ فِي أَمْرِهِ كَمَا قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: جَمْعُ هَادٍ] كَذَا فِي تت، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ جَمْعُ مَهْدِيٍّ لَا هَادٍ. [قَوْلُهُ: وَاللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ] فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَالَهُ عج، وَيُوَافِقُهُ الْمِصْبَاحُ وَنَصُّ عج وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْوَصْفُ بِالرُّشْدِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ؛ لِأَنَّهُ مُصْلِحٌ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْهُدَى يَخُصُّ الدِّينَ اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّك تَقُولُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُوَافِقُهُ مَا قَالَهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي حَيْثُ يَقُولُ: وَهُمَا اسْمُ مَفْعُولٍ لَا اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ الَّذِي هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأَرْشَدَهُمْ. قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، زَادَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى اسْمِ مَفْعُولٍ أَمْ لَا اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمُتَبَادَرِ مِنْ ذَلِكَ الْحِلِّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ

مُتَفَاوِتُونَ فِي الْفَضِيلَةِ فَأَفْضَلُهُمْ (أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ الْخِلَافَةَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ مُدَّتُهُ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ: وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَمَاتَ وَسِنُّهُ كَسِنِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (ثُمَّ) يَلِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ (عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ الْخِلَافَةَ بِاسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى خِلَافَتِهِ وَكَانَتْ مُدَّتُهُ عَشْرَةَ أَعْوَامٍ وَكَسْرًا، تُوُفِّيَ وَسِنُّهُ كَسِنِّ أَبِي بَكْرٍ. (ثُمَّ) يَلِيه فِي الْفَضِيلَةِ (عُثْمَانُ) بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ الْخِلَافَةَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً ثُمَّ قُتِلَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا (ثُمَّ) يَلِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ (عَلِيٌّ) بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيَ الْخِلَافَةَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ وَقِيلَ: خَمْسُ سِنِينَ تُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ قَتَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ وَدُفِنَ فِي مِحْرَابِ مَسْجِدِهَا. (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) وَعَنَّا بِهِمْ (أَجْمَعِينَ) وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQرَاشِدٍ وَهَادٍ اسْمُ فَاعِلٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ الَّذِي صَارَ بِهِ اسْمَ فَاعِلٍ أَثَرًا عَنْ غَيْرِهِ، فَمَعْنَى رَاشِدٍ وَهَادٍ ذَاتٌ اتَّصَفَتْ بِالرُّشْدِ وَالْهَدْي. [قَوْلُهُ: أَيْ هَدَاك إلَخْ] قَضِيَّةُ الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ يُقَالُ: أَيْ أَصْلَحَك قَائِلًا وَهُوَ أَيْ الصَّلَاحُ إصَابَةُ الصَّوَابِ اهـ. وَظَاهِرُهُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا. [قَوْلُهُ: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ] صَدَّقَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النُّبُوَّةِ بِغَيْرِ تَلَعْثُمٍ، وَفِي الْمِعْرَاجِ بِلَا تَرَدُّدٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ] زَادَ بَعْضُهُمْ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَدَلَ الْعَشَرَةِ تِسْعُ لَيَالٍ. [قَوْلُهُ: وَمَاتَ] أَيْ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِثَمَانٍ بَلَغَتْ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ شِدَّةُ وَجْدِهِ وَحُزْنِهِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: وَسِنُّهُ كَسِنِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً. [قَوْلُهُ: بِاسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ] وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ دَعَا عُثْمَانَ وَأَمْلَى عَلَيْهِ كِتَابَ وَصِيَّةٍ بِالْخِلَافَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَلَمَّا كَتَبَ خَتَمَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحِيفَةَ وَأَمَرَ عُثْمَانَ فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فَبَايَعَ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ وَمِنْ ذَلِكَ يُعْلَمُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ إذَا أَوْصَى بِالْخِلَافَةِ لِأَحَدٍ تُتَّبَعُ وَصِيَّتُهُ [قَوْلُهُ: وَكَسْرًا] وَالْكَسْرُ عِنْدَ الْحِسَابِ جُزْءٌ غَيْرُ تَامٍّ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَاحِدِ كَالنِّصْفِ وَالْعُشْرِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا دُونَ السَّنَةِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الشَّارِحُ ذَلِكَ الْكَسْرَ وَبَعْضٌ عَيَّنَهُ فَقَالَ: وَمُدَّةُ خِلَافَتِهِ عَشْرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ بَدَلَ الثَّمَانِيَةِ خَمْسُ لَيَالٍ. [قَوْلُهُ: تُوُفِّيَ] أَيْ عُمَرُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِأَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةَ مَضَتْ مِنْهُ فِي السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ. [قَوْلُهُ: وَسِنُّهُ كَسِنِّ أَبِي بَكْرٍ] لَمْ يَقُلْ كَسِنِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَلِي أَبَا بَكْرٍ فِي الْفَضْلِ كَمَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: وَلِيَ الْخِلَافَةُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ] وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ عُمَرَ اسْتِخْلَافٌ لَهُ كَمَا وَقَعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَكَذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ عُثْمَانَ اسْتِخْلَافٌ لِعَلِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَعُدْوَانًا] الْعُدْوَانُ هُوَ الظُّلْمُ فَهُوَ عَطْفُ مُرَادِفٍ قُتِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَدُفِنَ يَوْمَ السَّبْتِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ] أَيْ كُلِّهِمْ فَإِنْ قُلْت: يَرُدُّ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ مُنَازَعَةِ مُعَاوِيَةَ لَهُ قُلْت: أَفَادَ السَّعْدُ أَنَّ مُنَازَعَةَ مُعَاوِيَةَ لَمْ تَكُنْ عَنْ نِزَاعٍ فِي خِلَافَتِهِ بَلْ عَنْ خَطَأٍ فِي الِاجْتِهَادِ، وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مُلْجَمٍ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْمُ مَفْعُولٍ اهـ. فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ. [قَوْلُهُ: وَدُفِنَ فِي مِحْرَابِ مَسْجِدِهَا] وَقِيلَ: بِقَصْرِ الْأُمَرَاءِ وَقِيلَ: لَا يُعْرَفُ قَبْرُهُ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِمْ] أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِمْ، أَيْ بِالْحُبِّ أَوْ التَّوَسُّلِ. [قَوْلُهُ: الْخِلَافَةُ] هِيَ النِّيَابَةُ عَنْهُ فِي عُمُومِ مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إقَامَةِ الدِّينِ وَصِيَانَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الِاتِّبَاعُ لَهُمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مُخَالَفَتُهُمْ. وَقَالَ عج: وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِلَافَةَ حَقُّ الْخِلَافَةِ وَهِيَ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ، إنَّمَا هِيَ خِلَافَةُ الَّذِينَ صَدَقُوا هَذَا الِاسْمَ بِأَعْمَالِهِمْ وَعَمِلُوا بِسُنَّتِهِ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إذَا خَالَفُوا سُنَّتَهُ وَبَدَّلُوا سِيرَتَهُ فَهُمْ حِينَئِذٍ مُلُوكٌ وَإِنْ كَانَ

إلَى مُدَّةِ خِلَافَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَضُوضًا» وَلِهَذَا قَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا وَلِيَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِينَ سَنَةً: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ. ع: اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَأَنْ لَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (إلَّا بِأَحْسَنَ ذِكْرٍ) مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا» أَوْ أَرَادَ التَّوْطِئَةَ لِقَوْلِهِ: (وَالْإِمْسَاكُ) أَيْ الْكَفُّ وَالسُّكُوتُ (عَمَّا شَجَرَ) أَيْ وَقَعَ (بَيْنَهُمْ) مِنْ النِّزَاعِ وَالْقِتَالِ (وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ) أَيْ أَوْجَبُ (النَّاسِ أَنْ يُلْتَمَسَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْمَاؤُهُمْ خُلَفَاءَ اهـ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثُونَ سَنَةً] قَالَ السُّيُوطِيّ: الثَّلَاثُونَ لَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ خِلَافَةِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا حَرَّرْتُهُ، فَمُدَّةُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عُمَرَ عَشَرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عُثْمَانَ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشْرَ شَهْرًا وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ، وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ، هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: قُلْت: مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَرَّرَهُ يَنْقُصُ عَلَى الثَّلَاثِينَ إذْ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ عَامًا وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَلَا يَكْمُلُ دَوْرُ الثَّلَاثِينَ إلَّا بِأَيَّامِ خِلَافَةِ الْحَسَنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. ثُمَّ إنَّ الْحَسَنَ سَلَّمَ الْأَمْرَ إلَى مُعَاوِيَةَ وَحَقَّقَ اللَّهُ بِذَلِكَ قَوْلَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» : [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا] بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ أَيْ خِلَافَةً نَاقِصَةً يَشُوبُهَا الزَّلَلُ وَعَدَمُ خُلُوصِهَا مَنِّ الْخَلَلِ. [قَوْلُهُ: أَنَا أَوَّلُ الْمُلُوكِ] فِيهِ اعْتِرَافٌ بِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي خِلَافَتِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: عَضُوضًا] بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِنْ عَضَّ. مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ يَتَعَسَّفُونَ عَلَى الرَّعِيَّةِ فَكَأَنَّهُمْ يَعَضُّونَهُمْ بِالْأَسْنَانِ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ أَرَادَ مَعْنًى إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ لِذَلِكَ أَيْ إذَا خَطَرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبَالِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَا يُذْكَرُوا إلَّا بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ أَيْ لَا أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّهُ يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يُذْكَرُوا بِقَبِيحٍ، لَكِنْ قَضِيَّةُ التَّعْبِيرِ بِأَحْسَنَ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ بِالْأَقْبَحِ وَبِالْقَبِيحِ وَبِالْمَكْرُوهِ وَبِخِلَافِ الْأَوْلَى وَبِالْمُبَاحِ وَبِالْحَسَنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ بِالْقَبِيحِ، إمَّا كُفْرٌ كَأَنْ قَالَ: إنَّهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ وَكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَالْمُرْتَدِّ أَوْ لَا كَالزِّنْدِيقِ خِلَافٌ، وَإِمَّا مَعْصِيَةٌ إنْ ذَكَرَهُمْ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُحَدُّ وَيُنَكَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّكَالِ الشَّدِيدِ، وَكَذَا إنْ ذَكَرَهُمْ بِقَبِيحٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ إلَّا أَنَّهُ يُجْلَدُ الْجَلْدَ الشَّدِيدَ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ بِالْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهٌ وَبِخِلَافِ الْأَوْلَى فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَكَذَا بِالْمُبَاحِ إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَكَذَا بِالْحُسْنِ حَيْثُ أَمْكَنَ الْأَحْسَنُ وَهُوَ أَيْضًا أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ مِنْ قَوْلِي وَأَمَّا ذِكْرُهُمْ بِالْمَكْرُوهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَأَمْسِكُوا] بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَمْسَكَ أَيْ وُجُوبًا عَنْ الْقَبِيحِ بِأَقْسَامِهِ وَنَدْبًا أَكِيدًا عَنْ الْمَكْرُوهِ وَغَيْرَ أَكِيدٍ عَنْ الْمُبَاحِ وَالْحَسَنِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: أَوْ أَرَادَ التَّوْطِئَةَ] أَيْ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ عَدَمَ ذِكْرِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ التَّشَاجُرِ. [قَوْلُهُ: وَالسُّكُوتُ] عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ [قَوْلُهُ: وَالْقِتَالُ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ إنْ خَصَّ النِّزَاعَ بِالْأَقْوَالِ، وَعَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ إنْ أُرِيدَ بِالنِّزَاعِ مَا هُوَ أَعَمُّ. تَنْبِيهٌ: الْإِمْسَاكُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّهُمْ أَحَقُّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّهُمْ أَحَقُّ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَوْجَبُ النَّاسِ] أَيْ أَنَّهُمْ أَشَدُّ وُجُوبًا مِنْ النَّاسِ فِي الْتِمَاسِ أَحْسَنِ الْمَخَارِجِ أَيْ فَوُجُوبُ الْتِمَاسِ أَحْسَنِ الْمَخَارِجِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ، إلَّا أَنَّهُمْ تَمَيَّزُوا بِأَشَدِّيَّتِهِ وَلَا تَفْهَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْتِمَاسُ الْحَسَنِ الَّذِي لَيْسَ بِأَحْسَنَ حَرَامًا؛ لِأَنَّنَا نُرِيدُ بِالْأَحْسَنِ الْحَسَنَ

يُطْلَبَ (لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ) أَيْ التَّأْوِيلَاتِ. (وَ) أَحَقُّ أَنْ (يُظَنَّ) بِمَعْنَى يُتَيَقَّنُ (بِهِمْ أَحْسَنُ الْمَذَاهِبِ) أَيْ الْآرَاءِ الْمُتَّبَعَةِ فِي الدِّينِ. حَاصِلُ مَا قَالَ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا صَحِيحًا مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ قِتَالٍ وَخِلَافٍ أَحْسَنَ التَّأْوِيلِ، فَيُؤَوِّلُ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَبَ انْعِقَادَ الْبَيْعَةِ أَوَّلًا إذْ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ إلَّا بِالْإِمَامِ، وَطَلَبَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِصَاصَ مِنْ الَّذِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَا كَانَ مُخَلَّصًا مِنْ وَرْطَةِ الْقُبْحِ [قَوْلُهُ: أَيْ يُطْلَبَ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّلَبِ التَّحْصِيلَ. [قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْوِيلَاتِ] أَيْ فَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ بِمَعْنَى التَّأْوِيلِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَخْرَجٌ مَصْدَرًا مِيمِيًّا بِمَعْنَى الْخُرُوجِ، فَالتَّأْوِيلُ خُرُوجٌ مِنْ وَرْطَةِ الْقَدْحِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّسَمُّحِ، أَوْ اسْمَ مَكَان أَيْ مَكَانَ الْخُرُوجِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّأْوِيلَ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ مِنْ وَرْطَةِ الْقَدْحِ [قَوْلُهُ: وَأَحَقُّ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي أَحَقِّ الْمُتَقَدِّمِ يُقَالُ: فِي هَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمْ مَعَ غَيْرِهِمْ فَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ جَعَلَهُ عَيْنَ الْأَوَّلِ. نَعَمْ يَبْقَى إشْكَالٌ: وَهُوَ أَنَّ تَيَقُّنَ أَحْسَنِيَّةِ الْمَذَاهِبِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّحْبِ وَغَيْرِهِمْ، فَمَنْ الَّذِي يَتَّصِفُ بِأَصْلِ الْحَسَنِ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْسَنِ الْحَسَنُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَتَيَقَّنَ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الظَّنِّ حَقِيقَتُهُ بَلْ الْيَقِينُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] وَالْيَقِينُ هُوَ الْجَزْمُ النَّاشِئُ عَنْ دَلِيلٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَزْمَ لَهُ دَلِيلٌ وَهُوَ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا» إلَخْ [قَوْلُهُ: بِهِمْ] مُتَعَلِّقٌ بِيَظُنُّ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ بِظَنِّ أَحْسَنِ الْمَذَاهِبِ مُلْتَبِسًا بِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْآرَاءُ] جَمْعُ رَأْيٍ بِمَعْنَى الْحُكْمِ الَّذِي رَأَوْهُ وَاعْتَقَدُوهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَحَقُّ أَنْ يَتَيَقَّنَ بِهِمْ أَحْسَنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَنْبَطُوهَا وَاسْتَخْرَجُوهَا بِاجْتِهَادِهِمْ. [قَوْلُهُ: الْمُتَّبَعَةُ] إسْنَادُ الِاتِّبَاعِ لَهَا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَإِنَّمَا الْمُتَّبَعُ أَصْحَابُهَا. [قَوْلُهُ: فِي الدِّينِ] ظَرْفٌ لِلْآرَاءِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ الدِّينُ لِلْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْآرَاءُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُسْتَخْرَجَةَ لَهُمْ بَعْضُ الدِّينِ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ. [قَوْلُهُ: حَاصِلُ مَا قَالَ إلَخْ] هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَأَحَقُّ أَنْ يُظَنَّ هُوَ عَيْنُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ خِلَافُهُ بَلْ هَذَا الْحَاصِلُ حَاصِلٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: أَحَقُّ أَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ أَحْسَنُ الْمَخَارِجِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَحَقُّ أَنْ يُظَنَّ إلَخْ [قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] وَكَذَا كُلُّ كَافِرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ [قَوْلُهُ: نَقْلًا صَحِيحًا] أَيْ أَوْ حَسَنًا أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْحَسَنَ لَا إنْ كَانَ ضَعِيفًا فَإِنَّهُ يُرَدُّ. [قَوْلُهُ: وَخِلَافٍ] أَيْ اخْتِلَافٍ وَهُوَ عَطْفُ مُغَايِرٍ. [قَوْلُهُ: أَحْسَنَ] أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَالْمُرَادُ تَأْوِيلًا حَسَنًا [قَوْلُهُ: فَيَتَأَوَّلُ مَا وَقَعَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ] أَيْ مِنْ الْقِتَالِ الَّذِي قُتِلَ بِسَبَبِهِ مِنْهُمْ جَمٌّ غَفِيرٌ كَمَا فِي وَقْعَةِ صِفِّينَ، اسْمُ مَوْضِعٍ أَوْ مَاءٍ بِالشَّامِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلِيٌّ فِيهَا حَتَّى قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَجَرَّدَ ذَا الْفَقَارِ وَقَتَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ، وَصِفِّينُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَبَعْدَهَا نُونٌ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَرْضٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ بِالْقُرْبِ مِنْ مَدِينَةِ الرَّقَّةِ اهـ. [قَوْلُهُ: انْعِقَادَ الْبَيْعَةِ] أَيْ حُصُولَ الْمُبَايَعَةِ وَالطَّاعَةِ لِإِنْسَانٍ يُجْعَلُ خَلِيفَةً. [قَوْلُهُ: إذْ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ] ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ شَأْنُهَا عَظِيمٌ، فَلَوْ تَوَلَّاهَا غَيْرُ الْإِمَامِ لَوَقَعَ مِنْ النِّزَاعِ مَا لَا يُحْصَى إذْ لَا يَرْضَى أَحَدٌ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ] هَذَا أَعَمُّ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ فَهُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، أَيْ لَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُ النَّاسِ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِمْ وَسَدِّ ثُغُورِهِمْ وَتَجْهِيزِ جُيُوشِهِمْ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَطَلَبَ مُعَاوِيَةُ الْقِصَاصَ إلَخْ] وَذَلِكَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ طَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ بُنُوَّةِ الْعُمُومَةِ، وَقَصَدَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَةَ عُثْمَانَ إلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهُمْ إلَيْهِ

قَتَلُوا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَقَعَ مَا وَقَعَ وَلَكِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. تَنْبِيهٌ: لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَالْإِمْسَاكُ إلَى آخِرِهِ وَقَوْلِهِ: وَأَنْ يُلْتَمَسَ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ إذْ فَرْضُهُمْ الْبَيَانُ وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ. (وَالطَّاعَةُ) أَيْ الِانْقِيَادُ وَاجِبٌ (لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ) بِالِاعْتِقَادِ وَالْفِعْلِ بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَالنَّهْيِ عَنْ الزَّوَاجِرِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَايَعَ لَهُ وَرَأَى عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِتَسْلِيمِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ عَشَائِرِهِمْ وَاخْتِلَاطِهِمْ بِالْعَسْكَرِ تُؤَدِّي إلَى اضْطِرَابِ أَمْرِ الْإِمَامَةِ وَتَفَاقُمِ الْفِتَنِ، وَأَنَّ الْإِمْهَالَ بِتَسْلِيمِهِمْ لِيَتَحَقَّق تَمَكُّنُهُ هُوَ الصَّوَابُ فَحَقِّقْ الْأَمْرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ لَهُ أَجْرًا وَاحِدًا، وَاخْتَلَفُوا فِي إمَامَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [قَوْلُهُ: لَكِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ] اُنْظُرْ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَلْيُحَرَّرْ، وَأَهْلُ الْحَقِّ عِبَارَةٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَشَاعِرَةٍ وَمَاتُرِيدِيَّةٍ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَشْمَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَ ظُهُورِ الشَّيْخَيْنِ أَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيَّ وَأَبَا مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيَّ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَجْرَانِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ لَهُ فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِصَابَةُ فَلَيْسَتْ بِاخْتِيَارِيَّةٍ لَهُ فَمَا وَجْهُ تَرْتِيبِ الْأَجْرِ عَلَيْهَا؟ قُلْت: هِيَ أَثَرُ اجْتِهَادِهِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَتُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ إلَخْ] أَيْ أَوْ يُقَالُ: الْمَطْلُوبُ ابْتِدَاءُ الْإِمْسَاكِ مِنْ الْمُكَلَّفِ، فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَكَلَّمَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَلْتَمِسَ لَهُمْ أَحْسَنَ الْمَخَارِجِ كُلٌّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَالسَّامِعِ، وَجَوَابُ الشَّارِحِ لَا يُفِيدُ نَهْيَ الْخَاصَّةِ عَنْ التَّكَلُّمِ فِي ذَلِكَ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ هَذَا الْجَوَابِ. قَالَ عج: وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ: وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ مَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ ذِكْرُ مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ اللَّوْمِ عَنْهُمْ وَإِلَّا لَمْ يُطْلَبْ الْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، بَلْ رُبَّمَا يُطْلَبُ ذِكْرُهُ اهـ. [قَوْلُهُ: الْبَيَانُ إلَخْ] الْبَيَانُ بِمَعْنَى التَّبْيِينِ وَهُوَ إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي، فَعَطْفُ الْإِزَالَةِ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الِانْقِيَادُ] مَنْ طَاعَ يَطُوعُ إذْ انْقَادَ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] هَذَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِقَوْلِ الزَّنَاتِيِّ مَنْدُوبٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَوْنٌ خَاصٌّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْخَارِجِيَّةِ كَقَوْلِهِ {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِالِاعْتِقَادِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ إنَّ الطَّاعَةَ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ، فَمَتَى انْتَفَى أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَاصٍ أَيْ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ أَئِمَّةٌ وَأَنَّ طَاعَتَهُمْ وَاجِبَةٌ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ. [قَوْلُهُ: بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ إلَخْ] تَصْوِيرٌ لِلْفِعْلِ، فَالِامْتِثَالُ هُوَ الطَّاعَةُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَحِينَئِذٍ فَإِيقَاعُ الْإِطَاعَةِ عَلَى الْأَوَامِرِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُطَاعَ حَقِيقَةً ذُو الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الزَّوَاجِرِ] لَا يَخْفَى أَنَّ النَّهْيَ مِنْ صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ لَا مِنْ صِفَاتِ رَعِيَّتِهِمْ، فَيُجَابُ بِأَنَّهُ ضَمَّنَ النَّهْيَ مَعْنَى الْكَفِّ وَالْمَعْنَى، وَالْكَفُّ عَنْ الزَّوَاجِرِ أَيْ مَزْجُورَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجِرَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَوَانِعِ، وَالْكَفُّ لَيْسَ عَنْهَا بَلْ عَنْ مَزْجُورَاتِهِمْ أَيْ مَمْنُوعَاتِهِمْ أَيْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي مَنَعُوهَا وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ إذَا أَمَرُوا وَنَهَوْا بِمَا يُوَافِقُ الشَّرِيعَةَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ أَمَرُوا بِمَعْصِيَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا مَثَلًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ إطَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ حِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُكْرَهِ فِي إتْيَانِهَا وَتَرْكِهَا، وَفِعْلُ الْمَكْرُوهِ لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ لَكِنْ يَجْرِي فِيهِ تَفْصِيلُ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوهِ الْإِكْرَاهِ، فَفِي سَبِّ مُسْلِمٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ مَثَلًا يَكْفِي فِيهِ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ وُقُوعِ مُؤْلِمٍ مَنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْكُفْرِ وَسَبِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ وَسَبُّ الصَّحَابِيِّ مَثَلًا فَلَا يَكْفِي فِي الْإِقْدَامِ إلَّا الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ إيقَاعِ الْقَتْلِ بِالْمُكْرَهِ، وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ، وَأَمَّا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ وَالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةٍ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ

وَفَسَّرَ الْأَئِمَّةَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ) أَيْ أَحْكَامِهِمْ (وَعُلَمَائِهِمْ) فَجَمَعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيلِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِمْ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ بِعِلْمِهِمْ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ بِهِمْ أُمَرَاءُ الْحَقِّ الْعَامِلُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ السُّنَّةِ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْجَائِرُونَ لَا يُطَاعُونَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ فِي اعْوِجَاجًا يَعْنِي عَنْ الْحَقِّ فَلْيُذَكِّرْنِي، فَقَامَ إلَيْهِ بِلَالٌ أَوْ سَلْمَانُ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْنَا فِيك اعْوِجَاجًا لَقَوَّمْنَاك بِسُيُوفِنَا. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ إذَا رَأَى فِي اعْوِجَاجًا قَوَّمَنِي بِسَيْفِهِ. (وَ) كَذَلِكَ (اتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَفِيمَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ، (وَاقْتِفَاءُ آثَارِهِمْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ قُتِلَ، أَفَادَ ذَلِكَ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ. وَأَمَّا إذَا أَمَرُوا بِمَكْرُوهٍ فَفِيهِ خِلَافُ الْوُجُوبِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ الْكَرَاهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَعَدَمُهُ عِنْدَ الْقُرْطُبِيِّ. قَالَ: فَلَوْ أَمَرُوا بِجَائِزٍ صَارَتْ طَاعَتُهُمْ فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَلَمَا حَلَّتْ مُخَالَفَتُهُمْ فَلَوْ أَمَرُوا بِمَا زَجَرَ الشَّارِعُ عَنْهُ زَجْرَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْمُخَالَفَةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْتَثِلَ اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ حُكَّامِهِمْ] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ بِدُونِ هَمْزٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَشَرْحِ الْعَقِيدَةِ وَتَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ أَحْكَامِهِمْ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْأُمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ] وَهُمْ قِسْمَانِ: مُجْتَهِدٌ وَمُقَلِّدٌ، فَالْمُجْتَهِدُ فَرْضُهُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، وَالْمُقَلِّدُ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ فِي الْعَقَائِدِ. [قَوْلُهُ: الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ] وَصْفٌ لَازِمٌ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَأَنَّهُ أَثَرُ الْعِلْمِ الْأَثَرُ الْأَعْظَمُ، وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: أُمَرَاءُ الْحَقِّ] أَيْ الْأُمَرَاءُ الْمَنْسُوبُونَ لِلْحَقِّ لِعَمَلِهِمْ بِهِ، فَقَوْلُهُ: الْعَامِلُونَ إلَخْ تَوْضِيحٌ لِذَلِكَ وَأَرَادَ بِأَمْرِ اللَّهِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَأَمْرِ السُّنَّةِ مَا أَمَرَ بِهِ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْكِتَابُ وَإِسْنَادُ الْأَمْرِ لِلسُّنَّةِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَاحِبُهَا الَّذِي هُوَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: الْآمِرُونَ إلَخْ يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ هُنَا [قَوْلُهُ: وَالْجَائِرُونَ لَا يُطَاعُونَ] أَيْ لَا تَجُوزُ طَاعَتُهُمْ. قَالَ تت: وَلَا تَجِبُ طَاعَةُ وُلَاةِ الْجَوْرِ إلَّا لِخَوْفِ الْقِتَالِ وَالنِّزَاعِ فَيُطَاعُ عِنْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] الْمُنَاسِبُ إيرَادُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِيمَا إذَا أَمَرَ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ الَّتِي مِنْهَا الْعَدَالَةُ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ» إلَخْ. وَأَمَّا الْجَائِرُ الَّذِي لَيْسَ بِعَادِلٍ فَهَذَا لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ وَلَوْ فِي الْجَائِزِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ تت. [قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ] أَيْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ. [قَوْلُهُ: قَوْلُ عُمَرَ] أَيْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُذَكِّرْنِي] أَيْ مَا رَأَى فِي [قَوْلُهُ: فَقَامَ إلَيْهِ بِلَالٌ أَوْ سَلْمَانُ] أَوْ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ بَلْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ [قَوْلُهُ: لَوْ رَأَيْنَا فِيك اعْوِجَاجًا] أَيْ مَيْلًا عَنْ الْحَقِّ. [قَوْلُهُ: لَقَوَّمْنَاك] أَيْ لَجَعَلْنَاك مُسْتَقِيمًا عَلَى الْحَقِّ بِسُيُوفِنَا بِحَيْثُ نَقْهَرُك بِالسُّيُوفِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّبَاعَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ أَيْ وَاجِبٌ، فَيَكُونُ حَلَّ إعْرَابٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَلَّ مَعْنًى إشَارَةً إلَى أَنَّ الْخَبَرَ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: السَّلَفِ الصَّالِحِ] أَيْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الصَّحَابَةُ إلَخْ] قَصَرَهُ عَلَى الصَّحَابَةِ لِمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي: السَّلَفُ الصَّالِحُ وَصْفٌ لَازِمٌ يَخْتَصُّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِالصَّحَابَةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهِ وَأَلْ فِي الصَّالِحِ لِلْجِنْسِ فَصَحَّ وَصْفُهُ لِلسَّلَفِ، وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالصَّحَابَةُ أَوْلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ] سَوَاءٌ تَلَقَّوْهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَا بِأَنْ كَانَتْ بِاسْتِنْبَاطٍ وَاجْتِهَادٍ فَعَطْفُ قَوْلِهِ: وَفِيمَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ عَطْفُ

أَيْ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبٌ فَإِنْ أَطَاعَ بِظَاهِرِهِ دُونَ بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ عَاصٍ وَلَيْسَ بِمُطِيعٍ (وَ) كَذَلِكَ (الِاسْتِغْفَارُ) أَيْ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ (لَهُمْ) وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] وَلِأَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاصٍّ عَلَى عَامٍّ. فَإِنْ قُلْت: مَا نُكْتَتُهُ؟ قُلْت: نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُمْ أَيْضًا فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَوْلِهِمْ وَفِعْلِهِمْ النَّاشِئِ عَنْ اجْتِهَادِهِمْ، فَذَهَبَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ إلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ لِلصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ إلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَلَا نِزَاعَ فِي تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْ إذَا عَرَفَ تَفْصِيلَ مَذْهَبِهِمْ كَتَقْلِيدِهِ بَقِيَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» . وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: أَوْ فِعْلُهُمْ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ وَكَذَا لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ مَا تَأَوَّلَهُ التَّابِعُونَ وَاسْتَنْبَطُوهُ لِلْمُجْتَهِدِ فَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مِمَّا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَلَقَّوْهُ عَنْ الصَّحَابَةِ لَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ اجْتِهَادٍ وَاسْتِنْبَاطٍ مِنْهُمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي عج. [قَوْلُهُ: وَفِيمَا تَأَوَّلُوهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّأْوِيلَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَعَطْفُ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ اسْتِخْرَاجُ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِكَوْنِهِ مُتَأَوَّلًا هُوَ اللَّفْظُ وَلَيْسَ الِاتِّبَاعُ فِيهِ بَلْ الِاتِّبَاعُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ، فَنَخْرُجُ مِنْ وَرْطَةِ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ وَالتَّقْدِيرُ وَفِي مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي تَأَوَّلُوهُ أَيْ صَرَفُوهُ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَيْ الْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِذَلِكَ الصَّرْفِ. [قَوْلُهُ: عَنْ اجْتِهَادِهِمْ] الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي تَحْصِيلِ الْحُكْمِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ حَالَةَ كَوْنِ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلُوهُ وَاسْتَنْبَطُوهُ نَاشِئًا عَنْ اجْتِهَادِهِمْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ مُؤَكَّدَةٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ اتِّبَاعُهُمْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاقْتِفَاءِ الِاتِّبَاعُ، وَأَنَّ إسْنَادَ الِاقْتِفَاءِ إلَى الْآثَارِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَحَقِيقَتُهُ إسْنَادُهُ لَهُمْ لَا لِآثَارِهِمْ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَاقْتِفَاءٌ إلَخْ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَبَعْضُ الْأَشْيَاخِ فَرَّقَ بِأَنَّ الِاتِّبَاعَ يَصْدُقُ وَلَوْ بِبَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالِاقْتِفَاءُ الِاتِّبَاعُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] لَمْ يَقُلْ وَكَذَلِكَ اقْتِفَاءُ إلَخْ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي لِلتَّفَنُّنِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: لَهُمْ] أَيْ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ لَكِنْ لَا بِقَيْدِ الصَّحَابَةِ بَلْ الْأَعَمُّ أَيْ مَنْ سَلَفَنَا بِالْإِيمَانِ مُطْلَقًا فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَعْمَلَ أَوَّلًا السَّلَفَ الصَّالِحَ فِي مَعْنًى وَهُوَ الصَّحَابَةُ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ أَفَادَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ -[قَوْلُهُ: وَاجِبٌ] تَصْرِيحٌ بِمَضْمُونِ قَوْلِهِ كَذَلِكَ قَالَ عج، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَمْدِ لِلَّهِ، وَهَلْ لَا بُدَّ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّةِ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ؟ وَقَدْ ذَكَرَ السَّنُوسِيُّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ الشَّهَادَتَيْنِ إلَّا مَعَ فِعْلِهِمَا بِالنِّيَّةِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ يَنْوِي بِذَكَرِهِمَا الْوُجُوبَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ وَإِيمَانُهُ صَحِيحٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُفِيدُ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا خُصُوصَ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْإِيمَانِ اهـ. وَكَلَامُ عج هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الِاسْتِغْفَارِ، وَفِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِأَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِمَنْ قَبْلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُجُوبُ، بَلْ إنَّمَا فِيهَا دُعَاءُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَهُمْ بِأَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ. الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ فِي الْآيَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ لِسَبْقِهِمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ الْأَنْصَارَ بِقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} [الحشر: 9] ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الحشر: 10] فَاللَّفْظُ خَاصٌّ بِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَلِإِخْوَانِنَا] أَيْ فِي الدِّينِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمْ

وَضَّحُوا لَنَا السَّبِيلَ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ عَنَّا أَحْسَنَ جَزَاءٍ. (وَ) كَذَلِكَ (تَرْكُ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ) وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ جَحْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَدَفْعُهُ بِالْبَاطِلِ، وَالْجِدَالُ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْبَسْطِ مَعَهُمْ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةُ وَإِيقَاعِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَلْبِ. قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّ هَذَا الْجِدَالَ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَّحُوا لَنَا السَّبِيلَ] هَذِهِ الْعِلَّةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأُمَّةِ، وَوَضَّحَ الطَّرِيقَ فَيَشْمَلُ الصَّحَابَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا يَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَوْضِيحٌ مِمَّنْ ذُكِرَ فَلَا يُفِيدُ الْمُدَّعَى الَّذِي هُوَ وُجُوبُ طَلَبِ الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ الْإِطْلَاقُ، فَإِنْ قُلْت: لَا يُنْتِجُ كَوْنُهُمْ وَضَّحُوا السَّبِيلَ وُجُوبَ الِاسْتِغْفَارِ، قُلْت: يُنْتِجُ بِشَهَادَةِ مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: إذَا لَمْ تَشْكُرْ مَنْ هِيَ عَلَى يَدِهِ لَمْ تَشْكُرْنِي إنْ حُمِلَ خُصُوصُ الشُّكْرِ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَأْثَمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: الْمِرَاءِ] بِالْمَدِّ كَمَا فِي اللَّقَانِيِّ وَنُسْخَةٌ مُعْتَمَدَةٌ مِنْ الصِّحَاحِ. [قَوْلُهُ: فِي الدِّينِ] اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمَا جَائِزَانِ فِي أَحْوَالِهَا كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ هَذَا الْمَتْنِ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْآتِي ذِكْرُهُ [قَوْلُهُ: وَالْمِرَاءُ] جَحْدُ الْحَقِّ إلَخْ هَذَا مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَهُوَ الِاسْتِخْرَاجُ مِنْ مَرَيْتُ الْفَرَسَ إذَا اسْتَخْرَجْتُ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْجَرْيِ أَوْ غَيْرِهِ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَمَارِيَيْنِ يَمْرِي مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ أَيْ يَسْتَخْرِجُ، هَكَذَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمِرَاءَ بِتَفْسِيرِهِ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْرَاجٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ: جَحْدُ الْحَقِّ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَلَيْسَ اسْتِخْرَاجًا حِينَئِذٍ، فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالِاصْطِلَاحِيِّ، وَكَذَلِكَ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَكُونُ حَرَامًا فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: جَحْدُ الْحَقِّ] أَيْ إنْكَارُ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: فِي إنْكَارِ الْحَقِّ جَحْدٌ إلَّا بَعْدَ الظُّهُورِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. [قَوْلُهُ: وَدَفْعُهُ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ عَيْنَهُ وَقَوْلُهُ: بِالْبَاطِلِ تَأْكِيدٌ. [قَوْلُهُ: وَالْجِدَالُ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ لِمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ التَّأْدِيَةُ لِلطَّعْنِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ التَّأْدِيَةُ الْمَذْكُورَةُ يُجْزَمُ بِهَا أَوْ يُظَنُّ، وَانْظُرْ فِي حَالَةِ الشَّكِّ، وَالظَّاهِرُ الْحُرْمَةُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ بَيْنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ التَّبَايُنَ عَلَى كَلَامِهِ وَأَنَّهُمَا حَرَامَانِ وَلَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ جَائِزَةٌ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْبَسْطِ مَعَهُمْ] أَيْ يُؤَدِّي إلَى تَوْسِعَةِ الْكَلَامِ مَعَهُمْ وَهِيَ مُضِرَّةٌ [قَوْلُهُ: وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ] أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا فِي كُلِّهَا. [قَوْلُهُ: وَإِيقَاعِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَلْبِ] الشُّبْهَةُ مَا يُظَنُّ دَلِيلًا وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ، أَيْ فَيُعْتَقَدُ حَقِيقَتُهَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ دَعْوَاهُمْ عِنْدَ النَّاشِئَةِ مِنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ. [قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا الْجِدَالَ] الْمُشَارَ إلَيْهِ مُنَاظَرَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ عَبْدِ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الدِّينِ] أَيْ بَلْ مَا يُنَافِي الدِّينَ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَرَّرَ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِدَالِ] أَيْ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنًى آخَرَ ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ حَيْثُ قَالَ: الْجِدَالُ مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا لِإِظْهَارِ حَقٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَإِنْ كَانَ لِإِظْهَارِ حَقٍّ فَهُوَ مَحْمُودٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وَخُلَاصَةُ الْمَقَامِ أَنَّ بَيْنَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ التَّبَايُنَ عَلَى مَا فُسِّرَ أَوَّلًا وَلَا يَكُونَانِ إلَّا حَرَامَيْنِ، وَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْأَثِيرِ الَّذِي يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ هُنَا تَارَةً وَيَكُونُ حَرَامًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ حَرَامٍ بَلْ مَحْمُودٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْجِدَالَ تَارَةً يَكُونُ حَرَامًا إنْ اسْتَلْزَمَ مَفْسَدَةً، وَتَارَةً مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا إنْ اسْتَلْزَمَ مَصْلَحَةً بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، وَتَارَةً مُبَاحًا إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْهُمَا، وَفَسَّرَ تت الْجِدَالَ بِأَنَّهُ تَفَاوُضٌ يَجْرِي بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِتَحْقِيقِ حَقٍّ أَوْ إبْطَالِ بَاطِلٍ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ: الْمِرَاءُ هُوَ نَفْسُ الْجِدَالِ الْمُفَسَّرِ بِمَا ذُكِرَ، وَقِيلَ: الْمِرَاءُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالْجِدَالُ مَعَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. أَقُولُ: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي كَلَامِ تت يَكُونَانِ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ مُتَرَادِفَيْنِ وَإِنْ اخْتَلَفَا بِحَسَبِ الْمَنَاظِرِ مَعَهُ.

فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْجِدَالِ إظْهَارَ الْحَقِّ دُونَ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ وَالْإِظْهَارُ عَلَى الْخَصْمِ وَنِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ فَذَاكَ جَائِزٌ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ، وَلِلْمُذَاكَرَةِ الْجَائِزَةِ آدَابٌ مِنْهَا تَجَنُّبُ الِاضْطِرَابِ مَا عَدَا اللِّسَانِ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَالِاعْتِدَالُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ وَخَفْضِهِ وَحُسْنُ الْإِصْغَاءِ إلَى كَلَامِ صَاحِبِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الْكَلَامَ مُنَاوَبَةً لَا مُنَاهَبَةً، وَالثَّبَاتُ عَلَى الدَّعْوَى إنْ كَانَ مُجِيبًا، وَالْإِصْرَارُ عَلَى السُّؤَالِ إنْ كَانَ سَائِلًا وَالِاحْتِرَازُ عَنْ التَّعَنُّتِ وَالتَّعَصُّبِ وَالضَّحِكِ وَاللَّجَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) كَذَلِكَ (تَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ) وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَقُولُ أَيْضًا: وَعَلَى كَلَامِ تت لَا يَكُونَانِ حَرَامَيْنِ أَيْ إلَّا إذَا صَاحَبَهُمَا وَجْهٌ مُحَرِّمٌ كَإِظْهَارِ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ وَالْجَهْلِ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: إبْطَالُ حَقٍّ] مَثَلًا فَيَكُونُ حَرَامًا [قَوْلُهُ: دُونَ التَّعَنُّتِ] التَّعَنُّتُ إدْخَالُ الْأَذَى كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إظْهَارُ الْحَقِّ أَيْ فَإِنْ قَصَدَ التَّعَنُّتَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ فَيَحْرُمُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُتَجَاوِزَ التَّعَنُّتِ إلَخْ. أَيْ لَمْ يَكُنْ مُصَاحِبًا بِمَا ذُكِرَ، وَأَمَّا لَوْ صَاحَبَ إظْهَارَ الْحَقِّ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ عَنْ إظْهَارِ الْحَقِّ بِالْأَوْلَى فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْعِنَادِ] الْعِنَادُ ارْتِكَابُ الْخِلَافِ وَالْعِصْيَانِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْضًا فَهُوَ يَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِظْهَارُ عَلَى الْخَصْمِ] أَيْ الِاسْتِعْلَاءُ عَلَيْهِ، أَيْ فَإِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونُ جَائِزًا بَلْ حَرَامًا. [قَوْلُهُ: وَنِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ] أَيْ وَتَجْهِيلُ غَيْرِهِ أَوْ نِسْبَةُ شَرَفِ الْعِلْمِ لِنَفْسِهِ مَعَ كِبْرٍ أَوْ رِيَاءٍ. [قَوْلُهُ: فَذَاكَ جَائِزٌ] لَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ هَذَا الْقَصْدِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ: لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ يُقَدِّمُهُ بَلْ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ النَّدْبُ وَقَدْ يَجِبُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ وَجْهٍ لَهُ بِأَنَّ مَقَامَ الْمُنَاظَرَةِ خَطَرٌ فَهُوَ وَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الِاتِّصَافُ بِوَجْهٍ مُحَرِّمٍ كَمَحَبَّةِ غَلَبَتِهِ عَلَى خَصْمِهِ لَا إظْهَارِ الْحَقِّ حَيْثُ كَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْجَائِزَةِ] أَيْ الْمَأْذُونِ فِيهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ؛ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْوُقُوفِ عَلَى الصَّوَابِ وَزِيَادَةِ الْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: آدَابٌ] الظَّاهِرُ أَنَّهَا آدَابٌ شَرْعِيَّةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْآدَابُ جَمْعُ أَدَبٍ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا أَلَّا يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَقَعْ لَهُ عِلْمُهُ وَلَا بِمَوْضِعٍ يَهَابُهُ وَلَا جَمَاعَةً تَشْهَدُ بِالزُّورِ لِخَصْمِهِ وَيَرُدُّونَ كَلَامَهُ. [قَوْلُهُ: مَا عَدَا اللِّسَانَ] أَيْ مَا عَدَا اضْطِرَابَ اللِّسَانِ أَيْ تَحَرُّكَهُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْجَوَارِحِ مُتَعَلِّقٌ بِالِاضْطِرَابِ أَيْ تَجَنُّبُ الِاضْطِرَابِ مِنْ الْجَوَارِحِ مَا عَدَا اللِّسَانِ. [قَوْلُهُ: وَحُسْنُ الْإِصْغَاءِ إلَخْ] أَيْ وَالْإِصْغَاءُ الْحَسَنُ إلَى كَلَامِ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ؛ لِأَنَّ مِنْ الْإِصْغَاءِ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: مُنَاوَبَةً أَيْ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً. [قَوْلُهُ: لَا مُنَاهَبَةً] أَيْ بِحَيْثُ يَتَكَلَّمُ مَا اسْتَطَاعَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا هُوَ. [قَوْلُهُ: وَالثَّبَاتُ عَلَى الدَّعْوَى] أَيْ إنَّ هَذَا الْمُجِيبَ لِسَائِلِهِ يَثْبُتُ عَلَى دَعْوَاهُ الْأُولَى الَّتِي نَاقَشَهُ السَّائِلُ أَيْ الْبَاحِثُ فِي دَلِيلِهَا فَلَا يَنْتَقِلُ لِدَعْوَى أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَالْإِصْرَارُ عَلَى السُّؤَالِ] أَيْ إذَا كَانَ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَحَصَلَ مِنْ صَاحِبِهِ الْجَوَابُ عَنْهُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ سُؤَالِهِ، وَيَقُولُ: لَمْ أَسْأَلْ بِهَذَا. [قَوْلُهُ: التَّعَنُّتُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَتَعَنُّتُهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْأَذَى اهـ. أَيْ يَتَحَرَّزُ مِنْ كَوْنِهِ يُدْخِلُ عَلَى مَنَاظِرِهِ الْأَذَى مِمَّنْ نِسْبَةُ الْخَطَأِ إلَيْهِ وَتَكَلُّمِهِ بِالْفُحْشِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعَصُّبِ] أَيْ نُصْرَةُ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: وَاللَّجَاجِ] فِي الْمِصْبَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُلَازَمَةُ وَالْمُوَاظَبَةُ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ السُّؤَالِ بِكُلِّ مَا يَبْدُو؛ لِأَنَّ التَّكَلُّمَ بِكُلِّ مَا يَبْدُو يُورِثُ السَّآمَةَ وَيُحِيلُ الطِّبَاعَ، بَلْ إذَا سَأَلَ يَكُونُ بِشَيْءٍ لَهُ صِحَّةٌ وَوَجْهٌ يُقْبَلُ عِنْدَ الْحَاضِرِينَ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَالِانْتِقَامِ وَالرِّيَاءِ وَالْمُبَاهَاةِ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] تَصْرِيحٌ بِمَضْمُونٍ قَوْلِهِ: كَذَلِكَ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ هَذَا يَأْتِي عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّ الْبِدْعَةَ مَا

أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا لَا يُعَارِضُهُ مَا يَأْتِي فِي الْأَقْضِيَةِ، تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ؛ لِأَنَّ مَا هُنَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا اسْتَنَدَ إلَى كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَمَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا (وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ. وَأَمَّا مَا تَعْمَلُهُ الْجَوَارِحُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ فَشَرَعَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: هِيَ مَا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى حُرْمَتِهِ أَوْ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَنْ قَالَ إنَّ الْبِدْعَةَ تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا أَقْرَبُ لِمَعْنَاهَا لُغَةً؛ لِأَنَّهَا فِي اللُّغَةِ مَا فُعِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، فَالْأَحْسَنُ لِشَارِحِنَا أَنْ يَذْهَبَ لِهَذَا الْقَوْلِ وَيُقَدِّرَ بَدَلَ قَوْلِهِ: وَاجِبٌ مَطْلُوبٌ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى، فَالْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ كَمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، وَالْبِدْعَةُ الْوَاجِبَةُ كَتَدْوِينِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ، وَالْبِدْعَةُ الْمَنْدُوبَةُ كَإِحْدَاثِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ، وَالْبِدْعَةُ الْمَكْرُوهَةُ كَأَذَانِ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ، وَالْبِدْعَةُ الْمُبَاحَةُ كَالتَّوَغُّلِ فِي لَذِيذِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْأَكْلِ بِالْمَعَالِقِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ رَدٌّ] أَيْ مَرْدُودٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إحْدَاثِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: تَحْدُثُ إلَخْ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَأْتِي أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ كَتَحْلِيفٍ عَلَى مُصْحَفٍ أَوْ بِالطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ يَتَهَاوَنُ فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَيْ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا، وَلَوْ حَلَفَ بِمُصْحَفٍ أَوْ بِطَلَاقٍ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ كَاذِبًا. [قَوْلُهُ: مَا اسْتَنَدَ إلَى كِتَابٍ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مَنْصُوصًا فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مَقِيسًا عَلَى حُكْمٍ فِي سُنَّةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ ثَابِتًا بِإِجْمَاعٍ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى مُحْدَثٍ لَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ. [قَوْلُهُ: نَبِيُّهُ] فِيهِ أَنَّ الرِّسَالَةَ أَشْرَفُ مِنْ النُّبُوَّةِ فَالْمُنَاسِبُ الْوَصْفُ بِهَا، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ حَيْثُ قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] إلَخْ. وَإِنْ وَرَدَ السُّؤَالُ بَعْدُ فِي حِكْمَةِ اخْتِيَارِهِ فِي الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ] أَيْ أَتْبَاعِهِ، فَعَطْفُ مَا بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالنُّكْتَةُ ظَاهِرَةٌ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ الصَّحْبِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَنْطِقُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ] أَيْ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: وَتَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الِاعْتِقَادِيَّةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا وُجُوبُ تَرْكِ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ إلَخْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِذَا خَطَرَ ذَلِكَ بِالْبَالِ فَيَجِبُ عَلَيْك اعْتِقَادُهُ دُونَ اعْتِقَادِ ضِدِّهِ.

[باب ما يجب منه الوضوء والغسل]

بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ (بَابٌ) أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ (مَا) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي (يَجِبُ مِنْهُ) أَيْ بِسَبَبِهِ (الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِضَمِّ الْوَاوِ الْفِعْلُ وَهُوَ لُغَةً الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ. وَشَرْعًا تَطْهِيرُ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْمَاءِ لِتَنْظُفَ وَتَحْسُنَ وَيُرْفَعَ عَنْهَا حُكْمُ الْحَدَثِ لِتُسْتَبَاحَ بِهِ الْعِبَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ، قِيلَ: وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْمَاءِ أَوْ لَهُ بَعْدَ كَوْنِهِ مُعَدًّا لِلْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْعِبَادَاتِ فِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ] بَابُ فِيمَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ مَا] أَيْ تَبْيِينِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِهِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ وَأَرَادَ بِهِ السَّبَبَ لُغَةً حَتَّى يَشْمَلَ الْأَحْدَاثَ، وَلَوْ جَعَلَ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ بِحَيْثُ يَقُولُ: أَيْ مِنْ أَجْلِهِ لَصَحَّ [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْوَاوِ الْفِعْلُ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قِيلَ: بِضَمِّ الْوَاوِ الْفِعْلُ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ فَيُقَدِّمَ لَفْظَةَ قِيلَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يُفِيدُ أَنَّ الْفَتْحَ هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَيْ وَقِيلَ: إنَّهُ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَاءِ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَقِيلَ: مُتَرَادِفَانِ وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ نَفْسَ الْهَيْئَةِ الْمَفْعُولَةِ لِلشَّخْصِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُسْنَ وَالنَّظَافَةَ مَعْنًى لِلْوَضَاءَةِ الَّتِي الْوُضُوءُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا لَا أَنَّهُمَا مَعْنَى الْوُضُوءِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا كَلَامُ الْمِصْبَاحِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ تت: مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ. [قَوْلُهُ: بِالْمَاءِ] هَذَا الْقَيْدُ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ وَالرَّأْسَ وَالرِّجْلَيْنِ [قَوْلُهُ: لِتَنْظُفَ وَتَحْسُنَ إلَخْ] اللَّامُ بِالنَّظَرِ لِلنَّظَافَةِ وَالْحُسْنِ لِلْعَاقِبَةِ لَا لِلتَّعْلِيلِ، وَبِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَيُرْفَعَ إلَخْ لِلتَّعْلِيلِ فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا لَا لِلتَّعْلِيلِ فَقَطْ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مِنْ الْبَاعِثِ النَّظَافَةَ وَالْحُسْنَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْبَاعِثُ شَرْعًا إنَّمَا هُوَ الرَّفْعُ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ تت: تَطْهِيرُ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْمَاءِ لِرَفْعِ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا لِاسْتِبَاحَةِ الْعِبَادَةِ اهـ. بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّارِحِ وتت يُفِيدُ أَنَّ الْوُضُوءَ لِغَيْرِ اسْتِبَاحَةِ الْعِبَادَةِ كَزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ لَيْسَ بِوُضُوءٍ شَرْعًا، وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقَاتِهِمْ عَلَيْهِ وُضُوءًا شَرْعًا كَمَا يُفِيدُهُ عج. قُلْت: وَلَا يَخْفَى أَنَّ النِّيَّةَ وَالدَّلْكَ وَالْفَوْرَ مِنْ أَجْزَاءِ الْوُضُوءِ. وَالتَّعْرِيفُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا إلَّا بِاللُّزُومِ وَهِيَ غَيْرُ كَافِيَةٍ، فَلَوْ قَالَ: تَطْهِيرُ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَكَانَ أَشْمَلَ، وَعَطْفُ الْحُسْنِ عَلَى النَّظَافَةِ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ [قَوْلُهُ: حُكْمُ الْحَدَثِ إلَخْ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ إنْ أُرِيدَ بِالْحَدَثِ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ أَوْ عَلَى مَعْنَى اللَّازِمِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَارِجُ أَوْ الْخُرُوجُ. [قَوْلُهُ: لِتُسْتَبَاحَ بِهِ إلَخْ] أَيْ بِالرَّفْعِ أَوْ التَّطْهِيرِ الْمُعَلَّلِ بِعِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الرَّفْعُ، وَالتَّاءُ وَالسِّينُ زَائِدَتَانِ وَقَوْلُهُ: الْمَمْنُوعَةُ أَيْ الْمَمْنُوعُ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَلَوْ حُذِفَ بِهِ مَا ضَرَّهُ. [قَوْلُهُ: لِمُطْلَقِ الْمَاءِ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُعَدًّا أَوْ لَا مُسْتَعْمَلًا أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ] بِضَمِّ الْوَاوِ [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْعِبَادَاتِ] الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ تَصْدُقُ بِالْغُسْلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُغْتَسَلَ بِهِ يُسَمَّى وَضُوءًا بِالْفَتْحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَأَلْ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِعِبَادَةٍ وَاحِدَةٍ.

الْعَيْنِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَبِضَمِّهَا اسْمٌ لِلْمَاءِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ الْغُسْلُ بِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِهِمَا. وَلِوُجُوبِهِمَا شُرُوطٌ، الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ، وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ، وَوُجُودُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَإِمْكَانُ الْفِعْلِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَطْلُوبِ وَشَبَهِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ] أَيْ تَرَدُّدٌ وَهَذَا الْكَلَامُ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ، ثُمَّ رَجَّحَ الثَّالِثَ بِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ كَذَا فِي تت وَالتَّحْقِيقُ وَمُقْتَضَى التَّرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرَدُّدِ الْخِلَافُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: فِيهِ خِلَافٌ، وَكَتَبَ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِمْ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ إلَخْ] نَفَى الْعِلْمَ تَحَرِّيًا لِلْمُصَدِّقِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخِلَافَ مَوْجُودٌ. [قَوْلُهُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ] هَذَا مُقَابِلٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَسَكَتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْكَسْرِ فَنُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ مَا يُغْسَلُ بِهِ كَالْخَطْمِيِّ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، نَبْتٌ بِالْعِرَاقِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يَعْمَلُ عَمَلَ الصَّابُونِ. قَالَهُ فِي النَّهْرِ شَارِحُ الْكَنْزِ وَفِي الْمِصْبَاحِ مُشَدَّدُ الْيَاءِ. [قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] إلَخْ] دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا مَعًا [قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: 43] إلَخْ] دَلِيلٌ أَيْضًا لَهُمَا مَعًا، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ بِالْمَفْهُومِ أَيْ مَفْهُومِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَإِنَّ مَفْهُومَهُ إذَا وَجَدُوا مَاءً فَلَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: {حَتَّى تَعْلَمُوا} [النساء: 43] إلَخْ] كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ حِلُّ الْخَمْرِ [قَوْلُهُ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]] أَيْ مُسَافِرِينَ فَاقْرَبُوهَا بِالتَّيَمُّمِ لِفَقْدِ الْمَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَخْ] وَلَمْ يَذْكُرْ دَلِيلًا مِنْ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل، وَنَذْكُرُهُ فَنَقُولُ: رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» كَمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ. [قَوْلُهُ: وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ] ، أَيْ وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَلَهُ لَفْظٌ آخَرُ، وَهُوَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي وُجُوبِهِمَا] فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِنَفْسِهِ اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْغُسْلَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِهِمَا شُرُوطٌ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ فَقَطْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ] هُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا شَرْطُ وُجُوبٍ كَمَا أَرَادَ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ اثْنَانِ عَدَمُ الْمُنَافِي، وَأَلَّا يَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَائِلٌ. [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ [قَوْلُهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ] شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ] شَرْطٌ فِيهِمَا [قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ] شَرْطٌ فِيهِمَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَضُمَّ الْغَفْلَةَ لِلسَّهْوِ فَيَقُولَ: وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ وَلَا سَاهٍ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَهَا عَنْهُ يَسْهُو سَهْوًا غَفَلَ قَلْبُهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ اهـ. وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي بِأَنَّ السَّاهِيَ قَدْ زَالَ الْمُدْرَكُ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَنْ مُدْرِكَتِهِ دُونَ حَافِظَتِهِ، وَالنَّاسِي عَنْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا. [قَوْلُهُ: وَوُجُودُ مَا يَكْفِيهِ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ [قَوْلُهُ: وَإِمْكَانُ الْفِعْلِ إلَخْ] شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ لَصَحَّ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ تَيَقُّنُ الْحَدَثِ أَوْ الشَّكُّ فِيهِ فَشُرُوطُ الْوُجُوبِ أَرْبَعَةٌ وَشُرُوطُ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ ذَكَرَهَا كُلَّهَا [قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ] أَيْ كَالْمَرِيضِ وَالْمُكْرَهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ مَا تُعَمَّرُ بِهِ الذِّمَّةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُ وَشَرْطُ الصِّحَّةِ مَا تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ

[شروط الوضوء والغسل]

[شُرُوطٌ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ] وَاَلَّذِي يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ شَيْئَانِ أَسْبَابٌ وَسَتَأْتِي، وَأَحْدَاثٌ جَمْعُ حَدَثٍ وَهُوَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ وَبَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَقَالَ: (الْوُضُوءُ يَجِبُ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ (لِمَا) أَيْ لِأَجْلِ الشَّيْءِ الَّذِي (يَخْرُجُ) مُعْتَادًا عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ (مِنْ أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ) الْمُعْتَادَيْنِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَقَيَّدْنَا بِ (مُعْتَادًا) لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَالْحَصَى وَالدُّودِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَلَوْ بِبِلَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِوَفْقِ الْعَادَةِ لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ لِعِلَّةٍ كَالسَّلَسِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَبِالْمُعْتَادِينَ لِنَحْتَرِزَ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِمَا كَدَمِ الْفِصَادَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ، وَالْحَدَثِ الْخَارِجِ مِنْ فَتْقٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إنْ لَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْصِيلُهُ، هَذَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَيُرَادُ بِشَرْطِ الْوُجُودِ مَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، وَشَرْطِ الصِّحَّةِ مَا تَتَوَقَّفُ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ [مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ] [قَوْلُهُ: شَيْئَانِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ الرِّدَّةُ وَالشَّكُّ فِي الْحَدَثِ وَالرَّفْضُ فَلَيْسَتْ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَلَا مِنْ الْأَسْبَابِ،. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مَيَّارَةُ بِقَوْلِهِ: وَالظَّاهِرُ رُجُوعُ الرِّدَّةِ وَالرَّفْضِ فِي الْمَعْنَى إلَى الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ مُحْبِطَةٌ لِلْعَمَلِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْوُضُوءُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَذَا الرَّفْضُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْوَاقِعُ كَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَقِيلَ: وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ لِمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَالشَّكُّ فِي السَّابِقِ مِنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَبَ فِيهِمَا احْتِمَالُ الْحَدَثِ احْتِيَاطًا فَالنَّقْضُ بِالشَّكِّ مِنْ النَّقْضِ بِالْحَدَثِ حَقِيقَةً اهـ. [قَوْلُهُ: وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] أَيْ لَا وُجُوبَ السُّنَنِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يُضَافُ لِلْفَرَائِضِ لِلسُّنَنِ فَمَعْنَى الْأَوَّلِ تَحَتُّمُهَا أَيْ الْفَرَائِضِ وَلُزُومُهَا بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهَا، وَمَعْنَى الثَّانِي تَأْكِيدُهَا أَيْ السُّنَنِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي، فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَإِلَّا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى التَّقَيُّدِ قُلْت: إنَّمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ يَسْتَعْمِلُ كَثِيرًا الْوُجُوبَ فِي تَأَكُّدِ السُّنَنِ [قَوْلُهُ: مُعْتَادًا] هَذَا قَيْدٌ، وَقَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: الْمُعْتَادَيْنِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ صِفَةً مَحْذُوفَةً مَفْهُومَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْمَخْرَجَيْنِ لِلْعَهْدِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ أَخَلَّ بِقَيْدٍ وَهُوَ تَقْيِيدُ الْمَخْرَجَيْنِ بِالِاعْتِيَادِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مُعْتَادٍ] حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي يَخْرُجُ [قَوْلُهُ: كَالْحَصَى وَالدُّودِ إلَخْ] أَيْ الْمُتَخَلِّقِ فِي الْبَطْنِ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَلَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ عَلَى الرَّاجِحِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِنَحْتَرِزَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ بِبَلَّةٍ] أَيْ شَيْءٍ مِنْ الْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ كَانَتْ قَدْرَهُ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا أَفَادَهُ عج: وَتَوَقَّفَ تِلْمِيذُهُ فِي شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَحَرَّرَهُ نَقْلًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ غُسْلُ ذَلِكَ إنْ كَثُرَ، وَلَمْ يَأْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: لَا يَنْقُضُ، وَلِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِبَلَّةٍ وَإِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ الْمُبَالَغَةِ رُجُوعَهُ لَهَا فَقَطْ، فَرَدَّ بِالْأَوَّلِ عَلَى ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْحَصَى وَالدُّودَ يَنْقُضَانِ اعْتِبَارًا بِالْمَخْرَجِ، وَالْمَشْهُورُ يُعْتَبَرُ الْخَارِجُ وَبِالثَّانِي عَلَى ابْنِ نَافِعٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إنْ خَرَجَ مُبْتَلًّا نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُ الْحَصَى وَالدُّودِ الدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ فَلَا نَقْضَ أَيْضًا بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَلَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَصَى وَالدُّودِ أَنَّ حُصُولَ الْفَضْلَةِ مَعَ الْحَصَى وَالدُّودِ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُمَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَلَا نَقْضَ بِمَا ذُكِرَ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ. [قَوْلُهُ: كَالسَّلَسِ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ] هُوَ مَا إذَا لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ، فَفِي الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَلَا يُسْتَحَبُّ. وَفِي الْأَخِيرَيْنِ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْضًا، وَاحْتُرِزَ بِهِ أَيْ بِالْغَالِبِ عَمَّا إذَا لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالزَّمَنِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَوْ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ؟ قَوْلَانِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْقَيْءِ الْمُتَغَيِّرِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يَنْقُضُ وَهُوَ نَجِسٌ، وَلَوْ لَمْ يُشَابِهْ أَحَدَ أَوْصَافِ الْعَذِرَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ فَتْقٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ] بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِي الْأَفْصَحِ وَبِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ فَسُكُونٍ وَبِكَسْرِ أَوَّلَيْهِ قَالَ

الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ. أَمَّا إذَا انْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهُوَ كَالْخَارِجِ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ: سِتَّةٌ مِنْ الْقُبُلِ الْبَوْلُ وَالْوَدْيُ وَالْمَذْيُ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالْمَنِيُّ كَذَلِكَ، وَالْهَادِي وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ مِنْ الْحَامِلِ عِنْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ السِّقْطِ، وَاثْنَانِ مِنْ الدُّبُرِ الْغَائِطُ وَالرِّيحُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا الشَّيْخُ مَا عَدَا الْهَادِيَ وَالْمَنِيَّ وَقَدْ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا، فَقَالَ: (مِنْ بَوْلٍ) وَهُوَ مِنْ الْقُبُلِ (أَوْ غَائِطٍ) وَحَقِيقَتُهُ الْمُنْخَفِضُ مِنْ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ الْفَضْلَةَ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّبُرِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ، (أَوْ رِيحٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْخَارِجُ مِنْ الدُّبُرِ سَوَاءٌ كَانَ بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الذَّكَرِ أَوْ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ. وَقَوْلُهُ (أَوْ لِمَا) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ أَيْضًا لِلشَّيْءِ الَّذِي (يَخْرُجُ مِنْ الذَّكَرِ مِنْ مَذْيٍ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ، وَبِكَسْرِهَا الِاسْمُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّشْدِيدُ فِيهِ أَحْسَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ حَجَرٍ، وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالصَّدْرِ فَالْمُنْخَسِفُ مِنْهَا أَيْ الْمَعِدَةِ وَالسُّرَّةِ لِمَا تَحْتَهَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: السُّرَّةُ مِنْ الْمَعِدَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] أَيْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَمْ يَنْسَدَّ الْمَخْرَجَانِ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ بِأَنْ لَا يَنْسَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ انْسَدَّ أَحَدُهُمَا، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ النَّقْضِ وَكَذَا الْقَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الْعَدَمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ فَوْقَهَا أَوْ فِيهَا مُطْلَقًا أَيْ، وَلَوْ انْسَدَّا أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لَا دَائِمًا، وَأَمَّا إذَا انْسَدَّا دَائِمًا فَالنَّقْضُ كَمَا قَالَ عج. وَقَالَ أَيْضًا: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ خَلِيلٍ يَصْدُقُ فِيمَا إذَا انْسَدَّ أَحَدُهُمَا مِمَّا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْمُنْفَتِحِ مَا يَخْرُجُ مِمَّا انْسَدَّ أَمْ لَا، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ فَيَنْقُضُ إذَا انْقَطَعَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ وَانْسَدَّ دَائِمًا وَإِلَّا فَلَا، تَسَاوَى الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ. [قَوْلُهُ: وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ إلَخْ] دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ هُوَ مَا زَادَ عَلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ الْمُعْتَادَةِ وَأَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ [قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الصَّوْمِ] أَرَادَ بِهِ مَا إذَا لَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ، وَأَمَّا إذَا لَازَمَ الْكُلَّ أَوْ الْجُلَّ أَوْ النِّصْفَ فَلَا نَقْضَ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ فِي الْأَخِيرَيْنِ إلَّا أَنْ يَشُقَّ. [قَوْلُهُ: وَالْمَنِيُّ كَذَلِكَ] أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَلَازَمَ أَقَلَّ الزَّمَنِ، وَأَمَّا إذَا لَازَمَ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا نَقْضَ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا نَزَلَ فِي مَاءٍ حَارٍّ مَثَلًا وَأَمْنَى فَإِنَّهُ يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْهَادِي إلَخْ] أَيْ إذَا تَوَضَّأَتْ الْمَرْأَةُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا الْهَادِي فَيَنْقُضُ وُضُوءُهَا هَذَا مُرَادُهُ، إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ [قَوْلُهُ: أَوْ السِّقْطِ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْحَمْلِ، فَأَرَادَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مَا تُعُورِفَ مِنْ الْوَضْعِ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ [قَوْله: سُمِّيَ بِهِ الْفَضْلَةَ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ يُسَمَّى بِاسْمِهِ الْفَضْلَةَ [قَوْلُهُ: بِمَا قَرُبَ مِنْهُ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ بِاسْمِ مَا قَرُبَ مِنْهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهُ، أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَحَلِّهِ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَلَاقَتُهُ الْمَحَلِّيَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْآنَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا. [قَوْلُهُ: مَعْطُوفٌ عَلَى مَا] فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَالْأَوْلَى عَلَى لِمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُسَامَحَةَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ] أَيْ الَّذِي هُوَ خُرُوجُ الْمَاءِ الْمَعْرُوفِ وَفِعْلُهُ مَذَى مِنْ بَابِ رَمَى كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: وَبِكَسْرِهَا الِاسْمُ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ، وَفِي كَلَامِهِ شَيْءٌ إذْ هُوَ بِالسُّكُونِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْمِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ أَيْضًا إذْ مَعَ الْكَسْرِ وَجْهَانِ التَّشْدِيدُ كَمَا قَالَ، وَالتَّخْفِيفُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمِصْبَاحِ لَا بِالتَّشْدِيدِ فَقَطْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ، وَعَلَى هَذَا التَّخْفِيفِ يُعْرَبُ إعْرَابَ الْمَنْقُوصِ فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الَّذِي بِمَعْنَى الِاسْمِ لَهُ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ سُكُونُ الدَّالِ وَكَسْرُهَا مَعَ التَّثْقِيلِ وَكَسْرُهَا مَعَ التَّخْفِيفِ، فَقَوْلُهُ: يَكُونُ التَّشْدِيدُ أَحْسَنَ لَا وَجْهَ لِلْحُسْنِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ فِيهِ التَّخْفِيفَ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنْ يَقُولَ صَوَابًا، وَذَكَرَ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ مَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا، فَقَالَ: بِفَتْحِ

لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالْخُرُوجِ لَا الْفِعْلَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَعَادَ يَخْرُجُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ) دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ الْمِقْدَادُ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» . " وَلَفْظُ الْفَرْجِ فِي الْحَدِيثِ ظَاهِرٌ فِي جُمْلَةِ الذَّكَرِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ فِيهِ الْغَسْلُ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ مُصَرَّحًا بِهِ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَاءَ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُجْزِي فِيهِ الْحِجَارَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ غَسْلَهُ كُلِّهِ قَوْلَانِ، وَفِي افْتِقَارِ الْغَسْلِ الْمَذْكُورِ إلَى نِيَّةٍ قَوْلَانِ، اسْتَظْهَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ الِافْتِقَارَ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ، وَعَلَيْهِ إذَا غَسَلَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ، ثُمَّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَشَدِّ الْيَاءِ ثُمَّ الْكَسْرِ مَعَ التَّخْفِيفِ [قَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَذْيُ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَسَّرَهُ بِهِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّفْصِيلُ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَعَادَ يَخْرُجُ] وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا أَعَادَ لِمَا يَخْرُجُ إلَخْ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ] فِيهِ شَيْءٌ إذْ لَوْ قَالَ أَوْ مَذْيٍ مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ كُلِّهِ مِنْهُ لَاسْتَقَامَ [قَوْلُهُ: مَعَ غَسْلِ الذَّكَرِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ بَعْضِهِمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غَسْلُ الذَّكَرِ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَعَبُّدًا أَشْبَهَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ اهـ. [قَوْلُهُ: إنَّ عَلِيًّا إلَخْ] لَمْ يُبَاشِرْ السُّؤَالَ بِنَفْسِهِ اسْتِحْيَاءً لِكَوْنِهِ مُتَزَوِّجًا بِابْنَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شَارِحُ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: إذَا دَنَا إلَخْ] أَيْ قَرُبَ بِمُلَاعَبَةٍ أَوْ لَمْسٍ، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِهِ أَيْ حَلِيلَتِهِ كَمَا قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ» ] الْمُشَارُ إلَيْهِ عَائِدٌ عَلَى الْمَذْيِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نَضْحَ الْفَرْجِ يَتَرَتَّبُ عَلَى وِجْدَانِ الْمَذْيِ مُطْلَقًا حَصَلَ قُرْبٌ أَمْ لَا، لَكِنْ بِقَيْدِهِ الْمَعْلُومِ كَمَا يَتَبَيَّنُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمِنْ بَابِ نَفَعَ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ فَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِكَسْرِ الضَّادِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَبِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ نَفَعَ. [قَوْلُهُ: «وَلْيَتَوَضَّأْ» إلَخْ] لِمَا كَانَ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِهِ: فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَتَى بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلْيَتَوَضَّأْ أَيْ كَمَا يَتَوَضَّأُ إذَا قَامَ لَهَا لَا أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِهِ كَمَا قَالَ بِهِ قَوْمٌ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَطْعُ احْتِمَالِ حَمْلِ الْمُتَوَضِّئِ عَلَى الْوَضَاءَةِ الْحَاصِلَةِ بِغَسْلِ الْفَرْجِ فَإِنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ قَدْ يُسَمَّى وُضُوءًا أَيْ وَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالنَّضْحِ فِيهِ الْغَسْلُ] أَيْ لَا الرَّشُّ وَلَا الْبَلُّ فَلَا يَكْفِيَانِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ الَّذِي هُوَ الْبَلُّ مَعَ الدَّلْكِ هَذَا حَقِيقَةُ الْغَسْلِ عِنْدَنَا، وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ فَلْيُحَرَّرْ [قَوْلُهُ: وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ] أَيْ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ الْغَسْلُ أَيْ لَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَلِّ وَالرَّشِّ الَّذِي ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ تَفْسِيرًا لَهُ [قَوْلُهُ: وَيَتَوَضَّأُ] لَمْ يَزِدْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: أَوْ صَرِيحُهُ] أَيْ بَلْ صَرِيحُهُ فَأَوْ لِلْإِضْرَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلشَّكِّ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْإِجْزَاءُ بِهَا [قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَ غَسْلَهُ كُلَّهُ] التَّرْكُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى الْقَيْدِ فَقَطْ أَيْ فَيَكُونُ غَسْلُ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الْقَوْلَانِ [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ] أَيْ بِنِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ كُلِّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عج [قَوْلُهُ: الْغَسْلِ الْمَذْكُورِ] أَيْ الَّذِي هُوَ غَسْلُهُ كُلِّهِ أَيْ مَنْ يَقُولُ بِغَسْلِهِ كُلِّهِ يَخْتَلِفُ فَبَعْضٌ يَقُولُ: تَجِبُ النِّيَّةُ لِظُهُورِ التَّعَبُّدِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إيجَابُ غَسْلِهِ كُلِّهِ، وَبَعْضٌ لَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ تت. وَأَفَادَهُ عج أَيْضًا بِقَوْلِهِ: وَهَلْ يَفْتَقِرُ الْغَسْلُ لِنِيَّةٍ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ خ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهِ كُلِّهِ. [قَوْلُهُ: اسْتَظْهَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَصَاحِبُهُمَا هُوَ الْعَلَّامَةُ

يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَتَهُ عِنْدَ اعْتِدَالِ الطَّبِيعَةِ وَصِفَةَ خُرُوجِهِ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الْمَذْيُ (مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ بِالْإِنْعَاظِ) أَيْ قِيَامِ الذَّكَرِ (عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّذْكَارِ) بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ التَّفَكُّرِ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا وُضُوءَ فِيهِ، وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِنْعَاظَ مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ لَا وُضُوءَ فِيهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إذَا تَفَكَّرَ وَالْتَذَّ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يُنْعِظْ لِذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إذَا غَسَلَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ يُعِيدُ الصَّلَاةَ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ يَتَّفِقُ عَلَى الْبُطْلَانِ عِنْدَ تَرْكِ النِّيَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ اخْتَلَفُوا عِنْدَ تَرْكِ النِّيَّةِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَسَلَهُ كُلَّهُ فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ مُرَاعَاةً لِلْآخَرِ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَظَاهِرُ خَلِيلٍ كَانَ التَّرْكَ عَمْدًا أَمْ لَا، وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَعْضِ كَانَ تَارِكًا لِلْبَعْضِ الْآخَرِ عَمْدًا أَمْ لَا مَعَ نِيَّةٍ أَمْ لَا فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ الْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَشْهُورًا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ وَلَوْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْبُطْلَانِ فِي تَرْكِ الْغَسْلِ رَأْسًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ بَعْضَهُ وَصَلَّى، وَقُلْنَا بِعَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَهَلْ يُعِيدُ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَوْلَانِ. تَنْبِيهٌ: عَرَفْت حَالَ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا أَمْذَتْ فَإِنَّهَا تَغْسِلُ مَحَلَّ الْأَذَى فَقَطْ. قَالَ عج: بِلَا نِيَّةٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا هِيَ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِهِ اهـ. فَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ هُوَ يُخَالِفُ ذَلِكَ غَيْرَ مُنَاسِبٍ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ صِفَتَهُ] أَيْ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ [قَوْلُهُ: عِنْدَ اعْتِدَالِ الطَّبِيعَةِ] الطَّبِيعَةُ مِزَاجُ الْإِنْسَانِ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْأَخْلَاطِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الصَّفْرَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ، أَيْ فَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهَا عَلَى غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالِاعْتِدَالِ. [قَوْلُهُ: وَصِفَةَ خُرُوجِهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ صِفَتَهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ عِنْدَ اللَّذَّةِ بِالْإِنْعَاظِ هَذَا مُرَادُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. ثُمَّ أَقُولُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ صِفَةِ نَفْسِ الْخُرُوجِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّذَّةِ] أَيْ اللَّذَّةِ الْمُعْتَادَةِ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ تِلْكَ الصِّفَةَ اتِّكَالًا عَلَى الْمَوْقِفِ، وَاللَّذَّةُ الِانْتِعَاشُ الْبَاطِنِيُّ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الِانْتِعَاشُ الظَّاهِرِيُّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: بِالْإِنْعَاظِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى خُرُوجِهِ بِلَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ حَصَلَ إنْعَاظٌ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ التَّاءِ] قَالَ عج: لَيْسَ لَنَا مَصْدَرٌ عَلَى تِفْعَالٍ بِالْكَسْرِ غَيْرَ تِلْقَاءٍ وَتِبْيَانٍ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ لَذَّةٍ] أَيْ لِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ يَصْدُقُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَصْلًا أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، كَمَا إذَا حَكَّ لِجَرَبٍ فَأَمْذَى بِالْتِذَاذِهِ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَلَا وُضُوءَ فِيهِ] ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ السَّلَسِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ، فَإِنْ لَازَمَ كُلَّ الزَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ نِصْفَهُ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَازَمَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ، وَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الذَّكَرِ لَكِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ حَيْثُ اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ فِيمَا إذَا لَازَمَ الْأَكْثَرَ أَوْ النِّصْفَ، وَيَحْصُلُ النَّدْبُ بِالْحَجَرِ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا حَاجَةَ لِتَرَدُّدِ عج، وَكَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الْأَخِيرَةِ يَجِبُ إزَالَتُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ بِأَنْ لَمْ يَأْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَأَمَّا إذَا اسْتَنْكَحَهُ بِأَنْ أَتَى كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً فَلَا يَجِبُ إزَالَتُهُ لَا بِحَجَرٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَلَكِنْ يُنْدَبُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَيَكْفِي الْحَجَرُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ لَذَّةٍ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ كَانَ بِلَذَّةٍ حَيْثُ لَا يَخْرُجُ مَذْيٌ أَوْ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا وُضُوءَ فِيهِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّ الْإِنْعَاظَ الْبَيِّنَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَالْخِلَافُ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَاجِيُّ وَابْنُ شَاسٍ فِي الْإِنْعَاظِ الْكَامِلِ فَلَا خِلَافَ فِي

الْمَعْرُوفُ، وَكَذَلِكَ إذَا الْتَذَّ بِالنَّظَرِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مَذْيٍ. (وَأَمَّا الْوَدْيُ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَنْ رَوَاهُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَقَدْ صَحَّفَ وَلَك فِيهِ وَجْهَانِ، وَدِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهَا (فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ خَاثِرٌ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ أَيْ ثَخِينٌ (يَخْرُجُ) غَالِبًا (بِإِثْرِ الْبَوْلِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا (يَجِبُ مِنْهُ مَا يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ) وَهُوَ الْوُضُوءُ لِمُعْتَادِهِ وَالِاسْتِبْرَاءُ مِنْهُ، وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجِ بِالسَّلْتِ وَالنَّتْرِ الْخَفِيفَيْنِ وَغَسْلِ مَحَلِّهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِ (غَالِبًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بَوْلٍ أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ، وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْيِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَفِي الصِّفَةِ أَتَى بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا. ، وَلَمَّا ذَكَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْقُبُلِ وَكَانَ الْمَنِيُّ مِنْ جُمْلَتِهِ وَكَانَ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ فَقَطْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، ذَكَرَهُ بَيْنَ مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ اسْتِطْرَادًا، وَأَتَى بِأَمَّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَذْيِ وَالْوَدْيِ فِي الصِّفَةِ فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَنِيُّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَهُوَ الْمَاءُ الدَّافِقُ) بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ أَيْ الْمَصْبُوبِ (الَّذِي يَخْرُجُ) دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (عِنْدَ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى) بِالْجِمَاعِ غَالِبًا (رَائِحَتُهُ) إذَا كَانَ رَطْبًا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْيِ الْوُضُوءِ عَمَّنْ لَمْ يُكْمِلْ إنْعَاظُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْعِظْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ أَنْعَظَ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُلْتَذِّ، وَأَمَّا التَّذَكُّرُ وَحْدَهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ اتِّفَاقًا [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ بُكَيْرٍ الْإِبْيَانِيِّ. [قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ] أَيْ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَشْهُورًا كَوْنُهُ مَعْرُوفًا فِيهِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. [قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ [قَوْلُهُ: فَقَدْ صَحَّفَ] أَيْ غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمِصْبَاحِ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا قَالَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَطَالِعِ نَقَلَ أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ مَا نَقَلَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ] أَيْ وَكَسْرِ الدَّالِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت خَفَّفْتهَا] أَيْ مَعَ سُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي مَيَّارَةَ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ التَّشْدِيدَ أَشْهَرُ وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلتَّعْبِيرِ بِ (وَجْهَانِ) أَنْ يَقُولَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا [قَوْلُهُ: يَخْرُجُ بِإِثْرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ وَجَبَ بِالْبَوْلِ، فَلَا يَظْهَرُ لَهُ حُكْمٌ إلَّا إذَا خَرَجَ وَحْدَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوُضُوءُ إلَخْ] أَيْ الَّذِي يَجِبُ مِنْ الْبَوْلِ هُوَ الْوُضُوءُ لِمُعْتَادِهِ أَيْ الْبَوْلِ كَمَا يُفِيدُهُ زَرُّوقٌ، أَيْ بِأَنْ لَا يَخْرُجَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ [قَوْلُهُ: بِالسَّلْتِ] أَيْ مَدِّهِ وَسَحْبِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَإِبْهَامِ يُسْرَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَصَابِعِهَا، وَيُمِرُّهُمَا مِنْ أَصْلِهِ إلَى الْكَمَرَةِ أَيْ رَأْسِ الذَّكَرِ [قَوْلُهُ: وَالنَّتْرِ] أَيْ الْجَذْبِ وَهُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ السَّاكِنَةِ وَالرَّاءِ [قَوْلُهُ: الْخَفِيفَيْنِ] فَلَا يَسْلِتُهُ وَلَا يَنْتُرُهُ بِقُوَّةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالضَّرْعِ، فَإِذَا سَلَتَ أَوْ نَتَرَ بِقُوَّةٍ أَعْطَى النَّدَاوَةَ فَيَتَسَبَّبُ عَدَمُ التَّنْظِيفِ. [قَوْلُهُ: وَغَسْلُ مَحَلِّهِ] أَيْ أَوْ الِاسْتِجْمَارُ بِالْحَجَرِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ بَوْلٍ] كَأَنْ يَخْرُجَ عِنْدَ حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ أَيْ وَحُكْمُهُ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: أَوْ يَخْرُجُ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ] وَلَا يَظْهَرُ لَهُ حُكْمٌ [قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ] أَيْ فَيُخَالِفُهُ فِي غَسْلِ مَحَلِّهِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَكَانَ مُوجِبًا لِلْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ] هَذَا الْبَعْضُ غَيْرُ صُورَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ فِيهَا الْغَسْلُ، وَالْبَعْضُ الْمَذْكُورُ هُوَ مَا إذَا أَنْزَلَ فِي يَقَظَةٍ بِغَيْرِ لَذَّةٍ مُعْتَادَةٍ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ السَّلَسِ أَوْ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ، وَفَارَقَ أَكْثَرَ الزَّمَنِ [قَوْلُهُ: فِي الصِّفَةِ] بَلْ وَفِي الْحُكْمِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ] أَيْ فَاسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّفْقَ صَبٌّ فِيهِ دَفْعٌ وَالدَّفْقُ إنَّمَا هُوَ لِصَاحِبِهِ، وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ يُقَالُ: دَفَقْت الْمَاءَ صَبَبْته وَدَفَقَ بِنَفْسِهِ انْصَبَّ اهـ. فَعَلَيْهِ لَا حَاجَةَ لِجَعْلِهِ اسْمَ مَفْعُولٍ أَوْ مَجَازًا عَقْلِيًّا بِأَنْ يُجْعَلَ مِنْ الثَّانِي الَّذِي هُوَ دَفَقَ بِنَفْسِهِ انْصَبَّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الدَّافِقُ بِمَعْنَى الْمُنْصَبِّ. [قَوْلُهُ: بِالْجِمَاعِ] أَيْ اللَّذَّةِ الْكَائِنَةِ بِالْجِمَاعِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَوْ مَعَهُ [قَوْلُهُ: غَالِبًا] أَيْ لِأَنَّ اللَّذَّةَ

صَحِيحِ الْمِزَاجِ (كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَفِيهِ لُغَةٌ الطَّلْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَمْلِ النَّخْلَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ غُبَارٌ، وَتَقْيِيدُنَا بِ (رَطْبًا) احْتِرَازًا مِنْ الْيَابِسِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ، وَبِصَحِيحِ الْمِزَاجِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَتَغَيَّرُ مَنِيُّهُ، وَتَخْتَلِفُ رَائِحَتُهُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ لَوْ انْتَبَهَ فَوَجَدَ بَلَلًا رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ، هَذَا صِفَةُ مَنِيِّ الرَّجُلِ (وَ) أَمَّا (مَاءُ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي مَنِيَّهَا فَصِفَتُهُ (مَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (يَجِبُ مِنْهُ) إذَا بَرَزَ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَالصِّحَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمَرَضِ وَالسَّلَسِ. (الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ، وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ بُرُوزُهُ بَلْ يَكْفِي فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا إحْسَاسُهَا بِهِ، وَقَوْلُهُ: (فَيَجِبُ مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ (طُهْرُ جَمِيعِ) ظَاهِرِ (الْجَسَدِ) تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَعَ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَيَجِبُ الطُّهْرُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ الدَّافِقِ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ خَصَّ الْحُكْمَ بِالْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ؟ قِيلَ: لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ امْرَأَةً لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غُسْلٌ مِنْ مَنِيِّهَا، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَمَعْرُوفٌ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ، وَقَوْلُهُ: (كَمَا يَجِبُ) غُسْلُ جَمِيعِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ (مِنْ طُهْرِ) أَيْ انْقِطَاعِ (الْحَيْضَةِ) أَيْ الْحَيْضِ، تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ: لَا يُقَاسُ إلَّا مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُبْرَى قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ كَأَنْ يَلْمِسَ امْرَأَةً فَيُمْنِيَ، وَخِلَافُ اللَّذَّةِ الْكُبْرَى اللَّذَّةُ الصُّغْرَى وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الْمَذْيُ [قَوْلُهُ: الْمِزَاجِ] بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ الطَّبِيعَةِ مِنْ مَزَجَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى خَلَطَهُ [قَوْلُهُ: كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ] أَيْ كَرَائِحَةِ غُبَارِ الطَّلْعِ كَمَا فِي تت وَغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ حَمْلِ النَّخْلَةِ] يُنَافِيهِ مَا نَقَلَ تت عَنْ التَّادَلِيِّ حَيْثُ قَالَ: أَيْ مِنْ فَحْلِ النَّخْلِ دُونَ إنَاثِهَا اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُخَالَفَةَ بِجَعْلِ التَّاءِ فِي النَّخْلَةِ لِلْوَحْدَةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ النَّخْلُ اسْمُ جَمْعٍ الْوَاحِدَةُ نَخْلَةٌ [قَوْلُهُ: يَسْقُطُ عَنْهُ غُبَارٌ] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُرَادَةَ رَائِحَةُ ذَلِكَ الْغُبَارِ لَا رَائِحَةُ نَفْسِ الطَّلْعِ [قَوْلُهُ: أَشْبَهُ شَيْءٍ] أَيْ أَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ، أَيْ أَنَّهُ اشْتَرَكَ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمُشَابَهَةِ بِفُصُوصِ الْبَيْضِ إلَّا أَنَّهُ أَعْظَمُهَا شَبَهًا بِهَا، وَالْمُرَادُ الْبَيْضُ الْمَشْوِيُّ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ، وَهُوَ جَمْعُ فَصٍّ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ بَيَاضُ الْبَيْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهُ إذَا يَبِسَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةَ الْبَيْضِ عِنْدَ يُبْسِهِ اهـ. فَإِنْ أَرَادَ بِالْيُبْسِ الشَّيْءَ اتَّفَقَ الْكَلَامَانِ. [قَوْلُهُ: وَتَخْتَلِفُ رَائِحَتُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقُلْنَا ذَلِكَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْمَقَامِ فَإِنَّنَا فِي شَأْنِ الرَّائِحَةِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الْأَوْصَافِ [قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ] أَيْ تَبْيِينِ الرَّائِحَةِ [قَوْلُهُ: لَوْ انْتَبَهَ إلَخْ] جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ [قَوْلُهُ: يَعْنِي فِيهَا] لَمَّا كَانَ تَفْسِيرُ الْمَاءِ بِالْمَنِيِّ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ قَالَ يَعْنِي [قَوْلُهُ: فَصِفَتُهُ] عَبَّرَ بِهِ نَظَرًا لِلرِّقَّةِ وَالصُّفْرَةِ الدَّالِّ عَلَيْهِمَا رَقِيقٌ أَصْفَرُ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَهُوَ مَاءٌ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّ بَيَانٌ لَهُ لَا لِصِفَتِهِ، وَرَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ طَلْعِ الْأُنْثَى مِنْ النَّخْلِ وَطَعْمُهُ مَالِحٌ بِخِلَافِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ مُرٌّ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ] اُحْتُرِزَ عَمَّا إذَا بَرَزَ عَلَى وَجْهِ السَّلَسِ [قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بُرُوزُهُ] ضَعِيفٌ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَرَجَ مَنِيُّهَا فِي الْيَقَظَةِ، وَأَمَّا فِي النَّوْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بُرُوزِهِ بِاتِّفَاقٍ [قَوْلُهُ: جَمِيعِ ظَاهِرِ الْجَسَدِ] احْتِرَازٌ مِنْ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ بِخِلَافِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ [قَوْلُهُ: تَكْرَارًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ يَجِبُ مِنْهُ الطُّهْرُ هَذَا ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: وَمَعَ مَا يَأْتِي] لَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ التَّكْرَارُ إنَّمَا يُنْسَبُ لِلثَّانِي، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الْآتِي هُوَ التَّكْرَارُ مَعَ هَذَا [قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ] هَذَا الْإِيرَادُ بِحَسَبِ حِلِّهِ وَإِلَّا فَقَدْ حَلَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِالتَّعْمِيمِ، فَقَالَ: أَيْ يَجِبُ مِنْ أَجْلِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ الطُّهْرُ إلَخْ. فَلَا يَرِدُ سُؤَالٌ وَعَلَى هَذَا فَالْإِشَارَةُ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ عج مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الشَّيْءِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، أَوْ فِي الْبَعِيدِ إذْ اللَّفْظُ عَرَضٌ يَزُولُ بِانْقِضَائِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ وَالْبَعِيدُ تَحْتَهُ صُورَتَانِ بَعِيدٌ جِدًّا وَبَعِيدٌ لَا جِدًّا اهـ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ] أَيْ نَفْيُهُ أَوْ غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ ثُبُوتُهُ بَلْ ثُبُوتُهُ مَجْزُومٌ بِهِ لَا مُتَوَهَّمٌ فَقَطْ [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضِ إلَخْ]

عَلَيْهِ، وَالْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ كِلَاهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا لَوْ عَلَيْهِ نَقْتَصِرُ: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ أَشْهَرُ مِنْ الْغُسْلِ مِنْ الْمَنِيِّ، وَلِذَا «أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ حِينَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ أَتَغْتَسِلُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أُفٍّ لَك، وَهَلْ تَرَى ذَلِكَ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: تَرِبَتْ يَمِينُكِ وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» . ثُمَّ أَشَارَ إلَى خَاتِمَةِ السُّنَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مِنْ الْإِحْدَاثِ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مِنْ عِرْقِ فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، (فَيَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ) إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ إتْيَانُهُ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَى الْأَمْرَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ. (وَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَيْضَةِ مَا تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ وَتَأَخَّرَهَا طُهْرٌ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ الْحَيْضُ مُطْلَقًا تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا تَأَخَّرَهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: تَشْبِيهٌ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ إفَادَةِ الْحُكْمِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَيَجِبُ إلَخْ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ: يُحْتَمَلُ التَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ اهـ. أَيْ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْمَعْلُومُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَحُكْمِ هَذَا أَيْ نَظِيرِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْغُسْلُ مِنْ طُهْرِ الْحَيْضَةِ مُشَبَّهًا بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ إلَخْ] فِي إيرَادِ السُّؤَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُصَنِّفُ نَاقِلٌ لَا قَائِسٌ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ إلَخْ] الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَالْحَيْضِ فَلَا مُوجِبَ لِقِيَاسِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَيْضِ إذَا عَلِمْت مَا قَرَرْنَاهُ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ قِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَارِدٌ عَنْ الْإِمَامِ فَلِمَ شَبَّهَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا إلَخْ] نَذْكُرُ الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَنَقُولُ الثَّانِي: أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْحَيْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْغُسْلَ مِنْ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ بِالسُّنَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحَيْضَ أَقْوَى مِنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْجَنَابَةُ لَا تَمْنَعُ إلَّا بَعْضَهَا [قَوْلُهُ: أُمُّ سُلَيْمٍ] هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أُفٍّ لَك] كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِنْكَارُ، وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ، وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ، وَالسَّابِعَةُ إفَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَة وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ اهـ. [قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْمَرْأَةُ] الْكَافُ مَكْسُورَةٌ لِأَنَّهَا لِخِطَابِ الْمُؤَنَّثِ [قَوْلُهُ: تَرِبَتْ يَمِينُك] أَيْ الْتَصَقَتْ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ افْتِقَارِهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءَ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. وَقَالَ بَعْضٌ: هُوَ دُعَاءٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَأَى الْحَاجَةَ خَيْرًا لَهَا، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ] أَيْ أَنَّ شَبَهَ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهَا وَمِنْ مَاءِ أَبِيهِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ أَنَّهَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ، فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَيُقَالُ شَبَهُ وَشِبْهُ لُغَتَانِ إحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَيَلَانُ الدَّمِ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَهُوَ الدَّمُ السَّائِلُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: فَمِهِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ] قَالَ النَّوَوِيُّ: فَمُهُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ يُسَمَّى الْعَاذِلَ، وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمِصْبَاحِ فِيهِ لُغَةً أُخْرَى بِالرَّاءِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُقَالُ: اللَّامُ هِيَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يَقْتَصِرُ كَثِيرٌ عَلَى إيرَادِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ] وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ إهْمَالَهَا [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ أَكْثَرَ مِنْ إتْيَانِهِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الزَّائِدِ عَلَى أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ، وَلَمَّا كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَنَافٍ حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَحَكَمَ ثَانِيًا بِاسْتِحْبَابِهِ أَصْلَحَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ

لَكِنْ (يُسْتَحَبُّ لَهَا) أَيْ لِلْمُسْتَحَاضَةِ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْقَأُ دَمُهَا يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ (وَلِسَلِسِ الْبَوْلِ) بِكَسْرِ اللَّامِ الَّتِي بَيْنَ السِّينَيْنِ اسْمُ فَاعِلٍ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْخَارِجِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لِصَاحِبِ سَلَسِ الْبَوْلِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَعْنَاهُ أَنْ يَكْثُرَ بَوْلُ الْإِنْسَانِ بِلَا حُرْقَةٍ، (أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ. وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ فَرْجِهِمَا قَوْلَانِ وَأَمَّا إنْ لَازَمَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَوْ سَلَسُ الْبَوْلِ وَلَمْ يُفَارِقْ فَلَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْوُضُوءِ مَعَ سَيَلَانِ النَّجَاسَةِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ كَثْرَةُ الْمُلَازَمَةِ وَقِلَّتُهَا بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ مُطْلَقًا؟ قَوْلَانِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِسُقُوطِ الْوُضُوءِ عَنْ صَاحِبِ السَّلَسِ فَهَلْ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يَجِبُ الْوُضُوءُ، ثُمَّ أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهُوَ مُلَازَمَةُ النِّصْفِ أَوْ الْأَكْثَرِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا إذَا إلَخْ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ إتْيَانُهُ إلَخْ] تَرَكَ مَا إذَا لَازَمَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الْحَالَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ مِنْهَا الْوُضُوءُ وَعِنْدَ مُلَازَمَةِ كُلِّ الزَّمَنِ يَنْتَفِي الِاسْتِحْبَابُ [قَوْلُهُ: لَا يَرْقَأُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَرَقَأَ الدَّمُ وَالدَّمْعُ رَقْئًا مَهْمُوزًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَرُقُوءًا عَلَى فُعُولٍ انْقَطَعَ بَعْدَ جَرَيَانِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا يَنْقَطِعُ] أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ فَيَصْدُقُ بِمُلَازَمَةِ كُلِّ الزَّمَنِ وَبِمُفَارَقَةِ أَكْثَرِهِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا مُرَادَيْنِ، وَبِمُلَازَمَةِ الْجُلِّ أَوْ النِّصْفِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ النَّوَوِيِّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَالِاسْتِحَاضَةُ أَنْ يَسِيلَ الدَّمُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلِسَلِسِ الْبَوْلِ إلَخْ] لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَوْلِ بِالذِّكْرِ بَلْ سَلِسُ كُلِّ حَدَثٍ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ مَنِيًّا فَالْجَمِيعُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِاَلَّذِي خَرَجَ مِنْهَا، وَلَازَمَ وَلَوْ نِصْفَ الزَّمَنِ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ رَفْعِهِ بِتَدَاوٍ أَوْ تَسَرٍّ أَوْ تَزْوِيجٍ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا إلَّا فِي مُدَّةِ تَدَاوِيهِ [قَوْلُهُ: اسْمُ فَاعِلٍ] فَهُوَ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِلْخَارِجِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ إلَى الْخَاصِّ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لَا بَيَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْبَيَانِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَكُونُ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. [قَوْلُهُ: بِلَا حُرْقَةٍ] اسْمٌ مِنْ الِاحْتِرَاقِ وَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ يَكْثُرُ بَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَرَى احْتِرَاقًا أَيْ حَرَارَةً؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الِاحْتِرَاقِ تَكُونُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى إمْسَاكِ الْبَوْلِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ هَذَا صَادِقٌ بِالْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثُنَا فِي الَّذِي يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ هُوَ الْمُلَازِمُ لِلْجُلِّ وَالنِّصْفِ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ كَوْنَهُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ مِنْ تَمَامِ الْمُسْتَحَبِّ أَيْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِحْبَابَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا اتَّصَلَ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَصِلْهُ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِحْبَابُ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوُضُوءَ فِي ذَاتِهِ مُسْتَحَبٌّ، وَكَوْنُهُ مُتَّصِلًا بِالصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِحْبَابِ غَسْلِ إلَخْ] أَيْ فَصَاحِبُ الطِّرَازِ يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَسَحْنُونٌ يَقُولُ بِعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ أَخَفُّ مِنْ الْحَدَثِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ] وَكَذَا إذَا شَقَّ فِي حَالَتَيْ الِاسْتِحْبَابِ لَا نَدْبَ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مَحَلُّهَا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ صَاحِبُ السَّلَسِ خُرُوجَ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيِ مَثَلًا فَإِنْ تَعَمَّدَ بِأَنْ لَاعَبَ زَوْجَتَهُ فَأَمْذَى فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُلَازَمَةِ حُكْمَا مَا إذَا كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَحْدَثَ وَإِذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَتَيَمَّمَ فَلَا فَإِنَّ وُضُوءَهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْتَقِضُ بِذَلِكَ أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ] وَهِيَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ثَانِيَ يَوْمٍ، وَأَمَّا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ فَلَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ، وَاعْتَمَدَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ هَذَا الْقَوْلَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ مِائَتَانِ وَسِتُّونَ دَرَجَةً، وَغَيْرَ وَقْتِهَا مِائَةُ دَرَجَةٍ فَأَتَاهُ فِيهَا، وَفِي مِائَةِ دَرَجَةٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْقُضُ لِمُفَارَقَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَنِ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْإِطْلَاقُ لَا يَنْقُضُ لِمُلَازَمَتِهِ أَكْثَرَ الزَّمَنِ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْإِتْيَانُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُنْضَبِطًا بِأَنْ يَأْتِيَهُ فِي إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ أَوْ يُؤَخِّرُ، فَإِذَا كَانَ يَأْتِيهِ فِيهِ وَقْتَ الظُّهْرِ كُلَّهُ فَيُؤَخِّرُهَا لِوَقْتِ الْعَصْرِ، وَإِذَا كَانَ يَأْتِيهِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ كُلِّهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّ يَكُونُ

ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ لَا يَتَعَدَّاهُ أَوْ سُقُوطِ ذَلِكَ بِجَعْلِ الْخَارِجِ كَالْعَدَمِ فِيهِ؟ قَوْلَانِ، مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا جَوَازُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ. ، وَأَمَّا الْأَسْبَابُ فَجَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ وَاصْطِلَاحًا مَا لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْحَدَثِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ ثَلَاثَةٌ: زَوَالُ الْعَقْلِ وَلَمْسُ مَنْ تُشْتَهَى وَمَسُّ الذَّكَرِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ (مِنْ زَوَالِ) بِمَعْنَى اسْتِتَارِ (الْعَقْلِ) وَاسْتِتَارُهُ يَكُونُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إمَّا (بِ) سَبَبِ (نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ، وَهُوَ الَّذِي يُخَالِطُ الْقَلْبَ، وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فَعَلَ، وَهُوَ إمَّا طَوِيلٌ فَيَنْقُضُ اتِّفَاقًا أَوْ قَصِيرٌ فَيَنْقُضُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مُسْتَثْقَلٍ أَنَّ الْخَفِيفَ الَّذِي يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِأَدْنَى سَبَبٍ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا قَصِيرًا كَانَ أَوْ طَوِيلًا لِمَا فِي مُسْلِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ كَذَا حَمَلَ عِيَاضٌ الْحَدِيثَ عَلَى الْخَفِيفِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ مِنْ الطَّوِيلِ الْوُضُوءُ. ثَانِيهَا: ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْمُخْتَارِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ كَذَا ظَهَرَ لِلْمَنُوفِيِّ. [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهُمَا الْكَرَاهَةُ] هَذَا الْحِلُّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: قَوْلَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَعَدَمُ صِحَّتِهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ أَيْ كَرَاهَةُ إمَامَتِهِ لِغَيْرِهِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ تَرْكُ الْإِمَامَةِ حِينَ وَجَدَ سَلَسَ الْمَذْيِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ وَالدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالدَّفَرِيُّ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحَبْلُ إلَخْ] قَالَ تَعَالَى {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ بِحَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِلْمِ قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84] أَيْ عِلْمًا [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بِمَا يُؤَدِّي] أَيْ مُصَوَّرٌ بِمَا يُؤَدِّي [قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] اُنْظُرْ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ فَيَكُونَ الْمُرَادُ لَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] بِمَعْنَى مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيَتَرَتَّبُ الْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ لَا وُجُوبَ السُّنَنِ بِمَعْنَى تَأَكُّدِهَا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اسْتِتَارِ] أَيْ لَا بِمَعْنَى ذَهَابِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يَعُدْ إذْ الْفَرْضُ فِي إنْسَانٍ يَلْحَقُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ ثُمَّ يَعُودُ لَهُ عَقْلُهُ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: إمَّا بِسَبَبِ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ إمَّا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بِنَوْمٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْقَافِ] اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ بِسَبَبِ نَوْمٍ يَعُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ ثَقِيلًا [قَوْلُهُ: يُخَالِطُ الْقَلْبَ] أَرَادَ بِهِ الْعَقْلَ فَقَوْلُهُ: وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْقَلْبَ يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْعَقْلُ، وَلَمَّا كَانَ الذَّهَابُ فَرْعَ الْمُخَالَطَةِ قَدَّمَ الْمُخَالَطَةَ عَلَى الذَّهَابِ وَفِي الْعَقْلِ تَفَاسِيرُ فَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ نُورٌ يُقْذَفُ فِي الْقَلْبِ فَيَسْتَعِدُّ لِلْإِدْرَاكَاتِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَشْعُرُ صَاحِبُهُ بِمَا فُعِلَ] يُقْرَأُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَانَ فَعَلَهُ أَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ، فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا إذَا سَقَطَ لُعَابُهُ أَوْ حَبْوَتُهُ بِيَدِهِ أَوْ الْكُرَّاسُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَشْعُرْ لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ أَوْ سَقَطَ وَشَعَرَ، وَقَيَّدْنَا الْحَبْوَةَ بِالْيَدِ لَا إنْ كَانَتْ الْحَبْوَةَ الْمَعْلُومَةَ فَهُوَ كَالْمُسْتَنِدِ وَمِنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا سُقُوطُهُ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ سَقَطَ، لَا إنْ لَمْ يَسْقُطْ فَلَيْسَ بِثَقِيلٍ وَيُنْقَضُ بِالثَّقِيلِ، وَلَوْ سَدَّ مَخْرَجَهُ سَدًّا مُحْكَمًا إنْ دَامَ لَا إنْ لَمْ يَدُمْ، وَجَزَمَ الْغَرْنَاطِيُّ بِعَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ مَعَ الدَّوَامِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ كَمَا قَرَّرَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَضُمَّ شَيْئًا وَيُلْصِقَهُ بِدُبُرِهِ وَيَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِتَاحَ الدُّبُرِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يُدْخِلُ شَيْئًا فِي دُبُرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لَا [قَوْلُهُ: كَذَا حَمَلَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: عِيَاضٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْحَاكِمِينَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ؟ قُلْت الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ مُطْلَقًا خَفِيفًا أَوْ ثَقِيلًا فَحَمَلَهُ عِيَاضٌ عَلَى الْخَفِيفِ فَقَطْ فَخَرَجَ الثَّقِيلُ، فَخُلَاصَةُ حَمْلِهِ إخْرَاجُ الثَّقِيلِ لَا عَدَمُ النَّقْضِ بِالْخَفِيفِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى بَلْ هُوَ أَيْ عَدَمُ

أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ إغْمَاءٍ) قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ. ثَالِثُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ سُكْرٍ) ظَاهِرُهُ سُكْرٌ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، رَابِعُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ) إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِالنَّوْمِ مَعَ كَوْنِهِ أَخَفَّ حَالًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِيَسِيرِ الِانْتِبَاهِ كَانَ وُجُوبُهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ. (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. الثَّانِي: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى. ، وَالسَّبَبُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ) وَهُوَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] (لِ) أَجْلِ قَصْدِ الـ (لَّذَّةِ) وَجَدَهَا أَوْ لَا أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْضِ بِالْخَفِيفِ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُ فَصَحَّ الِاسْتِدْلَال فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَوْ إغْمَاءٍ إلَخْ] الْإِغْمَاءُ مَرَضٌ فِي الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: سُكْرٍ بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ] أَيْ كَمَنْ شَرِبَ لَبَنًا مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْكِرٍ فَسَكِرَ مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَوْ تَخَبُّطِ جُنُونٍ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ تَخَبُّطٍ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ يَكُونُ بِالْجُنُونِ وَالتَّخَبُّطُ مُصَاحِبٌ لِزَوَالِ الْعَقْلِ لَا أَنَّهُ سَبَبٌ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْجُنُونِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ طَبْعًا أَوْ مِنْ الْجِنِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ فِي جُنُونٍ يَتَقَطَّعُ لَا إنْ كَانَ مُطْبِقًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ [قَوْلُهُ: إنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَخْ] أَيْ فَهَذِهِ الْأُمُورُ مَقِيسَةٌ عَلَى النَّوْمِ كَمَا أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّصَّ عَنْ الشَّارِعِ إنَّمَا جَاءَ فِي النَّوْمِ وَقِيسَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَدْخَلُ فِي اسْتِتَارِ الْعَقْلِ] أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ طَوِيلِهَا وَقَصِيرِهَا وَلَا بَيْنَ ثَقِيلِهَا وَخَفِيفِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمَ بِزَوَالِ التَّكْلِيفِ مَعَهَا بِخِلَافِ النَّوْمِ فَصَاحِبُهُ مُخَاطَبٌ، وَإِنْ رُفِعَ الْإِثْمُ عَنْهُ، وَاسْتَعْمَلَ الِاسْتِتَارَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَبِالنِّسْبَةِ لِلْعَقْلِ فِي حَقِيقَتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْيِيزِ فِي مَجَازِهِ وَهُوَ زَوَالُهُ [قَوْلُهُ: وَالتَّمْيِيزِ] مِنْ عَطْفِ الشَّيْءِ عَلَى آلَتِهِ [قَوْلُهُ: لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ] أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ لِابْنِ نَافِعٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ قَاعِدًا وَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ لِهَمٍّ أَوْ سُرُورٍ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ ح وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ شَيْخُنَا، ثُمَّ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ غَيْبُوبَةُ الْعَقْلِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّوْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِكُلِّ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَغْرَقَهُ الْوَجْدُ فِي حُبِّ اللَّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقِظُ الْقَلْبِ أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ. [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ فِقْدَانَ الْعَقْلِ إلَخْ] خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ قَلَّمَا جُنَّ إنْسَانٌ إلَّا وَأَنْزَلَ [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُلَامَسَةِ إلَخْ] الْمُرَادُ اللَّمْسُ وَهُوَ مُلَاقَاةُ جِسْمٍ لِجِسْمٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِبَارِ، وَالْمَسُّ هُوَ الِالْتِقَاءُ مُطْلَقًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ اللَّمْسُ نَاقِضًا عِنْدَنَا إلَّا مَعَ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا حَسُنَ التَّعْبِيرُ عِنْدَنَا بِاللَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ لَمْسُ الذَّكَرِ نَاقِضًا مُطْلَقًا حَسُنَ التَّعْبِيرُ بِالْمَسِّ وَشَمَلَ كَلَامُهُ لَمْسَ الْأَمْرَدِ إذَا قُصِدَ بِمُلَامَسَتِهِ اللَّذَّةُ كَمَا أَفَادَهُ تت، وَيُفْهَمُ مِنْ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ أَنَّ مِثْلَهُ ذُو اللِّحْيَةِ النَّابِتَةِ عَنْ قُرْبٍ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ يَتَلَذَّذُ بِهِ عَادَةً. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا دُونَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ الصَّحَابَةِ لَا يُوَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ جَامَعْتُمُوهُنَّ أَيْ فَفَسَّرَ الْمُلَامَسَةَ بِالْجِمَاعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ بِالْقُبْلَةِ فَهُوَ غَيْرُ نَافِعٍ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ قَصْدِ اللَّذَّةِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ مَنْطُوقَ الْمُصَنِّفِ قَصْدَ اللَّذَّةِ مُطْلَقًا مَعَهُ وِجْدَانٌ أَمْ لَا، فَيَكُونُ سَوْقُهُ مَسْأَلَةَ الْوُجُودِ فَقَطْ بِقَوْلِهِ أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ لِأَجْلِ كَوْنِهَا مَفْهُومَةً بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ الْقَصْدِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّذَّةِ لَا اعْتِرَاضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِهِ أَخَلَّ بِهَا، وَأَقُولُ بِحَمْدِ اللَّهِ: لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُحْتَوٍ عَلَى الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ صَادِقٌ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهَا أَوْ

اللَّامِسُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، كَانَ الْمَلْمُوسُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا، كَانَتْ الْمُلَامَسَةُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَأَبْقَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ خَفِيفًا، وَقَيَّدَ ابْنُ نَاجِي كَلَامَ الشَّيْخِ إذَا كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا بِمَا إذَا كَانَ الْمَلْمُوسُ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ عَادَةً احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهَا عَادَةً، وَكَذَا الْمَحْرَمُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ الْعَادِي. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: هَذَا كُلُّهُ فِي اللَّامِسِ، وَأَمَّا الْمَلْمُوسُ فَإِنْ بَلَغَ وَالْتَذَّ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقْصِدْ اللَّذَّةَ فَيَصِيرُ لَامِسًا قَوْلُهُ: (وَالْمُبَاشَرَةُ بِالْجَسَدِ لِلَّذَّةِ) حَشْوٌ. (وَ) كَذَلِكَ يَجِبُ الْوُضُوءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُودُهَا أَوْ هُمَا مَعًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةً بِيَجِبُ، وَكَذَا لَوْ عُلِّقَتْ بِالْمُلَامَسَةِ، وَتَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ لِلْعِلَّةِ وَبِاعْتِبَارِ الْوِجْدَانِ لِلْعَاقِبَةِ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَمِنْ الْقَصْدِ حُكْمًا قَصْدُهُ بِاللَّمْسِ الِاخْتِبَارَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى قَصْدِهَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا إنْ قَصَدَ لَمْسًا بِدُونِ اخْتِبَارٍ فَلَا نَقْضَ إلَّا بِوُجُودِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ لِوُجُودِ اللَّذَّةِ إلَخْ] وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْوِجْدَانُ حَالَ اللَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا نَقْضَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَاللَّذَّةِ بِالتَّفَكُّرِ. [قَوْلُهُ: كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا] أَيْ بَالِغًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ [قَوْلُهُ: أَوْ امْرَأَةً] أَيْ بَالِغَةً، وَالْمَلْمُوسُ لَهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى مَا فِي ح. فَقَدْ قَالَ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ لِمِثْلِهَا وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الْمَلْمُوسُ لِلْمَرْأَةِ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: كَانَ الْمَلْمُوسُ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا] أَيْ الْمُتَّصِلَيْنِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَانِ فَلَا نَقْضَ وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ وَمِثْلُهُمَا فِي التَّفْضِيلِ السِّنُّ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ هُنَا كَوْنُهُ بِعُضْوٍ أَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ لَهُ إحْسَاسٌ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَرِ، فَمَتَى حَصَلَ اللَّمْسُ هُنَا بِعُضْوٍ وَلَوْ زَائِدًا لَا إحْسَاسَ لَهُ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ قَصْدٌ أَوْ وِجْدَانٌ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ يَبْعُدُ الثَّانِي هَكَذَا ذَكَرُوا أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا لَمَسَ بِظُفْرِهِ ظُفْرًا أَوْ شَعْرًا فَيَنْقُضُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَأَبْقَاهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ] سَوَاءٌ كَانَ الثَّوْبُ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ اللَّقَانِيُّ، وَلِذَلِكَ اسْتَظْهَرَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَالَ شَيْخُ الشَّارِحِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ التَّقْيِيدُ بِالْخَفِيفِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْبَرْمُونِيُّ: وَالْقَائِلُ بِالْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى نَحْوِ الْقَبَاءِ، وَأَمَّا إذَا وُضِعَ عَلَى الْكَثِيفِ جِدًّا نَحْوَ الطَّرْحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اهـ. وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ خِلَافَهُ كَمَا قَالَ عج، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: خَفِيفٌ وَكَثِيفٌ لَا جِدًّا وَكَثِيفٌ جِدًّا فَالْأَوَّلَانِ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى مَا عَلِمْت، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَالنَّقْضُ فِي الْقَصْدِ دُونَ الْوِجْدَانِ، وَكَلَامُ ابْنِ مَرْزُوقٍ هَذَا يُعْلَمُ تَرْجِيحُهُ مِنْ قَوْلِنَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِي اللَّمْسِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ خَفِيفًا] أَيْ وَهُوَ الَّذِي يُحِسُّ اللَّامِسُ فِيهِ بِرُطُوبَةِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ الْكَثِيفِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ ضَمٌّ وَلَا قَبْضٌ وَإِلَّا فَالنَّقْضُ اتِّفَاقًا حَيْثُ قَصَدَ لَذَّةً، أَوْ وَجَدَهَا قَالَهُ ح [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ اللَّامِسُ رَجُلًا] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّامِسُ امْرَأَةً فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ الِالْتِذَاذُ عَادَةً. [قَوْلُهُ: عَادَةً] أَيْ عَادَةَ النَّاسِ لِإِعَادَةِ اللَّامِسِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ] أَيْ غَيْرِ الْمُطِيقَةِ وَمِثْلُهَا الدَّابَّةُ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَا يَنْتَقِضُ وَلَوْ الْتَذَّ إلَّا الِالْتِذَاذَ بِمَسِّ فَرْجِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الدَّابَّةِ، فَالنَّقْضُ لِاخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ بِالِالْتِذَاذِ بِفَرْجِهِمَا فَإِنَّ عج وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَقْوَالِهِمْ أَجْسَادَ الدَّوَابِّ مِنْ اللَّذَّةِ غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ بِغَيْرِ جَسَدِ آدَمِيَّةِ الْمَاءِ،، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَقْبِيلِ فَمِهَا مَا جَرَى فِي تَقْبِيلِ فَمِ الْإِنْسَانِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَحْرَمُ] ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ مَعَ وُجُودِ اللَّذَّةِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهَا وَمَعَ الْقَصْدِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِقِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْمَحْرَمِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَصْدُهَا لِلْفَاسِقِ فِي الْمَحْرَمِ نَاقِضٌ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْفَاسِقِ مَنْ مِثْلُهُ يَلْتَذُّ بِمَحْرَمِهِ أَيْ ثَبَتَ فِسْقُهُ قَبْلُ لَا بِهَذَا اللَّمْسِ خِلَافًا لعج كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا [قَوْلُهُ: حَشْوٌ] يَرُدُّ مَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ نَاصِرُ الدِّينِ إذَا الْتَقَى الْجِسْمَانِ سُمِّيَ ذَلِكَ

مِنْ (الْقُبْلَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ (لِلَّذَّةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْفَمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى الْفَمِ تَنْقُضُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ غَالِبًا مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ عَلَى قَصْدِ الرَّحْمَةِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الْمَوَدَّةِ، وَأَنَّ الْقُبْلَةَ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ لَا تَنْقُضُ إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا. وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ) أَيْ وَيَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ (مَسِّ الذَّكَرِ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» " وَأَمَّا حَدِيثُ «هَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْكَ» فَضَعِيفٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ مُطْلَقًا، أَعْنِي مَسَّ ذَكَرِ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ مَسَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ الْمُتَّصِلَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا مَسُّهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا مِنْ الْكَمَرَةِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِالْتِقَاءُ مَسًّا، وَإِنْ كَانَ الِالْتِقَاءُ بِالْفَمِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ قُبْلَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْجَسَدِ سُمِّيَ مُبَاشَرَةً، وَإِذَا كَانَ بِالْيَدِ سُمِّيَ لَمْسًا اهـ. وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ أَنَّ الْمَسَّ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّمْسِ وَمِنْ الْقُبْلَةِ وَمِنْ الْمُبَاشَرَةِ قَالَهُ عج، وَأَقُولُ: وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مُبَايِنٌ لِغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ بِخُصُوصِ الْيَدِ وَالْمُبَاشَرَةِ بِالْجَسَدِ اهـ. أَيْ مَا عَدَا الْيَدَ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّقْبِيلِ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْقُبْلَةُ عَلَى فَمِ مَنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً فَلَا نَقْضَ بِتَقْبِيلِ فَمِ صَغِيرَةٍ لَا يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً، وَلَوْ قَصَدَ وَوَجَدَ وَكَذَا لَا نَقْضَ إذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ كَثِيفٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَمِ] وَأَوْلَى النَّقْضُ بِالتَّقْبِيلِ عَلَى فَرْجِ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ نَصَّتْ عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْفَرْجِ أَوْ مَسَّهُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ عَلَى الْخَدِّ فَيَجْرِي عَلَى الْمُلَامَسَةِ [قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُ اللَّذَّةِ] الْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّذَّةُ وَهَذَا صَادِقٌ بِالْقَصْدِ أَوْ الْوِجْدَانِ وَأَوْلَى الْأَمْرَانِ مَعًا كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ [قَوْلُهُ: تَنْقُضُ مُطْلَقًا] قَصَدَ وَوَجَدَ أَمْ لَا، وَلَا يُشْتَرَطُ طَوْعٌ وَلَا عِلْمٌ. فَمَنْ قُبِّلَتْ مُكْرَهَةً أَوْ غَافِلَةً فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا وَكَذَا لَوْ قُبِّلَ غَافِلًا أَوْ مُكْرَهًا. [قَوْلُهُ: غَالِبًا] لَا حَاجَةَ لَهُ مَعَ التَّعْبِيرِ بِالْمَظِنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ دَائِمَةٌ، وَالْغَلَبَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْوُجُودِ بِالْفِعْلِ فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ. [قَوْلُهُ: لِلَّذَّةِ] مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِهِ صَارِفَةً وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ أَيْ صَارِفَةً اللَّذَّةَ [قَوْلُهُ: كَقُبْلَةِ صَغِيرَةٍ] أَيْ صَغِيرَةٍ يُلْتَذُّ بِهَا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ وَخَصَّ الصَّغِيرَةَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهَا أَنْ تُرْحَمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَلَى سَبِيلِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَالْأَجْنَبِيَّةُ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْبِسَاطِيِّ التَّابِعِ لَهُ الشَّارِحُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ النَّقْضِ فِي قَصْدِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ الْتِذَاذٌ [قَوْلُهُ: أَوْ الْمَوَدَّةِ] أَيْ الْمَحَبَّةِ، وَهُوَ يَرْجِعُ لِلرَّحْمَةِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ، وَأَفَادَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ النَّقْضَ بِتَقْبِيلِ الْأَمْرَدِ أَوْ ذِي اللِّحْيَةِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُلْتَذَّ بِهِ لَا إنْ كَانَ شَأْنُهُ عَدَمَ الِالْتِذَاذِ بِهِ فَلَا نَقْضَ. قَالَ ح: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ لِمِثْلِهَا وَالظَّاهِرُ النَّقْضُ اهـ. فَيَكُونُ تَقْبِيلُهَا أَوْلَى إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ الْمُقَبَّلَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهَا عَادَةً. [قَوْلُهُ: إلَّا بِقَصْدِ اللَّذَّةِ] أَيْ مَعَ قَصْدِهَا أَوْ وُجُودِهَا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ وَاَلَّذِي رَجَعَ عَنْهُ عَدَمُ النَّقْضِ بِمَسِّهِ لِلْحَدِيثِ الْآتِي [قَوْلُهُ: «إلَّا بَضْعَةٌ مِنْك» ] بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا فِي الْقَامُوسِ، زَادَ الْعَلْقَمِيُّ وَقَدْ تُضَمُّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ طَلْقٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ هُوَ إلَّا بَضْعَةٌ مِنْهُ» [قَوْلُهُ: مُتَكَلَّمٌ فِيهِ] أَيْ فَقَدْ قَالُوا طَلْقٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ فَيَسْقُطُ حَدِيثُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مُقَابِلًا بِأَنَّهُ إذَا لَمَسَ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْقُضُ كَمَسِّهِ ذَكَرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي فِي الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الدَّفَرِيَّ الْمَالِكِيَّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ حَكَى عَدَمَ الْخِلَافِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِمَسِّ ذَكَرِ الْغَيْرِ، أَيْ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَوْ يَجِدْ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ [قَوْلُهُ: الْمُتَّصِلَ] اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَصِلِ فَلَا نَقْضَ

غَيْرِهَا الْتَذَّ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا مَسُّهُ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ إلَّا إذَا مَسَّهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَوْ بِجَانِبِهِمَا، وَلَوْ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ مُسَاوِيَةٍ لِلْأَصَابِعِ فِي التَّصَرُّفِ وَالْإِحْسَاسِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ مَسَّ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَ مُشْكِلًا نَقَضَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْكِلٍ اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ يَنْقُضُ إذَا مَسَّهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ مُطْلَقًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانَ كَثِيفًا فَلَا نَقْضَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا فَرِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَسَّ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ لَا يَنْقُضُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا أَقْوَى مِنْ الْخِلَافِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَسِّهِ، وَلَوْ الْتَذَّ بِهِ [قَوْلُهُ: الْكَمَرَةِ] الْحَشَفَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَوَّلُهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا يُقَابِلُ الْأَوَّلَ مَا قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ إنْ تَعَمَّدَ تَوَضَّأَ، وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ، وَإِنْ نَسِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمُقَابِلُ الثَّانِي لِابْنِ نَافِعٍ إنْ مَسَّ الْكَمَرَةَ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا، وَمُقَابِلُ الْأَخِيرِ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ: إنْ الْتَذَّ تَوَضَّأَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَاسُّ لِذَكَرِهِ بَالِغًا فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ صَغِيرٍ ذَكَرَهُ. [قَوْلُهُ: بِأَيِّ عُضْوٍ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا تَعَمَّدَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ، لَكِنْ بِشَرْطِ وُجُودِ اللَّذَّةِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِظَاهِرِ إطْلَاقِ شَارِحِنَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَذَّةً فَلَا نَقْضَ عِنْدَهُمْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَ، وَمُرَادُهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَفَادَ هَذَا كُلَّهُ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا مَسَّهُ بِبَاطِنِ إلَخْ] فَلَا نَقْضَ بِمَسِّ ظُفْرٍ وَحْدَهُ طَالَ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: أَوْ بِجَانِبِهِمَا] وَدَخَلَ رَأْسُ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْجَنْبِ [قَوْلُهُ: مُسَاوِيَةٍ لِلْأَصَابِعِ] سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُسَاوَاةُ مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا فَالشَّكُّ فِي الْمُسَاوَاةِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ الْمَذْكُورَةِ دَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَكَذَا خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ، وَظَهَرَ لِلشَّيْخِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الزَّائِدَ الَّذِي فِيهِ إحْسَاسٌ كَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِ غَيْرَهُ قَائِلًا عَلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ جَزْمِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِنَقْضِ وُضُوءِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمَسِّ ذَكَرِهِ إلَخْ. وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَا قَالَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ لَكِنَّ الْمُرَادَ مُسَاوَاتُهَا لِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ بِجَانِبِهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا مُطْلَقُ الْأَصَابِعِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ، أَيْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ لِلْأَصَابِعِ أَيْ جِنْسِ الْأَصَابِعِ الْمُتَحَقِّقِ فِي وَاحِدٍ، وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْأَصَابِعِ فِي مَحَلِّهَا الْمَخْصُوصِ لَهَا عَادَةً، وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ لِلْأَصَابِعِ أَرْبَعَةٌ مَثَلًا أَوْ أَقَلُّ، وَكَانَ وَاحِدٌ بَعِيدًا مُتَمَيِّزًا عَنْهَا بِحَيْثُ يُقَالُ لَهُ: إنَّهُ زَائِدٌ فَيُعْطَى حُكْمَ الزَّائِدِ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِحْسَاسِ فِي الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَيَنْتَقِضُ أَيْضًا بِمَسِّ ذَكَرِهِ الزَّائِدِ أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْسَاسٌ فِيهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ لَا نَقْضَ بِالْمَسِّ بِهَا، وَانْظُرْ مَسَّهُ بِكَفٍّ بِمَنْكِبٍ أَوْ بِيَدٍ زَائِدَةٍ هَلْ يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ أَوْ يَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ فَمَا يَجِبُ غَسْلُهُ يَجْرِي الْمَسُّ بِهِ عَلَى الْمَسِّ بِالْيَدِ الْأَصْلِيَّةِ وَمَا لَا فَلَا. [قَوْلُهُ: الْخُنْثَى] هُوَ الَّذِي لَهُ آلَةُ الرِّجَالِ وَآلَةُ النِّسَاءِ [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُشْكِلًا أَمْ لَا، وَانْظُرْ هَلْ هُنَاكَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ مُوَافِقٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الصَّوَابُ [قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ إلَخْ] فَإِنْ حُكِمَ لَهُ بِالذُّكُورَةِ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: فَلَا نَقْضَ قَوْلًا وَاحِدًا] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ فِيهِ الْخِلَافُ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَاخْتُلِفَ إذَا مَسَّهُ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ خَفِيفًا نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. [قَوْلُهُ: فَرِوَايَتَانِ] فَرُوِيَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ النَّقْضِ] قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْخَفِيفِ مَا كَانَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ [قَوْلُهُ: إنْ مَسَّ الدُّبُرَ إلَخْ] أَيْ دُبُرَ نَفْسِهِ وَكَذَا الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَمَّا دُبُرُ الْغَيْرِ وَأُنْثَيَاهُ فَيَجْرِي عَلَى الْمُلَامَسَةِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَخَرَّجَ حَمْدِيسٌ الدُّبُرَ عَلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ

[ما يجب منه الغسل]

مَسِّ الرَّجُلِ ذَكَرَهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَاخْتُلِفَ فِي مَسِّ الْمَرْأَةِ فَرْجَهَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِذَلِكَ) عَلَى ثَلَاثِ رِوَايَاتٍ، إحْدَاهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ ` وَصَحَّحَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَدَمُ النَّقْضِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ. ثَانِيهَا: النَّقْضُ وَاسْتَظْهَرَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ» ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ لُغَةً الْعَوْرَةُ فَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ. ثَالِثُهَا: لَا نَقْضَ إذَا مَسَّتْ ظَاهِرَهُ، وَالنَّقْضُ إنْ قَبَضَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَلْطَفَتْ، وَالْإِلْطَافُ أَنْ تُدْخِلَ يَدَيْهَا بَيْنَ شُفْرَيْهَا وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِمَّا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَأَمَّا مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ فَخَمْسَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ: الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجِبُ الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ (مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ خُرُوجِ الْمَاءِ) أَيْ الْمَنِيِّ (الدَّافِقِ) بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ أَيْ الْمَصْبُوبِ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ (لِ) أَجْلِ حُصُولِ الـ (لَّذَّةِ) ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَحْنُونَ وَابْنِ شَعْبَانَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَهُ، أَمَّا إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ أَوْ لِلَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ كَمَنْ حَكَّ لِجَرَبٍ فَأَنْزَلَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْغُسْلِ فَهَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ قَوْلَانِ. نَسَبَ بَهْرَامُ الْأَوَّلَ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ هَذَا الْخَارِجَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْكُبْرَى، فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْكُبْرَى فَلَا أَقَلَّ مِنْ الصُّغْرَى، وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ لِلَّذَّةِ مُوجِبٌ الْغُسْلَ سَوَاءٌ حَصَلَ (فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQضَعِيفٌ، وَقَضِيَّةُ الشَّارِحِ أَنَّ فِي مَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ، وَفِي كَلَامِ بَهْرَامَ مَا يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إلَّا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي مَعْنَى الْفَرْجِ عِنْدَهُ [قَوْلُهُ: عَدَمُ النَّقْضِ] أَيْ مُطْلَقًا قَبَضَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا أَلْطَفَتْ أَمْ لَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ] اللَّقَبُ هُوَ الِاسْمُ الْجَامِدُ لَا الصِّفَةُ، أَيْ فَمَفْهُومُ الصِّفَةِ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ وَصِفَةٍ كَالْعِلْمِ مُعْتَبَرٌ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ لَا يُعْتَبَرُ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا إلَخْ] اُخْتُلِفَ هَلْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَيَكُونُ خِلَافًا أَوْ الثَّالِثُ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: إذَا مَسَّتْ ظَاهِرَهُ] أَيْ بِدُونِ قَبْضٍ [قَوْلُهُ: يَدَيْهَا] بِالتَّثْنِيَةِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالتَّحْقِيقِ وَفِي نُسْخَةٍ يَدَهَا بِالْإِفْرَادِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ وَالتَّثْنِيَةُ أَحْسَنُ لِإِفَادَتِهَا إذَا كَانَتْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ لَا نَقْضَ بِالْأَوْلَى، وَفِي بَهْرَامَ إصْبَعَيْهَا، وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيُّ تَعْيِينُهُ فِي الْمُقَابِلِ لِلْمُعْتَمَدِ إذْ مَا قَبْلَهُ يُوهِمُ أَنَّ إدْخَالَ أُصْبُعٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ لَا يَنْقُضُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فِيمَا يَظْهَرُ [مَا يَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ] [قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَ] بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ، وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَلَا حَذْفَ [قَوْلُهُ: فَخَمْسَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ] إشَارَةٌ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي الِاسْتِحَاضَةِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: الْمَصْبُوبِ دَفْعَةً إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ الْمَدْفُوقِ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ حُصُولِ اللَّذَّةِ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلْخُرُوجِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِهِ اللَّذَّةُ. [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَادَةً إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي الْيَقَظَةِ، وَأَمَّا فِي النَّوْمِ فَلَا تُشْتَرَطُ اللَّذَّةُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مُعْتَادَةً، فَمَنْ انْتَبَهَ فَوَجَدَ بَلَلًا جَزَمَ أَوْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ حَيْثُ كَانَ شَكُّهُ بَيْنَ الْمَنِيِّ وَبَيْنَ وَاحِدٍ فَقَطْ كَمَذْيٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، فَلَوْ دَارَ شَكُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اثْنَيْنِ غَيْرِهِ كَمَذْيٍ وَبَوْلٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ] كَأَنْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَأَمْنَى أَوْ ضُرِبَ فَأَمْنَى [قَوْلُهُ: كَمَنْ حَكَّ لِجَرَبٍ إلَخْ] مِثَالٌ لِلَّذَّةِ غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ، وَمِثْلُهُ لَوْ هَزَّتْهُ دَابَّةٌ أَوْ نَزَلَ فِي مَاءٍ حَارٍّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا أَنْ يُحِسَّ بِمَبَادِئِ اللَّذَّةِ وَيَسْتَدِيمَهَا بِهَزِّ الدَّابَّةِ فَيُمْنِيَ فَيَجِبَ عَلَيْهِ قَالَ عج: وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا تَمَادَى اخْتِيَارًا، وَأَمَّا إذَا اضْطَرَّ إلَى التَّمَادِي كَمَا إذَا عَجَزَ عَنْ النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ لَا حَرَّرَهُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: فَلَا أَقَلَّ مِنْ الصُّغْرَى] أَيْ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الصُّغْرَى يُؤَثِّرُ فِيهِ أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ أَقَلُّ مِنْ الصُّغْرَى فَيُؤَثِّرُ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثَّرُ فِيهِ الصُّغْرَى [قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ لِلَّذَّةِ] أَيْ الْمُعْتَادَةِ تَقَدَّمَ أَنَّ

نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَلَا يَجُوزُ سُكُونُهَا ضِدُّ النَّوْمِ (مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ خُرُوجِهِ لِلَّذَّةِ أَنْ تَكُونَ اللَّذَّةُ مُقَارِنَةً لِلْخُرُوجِ، فَقَدْ يَجِبُ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ، مِثْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَيَلْتَذَّ، وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ، أَوْ يَلْتَذَّ بِغَيْرِ جِمَاعٍ ثُمَّ يَخْرُجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بَعْدَ ذَهَابِهَا جُمْلَةً، وَلَمْ يَغْتَسِلْ عِنْدَ اللَّذَّةِ. وَوُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ خَرَجَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْغُسْلُ. ثَانِيًا: لِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ لِجَنَابَتِهِ وَالْجَنَابَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَتَكَرَّرُ الْغُسْلُ لَهَا، وَهَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَالْمُوجِبُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضَةِ) ع: صَوَابُهُ دَمُ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ أَعَمُّ مِنْ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ إذَا تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ وَتَأَخَّرَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ، وَالْحَيْضُ شَرْعًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِنَفْسِهِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْمُمْكِنِ حَمْلُهَا عَادَةً غَيْرَ زَائِدَةٍ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا وِلَادَةٍ، اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ الْخَارِجِ بِجُرْحٍ وَنَحْوِهِ وَمِنْ الْفَرْجِ مِنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجِ كَالدُّبُرِ، وَبِالْمُمْكِنِ حَمْلُهَا عَادَةً مِنْ الْخَارِجِ مِنْ الصَّغِيرَةِ كَبِنْتِ سَبْعِ سِنِينَ وَالْيَائِسَةِ كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: خَمْسِينَ وَبِغَيْرِ زَائِدٍ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّوْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اللَّذَّةُ الْمُعْتَادَةُ [قَوْلُهُ: مِنْ خُرُوجِهِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ خُرُوجِهِ [قَوْلُهُ: لِلَّذَّةِ] أَيْ خُرُوجِهِ لِأَجْلِ اللَّذَّةِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ إلَخْ] الْأَفْصَحُ أَنْ يَقُولَ: أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ مُقَارِنًا لِلَّذَّةِ [قَوْلُهُ: لِخُرُوجِهِ] أَيْ لِأَجْلِ خُرُوجِهِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ] أَيْ الْخُرُوجِ الْكَائِنِ بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَيَلْتَذَّ إلَخْ] تَمْثِيلٌ لِلْخُرُوجِ الَّذِي أَوْجَبَ الْغُسْلَ بَعْدَ ذَهَابِ اللَّذَّةِ أَيْ الْحَاصِلَةِ بِالْجِمَاعِ هَذَا مُفَادُهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الَّذِي أَوْجَبَ الْغُسْلَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الْجِمَاعُ [قَوْلُهُ: فَيَلْتَذَّ] هَذَا لَازِمٌ لِلْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَا ذَكَرَ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَذَّ [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ الْجِمَاعُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَغْتَسِلْ عِنْدَ اللَّذَّةِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ اغْتَسَلَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْغُسْلِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ حِينَئِذٍ مَا يُوجِبُهُ فَهُوَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أَصْلًا كَمَا قَرَّرْنَا. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ الْوُجُوبُ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ دَمُ الْحَيْضِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ بِأَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْحَيْضَةِ الْحَيْضَ [قَوْلُهُ: إذَا تَقَدَّمَهَا إلَخْ] فَأَوَّلُ دَمٍ خَرَجَ مِنْهَا لَا يُقَالُ فِيهِ حَيْضَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ حَيْضٌ وَكَذَا آخِرُ دَمٍ [قَوْلُهُ: وَالْحَيْضُ] شَرْعًا وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ السَّيَلَانُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ، وَأَلْ فِي الْحَيْضِ لِلْحَقِيقَةِ وَالطَّبِيعَةِ [قَوْلُهُ: الدَّمُ] وَمِثْلُهُ الصَّرَّةُ وَالْكُدْرَةُ وَسَيَأْتِيَانِ [قَوْلُهُ: بِجُرْحٍ] أَيْ فِي الْفَرْجِ، وَأَمَّا فِي الْجَسَدِ فَلَا يُتَوَهَّمُ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] أَيْ كَالْخَارِجِ بِدَوَاءٍ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، وَفِيهِ يَكُونُ حَيْضًا مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ. وَقَدْ سُئِلَ الْمَنُوفِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ عَالَجَتْ دَمَ الْحَيْضِ حَتَّى أَتَاهَا هَلْ تَبْرَأُ بِهِ مِنْ الْعِدَّةِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ، وَتَوَقَّفَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ: وَإِنَّمَا قَالَ الظَّاهِرُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ اسْتِعْجَالَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْحَيْضِ كَإِسْهَالِ الْبَطْنِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ إسْهَالَ الْبَطْنِ لَا يُخْرِجُ الشَّيْءَ عَنْ كَوْنِهِ خَارِجًا مُعْتَادًا، وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِقَوْلِهِ: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ بَيِّنٌ فَإِنَّ الْحَدَثَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي مَفْهُومِهِ خُرُوجُهُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ، وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّهَا تَتْرُكُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ حَيْضٌ وَتَقْضِيهِمَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ حَيْضٍ. [قَوْلُهُ: كَبِنْتِ سَبْعِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ بِنْتَ ثَمَانٍ يُحْكَمُ بِأَنَّ دَمَهَا حَيْضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مُنْتَهَى الصِّغَرِ تِسْعٌ، وَهَلْ أَوَّلُهَا أَوْ وَسَطُهَا أَوْ آخِرُهَا أَقْوَالٌ، فَالْمُرَاهَقَةُ وَمَا فَوْقَهَا إلَى خَمْسِينَ حَيْضٌ قَطْعًا، وَمَا دُونَهَا إلَى تِسْعٍ الْخَارِجُ حَيْضٌ حَيْثُ يُمْكِنُ حَمْلُهَا أَيْ لَمْ يَقْطَعْ النِّسَاءُ بِعَدَمِهِ بِأَنْ قَطَعْنَ بِإِمْكَانِ حَمْلِهَا أَوْ شَكَكْنَ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا، فَإِنْ قَطَعْنَ بِعَدَمِهِ فَلَيْسَ دَمَ حَيْضٍ كَبِنْتِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ إلَى تِسْعٍ. [قَوْلُهُ: كَبِنْتِ سَبْعِينَ] وَهَذِهِ

يَوْمًا مِمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً وَبِغَيْرِ مَرَضٍ مِنْ الْخَارِجِ بِسَبَبِ مَرَضٍ غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَبِلَا وِلَادَةٍ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَفِي الْمُوَطَّإِ «مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي.» " وَالْمُوجِبُ الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (أَوْ) دَمِ (الِاسْتِحَاضَةِ) ع: اُنْظُرْ كَيْفَ أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ انْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوُهُ فِي ك. وَقَالَ ج: اُخْتُلِفَ فِي انْقِطَاعِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: لَا أَثَرَ لَهُ، وَقِيلَ: تَطْهُرُ مِنْهُ اسْتِحْبَابًا، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: إنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْهُ وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ الْبَاجِيِّ. قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً تَغْتَسِلُ وَمَرَّةً لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَحْتَاجُ لِسُؤَالِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا بِنْتُ خَمْسِينَ إلَى السَّبْعِينَ فَالْخَارِجُ مِنْهَا حَيْضٌ إنْ قَطَعَتْ النِّسَاءُ أَوْ شَكَكْنَ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا، فَإِنْ قَطَعْنَ بِعَدَمِهِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ لَنَا خَمْسَةَ أَحْوَالٍ دُونَ التِّسْعِ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَطْعًا وَالتِّسْعُ إلَى الْمُرَاهَقَةِ يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَمِنْ الْمُرَاهَقَةِ إلَى الْخَمْسِينَ حَيْضٌ قَطْعًا، وَمِنْ الْخَمْسِينَ يُسْأَلُ النِّسَاءُ وَمِنْ السَّبْعِينَ إلَى مَا فَوْقُ لَيْسَ بِحَيْضٍ قَطْعًا [قَوْلُهُ: وَقِيلَ خَمْسِينَ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: مِمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ] وَكَذَا مَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَأَيَّامِ الِاسْتِظْهَارِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَأَوْرَدَ أَيْضًا أَنَّ حَيْضَ الْحَامِلِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا حَدٌّ لِلْغَالِبِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ كَمَا ذَكَرُوا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَيْ بَعْدَ أَيَّامِ عَادَتِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ خَلَلٍ فِي الْبَدَنِ الَّذِي هُوَ مَرَضٌ فِيهِ، فَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ هُوَ الدَّمُ الْمَذْكُورُ النَّاشِئُ عَنْ مَرَضٍ، فَقَدْ قَالَ زَرُّوقٌ: وَالِاسْتِحَاضَةُ الدَّمُ الْجَارِي عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ عِلَّةٍ انْتَهَى. وَظَاهِرُهُ أَيُّ مَرَضٍ كَانَ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِلْفَاكِهَانِيِّ، وَمُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّتَّائِيِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَبِلَا وِلَادَةٍ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ وَإِلَّا فَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ [قَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: فَعَلَى التَّشْدِيدِ يَغْتَسِلْنَ وَأَصْلُهُ يَتَطَهَّرْنَ وَعَلَى التَّخْفِيفِ يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ انْتَهَى. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ قِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ [قَوْلُهُ: بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ] بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى [قَوْلُهُ: «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ» ] فَقَدْ قَالَتْ: «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» [قَوْلُهُ: أَوْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ دَمٍ هُوَ الِاسْتِحَاضَةُ فَإِذَا كَانَ الْحَالُ مَا ذَكَرَ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْدِيرِ الشَّارِحِ إلَّا مُجَارَاةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ إلَخْ] سَيَأْتِي رَدُّهُ كَمَا فِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ فِي الْفَاكِهَانِيِّ] أَيْ نَحْوُ الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْفَاكِهَانِيِّ [قَوْلُهُ: فَقِيلَ لَا أَثَرَ لَهُ] أَيْ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْغُسْلُ؛ لِأَنَّهَا طَاهِرٌ، وَلَيْسَ ثَمَّ مُوجِبٌ وَلِأَنَّهُ دَمُ عِلَّةٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنْ الدُّبُرِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَطْهُرُ مِنْهُ اسْتِحْبَابًا] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَشَارَ لَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: لَا بِاسْتِحَاضَةٍ وَنُدِبَ لِانْقِطَاعِهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مَالِكٌ] أَيْ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَا تَغْتَسِلُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَطَّابُ وَعَلَّلَ الِاسْتِحْبَابَ بِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ دَمٍ غَالِبًا [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] مَعْمُولٌ لِنَقْلٍ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَصْدَرَ وَبَدَلٌ مِنْهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْمَنْقُولَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْنَا كَلَامُ زَرُّوقٍ [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ مَرَّةً تَغْتَسِلُ إلَخْ] فَظَاهِرُ هَذَا الْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: وَمَرَّةً لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهَا] يَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوُجُوبِ فَلَا يُنَافِي الِاسْتِحْبَابَ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُحْتَمَلُ لَيْسَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا فَيَكُونُ عَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَالْمُوجِبُ الرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) انْقِطَاعِ دَمِ (النِّفَاسِ) بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ لُغَةً وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ لَا نَفْسُ الدَّمِ، وَشَرْعًا الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ عَلَى جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْعَادَةِ، فَاحْتُرِزَ بِالْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَنْ الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَجْلِ الْوِلَادَةِ عَنْ الْخَارِجِ لِغَيْرِهَا كَدَمِ الْحَيْضِ وَالْجُرْحِ وَبِجِهَةِ الصِّحَّةِ وَالْعَادَةِ عَنْ الْخَارِجِ فِيمَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ النِّفَاسِ وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا، وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ. ك: دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَحْمَرُ رَقِيقٌ وَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَسْوَدُ كَدِرٌ. وَالْمُوجِبُ الْخَامِسُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ) وَهِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ وَهِيَ الْكَمَرَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهَا الْفَيْشَةَ وَالْفَيْشَلَةَ يُرِيدُ أَنَّ تَغْيِيبَهَا كُلِّهَا أَوْ قَدْرِهَا مِنْ عَسِيبِ الْمَقْطُوعِ الْحَشَفَةُ مِنْ الْبَالِغِ بِانْتِشَارٍ أَوْ غَيْرِهِ لَفَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَاسِعٌ] أَيْ جَائِزٌ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا. [قَوْلُهُ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّيْخِ] هَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي أَيْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَالَ قَوْلًا مَنْقُولًا فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي الِاعْتِرَاضُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ضَعِيفًا [قَوْلُهُ: وَالْمُوجِبُ الرَّابِعُ إلَخْ] قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا جَافًّا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلٌ وَاسْتُظْهِرَ مُقَابِلُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: دَمِ النِّفَاسِ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ قَوْلُهُ: وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا دَمٌ أَمْ لَا قَوْلُهُ: وَشَرْعًا الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ الْفَرْجِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَيْهِ تَكُونُ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَلَوْ عَطَفَ النِّفَاسَ عَلَى خُرُوجِ الْمَاءِ إلَخْ، وَفَسَّرُوا النِّفَاسَ بِتَنَفُّسِ الْمَرْأَةِ بِالْوَلَدِ، ثُمَّ يُفَصِّلُونَ فِي ذَلِكَ الدَّمَ عَلَى تَقْدِيرِ خُرُوجِهِ بَيْنَ أَنْ يُلَازِمَ سِتِّينَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكَانَ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَكَانَتْ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِمْ دَمِ النِّفَاسِ حَقِيقَةً، وَأَفَادَ الْغُسْلَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا دَمٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ] بَعْدَهَا اتِّفَاقًا أَوْ مَعَهَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَوْ قَبْلَهَا لِأَجْلِهَا عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوحٍ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ حَيْضٌ قَالَ عج: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي كَوْنِهِ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ أَمْ لَا لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ دَمًا وَتَمَادَى بِهَا حَتَّى زَادَ عَلَى الْحَدِّ الْمُعْتَادِ لَهَا، وَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً ثُمَّ وَلَدَتْ فَهَلْ يَكُونُ نِفَاسًا أَوْ اسْتِحَاضَةً؟ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا إذَا رَأَتْ دَمًا قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِأَجْلِ الْوِلَادَةِ، فَعَلَى الْمَرْجُوحِ تَحْسُبُ السِّتِّينَ مِنْ مَبْدَأِ خُرُوجِهِ وَعَلَى الرَّاجِحِ تَحْسُبُهَا مِنْ الْخُرُوجِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الدَّمُ دَمَ حَيْضٍ. تَنْبِيهٌ: الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ نَفْسُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَأَمَّا انْقِطَاعُهُمَا فَشَرْطُ صِحَّةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَيْضَ سَبَبٌ بَعِيدٌ وَالِانْقِطَاعَ سَبَبٌ قَرِيبٌ. [قَوْلُهُ: وَالْعَادَةِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ] لَمْ يَقُلْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ لِعَدَمِ نَصٍّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِوُجُوبِهِ [قَوْلُهُ: كَدِرٌ] أَيْ لَيْسَ لَهُ صَفَاءٌ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، فَإِذَا كَانَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَا يَدُلُّ خُرُوجُهُ عَلَى رَاحَةِ الْبَدَنِ، وَحَيْثُ كَانَ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَدُلُّ خُرُوجُهُ عَلَى رَاحَةِ الْبَدَنِ [قَوْلُهُ: الْفَيْشَةَ] رَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ بِالضَّبْطِ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَأَمَّا الْفَيْشَلَةُ فَهِيَ بِسُكُونِ الْيَاءِ كَمَا رَأَيْته بِضَبْطٍ فِي الْقَامُوسِ، وَذَكَرَ فِي كُتُبِ النَّحْوِ أَنَّ الْفَيْشَةَ الَّتِي هِيَ الْكَمَرَةُ زِيدَتْ اللَّامُ فِيهَا فَقِيلَ لَهَا الْفَيْشَلَةُ [قَوْلُهُ: يُرِيدُ أَنَّ تَغْيِيبَهَا كُلِّهَا] أَيْ فِي مَحَلِّ الِافْتِضَاضِ أَوْ فِي مَحَلِّ الْبَوْلِ، فَلَوْ غَيَّبَهَا بَيْنَ الشُّفْرَيْنِ أَوْ فِي هَوَاءِ الْفَرْجِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ لِعَدَمِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ. وَقَالَ: كُلُّهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَغْيِيبَ بَعْضِهَا وَلَوْ الثُّلُثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَغْوٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّغْيِيبُ مِنْ ذَكَرٍ مُحَقَّقٍ أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ [قَوْلُهُ: مِنْ عَسِيبِ] الْمَقْطُوعِ الْعَسِيبُ مَا عَدَا الْحَشَفَةَ مِنْ قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ

عَلَيْهَا خِرْقَةً أَمْ لَا (فِي الْفَرْجِ) سَوَاءٌ كَانَ فَرْجَ آدَمِيَّةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ أَوْ فِي الدُّبُرِ مِنْ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ (إنْ لَمْ يُنْزِلْ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَمُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» ". وَهَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أُعْجِلْت أَوْ أُقْحِطَتْ فَلَا غُسْلَ» ". وَلِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» ثُمَّ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ أَشْيَاءَ يُوجِبُهَا مَغِيبُ الْحَشَفَةِ فَقَالَ: (وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ) يُوجِبُ نَحْوَ سِتِّينَ حُكْمًا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا سَبْعَةً. أَحَدُهَا: مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّهُ (يُوجِبُ الْغُسْلَ) أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَشَفَةِ مَنْ قُطِعَتْ حَشَفَتُهُ إنْ عُرِفَتْ، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ اُحْتِيطَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَاعَى حَشَفَةُ مُمَاثِلِهِ خِلْقَةً كَمَا قَالَ عج: أَقُولُ وَيَجْرِي هَذَا الِاسْتِظْهَارُ فِيمَنْ لَمْ تُخْلَقْ لَهُ حَشَفَةٌ إذْ لَا مَفْهُومَ لِعَسِيبٍ إلَخْ. بَلْ مِثْلُهُ مَنْ لَمْ تُخْلَقْ لَهُ حَشَفَةٌ أَوْ خُلِقَتْ لَهُ وَلَمْ تُقْطَعْ وَثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ مِنْهُ قَدْرَهَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ طُولُهَا لَوْ انْفَرَدَ لَا طُولُهَا مَثْنِيًّا، فَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْحَشَفَةُ فِي ذَكَرٍ وَاحِدٍ فَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ احْتِيَاطًا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْبَالِغِ] لَا مِنْ الصَّبِيِّ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَوْطُوءَتِهِ الْبَالِغَةِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَوْ مُرَاهِقًا عَلَى مَا قَالَهُ عج، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُنْدَبُ لَهَا، وَكَذَا لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ فَقَطْ حَيْثُ بَلَغَ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَأَوْلَى الْمُرَاهِقُ حَيْثُ وَطِئَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطِيقَةً أَوْ كَبِيرَةً أَوْ وَطِئَهُ غَيْرُهُ، وَيُنْدَبُ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي وَطِئَهَا الْبَالِغُ حَيْثُ كَانَتْ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَاشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ مِنْ الْفَاعِلِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ خَاصٌّ بِالْآدَمِيِّ، فَمَنْ أَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ غَيْرِ بَالِغَةٍ فِي فَرْجِهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ حَيْثُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بَالِغَةً وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ. [قَوْلُهُ: لَفَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً] أَيْ خَفِيفَةً لَا كَثِيفَةً فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ إنْزَالٌ فَيَجِبُ الْغُسْلُ لَهُ، وَالْخَفِيفَةُ مَا يَحْصُلُ مَعَهَا اللَّذَّةُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فَرْجَ آدَمِيَّةٍ] وَلَوْ فَرْجَ خُنْثَى مُشْكِلٍ. [قَوْلُهُ: حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً] أَيْ كَانَتْ الْآدَمِيَّةُ أَوْ الْبَهِيمَةُ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً بِشَرْطِ الطَّاقَةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ إنْزَالٌ وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتَةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، فَإِنْ قُلْت هُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ حِينَ غُسِّلَ أَوْ لَا؟ قُلْنَا: إنَّهُ تَعَبُّدٌ، وَلَوْ غَيَّبَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ أَوْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ مَيِّتَةٍ فَإِنْ أَنْزَلَتْ وَجَبَ الْغُسْلُ لِلْإِنْزَالِ لَا لِلتَّغْيِيبِ، فَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ يُنْقَضُ وُضُوءُهَا اُنْظُرْ عج. وَتُعْتَبَرُ الطَّاقَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُغَيِّبِ وَالْمُغَيَّبِ فِيهِ فَرُبَّ مُطِيقَةٍ أَوْ مُطِيقٍ حَشَفَةَ شَخْصٍ لِصِغَرِهَا دُونَ حَشَفَةِ آخَرَ لِكِبَرِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي الدُّبُرِ] أَيْ بِشَرْطِ الطَّاقَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَفْعُولِ فِي دُبُرِهِ حَيْثُ كَانَ بَالِغًا لِحَمْلِهِ عَلَى الْفَاعِلِ فِي الْحَدِّ وَالْغُسْلُ أَحْرَى. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي فَرْجٍ شُمُولُهُ لِفَرْجِ نَفْسِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَنَظَرَ فِي الثُّقْبَةِ فَقَالَ: وَانْظُرْ فِي حُكْمِ إغَابَتِهَا فِي الثُّقْبَةِ حُكْمُ إغَابَتِهَا فِي الْفَرْجِ اهـ. وَالظَّاهِرُ لَا [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ [قَوْلُهُ: إذَا «جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ» ] الْمُرَادُ نَوَاحِي الْفَرْجِ الْأَرْبَعُ، وَقِيلَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ، وَقِيلَ: الرِّجْلَانِ وَالْفَخِذَانِ، وَقِيلَ: الرِّجْلَانِ وَالشُّفْرَانِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ جَهَدَهَا] بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ إذَا بَلَغَ جُهْدَهُ كِنَايَةً عَنْ مُعَالَجَةِ الْإِيلَاجِ أَيْ جَامَعَهَا، وَإِنَّمَا كَنَّى بِذَلِكَ لِلتَّنَزُّهِ عَمَّا يَفْحُشُ ذِكْرُهُ صَرِيحًا. [قَوْلُهُ: إذَا أُعْجِلْت أَوْ أُقْحِطَتْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهِمَا أَيْ إذَا أَعْجَلَك شَيْءٌ عَنْ الْإِنْزَالِ فَلَمْ تُنْزِلْ، وَمَعْنَى الثَّانِي إذَا فَتَرَ الْمَنِيُّ، وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ أَقْحَطْ النَّاسِ إذَا لَمْ يُمْطِرُوا كَمَا فِي النِّهَايَةِ [قَوْلُهُ: وَلِمَا رُوِيَ] أَيْ وَنَاسِخٌ لِمَا رُوِيَ إلَخْ [قَوْلُهُ: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» ] أَيْ إنَّمَا الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ أَجْلِ الْمَاءِ، أَيْ فَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا جَامَعَ وَلَمْ يُنْزِلْ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ الصَّوَابَ حَمْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى النَّوْمِ كَمَا حَمَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْمَاءَيْنِ فَهُوَ مُطْلَقٌ فِي الْحَالَيْنِ النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ، فَحَمْلُهُ عَلَى النَّوْمِ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّسْخِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. [قَوْلُهُ: أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ إلَخْ] الْأَوْلَى أَعَادَهُ لِجَمْعِ النَّظَائِرِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى

مَا بَعْدَهُ. (وَ) ثَانِيهَا: أَنَّهُ (يُوجِبُ الْحَدَّ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا، عَلَى الزَّانِي وَحَدَّ اللِّوَاطِ عَلَى اللَّائِطِ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِهِ. (وَ) ثَالِثُهَا: أَنَّهُ (يُوجِبُ الصَّدَاقَ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ. ج: يُرِيدُ كَمَالَ الصَّدَاقِ، وَإِلَّا فَالنِّصْفُ حَاصِلٌ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَالْمَرْأَةُ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا (وَ) رَابِعُهَا: أَنَّهُ (يُحَصِّنُ الزَّوْجَيْنِ) وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ بِشُرُوطٍ تُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَ) خَامِسُهَا: أَنَّهُ (يُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا) وَهُوَ حُرٌّ، وَأَمَّا مُطَلَّقَةُ الْعَبْدِ فَيُحِلُّهَا إذَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ، وَلِذَلِكَ شُرُوطٌ تُذْكَرُ فِي مَحَلِّهَا (وَ) سَادِسُهَا: أَنَّهُ (يُفْسِدُ الْحَجَّ) فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا عَمْدًا كَانَ أَوْ نِسْيَانًا إذَا وَقَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَتَمَادَى عَلَى حَجِّهِ وَيَقْضِيهِ مِنْ قَابِلٍ وَيُهْدِي. (وَ) سَابِعُهَا: أَنَّهُ (يُفْسِدُ الصَّوْمَ) فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا عَمْدًا كَانَ أَوْ نِسْيَانًا وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْفَرْضِ إنْ تَعَمَّدَ، وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ فَقَطْ كَمُتَعَمِّدٍ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ انْقِطَاعَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا يُعْلَمُ بِهِ انْقِطَاعُهُ فَقَالَ: (إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تَطَهَّرَتْ وَكَذَلِكَ إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: يُوجِبُ الْحَدَّ] أَيْ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الزَّانِي إلَخْ. أَيْ الطَّائِعِ اتِّفَاقًا وَالْمُكْرَهِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، يُرِيدُ وَلَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، هَذَا إنْ لَمْ يَلُفَّ عَلَى حَشَفَتِهِ خِرْقَةً كَثِيفَةً، وَإِلَّا فَلَا قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ بَلْ أَوْلَى، وَأَمَّا بِحَائِلٍ خَفِيفٍ فَهَلْ يُقَالُ لَا حَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالْمُشَبَّهَاتِ. [قَوْلُهُ: وَحَدَّ اللِّوَاطِ إلَخْ] هُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي دُبُرِ الذَّكَرِ وَحَدُّهُ الرَّجْمُ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ بَالِغًا، وَأَمَّا فِي دُبُرِ أُنْثَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الزِّنَا فَيُجْلَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْصَنًا فَيُرْجَمَ، وَأَمَّا فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ فَيُؤَدَّبَ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالطَّوْعُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ كَمَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الزَّانِي وَعَلَى اللَّائِطِ يُوجِبُهُ عَلَى الْمَزْنِيِّ بِهَا وَعَلَى الْمَلُوطِ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الصَّدَاقُ] وَلَوْ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ وَلَوْ فِي دُبُرِهَا أَوْ زَمَنِ حَيْضِهَا، وَكَمَا يُوجِبُ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ يُوجِبُهُ عَلَى الْوَاطِئِ الْغَالِطِ بِغَيْرِ الْعَالِمَةِ، وَكَذَا عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ حَيْثُ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا وَيَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ بِتَعَدُّدِ الْوَطَآتِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ. وَفِي الْأُولَى إذَا تَعَدَّدَتْ الشُّبْهَةُ كَمَا إذَا ظَنَّهَا فِي الْأُولَى زَوْجَتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ أَمَتَهُ، وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَتْ فَعَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ كَمَا إذَا وَطِئَهَا أَوَّلًا يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ فَاطِمَةَ وَثَانِيًا زَوْجَتَهُ زَيْنَبَ وَهَكَذَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِالتَّزْوِيجِ نَوْعٌ، وَمَا كَانَ بِالْمِلْكِ نَوْعٌ آخَرُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً طَائِعَةً عَالِمَةً فَلَا صَدَاقَ لَهَا. [قَوْلُهُ: وَهَذَا إذْ كَانَا بَالِغَيْنِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ بَالِغًا وَالْمَوْطُوءَةُ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَجٌ، وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا صَدَاقَ لَهَا كَامِلًا، وَإِنَّمَا لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ خَاصَّةً اهـ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ] غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِشَارِ [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ] أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ إنْ صَحَّ نِكَاحُهُمَا اللَّازِمُ كَمَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا] أَيْ بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَأَمَّا تَحْصِينُ الزَّوْجَيْنِ وَحِلُّ الْمُطَلَّقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْتِشَارِ. قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَحْصُلُ تَحْصِينُ الزَّوْجَيْنِ وَحِلُّ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا بِتَغْيِيبِهَا مَلْفُوفًا عَلَيْهِ حَائِلٌ كَثِيفٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ بِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَانْظُرْ هَلْ الْحَائِلُ الْخَفِيفُ كَالْكَشْفِ أَوْ يُقَالُ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: فِي يَوْمِ النَّحْرِ] أَيْ أَوْ قَبْلَهُ بِأَنْ وَقَعَ لَيْلَةَ مُزْدَلِفَةَ [قَوْلُهُ: وَيُفْسِدُ الصَّوْمَ] أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: فِي الْفَرْضِ] هَذَا مَخْصُوصٌ بِرَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَأَمَّا قَضَاؤُهُ فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فِي الْعَمْدِ إنَّمَا فِيهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ [قَوْلُهُ: كَمُتَعَمِّدٍ إلَخْ] أَيْ مُتَعَمِّدِ الْجِمَاعِ فِي النَّفْلِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا إنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا [قَوْله: انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا يُعْلَمُ بِهِ انْقِطَاعُهُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَعَ أَنَّ مَا سَيَأْتِي إنَّمَا ذَكَرُوهُ عَلَامَةً لِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ وَعِبَارَةُ تت سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَمَّا قَدَّمَ وُجُوبَ

تَطَهَّرَتْ) عِيَاضٌ الْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَاءٌ أَبْيَضُ يَكُونُ آخِرَ الْحَيْضِ، وَبِهِ تَسْتَبِينُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَسُمِّيَتْ قَصَّةً لِشَبَهِهَا بِالْقَصَّةِ، وَهُوَ الْجِيرُ لِبَيَاضِهَا، وَالْجُفُوفُ وَالْجَفَافُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَصْدَرَانِ مِنْ جَفَّ الشَّيْءُ يَجِفُّ جُفُوفًا وَجَفَافًا وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْخِرْقَةَ أَوْ الْقُطْنَةَ فِي فَرْجِهَا فَتُخْرِجَهَا جَافَّةً لَا بَلَلَ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَصَّةُ أَبْلَغُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: الْجُفُوفُ أَبْلَغُ وَثَمَرَةُ هَذَا الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمُعْتَادَةِ لِإِحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَصَّةُ أَبْلَغُ إذَا رَأَتْ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، وَإِذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا رَأَتْ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ، وَإِذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ، وَعَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ: إذَا رَأَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ عَمِلْت عَلَيْهَا وَلَا تَنْتَظِرُ الْأُخْرَى، وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ، وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهُرَتْ، وَلَمْ يَقُلْ إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ قَلِيلًا خَلِيلٌ: وَمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَاضِحٌ إنْ كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا رَأَتْ الْجُفُوفَ وَلَمْ تَرَ الْقَصَّةَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ أَنَّهَا رَأَتْ الْقَصَّةَ تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ فَإِيرَادُ الْبَاجِيِّ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغُسْلِ بِانْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ شَرَعَ فِي بَيَانِ عَلَامَةِ انْقِطَاعِهِ، فَقَالَ إلَخْ وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ عِيَاضٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: تَسْتَبِينُ إلَخْ] أَيْ تَظْهَرُ [قَوْلُهُ: بَرَاءَةُ الرَّحِمِ] أَيْ مِنْ الْحَيْضِ [قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ قَصَّةً] الْأَوْضَحُ وَسُمِّيَ أَيْ الْمَاءُ الْمَذْكُورُ قَصَّةً لِشَبَهِهِ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجِيرُ] أَيْ أَنَّ الْقَصَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْجِيرِ، فَحَاصِلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ أَنَّ الْقَصَّةَ حَقِيقَةٌ فِي الْجِيرِ، وَأُطْلِقَتْ مَجَازًا عَلَى الْمَاءِ الْمَذْكُورِ، وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ هَذَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ صَارَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي الْمَاءِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: مِنْ جَفَّ إلَخْ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: لَا بَلَلَ عَلَيْهَا] أَيْ مِنْ الدَّمِ فَخُرُوجُهَا مُبْتَلَّةً مِنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ لَا يَضُرُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ] هُوَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الدَّاوُدِيُّ الْأَسَدِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ بِالْمَغْرِبِ بِطَرَابُلُسَ الْمَغْرِبِ تُوُفِّيَ بِتِلِمْسَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. [قَوْلُهُ: الْقَصَّةُ أَبْلَغُ] أَيْ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَأَحْصَلُ لِلْيَقِينِ فِي الطُّهْرِ مِنْ الْجُفُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بَعْدَهَا دَمٌ، وَالْجُفُوفُ قَدْ يُوجَدُ بَعْدَهُ، وَأَبْلَغِيَّةُ الْقَصَّةِ لَا تَتَقَيَّدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِمُعْتَادَتِهَا فَقَطْ بَلْ هِيَ أَبْلَغُ لِمُعْتَادَتِهَا وَلِمُعْتَادَةِ الْجُفُوفِ وَلِمُعْتَادَتِهِمْ امَعًا. [قَوْلُهُ: إذَا رَأَتْ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ الْجُفُوفَ] وَكَذَلِكَ مُعْتَادَتُهُمَا [قَوْلُهُ: تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ] أَيْ الْمُخْتَارُ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْتَظِرُ مَا لَمْ تَخَفْ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَتَتَلَخَّصُ أَنَّهَا تُوقِعُهَا فِي بَقِيَّةٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُطَابِقُ فَرَاغُهَا آخَرَ، وَأَمَّا مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ فَقَطْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا رَأَتْهُ أَوَّلًا طَهُرَتْ وَلَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ، وَإِذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا لَا تَنْتَظِرُهُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا لَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ أَيْ مُطْلَقًا اعْتَادَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا. [قَوْلُهُ: إذَا رَأَتْ مُعْتَادَةُ الْقَصَّةِ الْجُفُوفَ أَوَّلًا. . . إلَخْ] وَأَوْلَى مُعْتَادَتُهُمَا مَعًا أَوْ مُعْتَادَةُ الْجُفُوفِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا] وَأَوْلَى فِي الِانْتِظَارِ إذَا اعْتَادَتْهُمَا أَوْ الْجُفُوفَ فَقَطْ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ عَنْهُ إلَخْ] مُحَصَّلُ نَقْلِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوْ الْقَصَّةَ طَهُرَتْ كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: قَلِيلًا] الْمُرَادُ بِهِ زَمَنٌ سَابِقٌ عَلَى آخِرِ الْوَقْتِ الَّذِي تُوقِعُ الصَّلَاةَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَتْ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا كَانَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا فَيُفِيدُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا لَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، أَيْ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا بِأَنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْجُفُوفِ، وَلَوْ رَأَتْ الْقَصَّةَ أَوَّلًا فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي إيرَادُ الْبَاجِيِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَلَّامَةَ خَلِيلًا لَمْ يَجْزِمْ بِمُرَادِ الْمَازِرِيِّ وَقَدْ عَلِمْت مُرَادَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا رَأَتْ الْجُفُوفَ وَلَمْ تَرَ الْقَصَّةَ] أَيْ فَتَطْهُرُ بِرُؤْيَتِهَا الْجُفُوفَ أَوَّلًا، فَإِنْ قُلْت

ابْنَ الْقَاسِمِ مَالَ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (مَكَانَهَا) أَنَّهَا إذَا رَأَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ يُحْكَمُ لَهَا سَاعَتَئِذٍ بِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ فَلَا تَنْتَظِرُ الْعَلَامَةَ الثَّانِيَةَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ بِقَوْلِهِ: (رَأَتْهُ) أَيْ الطُّهْرَ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ تَطَهَّرَتْ (بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ) بَعْدَ (يَوْمَيْنِ أَوْ) بَعْدَ (سَاعَةٍ ثُمَّ إنْ عَاوَدَهَا) بَعْدَ أَنْ رَأَتْ الطُّهْرَ (دَمٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ دَفْعَةً (أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً) بِضَمِّ الصَّادِ شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ وَالضَّعِيفَةِ (أَوْ) رَأَتْ (كُدْرَةً) بِضَمِّ الْكَافِّ شَيْءٌ كَدِرٌ لَيْسَ عَلَى أَلْوَانِ الدِّمَاءِ (تَرَكَتْ الصَّلَاةَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضٌ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ طَرِيقَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْقَصَّةَ أَبْلَغُ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْتَظِرُهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ أَوَّلًا قُلْت: هِيَ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا عَادَةٌ إذْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْجُفُوفَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَإِيرَادُ الْبَاجِيِّ صَحِيحٌ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِ الْقَصَّةِ أَبْلَغَ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا تَطْهُرُ بِهَا وَلَا تَنْتَظِرُ الْجُفُوفَ، فَقَدْ خَرَجَ عَنْ مَذْهَبِهِ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُفُوفَ أَبْلَغُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهُرَتْ وَلَا تَنْتَظِرُ الْقَصَّةَ مَعَ كَوْنِهَا أَبْلَغَ أَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ لَمْ يَتَقَرَّرْ لَهَا عَادَةٌ لِجَوَازِ أَلَّا يَكُونَ لَهَا قَصَّةٌ فَلَا تَتْرُكُ الْمُحَقِّقَ لِلشُّكُوكِ وَالْمُعْتَمَدُ، نَقْلُ الْمَازِرِيِّ وَالْبَاجِيِّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ خَلَفٍ الْبَاجِيُّ مَاتَ بِجُدَّةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ بَاجَةَ بِالْأَنْدَلُسِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ مَكَانَهَا رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي رُؤْيَةَ الْقَصَّةِ وَرُؤْيَةَ الْجُفُوفِ، فَهُوَ مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي أَوْ مِنْ الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهِ بِالْأُولَى فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ أَقُولُ هَذَا الْحِلُّ يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ الدَّاوُدِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَيُمْكِنُ تَمْشِيَتُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا رَأَتْ الْجُفُوفَ طَهَّرَتْ مَكَانَهَا أَيْ إذَا اعْتَادَتْهُ فَقَطْ كَمَا إذَا اعْتَادَتْهُمَا أَوْ الْقَصَّةَ فَقَطْ، وَضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَخَافُ خُرُوجَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَوْ طَلَبَ زَوْجُهَا مُوَاقَعَتَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: سَاعَتَئِذٍ] أَيْ إذَا رَأَتْ إحْدَى الْعَلَامَتَيْنِ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ سَاعَةَ هِيَ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ [قَوْلُهُ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ فَلَهُ أَقَلُّ وَهُوَ الدُّفْعَةُ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَيَنْعَكِسُ فَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِاعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ، وَلَهُ حَدٌّ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [قَوْلُهُ: أَيْ الطُّهْرَ إلَخْ] فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مُتَقَدِّمٍ مَعْنًى عَلَى حَدِّ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ] يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ السَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ فَتَكُونُ أَوْ مَانِعَةَ جَمْعٍ، تُجَوِّزُ الْخُلُوَّ فِي نِصْفِ السَّاعَةِ مَثَلًا، وَعَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الطُّهْرِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّاعَةَ الزَّمَانِيَّةَ، وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ دُفْعَةً] بِضَمِّ الدَّالِ الدُّفْقَةُ وَبِفَتْحِ الدَّالِ الْمَرَّةُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، فَتَحْسُبُ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ حَيْضٍ، فَإِذَا تَمَّتْ عَادَتُهَا وَاسْتِظْهَارُهَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي كُلَّمَا انْقَطَعَ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّ الدُّفْعَةَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ لَا أَثَرَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ، وَلَهَا أَثَرَ مِنْ حَيْثُ الْعَدُّ لِعَادَتِهَا وَاسْتِظْهَارِهَا. [قَوْلُهُ: شَيْءٌ كَالصَّدِيدِ تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ] هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ الصُّفْرَةُ دَمٌ أَصْفَرُ مِثْلُ الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ اللَّحْمُ، وَالْكُدْرَةُ دَمٌ أَصْفَرُ خَاثِرٌ اهـ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ قَوْلِهِ: تَعْلُوهُ صُفْرَةٌ أَنَّهُ وَجْهُ الشَّبَهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الصَّدِيدَ لَوْنُهُ الصُّفْرَةُ، وَهُوَ يُخَالِفُ قَوْلَ الْفِيشِيِّ عَلَى الْعِزِّيَّةِ إنَّ الصَّدِيدَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ مُخْتَلِطٌ بِدَمٍ، وَكَذَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ لَوْنَ الصَّدِيدِ الْبَيَاضُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالصَّدِيدِ بِالنَّظَرِ لِحَالَتِهِ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ؛ لِأَنَّ الْأَبْيَضَ الْمُخْتَلِطَ بِالدَّمِ يَنْقَلِبُ لَوْنُهُ لِلصُّفْرَةِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ] إنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ الْمُفِيدُ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ دَمٌ أَصْفَرُ، فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةُ عَنْ دَمٍ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ أَصْفَرَ فَقَدْ أَتَتْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ، قُلْت: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ لَعَلَّهُ أَرَادَ نَوْعًا مِنْ الدِّمَاءِ وَهُوَ الْأَحْمَرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَيْضٌ] أَيْ فَالْحَيْضُ لَهُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ حَيْضًا إذَا أَتَاهَا قَبْلَ طُهْرٍ تَامٍّ وَكَانَ انْقِطَاعُهُ أَوَّلًا قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا أَوْ

التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَابَيْ الْعِدَّةِ وَالْعِبَادَاتِ فِي أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلَّ الْحَيْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَتَأْوِيلُ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ التَّحْدِيدُ وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إلَى مَا يَقُولُ النِّسَاءُ أَنَّهُ حَيْضٌ. (ثُمَّ إذَا انْقَطَعَ) الدَّمُ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَاوَدَهَا الدَّمُ بَعْدَ الطُّهْرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ بِسَاعَةٍ (اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) وَلَا تَنْتَظِرُ هَلْ يَأْتِيهَا دَمٌ آخَرُ أَمْ لَا، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُلَفِّقَةِ وَهِيَ الَّتِي تَقَطَّعَ طُهْرُهَا أَيْ تَخَلَّلَهُ دَمٌ فَصَارَتْ تَحِيضُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ. بَهْرَامُ: تَقَطَّعَ تَخَلَّلَهُ دَمٌ ضَمَّتْ أَيَّامَ الدَّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهَا وَقَبْلَ الِاسْتِظْهَارِ أَوْ قَبْلَ تَمَامِهِ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّةُ الِاسْتِظْهَارِ فَتَكُونَ اسْتِحَاضَةً، وَأَمَّا إذَا أَتَى بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ، وَكَانَ انْقِطَاعُهُ بَعْدَ مَا تَمَادَى بِهَا عَادَتُهَا وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّهَا تَكُونُ اسْتِحَاضَةً [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ التَّسْوِيَةُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا بَابُ الْعِبَادَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ [قَوْلُهُ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ، وَمَا بَعْدَهُ هُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلُ] أَيْ وَمُتَعَلِّقُ تَأْوِيلٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَيْ لِلْمُدَوَّنَةِ فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ [قَوْلُهُ: التَّحْدِيدُ] أَيْ بِأَنَّهُ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ [قَوْلُهُ: وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ] أَيْ وَالِاعْتِمَادُ فِي حُكْمِنَا بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ إنَّهُ حَيْضٌ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ إنَّهُ يُرْجَعُ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَيْ هَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَمَادَى بِهَا الدَّمُ يَوْمًا مَثَلًا أَوْ يُكْتَفَى بِبَعْضِ يَوْمٍ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى السَّاعَةِ الْفَلَكِيَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَمِثْلُهُ الْيَوْمَانِ، ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَيْضٌ أَجْزَأَتْهَا، وَإِنَّمَا رُجِعَ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ لِلنِّسَاءِ لِاخْتِلَافِ الْحَيْضِ فِي النِّسَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْبُلْدَانِ، فَقَدْ تَعُدُّ الْعَارِفَاتُ الْيَوْمَ أَوْ الْيَوْمَيْنِ حَيْضًا بِاعْتِبَارِ بَلَدِهِنَّ، وَقَدْ تَعُدُّ عَارِفَاتٌ أُخَرُ أَقَلَّ مِمَّا ذُكِرَ حَيْضًا بِاعْتِبَارِ بَلَدِهِنَّ، وَظَهَرَ مِنْ تَقْرِيرِنَا هَذَا أَنَّ الْيَوْمَيْنِ كَالْيَوْمِ فِي الرُّجُوعِ لِلنِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ انْقَطَعَ فَإِنْ قَالَتْ النِّسَاءُ إنْ، مِثْلُ ذَلِكَ حَيْضَةٌ أَجْزَأَتْهَا اهـ. وَيَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى يَوْمَيْنِ حَيْضٌ قَطْعًا وَلَا يُرْجَعُ فِيهِ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ جَهَالَةً فِي الْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّحْدِيدُ أَيْ تَحْدِيدٌ مَنْظُورٌ فِيهِ لِقَوْلِ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ تَحْدِيدٌ مُعَيَّنٌ شَرْعِيٌّ لَا يَتَجَاوَزُ، أَوْ تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ فَلَكِيَّةٍ وَهُوَ صَادِقٌ بِكَوْنِهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ قَالَ سَنَدٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ بَابِ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِدَّةِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالدُّفْعَةِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ احْتِيَاطٌ لِلْأَنْسَابِ وَإِبَاحَةٌ لِلْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَشُدِّدَ فِيهَا احْتِيَاطًا، وَالْأَنْسَابُ وَالْفَرْجُ آكِدٌ مِنْ الْعِبَادَةِ لِاجْتِمَاعِ حَقِّ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَخْ] ظَرْفٌ لِلطُّهْرِ أَيْ طُهْرٌ غَيْرُ تَامٍّ، فَالْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ وَالسَّاعَةُ هُنَا ظَرْفٌ لِلطُّهْرِ بِخِلَافِهِمَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا فَهُمَا ظَرْفَانِ لِلْحَيْضِ [قَوْلُهُ: اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ] إنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَقْتَ الصَّلَاةِ بَلْ بَعْدَهُ أَوْ شَكَتْ فِي ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَتْ بِعَوْدِهِ فِي وَقْتِهَا وَلَوْ الضَّرُورِيَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا غُسْلٌ، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فِي هَذَا الْفَرْضِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا وَصَلَّتْ، وَلَمْ يَأْتِهَا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ فَهَلْ تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِكَشْفِ الْغَيْبِ أَنَّهَا صَلَّتْهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ أَمْ لَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا صَلَّتْهَا وَهِيَ حَائِضٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ جَزَمَتْ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ تَرَدَّدَتْ لَمْ تَعْتَدَّ بِهَا كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: فَصَارَتْ تَحِيضُ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّلْفِيقَ ثَابِتٌ لَهَا وَلَوْ بِمَجِيءِ الْحَيْضِ مَرَّةً قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ، وَلَمْ تَكُنْ صَيْرُورَةٌ إذْ ذَاكَ [قَوْلُهُ: الْفَاصِلِ] صِفَةٌ لِلتَّمَامِ أَيْ الْفَاصِلِ فَصْلًا مُعْتَدًّا بِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى تَفْصِيلِهَا] أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُعْتَادَةً أَوْ مُبْتَدِئَةً [قَوْلُهُ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ] أَيْ فِي أَيَّامِ التَّلْفِيقِ [قَوْلُهُ: ضَمَّتْ أَيَّامَ الدَّمِ] تَفْسِيرٌ لِلَفَّقْت [قَوْلُهُ: فَإِنْ حَصَلَ مِنْهَا إلَخْ] تَوْضِيحُهُ أَنْ تَقُولَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَتُلَفِّقُ

بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ فَإِنْ حَصَلَ مِنْهَا مَا يَحْكُمُ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْحَيْضِ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةً، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي هَلْ يُعَاوِدُهَا دَمٌ أَمْ لَا، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ وَلَا فَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامُ الدَّمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيَةً وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: (وَلَكِنَّ ذَلِكَ) أَيْ الدَّمَ الْمُتَخَلِّلَ (كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ) أَنَّهَا تُلَفِّقُ أَيَّامَ الدَّمِ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ لِمَا هُوَ حُكْمُهَا مِنْ عَادَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً فِي بَقِيَّةِ عُمْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: كَذَلِكَ إنْ كَانَ الدَّمُ أَكْثَرَ وَإِلَّا جَمَعَتْ أَيَّامَ الطُّهْرِ طُهْرًا وَأَيَّامَ الْحَيْضِ حَيْضًا حَقِيقَةً فَتَكُونُ طَاهِرًا حَائِضًا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَوْ بَقِيَتْ كَذَلِكَ طُولَ عُمْرِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهَا تَكُونُ حَائِضًا طَاهِرًا فِي الْعِبَادَةِ أَبَدًا بِخِلَافِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ طَاهِرًا فِيهِمَا (حَتَّى يَبْعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ) بُعْدًا بَيِّنًا بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَنُ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ (مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ) عَلَى قَوْلٍ (أَوْ عَشَرَةٍ) أَيْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ عَلَى آخَرَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَادَتَهَا وَاسْتِظْهَارَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدِئَةً لَفَّقَتْ نِصْفَ شَهْرٍ، فَالْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَحَصِّلُ مِنْ أَيَّامِ عَادَتِهَا وَاسْتِظْهَارِهَا الْمُخْتَلِفِ، ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النِّسَاءِ، فَلَيْسَ لِلْأَكْثَرِيَّةِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ مُطَّرِدٌ فِي النِّسَاءِ [قَوْلُهُ: وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ إلَخْ] أَيْ الَّذِي هُوَ زَمَنُ التَّلْفِيقِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي] أَيْ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ عَدَمِ الْعَوْدِ [قَوْلُهُ: هَلْ يُعَاوِدُهَا] أَيْ فِي الْوَقْتِ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا عَلِمَتْ بِأَنَّهُ لَا يَأْتِيهَا، فَإِذَا عَلِمَتْ بِأَنَّهُ يَأْتِيهَا فِي الْوَقْتِ وَلَوْ الضَّرُورِيَّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا غُسْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ لَنَا. [قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامُ الدَّمِ أَكْثَرَ] كَأَنْ تَحِيضَ يَوْمَيْنِ وَتَطْهُرَ يَوْمًا. [قَوْلُهُ: أَوْ أَقَلَّ] كَأَنْ تَحِيضَ يَوْمًا وَتَطْهُرَ يَوْمَيْنِ وَالْمُسَاوَاةُ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ إلَخْ] قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ مَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ الَّتِي هِيَ الْأَطْهَارُ لِأَنَّهَا الْمَنْظُورُ إلَيْهَا مَعَ وَصْفِ الِالْتِفَاتِ لِلدَّمِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَقْرَاءَ هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي بَيْنَ الدِّمَاءِ، وَالطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الدِّمَاءِ لَا يُعْتَبَرُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ تَصِيرُ مُسْتَحَاضَةً، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ حَيْثُ تَلْفِيقُ الْعَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ] مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشَبَّهِ وَالتَّقْدِيرُ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ كَدَمٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مِنْ عَادَةٍ] هَذَا فِي الَّتِي عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا] وَهُوَ الْخُلُوُّ مِنْ الْعَادَةِ الَّذِي هُوَ حَالُ الْمُبْتَدِئَةِ، وَالْعَادَةُ الَّتِي هِيَ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَيَّامُ الِاسْتِظْهَارِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَكُونَ مُسْتَحَاضَةً] أَيْ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ قَدْرُ عَادَتِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي تت وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُسْتَحَاضَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ إلَخْ] الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَلَا فَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَ [قَوْلُهُ: وَابْنُ الْمَاجِشُونِ] هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، وَالْمَاجِشُونَ أَبُو سَلَمَةَ وَالْمَاجِشُونُ الْوَرْدُ بِالْفَارِسِيَّةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحُمْرَةٍ فِي وَجْهِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَيُقَالُ إنَّهُ عَمِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، وَقَوْلُهُمْ: الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَإِلَّا جَمَعَتْ إلَخْ] تَحْتَهُ صُورَتَانِ مَا إذَا كَانَتْ أَيَّامُ الطُّهْرِ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيَةً وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِجَعَلَتْ أَيْ فَتَكُونُ فِي يَوْمِ الطُّهْرِ طَاهِرًا حَقِيقَةً يَطَؤُهَا زَوْجُهَا، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَفِي يَوْمِ الْحَيْضِ حَائِضًا حَقِيقَةً يُحَرَّمُ مَا ذُكِرَ مِنْ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: حَائِضًا طَاهِرًا إلَخْ] أَيْ حَيْثُ قَالَ: كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ، فَيَقْتَضِي أَنَّهَا فِي يَوْمِ الدَّمِ حَائِضٌ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، وَفِي يَوْمِ انْقِطَاعِهِ طَاهِرٌ عَلَى الدَّوَامِ وَهَذَا الظَّاهِرُ ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ طَاهِرًا] أَيْ بِحَيْثُ تَعُدُّ الْحَيْضَ الثَّانِيَ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا تَحْتَسِبُ بِهِ فِي عِدَّتِهَا أَيْ فَالْمُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الْمَنْفِيَّةِ طَهَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ يُعَدُّ الدَّمُ الْآتِي دَمًا مُسْتَقِلًّا تَحْتَسِبُ بِهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا طَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ الْعِبَادَةُ [قَوْلُهُ: مِثْلُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ] مِثْلُ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ] هُوَ لِسَحْنُونٍ [قَوْلُهُ: عَلَى آخَرَ] هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ [قَوْلُهُ: وَصُورَةُ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ

(فَ) إذَا بَعُدَ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ (يَكُونَ) الثَّانِي مِنْهُمَا (حَيْضًا مُؤْتَنَفًا) أَيْ مُبْتَدَأً يُعْتَدُّ بِهِ وَحْدَهُ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَصُورَةُ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ إذَا حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، فَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا الدَّمُ فَإِنَّهَا تُضِيفُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ الطُّهْرِ حَتَّى يَكُونَ طُهْرًا فَاصِلًا. ع: وَصُورَتُهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ عَوِيصٌ؛ لِأَنَّهَا بِنَفْسِ مَا تَرَى أَوَّلَ الدَّمِ خَرَجَتْ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ، وَإِذَا رَأَتْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَدْ بَرِئَ رَحِمُهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُولَ فَائِدَتُهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ أَنَّهَا حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ طَهُرَتْ ثُمَّ بَاعَهَا فِي الطُّهْرِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ طُهْرِهَا إلَّا يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ أَتَاهَا الدَّمُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ هَذَا الدَّمُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلِهِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَدَمٍ وَاحِدٍ فِي الْعِدَّةِ [قَوْلُهُ: فِي الْعِدَّةِ] أَيْ بِحَسَبِ مَا كَانَتْ تَعْتَقِدُ مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَقْرَاءِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةً كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ لَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ طَهُرَتْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً] الْمُرَادُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ [قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا الدَّمُ] أَيْ قَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ طُهْرِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُضِيفُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ] أَيْ مَا تُكْمِلُ بِهِ عَادَتَهَا وَالِاسْتِظْهَارَ، ثُمَّ تَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةً، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ بَعْدَ تَمَامِ عَادَتِهَا وَالِاسْتِظْهَارِ فَمَا أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الدَّمِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً [قَوْلُهُ: لَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ الطُّهْرِ] أَيْ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ مُطَلَّقَةً فِي الْحَيْضِ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْحَيْضِ يُجْبَرُ زَوْجُهَا عَلَى الرَّجْعَةِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَكُونَ طُهْرًا فَاصِلًا] أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِي حَيْضٍ [قَوْلُهُ: الِاسْتِبْرَاءِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُوَاضَعَةَ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: عَوِيصٌ] بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادِ أَيْ صَعْبٌ تَصْوِيرُهُ أَيْ خَفِيٌّ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: خَرَجَتْ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ الْمُبْتَاعَةَ إنْ كَانَتْ عَلِيَّةً مُطْلَقًا أَوْ وَخْشًا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا، فَإِنَّهَا تَتَوَاضَعُ أَيْ تُجْعَلُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَتَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا وَلَمْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَبْرِئُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِحَيْضَةٍ وَلَا يَقْرَبُهَا إلَّا بَعْدَ تِلْكَ الْحَيْضَةِ وَتَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: خَرَجَتْ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: وَإِذَا رَأَتْهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي نَاظِرٌ لِلثَّانِي. [قَوْلُهُ: فَإِذَا طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ] الْمُرَادُ طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَمَسْأَلَةِ الِاسْتِبْرَاءِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا] أَيْ فَمُقْتَضَى عَقِبَ الطُّهْرِ أَنَّهَا لَا تُلَفِّقُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى التَّلْفِيقِ عَدَمُ الْحِلِّيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَأْتِي الْحَيْضُ قَبْلَ تَمَامِ الطُّهْرِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِسَيِّدِهَا] أَيْ الْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ صُورَةِ الْمُوَاضَعَةِ وَصُورَةِ الِاسْتِبْرَاءِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُولَ إلَخْ] هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ، وَتَمَامُهُ قَوْلُهُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطُهْرٍ. [قَوْلُهُ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِبْرَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْبَائِعِ وَحْدَهُ، فَهُوَ غَيْرُ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي تَكُونُ الْجَارِيَةُ فِيهَا عِنْدَ الْأَمِينِ وَغَيْرُ الِاسْتِبْرَاءِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا رَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: حَاضَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ] أَيْ الْحَيْضُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَصْدِ الْبَيْعِ، أَوْ اتِّفَاقِيٌّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ وَطْءُ الْجَارِيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ طَهُرَتْ] أَيْ قَبْلَ تَمَامِ عَادَتِهَا، وَأَمَّا بَعْدَ تَمَامِ عَادَتِهَا وَقَبْلَ الِاسْتِظْهَارِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَامِهِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ تَمَامِهِ فَقَدْ تَمَّ الْأَمْرُ فَمَا أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ دَمُ اسْتِحَاضَةٍ فَلَا تَسْتَبْرِئُ بِالْقُرْءِ. [قَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ مِنْ طُهْرِهَا] أَيْ الطُّهْرِ الْمُعْتَبَرِ وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [قَوْله: إلَّا يَوْمَانِ] أَوْ ثَلَاثَةٌ مَثَلًا [قَوْلُهُ: ثُمَّ أَتَاهَا الدَّمُ] أَيْ قَبْلَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَتَاهَا الدَّمُ قَبْلَ مُضِيِّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ] أَيْ لِلْبَائِعِ هَذَا الدَّمُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ فَأَنْتَ بِعْتهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ عَلَيْك، وَهُوَ إمَّا مُضِيُّ حَيْضَتِهَا وَاسْتِظْهَارِهَا أَوْ مُضِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَائِضًا فِي الْمُبْتَدِئَةِ وَالْمُعْتَادَةِ ذَلِكَ الْقَدْرُ، أَوْ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ مَا ذُكِرَ لَكِنْ تَمْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طَاهِرًا

الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِطُهْرٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ تَمَادَى بِهَا الدَّمُ بَلَغَتْ) أَيْ مَكَثَتْ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي حَقِّهَا (ثُمَّ هِيَ) بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا (مُسْتَحَاضَةٌ) مُمَيِّزَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَثَمَرَةُ ذَلِكَ أَنَّهَا تَطْهُرُ أَيْ تَغْتَسِلُ، ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ إنْ كَانَتْ تُمَيِّزُ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ فَغُسْلُهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ بِيعَتْ بَعْدَ حَيْضَتِهَا فِي طُهْرٍ عَقِبَهُ مَثَلًا بِدُونِ اسْتِظْهَارٍ، ثُمَّ جَاءَهَا الدَّمُ قَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهَا تَضُمُّ هَذَا الدَّمَ لِلْأَوَّلِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَحَاضَتْهَا، وَلَمْ تَكُنْ مُبْتَدِئَةً تَحِيضُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ وَطِئَهَا كَمَا قُلْنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: فَيُقَالُ لَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ قَرِيبًا، أَيْ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: هَذَا الدَّمُ مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ بَيْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَكْتَفِ بِهِ فِي حِلِّيَّةِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ لَك بَلْ لَا بُدَّ لَك مِنْ اسْتِبْرَاءٍ آخَرَ، أَيْ فَتَتَوَاضَعُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ بَائِعِهَا حَتَّى تَرَى الدَّمَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَاءٍ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا يَعْتَمِدُ الْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِبْرَاءِ لَا بَلْ مِنْ مُوَاضَعَةٍ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ حِلِّيَّةِ الْوَطْءِ لَهُ، نَعَمْ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى وَضْعِ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَمِينٍ لِتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً، فَتُجْزِئُ عَنْ الْحَيْضَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْحَيْضَةِ الْمُوجِبَةِ لِحِلْيَةِ وَطْءِ الْمُشْتَرِي لَهَا كَانَتْ الْحَيْضَةُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْبَائِعِ وَطْءٌ لِلْجَارِيَةِ وَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَتَتَوَاضَعُ تَحْتَ أَمِينٍ، وَلَا تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى تَرَى الدَّمَ، وَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَتَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِالِاسْتِبْرَاءِ عَلَى تَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورِ فِي مَحَلِّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ إلَّا فِي صُورَةٍ لَا تَلْفِيقَ فِيهَا بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِظْهَارِ أَوَّلًا، وَلَكِنْ تَمْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طَاهِرًا بَعِيدًا غَايَةَ الْبُعْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصٍّ صَرِيحٍ بِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي السَّيِّدِ إذَا أَرَادَ بَيْعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ حُصُولِ مَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا حَتَّى يُعَاوِدَهَا وَيَمْضِيَ مَا هُوَ كَافٍ فِي الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ الدَّمُ أَوَّلًا بَعْدَ حُصُولِ مَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يُحْكَمُ لَهَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ] أَيْ ابْتِدَاءً [قَوْلُهُ: مُمَيِّزَةً كَانَتْ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ مُمَيِّزَةً عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي حُكِمَ لَهَا أَيْ لِلْمُبْتَدِئَةِ بِأَنَّهَا دَمُ حَيْضٍ، بَلْ الْمُرَادُ مُمَيِّزَةً عَقِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْمُعْتَبَرَةِ أَيَّامَ اسْتِحَاضَةٍ لَا حَيْضٍ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ الَّذِي مِنْهُ أَيَّامُ الِاسْتِحَاضَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ إلَخْ] يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالْغُسْلِ عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْمَعْدُودَةِ أَيَّامَ حَيْضٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُمَيِّزَةً عَقِبَهَا أَمْ لَا كَالْعِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتَصِيرُ طَاهِرًا أَبَدًا، وَظَاهِرُهُ أَيْ ظَاهِرُ كَوْنِهَا طَاهِرًا أَبَدًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُمَيِّزَةً عَقِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْمُعْتَبَرَةِ أَيَّامَ اسْتِحَاضَةٍ فَهَذَا التَّعْمِيمُ عَيْنُ الْأَوَّلِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَلَا حَاجَةَ لَهُ، وَهَذَا الظَّاهِرُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ تُمَيِّزُ مَا بَيْنَ الدَّمَيْنِ] أَيْ بِرَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ ثِخَنٍ لَا بِكَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَا بِصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ كَمَا فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ، وَأَرَادَ بِالدَّمَيْنِ الدَّمَ الْحَاصِلَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الْحَيْضِ، وَالدَّمَ الْآتِيَ بَعْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ الْحَاصِلُ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي اُعْتُبِرَتْ طُهْرًا هُنَا لَغْوٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ اسْتَمَرَّ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَغَيَّرَ بِكَثْرَةٍ أَوْ قِلَّةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الشَّيْخِ أَحْمَدَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَيَّزَتْ أَنَّهُمَا حَيْضٌ فَهُوَ دَمُ

مُجْزٍ وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ غُسْلِهَا هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ وَالْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحَاضَةِ وَصِفَةِ دَمِهَا. (وَ) مِنْ ثَمَرَتِهِ أَيْضًا أَنَّهَا (تَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا) أَيْ يَطَؤُهَا (زَوْجُهَا) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا حِينَئِذٍ حُكْمُ الطَّاهِرِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِقَوْلِنَا إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ فِيهَا تَفْصِيلًا؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ عَادَتُهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ اسْتَظْهَرَتْ عَلَى عَادَتِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ اسْتَظْهَرَتْ عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا مِثْلُ أَنْ تَحِيضَ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةً اسْتَظْهَرَتْ عَلَى الْعَشَرَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْحَائِضِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النُّفَسَاءِ فَقَالَ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ عُشَرَاءَ وَنُفَسَاءَ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ، وَنُفَسَاءَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ جَمِيعًا الْمَرْأَةُ الَّتِي وَلَدَتْ، وَالنِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ لُغَةً، وَشَرْعًا وَيُعْرَفُ انْقِطَاعُهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الْقَصَّةِ وَالْجُفُوفِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ انْقِطَاعُهُ بِمَا ذُكِرَ فَإِنْ كَانَ (بِقُرْبِ الْوِلَادَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا خُرُوجُ الْوَلَدِ (اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) وَتَنْوِي بِغُسْلِهَا الطُّهْرَ مِنْ الدَّمِ، فَلَوْ نَوَتْ الطُّهْرَ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ لَمْ يُجْزِهَا وَتُعِيدُ كُلَّ مَا صَلَّتْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحَاضَةٍ وَلَوْ طُولَ عُمْرِهَا، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ غَيْرِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ أَوْ تَغَيَّرَ بِالرِّقَّةِ وَالثِّخَنِ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعْدُودَةٍ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْمُعْتَبَرَةِ أَيَّامَ الْحَيْضِ، فَيَكُونُ دَمَ حَيْضٍ فَتَمْكُثُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَائِضًا ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَبَعْدَ ذَلِكَ الدَّمُ اسْتِحَاضَةٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ] أَيْ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْمُعَدَّةِ اسْتِحَاضَةً بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْمُعَدَّةِ حَيْضًا كَمَا وَضَّحْنَاهُ فَإِنَّهَا تَمْكُثُ مُسْتَحَاضَةً أَبَدًا. [قَوْلُهُ: فَغُسْلُهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا] أَيْ غُسْلُهَا أَوَّلًا عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الْأُوَلِ الَّتِي عُدَّتْ حَائِضًا فِيهِنَّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ غُسْلِهَا] أَيْ غُسْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ [قَوْلُهُ: هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ] تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا] أَيْ يَطَؤُهَا زَوْجُهَا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُكْمَهَا حِينَئِذٍ حُكْمُ الطَّاهِرِ] أَيْ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهَا دَمٌ أَصْلًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا طَاهِرٌ حَقِيقَةً [قَوْلُهُ: اسْتَظْهَرَتْ عَلَى عَادَتِهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةً مَثَلًا اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةٍ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ اسْتَظْهَرَتْ بِيَوْمٍ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ لَا تَسْتَظْهِرُ بِشَيْءٍ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا لَمْ تُجَاوِزْ وَحَيْثُ اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثِهِ أَيَّامٍ مَثَلًا فَتَصِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةً فَإِنْ لَمْ تُمَيِّزْ أَبَدًا أَوْ مَيَّزَتْ بِقِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ بَقِيَّةَ عُمْرِهَا، وَإِنْ مَيَّزَتْ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا الَّتِي هِيَ أَيَّامُ الِاسْتِحَاضَةِ بِثِخَنٍ أَوْ رِقَّةٍ أَوْ رَائِحَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَتَكُونُ حَائِضًا فَتَمْكُثُ عَادَتَهَا دُونَ اسْتِظْهَارٍ إنْ انْتَقَلَ بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ إلَى صِفَةِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَإِلَّا اسْتَظْهَرَتْ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هَذَا مُحَصَّلُ مَا ذَكَرُوهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا] أَيْ زَمَنًا كَمَا أَفَادَهُ تَمْثِيلُهُ لَا وُقُوعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ سَابِقًا أَوْ مُتَأَخِّرًا وَمُدَّةُ الِاسْتِظْهَارِ تَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ [قَوْلُهُ: نُفَسَاءُ عَلَى وَزْنِ عُشَرَاءَ] الْجَمْعُ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا هُوَ فُعَلَاءُ، وَيُجْمَعُ عَلَى فَعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ، وَيُجْمَعَانِ عَلَى نُفَسَاوَاتٍ وَعُشَرَاوَاتٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِ ثَانِيهِمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ] ظَاهِرُهُ بِدُونِ مَدٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بِالْمَدِّ [قَوْلُهُ: بِقُرْبِ الْوِلَادَةِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ كَالْحَيْضِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الزَّمَنِ، وَلَهُ أَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْخَارِجِ وَهُوَ الدُّفْعَةُ مِثْلُ الْحَيْضِ [قَوْلُهُ: وَتَنْوِي بِغُسْلِهِ إلَخْ] وَكَذَا إذَا نَوَتْ النِّفَاسَ وَأَطْلَقَتْ كَفَاهَا ذَلِكَ قَالَهُ عج، ثُمَّ إنَّ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَحَثَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ نِيَّتُهَا الْمُعْتَبَرَةُ إنَّمَا هِيَ رَفْعُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ فِي الْجَنَابَةِ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَنَوَتْ رَفْعَ الْحَدَثِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ اهـ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ نَوَتْ الطُّهْرَ مِنْ خُرُوجِ إلَخْ] وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ لِلْوَلَدِ، فَلَوْ نَوَتْ الطُّهْرَ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَقَدْ نَوَتْ الطُّهْرَ مِنْ غَيْرِ النِّفَاسِ قَالَهُ عج،

وَلَدًا جَافًّا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ النِّفَاسِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَهُ حَدٌّ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ تَمَادَى بِهَا) أَيْ بِالنُّفَسَاءِ (الدَّمُ جَلَسَتْ سِتِّينَ لَيْلَةً) عَلَى الْمَشْهُورِ (ثُمَّ) إنْ اسْتَمَرَّ بَعْدَ السِّتِّينَ أَوْ انْقَطَعَ ثُمَّ عَاوَدَهَا قَبْلَ مِقْدَارِ الطُّهْرِ لَا تَسْتَظْهِرُ وَاغْتَسَلَتْ وَ (كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً) ع: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (تُصَلِّي وَتَصُومُ وَتُوطَأُ) سَوَاءٌ كَانَتْ تُمَيِّزُ أَمْ لَا، فَإِنْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ، وَجَلَسَتْ شَهْرًا مَثَلًا مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ قَضَتْ مَا فَاتَهَا مِنْ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ، أَمَّا إنْ انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ السِّتِّينَ وَعَاوَدَهَا بَعْدَ مِقْدَارِ الطُّهْرِ فَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَقَّبَ ذَلِكَ بِمَا يَكُونَانِ بِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْوَلَدِ دَمٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا يَقُولُهُ الشَّارِحُ فَيُجْزِئُ، وَلَوْ نَوَتْ بِغُسْلِهَا الْوَلَدَ كَانَ مَعَ الْوَلَدِ دَمٌ أَمْ لَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ دَمٌ نَوَتْ الْغُسْلَ مِنْ الدَّمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَلَاعُبٌ فَلَا يُجْزِئُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] كَلَامُهُ هَذَا يَقْتَضِي وُجُودَ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَلَامُ بَهْرَامَ يُفِيدُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: سِتِّينَ لَيْلَةً] أَيْ مَعَ يَوْمِ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَمْكُثُ سِتِّينَ يَوْمًا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَسْأَلُ النِّسَاءَ [قَوْلُهُ: أَوْ انْقَطَعَ] أَيْ بَعْدَ السِّتِّينَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْتَمَرَّ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ شَامِلٌ لَهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى فَهِيَ مَدْلُولَةٌ لَهُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ مِقْدَارِ الطُّهْرِ] أَيْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا [قَوْلُهُ: لَا تَسْتَظْهِرُ] رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي الِاسْتِمْرَارَ بَعْدَ السِّتِّينَ أَوْ الِانْقِطَاعَ الْمَذْكُورَ [قَوْلُهُ: وَاغْتَسَلَتْ] أَيْ عِنْدَ تَمَامِ السِّتِّينَ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ تُمَيِّزُ أَمْ لَا] هَذَا كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تُصَلِّي سَوَاءٌ كَانَتْ تُمَيِّزُ أَمْ لَا اهـ. أَيْ كَانَتْ تُمَيِّزُ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ السِّتِّينَ أَمْ لَا، هَذَا مَعْنَاهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَالرَّاجِحُ مَا أَفَادَهُ زَرُّوقٌ وَهُوَ أَنَّهَا إنْ مَيَّزَتْ يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضًا كَمَا إذَا انْقَطَعَ عِنْدَ السِّتِّينَ وَأَتَاهَا بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَنَصُّ زَرُّوقٍ قَوْلُهُ تُصَلِّي إلَخْ يَعْنِي كَمُسْتَحَاضَةِ الْحَيْضِ مَا لَمْ تُمَيِّزْ اهـ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ] هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَنِهَايَتُهُ قَوْلُهُ وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ [قَوْلُهُ: وَجَلَسَتْ شَهْرًا] أَيْ بَعْدَ السِّتِّينَ [قَوْلُهُ: قَضَتْ مَا فَاتَهَا مِنْ الصَّلَاةِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لَهَا الْإِعَادَةُ ضَعِيفٌ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ قَوْلٌ بِأَنَّهَا تَمْكُثُ تِسْعِينَ مَثَلًا إذَا اسْتَمَرَّ لَا أَزِيدُ وَلَمْ أَرَهُ، فَالْحُكْمُ بِالِاسْتِحْبَابِ مُرَاعَاةً لَهُ ظَهَرَ لَهُ وَجْهٌ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ اهـ. نَعَمْ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يُرْجَعُ لِلنِّسَاءِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ لِقِصَرِ أَعْمَارِهِنَّ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِنَّ، وَقَدْ سُئِلْنَ قَدِيمًا فَقُلْنَ مِنْ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَنْهُ أَنَّ أَقْصَاهُ سِتُّونَ أَوْ سَبْعُونَ انْتَهَى. خَاتِمَةٌ: إذَا انْقَطَعَ دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّهَا تُلَفِّقُ السِّتِّينَ يَوْمًا مُبْتَدِئَةً أَوْ مُعْتَادَةً فَلَيْسَتْ كَالْحَائِضِ، وَمَحَلُّ التَّلْفِيقِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّمَيْنِ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا كَانَ الثَّانِي حَيْضًا.

[باب طهارة الماء]

بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ (بَابٌ) أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ (طَهَارَةِ الْمَاءِ) أَيْ طَهُورِيَّتِهِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَبَيَانِ صِفَتِهِ وَصِفَةِ مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا. (وَ) فِي بَيَانِ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ (الثَّوْبِ وَ) فِي بَيَانِ طَهَارَةِ (الْبُقْعَةِ) لِلصَّلَاةِ (وَ) فِي بَيَانِ (مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَافْتَتَحَ الْبَابَ بِقَوْلِهِ: ( «وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ» وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ، وَمُنَاجَاةُ الْمُصَلِّي رَبَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ وَالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَا افْتَتَحَ بِهِ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ طَهَارَةِ الْمَاءِ] [قَوْلُهُ: طَهَارَةِ الْمَاءِ] الطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ بِضَمِّ الْهَاءِ أَوْ فَتْحِهَا لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ، وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ، وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِ شَهِيرٌ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: طَهُورِيَّتِهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بَيَانَ صِفَةِ الْمَاءِ مِنْ طَهَارَتِهِ الَّتِي تُوجِبُ لَهُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بَيَانُ طَهُورِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا أَيْ بِحَيْثُ يَصِيرُ الثَّوْبُ مَثَلًا الَّذِي أُزِيلَ بِالْمَاءِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا، أَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ بِقَوْلِهِ: أَيْ طَهُورِيَّتِهِ، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا عَبَّرَ بِالْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ الطَّهُورِيَّةُ، وَيَكُونُ فِي غُنْيَةٍ عَنْ التَّأْوِيلِ؟ قُلْت: قَالَ بَعْضٌ: وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِطَهَارَةٍ لِأَجْلِ الْمَعَاطِيفِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ وَالْمَكَانَ إنَّمَا يُوصَفَانِ بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَاءِ اهـ. [قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ] أَيْ لِأَجْلِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاطِ وَفِيهِ قُصُورٌ فَإِنَّهَا مُشْتَرَطَةٌ أَيْضًا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِمَا الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِمَا [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ صِفَتِهِ] أَيْ صِفَةِ الْمَاءِ الْمَوْصُوفِ بِالطَّهُورِيَّةِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ طَهَارَةِ الْبُقْعَةِ] أَيْ اشْتِرَاطِ فَقَدْ حَذَفَهُ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَرَتَّبَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبُقْعَةِ [قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ] مُتَعَلِّقٌ بِاشْتِرَاطِ الْمَحْذُوفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الصَّلَاةِ مَحْذُوفٌ مِنْ هُنَا لِدَلَالَةِ الْأَخِيرِ عَلَيْهِ، أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ، وَفِي بَيَانِ مَا يُجْزِئُ إلَخْ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّرَهُ فِي الثَّوْبِ فَيَقُولَ: هَكَذَا طَهَارَةُ الثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْبُقْعَةِ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ إنَّ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْ الْبَدَنِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ التَّلَطُّخَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ، وَأَمَّا هُوَ فَالتَّلَطُّخُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَانَ اللَّائِقُ ذِكْرَ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ، وَمَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شُرُوطِهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ إلَخْ] وَنَصُّ الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ إنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ» . [قَوْلُهُ: عَنْ إحْضَارِ الْقَلْبِ] الْمُنَاسِبُ حُضُورُ الْقَلْبِ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ النَّفْسَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ إنَّمَا هُوَ النَّفْسُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَطْلَقَهُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَالْخُشُوعُ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَعَدَمُ الْخُشُوعِ سَبَبُهُ الْخَوَاطِرُ، وَهِيَ تَارَةً تَكُونُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ وَتَارَةً بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ هَاجِسٌ، وَاَلَّذِي مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ وَسْوَاسٌ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي قَمْعِ النُّفُوسِ وَحُكْمُ الْخُشُوعِ الْوُجُوبُ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَقِيلَ مَعْنَى مُنَاجَاةِ

التَّرْجَمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُصَلِّي (أَنْ يَتَأَهَّبَ) أَيْ يَسْتَعِدَّ (لِذَلِكَ) أَيْ الصَّلَاةِ، وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنَاجَاةِ (بِالْوُضُوءِ أَوْ بِالطُّهْرِ) أَيْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لِعِظَمِ شَرَفِهَا مُسْتَحِقَّةٌ تَعْظِيمًا وَتَشْرِيفًا، وَتَشْرِيفُهَا وَتَعْظِيمُهَا الْوُضُوءُ أَوْ الطُّهْرُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الطُّهْرَ بِقَوْلِهِ: (إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ بِأَحَدِ مُوجِبَاتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِالْغُسْلِ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا وَجَبَ، وَالِاسْتِعْدَادَ بِالْوُضُوءِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ وُجُوبٍ إذْ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً (وَيَكُونُ ذَلِكَ) الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ (بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَشُوبٍ) أَيْ غَيْرِ مَخْلُوطٍ (بِنَجَاسَةٍ) غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بِمَا قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ) يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (لِشَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ شَيْءٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ) تَكْرَارٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ وَكَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّبِّ مُسَارَرْتُهُ أَيْ تَحَدُّثُهُ مَعَهُ أَيْ بِقَوْلِهِ إيَّاكَ نَعْبُدُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ] أَيْ وُجُوبًا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَنَدْبًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا احْتَوَتْ أَوْ وُجُوبًا فَقَطْ بِالنَّظَرِ لِلْمَجْمُوعِ، [قَوْلُهُ: أَيْ لِلصَّلَاةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَدْلُولَ اللَّفْظِ إنَّمَا الْمَدْلُولُ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنَاجَاةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَحْكُومُ بِهِ عَلَى الْمُصَلِّي فِي قَوْلِهِ وَالْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ] أَيْ الصَّلَاةَ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْحَالَتَانِ قُلْت لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ مُحْتَوِيَةً عَلَى الْمُنَاجَاةِ عُدَّتْ حَالَةً وَاحِدَةً. [قَوْلُهُ: لِعِظَمِ شَرَفِهَا] أَمَّا الْمُنَاجَاةُ فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا خِدْمَةٌ لِلرَّبِّ. [قَوْلُهُ: وَتَعْظِيمُهَا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ] أَيْ بِالْوُضُوءِ إلَخْ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُبَالَغَةٌ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ، فَتُفِيدُ الْحَصْرَ وَهُوَ إضَافِيٌّ، أَيْ لَا عَدَمُهُمَا فَلَا يُنَافِي أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِهَا إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَيْضًا الطَّهَارَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَطَهَّرَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَلَا يَكُونَ كَمَنْ بَنَى دَارًا حَسَّنَ ظَاهِرَهَا وَتَرَكَ بَاطِنَهَا مَمْلُوءًا بِالنَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْبَاطِنَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِالْغُسْلِ] أَيْ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ فَأَرَادَ الْوُضُوءَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مُصَاحِبًا لِطُهْرٍ. [قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ] لَا مَفْهُومَ لِفَرْضٍ، بَلْ وَمِثْلُهُ صَلَاةُ النَّفْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، أَيْ لَا لِغَيْرِهَا كَمَسِّ مُصْحَفٍ وَلَوْ صَلَّى بِهِ فَرْضًا [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِهِ] أَيْ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلَا مَفْهُومَ لَهُ، إذْ مِثْلُ الصَّلَاةِ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ كَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ] أَيْ وَلَا يُسَنُّ [قَوْلُهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ] أَيْ لَا نَقُولُ بِالسُّنِّيَّةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْجُمُعَةَ يُسَنُّ الْغُسْلُ لَهَا وَلَا يَرِدُ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً] رُبَّ لِلتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ [قَوْلُهُ: بِمَاءٍ طَاهِرٍ] الْأَوْلَى طَهُورٍ [قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرِ مَخْلُوطٍ] أَيْ لِأَنَّك تَقُولُ شُبْت اللَّبَنَ بِالْمَاءِ أَشُوبُهُ، فَهُوَ مَشُوبٌ أَيْ مَخْلُوطٌ وَهُوَ تَوْضِيحٌ لِلْمَاءِ الطَّهُورِ، لَا أَنَّهُ قَيْدٌ لَهُ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ قَدْ يَكُونُ مَشُوبًا بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرَ مَشُوبٍ. [قَوْلُهُ: غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ] أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ فَلَا يَضُرُّ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَضُرُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَنَخُصُّ هَذَا بِمَا عَدَا الْقَلِيلَ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَقَلِيلُ الْمَاءِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَالتَّقْدِيرُ فَلَا يَصِحُّ بِمَا شَابَتْهُ نَجَاسَةٌ غَيَّرَتْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا بِمَا. [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ قَصْرَ التَّغَيُّرِ عَلَى اللَّوْنِ وَحْدَهُ، [قَوْلُهُ: لِشَيْءٍ خَالَطَهُ] اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ لِأَجْلِ شَيْءٍ خَالَطَهُ أَيْ مَازَجَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ أَيْ مُفَارِقٌ غَالِبًا مَازَجَ الْمَاءَ وَتَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ، وَمَفْهُومُ خَالَطَ أَمْرَانِ مُجَاوِرٌ غَيْرُ مُلَاصِقٍ وَمُجَاوِرٌ مُلَاصِقٌ فَأَمَّا الْمُجَاوِرُ الْمُلَاصِقُ فَحُكْمُهُ كَالْمُمَازِجِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا، وَيُمْكِنُ شُمُولُ الْمُصَنِّفِ لَهَا بِأَنْ يُرَادَ بِالْمُخَالِطِ الْمُلَابِسُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُلَاصِقِ فَلَا يَضُرُّ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا لَوْ فَرَضْنَا أَوْ رِيحًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: نَجِسٍ] كَالْبَوْلِ

قَوْلُهُ: (إلَّا غَيَّرَتْ لَوْنَهُ الْأَرْضُ الَّتِي هُوَ) أَيْ الْمَاءُ (بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا وَمُلَازَمَتِهِ لَهَا (مِنْ سَبَخَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ، وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ مِلْحٍ وَرَشْحٍ مُلَازِمٍ (أَوْ حَمْأَةٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهِيَ طِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ (وَنَحْوِهِمَا) كَالْمِلْحِ وَالْكِبْرِيتِ مِمَّا يَكُونُ قَرَارًا لَهُ فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا هُوَ قَرَارٌ لَهُ فَغَيَّرَهُ كَإِلْقَاءِ رِيحٍ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا، وَالتُّرَابُ وَالْمِلْحُ الْمَطْرُوحُ فِيهِ قَصْدًا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَمَاءُ السَّمَاءِ) الْمُرَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ طَاهِرٍ] كَاللَّبَنِ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْقَطِرَانُ يَكُونُ دِبَاغًا لِلْقِرْبَةِ، فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دِبَاغًا فَيَضُرُّ تَغَيُّرُ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ، لَا الرِّيحِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسَافِرٍ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ الْقَطِرَانُ فِي أَسْفَلِ الْمَاءِ أَوْ أَعْلَاهُ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ] ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مَشُوبٍ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْمَخْلُوطِ بِالنَّجَاسَةِ الْمُغَيِّرَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ بِحَسَبِهِ، فَالتَّكْرَارُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ طَرَفٍ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَوْ طَاهِرٍ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُهُ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ غَيْرَ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُنَاسِبُ الطَّرَفَ الَّذِي لَيْسَ تَكْرَارٌ بِحَسَبِهِ الَّذِي هُوَ طَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَا غَيَّرَتْ إلَخْ] اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ طَاهِرًا مُنْقَطِعًا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُخَالِطُ الْحَالُّ وَمُتَّصِلًا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُلَابِسُ. [قَوْلُهُ: لَوْنَهُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْ الْمُقَرِّ غَالِبًا. [قَوْلُهُ: الَّتِي هُوَ بِهَا] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ تَغَيُّرُهُ بِأَجْزَاءِ الْأَرْضِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا [قَوْلُهُ: حَالَ اتِّصَالِهِ] سَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي هُوَ بِهَا قَيْدٌ، وَقَوْلُهُ وَحَالَ قَيْدٌ آخَرُ [قَوْلُهُ: وَمُلَازَمَتِهِ] عَيَّنَ الَّذِي قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَالْمُوَحَّدَةِ] أَيْ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ] أَيْ فَتْحِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَتَى لَفْظَ سَبَخَةٍ بِفَتْحِ الْأَحْرُفِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَارِحُنَا وَهُوَ تَابِعٌ فِيهِ لِمُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَكَذَا رِوَايَةُ الْفَاكِهَانِيِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَصَدَّرَ تت، بِأَنَّهَا بِكَسْرِ الْبَاءِ أَقُولُ: وَفِي عِبَارَتِهِ بَحْثٌ عَنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِثُمَّ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ التَّاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مَفْتُوحًا، وَيُجَابُ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِيضَاحَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ] أَيْ السَّبَخَةُ وَقَوْلُهُ وَرَشْحٍ أَيْ الْمِلْحِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ وَقَضِيَّةُ الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ مُلَازِمٍ، أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَمُ لُزُومِهِ لَا يُقَالُ لَهَا سَبَخَةٌ، وَانْظُرْهُ ثُمَّ أَقُولُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُغَيِّرَ نَفْسُ الْأَرْضِ، مَعَ أَنَّ الْمُغَيِّرَ مَا حَلَّ فِيهَا مِنْ الْمِلْحِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ وَمُفَادُهُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَيْسَتْ مِلْحًا بَلْ تَرْشَحُ مِلْحًا، هَذَا وَاَلَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ أَرْضٌ سَبَخَةٌ أَيْ مَلِحَةً، وَفِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَالسَّبَخَةُ الْمَالِحَةُ أَيْ الَّتِي لَا تُنْبِتُ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا، [قَوْلُهُ: مُنْتِنٌ] هَذَا النَّتْنُ ذَاتِيٌّ لَا مِنْ شَيْءٍ طَارِئٍ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْمُشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ سَبَخَةٍ، وَكَذَا إذَا تَغَيَّرَ بِالْجِيرِ أَوْ الْفَخَّارِ وَجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ، وَلَوْ صُنِعَتْ وَكَذَلِكَ بِالْحَدِيدِ وَصَدَئِهِ، [قَوْلُهُ: فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ] مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ حَالَ اتِّصَالِهِ بِهَا، هَذَا إذَا أُرِيدَ مِمَّا هُوَ قَرَارٌ لَهُ بِالْفِعْلِ، فَلَوْ أُرِيدَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ قَرَارًا لَهُ كَانَ قَرَارًا لَهُ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا فَيَكُونَ مُحْتَرِزًا لِلْقَيْدَيْنِ مَعًا [قَوْلُهُ: وَالتُّرَابُ إلَخْ] تَخْصِيصُهُ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ وَالْمِلْحِ يُوهِمُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُشَارِكُهُمَا فِي الْخِلَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِمَا كَالتُّرَابِ كَمَا فِي بَهْرَامَ وَأَجَابَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، بِأَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَاءِ، وَأَبْعَدِهَا وَهُوَ الْمِلْحُ لِكَوْنِهِمَا طَرَفَيْ غَايَةٍ لِيُعْلَمَ مَا بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ، فَأَلْ فِي الْمِلْحِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمِلْحِ كَانَ أَصْلُهُ مَاءً وَجَمَدَ أَوْ صُنِعَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ بِنَارٍ أَوْ حِجَارَةٍ مِنْ مَعْدِنِهِ، نَعَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ أَرَاكٍ فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: قَصْدًا] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التُّرَابَ أَوْ غَيْرَهُ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ قَالَهُ بَهْرَامُ، [قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ] أَيْ عِنْدَ التَّغَيُّرِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لِلْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَطْرُوحَ

بِهِ الْمَطَرُ وَالنَّدَى وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ وَنَحْوُهُ ذَابَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ، (وَمَاءُ الْعُيُونِ وَمَاءُ الْآبَارِ) حَتَّى مَاءِ زَمْزَمَ (وَمَاءُ الْبَحْرِ) الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ (طَيِّبٌ) فِي ذَاتِهِ لِكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ مَا دَامَ غَيْرَ مُخَالَطٍ بِنَجِسٍ (مُطَهِّرٌ لِ) غَيْرِهِ كَا (لنَّجَاسَاتِ) وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ مَا دَامَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَاءِ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَعَنْ ابْنِ شَعْبَانَ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصْدًا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لِانْفِكَاكِ الْمَاءِ عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَالثَّلْجُ] هُوَ مَاءٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَنْعَقِدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَذُوبُ بَعْدَ جُمُودِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَرَدُ] بِفَتْحَتَيْنِ شَيْءٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّحَابِ يُشْبِهُ الْحَصَا قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ] أَيْ كَالْجَلِيدِ مَا يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ النَّدَى فَيَجْمُدُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ [قَوْلُهُ: وَمَاءُ الْآبَارِ] وَلَوْ آبَارَ ثَمُودَ فَيَصِحُّ الْوُضُوءُ بِمَائِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ، كَذَا قَالَ عج إلَّا أَنَّ شَارِحَ الْحُدُودِ جَزَمَ بِالْبُطْلَانِ فَيَقْدَحُ فِي قَوْلِ عج [قَوْلُهُ: حَتَّى مَاءِ زَمْزَمَ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي أَنَّهُ لَا تُزَالُ بِهِ نَجَاسَةٌ وَلَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ إكْرَامًا لَهُ كَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ تت، وَعِبَارَةُ ابْنِ شَعْبَانَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ، فَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْمَنْعِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، فِي كَرَاهَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَأَفَادَ الْحَطَّابُ، أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِهِ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حَبِيبٍ بِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَحَاصِلُ هَذِهِ الْغَايَةِ الَّتِي فِي كَلَامِ شَارِحِنَا إنَّمَا هِيَ لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ شَعْبَانَ عَلَى حَمْلِ عِبَارَتِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي خُصُوصِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، أَوْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَعْضَاءِ نَجَاسَةٌ. [قَوْلُهُ: الْعَذْبُ وَالْمَالِحُ] وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَالِحُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّغْيِيرِ إذْ طَعْمُهُ مُرٌّ مَالِحٌ وَرِيحُهُ مُنْتِنٌ. [قَوْلُهُ: طَيِّبٌ طَاهِرٌ إلَخْ] قَالَ تت: وَحَذْفُ طَاهِرٍ طَيِّبٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ، لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ اهـ، أَوْ أَنَّهُ لَا حَذْفَ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ وَاحِدًا، وَإِنْ اخْتَلَفَ بِالْإِضَافَةِ. [قَوْلُهُ: طَيِّبٌ فِي ذَاتِهِ إلَخْ] أَيْ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ [قَوْلُهُ: لِكُلِّ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ] أَيْ عَادَةً أَوْ عِبَادَةً فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ تَفْصِيلٌ لَهُ، فَأَشَارَ بِطَاهِرٍ إلَى الْعَادَاتِ وَأَشَارَ بِمُطَهِّرٍ إلَى الْعِبَادَاتِ، هَذَا مُرَادُ شَارِحِنَا وَقِيلَ إنَّ الطَّاهِرَ مُرَادِفٌ لِلطَّيِّبِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ [قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ [قَوْلُهُ: مَا دَامَ غَيْرَ مُخَالَطٍ بِنَجِسٍ] أَيْ أَصْلًا، وَلَا نَقُولُ أَوْ خَالَطَ وَلَمْ يُغَيَّرْ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَادَاتُ فَقَطْ، وَالشَّيْءُ إذَا نُظِرَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ يَتَحَقَّقُ فِي مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَوْ قَلِيلَةً نَجَّسَتْهُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَغَيُّرًا. [قَوْلُهُ: كَالنَّجَاسَاتِ] أَيْ كَمَحَلِّ النَّجَاسَاتِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمَحَلُّ لَا عَيْنُ النَّجَاسَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَخْ] إنْ قُلْت لِمَ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَحْدَاثِ، حَتَّى احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى زِيَادَتِهَا قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ تَطْهِيرَهُ لِلنَّجَاسَاتِ لِلْخِلَافِ فِيهَا، فَقَدْ قِيلَ إنَّهَا تُطَهَّرُ بِالْمُضَافِ، وَأَمَّا رَفْعُهُ لِلْحَدَثِ فَبِاتِّفَاقٍ فَلِذَلِكَ سَكَتَ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: أَصْلِ خِلْقَتِهِ] إضَافَةُ أَصْلٍ إلَى الْخِلْقَةِ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: لَمْ يُغَيِّرْهُ شَيْءٌ مِمَّا يَنْفَكُّ إلَخْ] صَادِقٌ بِأَنْ لَا يُغَيَّرَ أَصْلًا أَوْ يُغَيَّرَ بِمَا لَا يَنْفَكُّ، وَمِمَّا لَا يَنْفَكُّ تَغَيُّرُ النَّدَى بِالْبِرْسِيمِ يُجْمَعُ مِنْ فَوْقِهِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِقَرَارِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ الْخِلَافِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ إذَا كَانَ فِي الْبَعْضِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَاءِ السَّمَاءِ خِلَافٌ، وَكَذَا مَاءُ الْبَحْرِ، عَلَى مَا أَفَادَتْهُ عِبَارَتُهُ مِنْ ذِكْرِهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فَلَا يُعْقَلُ مِنْ كَلَامِهِ تَنْبِيهٌ عَلَى خِلَافٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى مَا أَفَادَتْهُ عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْآبَارِ إلَخْ] أَيْ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ شَعْبَانَ] هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ

بِمَاءِ زَمْزَمَ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُغَيِّرِهِ، وَبَدَأَ بِالْمُغَيِّرِ إذَا كَانَ طَاهِرًا فَقَالَ: (وَمَا غُيِّرَ لَوْنُهُ) أَيْ لَوْنُ الْمَاءِ يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِشَيْءٍ طَاهِرٍ) مِمَّا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا كَالْعَجِينِ (حَلَّ) أَيْ وَقَعَ (فِيهِ فَذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَادَاتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ (غَيْرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ لَا يُسْتَعْمَلُ (فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ) أَيْ غُسْلٍ اتِّفَاقًا (أَوْ) فِي (زَوَالِ نَجَاسَةٍ) فَمَنْ اسْتَنْجَى بِهِ أَعَادَ الِاسْتِنْجَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ دُونَ حُكْمِهَا، وَلَوْ أُزِيلَ بِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ لَاقَى مَحَلُّهَا وَهُوَ مَبْلُولٌ مَحَلًّا آخَرَ لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى الصَّحِيحِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجِسِ فَقَالَ: (وَمَا غَيَّرَتْهُ النَّجَاسَةُ) كَالْعَذِرَةِ سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ فِي طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ أَوْ كَثِيرًا كَانَتْ لَهُ مَادَّةٌ أَمْ لَا (فَلَيْسَ بِطَاهِرٍ) فِي نَفْسِهِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ (وَلَا مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ) فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَيْضًا هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتُهُ أَوْ أَخْبَرَهُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ بِنَجَاسَتِهِ، وَكَانَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ أَرْأَسَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ بِمِصْرَ فِي وَقْتِهِ وَأَحْفَظَهُمْ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْحَدِيثِ شَيْخَ الْفَتْوَى حَافِظَ الْبَلَدِ، وَكَانَ يَلْحَنُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ مَعَ غَزَارَةِ عِلْمِهِ قَالَهُ فِي الدِّيبَاجِ [قَوْلُهُ: كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ بِمَاءِ زَمْزَمَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ لِأَنَّهُ طَعَامٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هُوَ طَعَامٌ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافُهُ إلَّا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ، فَيُجَلُّ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ طَهَّرَ اهـ، أَقُولُ وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ خِلَافَ ابْنِ شَعْبَانَ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، لَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا كَانَ طَاهِرَ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ طَعَامًا أَنَّهُ يُحَرَّمُ لَا يُكْرَهُ الَّتِي تَنْصَرِفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّنْزِيهِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ، وَالْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا شَيْءٌ آخَرُ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى خِلَافِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ] أَيْ فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عَلَى مُفَادِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ] أَيْ الْبَحْرُ الْمَالِحُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ. قَالَ وَسُمِّيَ بَحْرًا لِعُمْقِهِ وَاتِّسَاعِهِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ طَعْمُهُ إلَخْ] قَالَ تت: وَلَعَلَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى اللَّوْنِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَغَيُّرَ الرِّيحِ وَالطَّعْمِ غَالِبًا اهـ. [قَوْلُهُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ] تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَادَاتِ إلَّا أَنَّهُ أَيْ الِاسْتِعْمَالَ فِي الْعِبَادَاتِ لَيْسَ لَازِمًا تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ لِوُجُودِهِ فِي مَاءِ الْعَجِينِ، وَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْعِبَادَاتِ، [قَوْلُهُ: فِي وُضُوءٍ أَوْ طُهْرٍ أَيْ غُسْلٍ] وَلَوْ كَانَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ غَيْرَ وَاجِبَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي زَوَالِ نَجَاسَةٍ] أَيْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ إلَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ] قَدْ يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أُزِيلَتْ بِهِ الْعَيْنُ، بَلْ كَثُرَتْ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالطَّعَامِ يُنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَقَوْلُهُ لَمْ يَتَنَجَّسْ، أَيْ مُلَاقِي مَحَلِّهَا مُشْكِلٌ غَايَةَ الْإِشْكَالِ، وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ، بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُضَافَ لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مَشْهُورٌ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِلْقَابِسِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُنَجَّسُ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ دَهَنَ الدَّلْوَ الْجَدِيدَ بِالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ أَيْ وَاسْتَنْجَى مِنْهُ، فَيُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءُ دُونَ غَسْلِ ثِيَابِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَعَ غَسْلِهَا عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا تَحَقَّقَ نَجَاسَتَهُ] أَيْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا ظَنَّ ذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ كَثِيرَةٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغَيُّرٌ [قَوْلُهُ: الْوَاحِدُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ، بَلْ وَالْأَكْثَرُ قَالَهُ النَّاصِرُ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ. [قَوْلُهُ: الْعَدْلُ] أَيْ عَدْلُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ غَيْرُ الْفَاسِقِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ

مَذْهَبِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا فَلَا يُعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ غَيَّرَتْهُ أَنَّهَا إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ يَكُونُ طَاهِرًا مُطَهِّرًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ (وَقَلِيلُ الْمَاءِ) كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَآنِيَةِ الْغُسْلِ لِلْمُغْتَسِلِ (يُنَجِّسُهُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ طَهُورٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ وَقَدْ تَبَرَّعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَسْأَلَةٍ كَانَ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَهِيَ قَوْلُهُ: (وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (الْغُسْلِ) وَتَعْمِيمِهِ فِي الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ (سُنَّةٌ) قِيلَ أَرَادَ بِهَا الْمُسْتَحَبَّ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ: (وَالسَّرَفُ مِنْهُ) أَيْ الْإِكْثَارُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ (غُلُوٌّ) أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ (وَبِدْعَةٌ) أَيْ مُحْدَثٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَهِيَ حَرَامٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَبْدًا [قَوْلُهُ: وَكَانَ عَلَى مَذْهَبِهِ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: فَلَا يَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ] أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَازِرِيَّ قَالَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِخَبَرِهِ مُشْتَبَهًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْت لِمَ اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ يَكُونُ طَهُورًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ قُلْت إنَّمَا اسْتَحَبَّ تَرْكَهُ هُنَا؛ لِأَنَّ شَأْنَ خَبَرِ الْمُخْبِرِ، أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الشَّكِّ قَالَهُ عج: وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا أُخْبِرَ بِطَهَارَتِهِ أَوْ طَهُورِيَّتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَصَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى هَذَا وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ خَبَرَهُ إنْ بَيَّنَ وَجْهًا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا قَالَهُ عج أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَآنِيَةِ الْغُسْلِ لِلْمُغْتَسِلِ] لَا مَفْهُومَ لِلْمُغْتَسِلِ بَلْ هِيَ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ] أَيْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ] أَيْ اسْتِعْمَالَ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي لَمْ يَتَغَيَّرْ بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ فِيهِ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ النَّجَاسَةُ فَوْقَ الْقَطْرَةِ وَيُرْجَعُ فِي مِقْدَارِهَا لِلْعُرْفِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ جَارِيًا، فَلَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَوْ كَانَتْ قَطْرَةً أَوْ كَانَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ أَوْ جَارِيًا فَلَا كَرَاهَةَ فَلَوْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ، وَقَوْلُنَا بِحُلُولِ النَّجَاسَةِ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ الْحَالُ طَاهِرًا فَلَا كَرَاهَةَ أَيْ مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ وَالْأَسْلَمُ الطَّهُورِيَّةُ. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لَا أَبَدًا وَلَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةً لَهُ أَيْ لِلْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: كَانَ حَقُّهَا إلَخْ] يُنَافِي قَوْلَهُ تَبَرَّعَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذِكْرُهَا هُنَا مُخَالِفًا لِلْمَطْلُوبِ يَكُونُ مُرْتَكِبًا أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، لِأَنَّ الْمُتَبَرِّعَ مَحْمُودٌ وَهَذَا خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقِلَّةُ الْمَاءِ] أَيْ تَقْلِيلُهُ فِي حَالِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: أَيْ إتْقَانِ الْغَسْلِ] أَيْ تَيَقُّنِ الْغَسْلِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكْفِي [قَوْلُهُ: الْغَسْلِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ مَعَ الدَّلْكِ. [قَوْلُهُ: وَتَعْمِيمِهِ] أَيْ الْغَسْلِ [قَوْلُهُ: فِي الْعُضْوِ] أَرَادَ بِهِ جِنْسَ الْعُضْوِ فَيَصْدُقُ بِكُلِّهِ كَمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُ حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ يَشْتَرِكَانِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَذِكْرُهُ فِي أَحَدِهِمَا ذِكْرٌ لِلْآخَرِ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: قِيلَ أَرَادَ بِهَا الْمُسْتَحَبَّ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ فَلَمْ يُرِدْ بِهَا حَقِيقَتَهَا، وَلَمْ يَقْصِدْ التَّضْعِيفَ بِالتَّعْبِيرِ بِقِيلَ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَرَادَ بِهَا ضِدَّ الْبِدْعَةِ] أَيْ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ سُنَّةٌ أَيْ وَاجِبَةٌ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ مَا يَدُلُّ الشَّرْعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ جَزْمًا. قَالَ عج: وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَكُونُ إلَّا مُحَرَّمَةً، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ هُوَ الْمُوَافِقُ إلَخْ أَيْ مَعَ مُلَاحَظَةِ أَنَّ

وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي النَّوَادِرِ: وَالْقَصْدُ فِي الْمَاءِ مُسْتَحَبٌّ وَالسَّرَفُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ فِي كَلَامِهِ هُنَا الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ وَيَتْرُكَ التَّدْلِيكَ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَمْسُوحَ لَا يَطْلُبُ أَحْكَامَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَلَا تُطْلَبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاقْتِصَادِ فِي الْمَاءِ بِقَوْلِهِ: ( «وَقَدْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدٍّ» وَهُوَ وَزْنُ رِطْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِدْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا حَرَامًا، بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ] أَيْ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَيْسَ بِمُوَافِقٍ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ لَا تُقَابِلُ الْبِدْعَةَ [قَوْلُهُ: وَالسَّرَفُ مِنْهُ] الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَادَّةَ تَتَعَدَّى بِفِي وَإِنْ كَانَ الْإِكْثَارُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا لَا يَتَعَدَّى بِفِي. [قَوْلُهُ: الْإِكْثَارُ مِنْ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ، وَالْإِكْثَارُ لِصَبٍّ لِتَكُونَ اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى {فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} [هود: 32] أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ قَالَ وَقَوْلُ النَّاسِ أَكْثَرْت مِنْ الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيَانِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَكْثَرْت الْفِعْلَ مِنْ الْأَكْلِ، وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي الْوُضُوءِ] الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فِي الْغَسْلِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ لِيَشْمَلَ الْغُسْلَ بِضَمِّ الْغَيْنِ، [قَوْلُهُ: زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ] أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَوْ فِي بِمَعْنَى عَلَى أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينِ. [قَوْلُهُ: وَبِدْعَةٌ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ أَوْ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْدَثٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَيْثُ كَانَ بِدْعَةٌ مُقَابِلًا، لِقَوْلِهِ سُنَّةٌ فَلَا دَاعِيَ لِقَوْلِهِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ، أَيْ مُحْدَثَةٌ بِالتَّاءِ، وَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ تِلْكَ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ هِيَ الْأَمْرُ الْمُحْدَثُ فَلَا تُؤْخَذُ التَّاءُ فِي التَّفْسِيرِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ حَرَامٌ] أَيْ وَالْبِدْعَةُ حَرَامٌ إشَارَةً إلَى قِيَاسٍ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ تَقُولَ السَّرَفُ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ حَرَامٌ يَنْتِجُ السَّرَفُ حَرَامٌ، ثُمَّ أَقُولُ وَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْحُرْمَةُ لِصِدْقِهَا بِالْكَرَاهَةِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَ الْبِدْعَةَ بِقَوْلِهِ أَيْ مَنْهِيًّا عَنْهُ نَهْيًا جَازِمًا لِيَكُونَ مَارًّا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدْعَةِ، إحْدَاهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَةُ مَا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ ظَاهِرٍ [قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ] ضِدُّ الْإِفْرَاطِ أَيْ التَّقْلِيلُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ وَاجِبَيْنِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَالسَّرَفُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِمَا وَاحْتَرَزْنَا بِذَلِكَ عَنْ السَّرَفِ فِي غَيْرِهِمَا كَغَسْلِ الثَّوْبِ أَوْ الْإِنَاءِ لِزِيَادَةِ التَّنْظِيفِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ لِزِيَادَةِ الْغَسَلَاتِ فِيهِ، لِنَحْوِ تَبَرُّدٍ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ بَعْدُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدَ فَيَحْمِلُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ فِي تَوْجِيهِهِ فَالْمُرَادُ أَيْ فَيَكُونُ ذَاهِبًا إلَى تَفْسِيرِهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي الْمَقَامِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: الْكَرَاهَةُ] أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مِلْكَ الْغَيْرِ وَإِلَّا حُرِّمَ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي قَصْرَ كَرَاهَةِ الْإِسْرَافِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْأَوْضِيَةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْإِسْرَافِ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ السَّرَفُ غُلُوًّا وَبِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ فِي عِبَادَةٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّرْعِ التَّقْلِيلُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ عج، إنَّهُ يَشْمَلُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ] الْمُنَاسِبُ فِي الْمَقَامِ أَنْ يُضْمِرَ فَيَقُولَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ هُوَ كَثْرَةُ صَبِّ الْمَاءِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَظْهَرَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِسْرَافَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ صَبِّ الْمَاءِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تُطْلَبُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ] فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ عَيْنَ الْحُكْمِ فِي الْمُبَالَغَةِ هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ، وَحَرَّرَ ثُمَّ أَقُولُ إنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْأَحْكَامِ الْمُبَالَغَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُفَسَّرُ بِالْمُبَالَغَةِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَمْرِ الْمَطْلُوبِ عَلَى وَجْهِ الْيَقِينِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ تَوَضَّأَ] أَيْ

[باب طهارة الثوب والبقعة]

وَثُلُثٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ، وَالرِّطْلُ اثْنَا عَشَرَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثَانِ، وَالدِّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْوَسَطِ (وَتَطَهَّرَ) أَيْ «اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاعٍ» وَهُوَ) أَيْ وَزْنُهُ (أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) فَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالرِّطْلِ الْمَذْكُورِ، وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْإِخْبَارُ عَنْ فَضِيلَةِ الِاقْتِصَادِ وَتَرْكِ الْإِسْرَافِ وَعَنْ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَكْفِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ لَا يُجْزِئُ مَا دُونَهُ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمِيَاهِ وَمَا تَبَرَّعَ بِهِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَبَدَأَ بِالْبُقْعَةِ عَكْسَ مَا فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ) الَّتِي تَمَاسُّهَا أَعْضَاءُ الْمُصَلِّي (لِ) أَجْلِ (الصَّلَاةِ وَاجِبَةٌ) وَيُرْوَى وَاجِبٌ بِإِسْقَاطِ التَّاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَمْرٍ (وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ) وَاجِبَةٌ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَانْظُرْ لِمَ يَذْكُرْ طَهَارَةَ الْبَدَنِ، وَهِيَ أَيْضًا وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ الْمَذْكُورِ (فَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ اُنْظُرْ قَوْلَهُ يَتَوَضَّأُ عَلَى هَذَا حِينَ تَوَضَّأَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا الْجُزُولِيُّ لَمْ أَرَ نَصًّا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَتَطَهَّرَ] أَيْ اغْتَسَلَ بَعْدَ زَوَالِ الْأَذَى كَمَا فِي تت [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ] أَيْ بِالْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمُرَاعَى الْقَدْرُ الْكَافِي لِكُلِّ أَحَدٍ، وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ شَعْبَانَ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَعِبَارَةِ غَيْرِهِ إلَّا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِحَدٍّ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَالْمُقَابِلُ لَهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ الْقَائِلِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ فِي الْوُضُوءِ وَلَا أَقَلُّ مِنْ صَاعٍ فِي الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: عَنْ فَضِيلَةِ الِاقْتِصَادِ] أَيْ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَقَوْلُهُ وَتَرْكِ مَعْطُوفٌ عَلَى الِاقْتِصَادِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَاعَى كَمَا فِي عج الْقَدْرُ الْكَافِي لِكُلِّ أَحَدٍ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: إذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِي قَدْرِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْإِسْبَاغِ أَنْ يُقَلِّلَ الْمَاءَ وَلَا يَسْتَعْمِلَ زِيَادَةً عَلَى الْإِسْبَاغِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ السَّرَفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ مُدٍّ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَعَنْ الْقَدْرِ الَّذِي إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ فَضِيلَةِ إلَخْ، وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي كَانَ يَكْفِيهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي التَّقْلِيلِ، وَإِنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مِثْلَ الْمُصْطَفَى فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ مُجَرَّدَ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَا أَنَّهُ حَدٌّ لَا يُجْزِئُ مَا دُونَهُ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُدَّ وَالصَّاعَ قَدْرٌ لَا يُجْزِئُ مَا دُونَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ. [بَاب طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ] [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْبُقْعَةِ عَكْسَ مَا فِي التَّرْجَمَةِ] فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُرَتَّبِ لِوُجُودِ فَصْلٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْمُرَتَّبِ فَفِيهِ فَصْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَطَهَارَةُ الْبُقْعَةِ] أَيْ تَطْهِيرُهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَّصِفُ بِالْوُجُوبِ أَوْ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَمَاسُّهَا أَعْضَاءُ الْمُصَلِّي] اُحْتُرِزَ عَنْ الْمُومِئِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَهَارَةُ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ لَا طَهَارَةُ مَا يُومِئُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ عَسْرَ عِمَامَتِهِ حَالَ الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَائِلَ مَانِعٌ مِنْ فَرْضٍ مُجْمَعٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمَوْضِعِ فَإِنَّ أَمْرَهَا خَفِيفٌ لِلْخِلَافِ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ إلَخْ] أَيْ الطَّهَارَةُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا طَهَارَةُ الْبُقْعَةِ لَا لِلصَّلَاةِ كَذِكْرٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ، فَمَنْدُوبٌ كَذَا ظَهَرَ لِي، وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَحَرَّرَهُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ] أَيْ مَحْمُولُ الْمُصَلِّي وَلَوْ طَرَفَ عِمَامَتِهِ الْمُلْقَى بِالْأَرْضِ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ] تَوْضِيحٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَيْ، وَأَمَّا لِغَيْرِهَا فَيُقَالُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لَمْ يَذْكُرْ طَهَارَةَ الْبَدَنِ إلَخْ] أَجَابَ ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا اكْتِفَاءً بِمَا يَذْكُرُهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: لِأَنَّ كَلَامَهُ دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ أَحْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا خَارِجَانِ عَنْ الْبَدَنِ فَالدَّاخِلُ فِيهِ أَحْرَى، وَانْظُرْ لِمَ جَعَلَ طَهَارَةَ الْبُقْعَةِ أَصْلًا وَحَمَلَ طَهَارَةَ الثَّوْبِ عَلَيْهَا؟ فَهَلْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ بَلْ رُبَّمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ فِي الثَّوْبِ آكِدًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ نَجَاسَةٌ لَا تَمَاسُّ وَلَا

الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ (وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ) يَعْنِي مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ (وَقِيلَ) : إنَّ ذَلِكَ فِيهِمَا وَفِي الْبَدَنِ وَاجِبٌ (وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ) وَقَدْ شُهِرَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ مُتَعَمِّدًا قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا أَعَادَ أَبَدًا، وَإِنْ صَلَّى بِهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى الثَّانِي يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ إلَى الِاصْفِرَارِ، وَفِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ، وَفِي الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ. وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ طَهَارَةَ الْبُقْعَةِ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ نَبَّهَ عَلَى مَوَاضِعِ نَهْيِ الشَّارِعِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ: (وَيُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ) لَوْ قَالَ: وَنُهِيَ لَكَانَ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: عَنْ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَقْبُرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُصَلِّي بِثَوْبٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَإِنْ لَمْ تَمَسَّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّشْبِيهَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُدْخِلَ الْآكَدِيَّةِ، بَلْ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَيْضًا وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ] وَأَمَّا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَمَنْدُوبٌ فَإِزَالَتُهَا عَنْ بَدَنِهِ حَيْثُ تَمْنَعُ الطَّهَارَةَ فَرْضٌ، وَحَيْثُ لَا تَمْنَعُهَا مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَعْرَقُ فِيهِ اهـ، وَقِيلَ تَجِبُ إزَالَتُهَا وَيُحَرَّمُ بَقَاؤُهَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. تَنْبِيهٌ: إذَا لَبِسَ ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا وَعَرِقَ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَ يَتَحَلَّلُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيَلْتَصِقُ بِالْجَسَدِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْعَرَقُ، فَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْمُتَحَلِّلَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ شَيْءٌ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ فِي الْجَسَدِ فَلَا يَجِبُ غَسْلٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ مَنِيًّا وَفَرَكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحَلُّلُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ذَكَرَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ] أَرَادَ بِالْوُجُوبِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فَيَشْمَلُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْ ثِيَابِ الصَّبِيِّ لَا مَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: الْمُؤَكَّدَةِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِأَيْ فَيَقُولَ أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ تَفْسِيرًا لِكَوْنِ السُّنَّةِ وَاجِبَةً، أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ السُّنَنِ وَاجِبَةً أَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ [قَوْلُهُ: وَقَدْ شُهِرَ كُلٌّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ] أَمَّا الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ فَهُوَ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَبَا الْفَرَجِ وَرِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا الْقَوْلُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ فَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ سَوَاءٌ صَلَّى بِهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا، هَكَذَا فُسِّرَ الْإِطْلَاقُ، وَهُوَ مُفَادُ مَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عج عَلَى خَلِيلٍ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّسْيَةِ اهـ، وَعَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقًا لِمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَيْدَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فَقَطْ وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَوَّاقَ يُفِيدُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ] فِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ إعَادَتُهُمَا لِلْغُرُوبِ كَمَا أَنَّ الْعِشَاءَيْنِ يُعَادَانِ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا هِيَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ فَأَشْبَهَتْ التَّنَفُّلَ، فَكَمَا لَا يَتَنَفَّلُ إذَا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ فَكَذَلِكَ لَا يُعِيدُ فِيهِ مَا يُعَادُ فِي الْوَقْتِ، وَكُلَّمَا جَازَ التَّنَفُّلُ فِي اللَّيْلِ كُلِّهِ جَازَتْ الْإِعَادَةُ فِيهِ، وَقَدْ يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَتُجَوِّزُونَهَا فِي الِاصْفِرَارِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُنْهَى فِيهِ عَنْ التَّنَفُّلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ بَعْدَ الْعَصْرِ يُتَنَفَّلُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الصُّبْحِ إلَى الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصُّبْحُ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ تُعَادَ الظُّهْرُ أَنْ لِلْغُرُوبِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِأَنَّ مُخْتَارَهَا لِلطُّلُوعِ. [قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ] أَجَابَ الْفَاكِهَانِيُّ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمُضَارِعِ يُشْعِرُ بِدَوَامِ اسْتِمْرَارِ النَّهْيِ وَتَجَدُّدِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إلَيْهِ النَّسْخُ، بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّهَا مُشْعِرَةٌ بِالِانْقِرَاضِ دُونَ التَّجَدُّدِ [قَوْلُهُ: وَلِيُوَافِقَ لَفْظَ الْحَدِيثِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي، وَإِنْ

وَالْحَمَّامِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ» ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ السَّبْعَةَ وَزَادَ وَاحِدًا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَأَتَى بِهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ، وَالْحُكْمُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَرْتِيبِ مَا ذَكَرَ فَنَقُولُ: أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ (فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ) جَمْعُ مَعْطِنٍ أَوْ عَطَنٍ، وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ صُدُورِهَا مِنْ الْمَاءِ فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ الْمَشْهُورُ وَلَوْ أَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ بَسَطَ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَخَالَفَ وَصَلَّى فَهَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا أَعْنِي عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ يُعِيدُ النَّاسِي خَاصَّةً فِي الْوَقْتِ وَالْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ أَبَدًا؟ قَوْلَانِ. (وَ) أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي (مَحَجَّةِ الطَّرِيقِ) وَهِيَ قَارِعَتُهَا وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ (وَ) أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى (ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) أَيْ الْكَعْبَةِ فَنَهْيُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَمَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِهَا فَرْضًا أَعَادَ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبِنَائِهَا. ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ جَائِزَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ يُقْرَأُ فِي الْمُصَنِّفِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي الْحَدِيثِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: وَفَوْقَ ظَهْرِ إلَخْ] أَتَى بِذِكْرِ ظَهْرِ إشَارَةً إلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهَا عَلَى مَوْضِعٍ هُوَ أَعْلَى مِنْ الْبَيْتِ كَأَبِي قُبَيْسٍ تت، وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَضَعَ سَرِيرًا بِإِزَاءِ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فَوْقَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى تَرْتِيبِ مَا ذَكَرَ] أَيْ الْمُصَنِّفُ. [قَوْلُهُ: جَمْعُ مَعْطِنٍ] عَلَى وَزْنِ مَجْلِسٍ وَقَوْلُهُ أَوْ عَطَنٍ عَلَى وَزْنِ سَبَبٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ قَالَ تت، وَيُجْمَعُ مَعْطِنٌ عَلَى أَعْطَانٍ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهَا عِنْدَ صُدُورِهَا مِنْ الْمَاءِ] أَيْ صُدُورِهَا بَعْدَ شُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عج، وَهُوَ مَبْرَكُهَا قُرْبَ الْمَاءِ لِلشُّرْبِ عَلَلًا، وَهُوَ الشُّرْبُ الثَّانِي بَعْدَ نَهَلٍ وَهُوَ الشُّرْبُ الْأَوَّلُ اهـ. وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّكَرُّرِ حَتَّى تَأْتِيَ الْكَرَاهَةُ قَالَ ح فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَوْضِعَ مَبِيتِهَا لَيْسَ بِمَعْطِنٍ وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ اهـ، وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا لِلتَّحْرِيمِ حَكَاهُ تت. [قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ] أَيْ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّعَبُّدِ وَقِيلَ: إنَّهَا مُعَلَّلَةٌ بِشِدَّةِ نُفُورِهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ بَسَطَ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْكَرَاهَةُ مَوْجُودَةٌ، وَلَوْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا طَاهِرًا، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ التَّعَبُّدُ عَلَى أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ أَوْ لَا وَلَوْ أَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ، [قَوْلُهُ: فَهَلْ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا] وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. فَلِذَا قَدَّمَهُ، [قَوْلُهُ: وَالْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ أَبَدًا] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا قَالَ عج، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْإِعَادَةَ الْأَبَدِيَّةَ تَكُونُ فِيمَا يُعَادُ اسْتِحْبَابًا، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّقْلَ يُتْبَعُ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَعْطِنِ مَكْرُوهَةً كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَنْ لَا إعَادَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَقْتَضِي إعَادَةً أَصْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي مَرَابِضِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ قَارِعَتُهَا] أَيْ أَعْلَاهَا أَيْ جَانِبُهَا وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ قَصْرُ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْجَانِبِ، لَكِنْ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ، الْمُفِيدُ تَعْمِيمُ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَانِبِ وَالْوَسَطِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَجَّةَ هِيَ الطَّرِيقُ، وَالطَّرِيقَ هِيَ الْمَحَجَّةُ [قَوْلُهُ: فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ] مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا بِأَرْوَاثِ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالِهَا وَتُنْدَبُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ فِيهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَالصَّلَاةُ فِيهَا حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ وَلَا إعَادَةَ كَمَا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ، وَمِثْلُ الصَّلَاةِ لِضِيقٍ مَا إذَا فَرَشَ عَلَيْهَا طَاهِرًا وَصَلَّى فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ، وَقُلْنَا حَيْثُ شَكَّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ، وَمِمَّا إذَا تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ طَرِيقًا كَالصَّحْرَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ عِنْدَ الشَّكِّ كَتَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ. [قَوْلُهُ: فَنَهْيُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ وَأَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا هَذَا تَتِمَّةُ الْمَشْهُورِ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعَادَ أَبَدًا وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إيقَاعِ الْفَرْضِ عَلَيْهَا وَإِنْ فَعَلَهُ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ [قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبِنَائِهَا] أَيْ أَنَّ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ اسْتِقْبَالُ بِنَائِهَا، وَاَلَّذِي فَوْقَ ظَهْرِهَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ

وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ (وَ) أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي (الْحَمَّامِ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ (حَيْثُ لَا يُوقَنُ مِنْهُ بِطَهَارَةٍ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ أَيْقَنَ بِطَهَارَتِهِ فَالصَّلَاةُ فِيهِ جَائِزَةٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ. (وَ) أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي (الْمَزْبَلَةِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا مَكَانُ طَرْحِ الزِّبْلِ (وَ) عَنْ الصَّلَاةِ فِي (الْمَجْزَرَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلنَّحْرِ أَوْ لِلذَّبْحِ فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَإِلَّا جَازَتْ وَحَيْثُ قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ، وَصَلَّى فِيهَا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَامِدًا أَوْ غَيْرَهُ. (وَ) أَمَّا النَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي (مَقْبُرَةِ الْمُشْرِكِينَ) فَنَهْيُ كَرَاهَةٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ كَمَا وَقَفْت عَلَيْهِ. ك: الْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثُ الْبَاءِ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْبُوشَةٍ وَلَيْسَ فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ شَيْءٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَاءَهَا، وَمَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْفَرْضِ بِظَهْرِهَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ اسْتِقْبَالُ هَوَائِهَا، وَالْمُرَادُ جُمْلَةُ الْبِنَاءِ لَا بَعْضُهُ خِلَافًا لِبَعْضٍ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ مَنْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ يُلَاحَظُ اسْتِقْبَالُ ذَاتِ الْبِنَاءِ لَا الْهَوَاءِ، وَمِثْلُ الْفَرْضِ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ فَوْقَهَا السُّنَنُ وَالنَّوَافِلُ الْمُؤَكَّدَةُ كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، الْوَاجِبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ قَائِلًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا النَّفَلُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدِ فَيَصِحُّ بِلَا نِزَاعٍ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَلَوْ نَفْلًا تَحْتَهَا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَمِيعُ جُدُرِهَا. [قَوْلُهُ: قَالَهُ اللَّخْمِيُّ إلَخْ] وَهُوَ ضَعِيفٌ، [قَوْلُهُ: جَوَازُ النَّفْلِ] أَيْ غَيْرِ الْمُؤَكَّدِ، بَلْ يُنْدَبُ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُؤَكَّدُ مِثْلُ الرَّغِيبَةِ وَالسُّنَّةِ فَيُكْرَهُ وَلَا إعَادَةَ. [قَوْلُهُ: دُونَ الْفَرْضِ] أَيْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَائِزٍ، وَهَلْ يُحَرَّمُ أَوْ يُكْرَهُ الْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ، وَعَلَيْهِ فَتُعَادُ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ، وَعَلَى التَّحْرِيمِ فَتُعَادُ أَبَدًا، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ الِاصْفِرَارُ فِي الظُّهْرَيْنِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، فَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْقَرِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْفَرْضُ الْعَيْنِيُّ، احْتِرَازًا عَنْ الْكِفَائِيِّ كَالْجِنَازَةِ فَعَلَى الْفَرْضِيَّةِ تُعَادُ بِالْفِعْلِ فِيهَا وَعَلَى السُّنِّيَّةِ لَا وَعَلَى كُلٍّ فَالْكَرَاهَةُ، [قَوْلُهُ: فِي الْحَمَّامِ] أَيْ فِي جَوْفِهِ احْتِرَازًا مِنْ خَارِجِهِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَزْعِ الثِّيَابِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ يُتَيَقَّنْ نَجَاسَةٌ. [قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُوقَنُ مِنْهُ بِطَهَارَةٍ] أَيْ وَلَا بِنَجَاسَةٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْأُولَى، وَيُمْنَعُ فِي الثَّانِيَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي خَارِجِهِ جَائِزَةٌ تُيُقِّنَتْ الطَّهَارَةُ أَوْ شُكَّ فِيهَا، وَفِي دَاخِلِهِ تَجُوزُ حَيْثُ تُيُقِّنَتْ الطَّهَارَةُ فَقَطْ، فَإِنْ شُكَّ فِيهَا كُرِهَ كَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ ذَكَرَ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: مَكَانُ طَرْحِ الزِّبْلِ] أَيْ الْمَحَلُّ الْمُعَدُّ لِطَرْحِ الزِّبْلِ [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُؤْمَنْ مِنْ النَّجَاسَةِ] أَيْ إذَا شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ تَيَقُّنِهَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا جَازَتْ] أَيْ وَإِنْ أَمِنَ جَازَتْ، وَهَذَا الْكَلَامُ رَاجِعٌ لِلْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ فَإِنْ قُلْت مَحَلُّ الْجَزْرِ مُتَحَقِّقُ النَّجَاسَةِ، وَكَذَا مَحَلُّ طَرْحِ الزِّبْلِ قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمَحَلَّ الْمُعَدَّ لِذَلِكَ لَوْ صَلَّى فِيهِ مُتَنَحِّيًا عَنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ، فِيهِ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا اسْتَحْسَنَهُ بَعْضُهُمْ، مِنْ عَدَمِ الْإِعَادَةِ سَوَاءٌ طَالَ عَلَيْهَا الزَّمَنُ وَأَصَابَهَا الْمَطَرُ أَمْ لَا قَالَ عج. وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ مَحَلِّ تَقْطِيعِ اللَّحْمِ وَمَحَلِّ الْقُمَامَةِ، حَيْثُ شَكَّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ اهـ. وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا مَحَلَّ تَعْلِيقِ اللَّحْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي مَقْبُرَةِ الْمُشْرِكِينَ إلَخْ] مُرُورٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ حَبِيبٍ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ يُعِيدُ أَبَدًا إلَّا أَنْ تَكُونَ مُنْدَرِسَةً فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يُعِيدُ، وَأَمَّا مَقْبُرَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً، كَذَا نُقِلَ عَنْهُ وَمُفَادُهُ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَخْ] أَيْ فَالنَّهْيُ فِيهِ مُطْلَقٌ فِي مَقْبُرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ فَإِنَّهُ رَوَى الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ مُسْتَدِلًّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْمَقَابِرِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَقْبُرَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَيَكُونُ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ، وَأَبْقَاهُ عَلَى إطْلَاقِهِ اللَّخْمِيُّ وَرِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ

أَجْزَاءِ الْمَقْبُورِينَ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَوَاضِعِ الصَّلَاةِ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَقْبُورِينَ، فَيَجْرِي حُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْآدَمِيِّ هَلْ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا؟ وَهَذَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَقَابِرُ الْكُفَّارِ فَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ الصَّلَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، لَكِنْ مَنْ صَلَّى فِيهَا وَأَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا عَلَى نَجَاسَةٍ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الثَّامِنُ الَّذِي زَادَهُ الشَّيْخُ فَهُوَ قَوْلُهُ: (وَكَنَائِسِهِمْ) جَمْعُ كَنِيسَةٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ النُّونِ مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ. ك: كَرِهَ مَالِكٌ الصَّلَاةَ فِي الْكَنَائِسِ لِنَجَاسَتِهَا مِنْ أَقْدَامِهِمْ، فَإِنْ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ دُونَ حَائِلٍ طَاهِرٍ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اضْطَرَّ إلَى النُّزُولِ فِيهَا فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ نَجَاسَتُهَا، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْعَامِرَةِ، وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ وَهَذِهِ عِبَارَةُ ك. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ] وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ، وَهُوَ شَاذٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، وَوَجْهُهُ الِالْتِفَاتُ إلَى عُمُومِ النَّهْيِ؛ وَلِأَنَّ أَصْلَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، اتِّخَاذُ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ، وَوَجْهُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، فَإِنْ قُلْت كَيْفَ تُجْعَلُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَقْبُرَةِ جَائِزَةً مَعَ أَنَّ الْقَبْرَ حَبْسٌ يُكْرَهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةُ تَسْتَلْزِمُ الْمَشْيَ عَلَيْهِ، قُلْت أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَشْيِ اهـ. [قَوْلُهُ: هَلْ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ] وَعَلَيْهِ فَالْمُصَلِّي فِيهَا مُصَلٍّ عَلَى نَجَاسَةٍ، وَيَكُونُ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، حَيْثُ تَحَقَّقَ وُجُودُ الْأَجْزَاءِ بِهَا كَمَا أَفَادَهُ عج وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّنْجِيسِ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَا] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ، فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ حَيْثُ شَكَّ أَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُ الْأَجْزَاءِ بِهَا كَمَا أَفَادَهُ عج، وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ مِنْ حَيْثُ الْإِهَانَةُ أَوْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا مَشْيًا عَلَى الْقَبْرِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الصَّلَاةِ فَلَا كَرَاهَةَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَخْ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْعَامِرَةِ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ فِيهَا بِالْإِعَادَةِ أَبَدًا وَمُحْتَمِلَةٌ لِلْحُرْمَةِ وَالتَّنْزِيهِ فِي الدِّرَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا يُعِيدُ أَوْ تُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا مُطْلَقًا عَامِرَةً وَدَارِسَةً، أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا حُفْرَةً كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَإِنْ حُرِّمَتْ فِي الْعَامِرَةِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ الْإِعَادَةُ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ] هَذِهِ الْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْعَامِرَةِ وَالدَّارِسَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَادَةُ فِي خُصُوصِ الْعَامِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَأَمِنَ مِنْ النَّجَاسَةِ] أَيْ حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنْ لَا نَجَاسَةَ بِهَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ دَارِسَةً كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُؤْمَنْ كَانَ مُصَلِّيًا عَلَى نَجَاسَةٍ] أَيْ بِأَنْ كَانَتْ عَامِرَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَدَمَ الْأَمْنِ صَادِقٌ بِالشَّكِّ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ إنَّ ابْنَ حَبِيبٍ يَحْكُمُ بِإِعَادَةِ الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ أَبَدًا رَعْيًا لِلْغَالِبِ اهـ. وَبَعْدَ أَنْ بَيَّنَّا لَك مُرَادَ الشَّارِحِ نُوَضِّحُ لَك الْمَسْأَلَةَ، فَنَقُولُ: وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا، أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا مَشْيًا عَلَى الْقَبْرِ أَوْ إهَانَةً تَجُوزُ فِي الْمَقْبُرَةِ عَامِرَةً أَوْ دَارِسَةً تَيَقَّنَ نَبْشَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلًا أَوْ لَا كَانَتْ لِمُشْرِكٍ أَوْ لِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ بَيْنَ يَدَيْهِ حَيْثُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَإِنْ شَكَّ فِيهَا فَالْكَرَاهَةُ مَعَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ فَيُعِيدُ الْعَامِدُ وَالْجَاهِلُ أَبَدًا، وَالنَّاسِي فِي الْوَقْتِ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ النَّبْشِ فَالْجَوَازُ أَظْهَرُ، وَاتَّضَحَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ ضَعِيفٌ، وَمَا أَفَادَهُ صَدْرُ الشَّارِحِ مِنْ إطْلَاقِ النَّهْيِ، أَيْ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ أَمْ لَا ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: مَوْضِعُ تَعَبُّدِهِمْ] أَيْ لِيَشْمَلَ الْكَنِيسَةَ الَّتِي لِلنَّصَارَى وَالْبِيَعَ الَّتِي هِيَ لِلْيَهُودِ وَبَيْتَ النَّارِ الَّتِي هِيَ لِلْمَجُوسِ [قَوْلُهُ: لِنَجَاسَتِهَا مِنْ أَقْدَامِهِمْ] أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ ذَلِكَ لَا أَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ، وَإِلَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا حَرَامًا مَعَ بُطْلَانِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِهِ] أَيْ مَذْهَبِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: فَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ] أَيْ مَعَ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ] أَيْ بِأَنْ شَكَّ [قَوْلُهُ: انْتَهَى] حَاصِلُهُ أَنَّ مَعَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ مَا لَمْ يُضْطَرَّ فَيَنْتَفِيَا وَيُعِيدُ أَبَدًا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، حَيْثُ كَانَ

[ما يجزئ من اللباس في الصلاة]

الْعَامِرَةُ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا انْتَهَى. وَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي التَّوْضِيحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمَ: وَهَذَا فِي الْكَنَائِسِ الْعَامِرَةِ، وَأَمَّا الْكَنَائِسُ الدَّارِسَةُ الْعَافِيَةُ مِنْ آثَارِ أَهْلِهَا فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمِيَاهِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ وَمَا اسْتَطْرَدَهُ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَدَأَ بِمَا يُجْزِئُ الرَّجُلَ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ مِنْ اللِّبَاسِ ثَوْبٌ سَاتِرٌ) لِلْعَوْرَةِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا (مِنْ دِرْعٍ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ (أَوْ رِدَاءٍ) بِالْمَدِّ أَمَّا الرِّدَاءُ فَهُوَ مَا يُلْتَحَفُ بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيفًا لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ (وَ) أَمَّا (الدِّرْعُ) فَهُوَ (الْقَمِيصُ) وَهُوَ مَا يُسْلَكُ فِي الْعُنُقِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إلَّا أَنَّ دِرْعَ الرَّجُلِ مُؤَنَّثٌ وَدِرْعَ الْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّيَقُّنُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا، أَوْ فِيهَا وَإِلَّا فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إعَادَةَ عِنْدَ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ، وَهَذَا فِي الدَّارِسَةِ الْمُشَارِ لَهَا بِقَوْلِهِ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْعَامِرَةِ، وَأَمَّا الْعَامِرَةُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا، أَيْ عِنْدَ الشَّكِّ كَمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا إلَّا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ. [قَوْلُهُ: هَذَا فِي الْكَنَائِسِ الْعَامِرَةِ] أَيْ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْعَامِرَةِ إلَخْ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ التَّوْضِيحِ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ يَحْكُمُ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الدَّارِسَةِ، وَأَمَّا الْعَامِرَةُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا عِنْدَ الشَّكِّ، وَكَلَامُ التَّوْضِيحِ هَذَا يَحْكُمُ بِأَنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْعَامِرَةِ، وَأَمَّا الدَّارِسَةُ فَتَجُوزُ أَيْ عِنْدَ الشَّكِّ وَهَذَا أَيْ قَوْلُنَا، وَأَمَّا الدَّارِسَةُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَأَمَّا الدَّارِسَةُ الْعَافِيَةُ مِنْ آثَارِ أَهْلِهَا فَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت هَذَا التَّقْرِيرَ الَّذِي اتَّضَحَ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ مُطْلَقًا عَامِرَةً وَدَارِسَةً عَلَى فُرُشِهَا أَوْ غَيْرِهِ حَيْثُ صَلَّى فِيهَا اخْتِيَارًا، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ فَهِيَ صُوَرٌ ثَمَانِيَةٌ، الْكَرَاهَةُ فِي أَرْبَعٍ وَعَدَمُهَا فِي أَرْبَعٍ، وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ فَمُقَيَّدَةٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِيهَا اخْتِيَارِيًّا، وَأَنْ تَكُونَ عَامِرَةً وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى فُرُشِهَا الْمَشْكُوكِ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ فَلَا إعَادَةَ [قَوْلُهُ: الْعَافِيَةُ] هُوَ بِمَعْنَى الدَّارِسَةِ. [مَا يُجْزِئُ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ] [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ إلَخْ] أَيْ أَقَلُّ مَا يُصَلِّي فِيهِ الرَّجُلُ أَقَلِّيَّةً لَا إثْمَ مَعَهَا ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ [قَوْلُهُ: سَاتِرٌ لِلْعَوْرَةِ] فِيهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دِرْعٍ وَلَا عَلَى رِدَاءٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَصْدَهُ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ تَتَحَقَّقُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فَقَطْ، وُجِدَ سَاتِرٌ لِمَا عَدَاهَا كَمَا إذَا كَانَ السَّاتِرُ دِرْعًا وَرِدَاءً أَوْ لَا، فَقَوْلُهُ مِنْ دِرْعٍ وَرِدَاءٍ أَرَادَ مَثَلًا أَيْ أَوْ سِرْوَالٍ. [قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا] أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ بِأَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الرِّدَاءُ فَهُوَ مَا يُلْتَحَفُ بِهِ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الثِّيَابِ عَلَى عَاتِقَيْ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ زِيَادَةً عَلَى السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ بَيَانُ أَقْسَامِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَصِفُ] أَيْ يَصِفُ جِرْمَهَا أَيْ يُحَدِّدُهَا لِرِقَّتِهِ أَوْ إحَاطَتِهِ بِهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْوَصْفُ بِسَبَبِ رِيحٍ، فَإِنْ كَانَ بِسَبَبِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَمِثْلُهُ الْبَلَلُ بَلْ كَرَاهَةُ الْمُحَدِّدِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَشِفُّ] أَيْ فَإِنْ كَانَ يَشِفُّ فَتَارَةً تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَالصَّلَاةُ بِهِ بَاطِلَةٌ، وَتَارَةً لَا تَبْدُو إلَّا بِتَأَمُّلٍ، وَحُكْمُهُ كَالْوَاصِفِ فِي الْكَرَاهَةِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ، وَيُشْتَرَطُ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ مَعَ الْوَاصِفِ. وَالْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الشَّافِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الشَّرْطِيَّةَ فِي الْكَمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا ذَكَرَ. وَفِي الصِّحَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ قِسْمَيْ الشَّافِّ، أَقُولُ وَيَرُدُّ عَلَى الشَّارِحِ بَحْثٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِثْلَ التَّحْدِيدِ بِالرِّيحِ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا كَانَ التَّحْدِيدُ بِمِئْزَرٍ وَفُسِّرَ الْمِئْزَرُ بِالْمِلْحَفَةِ، أَيْ كَبُرْدَةٍ أَوْ حِزَامٍ فَيُضَمُّ بِجَمِيعِهِ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ تَحْدِيدٌ لِعَوْرَتِهِ، لَكِنْ دُونَ تَحْدِيدِ السِّرْوَالِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ لِكَوْنِ جُزْئِهِ عَلَى الْكَتِفِ فَلَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي زِيِّ الْعَرَبِ وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ بِخِلَافِ السِّرْوَالِ لَيْسَ مِنْ زِيِّهِمْ وَلِإِمْكَانِ تَغْطِيَتِهِ بِثَوْبٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدِّرْعُ فَهُوَ الْقَمِيصُ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي الرِّدَاءِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الَّذِي يَشِفُّ وَاَلَّذِي يَصِفُ يَجْرِي هُنَا. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ دِرْعَ الرَّجُلِ مُؤَنَّثٌ] فَهُوَ عَلَى حَدِّ ثَلَاثَةٍ بِالتَّاءِ قَلَّ لِلْعَشَرَةِ إلَخْ

مُذَكَّرٌ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، وَشُرِطَ فِيهَا مَعَ الْعِلْمِ الْقُدْرَةُ وَعَلَيْهِ مَنْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَعَادَ أَبَدًا. وَفِي الْقَبَسِ الْمَشْهُورُ أَنَّ السَّتْرَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ يُعِيدُ الْمُتَعَمِّدُ فِي الْوَقْتِ (وَيُكْرَهُ) لِلرَّجُلِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ) يَعْنِي كَتِفَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْمُثَنَّى، أَوْ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ (مِنْهُ شَيْءٌ) مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) الْمَكْرُوهَ بِأَنْ صَلَّى وَلَحْمُ كَتِفَيْهِ بَارِزٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَا يَسْتُرُهُ بِهِ (لَمْ يُعِدْ) مَا صَلَّى مُطْلَقًا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ ثَنَّى بِبَيَانِ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ) الْحُرَّةَ الْبَالِغَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ] وَأَمَّا لِغَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجِبُ لَكِنْ يُنْدَبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ فِي الْخَلْوَةِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ، وَيُكْرَهُ التَّجَرُّدُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ] هُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الإِسْكَنْدَرَانِي كَانَ إمَامًا فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ، اخْتَصَرَ التَّهْذِيبَ اخْتِصَارًا حَسَنًا، وَاخْتَصَرَ الْمُفَصَّلَ لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَكَانَ رَفِيقًا لِلشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ بْنِ الْحَاجِبِ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْإِبْيَارِيِّ، وَتَفَقَّهَا عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَلَّفَ الْبَيَانَ وَالتَّقْرِيبَ فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ وَهُوَ كِتَابٌ كَبِيرٌ جَمَعَ فِيهِ عِلْمًا جَمًّا وَفَوَائِدُهُ غَزِيرَةٌ وَأَقْوَالًا غَرِيبَةً نَحْوَ سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ وَلَمْ يَكْمُلْ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدِّيبَاجِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ] هِيَ مِنْ الذَّكَرِ الْبَالِغِ السَّوْأَتَانِ مِنْ الْمُقَدَّمِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ، وَمِنْ الْمُؤَخَّرِ الدُّبُرُ، كَمَا يُفِيدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا عَدَا الدُّبُرَ إلَى آخِرِ الْأَلْيَتَيْنِ لَيْسَ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يُعِيدُ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِكَشْفِ الْفَخِذِ وَلَوْ تَعَمَّدَ، وَأَمَّا كَشْفُ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ، أَوْ بَعْضِهَا أَوْ هُمَا أَوْ كَشْفُ عَانَةٍ وَمَا فَوْقَهَا لِسُرَّةٍ فَالْإِعَادَةُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ، وَالْجِنِّيُّ الذَّكَرُ كَالذَّكَرِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ الْبَالِغِ وَقَيَّدْنَا بِالْبَالِغِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ السَّتْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الرَّجُلِ فَلَوْ صَلَّى عُرْيَانًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ صَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فَلِأَشْهَبَ يُعِيدُ أَبَدًا أَيْ نَدْبًا وَلِسَحْنُونٍ يُعِيدُ بِالْقُرْبِ لَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. [قَوْلُهُ: وَشُرِطَ فِيهَا] أَيْ شَرْطَ صِحَّةٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْوُجُوبِ الشَّرْطِيَّةُ مَعَ أَنَّ الشَّرْطِيَّةَ مُرَادَةٌ أَتَى بِقَوْلِهِ وَشُرِطَ فِيهَا لِيُظْهِرَ الْمُرَادَ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ أَبَدًا] أَيْ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَمَّا الْعَاجِزُ وَالنَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ وَيُعِيدَانِ فِي الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَخْ] أَيْ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ شَرْطًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ أَوْ النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْهَرْ. [قَوْلُهُ: يُعِيدُ الْمُتَعَمِّدُ فِي الْوَقْتِ] أَيْ مَعَ الْعِصْيَانِ وَفِي قَوْلِهِ الْمُتَعَمِّدُ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ لِلْقَطْعِ كَمَا ذَكَرُوا تَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالشَّرْطِيَّةِ فَيُعِيدُ أَبَدًا مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ لَا مَعَ عَدَمِهِمَا فَفِي الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ] اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ زِيَادَةُ إيضَاحٍ، وَدَفْعٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَإِلَّا فَالْكَرَاهَةُ مَتَى أُطْلِقَتْ لَا تَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّنْزِيهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْمُثَنَّى] أَيْ مَجَازًا كَمَا أَفَادَهُ ك. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي لَا مَعْنَى لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُرِهَ، وَيُمْكِنُ عَلَى بُعْدٍ إنَّمَا ذَكَرَهُ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ اهـ. [قَوْلُهُ: لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ صَلَّى بِسِرْوَالٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ خِلَافٍ، فَقَوْلُهُ فَإِنْ فَعَلَ إلَخْ يُحْتَاجُ لَهُ رَدًّا عَلَى الْمُقَابِلِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ يَقُولُ بِالْكَرَاهَةِ وَالْإِعَادَةِ وَلْيُحَرَّرْ [قَوْلُهُ: ثُمَّ ثَنَّى إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ مِنْ الْحُرَّةِ بَطْنُهَا إلَى رُكْبَتِهَا وَمَا حَاذَى ذَلِكَ خَلْفَهَا، وَأَمَّا لَوْ صَلَّتْ بَادِيَةَ السَّاقَيْنِ إلَى حَدِّ الرُّكْبَةِ فَنَظَرَ عج فِيهِ هَلْ تُعِيدُ أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ، وَجَعَلَهُ تِلْمِيذُهُ الزَّرْقَانِيُّ مِنْ الَّذِي تُعِيدُ فِيهِ أَبَدًا كَالْبَطْنِ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُغَلَّظَةُ لِحُرَّةٍ بَطْنُهَا وَسَاقَاهَا وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا حَاذَى ذَلِكَ خَلْفَهَا إلَى آخِرِ كَلَامِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ الَّذِي تُعِيدُ فِيهِ فِي الْوَقْتِ، فَقَدْ نَصُّوا أَنَّهَا إذَا صَلَّتْ بَادِيَةَ الصَّدْرِ فَقَطْ أَوْ الْأَطْرَافِ فَقَطْ، أَوْ

(مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا (الدِّرْعُ الْحَصِيفُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَى الْأُولَى الْكَثِيفُ بِالْمُثَلَّثَةِ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ السَّاتِرُ (السَّابِغُ) أَيْ الْكَامِلُ التَّامُّ (الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَ) الشَّيْءُ الثَّانِي (خِمَارٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَالصُّدْغَيْنِ (تَتَقَنَّعُ) أَيْ تَسْتُرُ (بِهِ) شَعْرَهَا وَعُنُقَهَا، وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيفًا غَيْرَ وَاصِفٍ، وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهَا فِي الصَّلَاةِ. (تَتْمِيمٌ) عَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQهُمَا كَانَ بُدُوُّ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَطْرَافِ ظُهُورُ قَدَمَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَشَعْرِهَا، وَظُهُورُ بَعْضِ هَذِهِ كَظُهُورِ كُلِّهَا. قَالَ بَعْضٌ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ بُطُونَ قَدَمَيْهَا لَا تُعِيدُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوْرَتِهَا. وَكَذَا اسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّهَا إذَا صَلَّتْ بَادِيَةَ الْكَتِفِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُقَابِلُ الصَّدْرَ تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ اهـ. إذْ كَوْنُ السَّاقِ كَالْكَتِفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُقَابِلُ الصَّدْرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَقْرَبُ مِنْ كَوْنِهِ كَالْبَطْنِ الَّذِي تُعِيدُ فِيهِ أَبَدًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ إلَخْ] مِنْ تَقْرِيرِنَا الْمُتَقَدِّمِ تَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ أَقَلِّيَّةٌ لَا إعَادَةَ مَعَهَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: الْحُرَّةَ] سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْأَمَةِ [قَوْلُهُ: الْبَالِغَةَ] اُحْتُرِزَ مِنْ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّ مُفَادَ التَّوْضِيحِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، أَنَّهَا يُنْدَبُ لَهَا السَّتْرُ الْوَاجِبُ عَلَى الْحُرَّةِ الْبَالِغَةِ حَيْثُ بَلَغَتْ إحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَنَّهَا إذَا تَرَكَتْ الْقِنَاعَ فَإِنَّهَا تُعِيدُ الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، أَيْ وَإِذَا كَانَتْ تُعِيدُ فِي تَرْكِ الْقِنَاعِ فِي الْوَقْتِ فَأَوْلَى فِي تَرْكِ سَتْرِ الصَّدْرِ وَمَا حَاذَاهُ عَلَى نَمَطِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرَّةِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْ السِّنَّ الْمَذْكُورَ فَإِنَّهَا لَا تُؤْمَرُ بِالسَّتْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْحُرَّةِ، وَلَا تُعِيدُ لِتَرْكِ الْقِنَاعِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ السِّنَّ الْمَذْكُورَ تُطْلَبُ بِالسَّتْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْحُرَّةِ، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا، أَنَّهَا تُعِيدُ بِتَرْكِ الْقِنَاعِ لِلِاصْفِرَارِ كَذَا قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْأَوَّلِ الْكَثِيفُ] وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ لِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَقَلِّيَّةٌ لَا إعَادَةَ مَعَهَا، لَا فِي وَقْتٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ السَّاتِرُ] وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا الَّذِي لَا يَصِفُ وَلَا يَشِفُّ لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ، فَتَخَلَّصَ أَنَّ النُّسْخَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ [قَوْلُهُ: التَّامُّ] تَفْسِيرٌ لِلْكَامِلِ [قَوْلُهُ: الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا] تَفْسِيرٌ لِلسَّابِغِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ بُطُونِ الْقَدَمَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ قَائِلًا فِي تَعْلِيلِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُبْدِيَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا اهـ. [قَوْلُهُ: مَا يَسْتُرُ الرَّأْسَ وَالصُّدْغَيْنِ] وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ ح سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُخَمِّرُ الرَّأْسَ أَيْ يُغَطِّيهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيفًا غَيْرَ وَاصِفٍ] فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظَةِ مِنْ، الثَّانِي أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ غَيْرَ وَاصِفٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَشِفَّ بِحَيْثُ تَبْدُو الرَّأْسُ مِنْهُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ لَكَانَ ظَاهِرًا [قَوْلُهُ: أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهَا فِي الصَّلَاةِ] أَيْ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: عَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ] أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَخِذَ مِنْ الرَّجُلِ عَوْرَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُهُ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَشْفُهُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَشُهِرَ فِي الْمَدْخَلِ كَرَاهَةُ النَّظَرِ لَهُ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ النَّظَرَ لِفَخِذِ الْأَمَةِ حَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ تَمْكِينُ الدَّلَّاكِ مِنْ الْفَخِذِ وَلَوْ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ بِكَرَاهَةِ النَّظَرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ أَشَدُّ مِنْ النَّظَرِ، وَقَوْلُنَا بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ أَيْ رُؤْيَةِ رَجُلٍ لَهُ أَوْ مَحْرَمٍ لَوْ مَحْرَمَ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا قَالَ الْخَرَشِيُّ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِرُؤْيَةِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَهُ وَلَوْ أَمَةً فَهِيَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ مِنْ السُّرَّةِ لِلرُّكْبَةِ، وَقَوْلُهُ وَهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ فَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ قَوْلُ أَصْبَغَ إنَّهَا السَّوْأَتَانِ فَقَطْ وَقَوْلُ ابْنِ الْجَلَّابِ إنَّهَا السَّوْأَتَانِ وَالْفَخِذَانِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا مِنْ

[مباشرة المرأة الأرض بكفيها في السجود]

إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَعَوْرَةُ الْأَمَةِ الْقِنِّ وَمَنْ فِيهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ كَالرَّجُلِ ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ لَيْسَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّرْجَمَةِ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ: (وَتُبَاشِرُ) الْمَرْأَةُ (بِكَفَّيْهَا الْأَرْضَ فِي السُّجُودِ) زَادَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (مِثْلَ الرَّجُلِ) وَوَجْهُ ذِكْرِهِ لَهَا هُنَا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: تَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا مُنَاسَبَةٌ ذَكَرَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا كَفَّاهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَبَيَانِ مَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الضَّوْءِ فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسُّرَّةِ حَتَّى الرُّكْبَةِ [قَوْلُهُ: وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ] هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ فَالْحَالُ مُخْتَلِفٌ فَنُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: عَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ أَمَةً مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ كَافِرَةً، فَيُحَرَّمُ عَلَى الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَأَطْرَافَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْكَشْفِ كَوْنُ ذَلِكَ عَوْرَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْكَافِرَةُ أَمَتَهَا، وَإِلَّا كَانَتْ عَوْرَتُهَا مَعَهَا كَرَجُلٍ مَعَ مِثْلِهِ، أَيْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأَمَّا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ مَعَ الذُّكُورِ الْمُسْلِمِينَ الْأَجَانِبِ فَجَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَمِثْلُ الْأَجَانِبِ عَبْدُهَا إذَا كَانَ غَيْرَ وَغْدٍ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَلَا يَرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ غَيْرُ عَبْدِهَا فَجَمِيعُ جَسَدِهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَأَمَّا عَوْرَتُهَا مَعَ مَحْرَمِهَا أَوْ مَعَ عَبْدِهَا الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ إذَا كَانَ وَغْدًا فَجَمِيعُ جَسَدِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ الْوَجْهِ وَالْأَطْرَافِ بِالنِّسْبَةِ لِمَحْرَمِهَا وَعَبْدِهَا الْمَذْكُورِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مِنْ مَحْرَمِهِ ثَدْيَهَا وَصَدْرَهَا وَسَاقَهَا، وَمِثْلُهُ الْوَغْدُ فِي ذَلِكَ وَتَرَى مِنْهُ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَتَرَى مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَعَوْرَةُ الْأَمَةِ الْقِنِّ إلَخْ] أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ وَالصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إلَّا أَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ وَالْمُغَلَّظَةُ مِنْ أَمَةٍ مِنْ الْمُؤَخَّرِ الْأَلْيَتَانِ وَمِنْ الْمُقَدَّمِ الْفَرْجُ وَمَا وَالَاهُ، فَإِذَا صَلَّتْ بَادِيَةً الْأَلْيَتَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ بَعْضَهُمَا أَوْ بَعْضًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ مَا يُعِيدُ فِيهِ الرَّجُلُ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تُعِيدُ أَبَدًا، وَإِذَا صَلَّتْ بَادِيَةً الْفَخِذَ أَوَالْفَخِذَيْنِ، فَإِنَّهَا تُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَتَمَامُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا يُرَاجَعُ فِيهِ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ تَرَكْنَاهُ خَوْفَ السَّآمَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا خُشِيَ مِنْ الْأَمَةِ الْفِتْنَةَ وَجَبَ السَّتْرُ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ، لَا لِأَنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ ابْنُ غَازِيٍّ إلَخْ، وَمِثْلُهَا الشَّابُّ الْأَمْرَدُ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ [مُبَاشَرَة الْمَرْأَةُ الْأَرْضَ بِكَفَّيْهَا فِي السُّجُودِ] [قَوْلُهُ: وَتُبَاشِرُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَيُكْرَهُ لَهَا سَتْرُهُمَا وَلَوْ بِالْكُمَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَجِرَاحَةٍ، وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَيْهَا فَسُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَتُنْدَبُ إعَادَتُهَا فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَدْبُ إعَادَتِهَا فِي الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَيْ الْمَرْأَةُ بَيَانًا لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ، لَا أَنَّ قَصْدَهُ أَنَّ فَاعِلَ الْفِعْلِ مَحْذُوفٌ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْذَفُ فِيهَا الْفَاعِلُ. [قَوْلُهُ: زَادَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِثْلَ الرَّجُلِ] أَيْ بِنَصَبِ مِثْلَ عَلَى الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ حُكْمُ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ فِي حَالَةِ السُّجُودِ فَكَيْفَ يُشَبِّهُ بِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِمَا كَانَ بَيْنَهَا] أَيْ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ إلَخْ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَسْتُرُ إلَخْ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ مُلَخَّصَ هَذِهِ طَلَبُ عَدَمِ السَّتْرِ، وَمُلَخَّصَ الْمُتَقَدِّمَةِ طَلَبُ السَّتْرِ، فَأَيْنَ الْمُنَاسَبَةُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: لِمَا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ تَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا أَنَّهَا تَسْتُرُ الْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمُصَلِّي الْمَطْلُوبِ مِنْهُ السَّتْرُ ذَكَرَهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُمَا] أَيْ بَلْ يُنْدَبُ عَدَمُ السَّتْرِ.

[باب صفة الوضوء والاستنجاء والاستجمار]

بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ (بَابٌ) أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ (صِفَةِ الْوُضُوءِ وَ) فِي بَيَانِ (مَسْنُونِهِ وَمَفْرُوضِهِ وَ) فِي بَيَانِ (ذِكْرِ) حُكْمِ (الِاسْتِنْجَاءِ) وَهُوَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت بِمَعْنَى قَطَعْت فَكَأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ وَفِي بَيَانِ صِفَتِهِ (وَ) فِي بَيَانِ ذِكْرِ صِفَةِ (الِاسْتِجْمَارِ) وَأَنَّهُ مُجْزٍ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ فِي إزَالَةِ مَا عَلَى الْمَحَلِّ مِنْ الْأَذَى، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ بِهِ الْوُضُوءُ) وَلَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ يَجُوزُ تَفْرِقَتُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (لَا) يُعَدُّ (فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِنْجَاء وَالِاسْتِجْمَار] بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ قَدَّمَ صِفَةَ الْوُضُوءِ عَلَى صِفَةِ الْغُسْلِ لِتَكَرُّرِهِ وَتَأَسِّيًا بِالْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: 6] إلَخْ [قَوْلُهُ: وَمَسْنُونِهِ] تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَفْرُوضِ، ذِكْرًا لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ، وَأَيْضًا الْمُتَوَضِّئُ إنَّمَا يَبْدَأُ بِالسُّنَنِ، وَأَرَادَ بِالْمَسْنُونِ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا، غَيْرَ جَازِمٍ لِيَتَنَاوَلَ الْمَنْدُوبَ فَإِنَّهُ بَيَّنَ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ، وَفِي إقْحَامِ بَيَانٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَسْنُونَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى صِفَةِ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ] أَيْ مَذْكُورٍ هُوَ حُكْمُ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ فِعْلُ الْفَاعِلِ، وَلَيْسَ الْقَصْدُ بَيَانَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ الِاسْتِنْجَاءِ حُكْمًا وَصِفَةً فَيَجْعَلُ كَلِمَةَ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ، لَا أَنَّهُ يَقْصِرُهَا عَلَى الْحُكْمِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الصِّفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ وَفِي بَيَانِ صِفَةٍ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذِكْرٍ وَيَقُولُ وَالِاسْتِنْجَاءُ عَطْفًا عَلَى صِفَةٍ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَهُ؛ لِأَنَّ عَطْفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا صِفَتَهُ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ مُدَّةً بِحَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ الْمَحَلَّ خَلَا مِنْ الْقَذَرِ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْغَسْلِ الْمَأْخُوذِ فِي مَفْهُومِهِ الدَّلْكُ، وَمُقْتَضَى جَرَيَانِهِ عَلَى بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ يَكْفِي، وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ. [قَوْلُهُ فَكَأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِكَأَنَّ نَظَرًا لِقَوْلِهِ يَقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَطْعَ هُنَا، إنَّمَا هُوَ إزَالَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي نَحْوِ اللَّحْمِ، أَوْ أَنَّ كَأَنَّ لِلتَّحْقِيقِ وَأَرَادَ يَقْطَعُ بِمَعْنَى يُزِيلُ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ ذِكْرِ] أَيْ مَذْكُورٍ هُوَ صِفَةُ الِاسْتِجْمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ الْآتِي، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفِي ذِكْرِ الِاسْتِجْمَارِ حُكْمًا وَصِفَةً كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ الصِّغَارِ] الْأَوْلَى عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالْأَحْجَارِ الصِّغَارِ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ تت بِقَوْلِهِ إزَالَةُ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مِنْ الْأَذَى بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَحْجَارِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ وَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ بِالصِّغَارِ. [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَدْخُلُ الِاسْتِجْمَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ الْآتِي، لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ وَلَا يُسْتَحَبُّ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ إلَخْ] لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَإِذَا أَخَّرَهُ فَلْيَحْذَرْ مِنْ مَسِّ ذَكَرِهِ وَمِنْ خُرُوجِ حَدَثٍ، [قَوْلُهُ: وَالْمَكَانُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَفْرِقَتِهِ فِي الْمَكَانِ تَفْرِقَتُهُ فِي الزَّمَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْرِقَتِهِ فِي الزَّمَانِ تَفْرِقَتُهُ فِي الْمَكَانِ. [قَوْلُهُ: لَا يُعَدُّ إلَخْ] هَذَا كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ الِاسْتِنْجَاءُ إلَخْ، [قَوْلُهُ: وَلَا

فِي فَرَائِضِهِ) وَلَا فِي مُسْتَحَبَّاتِهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ إنْقَاءُ الْمَحَلِّ خَاصَّةً. (وَهُوَ) كَمَا قَالَ (مِنْ بَابِ) أَيْ طَرِيقِ (إيجَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَاءِ (أَوْ بِالِاسْتِجْمَارِ لِئَلَّا يُصَلِّيَ بِهَا) أَيْ بِالنَّجَاسَةِ وَهِيَ (فِي جَسَدِهِ وَ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ (يُجْزِئُ فِعْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ) الِاسْتِجْمَارُ وَ (غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الْمُتَنَجِّسِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: (وَصِفَةُ الِاسْتِنْجَاءِ) الْكَامِلَةُ (أَنْ يَبْدَأَ بَعْدَ غَسْلِ) يَعْنِي بَلِّ (يَدِهِ) الْيُسْرَى. وَفِي نُسْخَةٍ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ، وَالثَّانِيَةُ مُشْكِلَةٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي بَلِّ الْيُمْنَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِبَلِّ الْيُسْرَى لِئَلَّا يُلَاقِيَ بِهَا النَّجَاسَةَ، وَهِيَ جَافَّةٌ فَتَبْقَى عَلَيْهَا رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ (فَيَغْسِلُ مَخْرَجَ الْبَوْلِ) قَبْلَ مَخْرَجِ الْغَائِطِ عَلَى جِهَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُسْتَحَبَّاتِهِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إلَخْ] أَيْ إنَّمَا حُكْمُهُ مِنْ أَفْرَادِ بَابِ إيجَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَإِضَافَةُ بَابِ الْمُفَسَّرِ بِطَرِيقٍ لِلْبَيَانِ، أَيْ طَرِيقٍ هُوَ إيجَابٌ، أَيْ وُجُوبٌ إلَخْ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْإِيجَابَ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَبَ الْأَكِيدَ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ، أَيْ وَحَيْثُ كَانَ مِنْ الْبَابِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ عِلَّةِ الْحُكْمِ فِيهِ وَهِيَ النَّظَافَةُ [قَوْلُهُ: أَيْ الِاسْتِنْجَاءِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ، وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى، وَأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ وَحَكَاهُ تت بِقَوْلِهِ وَقِيلَ: يُطْلَقُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ أَيْضًا، وَصَدَّرَ بِمَا أَفَادَ الْمُبَايَنَةَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْخُبْثِ بِالْمَاءِ، وَالِاسْتِجْمَارُ إزَالَةُ مَا عَلَى الْمَخْرَجَيْنِ مِنْ الْأَذَى بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ يُؤْذِنُ بِضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ شَارِحُنَا. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالِاسْتِجْمَارِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ فِي عَطْفِهِ عَلَى بِالْمَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ آلَةٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِنْجَاءِ، وَالِاسْتِجْمَارُ الْمَعْطُوفُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الِاسْتِنْجَاءِ لَا آلَةٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُصَلِّيَ إلَخْ] عِلَّةٌ لِهَذَا الْمَحْذُوفِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ، ثُمَّ أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ طَرِيقِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ يَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَلَا يَصِحُّ بِالْأَحْجَارِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَمِمَّا يَدُلُّ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَيُجْزِئُ إلَخْ الِاسْتِدْلَالَ، إنَّمَا قَصْدُهُ بَيَانُ هَذَا الْحُكْمِ، وَهُوَ الْإِجْزَاءُ لِلْمُبْتَدِئِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ غَسْلُ الثَّوْبِ النَّجِسِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُجْزِئُ فِعْلُهُ] يُوهِمُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِعْلُهُ بِنِيَّةٍ. قَالَ عج وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ النِّيَّةُ [قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِجْمَارُ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الثَّوْبِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ غَسْلَ الثَّوْبِ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَهُوَ بِصَدَدِ بَيَانِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ بَابِ زَوَالِ النَّجَاسَةِ فَلَا تُطْلَبُ فِيهِ النِّيَّةُ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ مَعْلُومٌ وَالْمَجْهُولُ حَالُ الِاسْتِنْجَاءِ، فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْكُرَ فِي سَلْكِ الِاسْتِنْجَاءِ غَسْلَ الثَّوْبِ لِمَا قَرَرْنَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِحَسَبِ ظَاهِرِ حِلِّهِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ قَصْدَهُ بَيَانُ الْحُكْمِ فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْجِيمِ إلَخْ] وَلِذَلِكَ قَالَ فِي تَنْبِيهِ الطَّالِبِ فِي ضَبْطِ لُغَاتِ ابْنِ الْحَاجِبِ: النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِكَسْرِهَا الْمُتَنَجِّسُ. [قَوْلُهُ: الْكَامِلَةُ] دَفَعَ بِهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي بَلَّ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَسْلُ الَّذِي لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّلْكِ، بَلْ يَكْفِي الْبَلُّ، وَلَوْ بِغَيْرِ مُطْلَقٍ حَيْثُ لَمْ يُزَلْ مَا عَلَى الْمَحَلِّ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ مَا يُلَاقِي بِهِ الْأَذَى، وَهُوَ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ مُشْكِلَةٌ] أُجِيبُ بِمَا فِيهِ بَعْدُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ بِالْيُمْنَى نَجَاسَةٌ [قَوْلُهُ: فَتَبْقَى عَلَيْهَا رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ] فِيهِ إشَارَةٌ تُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهُوَ نَدْبُ الْبَلِّ أَنَّهُ لَا

الِاسْتِحْبَابِ لِئَلَّا تَتَنَجَّسَ يَدُهُ إذَا مَسَّ مَخْرَجَ الْغَائِطِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ أَنَّهُ مَتَى مَسَّ مَخْرَجَ الْغَائِطِ بِالْمَاءِ أَدْرَكَهُ مِنْ ذَلِكَ قِطَارُ الْبَوْلِ فَلَا فَائِدَةَ إذًا فِي تَعْجِيلِ غَسْلِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَبْرِئَ بِالسَّلْتِ وَالنَّتْرِ الْخَفِيفَيْنِ، وَصِفَةُ الِاسْتِبْرَاءِ أَنْ يَأْخُذَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ، وَيَجْذِبَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى الْحَشَفَةِ جَذْبًا رَفِيقًا، وَيَضَعَ رَأْسَ ذَكَرِهِ عَلَى أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ مَخْرَجِ الْبَوْلِ (يَمْسَحُ مَا فِي) أَيْ مَا عَلَى (الْمَخْرَجِ) وَهُوَ الدُّبُرُ (مِنْ الْأَذَى) إمَّا (بِمَدَرٍ) وَهُوَ الطُّوبُ وَقِيلَ الطِّينُ الْيَابِسُ (أَوْ بِغَيْرِهِ) مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الِاسْتِجْمَارُ مِمَّا سَيَأْتِي (أَوْ) بِأُصْبُعِ (يَدِهِ) الْيُسْرَى إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ يَدِهِ، وَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَفَائِدَةُ هَذَا الْمَسْحِ تَقْلِيلُ الْمَاءِ وَلِيَأْتِيَ بِسُنَّةِ الِاسْتِجْمَارِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ (يَحُكُّهَا) أَيْ يَدَهُ الْيُسْرَى (بِالْأَرْضِ) لِيُزِيلَ عَنْهَا عَيْنَ النَّجَاسَةِ (وَيَغْسِلُهَا) مَعَ الْحَكِّ لِيُزِيلَ عَنْهَا أَثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجِبُ زَوَالُ الرَّائِحَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ يُنْدَبُ [قَوْلُهُ: فَيَغْسِلُ إلَخْ] تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ يَبْدَأُ إلَخْ، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ بِغَسْلِ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَيَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِنِيَّةٍ، أَوْ كَذَلِكَ يُنْدَبُ تَقْدِيمُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ فِي الِاسْتِجْمَارِ [قَوْلُهُ: قِطَارُ] بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ تَتَابُعُ الْبَوْلِ [قَوْلُهُ: بِالسَّلْتِ] أَيْ مَعَ السَّلْتِ إلَخْ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ هُوَ اسْتِفْرَاغُ مَا فِي الْمَخْرَجِ مَعَ السَّلْتِ. [قَوْلُهُ: وَالنَّتْرِ] بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ [قَوْلُهُ: الْخَفِيفَيْنِ] قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: لِأَنَّ قُوَّةَ السَّلْتِ وَالنَّتْرِ تُوجِبُ اسْتِرْخَاءَ الْعُرُوقِ بِمَا فِيهَا، فَلَا تَنْقَطِعُ الْمَادَّةُ وَيَضُرُّ بِالْمَثَانَةِ، وَرُبَّمَا أَبْطَلَ الْإِنْعَاظَ أَوْ أَضْعَفَهُ، وَهُوَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ وَوَصْفُ النَّتْرِ بِالْخِفَّةِ وَصْفٌ كَاشِفٌ؛ لِأَنَّ النَّتْرَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ جَذْبُهُ بِخِفَّةٍ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ. [قَوْلُهُ: وَصِفَةُ الِاسْتِبْرَاءِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلسَّلْتِ الْخَفِيفِ الْمُصَاحِبِ لِلِاسْتِبْرَاءِ. [قَوْلُهُ: وَيَضَعُ رَأْسَ ذَكَرِهِ إلَخْ] لَيْسَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ صِفَةِ السَّلْتِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِجْمَارٌ فَيَكُونُ مُفِيدًا إلَى أَنَّهُ كَمَا يُطْلَبُ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْغَائِطِ يُطْلَبُ فِي الْبَوْلِ، لَكِنْ فِيهِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأُصْبُعِ. [قَوْلُهُ: أُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى أَوْ الْبِنْصِرُ قَوْلَانِ، [قَوْلُهُ: أَيْ مَا عَلَى إلَخْ] فَفِي بِمَعْنَى عَلَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ يَمْسَحُ مَا فِي فَمِ الْمَخْرَجِ، وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ دَفْعُ مَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يُدْخِلَ أُصْبُعَهُ، وَيُخْرِجَ الْأَذَى الدَّاخِلَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الطُّوبُ] الطُّوبُ الْآجُرُّ الْوَاحِدَةُ طُوبَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِأُصْبُعِ يَدِهِ الْيُسْرَى] قِيلَ هِيَ الْوُسْطَى وَقِيلَ الْبِنْصِرُ قَوْلَانِ وَيَجْرِيَانِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ وَلَا يَسْتَجْمِرُ بِسَبَّابَتِهِ، وَذَكَرَ الْجُزُولِيُّ أَنَّهُ يَسْتَجْمِرُ بِهَا، وَذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى، فَخَالَفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِظْهَارِ الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ يَدِهِ] يَعْنِي أَنَّهُ يُنْدَبُ الِاسْتِجْمَارُ بِهَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا إنْ قَصَدَ اتِّبَاعَهَا بِالْمَاءِ، فَإِنْ قَصَدَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا فَوَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ عَلَى حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا جَازَ إنْ تَبِعَهَا اسْتِنْجَاءٌ بِالْمَاءِ، وَكُرِهَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَالَهُ عج: وَأَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْفَائِدَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا شَارِحُنَا لِلْمَسْحِ تُفِيدُ النَّدْبَ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا لَا الْجَوَازَ كَمَا قَالَ عج وَتُفِيدُ عَدَمَ التَّقَيُّدِ بِقَوْلِهِ، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ قَوْلُ عج بَعْدَ قَوْلِهِ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الْمَسْحِ بِهَا سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا، وَهُوَ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِجْمَارٌ يَعْقُبُهُ اسْتِنْجَاءٌ ثُمَّ ذَكَرَ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ نَاقِلًا لَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، ثُمَّ إنَّ الزَّرْقَانِيَّ نَظَرَ فِي كَلَامِ عج بِقَوْلِهِ: وَانْظُرْ لِمَ جَازَ بِهَا حَالَةَ وُجُودِ مَا يَسْتَجْمِرُ بِهِ غَيْرَهَا، وَأَرَادَ اتِّبَاعَهَا بِالْمَاءِ مَعَ كَوْنِهِ تَلَطُّخًا بِالنَّجَاسَةِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَوْ فِي كَلَامِهِ] أَيْ أَوْ الْأَخِيرَةِ، وَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ لِلتَّخَيُّرِ. [قَوْلُهُ: وَلِيَأْتِيَ بِسُنَّةٍ] الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَمُفَادُ الْمَتْنِ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ إنَّمَا يُطْلَبُ فِي الدُّبُرِ لَا فِي الْقُبُلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْلَبُ أَيْضًا فِي قُبُلِ الرَّجُلِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ كَمَا قَرَّرْنَا. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ] أَيْ الْمَسْحِ بِالْيَدِ، [قَوْلُهُ: لِيُزِيلَ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحُكُّ يَدَهُ أَوَّلًا لِيُزِيلَ الْعَيْنَ ثُمَّ يَغْسِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ الْحُكْمِ، فَقَوْلُ

النَّجَاسَةِ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَحُكَّ يَدَهُ وَيَغْسِلَهَا (يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ وَالِاسْتِجْمَارِ هُوَ الْأَفْضَلُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ. (وَ) عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (يُوَاصِلُ) أَيْ يُوَالِي (صَبَّهُ) مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْإِزَالَةِ وَأَقْرَبُ لَهَا، (وَيَسْتَرْخِي) مَعَ ذَلِكَ (قَلِيلًا) ؛ لِأَنَّ الْمَخْرَجَ فِيهِ طَيَّاتٌ، فَإِذَا قَابَلَهُ الْمَاءُ انْكَمَشَ فَإِذَا اسْتَرْخَى تَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِهِ (وَيُجِيدُ عَرْكَ ذَلِكَ) الْمَخْرَجِ (بِيَدِهِ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ (حَتَّى يَتَنَظَّفَ) مِنْ الْأَذَى، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ اسْتَنَابَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ، وَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ وَيَسْتَرْخِي إيهَامٌ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْتَنْجِي لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا (غَسْلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ) صَوَابُهُ مِنْ الْمَخْرَجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحِ مَعَ الْحَكِّ لَيْسَ الْمُرَادُ مُصَاحَبَةَ الْغَسْلِ لِلْحَكِّ فِي الزَّمَانِ، بَلْ الْمُرَادُ الْمُصَاحَبَةُ فِي الْوُجُودِ فَلَا يُنَافِي أَنْ يَحُكَّ أَوَّلًا، ثُمَّ يَغْسِلَ أَيْ بِدُونِ حَكٍّ، وَيُحْتَمَلُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَحُكُّهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَغْسِلُهَا مَعَ حَكٍّ آخَرَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَ الْحَكِّ أَيْ جِنْسِ الْحَكِّ الْمُتَحَقَّقِ فِي فَرْدٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: لِيُزِيلَ عَنْهَا أَثَرَ النَّجَاسَةِ] أَيْ الْحُكْمَ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْغَسْلِ، وَفَائِدَةُ الْحَكِّ ثَانِيًا عَلَى التَّقْرِيرِ الثَّانِي زَوَالُ الرَّائِحَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَكِّ الصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُزِيلُ الرَّائِحَةَ، وَفِي كِلَا التَّقْرِيرَيْنِ إشْكَالٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُقَالُ لَا فَائِدَةَ فِي الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَكِّ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ الِاسْتِنْجَاءَ بَعْدُ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْغَسْلِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِنْجَاءِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْغَسْلَ مَعَ الْحَكِّ يُغْنِي عَنْ الْحَكِّ أَوَّلًا وَحْدَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ جَوَابًا عَنْ الثَّانِي الْحَكُّ أَوَّلًا لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ وَأَمَّا الْغَسْلُ مَعَ الْحَكِّ الثَّانِي فَهُوَ لِزَوَالِ الْحُكْمِ وَالرَّائِحَةِ، وَقَدْ حَلَّ تت الْمُصَنِّفُ بِحَلٍّ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَنَصُّهُ، وَيَغْسِلُهَا بِمَا يُزِيلُ بِهِ الرَّائِحَةَ كَالصَّابُونِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُزَلْ الرَّائِحَةُ إلَخْ] فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا ذُكِرَ فَلَا بُطْلَانَ فَزَوَالُهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ] الْمُرَادُ لَا يُلَامُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الرَّائِحَةِ مَنْدُوبٌ، [قَوْلُهُ: يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ] وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَسْلِهَا بِكَتُرَابٍ إذْ غَسْلُهَا بِكَتُرَابٍ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ إذَا اسْتَجْمَرَ بِهَا ابْتِدَاءً، ثُمَّ اسْتَنْجَى أَوْ اسْتَنْجَى بِدُونِ الِاسْتِجْمَارِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ بَلِّهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا اسْتَجْمَرَ ابْتِدَاءً بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ اسْتَنْجَى فَلَا يُطْلَبُ بِذَلِكَ وَكَهَذِهِ الصُّورَةِ، [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ ذَلِكَ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: يُوَاصِلُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَيَسْتَرْخِي إلَخْ] أَيْ نَدْبًا أَيْ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ وَكَذَا حَالَ الِاسْتِجْمَارِ، وَلَكِنْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْعِلَّةِ رُبَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ حُلُولُو فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَذَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: تَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِهِ] أَيْ أَوْ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، [قَوْلُهُ: وَيُجِيدُ إلَخْ] الظَّاهِرُ نَدْبًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَدْبِ الِاسْتِرْخَاءِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَنَظَّفَ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَذْهَبَ النُّعُومَةُ وَتَظْهَرَ الْخُشُونَةُ وَيَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ، [قَوْلُهُ: لِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَرٍ] أَيْ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى لَا الْيُسْرَى فَقَطْ كَذَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ] أَيْ كَسِمَنٍ [قَوْلُهُ: اسْتَنَابَ إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا أَوْ سُنَّةً عَلَى الْخِلَافِ، لَكِنَّ الزَّوْجَةَ لَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهَا فَقَطْ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَيُجْبِرُهَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَتَضَرَّرَ، وَيَلْزَمُهُ شِرَاءُ أَمَةٍ لِذَلِكَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ إذَا عَجَزَتْ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِنَفْسِهَا فَلَهَا أَنْ تُمَكِّنَ زَوْجَهَا إنْ طَاعَ وَيُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَ غَيْرَهُ وَلَوْ أَمَتَهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَوْرَةَ الْحُرَّةِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَلَوْ أَمَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. [قَوْلُهُ: سُرِّيَّةٍ] بِضَمِّ السِّينِ [قَوْلُهُ: إيهَامُ] أَيْ إيهَامُ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا بَطَنَ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ [قَوْلُهُ: لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا] أَيْ بَلْ حَرَامٌ فَقَدْ قَالَ عج وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ أَنَّ إدْخَالَ الْأُصْبُعِ فِي أَحَدِ الْمَخْرَجَيْنِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَرَامٌ اهـ. وَلَا يُقَالُ إنَّ الْحُقْنَةَ مَكْرُوهَةٌ فَمَا الْفَرْقُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُقْنَةُ شَأْنُهَا أَنْ تُفْعَلَ لِلتَّدَاوِي، كَذَا أَجَابَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ مِنْ الْمَخْرَجِ] أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ بِالْمَخْرَجَيْنِ الدُّبُرُ، وَقُبُلُ الْمَرْأَةِ فَالْمُصَوِّبُ لَاحَظَ الْعُمُومَ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ فَتُنْهَى الْمَرْأَةُ

بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُمْكِنُ غَسْلُ دَاخِلِهِ، وَانْظُرْ هَلْ الطَّلَبُ فِي قَوْلِهِ (وَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ رِيحٍ) لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِلْمَنْعِ، بَعْضُ شُيُوخِ شَيْخِنَا لَمْ أَقِفْ لَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ رِيحٍ فَلَيْسَ مِنَّا» أَيْ فَلَيْسَ مُتَّبِعًا لِسُنَّتِنَا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ، وَهُوَ كَمَا قَدَّمْنَا اسْتِعْمَالُ الْحِجَارَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ اسْتَجْمَرَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَخْرُجُ آخِرُهُنَّ نَقِيًّا) وَفِي نُسْخَةٍ نَقِيَّةً (أَجْزَأَهُ) بِهَمْزَةٍ أَيْ كَفَاهُ ذَلِكَ، أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ يُجْزِئُ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهَا أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ جَامِدٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُؤْذٍ لَيْسَ مَطْعُومًا قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ تُدْخِلَ إصْبَعَهَا فِي قُبُلِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، إذْ هُوَ كَالْمُسَاحَقَةِ بَلْ الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ دُبُرَهَا كَالرَّجُلِ وَتَغْسِلُ مَا يَظْهَرُ مِنْ قُبُلِهَا حَالَ جُلُوسِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَغَسْلِ اللَّوْحِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا غَسَلَتْ مَا دُونَ الْعُذْرَةِ كَمَا فِي الْحَيْضِ، وَالْعُذْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ بَكَارَتُهَا. [قَوْلُهُ: هَلْ الطَّلَبُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ هَلْ النَّهْيُ. [قَوْلُهُ: لِلْكَرَاهَةِ أَوْ الْمَنْعِ] الَّذِي يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا] هُوَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ فَإِنَّهُ شَيْخُهُ وَشَيْخُ تت. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِطَهَارَةِ الرِّيحِ، [قَوْلُهُ: عَيْنِ الْحُكْمِ] أَيْ هَلْ هُوَ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْحُرْمَةُ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي النَّهْيِ الْمُحْتَمَلِ لَهُمَا [قَوْلُهُ: أَيْ لَيْسَ مُتَّبِعًا إلَخْ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنَّا أَنَّهُ كَافِرٌ خَرَجَ عَنْ مَعْشَرِ الْمُسْلِمِينَ وَصَارَ كَافِرًا [قَوْلُهُ: بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إلَخْ] فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّذْكِيرِ وَآخِرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى التَّأْنِيثِ، الثَّانِي أَنَّ فِيهِ جَمْعَ مَا لَا يَعْقِلُ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ، بِأَنَّهُ إنَّمَا أَنَّثَ آخِرَهُنَّ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ الْأَحْجَارِ بِالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: نَقِيًّا إلَخْ] رَاعَى لَفْظَ آخِرُ؛ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ إلَخْ] وَجْهُهَا أَنَّ لَفْظَ آخِرُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ بِإِضَافَتِهِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْجَمَاعَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: بِهَمْزَةٍ] أَيْ وَأَمَّا جَزَى عَنْهُ بِلَا هَمْزَةٍ فَمَعْنَاهُ قُضِيَ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ غَيْرَ الْحَجَرِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ] وَهُوَ قَوْلٌ مِنْ الْمَذْهَبِ، [قَوْلُهُ: بِكُلِّ جَامِدٍ] أَيْ لَا مُبْتَلَّ لِنَشْرِهِ النَّجَاسَةَ وَأَحْرَى الْمَائِعُ فَإِذَا اسْتَجْمَرَ بِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْمَحَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ، وَإِنْ صَلَّى عَامِدًا قَبْلَ غَسْلِهِ أَعَادَ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: طَاهِرٍ] احْتِرَازًا مِنْ النَّجِسِ وَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْمُبْتَلِّ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا يُقَالُ فِي النَّجِسِ، [قَوْلُهُ: غَيْرِ مُؤْذٍ] احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَدَّدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِهِ، حَيْثُ حَصَلَتْ لَهُ مِنْهُ أَذِيَّةٌ شَدِيدَةٌ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مَطْعُونًا] فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْعَقَاقِيرِ جَمْعُ عُقَارٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَغَيْرِ الْخَالِصِ مِنْ النُّخَالَةِ وَالْمِلْحِ وَالْوَرَقِ الْمُنَشِّي. [قَوْلُهُ: قَلَّاعٍ لِلْأَثَرِ] احْتِرَازًا مِنْ الْأَمْلَسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْلَعُ الْأَثَرَ بَلْ تَبْقَى مَعَهُ النَّجَاسَةُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ] أَيْ لَا مَكْتُوبٍ وَلَوْ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ لِحُرْمَةِ الْحُرُوفِ إذَا كَانَتْ مَكْتُوبَةً بِالْعَرَبِيِّ، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا جِدَارِ مَسْجِدٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مِلْكِ غَيْرٍ، وَأَمَّا جِدَارُهُ فَظَاهِرُ النَّقْلِ الْكَرَاهَةُ فِيهِ مِنْ دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ بَلَلٌ فَيَلْتَصِقُ هُوَ بِهِ أَوْ غَيْرُهُ فَيُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ، وَقِيلَ الْكَرَاهَةُ مِنْ دَاخِلٍ، وَيُحَرَّمُ مِنْ خَارِجٍ، وَيُكْرَهُ الِاسْتِجْمَارُ بِرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَفُ دَوَابِّ الْجِنِّ، وَالثَّانِيَ طَعَامُهُمْ أَيْ يُكْسَى لَحْمًا أَعْظَمَ مَا كَانَ، فَفِي الْحَدِيثِ يَصِيرُ الْعَظْمُ كَأَوْفَرِ مَا كَانَ لَحْمًا، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَرُدَّ بِهِ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالشَّمِّ، وَمِنْهُمْ

وَلَا شَرَفٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَجْمَرَ بِدُونِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ وَلَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ، وَصِفَةُ الِاسْتِجْمَارِ بِالثَّلَاثَةِ فِي مَحَلِّ الْغَائِطِ أَنْ يَمْسَحَ بِالْأَوَّلِ الْجِهَةَ الْوَاحِدَةَ، وَبِالثَّانِي الْجِهَةَ الثَّانِيَةَ، وَبِالثَّالِثِ جَمِيعَ الْمَخْرَجِ، وَصِفَتُهُ فِي مَحَلِّ الْبَوْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَرَ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، وَيَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى وَهَكَذَا حَتَّى يَجِفَّ ذَكَرُهُ، وَلَمَّا أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْأَحْجَارَ تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مُسَاوَاةُ ذَلِكَ لِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَحْدَهُ فِي الْفَضْلِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَالْمَاءُ أَطْهَرُ) لِلْمَحَلِّ إذْ لَا يُبْقِي عَيْنًا وَلَا أَثَرًا (وَأَطْيَبُ) لِلنَّفْسِ إذْ يُذْهِبُ الشَّكَّ (وَأَحَبُّ إلَى الْعُلَمَاءِ) كَافَّةً إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ فِعْلِ النِّسَاءِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ قَالَ هُمَا طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ تَشُمُّ وَطَائِفَةٌ تَأْكُلُ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَلَا شَرَفٍ] أَيْ لَا ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ بِذِي حُرْمَةٍ لَكَفَاهُ، وَهَذَا الَّذِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ الْقُيُودُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْأَرْضِ كَحَجَرٍ وَكِبْرِيتٍ وَطِينٍ يَابِسٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا كَخَشَبٍ وَقُطْنٍ وَنُخَالَةٍ خَالِصَةٍ مِنْ أَجْزَاءِ الطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاسْتِجْمَارُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمُخْرَجَاتِ إلَّا الرَّوْثَ وَالْعَظْمَ الطَّاهِرَيْنِ وَجِدَارَ نَفْسِهِ فَيُكْرَهُ، وَمَحَلُّ النَّهْيِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِجْمَارِ بِهِ، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ أَنْ يَتَّبِعَهَا بِالْمَاءِ فَيَجُوزُ إلَّا الْمُحْتَرَمَ مِنْ مَطْعُومٍ وَذِي شَرَفٍ مِنْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَمَكْتُوبٍ وَجِدَارِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، وَرَوْثٍ وَعَظْمٍ طَاهِرَيْنِ وَمُؤْذٍ أَذِيَّةً شَدِيدَةً كَنَجَسٍ كَمَا يُفِيدُهُ عج عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: بِدُونِ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ إلَخْ] أَيْ تَبَعًا لِابْنِ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ دُونَ الثَّلَاثَةِ لَا يُجْزِئُ وَلَوْ أَنْقَى. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ إذَا حَصَلَ إلَخْ] لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ آخَرَ وَحَاصِلُهُ، أَنَّهُ يُنْدَبُ الْوَتْرُ إنْ أَنْقَى الشَّفْعُ، وَإِلَّا وَجَبَ الْوَتْرُ ثُمَّ النَّدْبُ يَنْتَهِي لِسَبْعٍ، فَإِذَا أَنْقَى بِثَمَانٍ لَمْ يُطْلَبْ بِتَاسِعٍ، وَهَكَذَا الْوَاحِدُ إنْ أَنْقَى فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَمْسَحَ الْأَوَّلَ الْجِهَةَ الْوَاحِدَةَ] أَيْ الْيُمْنَى كَمَا قَالَ السَّنْهُورِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ الْمَحَلِّ بِكُلِّ حَجَرٍ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَوْتَرَ، وَرُبَّمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَخْرُجُ آخِرُهُنَّ نَقِيًّا وَارْتَضَاهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَرْتَضِيهِ، وَقِيلَ لِكُلِّ صَفْحَةٍ حَجَرٌ وَالثَّالِثُ لِلْوَسَطِ فَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الذَّكَرِ كَائِنًا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، [قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ أَطْهَرُ] أَيْ أَشَدُّ تَطْهِيرًا لِلْمَحَلِّ مِنْ تَطْهِيرِ الْحَجَرِ لَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي أَطْيَبَ مَأْخُوذَانِ مِنْ طَهَّرَ وَطَيَّبَ الْمُضَاعَفَيْنِ بَعْدَ حَذْفِ الزَّوَائِدِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَهُوَ ثَانِي الْمُضَعَّفَيْنِ فَلَا يُرَدُّ مَا يُقَالُ أَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ طَهُرَ وَطَابَ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُبْنَى إلَّا مِنْ الثُّلَاثِيِّ، وَذَلِكَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ أَشَدُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَجَرِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَبْقَى إلَخْ] أَيْ وَالْحَجَرُ إنَّمَا يُزِيلُ الْعَيْنَ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَأَطْيَبُ] عَطْفٌ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ، وَقَوْلُهُ أَيْ يُذْهِبُ الشَّكَّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَطْيَبُ وَفِي الْحَقِيقَةِ عِلَّةٌ لَهُ أَيْ إنَّمَا كَانَ أَطْيَبَ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الشَّكَّ. [قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَى الْعُلَمَاءِ] أَيْ مِنْ الْحَجَرِ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِ الْحَجَرِ مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ، ثُمَّ الْمَاءُ وَحْدَهُ، ثُمَّ الْحَجَرُ وَحْدَهُ، ثُمَّ غَيْرُ الْحَجَرِ وَحْدَهُ مِنْ كُلِّ طَاهِرٍ مُنَقٍّ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسَةٌ لَا ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِجْمَارِ فَقِيلَ صَارَ طَاهِرًا، وَقِيلَ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا ابْنَ الْمُسَيِّبِ] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَالْمُسَيِّبُ وَالِدُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْمُسَيِّبُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ سَعِيدٌ يَكْرَهُ فَتْحَهَا اهـ. [قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِهِنَّ] أَيْ مُتَعَيَّنٌ فِي حَقِّهِنَّ فَلَا يَجْزِيهِنَّ الِاسْتِجْمَارُ فَلَمْ يُخَالِفْ الْجُمْهُورَ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ فِي حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَمَنِيٍّ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِمَرَضٍ أَوْ عَدَمِ مَا يَكْفِي غَسْلُهُ، وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يُزِيلُ بِهِ النَّجَاسَةَ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ أَوْ خَرَجَ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ أَوْ جَامَعَ

وَاجِبِهِنَّ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ الشَّيْخُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ؟ قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ قَالَ: هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ» . (وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بَوْلٌ وَلَا غَائِطٌ) وَلَا غَيْرُهُمَا مِمَّا يَسْتَنْجِي (وَتَوَضَّأَ) أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ (لِ) أَجْلِ خُرُوجِ (حَدَثٍ) مُرَادُهُ بِهِ الرِّيحُ فَقَطْ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتِ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» (أَوْ) أَرَادَهُ (لِ) أَجْلِ حُصُولِ (نَوْمٍ) مُسْتَثْقَلٍ (أَوْ) أَرَادَهُ لِ (غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ) مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَسْبَابِ (فَلَا بُدَّ) لَهُ (مِنْ غَسْلِ يَدَيْهِ) بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ (قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَمْنَى بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنِيِّ، وَكَذَا يَتَعَيَّنُ فِي مُنْتَشِرٍ عَنْ مَخْرَجٍ كَثِيرًا، وَهُوَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَلَوُّثِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا. قَالَهُ تت: قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ عَادَةِ كُلِّ شَخْصٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي الْمُنْتَشِرِ، فَيَغْسِلُ مَا جَاوَزَ مَحَلَّ الرُّخْصَةِ فَقَطْ، وَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِي الْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَغْتَفِرُونَ الْيَسِيرَ مُنْفَرِدًا دُونَهُ مُجْتَمِعًا [قَوْلُهُ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ] هُمْ سُكَّانُ الْمَدِينَةِ، وَالْمُهَاجِرُونَ سُكَّانُ مَكَّةَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ السِّنْدِيُّ تَخْصِيصُهُمْ بِالْخِطَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْمُهَاجِرِينَ، كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ اهـ. [قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا إلَخْ] أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] [قَوْلُهُ: قَالُوا نَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ] فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ أَتَى لَهُمْ ذَلِكَ؟ قُلْت: وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْأَنْصَارِ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطُّهُورِ فَمَا تَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا رَأَيْنَا جِيرَانَنَا مِنْ الْيَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ، وَيُرِيدُونَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ فَفَعَلْنَا نَحْوَ ذَلِكَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَدَعُوهُ أَبَدًا» اهـ، فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ الْمُوجِبِ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ الْأَشْهَرُ كَمَا قَالَ شَارِحُهُ السِّنْدِيُّ. [قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ ذَلِكَ أَيْ وَالطُّهُورُ فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكُمْ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ جَمَاعَةٌ، فَمَا وَجْهُ الْإِفْرَادِ قُلْت لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَّلَهُمْ لِشِدَّةِ ارْتِبَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَنْزِلَةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَأَفْرَدَ، وَقَوْلُهُ بَعْدُ فَعَلَيْكُمُوهُ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَفِيهِ تَفَنُّنٌ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الثَّنَاءَ مِنْ حَيْثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْمَاءِ، وَنَصُّهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَا الَّذِي تَصْنَعُونَ. قَالُوا نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ، ثُمَّ نَتْبَعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ. تَنْبِيهٌ: أَفَادَ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُهُمَا] أَيْ كَوَدْيٍ وَمَذْيٍ، [قَوْلُهُ: كَمَا فَسَّرَهُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ حَصْرَ الْحَدَثِ فِي الرِّيحِ فَقَطْ، بَلْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ تَفْسِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ، تَفْسِيرُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا، وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ» اهـ. [قَوْلُهُ: لَا يَقْبَلُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مَلْزُومُهُ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ، [قَوْلُهُ: فُسَاءٌ] بِضَمِّ الْفَاءِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْفُسَاءُ إلَخْ، يَخْرُجُ بِغَيْرِ صَوْتٍ يُسْمَعُ. [قَوْلُهُ: أَوْ ضُرَاطٌ] بِضَمِّ الضَّادِ، [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَحْدَاثِ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ الْأَحْدَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدَثَ يُوجِبُ الِاسْتِنْجَاءَ إلَّا الرِّيحَ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ كَالرِّدَّةِ وَالشَّكِّ فِي الْحَدَثِ وَالرَّفْضِ وَبَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَلْزَمُهُ ذَلِكَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ ثُمَّ أَقُولُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُجَرَّدًا لَا

نُسْخَةٍ فِي إنَائِهِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِمَا مَا يَقْتَضِي غَسْلَهُمَا لِلسُّنَّةِ، فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اسْتَنْجَى أَوْ لَا. وَلَمَّا كَانَ فِي قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ إيهَامُ الْفَرْضِيَّةِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (غَسْلُ الْيَدَيْنِ) إلَى الْكُوعَيْنِ (قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ) أَوْ فِي نَهْرٍ (وَالْمَضْمَضَةُ) بِضَادَيْنِ غَيْرِ مُشَالَتَيْنِ وَهِيَ خَضْخَضَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ فَلَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ. (الِاسْتِنْشَاقُ) وَهُوَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْخَيَاشِيمِ بِالنَّفَسِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَالِاسْتِنْثَارُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ) ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (سُنَّةٌ) مُسْتَقِلَّةٌ (وَبَاقِيهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ وُضُوءٍ، وَلَوْ تَجْدِيدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا مَا يَقْتَضِي غَسْلَهُمَا] أَيْ بِأَنْ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِلسُّنَّةِ] أَيْ أَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ لِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، أَيْ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ فَهُوَ تَعَبُّدٌ أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: فَغَسْلُ الْيَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ، [قَوْلُهُ: أَوَّلًا] هُوَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَالشِّقُّ الْأَوَّلُ أَعْنِي قَوْلَهُ سَوَاءٌ اسْتَنْجَى إلَخْ سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ [قَوْلُهُ: إيهَامُ الْفَرْضِيَّةِ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ مُوهِمًا فَمَا الْحِكْمَةُ فِي ارْتِكَابِهِ، حَتَّى يُحْوِجَهُ إلَى أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِيهَامَ، قُلْت لَعَلَّهَا لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِ مَا أَمَرَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي خَبَرِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» اهـ، فَهُوَ إنْ حَمَلَهُ الْفُقَهَاءُ عَلَى السُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَدَبَ أَلَّا يَتْرُكَهَا الْإِنْسَانُ لِمَا فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ مِنْ التَّشْدِيدِ، وَلِذَا لَمَّا أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ. وَقَالَ أَنَا أَعْرِفُ أَيْنَ تَبِيتُ يَدِي فَنَامَ، وَقَدْ لَقِيَ يَدَهُ فِي اسْتِهِ، أَيْ فِي دُبُرِهِ فَتَأَمَّلْ أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الشُّيُوخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: وَمِنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ إلَخْ] التَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ لَا لِلْوَحْدَةِ أَيْ مِنْ جِنْسِ السُّنَّةِ، فَصَحَّ التَّبْعِيضُ فَلَوْ جُعِلَتْ لِلْوَحْدَةِ لَمَا صَحَّ التَّبْعِيضُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي نَهْرٍ] ضَعِيفٌ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْغَسْلُ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ حَيْثُ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا مُطْلَقًا، أَيْ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا، وَلَا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا غَيْرَ جَارٍ، وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّةُ إلَّا بِالْغَسْلِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ، فَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَبْلَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِنَاءِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَلِيلًا غَيْرَ جَارٍ، وَأَمْكَنَ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يُدْخِلُهُمَا فِي الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْإِفْرَاغُ مِنْهُ إذَا كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَوْ مَشْكُوكَتَيْنِ أَوْ نَجِسَتَيْنِ وَلَا يُنَجَّسُ الْمَاءُ بِدُخُولِهِمَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ يُنَجَّسُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى الْمَاءِ بِغَيْرِ إدْخَالِهِمَا فِيهِ كَثَوْبِهِ فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ، وَيَتَيَمَّمُ كَعَادِمِ الْمَاءِ [قَوْلُهُ: غَيْرِ مُشَالَتَيْنِ] أَيْ غَيْرِ مَرْفُوعَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: خَضْخَضَةُ إلَخْ] هَذَا تَعْرِيفُهَا اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ التَّحْرِيكُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ فِي إدْخَالِ الْمَاءِ، فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ وَحْدَهُ ثُمَّ خَضْخَضَهُ وَمَجَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَلَفْظُ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي تَعْرِيفِهَا إدْخَالُ الْمَاءِ فِيهِ، فَيُخَضْخِضُهُ وَيَمُجُّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ فِي الْإِدْخَالِ فَلْيُحَرَّرْ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ ابْتَلَعَهُ] هَذَا مُحْتَرَزُ مَجِّهِ، وَمِنْ مُحْتَرَزِهِ مَا إذَا فَتَحَ فَاهُ، وَنَزَلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ خَضْخَضَهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِنْشَاقُ] هُوَ لُغَةً الشَّمُّ، وَشَرْعًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ إدْخَالُ الْمَاءِ فِي الْخَيَاشِيمِ إلَخْ، فَلَوْ دَخَلَ الْمَاءُ أَنْفَهُ بِغَيْرِ إدْخَالٍ بِالنَّفَسِ بِأَنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إدْخَالٍ أَوْ بِإِدْخَالٍ لَا بِالنَّفَسِ، فَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، وَالنَّفَسُ بِفَتْحِ الْفَاءِ، [قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالِاسْتِنْثَارُ] رُبَّمَا تُفِيدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ أَكْثَرَ النُّسَخِ عَلَى حَذْفِهَا مَعَ أَنَّ الصَّوَابَ هَذِهِ النُّسْخَةُ أَعْنِي الْمُثْبَتَةَ. تَنْبِيهٌ لَا بُدَّ فِي تِلْكَ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ، كَذَا يُفِيدُهُ بَعْضُهُمْ قَالَ عج وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْكُلَّ فِي النِّيَّةِ كَأَنْ يَنْوِيَ سُنَنَ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ] صِفَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ

أَيْ بَاقِي الْوُضُوءِ (فَرِيضَةٌ) وَمَا قَالَهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ. الْوُضُوءُ لِلصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ إلَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا بِأَنَّ مِنْ الْبَاقِي مَا هُوَ سُنَّةٌ كَرَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ وَالتَّرْتِيبِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَ: بَاقِيهِ فَرِيضَةٌ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ لَيْسَ إلَّا، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا كَمَا ذَكَرَ إذْ الرَّأْسُ فَرْضُهُ الْمَسْحُ وَالرَّدُّ تَبَعٌ لَهُ، وَأَمَّا التَّجْدِيدُ وَالتَّرْتِيبُ فَلَيْسَ بِعُضْوَيْنِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ فَرِيضَةٌ وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرَّأْسُ وَالرِّجْلَانِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ قَامَ إلَى وُضُوءٍ مِنْ نَوْمٍ) أَيْ مَنْ أَرَادَهُ إمَّا بِسَبَبِ نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ (أَوْ) بِسَبَبِ (غَيْرِهِ) مِمَّا يُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ (فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَآخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ وَوَسَطَهُمَا مُقَابِلًا لِلْبَاطِنِ، دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ لِلْآخَرَيْنِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُمَا] الظَّاهِرُ مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ وَالْبَاطِنُ، مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ وَاحِدٍ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سُنَّةً خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمَضْمَضَةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ دُونَ أَنْ يُجْعَلَ خَبَرَ الْمَضْمَضَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةُ جُزْءَ سُنَّةٍ وَكَذَا مَا بَعْدَهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ] هَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الِاسْتِنْثَارُ [قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ] أَيْ لَا جُزْءُ سُنَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ مَا هُنَا إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِشْكَالَ يَأْتِي أَيْضًا عَلَى مَا فِي بَابِ جُمَلٍ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ كَالتَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَائِهِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، [قَوْلُهُ: بَقِيَّةِ إلَخْ] أَيْ مُتَعَلِّقٌ بِكَسْرِ اللَّامِ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، أَيْ الْقَائِمُ بِبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ فَرِيضَةٌ، أَيْ فَرْضٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا تُرَدُّ النِّيَّةُ وَالدَّلْكُ وَالْفَوْرُ، وَإِنَّمَا احْتَجْنَا لِتَقْدِيرِ مُتَعَلِّقٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَفْسُ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ هِيَ الْفَرِيضَةُ. [قَوْلُهُ: الْمَغْسُولَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ] صِفَةٌ لِلْأَعْضَاءِ، فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْأَنْفُ وَالْيَدَانِ لِلْكُوعَيْنِ وَالْفَمُ، أَوْ صِفَةٌ لِلْبَقِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِهِ، وَأَرَادَ الْمَغْسُولَ بَعْضُهَا، وَالْمَمْسُوحَ بَعْضُهَا لَا أَنَّهَا قَائِمٌ بِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهَا الْأَمْرَانِ مَعًا، [قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ] أَيْ الْقَائِمُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الِاسْتِقْلَالُ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ إلَّا] أَيْ لَيْسَ الْبَاقِي شَيْئًا إلَّا بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ الْقَائِمُ بِالْبَاقِي عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ لَا يَكُونُ إلَّا فَرْضًا، وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ الْكَافِ وَيَقُولُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مَا ذُكِرَ، أَيْ فَرْضًا [قَوْلُهُ: فَرْضُهُ الْمَسْحُ] أَيْ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا زِدْنَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مَسْحٌ أَيْضًا فَالْفَرْضُ هُوَ الْمَسْحُ الْأَوَّلُ، وَالسُّنَّةُ الْمَسْحُ الثَّانِي التَّابِعُ لِلْمَسْحِ الْأَوَّلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرَّدَّ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بِعُضْوٍ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ، وَكَذَا الْغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ الْمُسْتَحَبَّانِ. [قَوْلُهُ: فَلَيْسَا بِعُضْوَيْنِ] أَيْ فَلَيْسَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ بِعُضْوَيْنِ بَلْ مُتَعَلَّقُهُمَا بِفَتْحِ اللَّامِ غَيْرُ عُضْوَيْنِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ التَّجْدِيدِ الْمَاءُ وَمُتَعَلِّقَ التَّرْتِيبِ الْغَسَلَاتُ بِخِلَافِ الرَّدِّ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعُضْوٍ، أَيْ فَمُتَعَلَّقُهُ بِفَتْحِ اللَّامِ عُضْوٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا كَالدُّعَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَبَقِيَّةِ الْمَنْدُوبَاتِ. [قَوْلُهُ: وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ] أَيْ وَالْقَائِمُ بِبَاقِي الْأَعْضَاءِ قِيَاسًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْوَجْهُ] تَفْسِيرٌ لِبَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كُلَّهُ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ بَلْ الْقَائِمُ بِالْوَجْهِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْقَائِمُ بِالرَّأْسِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ، وَالْقَائِمُ بِالرِّجْلِ فَرْضٌ عَلَى حِدَتِهِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ أَرَادَهُ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَامَ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ حَقِيقَتَهُ [قَوْلُهُ: إمَّا بِسَبَبٍ إلَخْ] إمَّا إشَارَةً إلَى أَنَّ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَوْ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: نَوْمٍ مُسْتَثْقَلٍ إلَخْ] نَحْوَ هَذَا لتت، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَهَلْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ؟ وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَسْلَهُ تَعَبُّدِيٌّ وَأَنَّهُ يَغْسِلُهُمَا، وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ أَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ هَذَا فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَالظَّاهِرُ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: غَيْرِهِ] بَدَلٌ مِنْ سَبَبٍ، وَمُرَادُهُ سَبَبُ الْوُضُوءِ فَيُصَدَّقُ بِالْحَدَثِ وَسَبَبِهِ كَاللَّمْسِ.

حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ، يُرِيدُ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَطْ أَوْ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَمَا هُنَا. (يَبْدَأُ فَيُسَمِّي اللَّهَ) تَعَالَى قِيلَ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَقِيلَ: يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ قَائِلِهِ. (وَلَمْ يَرَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ لَمْ يَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بِالْبُدَاءَةٍ بِالتَّسْمِيَةِ (مِنْ الْأَمْرِ) أَيْ الشَّأْنِ (الْمَعْرُوفِ) عِنْدَ السَّلَفِ، بَلْ رَآهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُنْكَرِ، ظَاهِرُ لَفْظِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ لِمَالِكٍ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى شَيْءٍ وَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا وَبِهَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الِاسْتِحْبَابُ، وَشُهِرَتْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. الثَّانِيَةُ: الْإِنْكَارُ وَقَالَ: أَهُوَ يَذْبَحُ؟ الثَّالِثَةُ: التَّخَيُّرُ (وَكَوْنُ الْإِنَاءِ) الَّذِي يَتَوَضَّأُ مِنْهُ (عَلَى يَمِينِهِ أَمْكَنَ لَهُ) أَيْ أَيْسَرَ وَأَسْهَلَ لَهُ (فِي تَنَاوُلِهِ) إنْ كَانَ مَفْتُوحًا كَذَا عَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، أَمَّا إنْ كَانَ ضَيِّقًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ عَنْ يَسَارِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لَهُ. (وَ) بَعْدَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِنَاءَ الْمَفْتُوحَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: قَالُوا إلَخْ] لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرِّي بَلْ قَصَدَ حِكَايَةَ مَا وَقَعَ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِبَعْضِهِمْ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ لَهُ. [قَوْلُهُ: كَمَا هُنَا] أَيْ فَأَرَادَ بِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ ابْنَ حَبِيبٍ وَغَيْرَهُ، وَأَفْصَحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ: وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْأَبْهَرِيُّ وَابْنُ حَبِيبٍ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَحَلَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ فَسَمِعَ ابْنَ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفًا وَابْنَ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ وَأَصْبَغَ بْنَ الْفَرَجِ وَانْصَرَفَ إلَى الْأَنْدَلُسِ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، وَقَدْ جَمَعَ عِلْمًا عَظِيمًا فَنَزَلَ بَلْدَةَ أَلْبِيرَةَ وَقَدْ انْتَشَرَ سُمُوُّهُ فِي الْعِلْمِ وَالرِّوَايَةِ، فَنَقَلَهُ الْأَمِيرُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إلَى قُرْطُبَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَأَيْته يَخْرُجُ مِنْ الْجَامِعِ وَخَلْفَهُ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةٍ بَيْنَ طَالِبِ حَدِيثٍ وَفَرَائِضَ وَفِقْهٍ وَإِعْرَابٍ، وَقَدْ رَتَّبَ الدُّوَلَ عِنْدَهُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثِينَ دَوْلَةً لَا يُقْرَأُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا الْفِقْهُ وَمُوَطَّأَ مَالِكٍ، وَكَانَ صَوَّامًا قَوَّامًا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدِّيبَاجِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ] جَعَلَهُ ابْنُ نَاجِي ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُهُ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ وَكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ وَابْنِ الْمُنِيرِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشُّرَّاحِ. أَقُولُ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَخْ] أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ هَذَا الْقَوْلِ إلَخْ. أَيْ هَلْ التَّسْمِيَةُ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورُ [قَوْلُهُ: بَلْ رَآهُ مِنْ الْأَمْرِ الْمُنْكَرِ] الْمُنْكَرُ يُصَدَّقُ بِالْحَرَامِ وَبِالْمَكْرُوهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَكْرُوهُ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ لَفْظِهِ] أَيْ لِعَزْوِهِ كُلَّ قَوْلٍ مِنْهُمَا لِبَعْضٍ [قَوْلُهُ: وَشُهِرَتْ] وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ [قَوْلُهُ: لَا وُضُوءَ إلَخْ] أَيْ لَا وُضُوءَ كَامِلًا [قَوْلُهُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ] بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَوْلُهُ وَإِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ. [قَوْلُهُ: أَهُوَ يَذْبَحُ] أَيْ حَتَّى يَحْتَاجَ لِتَسْمِيَةٍ [قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ التَّخْيِيرُ] أَيْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ. أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ حِينَ أَنْكَرَ أَوْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ لَمْ يَسْتَحْضِرْ الْحَدِيثَ، وَاسْتَشْكَلَ أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْإِنْكَارِ وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الذِّكْرَ رَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ اقْتِرَانُ هَذَا الذِّكْرِ الْخَاصِّ بِأَوَّلِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ لَا حُصُولُهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذِكْرٌ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَكَوْنُ إلَخْ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: أَمْكَنُ خَبَرٌ، أَيْ وَوُجُودُ الْإِنَاءِ عَلَى الْيَمِينِ أَسْهَلُ أَيْ فَيُنْدَبُ كَوْنُهُ عَلَى يَمِينِهِ [قَوْلُهُ: وَأَسْهَلُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَفْتُوحًا] مُرَادُهُ بِالْمَفْتُوحِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ كَانَ ضَيِّقًا] أَيْ لَا يُمْكِنُ الِاغْتِرَافُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ إلَخْ] هَذَا فِي الْمُعْتَادِ أَوْ الْأَضْبَطِ الَّذِي يَعْمَلُ بِكِلْتَا يَدَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَأَمَّا

يَمِينِهِ أَوْ الضَّيِّقَ عَنْ يَسَارِهِ (يَبْدَأُ) وُضُوءَهُ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ) إلَى الْكُوعَيْنِ (قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا) تَعَبُّدًا مُفْتَرِقَتَيْنِ بِنِيَّةٍ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ لَا، قَامَ مِنْ نَوْمِهِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ) أَوْ أَمَذَى وَنَحْوَ ذَلِكَ (غَسَلَ ذَلِكَ) أَيْ مَوْضِعَ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَنَحْوَهُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذَكَرَ. (تَنْبِيهٌ) : فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ. ج: لَمْ تَزَلْ أَشْيَاخُنَا بِأَجْمَعِهِمْ يُنَبِّهُونَ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) مُتَعَلِّقًا بِهَا مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: غَسَلَ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ فَعَلَ الْوُضُوءَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ) مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ، يَعْنِي ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ إنْ أَمْكَنَهُ إدْخَالُهَا فِيهِ (فَيَأْخُذُ الْمَاءَ) وَإِلَّا أَفْرَغَ فِي يَدَيْهِ قَدْرَ حَاجَتِهِ لِلْمَضْمَضَةِ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ (فَيُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ شَاءَ أَوْ) مِنْ (ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ) ذَكَرَ صِفَتَيْنِ ثَانِيَتُهُمَا أَرْجَحُ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَعْسَرُ فَيَجْعَلُ نَدْبًا الْمَفْتُوحَ عَلَى يَسَارِهِ وَالضَّيِّقَ عَلَى يَمِينِهِ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّثْلِيثَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ: إنَّ الْأُولَى سُنَّةً، وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَرُجِّحَ وَيُدَلِّكُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا كَغَسْلِ الْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: تَعَبُّدًا] هُوَ مَا أَمَرَنَا بِهِ الشَّارِعُ، وَلَمْ نَعْقِلْ لَهُ مَعْنًى [قَوْلُهُ: مُفْتَرِقَتَيْنِ] لَيْسَ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مِنْ آثَارِ التَّعَبُّدِ [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ يَغْسِلُ يَدَيْهِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ أَوْ لَا] هَذَا مِنْ آثَارِ التَّعَبُّدِ، وَكَذَا لَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ غَسْلَهُمَا إذَا ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ إلَخْ] أَيْ هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ، وَأَمَّا لَوْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ فَطَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْضِعَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمَوْضِعِ ذِكْرٌ حَتَّى تَصِحَّ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِذَلِكَ، قُلْت: لَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ يَسْتَلْزِمُ مَوْضِعًا فَكَأَنَّ الْمَوْضِعَ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ فَصَحَّتْ الْإِشَارَةُ لَهُ [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ] أَيْ مِنْ الْبَوْلِ وَنَحْوَهُ أَيْ فَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَارُ لَهُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى فَاعِلِ غَسَلَ، وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ غَسَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَيْ أَزَالَهُمَا مِنْ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ] هُوَ مَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: الِاسْتِنْجَاءَ] اسْمُ إنَّ أَيْ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ قَالَ: فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ فَإِنْ كَانَ إلَخْ أَنَّ غَسْلَ مَوْضِعِ الْبَوْلِ مَثَلًا الَّذِي هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الْوُضُوءِ فِي شَيْءٍ] أَيْ فَلَا يَكُونُ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إلَخْ] جَوَابٌ عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ [قَوْلُهُ: تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ] أَيْ جُمْلَةُ فَإِنْ كَانَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: مُعْتَرِضَةً أَيْ بَيْنَ قَوْلِهِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا، وَقَوْلُهُ: بَعْدَ ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ [قَوْلُهُ: بِهَا] أَيْ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ الْأُولَى أَيْ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ مَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْبَوْلِ أَوْ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ أَيْ يَغْسِلُ يَدَيْهِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ أُولَى مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يُدْخِلُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَمْ يَتِمَّ وُضُوءُ مَنْ بَالَ أَوْ تَغَوَّطَ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى وُضُوءِ مَنْ لَمْ يَبُلْ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ. [قَوْلُهُ: فَيُمَضْمِضُ إلَخْ] لَكِنَّ الْأُولَى سُنَّةٌ وَكُلٌّ مِنْ

سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ. (وَإِنْ اسْتَاكَ) الْمُتَوَضِّئُ (بِأُصْبُعِهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ تَثْلِيثِ الْبَاءِ وَبِفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا كَذَلِكَ، فَهَذِهِ تِسْعُ لُغَاتٍ، وَفِيهِ لُغَةٌ عَاشِرَةٌ أُصْبُوعٌ وَيَعْنِي بِهَا هُنَا السَّبَّابَةَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى، وَيُرْوَى بِأُصْبُعَيْهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ مِنْ الْيَدِ الْيُمْنَى (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ وَظَاهِرُهُ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْأُصْبُعَ كَغَيْرِهِ. قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَصْلُ مَا بَعْدُ، وَقَيَّدَ التَّادَلِيُّ كَلَامَ الشَّيْخِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ لِيُوَافِقَ مَا فِي الرِّوَايَةِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ يُجْزِئُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَاكُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ أَوْ مَعَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَاكَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ لَا مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَكُونُ عَرْضًا إلَّا فِي اللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَسْتَاكُ فِيهِ طُولًا، وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا إلَّا الصَّائِمَ فَيُكْرَهُ لَهُ الِاسْتِيَاكُ بِالرَّطْبِ، وَلَا يُسْتَاكُ بِالرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ فَإِنَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقِيَتَيْنِ مُسْتَحَبٌّ، وَالْغَرْفَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَغْرُوفِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: بِأُصْبُعِهِ] اُخْتُلِفَ إذَا اسْتَاكَ بِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا، وَقَالَ أَشْهَبُ: يَغْسِلُهَا. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ] أَيْ مَعَ تَثْبِيتِ الْبَاءِ أَيْ فَهُوَ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ يَخْرُجُ تِسْعَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: السَّبَّابَةَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى] أَيْ وَيُكْرَهُ بِالْيُسْرَى كَمَا أَفَادَهُ مِنْ شَرْحِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى بِأُصْبُعَيْهِ] قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَكُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ إنَّ الْأُصْبُعَ خَبَرٌ [قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ] أَيْ الْأُصْبُعَ هُوَ الْأَصْلُ أَيْ فِي الِاسْتِيَاكِ أَيْ وَالْأَرَاكِ وَغَيْرُهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَصَالَةِ؟ قُلْت: أَنْ يُقَدِّمَ أَيْ الْأُصْبُعَ نَدْبًا عَلَى غَيْرِهِ إذَا وُجِدَ. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ التَّادَلِيُّ إلَخْ] قَالَ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ: التَّادَلِيُّ نِسْبَةٌ إلَى تَادَلَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ مِنْ جِبَالِ الْبَرْبَرِ بِالْمَغْرِبِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَجِدْ سِوَاكًا إلَخْ] مَفْهُومُهُ لَوْ وَجَدَ سِوَاكًا فَأُصْبُعُهُ لَا يُجْزِئُهُ [قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ. أَقُولُ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، فَقِيلَ: يَسْتَاكُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَهَلْ مَعَ كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ مَعَ الْبَعْضِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَسْتَاكُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَتَمَضْمَضُ بَعْدَهُ لِيُخْرِجَ الْمَاءُ مَا حَصَلَ بِالسِّوَاكِ أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ رَدَّهُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْتَاكُ وَطَرَفُ السِّوَاكِ عَلَى لِسَانِهِ، يَقُولُ: أُعْ أُعْ وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ» ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ اهـ. وَذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ بَعْضَهُمْ تَرْجَمَ هَذَا الْحَدِيثَ بِاسْتِيَاكِ الْإِمَامِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ عَرْضًا إلَخْ] أَيْ وَيَكُونُ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ حَتَّى بَاطِنِهَا كَمَا نَصَّ عَلَى نَدْبِهِ بِهَا الْمُنَاوِيُّ مُخَالَفَةً لِلشَّيْطَانِ أَيْ فَإِذَا كَانَ عَرْضًا فَيَكُونُ أَسْلَمَ لِلِّثَةِ مِنْ التَّقَلُّحِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ عَرْضًا وَلَا يَسْتَاكُ طُولًا لِئَلَّا يُدْمِيَ لَحْمَ أَسْنَانِهِ فَإِذَا خَالَفَ وَاسْتَاكَ طُولًا حَصَلَ السِّوَاكُ مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي سِوَاكِهِ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ فَمِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَاكُ فِيهِ طُولًا] وَكَذَا يَكُونُ طُولًا فِي الْحَلْقِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْسَنُ مَا يُسْتَاكُ بِهِ الْأَرَاكُ] ذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ النَّوَوِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَذْهَبِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ بِعُودٍ مِنْ أَرَاكٍ وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَاكَ مِمَّا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ، حَصَلَ السِّوَاكُ كَالْخِرْقَةِ الْخَشِنَةِ وَالسَّعْدِ وَالْأُشْنَانِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ قَالَ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَاكَ

يُحَرِّكَانِ عِرْقَ الْجُذَامِ، وَلَا بِالْقَصَبِ فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الْأَكِلَةَ وَالْبَرَصَ، وَكَذَلِكَ قَصَبُ الشَّعِيرِ وَالْحَلْفَاءُ وَالْعُودُ الْمَجْهُولُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِّرَ مِنْهُ. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ (يَسْتَنْشِقُ) كَ: اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: (بِأَنْفِهِ الْمَاءَ) فَهَلْ يَكُونُ الِاسْتِنْشَاقُ بِغَيْرِ الْأَنْفِ، وَقَوْلُهُ: (وَيَسْتَنْثِرُهُ) صَرِيحٌ بِأَنَّ الِاسْتِنْثَارَ عِنْدَهُ غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمُفْرَدِهِ (ثَلَاثًا) مَفْعُولُ يَسْتَنْشِقُ وَحَقِيقَةُ الِاسْتِنْثَارِ أَنَّهُ (يَجْعَلُ يَدَهُ) يَعْنِي أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى (عَلَى أَنْفِهِ) ، وَيَرُدُّ الْمَاءَ مِنْ خَيْشُومِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ، وَيَشُدُّ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إخْرَاجِ مَا هُنَالِكَ (كَ) مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي (امْتِخَاطِهِ) فَالتَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُصْبُعَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ لَا يُسَمَّى اسْتِنْثَارًا، وَكُرِهَ عِنْدَ مَالِكٍ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ امْتِخَاطِهِ كَامْتِخَاطِ الْحِمَارِ، وَإِنَّمَا كَانَ بِالْيَسَارِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعُودٍ مُتَوَسِّطٍ لَا شَدِيدِ الْيُبْسِ يَجْرَحُ وَلَا رَطْبٍ لَا يُزِيلُ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِالْقَصَبِ] الْقَصَبُ بِفَتْحَتَيْنِ كُلُّ نَبَاتٍ يَكُونُ سَاقُهُ أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ. قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ: وَالْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ مِنْهُ صُلْبٌ غَلِيظٌ تُعْمَلُ مِنْهُ الْمَزَامِيرُ وَتُسَقَّفُ بِهِ الْبُيُوتُ، وَمِنْهُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْأَقْلَامُ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِالْقَصَبِ مُطْلَقُهُ لَا الْفَارِسِيُّ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُوَلِّدُ الْأَكِلَةَ] أَيْ فِي الْأَسْنَانِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَالْأَكِلَةُ كَفَرِحَةٍ دَاءٌ فِي الْعُضْوِ يَأْتَكِلُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قَصَبُ الشَّعِيرِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْقَصَبِ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ، بَلْ وَكَذَلِكَ قَصَبُ غَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ [قَوْلُهُ: وَالْعُودُ الْمَجْهُولُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مِنْ قَصَبِ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا حُذِّرَ مِنْهُ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ مِنْ الْحَلْفَاءِ. تَتِمَّةٌ: حُكْمُ الِاسْتِيَاكِ فِي الْأَصْلِ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَإِزَالَةِ مَا يُوجِبُ بَقَاؤُهُ التَّخَلُّفَ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَوْلَاهُ، وَقَدْ تَعْرِضُ حُرْمَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْجَوْزَاءِ فِي زَمَنِ الصَّوْمِ، وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهَتُهُ كَالِاسْتِيَاكِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ لِلصَّائِمِ، وَيَكُونُ مُبَاحًا كَبَعْدَ الزَّوَالِ لِلصَّائِمِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ] ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ فَقَطْ لَا لِلتَّرَاخِي [قَوْلُهُ: يَسْتَنْشِقُ] بِأَنْ يَجْذِبَ [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ إلَخْ] أُجِيبُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، فَفِي مُسْلِمٍ: «فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخَرَيْهِ الْمَاءَ» [قَوْلُهُ: غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ إلَخْ] أَيْ سُنَّةُ غَيْرِ الِاسْتِنْشَاقِ فَهُوَ كَقَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ غَيْرُ الِاسْتِنْشَاقِ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ بِمُفْرَدِهِ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الصَّرِيحِ مَعَ أَنَّهُ عَيْنُهُ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَرُبَّمَا يَقْتَضِي سُقُوطُهُ أَنَّهُ مَعَ الِاسْتِنْشَاقِ مِنْهُ وَاحِدَةٌ، وَإِلَيْهِ نَحَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: مَفْعُولُهُ يَسْتَنْشِقُ] أَيْ مَفْعُولًا مُطْلَقًا أَيْ اسْتِنْشَاقًا ثَلَاثًا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِنْثَارُ ثَلَاثًا [قَوْلُهُ: مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ اسْتِحْبَابًا. [قَوْلُهُ: خَيْشُومُهُ] هُوَ أَقْصَى الْأَنْفِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِرِيحِ الْأَنْفِ] إذْ لَوْ خَرَجَ وَحْدَهُ لَمْ يُسَمَّ اسْتِنْثَارًا [قَوْلُهُ: وَيَشُدُّ أُصْبُعَيْهِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ] أَيْ يَجْعَلُ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَمَا يَجْعَلُهَا فِي امْتِخَاطِهِ. [قَوْلُهُ: فَالتَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ] أَيْ وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَنْفِ [قَوْلُهُ: لَا فِي الْحُكْمِ] لِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي حَالِ الِامْتِخَاطِ مَنْدُوبٌ وَوَضْعَهَا فِي الِاسْتِنْثَارِ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ شَيْئَيْنِ: طَرْحُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ وَوَضْعُ الْيَدِ، فَإِنْ انْتَفَى وَاحِدٌ لَمْ يُسَمَّ اسْتِنْثَارًا، وَذَهَبَ بَعْضٌ إلَى أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ، فَالْوَضْعُ مُسْتَحَبٌّ زَائِدٌ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِنْثَارِ. وَظَاهِرُ تت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ وَكَذَا ظَاهِرُ غَيْرِهِ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ عِنْدَ مَالِكٍ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ غَيْرِهِ فَلْيُرَاجَعْ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ] أَيْ وَالْمُسْتَنْثِرُ يُخْرِجُ مَا فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنْ الْمُخَاطِ فَهُوَ امْتِخَاطٌ فِي

الْأَذَى (وَيُجْزِئُهُ) أَيْ يَكْفِيهِ (أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ تَمَضْمُضَاتٍ (فِي الْمَضْمَضَةِ وَ) أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ اسْتِنْشَاقَاتٍ فِي (الِاسْتِنْشَاقِ) هَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَ أَعْنِي الْمَفْعُولَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ. وَيُمَضْمِضُ فَاهُ ثَلَاثًا، وَدَلِيلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرَفَاتِ، وَبَدَأَ بِالْمَفْضُولِ فَقَالَ: (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُتَوَضِّئِ (جَمْعُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ (فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ) وَلَهُ صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ، وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ، وَالْأُولَى أَفْضَلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْ تَنْكِيسِ الْعِبَادَةِ (وَالنِّهَايَةُ أَحْسَنُ) أَيْ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ، وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ ثَلَاثَ تَمَضْمُضَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَثَلَاثَ اسْتِنْشَاقَاتٍ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثَلَاثًا مِنْ ثَلَاثٍ وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ بِأُخْرَى، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لِيَسْلَمَ مِنْ تَنْكِيسِ الْعِبَادَةِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ (يَأْخُذُ الْمَاءَ إنْ شَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، وَإِنْ شَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَجْعَلُهُ فِي يَدَيْهِ جَمِيعًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ حِكَايَةَ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى التَّقْلِيلِ، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَفْتُوحًا أَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ وَنَحْوَهُ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ (يَنْقُلُهُ إلَى وَجْهِهِ) ج: ظَاهِرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ شَرْطٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ، وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْنَى [قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ إلَخْ] أَيْ يَكْفِيهِ، فَالسُّنَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بَلْ تَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَكُلٌّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: تَمَضْمُضَاتٍ] جَمْعٌ لِتَمَضْمُضَةٍ مَصْدَرُ تَمَضْمَضَ تَمَضْمُضًا، كَتَنَفَّسَ تَنَفُّسًا فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ إلَخْ] أَيْ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَفْعُولَاتِ [قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ مَرَّةً إلَخْ] أَيْ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَرَأَيْت فِي خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ بَعْضَهَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلَاثًا، قُلْت: وَهَلْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَثَلَاثًا وَهَلْ الْأَغْلَبُ التَّثْلِيثُ؟ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِذَلِكَ، بَلْ كُلُّ مَفْعُولَاتِ الْوُضُوءِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبَّةٌ [قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى أَنْ يَتَمَضْمَضَ إلَخْ] وَيُمْكِنُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مَرَّةً ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ] أَيْ مِنْ الِاثْنَتَيْنِ لَا مِنْ الْوَاحِدَةِ إذْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْحُسْنِ صِيغَةُ أَفْعَلَ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَالْأُخْرَى إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّةً مِنْ غَرْفَةٍ، ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ مَرَّةً مِنْ غَرْفَةٍ، ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ مَرَّتَيْنِ مِنْ غَرْفَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ مَالِكٍ ظَاهِرٌ فِي الْمُوَسْوِسِ فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِحَمْلِ كَلَامِهِ عَلَيْهِ وَحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَفْتُوحًا] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا يُمْكِنُ أَخْذُ الْمَاءِ سَوَاءً كَانَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ] أَيْ إلَّا الرَّأْسَ، فَإِنَّ نَقْلَ الْمَاءِ لَهُ شَرْطٌ إذَا مَسَحَ، وَأَمَّا إذَا غَسَلَ وَلَوْ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ، فَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ نَزَلَ مِنْ مِيزَابٍ مَثَلًا فَلَا يُجْزِئُهُ، وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ النَّقْلَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] عِنْدَ مَالِكٍ امْسَحُوا بَلَلَ أَيْدِيكُمْ

الْمَطْلُوبُ إيقَاعُ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِ الْوَجْهِ كَيْفَمَا أَمْكَنَ، وَلَوْ بِمِيزَابٍ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: (فَيُفْرِغُهُ عَلَيْهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْطِمَ بِالْمَاءِ وَجْهَهُ كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ، وَعَوَامُّ الرِّجَالِ ق: وَمَنْ تَوَضَّأَ كَذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ ع: أَجْزَأَهُ. وَقَوْلُهُ: (غَاسِلًا لَهُ) حَالٌ فَاشْتَرَطَ الْمَعِيَّةَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْغَسْلِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ يَتَدَلَّكُ بِيَدَيْهِ بِأَثَرِ صَبِّ الْمَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (بِيَدَيْهِ) أَنَّ التَّدَلُّكَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى الْوُضُوءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ، أَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ أَجْزَأَهُ، وَتَلْزَمُهُ النِّيَّةُ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ خَاصَّةً، وَيُدَلِّكُ هُوَ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِغَاسِلًا. ابْنُ شَعْبَانَ: السُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَسْفَلِهَا أَجْزَأَهُ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِيمَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ، وَالْجَبْهَةُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرُءُوسِكُمْ فَالرَّأْسُ مَاسِحٌ لِبَلَلِ الْيَدَيْنِ لَا مَمْسُوحٌ كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ عج. وَانْظُرْ فِي الْجُنُبِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ وَيَمْسَحُهَا لِضَرَرٍ هَلْ يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْمَاءِ اعْتِبَارًا بِالْحَالِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. أَقُولُ: وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا كَانَ فَرْضُهُ مَسْحَ الْوَجْهِ لِضَرُورَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ إيقَاعُ الْمَاءِ إلَخْ] وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ النَّقْلِ حِينَئِذٍ هَلْ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ، وَكَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ يُفِيدُ الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ بَعْدَ أَخْذِ الْمَاءِ يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَى وَجْهِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ نَقَلَ الْعُضْوَ إلَى الْمَاءِ أَجْزَأَهُ اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْطِمَ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ [قَوْلُهُ: كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كُنَّ عَالِمَاتٍ بِالْحُكْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الرِّجَالِ الْعَوَامّ، وَلَعَلَّهُ لِكَوْنِ الضَّعْفِ شَأْنَهُنَّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَجْزَأَهُ إلَخْ] أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَعُمَّ بِالْمَاءِ عُضْوَهُ، وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا إذَا عَمَّ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْته مُصَرِّحًا بِهِ بِعَيْنِهِ [قَوْلُهُ: فَاشْتَرَطَ الْمَعِيَّةَ] أَيْ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الْمُقَارَنَةَ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ فَالْمُقَارَنَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الْغَسْلِ ثُمَّ يَتَدَلَّكُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُقَارَنَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِيَدَيْهِ] الْمُرَادُ بَاطِنُ كَفَّيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّلْكَ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ، فَلَا يُجْزِئُ الدَّلْكُ بِظَاهِرِ كَفِّهِ وَلَا بِمِرْفَقِهِ مَعَ إمْكَانِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ، وَأَحْرَى غَيْرُهُمَا، وَقَيَّدْنَا بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ يَجُوزُ فِيهِ دَلْكُ الْأَعْضَاءِ بِبَعْضِهَا [قَوْلُهُ: إنَّ التَّدَلُّكَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ قَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ، إنَّمَا الْأَخْذُ مِنْ قَوْلِهِ: غَاسِلًا لِأَنَّ الدَّلْكَ شَرْطٌ فِي حَقِيقَةِ الْغُسْلِ عِنْدَ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الدَّلْكَ فَرْضٌ لِنَفْسِهِ لَا لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ وَقِيلَ: يَجِبُ لِإِيصَالِ الْمَاءِ لِلْعُضْوِ لَا لِذَاتِهِ، حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُبَاشِرُ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ، وَلَوْ دَلَّكَ بِوَاحِدَةٍ لَكَفَى [قَوْلُهُ: عَلَى الْوُضُوءِ] الْأَظْهَرُ أَنْ لَوْ قَالَ عَلَى الدَّلْكِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُتَكَبِّرِينَ] أَيْ شَأْنُ هَذَا أَنْ لَا يَصْدُرَ إلَّا عَنْ مُتَكَبِّرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ فَاعِلِهِ كَسَلًا لَا تَكَبُّرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تُنْتِجُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ أَجْزَأَهُ إلَخْ] أَيْ بَلْ يَجِبُ كَأَقْطَعَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِنَابَةُ مَنْ يُوَضِّئُهُ أَوْ يُدَلِّكُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِنَابَةٍ [قَوْلُهُ: وَتَلْزَمُهُ النِّيَّةُ] أَيْ الْمُسْتَنِيبُ [قَوْلُهُ: إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى صَبِّ الْمَاءِ] أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِغَاسِلًا] وَيُحْتَمَلُ تَعَلُّقُهُ بِيُفْرِغُهُ أَوْ بِهِمَا مَعًا وَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيغُ الْمَاءِ وَالْغَسْلُ مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ. [قَوْلُهُ: السُّنَّةُ] أَيْ الطَّرِيقَةُ، فَلَا يُخَالِفُ كَوْنُ الْبَدْءِ مِنْ الْأَوَّلِ مُسْتَحَبًّا [قَوْلُهُ: وَبِئْسَ مَا صَنَعَ] هَذَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ لَا خِلَافَ الْأُولَى [قَوْلُهُ: لِيمَ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ اسْتَحَقَّ اللَّوْمَ حَصَلَ لَوْمٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الْأُمَّةِ أَنْ تَلُومَهُ

إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ، وَهُوَ أَوَّلُ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: (وَحَدُّ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ) تَفْسِيرًا لِأَعْلَى الْجَبْهَةِ أَيْ أَعْلَى الْجَبْهَةِ، هُوَ حَدُّ مَنَابِتِ الشَّعْرِ، يَعْنِي الْمُعْتَادَ، وَقَيَّدْنَاهُ بِهَذَا لِنَحْتَرِزَ عَنْ الْأَغَمِّ وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ الشَّعْرُ فِي جَبْهَتِهِ، وَعَنْ الْأَصْلَعِ وَهُوَ الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فَيَدْخُلُ مَوْضِعُ الْغَمَمِ فِي الْغَسْلِ، وَلَا يَدْخُلُ مَوْضِعُ الصَّلَعِ. ك: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنَابِتِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِيعَابُ، وَالْوَجْهُ لَهُ طُولٌ وَلَهُ عَرْضٌ فَأَوَّلُ طُولِهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ، وَآخِرُهُ طُولًا (إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ) وَهُوَ مَجْمَعُ اللَّحْيَيْنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعَنْفَقَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِ فِي الْغَسْلِ وَحْدَهُ عَرْضًا مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَدَوْرُ وَجْهِهِ كُلِّهِ مِنْ حَدِّ عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إلَى صُدْغَيْهِ) تَثْنِيَةُ صُدْغٍ بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَيُقَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ رَجَاءَ الْكَفِّ عَنْهُ، وَهَلْ نَدْبًا وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ] أَيْ طَلَبَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُعَلِّمُوهُ ذَلِكَ، وَهَلْ نَدْبًا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لِفِعْلِ مَنْدُوبٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: وَالْجَبْهَةُ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَخْ] هَذَا التَّفْسِيرُ لَا يَشْمَلُ أَعْلَى مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ. وَقَالَ ح: الْجَبْهَةُ مَا يُصِيبُ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَالْجَبِينَانِ مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ اهـ. أَقُولُ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا مَا يَشْمَلُ مَا يُصِيبُ الْأَرْضَ فِي حَالِ السُّجُودِ وَالْجَبِينَيْنِ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت بَعْضَ مَنْ شَرَحَ خَلِيلًا ذَكَرَ مَا اسْتَظْهَرْته حَيْثُ قَالَ: وَالْجَبْهَةُ هُنَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ فَشَمَلَ جِهَةَ الْجَبِينَيْنِ لَا الْجَبْهَةَ الْآتِيَةَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ اهـ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: إلَى مَبْدَإِ الرَّأْسِ] الْغَايَةُ بِإِلَى وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْتَضِي الدُّخُولَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الدُّخُولُ فَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بَعْدَ فِعْلِي هَذَا إلَخْ الْمُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيَتَكَمَّلَ الْوَجْهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَى الْجَبْهَةِ هُوَ مُنْتَهَى مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ حَيْثُ جَعَلَ قَوْلَهُ: وَحَدُّ إلَخْ تَفْسِيرًا لِأَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَاَلَّذِي قَالَ بِذَلِكَ أَيْ بِوُجُوبِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ إلَخْ الْجُزُولِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: كَمَا يَجِبُ مَسْحُ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ لِيَتَكَمَّلَ الرَّأْسُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلٌ] أَيْ مَبْدَأُ الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: هُوَ حَدُّ] أَيْ أَعْلَى الْجَبْهَةِ هُوَ مُنْتَهَى مَنَابِتِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فِي الْغَسْلِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ [وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ مَنَابِتِ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَحَدُّ حَيْثُ جُعِلَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: لِيَتَحَقَّقَ الْإِيعَابُ] لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَهُوَ أَحَدُ طَرِيقَتَيْنِ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَفِي ابْنِ نَاجِي مَا حَاصِلُهُ أَنَّ فِي غَسْلِ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ خِلَافًا جَارِيًا عَلَى هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَفِي عج: وَانْظُرْ أَيَّ الْمَقَالَتَيْنِ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ اعْتِمَادُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: إلَى طَرَفِ ذَقَنِهِ] الْغَايَةُ دَاخِلَةٌ وَالذَّقَنُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا لِحْيَةَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ لِحْيَةٌ فَيَغْسِلُ ظَاهِرَهَا وَلَوْ طَالَتْ [قَوْلُهُ: اللَّحْيَيْنِ] بِفَتْحِ اللَّامِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ، وَحُكِيَ الْكَسْرُ فِي الْمُفْرَدِ وَالتَّثْنِيَةِ، وَاللِّحْيَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَحْتَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِمَجْمَعِ اللَّحْيَيْنِ وَالْعَنْفَقَةُ فَنْعَلَةٌ قِيلَ: هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ تَحْتَ الشَّفَةِ السُّفْلَى، وَقِيلَ: هِيَ مَا بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَالذَّقَنِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهَا شَعْرٌ أَوْ لَا، وَالْجَمْعُ عَنَافِقُ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَدَوْرَ إلَخْ] مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَيَغْسِلُ دَوْرَ إلَخْ [قَوْلُهُ: مِنْ حَدِّ] أَيْ مُنْتَهَى عَظْمَاتِ لَحْيَيْهِ، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْأَضْرَاسِ كَمَا فِي تت وَالتَّحْقِيقُ مُنْتَهِيًا إلَى صُدْغَيْهِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اللَّحْيُ عَظْمُ الْحَنَكِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ، وَهُوَ مِنْ الْأَسْنَانِ حَيْثُ يَنْبُتُ الشَّعْرُ وَهُوَ أَعْلَى وَأَسْفَلُ وَجَمْعُهُ إلَخْ. وَلَحْيٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَأَفْلَسَ وَفُلُوسٍ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ نَفْسَ الْعَرْضِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ فَفِي

بِضَمِّهَا أَيْضًا، وَبَعْضُ الْعَرَبِ تَقْلِبُ الصَّادَ سِينًا مُهْمَلَةً، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُ فِي الْغَسْلِ، فَإِلَى فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى مَعَ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْوَجْهِ مَوَاضِعُ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا مَخَافَةَ أَلَّا يُدْرِكَهَا الْمَاءُ، فَيَكُونُ تَارِكًا لِبَعْضِ الْوَاجِبِ فَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَقَالَ: (وَيُمِرُّ) يَعْنِي وُجُوبًا (يَدَيْهِ عَلَى مَا غَارَ) أَيْ غَابَ وَخَفِيَ (مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ وَ) يُمِرُّ أَيْضًا عَلَى (أَسَارِيرِ جَبْهَتِهِ) جَمْعُ أَسْرَارٍ وَسُرُرٍ وَاحِدُهَا سَرَرٌ، وَهِيَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجَبْهَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي وَجْهِهِ جُرْحٌ بَرِئَ عَلَى اسْتِغْوَارٍ أَوْ خُلِقَ غَائِرًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، (وَ) يُمِرُّ أَيْضًا عَلَى (مَا تَحْتَ مَارِنِهِ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ) مِنْ بَاطِنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ شَفَتَيْهِ وَلَا يُطْبِقُهُمَا فِي حَالِ غَسْلِ الْوَجْهِ (يَغْسِلُ وَجْهَهُ هَكَذَا) يَعْنِي عَلَى الصِّفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ إلَخْ نَظَرٌ. [قَوْلُهُ: وَيُقَالُ بِضَمِّهَا] مُفَادُهُ أَنَّ الضَّمَّ قَلِيلٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ] لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ يَشْمَلُ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعَيْنِ وَشَعْرِ الصُّدْغَيْنِ وَيَشْمَلُ الصُّدْغَ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ وَتَحْتَهُ كَمَا يَشْمَلُ الْبَيَاضَ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ وَتَحْتَهُ، وَيَقْتَضِي أَنَّ فِي الْكُلِّ خِلَافًا، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُ وُجُوبُ الْغَسْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَأَقُولُ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَشَعْرِ الصُّدْغَيْنِ بَلْ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ غَسْلِ شَعْرِ الصُّدْغِ أَوْ مَنْبَتِهِ وَالْبَيَاضِ اللَّذَيْنِ فَوْقَ الْوَتَدِ بَلْ يُمْسَحَانِ فَقَطْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ فِي الْبَيَاضِ الَّذِي فَوْقَ الْوَتَدِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْوَتَدِ مِنْ شَعْرٍ وَبَيَاضٍ وَمَا حَاذَى الْوَتَدَ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا تَحْتَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ النُّصُوصِ. [قَوْلُهُ: وَيُمِرُّ] بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ أَمَرَّ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوُجُوبُ، فَالتَّعْبِيرُ بِيَعْنِي غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلَوْ قَالَ: أَيْ لَكَانَ أَحْسَنَ إلَّا أَنَّهُ رَاعَى حَالَ الْمُبْتَدِئِ [قَوْلُهُ: وَخَفَى] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: مِنْ ظَاهِرِ أَجْفَانِهِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَفْنُ الْعَيْنِ غِطَاؤُهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلِهَا، وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَالْجَمْعُ جُفُونٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَجْفَانٍ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ جَمْعَهُ عَلَى أَجْفَانٍ قَلِيلٌ، وَأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى الْقَلِيلِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: ظَاهِرٌ عَمَّا كَانَ دَاخِلَ الْعَيْنِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ [قَوْلُهُ: جَمْعُ أَسْرَارٍ وَسُرُرٍ] كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخٍ يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهُ، وَفِي بَعْضِهَا جَمْعُ أَسْرَارٍ وَاحِدُهَا سَرَرٌ وَهِيَ ظَاهِرَةُ صَوَابٍ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الصِّحَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالْجَمْعُ أَسْرَارٌ كَأَعْنَابٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعِنَبُ جَمْعُهُ أَعْنَابٌ اهـ. فَأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ وَفِي التَّحْقِيقِ وتت وَبَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ: الْأَسَارِيرُ جَمْعُ أَسِرَّةٍ جَمْعِ سِرَرٍ بِوَزْنِ عِنَبٍ فَأَسَارِيرُ جَمْعُ الْجَمْعِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ] رَدَّ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْجَبْهَةُ هُنَا مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ إلَى مَبْدَأِ الرَّأْسِ فَشَمَلَ جَبْهَةَ الْجَبِينَيْنِ لَا الْجَبْهَةَ الْآتِيَةَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ اهـ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْحَاجِبَيْنِ أَيْ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ] أَيْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ إدْخَالُ أُصْبُعِهِ فِيهِ وَتَدْلِيكُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ أَمْكَنَهُ تَدْلِيكُهُ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَدَلَّكَهُ، فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدْلِيكُ، وَأَمْكَنَهُ الصَّبُّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ غَوْرُهُ كَثِيرًا بِأَنْ يُرَى أَسْفَلُهُ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ غَوْرُهُ كَثِيرًا بِأَنْ كَانَ لَا يُرَى أَسْفَلُهُ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ فَلَا صَبَّ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الصَّبُّ وَالدَّلْكُ أَوْ الْأَوَّلُ فَقَطْ فَعَلَ الْمُمْكِنَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا سَقَطَا هَذَا إذَا لَمْ يَنْفُذْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَإِلَّا سَقَطَ الطَّلَبُ بِلَا تَفْصِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَانَ] تَفْسِيرٌ لِلْمَارِنِ لَا مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ يُقَالُ لَهُ وَتَرَةٌ، وَهِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَ طَاقَتَيْ الْأَنْفِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَاَلَّذِي تَحْتَهُ هُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْخَرَيْنِ اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ ظَاهِرِ أَنْفِهِ الَّذِي جَعَلَهُ بَيَانًا لِمَا تَحْتَ الْمَارِنِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ شَفَتَيْهِ] الْمُرَادُ بِظَاهِرِ الشَّفَتَيْنِ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الِانْطِبَاقِ الطَّبِيعِيِّ قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُطَبِّقُهُمَا] أَيْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ

الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَالدَّلْكِ وَتَتَبُّعِ الْمَغَابِنِ (ثَلَاثًا) يَعْنِي ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَيَنْوِي بِالْأُولَى فَرْضَهُ وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الْفَضِيلَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ: لَا يَنْوِي شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَيُصَمِّمُ اعْتِقَادَهُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ الْمُسْبِغَةِ فَهِيَ فَضِيلَةٌ، وَاسْتَظْهَرَهُ سَنَدٌ وَصَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَوْلُهُ: (يَنْقُلُ الْمَاءَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَجْهِ تَأْكِيدٌ (وَيُحَرِّكُ لِحْيَتَهُ) الْكَثِيفَةَ (فِي حَالِ غَسْلِ وَجْهِهِ بِكَفَّيْهِ لِ) أَجْلِ أَنْ (يُدَاخِلَهَا الْمَاءُ) إذْ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ ظَاهِرَ الشَّعْرِ (لِدَفْعِ الشَّعْرِ لِمَا) أَيْ لِلَّذِي (يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَاءِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَخْلِيلُهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ (فِي الْوُضُوءِ فِي) مَشْهُورِ (قَوْلِ مَالِكٍ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَاطِنَهَا لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ، إذْ الْوَجْهُ مَا يُوَاجِهُ بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا، وَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ، وَتَقْيِيدُنَا بِالْكَثِيفَةِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَفِيفَةِ الَّتِي تَظْهَرُ الْبَشَرَةُ تَحْتَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْأَهْدَابِ وَالشَّارِبِ وَالْعِذَارِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاجِبِ [قَوْلُهُ ثَلَاثًا] وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُحَقَّقَاتِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ فِي غَسْلَةٍ هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ فَفِي كَرَاهَتِهَا وَنَدْبِهَا قَوْلَانِ بِخِلَافِ الرَّابِعَةِ الْمُحَقَّقَةِ فَفِي مَنْعِهَا وَكَرَاهَتِهَا قَوْلَانِ إلَّا لِنَحْوِ نَزْفٍ أَوْ تَنَظُّفٍ [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] مَحَطُّ الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ عَلَى وَجْهٍ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَمَّا الْأُولَى فَهِيَ فَرْضٌ [قَوْلُهُ: وَبِمَا زَادَ عَلَيْهَا الْفَضِيلَةُ] أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِمَّا زَادَ يَنْوِي أَنَّهَا فَضِيلَةٌ لَا أَنَّ مَجْمُوعَهَا هُوَ الْفَضِيلَةُ. [قَوْلُهُ: وَيُصَمِّمُ اعْتِقَادَهُ] أَيْ وَيَجْعَلُ مُعْتَقَدَهُ أَيْ مُتَعَلِّقَ اعْتِقَادِهِ [قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ الْقَرَافِيُّ] أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِحُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْمَحَلِّ بِالْأُولَى فَإِذَا هُوَ لَمْ يَعُمَّ بِهَا لَمْ يَجْزِهِ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ وَكَذَا السُّنَّةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ] أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يَنْقُلهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَيُحَرِّكُ] أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: يُدَاخِلَهَا] أَيْ يُدَاخِلَ ظَاهِرَهَا [قَوْلُهُ: فِي مَشْهُورِ قَوْلِ مَالِكٍ] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ بِهَا. [قَوْلُهُ: بَلْ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا قَالَتْ: يُمِرُّهُمَا عَلَيْهَا بِلَا تَخْلِيلٍ اهـ. أَيْ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ: بِلَا تَخْلِيلٍ الْكَرَاهَةُ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْإِضْرَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَيُصَدَّقُ بِالِاسْتِحْبَابِ الَّذِي قَالَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ تَخْلِيلُهَا] قَالَ ابْنُ نَاجِي وَلَمْ يَقُلْ مَالِكٌ بِاسْتِحْبَابِ التَّخْلِيلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ تَخْلِيلَهَا مَكْرُوهٌ، وَعَلَى وُجُودِ تَخْلِيلِهَا أَوْ نَدْبِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: لِدَاخِلِ الشَّعْرِ فَقَطْ، وَهَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ: أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يُدَاخِلَهَا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ تَعْمِيمُ الظَّاهِرِ فَهُوَ دُخُولٌ مُتَعَلِّقٌ بِالظَّاهِرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لِبُلُوغِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ. [قَوْلُهُ: الْمَغْرِبِيُّ] الْمُرَادُ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ، كَذَا سَمِعْت مِنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَرَأَيْته تَقْيِيدًا [قَوْلُهُ: وَإِيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا] أَيْ إلَى الْبَشَرَةِ لَا الْخَفِيفَةِ كَمَا هُوَ سِيَاقُهُ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُ الشَّعْرِ خَفِيفًا وَالْبَعْضُ كَثِيفًا لَجَرَى كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ، وَعَطْفُ الْإِيصَالِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. تَنْبِيهٌ: مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْخَفِيفَةِ وَالْكَثِيفَةِ يَجْرِي فِي الْمَرْأَةِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَهَا لِحْيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ مَا خُلِقَ لَهَا مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ شَارِبٍ أَوْ عَنْفَقَةٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ شَعْرِ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ خَفِيفًا كَمَا يُفِيدُهُ عج خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ تَخْلِيلَ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَالْعِذَارُ إلَخْ] هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَارِضِ وَهُوَ صَفْحَةُ الْخَدِّ، وَالظَّاهِرُ الْإِتْيَانُ بِالتَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ لَهُ عِذَارَانِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا] أَيْ الْكَثِيفَةِ فِي الْغُسْلِ كَمَا يَجِبُ تَخْلِيلُ الْخَفِيفَةِ فِيهِ أَيْضًا بِالطَّرِيقِ

(وَ) إذَا سَقَطَ وُجُوبُ التَّخْلِيلِ فَلَا بُدَّ أَنْ (يُجْرِيَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ) بِالْمَاءِ (إلَى آخِرِهَا) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّ اللِّحْيَةِ إذَا سَقَطَتْ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ أَوْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ. فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ لَغْوٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُعِيدُ الْمَسْحَ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَجْهُ يَنْتَقِلُ إلَى غَسْلِ الْوَاجِبِ الثَّانِي وَهُوَ الْيَدَانِ فَ (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُمْنَى أَوَّلًا) ، لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ مُسْتَحَبَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» . وَانْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ خَيَّرَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ بِقَوْلِهِ: (ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ) وَلَمْ يُخَيَّرْ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالرِّجْلَيْنِ. وَصِفَةُ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى أَنَّهُ (يُفِيضُ) أَيْ يَصُبُّ (عَلَيْهَا الْمَاءَ وَيَعْرُكُهَا) وَفِي نُسْخَةٍ: وَيُدَلِّكُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ الْغُسْلَ لِنُدُورِهِ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَالْوُضُوءُ فِيهِ مَشَقَّةٌ لِتَكَرُّرِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهَا] أَيْ مُنْتَهِيًا إلَى آخِرِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَثِيفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَيْهَا مَعَ الْمَاءِ وَيُحَرِّكُهَا؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَنْبَنِي بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا حُرِّكَ يَحْصُلُ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ الظَّاهِرِ وَهَذَا التَّحْرِيكُ خِلَافُ التَّخْلِيلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَشْهَرِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا طَالَ عَنْ مُحَاذِي الذَّقَنِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ النَّظَرُ لِلْمَبَادِئِ فَيَجِبُ، أَوْ الْمُحَاذِي وَهُوَ الصَّدْرُ فَلَا يَجِبُ [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلَيْنِ] الرَّاجِحُ مِنْهُمَا عَدَمُ وُجُوبِ الْغَسْلِ سَوَاءٌ سَقَطَتْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ حُلِقَتْ أَوْ نُتِفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ عج فِي شَرْحِهِ لِخَلِيلٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيفَةِ وَالْخَفِيفَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً، وَأَمَّا الْغَسْلُ فَيُتَّفَقُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ أَوْ أَنَّ الرَّاجِحَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ يَجِبُ تَخْلِيلُهَا فِيهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: فَفِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ لَغْوٌ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَيُتَّفَقُ فِيهِ عَلَى عَدَمِ إعَادَةِ مَوْضِعِ حَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سَنَدٍ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُعِيدُ الْمَسْحَ] فَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْمَسْحَ وَتَرَكَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا فَإِنَّ وُضُوءَهُ يَبْطُلُ، وَالنَّاسِي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِنِيَّةٍ، وَالْعَاجِزُ إنْ بَطَلَ بَعْدَ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْقَوْلُ كَمَا أَفَدْنَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُقَالُ: وُضُوءٌ بَطَلَ بِغَيْرِ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ. تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ أَيْ فِي الْوُضُوءِ وَأَوْلَى الْغُسْلُ، وَفِي عج أَنَّ الْخِلَافَ كَمَا هُوَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ فِي قَلْمِ الْأَظْفَارِ، وَنَصُّهُ وَخَالَفَ عَبْدُ الْعَزِيزِ فَأَوْجَبَ إعَادَةَ مَوْضِعِ الْقَلْمِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَانْظُرْ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الظُّفْرِ فِي الْغُسْلِ كَمَا قِيلَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَوْ تَوَضَّأَ وَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ بِضْعَةُ لَحْمٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ قِشْرٌ مِنْهَا قِشْرَةٌ أَوْ جِلْدَةٌ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَا ظَهَرَ مِنْ تَحْتِ الْجِلْدِ كَمَا ذَكَرَ ح. [قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ نَفْسُ الْوَجْهِ وَنَفْسُ الْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ هُوَ غَسْلُهُمَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَعْلِ إضَافَةِ غَسْلٍ لِلْوَاجِبِ بَيَانِيَّةً وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَجْهُ أَيْ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ [قَوْلُهُ: بِالْمَيَامِنِ] جَمْعُ يَمِينٍ وَالْمَيَاسِرُ جَمْعُ يَسَارٍ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ خَيَّرَ إلَخْ] ذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَجْهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْفَرْقُ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لِلْوَجْهِ مَغَابِنُ وَجَوَانِبُ وَالْيَدَانِ مَسْطُوحَتَانِ لَا جَوَانِبَ فِيهِمَا. قُلْت: وَبَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَيْضًا أَنَّ فِي الرِّجْلَيْنِ شُقُوقًا وَمَغَابِنَ وَشَأْنُهُمَا الْأَوْسَاخُ وَالْأَقْذَارُ فَنَاسَبَ فِيهِمَا التَّثْلِيثُ. قَالَ تت: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ بِالتَّخْيِيرِ اسْتِوَاءَ الْأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْحَرَجِ اهـ. قُلْت: وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ آكَدِيَّةُ الثَّالِثَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الثَّالِثَةِ فِي الْيَدَيْنِ [قَوْلُهُ: يُفِيضُ] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَفَاضَ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ [قَوْلُهُ: أَيْ يَصُبُّ] تَفْسِيرٌ لِيُفيضُ أَيْ وَيَأْخُذُهُ بِالْيَمِينِ كَمَا ذَكَرَهُ تت.

وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ (وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ) يَعْنِي: يُدْخِلُ أَصَابِعَ إحْدَى يَدَيْهِ فِي فُرُوجِ الْأُخْرَى، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَصَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّةِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَيُخَلِّلُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا لَا مِنْ بَاطِنِهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيكٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ» . (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَغْسِلُ يَدَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا وَصَفَ فِي الْيُمْنَى (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى (بِالْغَسْلِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ مُحْتَمِلًا لِإِدْخَالِهِمَا فِي الْغَسْلِ وَعَدَمِهِ،، وَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ إدْخَالِهِمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ: (يُدْخِلُهُمَا فِي غَسْلِهِ) فَإِلَى فِي كَلَامِهِ كَالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ بِمَعْنَى مَعَ وَإِلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ قِيلَ) يَنْتَهِي (إلَيْهِمَا) أَيْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (حَدُّ الْغَسْلِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إدْخَالُهُمَا فِيهِ) ج: وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَإِدْخَالُهُمَا فِيهِ أَحْوَطُ) قَوْلًا ثَالِثًا بِالِاسْتِحْبَابِ (لِزَوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ الْإِفَاضَةُ بِشَرْطٍ إذْ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ صَحَّ. [قَوْلُهُ: وَيُدَلِّكُهَا] مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ نَصَرَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى] وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ لَأُعَرِّكَنَّهُ عَرْكَ الْأَدِيمِ، أَيْ لَأُدَلِّكَنَّهُ ذَلِكَ الْجِلْدَ قَالَهُ ح [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ] أَيْ يُنْدَبُ [قَوْلُهُ: مُتَّصِلًا بِالْإِفَاضَةِ] أَيْ مُقَارِنًا لِلصَّبِّ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِضَافَةِ فِي كُلِّ مَغْسُولٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ جَوَازَ التَّعْقِيبِ مَعَ الِاتِّصَالِ اهـ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] أَيْ يُدْخِلُ الْيُسْرَى فِي فُرُوجِ الْيَمِينِ عِنْدَ غَسْلِهَا، وَيُدْخِلُ الْيَمِينَ فِي فُرُوجِ الْيُسْرَى عِنْدَ غَسْلِهَا، وَجَمَعَ بَيْنَ التَّخْلِيلَيْنِ فِي الذِّكْرِ لِلِاخْتِصَارِ، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ الْآنَ فِي غَسْلِ الْيُمْنَى، فَإِنْ قُلْت إذَا أَدْخَلَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى فِي فُرُوجِ الْيَمِينِ فَقَدْ دَخَلَتْ الْيُمْنَى فِي فُرُوجِ الْيُسْرَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَخْلِيلِ الْيُسْرَى بَعْدُ، قُلْت هَذَا التَّخْلِيلُ الْوَاقِعُ لِلْيُسْرَى عِنْدَ تَخْلِيلِ الْيُمْنَى لَيْسَ مَقْصُودًا ذَاتِيًّا فَلَمْ يَكْتَفُوا بِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ إلَخْ] أَيْ إلَّا أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ ظَاهِرٌ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَيُخَلِّلُهُمَا مِنْ ظَاهِرِهِمَا] أَيْ نَدْبًا، وَهَذَا صَوَابٌ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَشْبِيكٌ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِيهِ نَظَرٌ إذْ كَرَاهَةُ التَّشْبِيكِ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّلَاةِ بَلْ الْعِلَّةُ فِي التَّخْلِيلِ مِنْ الظَّاهِرِ كَوْنُهُ أَمْكَنَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ مُسَلَّمٌ، وَالْخَدْشَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِلَّةِ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ نَعَمْ قَالَ بَعْضٌ بِكَرَاهَةِ التَّشْبِيكِ حَتَّى فِي الْوُضُوءِ، وَاسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ فِي الْوُضُوءِ، فَكَلَامُ شَارِحِنَا حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْكَ إلَخْ] الْأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدَيْنِ لِلْوُجُوبِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلرِّجْلَيْنِ لِلنَّدْبِ [قَوْلُهُ: إلَى الْمِرْفَقَيْنِ] فَلَوْ خُلِقَتْ يَدُهُ كَالْعَصَا مِنْ غَيْرِ مِرْفَقٍ هَلْ يُقَدِّرُ لَهَا قَدْرَ مَا لَهَا مِرْفَقٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَجِبُ غَسْلُهَا لِلْإِبِطِ، احْتِيَاطًا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ فِيهِ الْعَكْسُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ اهـ. وَالْمِرْفَقُ هُوَ آخِرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُتَّصِلُ بِالْعَضُدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَّكِئَ يَرْتَفِقُ بِهِ إذَا أَخَذَ بِرَاحَتِهِ رَأْسَهُ مُتَّكِئًا عَلَى ذِرَاعِهِ [قَوْلُهُ: وَإِلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ إدْخَالُهُمَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: حَدُّ الْغَسْلِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ حَدٌّ هُوَ الْغَسْلُ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ] أَيْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: ج وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَإِدْخَالُهُمَا إلَخْ] يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الثَّانِي أَيْ أَنَّ صَاحِبَ

تَكَلُّفِ) أَيْ مَشَقَّةِ (التَّحْدِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ إلَيْهِمَا يَنْتَهِي حَدُّ الْغَسْلِ أَنْ يُحَدِّدَ نِهَايَةَ الْغَسْلِ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الْوَاجِبِ الثَّانِي: يَنْتَقِلُ إلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ الثَّالِثِ: فَ (يَأْخُذُ الْمَاءَ) عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ (بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَيُفْرِغُهُ عَلَى بَاطِنِ يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا) أَيْ بِيَدَيْهِ (رَأْسَهُ) كُلَّهُ، وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَإِ الْوَجْهِ وَآخِرُهُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَعَظْمُ الصُّدْغَيْنِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الرَّأْسِ فَيَجِبُ مَسْحُهُ، وَالْأَصْلُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، وَمَا قِيلَ إنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِيَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ. ع: عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ: وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ فَيُحِيطُ بِالشَّعْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ الْمُسْتَحَبَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ. (يَبْدَأُ مِنْ مُقَدَّمِهِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَمُقَدَّمُهُ (مِنْ أَوَّلِ مَنَابِتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلِ الثَّانِي يَنْفِي الْوُجُوبَ، وَيُثْبِتُ الِاسْتِحْبَابَ. قَالَ زَرُّوقٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا أَوْ مِنْ اخْتِيَارِهِ [قَوْلُهُ: مَشَقَّةُ التَّحْدِيدِ] أَيْ الْمَشَقَّةُ اللَّازِمَةُ لِلتَّحْدِيدِ. أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ لَازِمَةٌ لِذَلِكَ الْقَوْلِ إذْ غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّ غَسْلَيْهِمَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ، فَالْمَشَقَّةُ لَا تَنْتَفِي إلَّا إذَا حُكِمَ بِوُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَلِذَلِكَ حَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَوَافَقَ الشَّارِحُ فِي تَقْرِيرِ الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ الثَّانِيَ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَالثَّالِثَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِعْلِ الْوَاجِبِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ فَعَلَ هُوَ الْوَاجِبَ لِأَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْأَفْعَالُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ الْفِعْلَ بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ، وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] أَيْ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَأْخُذُ بِيَدَيْهِ مَعًا كَمَا قَالَ تت [قَوْلُهُ: مِنْ مَبْدَإِ الْوَجْهِ] أَيْ فَحِينَئِذٍ مَبْدَأُ الْوَجْهِ يُغْسَلُ فِي حَالِ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَيُمْسَحُ فِي حَالِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ إلَخْ [قَوْلُهُ: الْجُمْجُمَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجُمْجُمَةُ عَظْمُ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الدِّمَاغِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَاءَ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ] أَيْ مَسْحًا مُلَاصِقًا لِلرَّأْسِ. [قَوْلُهُ: لَمْ يُصَحِّحْهُ أَهْلُ اللُّغَةِ] فَقَدْ قَالَ تت فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّ مَسَحَ يَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَفْسِهِ وَالْآخَرُ بِالْبَاءِ، فَهُوَ الْآلَةُ نَحْوَ مَسَحْت يَدَيَّ بِالْحَائِطِ، فَالْحَائِطُ آلَةٌ وَالْيَدُ الْمَمْسُوحَةُ أَوْ مَسَحْت الْحَائِطَ بِيَدَيَّ فَالْيَدُ آلَةٌ وَالْحَائِطُ الْمَمْسُوحُ، فَالْبَاءُ لِلِاسْتِعَانَةِ مِثْلُهَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ اهـ، فَالْمَمْسُوحُ الْيَدُ وَآلَةُ الْمَسْحِ الرَّأْسُ. [قَوْلُهُ: فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ] الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ فَأَدْبَرَ بِهِمَا وَأَقْبَلَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا صَرِيحٌ إلَخْ] أَقُولُ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا مَسْحٌ جَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُخَالِفُ بِدَلِيلِ احْتِوَائِهِ عَلَى الرَّدِّ، الَّذِي نَقُولُ بِسُنِّيَّتِهِ فَلَا يُفِيدُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُدَّعَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهَا إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ هُوَ الْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ الْبُدَاءَةُ مِنْ الْوَسَطِ وَالْبَدَاءَةُ مِنْ الْمُؤَخَّرِ [قَوْلُهُ: مِنْ مُقَدَّمِهِ] بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَفِيهِ سُكُونُ الثَّانِي وَكَسْرُ الثَّالِثِ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ الِاسْتِحْبَابُ [قَوْلُهُ: وَمُقَدَّمُهُ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوَّلِ بَيَانٌ لِمُقَدَّمِهِ، أَيْ أَنَّ الْمُقَدَّمَ هُوَ أَوَّلُ مَنَابِتَ، وَالْمَعْنَى وَمُقَدَّمُهُ هُوَ مَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ، إلَّا أَنَّكَ خَبِيرٌ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ هُوَ الْمُقَدَّمُ بَلْ مَبْدَأُ الْمُقَدَّمِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لَا حَقِيقَةٌ، فَإِنْ قُلْت مَا مَنَعَك عَنْ كَوْنِكِ تَجْعَلُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَوَّلِ إلَخْ ابْتِدَائِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ وَمُقَدَّمُهُ مُبْتَدَأُ مِنْ أَوَّلِ

شَعْرِ رَأْسِهِ الْمُعْتَادِ) فَلَا يُعْتَبَرُ شَعْرُ أَغَمَّ وَلَا أَصْلَعَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَجْهِ، (وَ) تَكُونُ الْبُدَاءَةُ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا حَالَةَ كَوْنِهِ (قَدْ قَرَنَ) أَيْ جَمَعَ (أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدِهِ) مَا عَدَا إبْهَامَيْهِ (بَعْضَهَا بِبَعْضٍ) أَيْ مَعَ بَعْضٍ (عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ) الصُّدْغَانِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا، وَالْإِبْهَامَانِ تَثْنِيَةُ إبْهَامٍ وَهِيَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى مِنْ الْأَصَابِعِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَشْهَرِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أُبْهِمَتْ عَنْ سَائِرِ الْأَصَابِعِ فَلَمْ تَخْتَلِطْ بِهَا (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَجْمَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، وَيَجْعَلَ إبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ (يَذْهَبُ بِيَدَيْهِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (مَاسِحًا إلَى طَرَفِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (شَعْرِ رَأْسِهِ) الْمُعْتَادِ (مِمَّا يَلِي قَفَاهُ) وَهُوَ آخِرُهُ، وَهُوَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ طَوِيلَ الشَّعْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَ مَا طَالَ مِنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ مَا طَالَ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَنْتَهِيَ بِالْمَسْحِ إلَى آخِرِ الرَّأْسِ (يَرُدُّهُمَا) أَيْ يَدَيْهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (إلَى حَيْثُ) أَيْ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي (بَدَأَ مِنْهُ) مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ (وَيَأْخُذُ) أَيْ يَمُرُّ (بِإِبْهَامَيْهِ خَلْفَ أُذُنَيْهِ) تَثْنِيَةُ أُذُنٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ ضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِهَا، وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ مِنْ الْأَذَنِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ، وَيَنْتَهِي الْمُرُورُ بِإِبْهَامَيْهِ (إلَى صُدْغَيْهِ) ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي صِفَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَالَ: (وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ إذَا أَوْعَبَ) أَيْ عَمَّ (رَأْسَهُ كُلَّهُ) بِالْمَسْحِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (أَحْسَنُ) مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنَابِتِ إلَخْ، قُلْت: مَنَعَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِصَدَدِ بَيَانِ حَقِيقَةِ الْمُقَدَّمِ، وَهُوَ أَنَّ مَبْدَأَهُ كَذَا وَنِهَايَتَهُ كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيَانَ نِهَايَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَمَعَ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ الْبَدْءِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا وَجَمْعِ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ كَأَنْ تَقُولَ الْبَدْءُ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا مُسْتَحَبٌّ وَجَمْعُ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ، وَكَذَا جَعْلُ إبْهَامَيْهِ مُسْتَحَبٌّ ثَالِثٌ لَمْ أَرَ نَصًّا فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بَعْضَهَا بِبَعْضٍ] بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَطْرَافَ بَدَلُ بَعْضٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج: 40] فَجَعَلَ الْجَلَالُ أَنَّ بَعْضَهُمْ بَدَلٌ مِنْ النَّاسِ بَدَلَ بَعْضٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْأَشْهَرِ] قَالَ تت وَالْإِبْهَامُ هِيَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أَشْهَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، اهـ فَقَوْلُ شَارِحِنَا عَلَى الْأَشْهَرِ أَيْ أَنَّ التَّأْنِيثَ أَشْهَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ مَعَ وُرُودِ كُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ وَجَدْت صَاحِبَ الْمِصْبَاحِ ذَكَرَ كَلَامَ شَارِحِنَا حَيْثُ قَالَ: الْإِبْهَامُ مِنْ الْأَصَابِعِ أُنْثَى عَلَى الْمَشْهُورِ، اهـ فَمُفَادُهُ خِلَافُ مُفَادِ تت. [قَوْلُهُ: أُبْهِمَتْ] أَيْ أُبْعِدَتْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ سَاقَ إلَيْهِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ أَبْهَمْته إبْهَامًا لَمْ تُبَيِّنْهُ. [قَوْلُهُ: إلَى طَرَفٍ] أَيْ إلَى مَحَلِّ طَرَفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَعْرٌ، وَإِلَى الطَّرَفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ شَعْرٌ [قَوْلُهُ: مِمَّا يَلِي قَفَاهُ] مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَوْضِعِ الطَّرَفِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ مَوْضِعِ ذَلِكَ الطَّرَفِ هُوَ مَا يَلِي قَفَاهُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ آخِرُهُ أَيْ هَذَا الَّذِي يَلِي الْقَفَا آخِرُ الرَّأْسِ فَالْقَفَا خَارِجٌ مِنْ الرَّأْسِ كَالرَّقَبَةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَسْحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ] أَيْ وَذَلِكَ الْآخِرُ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] تَبِعَ ابْنُ عُمَرَ وَاعْتَرَضَهُ تت بِأَنَّهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَسْحَ شَعْرِ رَأْسِهِ إذَا طَالَ مَسَحَهُ إلَى قَفَاهُ دُونَ مَا طَالَ مِنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ إلَى طَرَفِ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَإِنَّمَا تَحَرَّزَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَمْسَحَ شَعْرَ الْقَفَا كَمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ اللَّخْمِيِّ وَلَيْسَ بِحَسَنٍ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَنْتَهِي لِآخِرِ الْجُمْجُمَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: يَرُدُّهُمَا] هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ أَوْ لَهُ شَعْرٌ قَصِيرٌ، وَأَمَّا مَنْ لَهُ شَعْرٌ طَوِيلٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ إذْ لَا تَتِمُّ الْمَرَّةُ الْأُولَى الْوَاجِبَةُ إلَّا بِهِ، ثُمَّ تَطْلُبُ مِنْهُ السُّنَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ بَدْءًا وَرَدًّا، لَكِنَّ مَحَلَّ طَلَبِ تِلْكَ السُّنِّيَّةِ إذَا بَقِيَ بَلَلٌ بِيَدَيْهِ، وَإِلَّا سَقَطَتْ عَنْهُ فَإِنْ بَقِيَ بَلَلٌ يَكْفِي الْبَعْضَ فَيَمْسَحُهُ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ] أَيْ فَالتَّجْدِيدُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ] أَيْ سُمِّيَتْ الْأُذُنُ بِمَعْنَى الْعُضْوِ بِذَلِكَ أَيْ بِلَفْظِ أُذُنٍ وَقَوْلُهُ مِنْ أُذُنٍ، أَيْ مِنْ أَجْلِ

غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ الْمُوَافِقُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَهِيَ لِمَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فَقَالَ: (وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا مَبْلُولَتَيْنِ وَمَسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ أَجْزَأَهُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَفَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ يَنْتَقِلُ إلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ لَهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَشْيَاخِ إلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَى الْأَوَّلِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ (يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ) تَثْنِيَةُ سَبَّابَةٍ وَهِيَ الْأُصْبُعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا إلَى السَّبِّ فِي الْمُخَاصَمَةِ (وَ) عَلَى (إبْهَامَيْهِ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا (وَإِنْ شَاءَ غَمَسَ ذَلِكَ) أَيْ السَّبَّابَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ (فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ ظَاهِرَهُمَا) وَهُوَ مَا يَلِي الرَّأْسَ عَلَى الصَّحِيحِ (وَبَاطِنَهُمَا) وَهُوَ مَا تَقَعُ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَتَبَّعَ غُضُونَهُمَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ بِالْمَسْحِ التَّخْفِيفُ وَالتَّتَابُعُ يُنَافِيهِ (وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ) رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا (كَمَا ذَكَرْنَا) فِي مَسْحِ الرَّجُلِ مِقْدَارًا وَصِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ك: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ كَمَا تَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ. (وَتَمْسَحُ) الْمَرْأَةُ (عَلَى دَلَّالِيهَا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ شَعْرِهَا. ك: وَالْمَشْهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ لَفْظَ الْأُذُنِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَنِ بِالْفَتْحِ [قَوْلُهُ: إذَا أَوْعَبَ] أَيْ وَلَوْ بِإِصْبَعٍ وَاحِدَةٍ [قَوْلُهُ: لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ] وَهُوَ قَوْلُهُ بَدَأَ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ وَمَعَ كَرَاهَةٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا مُفَادُهُ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ، وَفَاتَهُ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنْتِجُ الْكَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْمُسْتَحَبِّ يُصَدَّقُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَخِلَافُ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ إلَخْ] هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَهُوَ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ] وَعَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ [قَوْلُهُ: وَإِلَى الْأَوَّلِ يُشِيرُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بِصَدَدِ بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ فَقَطْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ مَجْمُوعُ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ [قَوْلُهُ: يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى سَبَّابَتَيْهِ] بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَيُفْرِغَهُ عَلَى سَبَّابَتِهِ الْيُسْرَى مَعَ إبْهَامِهَا، وَمَا اجْتَمَعَ فِي كَفِّ الْيُسْرَى يُفْرِغُهُ عَلَى سَبَّابَتِهِ الْيُمْنَى مَعَ إبْهَامِهَا، كَذَا فِي عج وَالتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: إلَى السَّبِّ] أَيْ عِنْدَ السَّبِّ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَلَيْسَ السَّبُّ مَدْلُولًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ إلَخْ] أَشَارَ إلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ فَالصِّفَةُ الْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذِهِ لِمَالِكٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ بَاطِنَهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، وَظَاهِرَهُمَا مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ: ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا كَزِرِّ الْوَرْدِ، فَإِذَا تَكَمَّلَ خَلْقُهَا انْفَتَحَتْ عَلَى الرَّأْسِ فَالظَّاهِرُ لِلْجَبِينِ الْآنَ كَانَ بَاطِنًا وَالْبَاطِنُ كَانَ ظَاهِرًا، فَهَلْ يُعْتَبَرُ حَالُ الِابْتِدَاءِ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ أَوْ الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ حَالَةَ وُرُودِ الْخِطَابِ، وَهُمَا عُضْوَانِ مُسْتَقِلَّانِ، لَا مِنْ الْوَجْهِ وَلَا مِنْ الرَّأْسِ. قَالَهُ عج فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَسْحُ الْجَمِيعِ سُنَّةً، فَلَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَصِفَةُ مَسْحِهِمَا عَلَى مَا قَالَ تت أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ وَيُمِرَّهُمَا لِلْآخِرِ، وَآخِرَ السَّبَّابَتَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ. وَوَسَطَهُمَا مُلَاقِيًا لِلْبَاطِنِ دَائِرَيْنِ مَعَ الْإِبْهَامَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّحْمَتَيْنِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اهـ. هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَسْحَ الصِّمَاخَيْنِ دَاخِلٌ فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ، وَالْكُلُّ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ أَنَّ الْمَوَّاقَ حَكَى أَنَّهُ سُنَّةٌ اتِّفَاقًا، فَأَقَلُّ مَا هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِحُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الصِّفَةِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: مِقْدَارًا وَصِفَةً] الْمِقْدَارُ كَوْنُ الْمَمْسُوحِ مَا بَيْنَ الْقَفَا وَمُنْتَهَى الْوَجْهِ، وَالصِّفَةُ كَوْنُهُ يَبْدَأُ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَيُخْتَمُ بِالْمُؤَخَّرِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] هَذَا دَلِيلٌ مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَقَطْ غَيْرُ شَامِلٍ لِلْأُذُنَيْنِ الدَّاخِلَتَيْنِ فِي الْمُدَّعَى. [قَوْلُهُ: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ إلَخْ] لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ خَالَفَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ، [قَوْلُهُ: أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ] أَيْ لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ وَغَلَّبَ الرِّجَالَ. [قَوْلُهُ: وَتَمْسَحُ الْمَرْأَةُ إلَخْ] أَعَادَ الْعَامِلَ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ مَا انْفَرَدَتْ بِمَسْحِهِ، [قَوْلُهُ: عَلَى دَلَالَيْهَا] بِفَتْحِ الدَّالِ تَثْنِيَةُ دَلَالٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ شَعْرِهَا] أَيْ عَلَى الصُّدْغِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ فَعَلَيْهِ

وُجُوبُ مَسْحِ مَا اسْتَرْخَى مِنْ شَعْرِ الرَّجُلِ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالْمَرْأَةِ كَذَلِكَ (لَا تَمْسَحُ عَلَى الْوِقَايَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ شَعْرَ رَأْسِهَا بِهَا لِتَقِيَهُ مِنْ الْغُبَارِ، وَكَذَلِكَ لَا تَمْسَحُ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ خِمَارٍ وَحِنَّاءٍ وَنَحْوَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَائِلٌ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرُورَةٌ، وَأَمَّا مَعَ الضَّرُورَةِ مِثْلُ اللَّزْقَةِ تُضَمَّدُ بِالسِّدْرِ وَالْحِنَّاءِ، وَتُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ جَرٍّ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ فِي مَسْحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى عِمَامَتِهِ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ، وَإِذَا مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْمُفْرَدِ أَوْ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى الصُّدْغَيْنِ مَعًا فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِلدَّلَالَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَهُوَ دَلَالٌ فَإِذَا أُرِيدَ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَيْهِمَا قِيلَ دَلَالَانِ، وَكَذَا مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى الْوَجْهِ تَمْسَحُهُ، وَهَلْ يُسَمَّى دَلَالًا؟ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ يَقُولُ: أَيْ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَى وَجْهِهَا وَعَلَى صُدْغَيْهَا، إلَّا أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِلْجَمْعِ لَا لِلْمُثَنَّى وَيُشِيرُ الْفَاكِهَانِيُّ حَيْثُ قَالَ هُمَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْخِي عَلَى وَجْهِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى تَفْسِيرِهِ يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْمُفْرَدِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. [قَوْلُهُ: مَسْحِ مَا اسْتَرْخَى] أَيْ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا يُفِيدُهُ تت وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهُ فَالْمَشْهُورُ يَنْظُرُ لِلْمُبَادِي، وَالْمُقَابِلُ يَنْظُرُ لِلْمُحَاذِي، وَأَمَّا الْجُزْءُ الْقَائِمُ بِالرَّأْسِ فَيُمْسَحُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ مُفَادُهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ مَا اسْتَرْخَى عَلَى الرَّأْسِ، أَيْ كَانَ قَائِمًا بِهَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ غَيْرُ مُرَادٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ] أَيْ يَسْتَرْخِي عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، أَيْ عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْمُنَاسِبُ لِلتَّعْبِيرِ بِالْمَشْهُورِ كَمَا قَرَّرْنَا أَنْ يَقُولَ مَا اسْتَرْخَى مِنْ أَثَرِ الرِّجَالِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ، بِحَيْثُ نَزَلَ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ أَوْ عَلَى الْوَجْهِ، وَأَمَّا الْقَائِمُ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ فَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ تت أَنَّهُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ] وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ مَصْدَرٌ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَعْقِدُ الْمَرْأَةُ شَعْرَ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَضُمُّ الشَّعْرَ، وَتَرْبِطُهُ بِتِلْكَ الْخِرْقَةِ فَالْخِرْقَةُ رَابِطَةُ الشَّعْرِ لَا الرَّأْسِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّبْطَ مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ، وَيَلْزَمُ مِنْ رَبْطِ الرَّأْسِ رَبْطُ الشَّعْرِ، [قَوْلُهُ: وَحِنَّاءٍ] أَيْ مُتَجَسِّدَةٍ لَا اللَّوْنُ الَّذِي يَمْكُثُ بَعْدَ إزَالَةِ الثُّفْلِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ أَيْ جُرْمُهُ لَا أَثَرُهُ هَذَا فِي الثُّفْلِ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ شَعْرِ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي مُسْتَبْطَنِ الشَّعْرِ دُونَ أَعْلَاهُ فَلَا يَنْقُضُ؛ لِأَنَّ مُسْتَبْطَنَهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَسْحِ. [قَوْلُهُ: تُضَمَّدُ بِالسِّدْرِ] أَيْ تُشَدَّدُ بِالسِّدْرِ وَالْحِنَّاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ، وَالْمُرَادُ تَجْعَلُ عَلَيْهَا سِدْرًا وَحِنَّاءً. [قَوْلُهُ: مِنْ حَرٍّ وَشَبَهِهِ] أَيْ حَرٍّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحَرِّ فَلَا يَكُونُ مُسَوِّغًا، وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ حَالَ الْعَرُوسِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهَا نَزْعُ مَا عَلَى شَعْرِهَا مِنْ زِينَةٍ أَوْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَنْ رَخَّصَ لِلْعَرُوسِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ الْمَسْحَ عَلَى الْحَائِلِ. [قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ مَالِكٌ] إنَّمَا قَالَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ اخْتِيَارًا وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ نَاجِي قَوْلَ أَحْمَدَ قَائِلًا، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَمِيلُ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ [قَوْلُهُ: فِي مَسْحِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى عِمَامَتِهِ] أَيْ بَعْضِهَا وَكَانَ قَدْ مَسَحَ النَّاصِيَةَ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ] أَيْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لِضَرُورَةٍ. [قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ] أَيْ يُكْمِلَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَقِيلَ لَا يُطْلَبُ بِالتَّكْمِيلِ، وَقِيلَ يُطْلَبُ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَكَذَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كُلِّهَا إذَا خَافَ بِنَزْعِهَا ضَرَرًا، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسْحِ مَا هِيَ مَلْفُوفَةٌ عَلَيْهِ كَالْمُزَوَّجَةِ، فَإِنْ قَدَرَ مَسَحَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْعِمَامَةِ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ نَقْضُهَا وَعَوْدُهَا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ وَكَانَ لِبْسُهُ لَهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لِضَرَرٍ فَهَلْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَا كَانَ يُقَرِّرُهُ الشَّيْخُ عُثْمَانُ الْعِزِّيُّ أَمْ لَا وَهُوَ مَا كَانَ يُقَرِّرُهُ

عَلَى عِمَامَتِهِ. (وَ) إذَا مَسَحَتْ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا فَإِنَّهَا (تُدْخِلُ يَدَيْهَا مِنْ تَحْتِ عِقَاصِ شَعْرِهَا فِي رُجُوعِ يَدَيْهَا فِي الْمَسْحِ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَقْصُ أَنْ تَلْوِيَ الْخُصْلَةَ مِنْ الشَّعْرِ، ثُمَّ تَعْقِدَهَا حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ، ثُمَّ تُرْسِلُهَا وَكُلُّ خُصْلَةٍ عَقِيصَةٌ، وَالْجَمْعُ الْعِقَاصُ وَالْعَقَائِصُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا فِي الْوُضُوءِ كَمَا قَالَ فِي الْغُسْلِ لِلْمَشَقَّةِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ عِقَاصُهَا مِثْلَ عِقَاصِ الْعَرَبِ تَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ، أَمَّا إنْ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الْخُيُوطُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِّهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ (يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ) وَهُوَ الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَتَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ الْخَفْضِ بِتَآوِيلَ كَثِيرَةٍ. قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى الرُّءُوسِ فَهُمَا يُمْسَحَانِ إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ؟ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِنَقْضِهَا وَعَوْدِهَا، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا قَطْعًا [قَوْلُهُ: تُدْخِلُ يَدَيْهَا] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ح فِي شَرْحِهِ لِلْقُرْطُبِيَّةِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِتَوَقُّفِ التَّعْمِيمِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدَ تَعْمِيمِ رَأْسِهَا بِالْمَسْحِ يُسَنُّ فِي حَقِّهَا الرَّدُّ وَتُدْخِلُ يَدَيْهَا تَحْتَهُ فِي الرَّدِّ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا حَيْثُ بَقِيَ بِيَدَيْهَا بَلَلٌ. [قَوْلُهُ: الْعَقْصُ] بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ عَقَصَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا عَقْصًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَعَلَتْ بِهِ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَلْوِيَ الْخُصْلَةَ] بِضَمِّ الْخَاءِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَعْقِدُهَا] أَيْ مَعَ خُصْلَةٍ أُخْرَى بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْقَى فِيهَا الْتِوَاءٌ] أَيْ حَتَّى يَبْقَى الِالْتِوَاءُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْقَدْ يَذْهَبُ الِالْتِوَاءُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْأَسَاسِ، حَيْثُ قَالَ حَتَّى يَبْقَى الْتِوَاءٌ بِهَا وَعَلَى هَذَا فَالْعَقْصُ مُبَايِنٌ لِلضَّفْرِ؛ لِأَنَّ الضَّفْرَ كَمَا يُضَفَّرُ الْخُوصُ وَالْعَقْصُ عَلَى هَذَا خُصْلَةٌ مَرْبُوطٌ طَرَفُهَا مَعَ طَرَفِ غَيْرِهَا بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ، وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَجْعَلَهُ مُرَادِفًا، حَيْثُ قَالَ، وَالْعِقَاصُ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الْخُصْلَةُ مِنْ الشَّعْرِ تُضَفِّرُهَا ثُمَّ تُرْسِلُهَا فَهُمَا طَرِيقَتَانِ، هَذَا وَصَدْرُ عِبَارَةِ الْمِصْبَاحِ تَقْتَضِي إطْلَاقَ الْعَقِيصَةِ عَلَى مُجَرَّدُ لَيِّ الشَّعْرِ وَجَعْلِ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ. [قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي الْغُسْلِ] أَيْ لَيْسَ عَلَيْهَا حَلُّ عِقَاصِهَا، [قَوْلُهُ: تَرْبِطُهُ بِالْخَيْطِ وَالْخَيْطَيْنِ] أَيْ تَرْبِطُ أَطْرَافَ الْعِقَاصِ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ، وَقَوْلُهُ أَمَّا إنْ كَثُرَتْ، أَيْ بِأَنْ زَادَتْ عَلَى خَيْطَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْحُكْمَ مُسْتَوٍ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ مِنْ أَنَّ الْخَيْطَيْنِ لَا يَنْقُصَانِ فِيهِمَا مُطْلَقًا اشْتَدَّ الرَّبْطُ أَمْ لَا، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَأَكْثَرُ فَيَنْقُضُ اشْتَدَّ أَمْ لَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا لِلزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْفَرِيضَةُ إلَخْ] أَيْ غَسْلُ رِجْلَيْهِ الْفَرِيضَةُ الرَّابِعَةُ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ] أَيْ أَنَّ كَوْنَ الرِّجْلَيْنِ يُغْسَلَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ فَرْضُهُمَا الْمَسْحُ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ خِلَافُ الْقِرَاءَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] خَفْضًا وَنَصْبًا فَعَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ الْخَفْضِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الرَّأْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ] هُوَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ وَسَمَّاهُ الْمُفْهِمَ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ الْمُحَدِّثُ، مَاتَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ وَالتَّفْسِيرِ، فَإِنَّ ذَاكَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ وَكَانَ أَيْ صَاحِبُ التَّذْكِرَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الْمَشْغُولِينَ بِمَا يَعْنِيهِمْ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، أَوْقَاتُهُ مَعْمُورَةٌ مَا بَيْنَ تَوَجُّهٍ وَعِبَادَةٍ وَتَصْنِيفٍ، وَكَانَ قَدْ طَرَحَ التَّكَلُّفَ يَمْشِي بِثَوْبٍ وَاحِدٍ وَعَلَى رَأْسِهِ طَاقِيَّةٌ، وَكَانَ مُسْتَقِرًّا بِمُنْيَةِ ابْنِ خَصِيبٍ، وَتُوُفِّيَ بِهَا وَدُفِنَ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ وَهُوَ شَارِحُ مُسْلِمٍ وُلِدَ بِقُرْطُبَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَسَمِعَ بِهَا، وَقَدِمَ مِصْرَ وَحَدَّثَ بِهَا وَاخْتَصَرَ الصَّحِيحَيْنِ، ثُمَّ شَرَحَ مُخْتَصَرَ مُسْلِمٍ وَذُكِرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عَنْهُ أَيْ عَنْ شَارِحِ مُسْلِمٍ الْحَافِظِ شَرَفِ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ، وَالثَّانِي الَّذِي هُوَ مُصَنِّفُ التَّفْسِيرِ وَالتَّذْكِرَةِ فَصَاحِبُهُمَا تِلْمِيذُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ شَارِحُ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا

عَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَتَلَقَّيْنَا هَذَا الْقَيْدَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى رِجْلَيْهِ إلَّا وَعَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ غَسْلُهُمَا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَالَ الَّذِي يَمْسَحُ فِيهِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِمَا أَنَّهُ (يَصُبُّ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَعْرُكُهَا) أَيْ يُدَلِّكُهَا (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) عَرْكًا (قَلِيلًا قَلِيلًا) أَيْ رَفِيقًا رَفِيقًا (يُوعِبُهَا) أَيْ يَسْتَكْمِلُ غَسْلَهَا (بِذَلِكَ) أَيْ بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ اسْتِحْبَابًا وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ. وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَحْدُودٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَاخْتُلِفَ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِهِمَا عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْإِبَاحَةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ خَلَّلَ أَصَابِعَهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي حَالِ الْغَسْلِ (وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ) ج: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، ثَانِيهِمَا الِاسْتِحْبَابُ لِابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالتَّخْلِيلُ أَطْيَبُ) أَيْ أَدْفَعُ (لِ) وَسْوَسَةِ (النَّفْسِ) وَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ تَخْلِيلِهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْفَلَ يَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى، فَيَبْدَأُ الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا وَيَخْتِمُ الْيُمْنَى بِهِ، وَلَمَّا كَانَ فِي الرِّجْلِ مَوَاضِعُ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ أَخَذَ يُنَبِّهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْوَجْهِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَيْدَ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُتَوَاتِرُ] مُبْتَدَأٌ وَغَسْلُهُمَا هُوَ الْخَبَرُ، أَيْ وَالْمُتَوَاتِرُ عَنْهُ غَسْلُهُمَا أَيْ دَائِمًا عِنْدَ عَدَمِ الْخُفَّيْنِ، فَالْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَا يَتِمُّ التَّعْلِيلُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ الَّتِي زِدْنَاهَا. [قَوْلُهُ: الْحَالَ الَّذِي يَمْسَحُ فِيهِ] أَيْ وَهُوَ عِنْدَ اللُّبْسِ لِلْخُفِّ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصُبُّ إلَخْ] الصَّبُّ يَكُونُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ النَّقْلُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْغَسْلِ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُمْنَى] قَالَ تت: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِيَدِهِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْمَاءَ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إلَّا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ يُدَلِّكُهَا] مِنْ بَابِ قَتَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ الْيُسْرَى] فَلَا يَكْفِي دَلْكُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى وَفِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ فِي شَرْحِهِ مَا يُشْعِرُ بِاعْتِمَادِ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي دَلْكُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ بِالْأُخْرَى [قَوْلُهُ: عَرْكًا قَلِيلًا قَلِيلًا] أَيْ لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُشُونَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ بِالْغَسْلِ دَفْعَةً، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَّا أَنَّ قَلِيلًا لَيْسَ رَاجِعًا لِصُبَّ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فَرُجُوعُهُ لَهُ يَصِيرُ فِي الْعِبَارَةِ تَكْرَارًا [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابًا] أَيْ أَنَّ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأُولَى فَرْضٌ لَكِنْ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُسْتَحَبٌّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ] يَأْتِي هَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ. [قَوْلُهُ: مَحْدُودٌ إلَخْ] هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ لِقَوْلِ ابْنِ مَرْزُوقٍ كَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ فَالْمَطْلُوبُ الْإِنْقَاءُ وَلَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، وَلَيْسَ فِي غَسْلِهِمَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا هُوَ وَاجِبٌ، وَالْمُرَادُ بِالْإِنْقَاءِ إنْقَاءُ مَا يَلْزَمُ إزَالَتَهُ فِي الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ، وَإِنَّمَا خَالَفَ الرِّجْلَانِ بَقِيَّةَ الْأَعْضَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِكَوْنِهِمَا مَحَلَّ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ غَالِبًا، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ النَّقِيَّتَيْنِ أَمَّا النَّقِيَّتَانِ فَكَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ اتِّفَاقًا. وَجَمَعَ الْمَازِرِيُّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الثَّلَاثَ فِي النَّظِيفَتَيْنِ وَالْإِنْقَاءَ فِي غَيْرِهِمَا. [قَوْلُهُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا قَوْلَيْنِ إلَخْ] وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ الْوُجُوبُ وَالْإِنْكَارُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ هَذَيْنِ لِمَا فِي الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. وَالْخَامِسُ يُخَلِّلُ مَا بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَاَلَّذِي يَلِيهِ فَقَطْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي وَهَذَا فِي الْوُضُوءِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَقِيلَ: وَاجِبٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَاشِيَتِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْغُسْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ لِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْفَلَ] أَيْ وَيُخَلِّلُهُمَا بِخِنْصَرِهِ، وَوَرَدَ فِي حَدِيثٍ بِالْمُسَبِّحَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ شِدَّةُ الْتِصَاقِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَهُمَا الْبَاطِنَ أَوْ لِلْخِلَافِ فِي غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ [قَوْلُهُ: يَبْدَأُ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الْمُسْتَحَبِّ الْمَذْكُورِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا آخَرَ فَتَكُونُ الْبُدَاءَةُ مِنْ

الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ فَقَالَ: (وَيَعْرُكُ) أَيْ وَلْيَعْرُكْ يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ (عَقِبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عَقِبٍ بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهِيَ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ (وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (عُرْقُوبَيْهِ) تَثْنِيَةُ عُرْقُوبٍ، بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الْمُتَوَتِّرُ فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ. (وَ) كَذَلِكَ يُدَلِّكُ (مَا لَا يَكَادُ) أَيْ الَّذِي لَا (يُدَاخِلُهُ الْمَاءُ بِسُرْعَةٍ) فَيَكَادُ زَائِدَةٌ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ جَسَاوَةٍ) بِجِيمٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ غِلَظٌ فِي الْجِلْدِ نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ (أَوْ شُقُوقٍ) أَيْ تَفَاتِيحُ تَكُونُ مِنْ الْبَلْغَمِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ التَّكَامِيشُ الَّتِي تَكُونُ مِنْ اسْتِرْخَاءِ الْجِلْدِ فِي أَهْلِ الْأَجْسَامِ الْغَلِيظَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِعَرْكِ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ مُصَلِّيًا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَقَالَ: (فَلْيُبَالِغْ بِالْعَرْكِ مَعَ) كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِ (صَبِّ الْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَى (بِيَدِهِ) إنْ أَمْكَنَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، ثُمَّ أَكَّدَ مَا أَمَرَ بِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ مُعَبِّرًا بِفَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَقَالَ: (فَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ (جَاءَ الْأَثَرُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ» قِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْفَلُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَالْبُدَاءَةُ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى إلَخْ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي وَلْيُدَلِّكْ] التَّعْبِيرُ بِيَعْنِي لَيْسَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ فَقَصَدَ مُجَرَّدَ الْإِيضَاحِ [قَوْلُهُ: فَوْقَ عَقِبِ السَّاقِ] لَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ لِلْعَقِبِ مَعَ وُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِالْعُرْقُوبِ فَالْعُرْقُوبُ أَقْرَبُ مِنْ السَّاقِ. قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ: الْعَقِبُ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، وَالْعُرْقُوبُ الْقَصَبَةُ النَّاتِئَةُ مِنْ الْعَقِبِ إلَى السَّاقِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ، وَأَيْضًا فَتِلْكَ النِّسْبَةُ تُؤْذِنُ بِوُجُودِ عَقِبٍ لَيْسَ مَنْسُوبًا لِلسَّاقِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَيَكَادُ زَائِدَةٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ زِيَادَتَهَا لَيْسَتْ مُتَعَيِّنَةً بَلْ عَدَمُ زِيَادَتِهَا صَحِيحٌ أَيْ وَمَا لَا يَقْرُبُ مُدَاخَلَةُ الْمَاءِ لَهُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: نَشَأَ عَنْ قَشَفٍ] الْقَشَفُ عَدَمُ تَعَهُّدِ النَّظَافَةِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَشِفَ الرَّجُلُ قَشَفًا فَهُوَ قَشِفٌ مِنْ بَابِ تَعِبٍ أَيْ لَمْ يَتَعَهَّدْ النَّظَافَةَ، وَتَقَشَّفَ مِثْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِ كَسَوْدَاءَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ تت. قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا غَلَبَتْ إحْدَى الطَّبِيعَتَيْنِ تَحْصُلُ تِلْكَ الشُّقُوقُ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ] أَيْ لِاحْتِمَالٍ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَوْفَ إنْ كَانَ وَهْمًا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَإِنْ كَانَ شَكًّا أَوْ ظَنًّا فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: فَلْيُبَالِغْ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ الْعَرْكُ الْمَذْكُورُ مُتَعَلِّقًا بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْخَفِيَّةِ فَيَتَفَرَّعُ طَلَبُ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى فِي. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْقَى] أَيْ لِأَنَّ الْعَرْكَ الْمُقْتَرِنَ بِالصَّبِّ أَنْقَى مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الصَّبُّ بَعْدَ الْعَرْكِ أَوْ قَبْلَ الْعَرْكِ. [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْعَرْكِ [قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَهُ] أَيْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ، وَيَبْعُدُ تَرْجِيعُهُ لِقَوْلِهِ: مَعَ كَوْنِهِ مَقْرُونًا بِصَبِّ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِوُجُودِ الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: بِيَدِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَرْكِ [قَوْلُهُ: يَفْعَلُ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ عَرْكِ عَقِبَيْهِ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ كَمَا قَالَ تت فِي إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ يَقَعُ عَلَى الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْمَوْقُوفِ. وَأَمَّا فُقَهَاءُ خُرَاسَانَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْمَرْفُوعَ خَبَرًا وَالْمَوْقُوفَ أَيْ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَثَرًا، فَقَدْ جَرَى عَلَى إصْلَاحِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَمِنْ بَيَانِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ الْأَثَرِ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لِلْأَعْقَابِ] يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ حِينَ رَأَى قَوْمًا تَلُوحُ أَعْقَابُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ، وَاسْتَبْعَدَهُ الْبَاجِيُّ لِمَا ذُكِرَ قُلْت: لَا اسْتِبْعَادَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَرِّعٌ لِكُلِّ الْأُمَّةِ، فَالْمَعْنَى وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ الَّتِي لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ كَانُوا هَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ: وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ] أَيْ وَتَكُونُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ النَّارِ تَبْعِيضِيَّةً، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ، وَالتَّقْدِيرُ وَيْلٌ كَائِنٌ لِلْأَعْقَابِ حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ النَّارِ، أَيْ بَعْضَ النَّارِ، وَيُرَادُ مِنْ النَّارِ دَارُ الْعِقَابِ، وَعَبَّرَ بِقِيلَ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ. وَكَأَنَّهُ قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: وَيْلٌ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: لِمَنْ اسْتَحَقَّ الْهَلَاكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهَا

الْأَعْقَابِ. قَالُوا: وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَعْقَابِ خَاصَّةً بَلْ شَامِلٌ لِكُلِّ لَمْعَةٍ تَبْقَى فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا حِينَ رَأَى أَعْقَابَ النَّاسِ تَلُوحُ وَلَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فِي الْوُضُوءِ. (وَعَقِبُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (وَ) هُوَ (آخِرُهُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَفْعَلُ بِالرِّجْلِ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْيُمْنَى سَوَاءٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ مُنْتَهَى الْغَسْلِ فِي الرِّجْلَيْنِ، وَهُمَا الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيْ السَّاقَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْوُضُوءِ، وَلَمَّا قَدَّمَ فِيهَا أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا حَقُّهُ الْغَسْلُ ثَلَاثًا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (تَحْدِيدُ غَسْلِ أَعْضَائِهِ) الَّتِي حَقُّهَا الْغَسْلُ (ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِأَمْرٍ لَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَلَكِنَّهُ) أَيْ التَّحْدِيدَ بِالثَّلَاثِ (أَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ) وَلَا فَضِيلَةَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الرَّابِعَةِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ.» هَذَا مَعَ تَحَقُّقِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَقِيلَ: يَبْنِي عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهَلَاكُ. [قَوْلُهُ: تَقْدِيرُهُ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ] فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ فَمَا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ؟ قُلْت: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا نَسَبَ الْعَذَابَ إلَيْهَا مَعَ أَنَّ الْعَذَابَ لِصَاحِبِهَا إمَّا لِشِدَّتِهِ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهَا أَوَّلُ مُعَذَّبٍ، ثُمَّ إنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَخْصِيصِ التَّعْذِيبِ بِالْأَعْقَابِ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا خَصَّ التَّعْذِيبَ بِغَيْرِ مَحَلِّ السُّجُودِ، وَيَجْرِي هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ إلَخْ] جَوَابٌ عَلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ إذَا كَانَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ فَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمُصْطَفَى؟ [قَوْلُهُ: تَلُوحُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَاحَ الشَّيْءُ يَلُوحُ بَدَا اهـ. أَيْ تَظْهَرُ بِدُونِ مَاءٍ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ آخِرُ إلَخْ] قَدَّرَ هُوَ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَطْفَ الْآخِرِ عَلَى الطَّرَفِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَقِبُ وَالطَّرَفُ الَّذِي هُوَ الْآخِرُ مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّرْقَانِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيُطْلَقُ الْعَقِبُ عَلَى طَرَفِ الرِّجْلِ الْمُتَقَدِّمِ، فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُقَالُ عَلَى مُقَدَّمِ الرِّجْلِ عَقِبٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَهُمَا الْكَعْبَانِ إلَخْ] التَّثْنِيَةُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ اكْتِفَاءً مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخِلَافِ وَالِاسْتِدْلَالُ وَاحِدٌ، فَالْمَشْهُورُ دُخُولُهُمَا فِي الْغَسْلِ. [قَوْلُهُ: بَلْ حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ الْإِجْمَاعَ إلَخْ] أَقُولُ: لَا يُسَلَّمُ لَهُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ مَا يَشْمَلُ الْكَرَاهَةَ، فَيَجْرِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ: وَقَدْ أَشَارَ لَهُمَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ: وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ، وَالْأَوْلَى وَهَلْ تُكْرَهُ الزَّائِدَةُ لِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيمَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ أَيْضًا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى ابْنِ بَشِيرٍ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَتْ الرَّابِعَةُ فَمَا زَادَ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ بِالْأَوَّلِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَصَلَ بِالْمُتَجَدِّدِ تَمَامُ تَثْلِيثِ الْأَوَّلِ، فَلَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ إزَالَةَ الْأَوْسَاخِ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: فَأَرَاهُ ثَلَاثًا] الظَّاهِرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ بِحَضْرَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَسَاءَ] أَيْ ارْتَكَبَ أَمْرًا غَيْرَ لَائِقٍ وَقَوْلُهُ: تَعَدَّى وَظَلَمَ يُسْتَفَادُ مِنْ الْمِصْبَاحِ تَرَادُفُهُمَا، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ كَالْمُتَرَادِفَةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ ظَاهِرٌ فِي الْمَنْعِ فَيَكُونُ مُرَجَّحًا لِلْقَوْلِ بِهِ، وَصَاحِبُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ يَقُولُ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْعِصْيَانِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ التَّنْفِيرِ فَلَا يَلْزَمُ الْحُرْمَةُ، فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذِهِ كَرَاهَةٌ شَدِيدَةٌ وَخُصُوصًا الْمُقَابِلُ هُوَ الْحُرْمَةُ.

الْأَقَلِّ كَالشَّكِّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ: عَلَى الْأَكْثَرِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ. ج: وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَبِهِ أَدْرَكْت مَنْ لَقِيتُهُ يُفْتِي (وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ) أَيْ يُسْبِغُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ (بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ثَلَاثِ غَسَلَاتٍ (أَجْزَأَهُ) فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ (إذَا أَحْكَمَ) أَيْ أَتْقَنَ (ذَلِكَ) الْفِعْلَ، وَقَدْ حَدَّدَ الْأَكْثَرَ وَلَمْ يُحَدِّدْ الْأَقَلَّ إذْ الْأَقَلُّ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَةَ وَالِاثْنَيْنِ، وَلَمَّا شَرَطَ فِي إجْزَاءِ الْوَاحِدَةِ الْإِحْكَامَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ فِي إحْكَامِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ إتْقَانِ (ذَلِكَ) الْغَسْلِ (سَوَاءً) عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ بِالْوَاحِدَةِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ مَا يُحْكِمُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِالثَّلَاثِ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْكِمُ إلَّا بِاثْنَيْنِ نَوَى بِهِمَا الْفَرْضَ، وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةَ. وَلَمَّا بَيَّنَ صِفَةَ الْوُضُوءِ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَقَالَ: (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ» بِسُكُونِ الرَّاءِ يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بَصَرَهُ «إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ» قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ إلَخْ] أَيْ شَكٍّ فِي الَّتِي قَصَدَ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَيْهَا هَلْ هِيَ ثَالِثَةٌ، وَاَلَّذِي فَعَلَهُ اثْنَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ وَاَلَّذِي فَعَلَهُ ثَلَاثٌ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ] وَعَلَى هَذَا فَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ] أَيْ فَيُكْرَهُ لَهُ فِعْلُهَا [قَوْلُهُ: فِي الْمَحْظُورِ] أَرَادَ بِهِ الْمَمْنُوعَ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَرَاهَةِ لِيَجْرِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا احْتَاجَ لِذِكْرِهِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ. وَقَوْلُهُ: فِعْلُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ الْمُنَاسِبِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْأَقَلُّ وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: إذَا أَحْكَمَ ذَلِكَ] لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ، وَمَنْ كَانَ يُوعِبُ يَحْتَمِلُ، وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الْإِتْقَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَتَى بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِتْقَانُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِجْزَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَهُ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ حُدِّدَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ] أَيْ أَكْثَرِ الْغَسَلَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ الَّتِي الْحَدِيثُ فِيهَا [قَوْلُهُ: إذْ الْأَقَلُّ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْأَقَلَّ لَمَّا كَانَ مَحْصُورًا فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ فَحَالُهُ مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَبَّهَ [قَوْلُهُ: بِالْوَاحِدَةِ] أَيْ بِالْغَرْفَةِ الْوَاحِدَةِ [قَوْلُهُ: نَوَى الْفَرْضَ] ظَاهِرُهُ نَوَى بِالْغَرَفَاتِ الْفَرْضَ، وَلَا يَصِحُّ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ نَوَى بِالْغَسْلِ بِهَا الْفَرْضَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: نَوَى بِهَا الْفَرْضَ إلَخْ] مُرُورٌ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ هَلْ الْأَوْلَى التَّعْيِينُ أَوْ يُعَمَّمُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ مَا أَسْبَغَ أَوَّلًا يَكُونُ الْفَرْضُ. [قَوْلُهُ: وَبِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ] فِي الْمَقَامِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ: أَنْ تَكُونَ الْفَضِيلَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِاثْنَتَيْنِ، فَلَيْسَتْ الْفَضِيلَةُ حَاصِلَةً بِالثَّالِثَةِ فَقَطْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَرْضِ مَا حَصَلَ إلَّا بِاثْنَيْنِ يُحْتَمَلُ مِنْ وُجُودِ حَائِلٍ، وَقَدْ زَالَ بِالْفَرْضِ، الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِرَابِعَةٍ، فَفَضِيلَةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْأُولَى مُسْبِغَةً فَإِنْ لَمْ تُسْبِغْ وَإِنَّمَا أَسْبَغَ بِالثَّانِيَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ ثَالِثَةٌ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يُسْبِغْ إلَّا بِالثَّلَاثِ سَقَطَ نَدْبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا، هَذَا ظَاهِرُهُ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ بِالثَّالِثَةِ الْفَضِيلَةُ أَيْ الْفَضِيلَةُ الْأُولَى، وَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَأْتِي بِفَضِيلَةٍ ثَانِيَةٍ. [قَوْلُهُ: شَرَعَ يَحُثُّ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَتَى بِفَرَائِضِهِ وَقِيلَ أَخْلَصَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَلَوْ بِإِحْسَانِ الْوُضُوءِ مَرَّةً وَاحِدَةً. قَالَ عج: وَهُوَ اللَّائِقُ بِصَاحِبِ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [قَوْلُهُ: يُفَسِّرُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تُفَسِّرُ الطَّرْفَ بِأَنَّهُ الْبَصَرُ، وَخَيْرُ مَا فَسَّرَتْهُ بِالْوَارِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ رِوَايَةَ أَحْمَدَ تَدُلُّ عَلَى السُّكُونِ؛ لِأَنَّ الطَّرْفَ بِالسُّكُونِ الْبَصَرُ، وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ آخِرُ الشَّيْءِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: إلَى السَّمَاءِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرَهَا لِحَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ لِمَانِعٍ بِهِ، كَذَا وَقَعَ فِي مَجْلِسِ الْمُذَاكَرَةِ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الشَّيْخِ دَاوُد مَا

عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ» وَوَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (أَنْ يَقُولَ بِإِثْرِ الْوُضُوءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحِهِمَا (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ) الَّذِينَ كُلَّمَا أَذْنَبُوا تَابُوا (وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ) مِنْ الذُّنُوبِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ نَقَلْنَا لَفْظَهُ وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ فِي الْكَبِيرِ وَأُخِذَ مِنْ الْحَدِيثِ جَوَازُ رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قِبْلَةً وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ لِلسَّمَاءِ بِالْفِعْلِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَتَفَكَّرُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالسِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ هُوَ شَغْلُ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِلِسَانِهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ] الْمُرَادُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ عج أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ. [قَوْلُهُ: فُتِحَتْ إلَخْ] يُرْوَى مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا عج. [قَوْلُهُ: الثَّمَانِيَةُ] هِيَ بَابُ الصَّلَاةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ وَبَابُ الصِّيَامِ وَبَابُ الْجِهَادِ وَبَابُ التَّوْبَةِ وَبَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَبَابُ الرَّاضِينَ، وَالْبَابُ الْأَيْمَنُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَاشِيَةِ مُسْلِمٍ لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالصَّائِمِينَ الْفَرْضُ وَمُلَازَمَةُ النَّوَافِلِ وَكَثْرَتُهَا كَذَلِكَ قَالَهُ عج وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَبْوَابَ تُفْتَحُ حَقِيقَةً. [قَوْلُهُ: يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ] أَيْ بَعْدَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ قَبْلَ الْقِيَامَةِ. قَالَ عج: وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الصَّائِمُونَ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ» ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَسْتَلْزِمُ الدُّخُولَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ يُزَهِّدُهُ فِيهِ وَيُزَيِّنُ لَهُ غَيْرَهُ اهـ. وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ الشَّافِعِيُّ: فُتِحَتْ أَيْ إكْرَامًا لَهُ وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا مِنْ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: مَعْنَى فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ أَيْ سُهِّلَتْ لَهُ أَبْوَابُ الطَّاعَةِ الْمُوَصِّلَةُ لِلْجَنَّةِ. تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ مَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِ الْفَتْحِ بِالثَّمَانِيَةِ مَعَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ عَدَّ أَبْوَابَهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَابًا، هَكَذَا اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ خَضِرٌ الشَّافِعِيُّ وَأَجَابَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ هِيَ الْكِبَارُ الْمَشْهُورَةُ، وَمِنْ دَاخِلِ كُلِّ بَابٍ صِغَارٌ دُونَهَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. [قَوْلُهُ أَنْ يَقُولَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ] ظَاهِرُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَضْلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثِ، وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ ثَلَاثًا. [قَوْلُهُ: بِإِثْرِ الْوُضُوءِ] أَيْ وَإِثْرِ الذِّكْرِ الْمُتَقَدِّمِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ] قَالَ تت: وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِ التَّوَّابِينَ عَلَى الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَقْنَطُوا. وَأَخَّرَ الْمُتَطَهِّرِينَ لِئَلَّا يَعْجَبُوا اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي هَذَا الدُّعَاءِ تَنَافِيًا؛ لِأَنَّ آخِرَهُ مُضَمَّنُهُ الدُّعَاءُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِذَنْبٍ، وَأَوَّلَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ التَّائِبِينَ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تَلَبَّسُوا بِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى: اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا يَقَعُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَقَعَ مِنِّي ذَنْبٌ فَاجْعَلْنِي مِنْ التَّائِبِينَ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الصَّغَائِرِ، وَقِيلَ: التَّوَّابِينَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُتَطَهِّرِينَ مِنْ الْأَقْوَالِ. [قَوْلُهُ: لَفْظَهُ] أَيْ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَتَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَيْ الْآتِيَةِ مِنْ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي الْكَبِيرِ] كَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا نَصُّهُ صَدَقَ وَلَقَدْ أَحْسَنَ، وَمِمَّا فِيهِ مُلَخَّصًا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَمَا أَشَارَ لَهُ هُنَا، وَإِنْ لَمْ يَعْزُهُ لِرِوَايَةٍ، وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَقُلْ: فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ وَزَادَ هُنَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَكِنْ بِلَفْظِ: ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ وَإِنْ اسْتَوَى مَعْنَاهُمَا وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ] يَشْمَلُ الْوُضُوءَ وَغَيْرَهُ وَذَلِكَ وَارِدٌ فِي الْوُضُوءِ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ

السَّمَاءُ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ لَمْ يَذْكُرْ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ النِّيَّةَ وَهِيَ فَرْضٌ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تُؤْخَذُ النِّيَّةُ مِنْ كَلَامِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى نِيَّةِ الْوُضُوءِ فِي الرِّسَالَةِ أَصْلًا. وَقَالَ: بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ احْتِسَابًا) أَيْ خَالِصًا (لِلَّهِ تَعَالَى) لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ وَطَمَعًا فِي ثَوَابٍ مُدَّخَرٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (لِ) أَجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْغَيْرِ الْجِنْسَ الْمُتَحَقِّقَ فِي وَاحِدٍ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ. [قَوْلُهُ: وَقِبْلَةُ الدُّعَاءِ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت: مَا السِّرُّ فِي رَفْعِ الطَّرْفِ إلَى السَّمَاءِ وَالْمَدْعُوُّ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وَلَا مُسْتَقِرٌّ عَلَى مَكَان وَكَذَا رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ؟ قُلْت: أَمَّا رَفْعُ الطَّرْفِ فَيُحْتَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ سِرُّ ذَلِكَ شَغْلَ نَظَرِهِ بِأَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَرْئِيَّةِ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَهِيَ السَّمَاوَاتُ، وَالْإِعْرَاضُ بِقَلْبِهِ وَقَالَبِهِ عَنْ الدُّنْيَا فَهُوَ أَدْعَى لِحُضُورِ قَلْبِهِ وَمُوَافَقَةِ لِسَانِهِ لِمَا يُشَاهِدُهُ وَيَسْتَحْضِرُهُ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ، وَقَدْ ابْتَدَأَ اللَّهُ بِالسَّمَاوَاتِ فِي آيَةِ التَّفَكُّرِ فِي قَوْلِهِ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة: 164] . وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْمَدْعُوِّ مِنْ الْجَلَالِ وَالْكِبْرِيَاءِ اهـ. فَقَدْ جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ اشْتِغَالَ النَّظَرِ بِمَا ذُكِرَ، وَجَعَلَ عِلَّةَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا؛ لِأَنَّ شَارِحَنَا جَعَلَ عِلَّةَ النَّظَرِ كَوْنَهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَيْسَتَا دُعَاءً قُلْت: إنَّ التَّلَفُّظَ بِهِمَا شُكْرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] فَهُوَ دُعَاءٌ فِي الْمَعْنَى، بَقِيَ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَمْنَعُ النَّظَرَ لِلسَّمَاءِ حَتَّى عَقِبَ الْوُضُوءِ، وَكَيْفَ يَعْمَلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ] أَيْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ فَرْضِيَّتِهَا، حَكَاهَا الْمَازِرِيُّ نَصًّا فِي الْوُضُوءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ فِي الْغُسْلِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَمْ يَحْفَظْ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَيْ الَّذِي هُوَ ابْنُ رُشْدٍ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ خِلَافًا بَلْ حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهَا اهـ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَنْوِي عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: فِي الرِّسَالَةِ] هَذَا التَّقْيِيدُ أَعْنِي قَوْلَهُ فِي الرِّسَالَةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُؤْخَذُ إلَخْ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: مَا أَمَرَهُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَنَقَلَهُ تت. قُلْت: وَمِنْ قَوْلِهِ احْتِسَابًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِصًا، وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ عَلَى مَا قَالَهُ شَارِحُنَا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ] أَيْ مُرِيدِ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: عَمَلَ الْوُضُوءِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَمَلًا هُوَ الْوُضُوءُ. [قَوْلُهُ: احْتِسَابًا] حَالٌ مِنْ عَمَلَ الْوُضُوءِ [قَوْلُهُ: لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ] قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُوهُ بِإِحْسَانٍ أَوْ مَدْحٍ أَوْ يَعْظُمُ جَاهُهُ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ اهـ. الْمُرَادِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَطَمَعًا إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ خَالِصًا إشَارَةٌ إلَى الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا مِنْ مَرَاتِبِ الْإِخْلَاصِ، إذْ الْمَرَاتِبُ ثَلَاثٌ دُنْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِكَوْنِهِ عَبْدًا مَمْلُوكًا لِلَّهِ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ شَيْئًا، وَعُلْيَا وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِأَجْلِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ لَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَمِلَ لِأَجْلِ اسْتِحْقَاقِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ، وَالْعُلْيَا لَمْ يُلَاحِظْ فِي الْعَمَلِ اسْتِحْقَاقَ الذَّاتِ بَلْ عَمِلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ الْعَمَلِ لِلذَّاتِ لِكَوْنِهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْعِبَادَةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ حَيْثُ أَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ الطَّمَعَ الْمَذْكُورَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً فَلَمْ يُرِدْ بِهِ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْهَا فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ إشَارَةٌ إلَخْ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ صَادِقٌ بِالصُّوَرِ

(مَا أَمَرَهُ) اللَّهُ (بِهِ) مِنْ الْإِخْلَاصِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِخْلَاصِ وَالنِّيَّةُ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ الشَّيْءَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ، وَاَلَّذِي يَقَعُ بِهِ الْإِجْزَاءُ عِنْدَنَا أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِاللِّسَانِ، قِيلَ: هُوَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ إذْ اللِّسَانُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّيَّةِ، وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ الْمَنْعَ الْمُتَرَتِّبَ، أَوْ يَنْوِيَ أَدَاءَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ، أَوْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ. ق: مَنْ أَرَادَ الْكَمَالَ فَلْيَنْوِ الْجَمِيعَ، وَمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: وَطَمَعًا مُفَسِّرًا لِلْمُرَادِ وَالْوُجُوبُ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الصَّادِقِ بِهِ وَبِغَيْرِهِ وَهُوَ عَدَمُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ. وَأَقُولُ إذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ الصَّوَابَ حَذْفَ قَوْلِهِ: وَطَمَعًا إلَخْ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ احْتِسَابًا أَيْ خَالِيًا عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ؛ لِأَنَّ حَيْثِيَّةَ الطَّمَعِ سَيُشِيرُ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: يَرْجُو تَقَبُّلَهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ إلَخْ بِاعْتِبَارِ قَيْدِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ احْتِسَابًا أَيْ خَالِصًا، وَالتَّقْدِيرُ وَيُطْلَبُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا الْعَمَلُ بِقَيْدِ كَوْنِهِ خَالِصًا لِأَجْلِ الْإِخْلَاصِ الَّذِي طَلَبَهُ رَبُّنَا طَلَبًا جَازِمًا، فَالْمُرَادُ مِنْ الْأَمْرِ هُنَا الْوُجُوبُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى صَحِيحٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِخْلَاصَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَيْسَ عِلَّةً لِطَلَبِهِ طَلَبًا جَازِمًا، وَإِنْ لَاحَظْت الْإِخْلَاصَ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَجْعُولَ عِلَّةً بِاعْتِبَارِ أَمْرِ اللَّهِ بِهِ فَيُؤَوَّلُ الْأَمْرُ إلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ أَمْرَ اللَّهِ يَلْزَمُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِخْلَاصُ النِّيَّةُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُنَافِي مُفَادَ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْلَاصِ إفْرَادُ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ: لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ أَيْ الطَّمَعُ فِي ثَوَابٍ مُدَّخَرٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى [قَوْلُهُ: فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ لَا تَكُونُ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ غَيْرُ الْإِخْلَاصِ فَالتَّعْلِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِخْلَاصِ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَالصِّحَّةُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّ النِّيَّةَ الصَّحِيحَةَ بِمَعْنَى الْكَمَالِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى فَالصِّحَّةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا. [قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ قَصْدُ الْمُكَلَّفِ إلَخْ] التَّقْيِيدُ بِالْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ يَجِبُ، وَإِلَّا فَالصَّبِيُّ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ، وَإِنَّهَا قَصْدُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْوُجُوبِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ شَمِلَ الصَّبِيَّ [قَوْلُهُ: فَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ] أَيْ وَحَيْثُ فُسِّرَتْ النِّيَّةُ بِالْقَصْدِ فَيَكُونُ مَحَلُّهَا الْقَلْبَ [قَوْلُهُ: أَيْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ] أَيْ يَنْوِي فِي قَلْبِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ الْأَفْضَلُ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ، أَيْ عَدَمُ النُّطْقِ هُوَ الْأَفْضَلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُقَابِلَهُ يَقُولُ: إنَّ النُّطْقَ أَفْضَلُ فَقَدْ قَالَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ: إنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ أَفْضَلُ. [قَوْلُهُ: رَفْعَ الْحَدَثِ إلَخْ] الْحَدَثُ لَهُ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعٌ: الْمَنْعُ وَالْوَصْفُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ وَالْخَارِجُ وَالْخُرُوجُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمَقَامِ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، أَعْنِي الْمَنْعَ وَالْوَصْفَ، فَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَنْعِ قُصُورٌ. [قَوْلُهُ: الْمُتَرَتِّبَ] أَيْ عَلَى خُرُوجِ الْخَارِجِ [قَوْلُهُ: أَوْ يَنْوِيَ أَدَاءَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ] فِيهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَلَا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ لَا مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَانْظُرْ لَوْ نَوَى الصَّبِيُّ أَوْ غَيْرُهُ وَهُوَ الَّذِي تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِالْفَرْضِ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ هَلْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ تَلَاعَبَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِكَوْنِهِ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ إنْ تَلَبَّسَ بِالْعِبَادَةِ تَارِكًا لَهُ: وَقَوْلُنَا: قَبْلَ الْوَقْتِ أَيْ. وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِهِ فَيَصِحُّ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا، وَيَرُدُّ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ كَالْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْفَرْضُ بِدُخُولِ وَقْتِهِ صَحَّتْ

شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ وَاجِبٍ مِنْهُ وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَنْهُ بِكَثِيرٍ لَمْ تُجْزِ اتِّفَاقًا، وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ نِيَّةَ الْوُضُوءِ وَتَكُونُ مُسْتَصْحَبَةً إلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَاتَّفَقُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQإرَادَةُ ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ مُوَسَّعًا اهـ. وَانْظُرْ أَيْضًا لَوْ نَوَى الصَّبِيُّ فَرْضَ الْوُضُوءِ أَوْ الْوُضُوءَ فَقَطْ، وَلَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ وُضُوءُهُ بَاطِلًا أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فَوُضُوءُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ] السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ، أَيْ إبَاحَةُ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا كَانَ الْحَدَثُ مَانِعًا مِنْهُ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُبَيِّنَ بِنِيَّتِهِ الْفِعْلَ الْمُسْتَبَاحَ أَيْ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ طَوَافٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. ابْنُ فَرْحُونٍ: وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: مَا أَرَادَ بِالْحَدَثِ فِي قَوْله: مَا كَانَ الْحَدَثُ؟ قُلْت: أَرَادَ بِهِ الْوَصْفَ أَوْ الْمَنْعَ إلَّا أَنَّ فِيهِ مَجَازًا عَقْلِيًّا. أَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ لِلْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى اسْتِبَاحَةَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَانِعًا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلسَّبَبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَصْفَ سَبَبٌ فِي الْمَنْعِ فَنِسْبَتُهُ الْمَنْعَ لَهُ مِنْ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: مَنْ أَرَادَ الْكَمَالَ فَلْيَنْوِ الْجَمِيعَ] أَيْ فَنِيَّةُ الْجَمِيعِ مَنْدُوبَةٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ إلَخْ] أَيْ الشَّرْطِ الْمُتَّفِقِ عَلَى الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ وَاجِبٍ] أَيْ لَا مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ] أَيْ أَنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ غَسْلُ الْوَجْهِ لَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ عِنْدَنَا سُنَّةٌ، فَغَسْلُ الْوَجْهِ لَيْسَ أَوَّلَ الْوَاجِبِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَوَّلُ وَاجِبٍ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لَا الْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَنْهُ بِكَثِيرٍ] أَيْ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ عِنْدَ أَوَّلِهِ أَيُّ شَيْءٍ تَفْعَلُ؟ لَمْ يُجِبْ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ إذْ لَوْ أَجَابَ بِذَلِكَ لَكَانَتْ النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ مُقَارِنَةً وَهِيَ كَافِيَةٌ [قَوْلُهُ: وَفِي تَقَدُّمِهَا بِيَسِيرٍ] أَيْ كَحَمَّامِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَشْهَرَهُمَا الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَهُ فِي الشَّامِلِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ] وَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ سُنَنِ الْوُضُوءِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَبَّ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُسْتَصْحَبَةً] أَيْ نَدْبًا إنْ قُلْنَا إنَّ التَّقَدُّمَ بِيَسِيرٍ لَا يَضُرُّ، وَوُجُوبًا إنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تُسْتَصْحَبْ فَهِيَ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَفِي تَقَدُّمِهَا أَيْ النِّيَّةِ عَلَى مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْوَجْهِ بِيَسِيرٍ خِلَافٌ، فَإِنْ قُلْت: إنَّ التَّقَدُّمَ بِيَسِيرٍ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ هُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى الْوُضُوءِ جُمْلَةً لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ فَرْضٍ، قُلْت: لَوْ الْتَزَمْنَا ذَلِكَ لَلَزِمَنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَ الْوُضُوءِ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ ثُمَّ حَصَلَ طُولٌ حَتَّى غَسَلَ الْوَجْهَ ذَاهِلًا عَنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنْ يَكُونَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا مَعَ أَنَّهُ يُخَالِفُ نُصُوصَهُمْ أَنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ وَعُزُوبُهَا بَعْدَهُ. قَالُوا: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّهَا، ثُمَّ اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ قَوْلَ شَارِحِنَا وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ إشَارَةٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ إنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ وَاجِبٍ وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي ح، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ مَحَلَّهَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ أَوَّلَ الْوُضُوءِ لِدُخُولِ غَسْلِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا لَزِمَ عُزُوبُهَا عَنْهَا، وَإِنْ نَوَى لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْوُضُوءِ نِيَّتَانِ وَلَا قَائِلَ بِهِ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَبْدَأَ بِهَا أَوَّلَ الْفِعْلِ وَيَسْتَصْحِبَهَا لِأَوَّلِ فَرْضٍ كَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَبِعَهُ بَعْضٌ مِنْ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ شَارِحِنَا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ. إذْ نُصُوصُهُمْ كَمَا قَالَ ح كَالصَّرِيحَةِ فِي أَنَّهُ يَنْوِي أَوَّلًا نِيَّةَ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُحَصِّلْ السُّنَّةَ وَيَنْوِي الْفَرِيضَةَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ نُصُوصَهُمْ كَالصَّرِيحَةِ فِي الِاحْتِيَاجِ إلَى نِيَّتَيْنِ الَّذِي يَلْزَمُ الْمَشْهُورَ فَهَذَا اللَّازِمُ لِلْمَشْهُورِ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ.

عَلَى أَنَّهُ إذَا نَوَى بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا يُجْزِئُهُ. وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً إلَخْ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا اُغْتُفِرَ، (وَ) إذَا عَمِلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ خَالِصًا قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ (يَرْجُو) أَيْ يَطْمَعُ مَعَ ذَلِكَ (تَقَبُّلَهُ وَثَوَابَهُ وَتَطْهِيرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ بِهِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَوَضَّأَ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ يَخْرُجُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً] فَإِذَا حَصَلَ لَهُ ذُهُولٌ عَنْهَا إنْ كَانَ بِأَسْبَابٍ اخْتِيَارِيَّةٍ فَمَكْرُوهٌ، وَإِلَّا فَلَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ: اُغْتُفِرَ أَيْ أَنَّ وُضُوءَهُ لَيْسَ بَاطِلًا فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ إنْ كَانَ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ أَيْ فَاسْتِصْحَابُهَا لِفَرَاغِهِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا عَمِلَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: يَرْجُو تَقَبُّلَهُ جَوَابٌ عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرٍ يَعْمَلُ أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ حَالَ كَوْنِهِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَقَبُّلَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا حَلَّ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ امْتِثَالَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: خَالِصًا أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ خَالِصًا أَنَّهُ قَاصِدٌ إلَخْ. لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُلُوصِ الطَّمَعُ فِي جَنَّتِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ قَصْدَ الِامْتِثَالِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ لُوحِظَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْوُضُوءُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَإِنْ لُوحِظَ النِّيَّةُ كَانَ الِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقًا بِهَا، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَوْلُهُ: قَاصِدًا بِهِ أَيْ بِعَمَلِ الْوُضُوءِ أَيْ فَلَاحَظَ عَمَلَ الْوُضُوءِ، فَالِامْتِثَالُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَقَوْلُهُ: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ وُجُوبِ النِّيَّةِ لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النِّيَّةِ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ إنَّمَا الْمَأْمُورُ بِهِ النِّيَّةُ لَا وُجُوبُهَا إلَّا أَنَّ هَذَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ بِالْأَمْرِ [قَوْلُهُ: يَرْجُو] أَيْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي عج. ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ رَجَاءُ التَّقَبُّلِ وَالثَّوَابِ وَالتَّطْهِيرِ مِنْ الذُّنُوبِ مَطْلُوبًا مُقَارَنَتُهُ لِقَصْدِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ يُضَعِّفُ الثَّوَابَ؟ فَإِنْ قُلْت: الطَّلَبُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الرِّيَاءِ قُلْت: الرِّيَاءُ مُنْدَفِعٌ بِقَصْدِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَطْمَعُ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّجَاءَ تَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِمَطْمُوعٍ يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ الْأَخْذِ فِي عَمَلٍ مُحَصِّلٍ لَهُ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ طَمَعٌ وَهُوَ مَذْمُومٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ الشَّارِحِ تَفْسِيرُ الرَّجَاءِ بِالطَّمَعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ طَمَعًا عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، أَيْ مُصَاحِبًا لِلْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ فَلَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ الطَّمَعِ. [قَوْلُهُ: تَقَبُّلَهُ] ضَمِيرُهُ إمَّا رَاجِعٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْوُضُوءِ، فَالْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ، وَالثَّانِي مِنْ إضَافَتِهِ لِلْمَفْعُولِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: وَثَوَابُهُ إلَخْ] لَمَّا كَانَ الثَّوَابُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مُتَفَرِّعَيْنِ عَلَى الْقَبُولِ أَخَّرَهُمَا. وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَدِّمَ التَّطْهِيرَ عَلَى الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَيُرَادُ مِنْ الثَّوَابِ إعْطَاءُ مَرَاتِبَ فِي الْجَنَّةِ، بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: وَإِثَابَتُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الرَّجَاءُ مِنْ الْمَوْلَى فِعْلُهُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: يَرْجُو وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا مِنْ الْمَوْلَى تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا لَا يُنْتِجُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ يَتَرَجَّاهُ مِنْ اللَّهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَرْتَبَةٌ أَدْنَى الْمَرَاتِبِ، فَالْكُمَّلُ الْقَاصِدُونَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا هَذَا الْقَدْرُ ثَابِتٌ لَهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ غَيْرَ قَاصِدِينَ لَهُ لِكَوْنِهِ مَرْتَبَةً دَنِيئَةً، وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ دَلِيلًا لِجَمِيعِ أَطْرَافِ الْمَرْجُوِّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إذَا تَوَضَّأَ] أَيْ أَرَادَ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ] قَالَ الْبَاجِيُّ: شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي عَلَى الظَّاهِرِ. قَالَ غَيْرُهُ: وَفِيهِ تَحَرِّي الْمَسْمُوعِ، وَإِلَّا فَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنْبِيهًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّرَادُفِ فَإِنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ مُتَرَادِفَيْنِ

مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ» . الْحَدِيثَ. (وَ) مَعَ ذَلِكَ (يُشْعِرُ) أَيْ يُعْلِمُ (نَفْسَهُ أَنَّ ذَلِكَ) الْوُضُوءَ (تَأَهُّبٌ) أَيْ اسْتِعْدَادٌ (وَتَنَظُّفٌ) مِنْ الذُّنُوبِ وَالْأَدْرَانِ، وَرُوِيَ تَأَهُّبًا وَتَنَظُّفًا بِالنَّصْبِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ أَنَّ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ أَنَّ (لِمُنَاجَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّإِ. [قَوْلُهُ: يَخْرُجُ إلَخْ] جَوَابُ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: كُلُّ خَطِيئَةٍ] أَيْ إثْمٍ [قَوْلُهُ: نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ] بِالْإِفْرَادِ وَيُرْوَى بِالتَّثْنِيَةِ، أَيْ نَظَرَ إلَى سَبَبِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ مُبَالَغَةً، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ الْخَطَايَا. [قَوْلُهُ: مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ] شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَقِيلَ: لَيْسَ بِشَكٍّ بَلْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ نَظَرًا إلَى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ، فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَاءِ وَالنِّهَايَةَ بِآخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ كَذَا قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ خَرَجَتْ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ إلَخْ. قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ: وَتَخْصِيصُ الْعَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْوَجْهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَيْنِ أَكْثَرُ فَإِذَا خَرَجَ الْأَكْثَرُ خَرَجَ الْأَقَلُّ، فَالْعَيْنُ كَالْغَايَةِ لِمَا يُغْفَرُ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لِأَنَّ الْعَيْنَ طَلِيعَةُ الْقَلْبِ وَرَائِدُهُ فَإِذَا ذُكِّرَتْ أَغْنَتْ عَنْ سِوَاهَا اهـ. [قَوْلُهُ: قَطْرِ الْمَاءِ] مَصْدَرُ قَطَرَ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ سَيَلَانِهِ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ اهـ. زَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ ظُفْرِهِ» . قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِالْخَطَايَا الَّتِي يُكَفِّرُهَا الْوُضُوءُ الصَّغَائِرُ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ اهـ. كَلَامُ التَّحْقِيقِ. وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّأْسُ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُكْتَسَبَ بِهَا الْمُحَرَّمُ كَأَنْ تَكُونَ قَلَنْسُوَةٌ تُسَاوِي دِرْهَمًا مُعَلَّقَةً فَيَلْقَفُهَا بِرَأْسِهِ أَوْ يَتَفَكَّرُ فِي أَمْرٍ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ عج إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَادِرٌ، وَالْفِكْرُ فِي الْقَلْبِ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ قَالَ عج: لَكِنْ فِي ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ. «فَإِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ» اهـ. وَهُوَ قَوْلُهُ: نَقِيًّا أَيْ نَظِيفًا. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُغْفَرُ لَهُ بِهَذَا الْكَبَائِرُ إذَا لَمْ يُصِرَّ عَلَيْهَا أَمْ لَا يُغْفَرُ سِوَى الصَّغَائِرِ؟ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَظَالِمُ الْعِبَادِ، وَقَالَ فِي الْمُفْهِمِ: لَا يَبْعُدُ أَنَّ بَعْضَ الْأَشْخَاصِ تُغْفَرُ لَهُ الْكَبَائِرُ وَالصَّغَائِرُ بِحَسَبِ مَا يُحْضِرُهُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَيُرَاعِيهِ مِنْ الْإِحْسَانِ وَالْآدَابِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ إنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كَتَبَ لَهُ بِهِ حَسَنَاتٍ، وَرَفَعَ بِهِ دَرَجَاتٍ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ اهـ. مِنْ شَارِحِ الْمُوَطَّإِ. [قَوْلُهُ: وَمَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ عَمَلِهِ عَمَلَ الْوُضُوءِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُشْعِرُ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ وَمَعَ ذَلِكَ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: يُشْعِرُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَمَا قَالَهُ عج، وَيُشْعِرُ مِنْ أَشْعَرَ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اسْتِعْدَادٌ] مُتَعَلِّقُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ لِمُنَاجَاةٍ فَاللَّامُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَتَنَظُّفٌ مِنْ الذُّنُوبِ] أَيْ ذُو تَنَظُّفٍ مِنْ الذُّنُوبِ. ثُمَّ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَطْمَعَ فِي التَّطْهِيرِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلِمَ نَفْسَهُ أَنَّ ذَلِكَ التَّنْظِيفَ الْمَرْجُوَّ كَائِنٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ الرَّبِّ. [قَوْلُهُ: وَالْأَدْرَانِ] هِيَ الْأَوْسَاخُ، قَالَ فِي الصِّحَاحِ: الدَّرَنُ الْوَسَخُ وَقَدْ دَرِنَ الثَّوْبُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ دَرِنٌ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ فَعَطْفُ الْأَدْرَانِ مُغَايِرٌ [قَوْلُهُ: وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ] أَيْ لِهَذِهِ الْمَادَّةِ أَيْ فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ هُنَا هَيْئَةٌ تَكُونُ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ خَبَرٌ لِكَانَ، وَالتَّقْدِيرُ وَوُجِّهَتْ بِأَنَّهَا خَبَرٌ لِكَانَ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ. وَقَوْلُهُ: وَخَبَرُ أَنَّ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ لَكِنْ

رَبِّهِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ) . حَاصِلُ مَا قَالَ إنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ طَامِعًا فِي أَنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهُ مِنْهُ وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَأَنْ يُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَأَنْ يُطَهِّرَهُ بِهِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا (لِ) أَجْلِ (أَدَاءِ فَرَائِضِهِ) أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ. (وَ) لِأَجْلِ (الْخُضُوعِ) أَيْ التَّذَلُّلِ (لَهُ) تَعَالَى (بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا لِأَنَّ بِهِمَا يَقَعُ التَّذَلُّلُ؛ وَلِأَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَإِذَا أَشْعَرَ نَفْسَهُ ذَلِكَ تَمَكَّنَ مِنْ قَلْبِهِ الْإِجْلَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِيهِ رِكَّةً بِاعْتِبَارِ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَعْنِي التَّأَهُّبَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ مُنَاجَاةُ رَبِّهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ ثَابِتٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَخْذِ كَوْنِهِ تَأَهُّبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] بِكَسْرِ إنَّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ حَاصِلُ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُكَلَّفَ إلَخْ [قَوْلُهُ: إنَّ الْمُكَلَّفَ] التَّقْيِيدُ بِالْمُكَلَّفِ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَتَطْهِيرُهُ مِنْ الذُّنُوبِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ الصَّبِيِّ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَلْيَفْعَلْهُ خَالِصًا] هَذَا أَمْرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَصَحَّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فَلَوْ أُرِيدَ بِهِ أَمْرُ اللَّهِ بِأَنْ قِيلَ إنَّ الْمَعْنَى فَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَيْ فَيَطْلُبُ اللَّهُ مِنْهُ طَلَبًا جَازِمًا أَنْ يَفْعَلَهُ لَمَا اُحْتِيجَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْإِخْلَاصِ أَيْ بِعَدَمِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ الثَّوَابُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَيَكُونُ مَعَ إخْلَاصِهِ وَهَذَا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ حِلُّهُ أَوَّلًا فَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْبَحْثِ مَعَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَحْذِفَ وَطَمَعًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُطَهِّرَهُ مِنْ الذُّنُوبِ لِأَجْلِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْإِثَابَةُ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ مِنْ ثَمَرَاتِ الْقَبُولِ فَكَأَنَّهُمَا هُوَ فَصَحَّ مَا قَالَ. [قَوْلُهُ: أَنَّ فِعْلَهُ لِلْوُضُوءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ الْفِعْلُ بِالْفِعْلِ؟ فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّهُ أَيْ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّأَهُّبِ إلَخْ] هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى نَصْبِ تَأَهُّبٍ وَتَنَظُّفٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولَانِ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ لَهُ إمَّا رَفْعُهُمَا أَوْ نَصْبُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَبَرَانِ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ أَوْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ خَبَرُ أَنَّ وَالتَّقْدِيرُ وَيَسْتَحْضِرُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمُعَلَّلَ بِالتَّأَهُّبِ وَالتَّنْظِيفِ كَائِنٌ لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ الرَّبِّ، فَالتَّعْلِيلُ بِمُنَاجَاةِ الرَّبِّ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ لَهُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ التَّأَهُّبُ وَالتَّنَظُّفُ، هَذَا مَدْلُولُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مُنَاجَاةِ رَبِّهِ إلَخْ] عِيَاضٌ: مُنَاجَاةُ اللَّهِ إخْلَاصُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ السِّرِّ لِذِكْرِهِ وَتَحْمِيدِهِ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ فِي الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَلِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ] الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ مُقَدَّمٌ اعْتِبَارًا عَلَى الْمُنَاجَاةِ [قَوْلُهُ: وُقُوفًا مَعْنَوِيًّا] رَدَّهُ تت بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُتَوَضِّئِ لِلْمُنَاجَاةِ حِسِّيٌّ اهـ. وَرَدَّهُ عج بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ وُقُوفَ الْمُصَلِّي لَا يَكُونُ حِسِّيًّا دَائِمًا كَمَنْ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا أَوْ جَالِسًا، فَحَمْلُ الْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَوِيِّ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ لِكُلِّ مُصَلٍّ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النِّزَاعَ فِي الْوُقُوفِ. وَأَمَّا الْبَيْنِيَّةُ فَهِيَ مَعْنَوِيَّةٌ جَزْمًا [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي الْمُنَاجَاةَ وَالْوُقُوفَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ] أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ فَرَائِضِهِ وَفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيْ وَسُنَنِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْفَرَائِضَ بِالذِّكْرِ لِآكَدِيَّتِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا فَرَضَ اللَّهُ] حَذَفَ الْعَائِدَ وَالتَّقْدِيرُ مَا فَرَضَهُ أَوْ مَا فَرَضَهَا بِاعْتِبَارِ مُرَاعَاةِ لَفْظِ مَا أَوْ مَعْنَاهَا. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا] أَيْ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ التَّذَلُّلَ بِغَيْرِهِمَا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: يَقَعُ التَّذَلُّلُ] أَيْ. يَحْصُلُ التَّذَلُّلُ أَعْنِي الْكَامِلَ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَخَبَرُهَا جُمْلَةُ يَقَعُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: بِهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَقَعُ وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ أَقْرَبَ إلَخْ] أَقْرَبُ مُبْتَدَأٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَكَانَ تَامَّةٌ وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُرْبِ وَلَيْسَتْ مِنْ تَفْضِيلِيَّةً، وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ لِذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ اسْمَ التَّفْضِيلِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ لَا بِأَمْرَيْنِ كَالْإِضَافَةِ وَمِنْ

وَالتَّعْظِيمُ (فَ) يُنْتِجُ لَهُ هَذَا أَنَّهُ (يَعْمَلُ) الْوُضُوءَ (عَلَى يَقِينٍ بِذَلِكَ) الْخُضُوعِ (وَتَحَفُّظٍ) بِذَلِكَ. ق: الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى الْخُضُوعِ، أَيْ فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْضَعَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ ع: يَحْسُنُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عَمَلِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى قَوْلِهِ يَرْجُو تَقَبُّلَهُ إلَخْ. أَيْ وَيَتَحَفَّظُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ عَنْ النَّقْصِ وَلِدَفْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ هَاهُنَا بِأَمْرَيْنِ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ إذَا كَانَ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ سَاجِدٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ كَانَ الْعَائِدُ عَلَى الْعَبْدِ، وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ أَقْرَبَ حَالِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ أَيْ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ يَتَحَقَّقُ وَقْتَ وُجُودِهِ الْمُقَيَّدِ بِالسُّجُودِ أَيْ إنَّ وَقْتَ وُجُودِهِ الْمُقَيَّدَ بِالسُّجُودِ مُتَحَقِّقٌ فِيهِ أَقْرَبُ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ كُلِّيٌّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وُجِدَ لَهُ فَرْدٌ وَاحِدٌ فِي الْخَارِجِ وَهُوَ السُّجُودُ أَيْ يَتَحَقَّقُ هَذَا الْكُلِّيُّ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ، أَيْ فَلَمَّا تَحَقَّقَ هَذَا الْكُلِّيُّ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ لَا غَيْرُ نَاسَبَ تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنْتِجُ الِاقْتِصَارَ عَلَى السُّجُودِ وَحَذْفَ الرُّكُوعِ فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْ رَبِّهِ أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ. قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْوُضُوءَ تَأَهُّبٌ وَاسْتِعْدَادٌ إلَخْ. [قَوْلُهُ: الْإِجْلَالُ] أَيْ إجْلَالُ الْعَبْدِ مَوْلَاهُ وَتَعْظِيمُهُ لَهُ وَعَطْفُ التَّعْظِيمِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ [قَوْلُهُ: فَيُنْتِجُ لَهُ هَذَا] الْإِتْيَانُ بِإِشَارَةِ الْقَرِيبِ وَهُوَ لَفْظَةُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ الْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ، وَأَنَّ هَذِهِ النَّتِيجَةَ إنَّمَا هِيَ نَتِيجَتُهُ لَا نَتِيجَةُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، أَيْ أَنَّ الْأَوْضَحَ أَنْ يَجْعَلَ نَتِيجَتَهُ هَذَا، وَإِنْ صَحَّ جَعَلَهُ نَتِيجَةً لِلْمُصَرَّحِ بِهِ، وَإِفْرَادُ الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ نَظَرًا لِكَوْنِهِمَا بِمَعْنًى. [قَوْلُهُ: يَعْمَلُ الْوُضُوءَ] أَيْ يُحَصِّلُ الْوُضُوءَ [قَوْلُهُ: عَلَى يَقِينٍ] أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى يَقِينٍ بِالْخُضُوعِ، أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى جَزْمِهِ بِوُجُوبِ الْخُضُوعِ لِمَوْلَاهُ عَلَى قَوْلِ الْأَقْفَهْسِيِّ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزْمَ بِوُجُوبِ الْخُضُوعِ نَاشِئٌ مِنْ الْأَمْرِ لَا مِنْ إجْلَالِهِ الْقَائِمِ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ إجْلَالُهُ الْقَائِمُ بِهِ يَنْشَأُ مِنْ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَتَحَفُّظٍ] سَيَأْتِي مُتَعَلِّقُهُ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْ تَحَفُّظٍ عَنْ الْوَسْوَسَةِ فِيهِ [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] أَيْ بِالْخُضُوعِ أَيْ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ أَيْ يَتَحَفَّظُ فِي الْوُضُوءِ عَنْ النَّقْصِ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِجْلَالَ وَالتَّعْظِيمَ يُنْتِجُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْوُضُوءِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَحَفُّظٍ فِي الْوُضُوءِ مِنْ النَّقْصِ بِسَبَبِ الْخُضُوعِ، وَلَا يَخْفَى أَنْ يَجْعَلَ السَّبَبَ فِي الدَّفْعِ الْمَذْكُورِ الْإِجْلَالَ وَالتَّعْظِيمَ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ الْخُضُوعَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ] أَيْ يُحَصِّلُ الْخُضُوعَ لِلَّهِ بِسَبَبِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهُمَا سَبَبَانِ لِتَحْصِيلِ الْخُضُوعِ أَيْ التَّذَلُّلِ، أَوْ أَنَّهَا لِلتَّصْوِيرِ أَيْ فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينِ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحَصِّلَ الْخُضُوعَ لِلَّهِ مُصَوِّرًا ذَلِكَ أَيْ الْخُضُوعَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى عَمَلِ الْوُضُوءِ] أَيْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْوُضُوءِ عَلَى يَقِينٍ بِهِ أَيْ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُهُ سَهْوٌ وَلَا غَفْلَةٌ، وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ. [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ عَلَى قَوْلِهِ يَرْجُو تَقَبُّلَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَعْنَى تَيَقُّنِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِرَجَاءِ التَّقَبُّلِ أَوْ عَلَى مَعْنَى يَتَيَقَّنُ نَفْسَ رَجَائِهِ أَيْ نَفْسَ هَذَا الْفِعْلِ الصَّادِرِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ الرَّجَاءُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ، أَوْ عَلَى مَعْنَى يَتَيَقَّنُ أَنَّ تَقَبُّلَهُ مَرْجُوٌّ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ يُتَقَبَّلُ وَفِي كُلٍّ بَحْثٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى تَمَكُّنِ الْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ تَيَقُّنُ الْمَطْلُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَيَقُّنَ الْمَطْلُوبِيَّةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى فَيُنْتِجُ لَهُ مَا ذُكِرَ مِنْ إجْلَالِهِ الْمَوْلَى وَتَعْظِيمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَيَقِّنًا لِرَجَائِهِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ، أَيْ

وَسْوَسَةِ النَّفْسِ، فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ (فَإِنَّ تَمَامَ) أَيْ صِحَّةَ (كُلِّ عَمَلٍ) مِمَّا النِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِ (بِحُسْنِ النِّيَّةِ) أَيْ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ (فِيهِ) وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَشُكُّ فِيهِ بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْهُ أَيْ لَا يَقُولُ هَلْ حَصَلَ مِنِّي رَجَاءٌ أَوْ لَا، بَلْ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ رَجَاءٌ سَابِقًا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ يَكُونَ الرَّجَاءُ مُتَعَلِّقًا بِالْوُضُوءِ أَيْ قَائِمًا بِهِ وَقْتَ فِعْلِهِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ بِالْمُضَارِعِ لَا أَنَّهُ حَصَلَ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ مُسْتَحْضِرًا لِهَذَا الَّذِي حَصَلَ وَانْقَضَى أَمْرُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْقَائِمُ بِهِ عَلِمَهُ لَا هُوَ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى أَيْضًا لِكَوْنِهِ يَتَيَقَّنُ أَنَّ التَّقَبُّلَ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ رَجَاؤُهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الَّذِي لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا بِقَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ. وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَلِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ جَعَلَ التَّقَبُّلَ مَرْجُوًّا فَلَا يَكُونُ مُتَيَقَّنًا، وَأَيْضًا فَالْأَدَبُ فِي رَجَاءِ الْقَبُولِ لَا تَيَقُّنِهِ فَإِنْ قُلْت: يُعَارِضُ ذَلِكَ اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرَّجَاءُ لَا حَقِيقَةُ الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْيَقِينِ مُبَالَغَةً فِي قُوَّةِ الرَّجَاءِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَيَتَحَفَّظُ إلَخْ] شُرُوعٌ فِي تَفْسِيرِ تَحَفُّظٍ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَحَفَّظَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَقْفَهْسِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ التَّحَفُّظِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَقَامِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ: عَنْ النَّقْصِ، إذْ مَادَّةُ التَّحَفُّظِ ظَاهِرَةٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلِدَفْعِ إلَخْ] الْأَوْلَى حَذْفُ وَلِدَفْعِ وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى النَّقْصِ، وَالتَّقْدِيرُ وَتَحَفَّظَ عَنْ النَّقْصِ وَوَسْوَسَتِهِ [قَوْلُهُ: فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ إلَخْ] دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهُ: بِهَذَا أَيْ بِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ فُسِّرَ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَازِمَةٌ لَهُ أَوْ فُسِّرَ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي وُجُوبِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَمَامَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: فَثَبَتَ بِهَذَا وُجُوبُ النِّيَّةِ عَلَى حَلِّهِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا إذَا نَظَرْت لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَجِدُ قَوْلَهُ: فَإِنَّ تَمَامَ إلَخْ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَيَعْمَلُ عَلَى يَقِينٍ إلَخْ. أَيْ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِحُسْنِهَا اشْتِمَالَهَا أَيْ اقْتِرَانَهَا بِالْخُضُوعِ وَالتَّحَفُّظِ عَنْ الْوَسْوَسَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ صِحَّةَ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّمَامِ الْكَمَالَ. [قَوْلُهُ: النِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِ] أَيْ أَنَّ النِّيَّةَ لَا بُدَّ مِنْهَا فِيهِ، فَأَرَادَ بِالشَّرْطِيَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ مِنْ التَّهَافُتِ فَإِنَّهُ فِي مَقَامِ إثْبَاتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ] تَفْسِيرٌ لِحُسْنِ النِّيَّةِ أَيْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ النِّيَّةُ حَسَنَةٌ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغَرَضَ إثْبَاتُ أَصْلِ النِّيَّةِ لَا حُسْنُهَا أَيْ مُوَافَقَتُهَا لِلسُّنَّةِ كَمَا هُوَ مُفَادُ كَلَامِهِ، فَالتَّعْلِيلُ فَاسِدٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَيْضًا، وَحَاصِلُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَخْدُوشٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. [قَوْلُهُ: صِفَةِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إلَخْ. وَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ الْوُضُوءِ لَا أَنَّهَا الْوُضُوءُ، فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ عَلَى صِفَةِ سَبَبِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى.

[باب في بيان صفة الغسل]

بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ (بَابٌ) (فِي) بَيَانِ صِفَةِ (الْغُسْلِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخِيرَةِ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ (مِنْ الْجَنَابَةِ) وَإِسْقَاطُهَا أَوْلَى لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ وَشَرَائِطُهُ فِي بَابِ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ صِفَةَ الْغُسْلِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: (أَمَّا الطُّهْرُ) أَيْ الْغُسْلُ وَهُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ (فَهُوَ مِنْ الْجَنَابَةِ) وَهِيَ شَيْئَانِ الْإِنْزَالُ وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِانْضِمَامِ، وَذَلِكَ عِنْدَ مُقَارَبَةِ الْأَهْلِ عَنْ الْغِشْيَانِ (وَمِنْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْغُسْلِ] [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ الْفِعْلُ] أَيْ وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ الْعَكْسَ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ الثُّلَاثِيِّ الْمُتَعَدِّي فَعْلٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَاسْمٌ لِمَا يُغْتَسَلُ بِهِ مِنْ صَابُونٍ وَنَحْوَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الذَّخِيرَةِ إلَخْ] يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَقْوَالًا ثَلَاثَةً فَالْأَشْهَرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الضَّمَّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَالْفَتْحَ اسْمٌ لِلْمَاءِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلْمَاءِ حَكَاهَا الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَرَائِضَ إلَخْ] فَرَائِضُهُ خَمْسَةٌ تَعْمِيمُ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ وَالنِّيَّةُ وَالْمُوَالَاةُ كَالْوُضُوءِ وَالدَّلْكُ، وَخَامِسُهَا تَخْلِيلُ الشَّعْرِ وَلَوْ كَثِيفًا وَضِغْثُ الْمَضْفُورِ. وَسُنَنُهُ خَمْسَةٌ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ أَوَّلًا وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالِاسْتِنْثَارُ وَمَسُّ الصِّمَاخَيْنِ فَقَطْ. وَهُمَا الثُّقْبَتَانِ فَيَمْسَحُ مِنْهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، وَذَلِكَ بِحَمْلِ الْمَاءِ فِي يَدَيْهِ وَإِمَالَةِ رَأْسِهِ حَتَّى يُصِيبَ الْمَاءُ بَاطِنَ أُذُنَيْهِ وَلَا يَصُبَّ الْمَاءَ فِي أُذُنَيْهِ صَبًّا؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الضَّرَرَ. وَفَضَائِلُهُ سَبْعٌ التَّسْمِيَةُ وَالْبَدْءُ بِإِزَالَةِ الْأَذَى عَنْ جَسَدِهِ وَغَسْلُ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ كُلِّهَا قَبْلَ الْغُسْلِ، وَالْبَدْءُ بِغَسْلِ الْأَعَالِي قَبْلَ الْأَسَافِلِ وَالْمَيَامِنِ قَبْلَ الْمَيَاسِرِ، وَتَثْلِيثُ الرَّأْسِ وَقِلَّةُ الْمَاءِ مَعَ إحْكَامِ الْغَسْلِ. وَمَكْرُوهَاتُهُ خَمْسَةٌ، تَنْكِيسُ الْفِعْلِ وَالْإِكْثَارُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ وَتَكْرَارُ الْغَسْلِ بَعْدَ الْإِسْبَاغِ وَالْغَسْلُ فِي الْخَلَاءِ وَفِي مَوَاضِعِ الْأَقْذَارِ، وَأَنْ يَتَطَهَّرَ بَادِيَ الْعَوْرَةِ أَوْ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَعْمِيمُ ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِالْمَاءِ] أَيْ مَعَ الدَّلْكِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْغُسْلِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ [قَوْلُهُ: الْإِنْزَالُ] أَيْ مُسَبِّبُ الْإِنْزَالِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَصْفٌ مَعْنَوِيٌّ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْزَالِ وَمَغِيبِ الْحَشَفَةِ، [قَوْلُهُ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِانْضِمَامِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْجَنَابَةُ مَعْرُوفَةٌ يُقَالُ أَجْنَبَ بِالْأَلِفِ اهـ. فَقَوْلُ شَارِحِنَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاخْتِلَاطِ مَعْنَاهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْإِجْنَابِ وَهُوَ الِاخْتِلَاطُ وَالِانْضِمَامُ وَالْعَطْفُ فِيهِ لِلتَّفْسِيرِ. وَقَالَ عج وَالْجَنَابَةُ مِنْ التَّجَنُّبِ وَهُوَ الْبُعْدُ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الْمُجَانَبَةِ وَهِيَ الْخُلْطَةُ وَاللُّصُوقُ، وَمِنْ ذَلِكَ الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِانْضِمَامِ، [قَوْلُهُ: عِنْدَ مُقَارَبَةِ] أَيْ تَقَارُبِ الْأَهْلِ فَيَخْتَلِطُ بِهِ وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ، فَالِاخْتِلَاطُ وَالِانْضِمَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى الْقُرْبِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُفَاعَلَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْرُبُ مِنْ الْآخَرِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا الْغَالِبَ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْغِشْيَانِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَغَشَيْتُهُ، أَيْ مِنْ بَابِ تَعِبَ أَتَيْتُهُ وَالِاسْمُ الْغِشْيَانُ بِالْكَسْرِ أَيْ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَكُنِّيَ بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ اهـ، أَيْ أَنَّ تِلْكَ الْمُقَارَبَةَ عِنْدَ إرَادَةِ الْجِمَاعِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ

انْقِطَاعِ دَمِ (الْحَيْضَةِ) أَيْ الْحَيْضِ (وَ) مِنْ انْقِطَاعِ دَمِ (النِّفَاسِ سَوَاءٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ فِي الصِّفَةِ وَالْحُكْمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الصِّفَةِ دُونَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ (فَإِنْ اقْتَصَرَ) أَيْ اكْتَفَى (الْمُتَطَهِّرُ) مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ (عَلَى الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ) عَنْ الْوُضُوءِ بِاتِّفَاقٍ. فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ إذَا لَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْغُسْلُ سُنَّةً أَوْ مُسْتَحَبًّا فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْوُضُوءِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا مَسَّ ذَكَرَهُ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأَفْضَلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُتَطَهِّرِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَحْوَهَا (أَنْ يَتَوَضَّأَ بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ مَا بِفَرْجِهِ أَوْ جَسَدِهِ مِنْ الْأَذَى) فَضِيلَتَانِ إحْدَاهُمَا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ مَا بِفَرْجِهِ أَوْ فِي جَسَدِهِ مِنْ الْأَذَى، فَإِنْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ وَزَوَالِ الْأَذَى أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ زَوَالِ الْأَذَى ثُمَّ لَمْ يَغْسِلْهُ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ اتِّفَاقًا، وَالثَّانِيَةُ الْوُضُوءُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ سَائِرَ الْجَسَدِ تَشْرِيفًا لَهَا فَعَلَى هَذَا هُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ) وَلَا يَقْصِدُ بِوُضُوئِهِ الصَّلَاةَ فَلَوْ قَصَدَهَا بِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْمُقَارَبَةُ بَعْدَ الْغِشْيَانِ كَمَا قِيلَ فِي الْأُولَى. [قَوْلُهُ: دَمِ الْحَيْضَةِ] الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ: دَمٌ هُوَ الْحَيْضَةُ، وَحَيْثُ كَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ دَمٍ [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَيْضُ] فَسَّرَ الْحَيْضَةَ بِالْحَيْضِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَيْضَةَ الَّتِي تَقَدَّمَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ وَتَأَخَّرَهَا طُهْرٌ فَاصِلٌ [قَوْلُهُ: دَمِ النِّفَاسِ] الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ دَمٌ هُوَ النِّفَاسُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الصِّفَةِ دُونَ الْحُكْمِ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ إذَا كَانَ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الْحُكْمِ، فَالصِّفَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْوَاجِبِ بَلْ هَذِهِ الصِّفَةُ الْمَطْلُوبَةُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ. أَفَادَهُ عج قَائِلًا بَعْدَ الْإِفَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَوْ قَالَ: وَأَمَّا الطُّهْرُ فَهُوَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ أَشْمَلَ اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ أَوْ الْمَنْدُوبُ فَلَا يَكْفِي عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ] فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ كَمَالِ الْغُسْلِ، وَأَمَّا مَسُّهُ بَعْدَ إكْمَالِ الْغُسْلِ فَأَمْرُهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَ الْغُسْلُ سُنَّةً] أَيْ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَالْإِحْرَامِ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ لَا يُصَلِّي بِهِ فَإِنْ صَلَّى بِهِ فَالصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ وَكَذَا فِي غُسْلِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مُسْتَحَبًّا] أَيْ كَغُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَالدُّخُولِ لِمَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِذَا اغْتَسَلَ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَلَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يَطُوفُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَتَوَضَّأَ بَعْدَ إلَخْ] أَيْ وَبَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَغْسِلَهُ بِنِيَّةِ زَوَالِ الْأَذَى فَقَطْ ثُمَّ يَنْوِيَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ. [قَوْلُهُ: إحْدَاهُمَا الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ بُدَاءَةٌ إضَافِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ الْحَقِيقِيَّةَ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ إلَخْ] وَكَذَا لَوْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ حَكَاهُ الْحَطَّابُ قَالَ سَنَدٌ وَالْأَوَّلُ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَصَلَ الْمَاءُ لِلْبَشَرَةِ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَدَثِ فَقَدْ وَفَّى بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ حَقِيقَةِ الْغُسْلِ وَإِنْ بَقِيَ حَائِلٌ فَلَا يُجْزِيهِ حَتَّى يَزُولَ اهـ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا هُوَ تَكْرَارٌ إلَخْ] لَك أَنْ تَقُولَ الثَّانِي هُوَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ تَكْرَارًا [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ] وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ أَيْ مَعَ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُطْلَقٍ، وَذَلِكَ لِلْيَدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ أَيْ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ مَا عَلَى بَدَنِهِ أَوْ فَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى مُقَدَّمٌ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مُقَدَّمٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الْحُكْمِ وَالثَّانِي عَلَى الصِّفَةِ، بَقِيَ أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ ثَانِيًا بَعْدَ أَنْ غَسَلَ ذَكَرَهُ بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ أَوْ لَا؟ فَفِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ فِي الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى لَا يُعِيدُ

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا حَقُّهُ الْغَسْلُ فِي هَذَا الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُهُ مَرَّةً مَرَّةً بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِ الْجَنَابَةِ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا أَنَّهُ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ أَيْ بِالْغَرَفَاتِ الثَّلَاثِ. ع عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثِ، وَلَوْ عَمَّ بِالْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ عَمَّ بِوَاحِدَةٍ وَاجْتَزَى بِهَا أَجْزَأْته، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ بِالثَّلَاثِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ حَتَّى يَعُمَّ (وَتَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ) قِيلَ الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَسْلِ الْأَذَى وَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَتَخْلِيلِ أُصُولِ الشَّعْرِ، وَقِيلَ: عَائِدَةٌ إلَى الْغَرَفَاتِ إذْ الْمَرْأَةُ لَا تُخَلِّلُ. (وَ) إنَّمَا (تَضْغَثُ) عِيَاضٌ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْغَيْنِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ مَعْنَاهُ تَجْمَعُ وَتَضُمُّ (شَعْرَ رَأْسِهَا) وَتُحَرِّكُهُ وَتَعْصِرُهُ بِيَدَيْهَا لِيُدَاخِلَهُ الْمَاءُ (وَلَيْسَ عَلَيْهَا) لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ (حَلُّ عِقَاصِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ عِقَاصِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الرَّأْسِ، وَالْعِقَاصُ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الْخُصْلَةُ مِنْ الشَّعْرِ تُضَفِّرُهَا ثُمَّ تُرْسِلُهَا، وَدَلِيلُ مَا قَالَ مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ فَقَالَ: لَا إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْهَا الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ أَفَأَنْقُضُهُ فِي الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ فَقَالَ: " لَا ". ج: هَذَا إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَسْلَ يَدَيْهِ لِكُوعَيْهِ وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ، وَغَالِبُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَائِلٌ بِإِعَادَةِ غَسْلِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنَّمَا يَغْسِلُهُ مَرَّةً مَرَّةً] أَيْ وَكَذَا الْمَضْمَضَةُ مَرَّةً وَالِاسْتِنْشَاقُ مَرَّةً كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ ثَلَاثًا [قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ نِيَّةَ الْأَصْغَرِ لَا تُجْزِئُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ، بَلْ لَوْ نَوَى الْأَصْغَرَ وَاقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِتِلْكَ النِّيَّةِ لَكَانَ كَافِيًا، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِهَا، وَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ بِنِيَّةِ الِاسْتِحْبَابِ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ إنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ اهـ. [قَوْلُهُ: لَا أُحِبُّ] أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: وَاجْتَزَى بِهَا] أَيْ اكْتَفَى بِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُزِيدُ] أَيْ وُجُوبًا وَهَلْ يُطْلَبُ بِالْمُسْتَحَبِّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أَرَ نَصًّا [قَوْلُهُ: قِيلَ الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ إلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ لِأَبِي عِمْرَانَ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ، هَذَا الْقَوْلُ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو عِمْرَانَ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ الْمَذْكُورَ هُوَ التَّخْلِيلُ بِالْأَصَابِعِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَلَلِ لِأَجْلِ الْفَائِدَتَيْنِ وَهَذَا يَأْتِي فِي الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْته. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ وَهُوَ أَبْيَنُ اهـ. [قَوْلُهُ: إذْ الْمَرْأَةُ إلَخْ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ سُقُوطَ هَذَا الْكَلَامِ. [قَوْلُهُ: وَتَضُمُّ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ تَجْمَعُ [قَوْلُهُ: فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ] وَأَوْلَى الْمَسْنُونُ وَالْمَنْدُوبُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي عَلَى الرَّأْسِ] أَيْ وَالْإِضَافَةُ تَأْتِي لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ. [قَوْلُهُ: تُضَفِّرُهَا] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَضَفَّرَتْ الشَّعْرَ ضَفْرًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ جَعَلَتْهُ ضَفَائِرَ كُلُّ ضَفِيرَةٍ عَلَى حِدَةٍ. فَالْفَاءُ مِنْ تُضَفِّرُهَا مَكْسُورَةٌ، [قَوْلُهُ: أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ] هِيَ هِنْدُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّةُ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ. [قَوْلُهُ: أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي] أَيْ أُضَفِّرُ رَأْسِي ضَفْرًا شَدِيدًا وَقَالَ شَارِحُ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْفَاءِ. أَيْ أُحْكِمُ فَتْلَ شَعْرِي وَقِيلَ صَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْحَمْلِ عَلَى مَا إذَا كَانَ خَفِيفًا. [قَوْلُهُ: أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ، قَوْلُهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَقِيلَ تُخَلِّلُهُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ لَا الْجَنَابَةِ حَكَى ذَلِكَ الْقَوْلَ تت. وَكَأَنَّ صَاحِبَ ذَلِكَ الْقَوْلِ اعْتَبَرَ مَفْهُومَ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَحْثِي] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَثَا الرَّجُلُ التُّرَابَ يَحْثُوهُ حَثْوًا وَيَحْثِيهِ حَثْيًا مِنْ بَابِ رَمَى لُغَةً إذَا هَالَهُ بِيَدِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَقَوْلُهُمْ فِي الْمَاءِ يَكْفِيهِ أَنْ يَحْثُوَ ثَلَاثَ حَثَوَاتٍ الْمُرَادُ ثَلَاثُ غَرَفَاتٍ عَلَى التَّشْبِيهِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تُفِيضِي] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَأَفَاضَ الْمَاءَ صَبَّهُ اهـ، الْمُرَادُ مِنْهُ فَهُوَ رُبَاعِيٌّ [قَوْلُهُ: عَلَيْهِ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ تَحْرِيفٌ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي مُسْلِمٍ

الشَّعْرُ مَرْخُوًّا بِحَيْثُ يَدْخُلُ الْمَاءُ وَسَطَهُ، وَإِلَّا كَانَ غُسْلُهَا بَاطِلًا، وَالرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ (يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ) وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْأَيْمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْمَيَامِنِ مُسْتَحَبَّةٌ، (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقَّيْهِ (يَتَدَلَّكُ) وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ (بِيَدَيْهِ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى الدَّلْكِ الْمُخْتَصَرِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهُمَا مُطْلَقًا وَقِيلَ: هُوَ مُخَيَّرٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُمَا إلَى آخِرِ غُسْلِهِ) دَلِيلُ الْمَشْهُورِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ، ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ اهـ، أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ جَسَدِكِ وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الدَّلْكَ؛ لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ الْإِسَالَةُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَفَاضَ بِمَعْنَى غَسَلَ فَالْخِلَافُ فِيهِ قَائِمٌ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الشَّعْرُ مَرْخُوًّا] أَيْ وَكَانَ إمَّا مَضْفُورًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ خَيْطَيْنِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِالشَّدِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّدَّ لَيْسَ قَوِيًّا جِدًّا، بَلْ شَدٌّ يُمْكِنُ دُخُولُ الْمَاءِ وَسَطَهُ، وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ حَلُّ عِقَاصِهَا لَا يَلْزَمُهَا نَزْعُ خَاتَمِهَا وَلَا تَحْرِيكُهُ، وَكَذَا سَائِرُ أَسَاوِرِهَا وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ زُجَاجًا وَلَوْ ضَيِّقَةً، وَكَذَا لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَزْعُ خَاتَمِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَوْ ضَيِّقًا. [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ] أَيْ إنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ شَعْرُهُ مَضْفُورًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ أَوْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ] أَيْ كُلِّهِ وَكَذَا الْأَيْسَرُ وَيُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَعْلَى كُلِّ جَانِبٍ يُقَدَّمُ عَلَى أَسْفَلِهِ وَمُنْتَهَى الْأَعْلَى إلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَيَبْدَأُ بِأَعْلَاهُ إلَى رُكْبَتِهِ نَدْبًا، ثُمَّ بِرُكْبَتَيْهِ إلَى أَسْفَلِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ بِأَعْلَى الْيَسَارِ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَسْفَلِهِ ثُمَّ يَلِي الْيَسَارَ الظَّهْرُ ثُمَّ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ قَالَهُ زَرُّوقٌ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَقْدِيمُ أَسَافِلِ الْيُمْنَى عَلَى أَعَالِي الْيَسَارِ وَالشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ الْأَسْفَلَانِ عَلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالصَّدْرِ. لِأَنَّا نَقُولُ الْمَطْلُوبُ إنَّمَا هُوَ تَقْدِيمُ أَعَالِي كُلِّ جِهَةٍ عَلَى أَسَافِلِهَا كَذَا فِي عبق عَلَى خَلِيلٍ وَقَوْلُ زَرُّوقٍ ثُمَّ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ لَمْ يُرَتِّبْ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّدْرَ عَلَى الْبَطْنِ، وَسَكَتَ عَنْ الرَّقَبَةِ وَهِيَ بَعْدَ الرَّأْسِ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ وَقَالَ بَعْضٌ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى الْأَيْمَنِ إلَى الرُّكْبَةِ ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى الْأَيْسَرِ إلَى الرُّكْبَةِ، ثُمَّ يُفِيضُهُ عَلَى أَسْفَلِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ أَسْفَلِ الْأَيْسَرِ وَسَكَتَ عَنْ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ لِدُخُولِهِمَا فِي الشِّقَّيْنِ اهـ، الْمَقْصُودُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ رَجَّحَهَا شَيْخُنَا الصَّغِيرُ وَضَعَّفَ كَلَامَ زَرُّوقٍ الْمُتَقَدِّمَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقَّيْهِ إلَخْ] ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَدَلَّكُ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَإِذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْأَيْسَرِ دَلَّكَ الشِّقَّيْنِ، وَمِثْلُهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُدَلِّكُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ قَبْلَ الصَّبِّ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ غَيْرِ شَارِحِنَا وَيَتَدَلَّكُ بِيَدَيْهِ بِالتَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ لَا بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ تَأَخُّرَ الدَّلْكِ بَعْدَ الصَّبِّ عَلَى الشِّقَّيْنِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ] ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ تَقْيِيدَهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ النِّيَّةِ فَقَطْ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ فِي فِعْلِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَنْوِ رَفْعَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ عِنْدَ غَسْلِ ذَكَرِهِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِتِلْكَ النِّيَّةِ وَلَا لِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْأَكْبَرِ، [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنْ يَمْسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ] أَيْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ، وَإِنْ كَانَ يَغْسِلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ نَقِيًّا أَمْ لَا، يُفَسِّرُهُ الرَّابِعُ الْمُفَصَّلُ الَّذِي نَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ إلَخْ، أَيْ مُطْلَقًا وَهُنَاكَ رَابِعٌ يُفَصِّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ نَقِيًّا وَيُؤَخِّرُ إنْ كَانَ وَسِخًا وَهَذَا الْخِلَافُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مُقَيَّدٌ بِالْغُسْلِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا غُسْلُ الْجُمُعَةِ مَثَلًا فَيُقَدِّمُهُمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ وَالْغُسْلَ تَابِعٌ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ فَاصِلًا مُخِلًّا بِالْفَوْرِ وَقَطَعَ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ

فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَمَّلَ وُضُوءَهُ شَيْخُنَا، وَالْقَوْلُ بِالتَّأْخِيرِ مُطْلَقًا أَظْهَرُ مِنْ الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ إلَى آخِرِ غُسْلِهِ فَيَغْسِلُهُمَا إذْ ذَاكَ، وَهَذَا صَرِيحٌ وَمَا تَقَدَّمَ ظَاهِرٌ، وَأَنَّى يُقَاوِمُ الظَّاهِرُ الصَّرِيحَ؟ فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ انْتَهَى يَفْرُغُ مِنْ وُضُوئِهِ (يَغْمِسُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ) الْمَفْتُوحِ وَنَحْوَهُ أَوْ يُفْرِغُ عَلَيْهِ الْمَاءَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَفْتُوحٍ (وَيَرْفَعُهُمَا) بَعْدَ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ قَابِضٍ) يَعْنِي غَيْرَ مُغْتَرِفٍ (بِهِمَا شَيْئًا) مِنْ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهِمَا إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِمَا (فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ) وَيَبْدَأُ فِي ذَلِكَ مِنْ مُؤَخَّرِ الْجُمْجُمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الزُّكَامَ وَالنَّزْلَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ مُجَرَّبٌ، وَالرَّأْسُ مُذَكَّرٌ لَيْسَ إلَّا وَفِي رِوَايَةٍ أُصُولَ شَعْرِهِ وَالتَّخْلِيلُ وَاجِبٌ إجْمَاعًا عَلَى مَا قَالَهُ عِيَاضٌ، وَعَلَى الْأَشْهَرِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ الْمُوَطَّإِ الْمُتَقَدِّمُ. ج: وَفِي التَّخْلِيلِ فَائِدَتَانِ فِقْهِيَّةٌ وَهِيَ سُرْعَةُ إيصَالِ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ، وَطِبِّيَّةٌ وَهِيَ تَأَنُّسُ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ فَلَا يَتَأَذَّى لِانْقِبَاضِهِ عَلَى الْمَسَامِّ إذَا حَسَّ بِالْمَاءِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ تَخْلِيلِ شَعْرِ رَأْسِهِ بِيَدَيْهِ (يَغْرِفُ بِهِمَا الْمَاءَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ زَرُّوقٌ فِيهِ بَحْثٌ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ الْمُوَطَّإِ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَنَصُّهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ بِيَدِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ اهـ» . قَالَ شَارِحُهُ كَانَ إذَا اغْتَسَلَ أَيْ شَرَعَ فِي الْغُسْلِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، احْتِرَازًا عَنْ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ يُؤَخِّرُ غَسْلَ قَدَمَيْهِ إلَى بَعْدَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا] هُوَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ السَّنْهُورِيُّ شَيْخُ الشَّارِحِ وَشَيْخُ تت [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ نَقِيًّا أَمْ لَا [قَوْلُهُ: وَأَنَّى يُقَاوِمُ الظَّاهِرُ] أَيْ كَيْفَ يُقَاوِمُ الظَّاهِرُ أَيْ بَعِيدٌ مُقَاوَمَةُ الظَّاهِرِ لِلصَّرِيحِ وَصَاحِبُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَحْمِلُ اخْتِلَافَ الْأَخْبَارِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ وَلَا أُبْعِدُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ الْغَسْلَ مُطْلَقًا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] لَوْ قَالَ فَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ مَشْهُورًا مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ لَكَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ التَّقْدِيمُ. [قَوْلُهُ: مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ] أَيْ لَا مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ الْمَشْهُورُ مَا كَثُرَ قَائِلُهُ لَا مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ. [قَوْلُهُ: يَغْمِسُ يَدَيْهِ] قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يُرِيدُ أَصَابِعَهُمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَرْفَعُهُمَا اهـ. وَغَمَسَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ] أَيْ نَحْوَ الْإِنَاءِ الْمَفْتُوحِ أَيْ كَنَهْرٍ. [قَوْلُهُ: فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ] الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْهَيْئَةَ مِنْ الْغَمْسِ وَالرَّفْعِ وَالتَّخْلِيلِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ آخَرُ لَا أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْهَيْئَةِ الْمَنْدُوبَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إلَخْ] أَيْ الْبَدْءَ الْمَفْهُومَ مِنْ يَبْدَأُ، [قَوْلُهُ: وَالنَّزْلَةَ] النَّزْلَةُ الزُّكَامُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ وَهِيَ بِفَتْحِ النُّونِ كَمَا رَأَيْتُهُ مَضْبُوطًا فِي ثَلَاثِ نُسَخٍ مِنْ الْقَامُوسِ يَظُنُّ بِاثْنَتَيْنِ مِنْهَا الصِّحَّةَ. [قَوْلُهُ: مُجَرَّبٌ] هُوَ فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ صَحِيحٌ أَيْ إنَّمَا كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّبٌ، [قَوْلُهُ: وَالتَّخْلِيلُ إلَخْ] ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ هُنَا غَيْرُ صَوَابٍ؛ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ الَّذِي هُوَ وَاجِبٌ إجْمَاعًا تَخْلِيلُ الشَّعْرِ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَرْكَانِ الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ الْمُوَطَّإِ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ الْمُوَطَّإِ فِي التَّخْلِيلِ الَّذِي هُوَ مَنْدُوبٌ فَلَا يُنَاسِبُ الِاسْتِدْلَالَ بِاعْتِبَارِ مَا قُلْنَا. أَلَا تَرَى أَنَّ شَارِحَ الْمُوَطَّإِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ فَيُخَلِّلُ بِهِمَا أُصُولَ شَعْرِهِ أَيْ شَعْرِ رَأْسِهِ، ثُمَّ هَذَا التَّخْلِيلُ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا إلَّا إنْ كَانَ الشَّعْرُ مُلَبَّدًا بِشَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاءِ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إلَى أُصُولِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ سُرْعَةٌ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ أَفْرَغَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً تَلَبَّدَ وَتَعَسَّرَ إيصَالُ الْمَاءِ لِلْبَشَرَةِ [قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَذَّى] أَيْ الرَّأْسُ [قَوْلُهُ: لِانْقِبَاضِهِ عَلَى الْمَسَامِّ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لِانْقِبَاضِ الْمَسَامِّ إذَا حَسَّ بِالْمَاءِ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَ بِالْأَصَابِعِ فَإِذَا نَزَلَ الْمَاءُ بَعْدَ

رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ) حَالَ كَوْنِهِ (غَاسِلًا لَهُ بِهِنَّ) وَلَا يُمَكِّنُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إلَّا مَنْ يَجُوزُ لَهُ مُبَاشَرَتُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَكِّلُهُ أَجْزَأَهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ دَلْكٍ إذَا انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ أَوْ أَصَابَهُ صَبَابَةُ الْمَاءِ، وَإِنْ وَكَّلَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا فَرَغْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي وُجُوبِ الدَّلْكِ فَفِي اشْتِرَاطِ مُقَارَنَتِهِ لِصَبِّ الْمَاءِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِلْقَابِسِيِّ، وَالثَّانِي لِلْمُصَنِّفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (بِأَثَرِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ عَقِبَ (صَبِّ الْمَاءِ) وَاسْتَظْهَرَ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَهَا يُؤَدِّي إلَى الْمَشَقَّةِ بِفِعْلِ ذَلِكَ (حَتَّى يَعُمَّ جَسَدَهُ) جَمِيعًا وَيَتَحَقَّقَ ذَلِكَ (وَ) أَمَّا (مَا شَكَّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ أَخَذَهُ) أَيْ أَصَابَهُ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ (مِنْ جَسَدِهِ عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ) أَيْ بِمَاءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ دَفْعَةً فَلَا يَضُرُّ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدِّمَاغَ لَهُ مَسَامُّ، أَيْ تَفَاتِيحُ تَتَصَعَّدُ مِنْهَا أَبْخِرَةُ الْجَسَدِ، فَإِذَا أَصَابَهَا الْمَاءُ دَفْعَةً وَهِيَ مُنْفَتِحَةٌ نَشَأَ مِنْ ذَلِكَ الزُّكَامُ الْعَظِيمُ وَالْعِلَلُ الْمُعْضِلَةُ، فَإِذَا خَلَّلَ تِلْكَ الْمَسَامَّ بِأَصَابِعِهِ وَعَلَيْهَا الْمَاءُ انْقَبَضَتْ وَانْغَلَقَتْ فَلَا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: يَفْرُغُ] بِضَمِّ الرَّاءِ [قَوْلُهُ: عَلَى رَأْسِهِ] حَالٌ وَالتَّقْدِيرُ يَغْرِفُ بِهِمَا الْمَاءَ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ صَابًّا عَلَى رَأْسِهِ، [قَوْلُهُ: غَرَفَاتٍ] بِفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ غَرْفَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ، وَغَرْفَةٌ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا. [قَوْلُهُ: حَالَ كَوْنِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْغُسْلَ مُقَارِنٌ لِلْغَرْفِ مَعَ أَنَّهُ بِيَدِهِ، [قَوْلُهُ: غَاسِلًا لَهُ بِهِنَّ] أَيْ دَالِكًا لَهُ بِهِنَّ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَعُمُّ الرَّأْسَ بِكُلِّ غَرْفَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ [قَوْلُهُ: وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ فَهُوَ وَاجِبٌ لِنَفْسِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ، حَكَاهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: بِيَدَيْهِ] أَوْ بِيَدٍ أَوْ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ سِوَاهُمَا [قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَكَّلَ غَيْرَهُ عَلَى الدَّلْكِ] هَذَا مَذْهَبُ سَحْنُونَ وَمَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ. قَالَ الْمَوَّازُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا عَجَزَ عَنْهُ سَاقِطٌ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَشْبَهُ بِيُسْرِ الدِّينِ فَيُوَالِي صَبَّ الْمَاءِ وَيُجْزِئُهُ، وَالرَّاجِحُ مَذْهَبُ سَحْنُونَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ شَارِحِنَا أَنَّهُ لَا يُدَلِّكُ بِالْخِرْقَةِ مَعَ أَنَّهُ يُدَلِّكُ بِهَا عِنْدَ التَّعَذُّرِ بِالْيَدِ كَمَا فِي بَهْرَامَ عَنْ سَحْنُونَ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ إنَّ الْخِرْقَةَ وَالدَّلْكَ بِالْيَدِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكْفِي الدَّلْكُ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الدَّلْكِ بِالْيَدِ، وَكِلَاهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ، وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ وَمَعْنَى الدَّلْكِ بِالْخِرْقَةِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُدَلِّكَ بِهِ كَفُوطَةٍ يَجْعَلُ طَرَفَهَا بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْآخَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَيُدَلِّكُ بِوَسَطِهَا، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ شَيْئًا بِيَدَيْهِ، وَدَلَّكَ بِهِ كَكِيسٍ يُدْخِلُهُ فِي يَدِهِ وَيُدَلِّكُ بِهِ فَإِنَّ الدَّلْكَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ بِالْيَدِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا إنْ كَانَ كَثِيفًا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَكِّلُهُ] أَيْ إنْ تَعَذَّرَ الدَّلْكُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَلَيْسَ مِنْ التَّعَذُّرِ إمْكَانُهُ بِحَائِطٍ يَمْلِكُهُ الْمُغْتَسِلُ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالدَّلْكِ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ حَائِطَ حَمَّامٍ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكَهُ وَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ أَوْ حَائِطَ حَمَّامٍ وَلَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ التَّعَذُّرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَصَابَهُ صَبَابَةُ الْمَاءِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّبَابَةُ بَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ اهـ، أَيْ أَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ هُنَا إصَابَةُ مُطْلَقِ مَاءٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إنَاءٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بَقِيَّةَ مَاءٍ. [قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ بِالْإِجْزَاءِ [قَوْلُهُ: فَفِي اشْتِرَاطِهِ] أَيْ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ إلَخْ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ، وَنَصَّ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدَ بْنُ أَبِي زَيْدٍ وَأَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ فِيمَنْ انْغَمَسَ فِي الْبَحْرِ أَوْ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَتَدَلَّكَ بِالْفَوْرِ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَلْ يُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ التَّعْمِيمُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ يَعُمُّ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِذَلِكَ فَهَلْ يَعْمَلُ بِخَبَرِهِ، وَهُوَ مَا لِلْحَطَّابِ قَائِلًا يَقْبَلُ إخْبَارَ الْغَيْرِ بِكَمَالِ الْوُضُوءِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَاحِدًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَوْ لَا يَعْمَلَ بِخَبَرِهِ إلَّا إذَا حَصَلَ لَهُ بِخَبَرِهِ الْيَقِينُ وَهُوَ مَا لعج. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا شَكَّ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ

مُسْتَأْنَفٍ وُجُوبًا، وَلَا يُجْزِئُهُ غَسْلُهُ بِمَا تَعَلَّقَ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ الْمَاءِ (وَدَلَكَهُ بِيَدِهِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ التَّعَذُّرِ، وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي مَوْضِعٍ هَلْ دَلَكَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ لَهُ الْمَاءَ وَيُدَلِّكُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ، وَلَا تَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ عَامِرَةٌ لَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَنْكِحًا كَفَاهُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يُوعِبَ) أَيْ يَعُمَّ (جَمِيعَ جَسَدِهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: حَتَّى يَعُمَّ جَسَدَهُ. وَلَمَّا كَانَ فِي الْجَسَدِ مَوَاضِعُ خَفِيَّةٌ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ نَبَّهَ عَلَى تِسْعَةٍ مِنْهَا فَقَالَ: (وَيُتَابِعُ) يَعْنِي بِالْمَاءِ وَالدَّلْكِ (عُمْقُ سُرَّتِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَهُ ك. وَقَالَ ق: رُوِيَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ بَاطِنُ السُّرَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعُمْقُ بِالْعَيْنِ غَيْرِ مُعْجَمَةٍ فِيمَا قَارَبَ الِاسْتِوَاءَ وَالْغَمْقُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِيمَا كَانَ غَائِرًا (وَ) يُتَابِعُ (تَحْتَ حَلْقِهِ) أَيْ مَا يَلِي حَلْقَهُ فَالصَّوَابُ أَنْ لَوْ قَالَ تَحْتَ ذَقَنِهِ (وَيُخَلِّلُ) وُجُوبًا (شَعْرَ لِحْيَتِهِ) وَسَكَتَ عَنْ تَخْلِيلِ الرَّأْسِ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي عج فَهُوَ عَدَمُ الْيَقِينِ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ، وَيَشْمَلُ غَلَبَتَهُ، كَذَا قَيَّدَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قُلْت وَيُفِيدُ ذَلِكَ تَعْبِيرَهُ أَوَّلًا بِالتَّحَقُّقِ. ثُمَّ أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ يَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالتَّعْمِيمِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ظُلْمَةً أَمْ لَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ جَسَدِهِ] بَيَانٌ لِمَا مَشُوبَةً بِتَبْعِيضٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لُمْعَةً أَوْ عُضْوًا، [قَوْلُهُ: عَاوَدَهُ بِالْمَاءِ] أَيْ عَاهَدَهُ بِالْمَاءِ أَيْ عَمَّهُ بِالْمَاءِ فَلَيْسَتْ الْمُفَاعَلَةُ عَلَى بَابِهَا، [قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُ غَسْلُهُ بِمَا تَعَلَّقَ مِنْ جَسَدِهِ مِنْ الْمَاءِ] مِنْ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَسَدِهِ بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَمِنْ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَاءِ بَيَانِيَّةً، أَيْ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ إمَّا لِكَوْنِهِ صَارَ مُضَافًا أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يَجْرِي عَلَى الْعُضْوِ فَيَكُونُ مَسْحًا. [قَوْلُهُ: وَدَلَكَهُ بِيَدِهِ إلَخْ] تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلْكِ الْيَدُ بَلْ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ دَلْكُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِبَعْضٍ اهـ، فَقَوْلُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَلَا تَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ] كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ تَكْفِي فِي وُصُولِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ، أَيْ الْوُصُولُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَأَوْلَى الدَّلْكُ الَّذِي هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: كَفَاهُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَكْفِيهِ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَا حَاجَةَ لِظَنٍّ وَلَا غَلَبَتِهِ وَلَا يُعِيدُ غَسْلَهُ كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا تَكْرَارَ إذْ الْعُمُومُ الْأَوَّلُ فِي الصَّبِّ وَهَذَا فِي الدَّلْكِ، فَالْمَوْضُوعُ مُخْتَلِفٌ هَذَا إنْ جُعِلَ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَعُمَّ غَايَةً لِلصَّبِّ وَإِلَّا فَالْمُتَبَادِرُ تَعَلُّقُهُ بِالدَّلْكِ فَالتَّكْرَارُ ظَاهِرٌ، وَقِيلَ فِي دَفْعِ التَّكْرَارِ: إنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَكٌّ وَمَا هُنَا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ شَكٌّ وَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ. [قَوْلُهُ: يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ] أَيْ يَتَبَاعَدُ عَنْهَا الْمَاءُ، [قَوْلُهُ: عَلَى تِسْعَةٍ مِنْهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ تَنْبِيهًا عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخَفَاءِ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ فِيهَا خَفَاءٌ أَيْضًا يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَتَابُعُهَا كَأَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ، وَمَا غَارَ مِنْ ظَاهِرِ الْأَجْفَانِ وَمَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَعَقِبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ قُلْت أَجَابَ ع بِأَنَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْهَا اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي الْوُضُوءِ اهـ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْغَيْنِ إلَخْ] وَالْغَيْنُ مُعْجَمَةٌ أَوْ مُهْمَلَةٌ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ وَالْمِيمُ سَاكِنَةٌ ذَكَرَهُ تت بِالْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ أَنْ لَوْ قَالَ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ ذَقَنِهِ هُوَ حَلْقُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ لَا مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنْ الصَّدْرِ كَمَا يَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَغَابِنَ فِيهِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا تَحْتَ الْحَلْقِ مَا يَلِي الْحَلْقَ وَلَمْ يُرِدْ التَّحْتَ، أَيْ فَأَرَادَ بِالتَّحْتِ مَا حَوْلَ الْحَلْقِ وَمَا حَوْلَ الْحَلْقِ هُوَ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25] أَيْ حَوْلَهَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: لِحْيَتِهِ] وَلَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً فَلَوْ خَلَّلَهَا فِي الْوُضُوءِ لَمْ

الْبَابِ، وَكَذَا يَجِبُ تَخْلِيلُ شَعْرِ غَيْرِهِمَا كَشَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَالْهُدْبِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ (وَ) يُتَابِعُ (تَحْتَ جَنَاحَيْهِ) أَيْ إبِطَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَالسُّرَّةِ فِي الْخَفَاءِ وَاجْتِمَاعِ الْفَضَلَاتِ (وَ) يُتَابِعُ مَا (بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ مَقْعَدَتَيْهِ. (وَ) يُتَابِعُ (رُفْغَيْهِ) تَثْنِيَةُ رَفْغٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا بَاطِنُ الْفَخِذِ، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ (وَ) يُتَابِعُ مَا (تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ) يَعْنِي بَاطِنَهُمَا مِنْ خَلْفُ لَا تَحْتَهُمَا مِنْ أَمَامُ (وَ) يُتَابِعُ (أَسَافِلَ رِجْلَيْهِ) يَعْنِي سُطُوحَهُمَا (وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ) وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ فِي وُضُوئِهِ إنْ كَانَ قَدَّمَهُ، وَإِلَّا فَفِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ، وَسَكَتَ عَنْ مَوَاضِعَ يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ أَيْضًا يَجِبُ تَتَابُعُهَا كَأَسَارِيرِ الْجَبْهَةِ وَمَا غَارَ مِنْ ظَاهِرِ الْأَجْفَانِ وَمَا تَحْتَ مَارِنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اكْتِفَاءً بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ (وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ آخِرَ ذَلِكَ) الْغُسْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَسَلَهُمَا أَوَّلًا عِنْدَ وُضُوئِهِ (يَجْمَعُ ذَلِكَ) الْغُسْلُ الْمَذْكُورُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الرِّجْلَيْنِ (لِ) أَجْلِ (تَمَامِ غُسْلِهِ) الْوَاجِبِ (وَلِتَمَامِ وُضُوئِهِ) الْمُسْتَحَبِّ (إنْ كَانَ أَخَّرَ غَسْلَهُمَا) فِي الْوُضُوءِ. ق: وَاخْتُلِفَ إذَا أَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بِأَيِّ نِيَّةٍ يَغْسِلُهُمَا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: يَنْوِي الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْوِي بِهِ تَمَامَ وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ بَعْدَ غَسْلِ مَا بِفَرْجِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَجْ لِتَخْلِيلِهَا فِي الْغُسْلِ إنْ كَانَ تَخْلِيلُهَا فِي الْوُضُوءِ وَاجِبًا كَالْخَفِيفَةِ، وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّ تَخْلِيلَهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ كَذَا فِي حَاشِيَةِ عج وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا الْوُضُوءَ فِي الْحَقِيقَةِ جُزْءٌ مِنْ الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِالتَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ كَانَتْ كَثِيفَةً بَلْ هَذَا مُتَعَيِّنٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: اكْتِفَاءً إلَخْ] قَدْ يُقَالُ التَّخْلِيلُ الَّذِي تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ هُوَ التَّخْلِيلُ الْمَنْدُوبُ، [قَوْلُهُ: وَالْهُدْبِ] تَفَنُّنٌ فِي التَّعْبِيرِ حَيْثُ ثَنَّى فِي الْحَاجِبِ، وَأَفْرَدَ الْهُدْبَ نَظَرًا لِلْجِنْسِ، وَإِلَّا فَهِيَ أَهْدَابٌ أَرْبَعَةٌ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَهْدَابُ [قَوْلُهُ: أَيْ إبِطَيْهِ] تَفْسِيرٌ لِجَنَاحَيْهِ قَالَ تت، وَهُمَا الْإِبِطَانِ فَاسْتَعَارَ لَهُمَا هَذَا الِاسْمَ مَجَازًا أَيْ لِأَنَّ الْجَنَاحَ لِلطَّائِرِ. [قَوْلُهُ: وَبَيْنَ أَلْيَتَيْهِ] أَيْ مَقْعَدَتَيْهِ فَيُوَصِّلُ الْمَاءَ إلَيْهِ مَعَ اسْتِرْخَائِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ غَسْلِ تَكَامِيشِ الدُّبُرِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ الْغُسْلُ بَاطِلًا [قَوْلُهُ: بَاطِنُ الْفَخْذِ] أَيْ مِمَّا يَلِي الْبَطْنَ تت. [قَوْلُهُ: لَا تَحْتَهُمَا مِنْ قُدَّامُ] أَيْ لِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَنِّفُ أَرَادَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجِبُ دَلْكُهُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي سُطُوحَهُمَا] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَعْرُوفُ بِظَهْرِ الْقَدَمِ، لَكِنَّ هَذَا الْإِخْفَاءَ فِيهِ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت، وَنَصُّهُ: وَيُتَابِعُ أَسْفَلَ رِجْلَيْهِ عَقِبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وُجُوبًا] أَرَادَ بِهِ مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ التَّخْلِيلَ يُنْدَبُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ أَفَادَهُ ح، [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ قَدَّمَهُ] فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يُخَلَّلْ فِي ذَلِكَ الْوُضُوءِ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَعْدُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهَلْ تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْوُضُوءِ؟ وَالظَّاهِرُ لَا تَحْصُلُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْوُضُوءِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَخْلِيلِ الْيَدَيْنِ. [قَوْلُهُ: يَجْمَعُ ذَلِكَ الْغُسْلُ] أَيْ يُحَصِّلُ ذَلِكَ الْغُسْلُ الْمَذْكُورُ فِيهِمَا: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْغُسْلَ الْمَذْكُورَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الرِّجْلَيْنِ، فَالْجَوَابُ أَنْ يُرَادَ بِالْغُسْلِ الْمَذْكُورِ الْغُسْلُ مُجَرَّدًا عَنْ قَيْدِهِ، وَهُوَ إضَافَتُهُ لِلرِّجْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ تَمَامِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ جُزْءٌ مِنْ الْغُسْلِ حَقِيقَةً، [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إلَخْ] أَيْ إنْ ارْتَكَبَ غَيْرَ الْمَشْهُورِ وَأَخَّرَ غَسْلَهُمَا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: يَنْوِي بِغَسْلِهِمَا الْوُضُوءَ] أَيْ تَمَامَ الْوُضُوءِ وَتَمَامَ الْغُسْلِ وَقَوْلُهُ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ أَيْ تَمَامَ الْوُضُوءِ، أَيْ وَلَا تَمَامَ الْغُسْلِ، وَقَوْلُهُ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ لَا يَنْوِي بِهِ تَمَامَ وُضُوئِهِ، أَيْ فَقَطْ بَلْ الْمُصَنِّفُ يَزِيدُ عَلَى نِيَّةِ تَمَامِ الْوُضُوءِ تَمَامَ الْغُسْلِ وَالْقَابِسِيُّ كَمَا يَنْفِي ذَلِكَ يَنْفِي نِيَّةَ تَمَامِ الْغُسْلِ، هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِفَهْمِ الْعِبَارَةِ، وَيَبْحَثُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى كَافِيَةٌ فَأَيُّ مُحْوِجٍ لِكَوْنِهِ يَنْوِي تَمَامَ وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَأَيْضًا فَهَذَا الْوُضُوءُ قِطْعَةٌ مِنْ الْغُسْلِ فَلَا مُوجِبَ لِكَوْنِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ تَمَامَ الْغُسْلِ عِنْدَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ. وَلَا يَكْتَفِي بِنِيَّةِ

مِنْ الْأَذَى بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ (يَحْذَرُ) أَيْ يَتَحَفَّظُ بَعْدَ ذَلِكَ (أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ فِي) حَالِ (تَدَلُّكِهِ بِبَاطِنِ كَفِّهِ) ظَاهِرُهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ إلَّا بِبَاطِنِ الْكَفِّ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ زَادَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ بِجَانِبَيْهِمَا (فَإِنْ) لَمْ يَتَحَفَّظْ مِنْ مَسِّهِ وَ (فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَسَّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ أَوْعَبَ) أَيْ أَكْمَلَ (طُهْرَهُ) وَهُوَ بِالْقُرْبِ (أَعَادَ الْوُضُوءَ) إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِهَذَا الْغُسْلِ، وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ حَتَّى يُرِيدَ الصَّلَاةَ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَحَيْثُ قُلْنَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ فَإِنَّهُ يَنْوِيهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ قَدْ ارْتَفَعَ. (وَ) أَمَّا (إنْ مَسَّهُ فِي ابْتِدَاءِ غُسْلِهِ وَبَعْدَ أَنْ غَسَلَ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ مِنْهُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَامِ الْوُضُوءِ فَلَعَلَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ أَيْ تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ، أَيْ أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَلَى الرَّاجِحِ وَقَوْلُهُ يَحْذَرُ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ، أَيْ فَيَمُرُّ عَلَى ذَكَرِهِ بِخِرْقَةٍ وَإِلَّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إنْ غَسَلَهُ بِلَا خِرْقَةٍ، أَوْ يَبْطُلُ غُسْلُهُ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ أَصْلًا، فَإِنْ قُلْت يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى نَوَى الْجَنَابَةَ قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَنْوِيَ الْجَنَابَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ لِاسْتِصْحَابِ الْأَوْلَى، وَهَذَا الْوُضُوءُ إنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْغُسْلِ فَهُوَ صُورَةُ وُضُوءٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ غَسَلَ مَا بِفَرْجِهِ، أَيْ غَسَلَ غُسْلًا مُلْتَبِسًا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ وَيُعَمِّمُ فِي الِالْتِبَاسِ بِحَيْثُ يَشْمَلُ صُورَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يَنْوِيَ غَسْلَ مَا بِفَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى وَنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ مَعًا، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَعْقُبَ غَسْلُ مَا بِفَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى نِيَّةَ رَفْعِ الْجَنَابَةِ، [قَوْلُهُ: أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ] إنَّمَا نَصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّوَاقِضِ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ أَبُو مُحَمَّدٍ بِالْكَفِّ هُنَا بَاطِنَ الْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: بِبَاطِنِ الْكَفِّ] اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ مَسَّهُ بِظَاهِرِ كَفِّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَذِرَاعِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ، [قَوْلُهُ: زَادَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ لِأَشْهَبَ وَلَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا هِيَ زِيَادَةٌ مِنْ عِنْدِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَيَبْعُدُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ مَعًا إلَى كَلَامٍ مِنْ عِنْدِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ تَبِعَ فِيهَا وَاحِدًا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ غَيْرُهُمَا قَوِيَتْ عِنْدَهُ فَتَبِعَهُ. [قَوْلُهُ: وَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَسَّ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَسَّ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفِعْلُ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَسِّ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ، وَيُرَادَ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْقُرْبِ] إنَّمَا قَيَّدَ بِالْقُرْبِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ الْبُعْدَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَقَدْ أَفَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَأْتِي؛ لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ، أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْبُعْدِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ بِنِيَّةٍ بِالِاتِّفَاقِ. [قَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِهَذَا الْغُسْلِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَتَّصِفُ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ مُصَلٍّ بِهَذَا الْغُسْلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ مُصَلٍّ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ بِنِيَّةٍ اتِّفَاقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ. [قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ] إنَّمَا قَالَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَأْتِي؛ لِأَنَّ مَا قَارَبَ الشَّيْءَ لَهُ حُكْمُهُ فَحُكْمُ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ بَاقٍ عَلَيْهِ، اهـ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَمَّا اعْتَرَضْنَا بِهِ سَابِقًا مِنْ قَوْلِنَا فَقَضِيَّتُهُ إلَخْ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ أَنْ غَسَلَ مَوَاضِعَ الْوُضُوءِ] أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، كَمَا قَالَ أَبُو عِمْرَانَ نَقَلَهُ تت عَنْهُ. [قَوْلُهُ:

مِنْ الْمُغْتَسِلِ (فَلْيُمِرَّ بَعْدَ ذَلِكَ) الْمَسِّ (بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ عَلَى مَا يَنْبَغِي مِنْ ذَلِكَ) قِيلَ الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقِيلَ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَّتِهِ وَفَضَائِلِهِ، وَقِيلَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالدَّلْكِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ يَنْبَغِي عَلَى بَابِهِ وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ (وَ) اُخْتُلِفَ فِي تَجْدِيدِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ: (يَنْوِيهِ) أَيْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهَا، وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَلْ يَطْهُرُ كُلُّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ أَوْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْكَمَالِ؟ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَزِمَ تَجْدِيدُهَا؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ ذَهَبَتْ بِالْحَدِيثِ فَوَجَبَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لَهَا عِنْدَ تَجْدِيدِ الْغُسْلِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَلْزَمْهُ تَجْدِيدُهَا لِبَقَائِهَا ضِمْنًا فِي نِيَّةِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى. بَابُ التَّيَمُّمِ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مِنْ الْمُغْتَسِلِ] أَيْ مِنْ نَفْسِهِ فَفِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَسَلَهَا كُلَّهَا سَابِقًا ثُمَّ مَسَّ أَوْ غَسَلَ بَعْضَهَا، [قَوْلُهُ: بِالْمَاءِ] مُتَعَلِّقٌ بِيَمُرُّ وَهِيَ بِمَعْنَى مَعَ يَعْنِي بِمَاءٍ مُسْتَأْنَفٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا يَنْبَغِي] أَيْ مَعَ مَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: قِيلَ الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ] أَيْ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِذِكْرِهِ الصِّفَةَ فِي الْوُضُوءِ، [قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى فَرَائِضِ إلَخْ] أَيْ الَّتِي احْتَوَتْ عَلَيْهَا الصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ] الْمُرَادُ بِهِ إفَاضَةٌ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَعَطْفُ الدَّلْكِ مُغَايِرٌ. تَنْبِيهٌ: إفْرَادُ الْإِشَارَةِ بِاعْتِبَارِ هَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ لَهُ عَلَى الْقِيلِ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَعَلَى الثَّالِثِ اثْنَانِ. [قَوْلُهُ: يَنْبَغِي عَلَى بَابِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَاهُ مُسْتَحَبٌّ مَعَ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَنَا سُنَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ عَدَمَ الْوُجُوبِ الْمُتَحَقِّقَ فِي السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ، فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّرْتِيبُ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبًّا قُلْت ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ] ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَخِيرِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِي فَالْوُجُوبُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْفَرَائِضِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ السُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّات فَلَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ غَسْلَ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ وَأَنْ يُثَلِّثَ وَقَدْ أَشَارَ عج إلَى التَّثْلِيثِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ يُشْعِرُ بِطَلَبِ تَكْرَارِ الْغَسْلِ فِي الْوُضُوءِ، فَلَيْسَ كَالْوُضُوءِ الَّذِي يُفْعَلُ قَبْلَ الْغُسْلِ إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَفَادَ أَنَّهُ إذَا مَسَّهُ فِي أَثْنَاءِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً، كَمَا إذَا مَسَّهُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: يَنْوِيهِ] أَيْ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ لَمْ يُجْزِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا نَوَى الْمُتَوَضِّئُ غَيْرُ الْجُنُبِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. قَالَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْقَابِسِيِّ ضَعِيفٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي النِّيَّةِ، وَأَمَّا الْمَسُّ بِالْمَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّ الْأَحْوَالَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَمَسَّهُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَ فِعْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، أَوْ بَعْدَ كُلِّهَا قَبْلَ تَمَامِ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَأَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِوُضُوءٍ وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْوُضُوءُ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَحْسُنُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَتَثْلِيثُ كُلِّ عُضْوٍ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَوُضُوءِ غَيْرِ الْجُنُبِ أَفَادَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ -[قَوْلُهُ: لِبَقَائِهَا ضِمْنًا إلَخْ] أَيْ لِبَقَاءِ النِّيَّةِ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ مَا فَعَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْمَسِّ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ، لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُ الْقَابِسِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ رَفْعُهُ إلَّا بِتَمَامِ الطَّهَارَةِ، وَإِلَّا فَالرَّفْعُ قَدْ حَصَلَ بِدَلِيلِ وُجُوبِ إعَادَةِ مَسِّهِ بِالْمَاءِ، لَا يُقَالُ إذَا حَصَلَ رَفْعُهُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ بِهِ الْمُصْحَفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ جَوَازُ مَسِّهِ يَرْفَعُهُ عَنْ الْمَاسِّ لَا عَنْ الْعُضْوِ أَشَارَ لَهُ

الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ الْمَائِيَّةُ بِقِسْمَيْهَا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَدَلِهَا وَهُوَ شَيْئَانِ تَيَمُّمٌ وَمَسْحٌ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQعج. [قَوْلُهُ: بِقِسْمَيْهَا] أَيْ قِسْمَيْ الْمُحَصَّلِ لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ، وَهِيَ تَنْشَأُ عَنْ الْمُحَصَّلِ لَهَا الَّذِي هُوَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يَتَحَقَّقُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، فَقَوْلُهُ عَلَى بَدَلِهَا أَيْ بَدَلِ الْمُحَصَّلِ لَهَا، [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ كُلِّ الْأَعْضَاءِ.

[باب التيمم]

(بَابُ) (فِي) حُكْمِ (مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ) وَفِي بَيَانِ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّيَمُّمِ (وَ) فِي بَيَانِ (صِفَةِ التَّيَمُّمِ) الْمُسْتَحَبَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالتَّيَمُّمُ لُغَةً الْقَصْدُ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ} [البقرة: 267] أَيْ لَا تَقْصِدُوهُ. وَشَرْعًا عِبَادَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُسْتَبَاحُ بِهَا الصَّلَاةُ وَهِيَ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ يَمْسَحُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. قَالَ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ» . وَالْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ [قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ] وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، [قَوْلُهُ: عِبَادَةٌ حُكْمِيَّةٌ] أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ بِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مَوْجُودٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَقَوْلُهُ تُسْتَبَاحُ لِإِخْرَاجِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَيْسَ إلَّا لِلِاسْتِبَاحَةِ، وَهُمَا لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَلَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ حُكْمِيَّةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحِسِّيَّةٍ، أَيْ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهَا لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا فَإِنَّهَا حِسِّيَّةٌ لِأَنَّهَا مَسْحٌ لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ بِنِيَّةٍ وَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَهُمَا حِسِّيَّانِ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِمَا أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ حِسِّيَّةٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا وَتَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهَا. [قَوْلُهُ: تُسْتَبَاحُ إلَخْ] السِّينُ وَالتَّاءُ الثَّانِيَةُ زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ تُبَاحُ بِهَا الصَّلَاةُ إبَاحَةً أَكِيدَةٍ [قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ] مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا يُسْتَبَاحُ بِهَا غَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْقَصْدُ إلَخْ] ضَمَّنَ الْقَصْدَ مَعْنَى التَّوَجُّهِ فَعَدَّاهُ بِإِلَى ثُمَّ أَقْوَالٍ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حَقِيقَتَهَا النِّيَّةُ وَحْدَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، الثَّانِي أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مُتَعَلِّقَ النِّيَّةِ الصَّعِيدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مُتَعَلِّقُهَا الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ. الثَّالِثُ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الصَّعِيدَ لِأَجْلِ الْمَسْحِ وَكَانَ فِي تَحْصِيلِهِ الصَّعِيدَ الَّذِي يُمْسَحُ بِهِ طُولٌ لَصَحَّ تَيَمُّمُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِهِ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْقَصْدِ، أَيْ يَمْسَحُ بِمَا الْتَصَقَ بِهِ وَجْهُهُ إلَخْ وَاَلَّذِي الْتَصَقَ بِهِ يَدُهُ، [قَوْلُهُ: «جُعِلَتْ صُفُوفُنَا» إلَخْ] أَيْ صُفُوفُنَا فِي الْمَسَاجِدِ فِي الصَّلَوَاتِ كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ فِي السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ الْحَلَبِيُّ وَالْأُمَمُ السَّابِقَةُ كَانُوا يُصَلُّونَ مُتَفَرِّقِينَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: «وَجُعِلَتْ لَنَا» إلَخْ] لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوقِعُونَ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ اتَّخَذُوهَا لِلْعِبَادَةِ، يُسَمُّونَهَا بِيَعًا وَكَنَائِسَ وَصَوَامِعَ فَمَنْ غَابَ مِنْهُمْ عَنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ ثُمَّ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ وَجَاءَ فِي تَفْسِيرٍ قَوْله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] الْآيَاتِ فِي الْمَأْثُورِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى أَجْعَلُ لَكُمْ الْأَرْضَ مَسْجِدًا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى إنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ مَسْجِدًا قَالُوا لَا نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ إلَّا فِي كَنَائِسِنَا فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [الأعراف: 156] إلَى قَوْلِهِ {الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] وَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ اهـ. [قَوْلُهُ: «مَسْجِدًا] » بِكَسْرِ الْجِيمِ مَوْضِعُ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ إذْ الْمَسْجِدُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ، فَلَمَّا جَازَتْ الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ فَأَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَهُ فَإِنْ قُلْت، أَيُّ دَاعٍ إلَى الْعُدُولِ عَنْ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ مَوْضِعُ السُّجُودِ، أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنْ بَنَى

عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ وَاجِبٌ فِي عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ جَحَدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَلِوُجُوبِهِ سِتُّ شَرَائِطَ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ الْوَقْتِ وَعَدَمُ الْمَاءِ أَوْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَالشَّرْطَانِ الْأَخِيرَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مَعَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ: (التَّيَمُّمُ يَجِبُ لِعَدَمِ الْمَاءِ) إمَّا حَقِيقَةً بِأَنْ لَا يَجِدَ الْمَاءَ أَصْلًا وَإِمَّا حُكْمًا بِأَنْ لَا يَجِدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ وَسَوَاءٌ كَانَ (فِي السَّفَرِ) أَوْ فِي الْحَضَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّفَرُ سَفَرَ قَصْرٍ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسَافِرُ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، وَلَا يَكُونُ عَدَمُ الْمَاءِ سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ إلَّا (إذَا يَئِسَ أَنْ يَجِدَهُ) ك: يُرِيدُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِ (فِي الْوَقْتِ) ق: يُرِيدُ بِالْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ مَوْضِعُ السُّجُودِ قِيلَ مَسْجَدٌ بِالْفَتْحِ فَقَطْ فَوَاضِحٌ وَإِنْ جَوَّزَ الْكَسْرَ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ هِيَ كَوْنُ الْأَرْضِ مَحِلًّا لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ بِجُمْلَتِهَا لَا لِإِيقَاعِ السُّجُودِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تَخُصُّ السُّجُودَ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ. [قَوْلُهُ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا» ] بِفَتْحِ الطَّاءِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُنَاوِيُّ وَمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ لَا يُصَلِّي إلَّا بِالْوُضُوءِ فَقَدْ كَانُوا إذَا عَدِمُوا الْمَاءَ لَا يُصَلُّونَ حَتَّى يَجِدُوهُ، ثُمَّ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ وَخُصَّتْ الْيَهُودُ بِرَفْعِ الْجَنَابَةِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي دُونَ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي أَلْغَازِهِ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» أَرْضُ دِيَارِ ثَمُودَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَلَا التَّيَمُّمُ مِنْهَا وَلَا الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا اهـ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ جَحَدَهُ] تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْإِجْمَاعُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِ الشَّيْءِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا جَحَدَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ يَكُونُ كَافِرًا لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. [قَوْلُهُ: شَرَائِطُ] جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى مَشْرُوطَةٍ. [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ] الصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ وَبَقِيَ اثْنَانِ، وَهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْأَعْضَاءِ حَائِلٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَافٍ كَمَا قِيلَ فِي الْوُضُوءِ وَيُزَادُ أُمُورٌ تُشْتَرَطُ فِي الصِّحَّةِ مُوَالَاتُهُ فِي نَفْسِهِ وَلِمَا فُعِلَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] شَرْطُ وُجُوبٍ فَقَطْ وَكَذَا عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَثُبُوتُ حُكْمِ الْحَدَثِ أَوْ الشَّكِّ فِيهِ، فَشُرُوطُ الْوُجُوبِ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] وَهُوَ ارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ الْوَقْتِ، أَيْ أَوْ تَذَكُّرُ الْفَائِتَةِ وَعَدَمُ الْمَاءِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ بُلُوغُ الدَّعْوَةِ وَوُجُودُ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ وَكَوْنُ الْمُكَلَّفِ غَيْرَ سَاهٍ وَلَا نَائِمٍ وَلَا غَافِلٍ. [قَوْلُهُ: وَالشَّرْطَانِ الْأَخِيرَانِ] أَيْ اللَّذَانِ هُمَا عَدَمُ الْمَاءِ وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَقَدْ جَعَلَ ارْتِفَاعَ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطًا وَاحِدًا [قَوْلُهُ: إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا] أَيْ مِنْ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا حُكْمًا] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا فَسَّرَ الْمَاءَ بِالْمَاءِ الْكَافِي لِمَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَهُوَ جَمِيعُ الْجَسَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فَهُوَ عَادِمٌ حَقِيقَةً فِي الْأَمْرَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَاءً لَا يَكْفِيهِ إلَخْ] أَيْ لِلْفَرَائِضِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى جَمْعِ مَا يَسْقُطُ مِنْ أَعْضَائِهِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيَفْعَلْ وَلْيَغْسِلْ بِذَلِكَ بَاقِيَ أَعْضَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَتَيَمَّمْ. [قَوْلُهُ: فِي السَّفَرِ] وَلَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إذَا كَانَتْ تُفْعَلُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إبَاحَةُ السَّفَرِ بِخِلَافِ فِطْرِ الصَّائِمِ فِي رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، فَلَا يُبَاحُ لَهُ فِي السَّفَرِ إلَّا إذَا كَانَ مُبَاحًا وَأَرْبَعَةَ بُرُدٍ كَقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ شَكَّ أَوْ رَجَا الْمَاءَ أَوْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَأَجَابَ عج بِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَيِسَ شَرْطٌ فِي مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي وَالتَّقْدِيرُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُهُ إذَا أَيِسَ أَنْ يَجِدَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إذَا أَيِسَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ ذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ

الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ، وَالْيَأْسُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِمِثْلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إلَّا إذَا كَانَ يَرْجُو وُجُودَهُ أَوْ يَتَوَهَّمُهُ، أَمَّا إنْ قَطَعَ بِعَدَمِهِ فَلَا يَطْلُبُهُ. وَالثَّانِي مِنْهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يَجِبُ) التَّيَمُّمُ (مَعَ وُجُودِهِ) أَيْ الْمَاءِ (إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّهِ) سَوَاءٌ كَانَ (فِي سَفَرٍ أَوْ) فِي (حَضَرٍ لِ) أَجْلِ (مَرَضٍ مَانِعٍ) مِنْ اسْتِعْمَالِهِ بِأَنْ يَخَافَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ رَوْحِهِ أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ك: وَكَذَلِكَ إذَا خَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى، فَإِنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُ فِي الْحَالِ وَلَا يَخَافُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ، وَثَانِيهِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَرِيضٌ يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ) أَيْ الْمَاءِ. (وَ) لَكِنْ (لَا يَجِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاجِيَ وَالْمُتَرَدِّدَ يَتَيَمَّمُ، فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ يَجِبُ هَلْ أَرَادَ الْوُجُوبَ الْمُوَسَّعَ أَوْ الْفَوْرِيَّ قُلْت الْوُجُوبَ الْمُوَسَّعَ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ بِالْوَقْتِ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ] وَهُوَ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ أَيْ فِي الْأَغْلَبِ كَمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا لَوْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الضَّرُورِيِّ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَيِسَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: وَالْيَأْسُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ أَنْ يَطْلُبَهُ] أَيْ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْ إذَا حَلَّ بِمَوْضِعٍ غَيْرِ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ بِهِ لَكِنْ حَدَثَ مَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَاءِ وَالطَّلَبَ، إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ تُسَاوِي الثَّمَنَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَشُقُّ بِمِثْلِهِ] أَيْ فَلَيْسَ الرَّجُلُ وَالضَّعِيفُ كَالْمَرْأَةِ وَالْقَوِيِّ، أَيْ وَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلَيْنِ رَاكِبًا، أَوْ رَاجِلًا فَإِنْ شَقَّ بِالْفِعْلِ وَهُوَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبُهُ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا كَمَا إذَا كَانَ عَلَى مِيلَيْنِ شَقَّ أَمْ لَا رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ بِالْفِعْلِ فَالصُّوَرُ ثَمَانٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ يَرْجُو إلَخْ] لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى صُورَةِ التَّوَهُّمِ لَفُهِمَ مَا عَدَاهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضٌ أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ الطَّلَبِ فَلَيْسَ طَلَبُ الظَّانِّ كَطَلَبِ الشَّاكِّ وَلَا الشَّاكِّ كَالْمُتَوَهِّمِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ مُتَوَهِّمَ الْوُجُودِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ. قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ الصَّوَابُ فَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُ شَارِحِنَا أَوْ يَتَوَهَّمُهُ ضَعِيفًا. [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ قَطَعَ بِعَدَمِهِ] أَيْ اعْتَقَدَ عَدَمَهُ، أَيْ جَزَمَ بِعَدَمِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّحَقُّقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ مَرَضٍ مَانِعٍ] أَيْ حَاصِلٍ أَوْ مُتَرَقَّبٍ أَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ فَيَتَنَاوَلُ مَا يَأْتِي مِنْ الْأَقْسَامِ وَلَوْ كَانَ تَسَبَّبَ فِي الْمَرَضِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَخَافَ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوَاتَ رُوحِهِ] أَيْ يَخَافُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَوْتَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّكِّ وَالْوَهْمِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ إلَخْ] إنْ كَانَ قَصْدُهُ مَنْفَعَةً تُوجَدُ مِنْهُ فَهُوَ لَا يَخْرُجُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ إلَخْ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفْرِدَ هَذَا بِالذِّكْرِ وَيُمَثِّلُ لَهُ بِمَا إذَا خَافَ عَطَشَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ فِي رُفْقَتِهِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ قِرْدًا أَوْ دُبًّا وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ تَحَقُّقُ عَطَشِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَوْ ظَنَّ كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ، فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الْمَاءَ لِذَلِكَ وَيَتَيَمَّمُ، وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا وَأَوْلَى التَّوَهُّمُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالْعَطَشِ بِالْفِعْلِ وَخَافَ الضَّرَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ مُطْلَقًا تَحَقَّقَ الضَّرَرُ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ تَوَهَّمَهُ لِأَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْعَطَشِ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ، وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ الْكَلْبُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ وَمِثْلُهُ الْخِنْزِيرُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِمَا وَإِلَّا تَرَكَ الْمَاءَ لَهُمَا وَلَا يُعَذَّبَانِ بِالْعَطَشِ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ] اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ إلَخْ أَيْ أَنَّ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَتَأَخُّرِ الْبُرْءِ وَحُدُوثِ الْمَرَضِ خِلَافًا فَالْمَعْرُوفُ مَا قَالَهُ وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَمُقَابِلُهُ لِمَالِكٍ لَا يَتَيَمَّمُ بَلْ يُسْتَعْمَلُ الْمَاءُ، وَأَمَّا إذَا خَافَ الْمَوْتَ فَيُتَّفَقُ عَلَى التَّيَمُّمِ هَذَا حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا خَافَ الصَّحِيحُ نَزْلَةً أَوْ حُمَّى] مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ أَوْ حُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ، بِأَنْ يَقْصُرُ قَوْلَهُ أَوْ حُدُوثِ مَرَضٍ عَلَى غَيْرِ النَّزْلَةِ وَالْحُمَّى وَالنَّزْلَةِ وَالزُّكَامِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالْحُمَّى وَلَوْ خَفِيفَةً كَمَا فِي شَرْحِ عج. [قَوْلُهُ: أَوْ مَرِيضٌ إلَخْ] مَعْطُوفٌ

مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ) فَهُوَ كَالْعَدَمِ وَثَالِثُهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ) مِثْلُ مَنْ تَقَدَّمَ فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ عَلَيْهِ (مُسَافِرٌ يَقْرَبُ مِنْهُ الْمَاءُ وَ) لَكِنْ (يَمْنَعُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ (خَوْفُ لُصُوصٍ) جَمْعُ لِصٍّ وَهُوَ السَّارِقُ (أَوْ) خَوْفُ (سِبَاعٍ) عَلَى نَفْسِهِ اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ. ق: هَذَا إذَا أَيْقَنَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ فِيهِ مُخْتَلِفٌ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُتَيَمِّمِ لِأَنَّهُ عَلَى مَا تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ إمَّا مُتَيَقِّنٌ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ أَوْ يَائِسٌ مِنْهُ فِيهِ أَوْ مُتَرَدِّدٌ فِي وُجُودِهِ فِيهِ أَوْ مُتَرَدِّدٌ فِي لُحُوقِهِ فِيهِ أَوْ رَاجٍ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا أَيْقَنَ الْمُسَافِرُ) سَوَاءٌ كَانَ سَفَرُهُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا (بِوُجُودِ الْمَاءِ) الطَّهُورِ الْكَافِي لِوُضُوئِهِ أَوْ غُسْلِهِ (فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ أَخَّرَ التَّيَمُّمَ إلَى آخِرِهِ) اسْتِحْبَابًا، وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُسَافِرِ وَلَا بِالْمُتَيَقِّنِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إذَا أَيْقَنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُهُ فِي الْوَقْتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مُقَدَّرٍ وَتَقْدِيرُهُ وَكَذَلِكَ قَدْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى صَحِيحٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّهِ لِتَوَقُّعِ مَرَضٍ بِاسْتِعْمَالِهِ أَوْ مَرِيضٌ فَالْأَحْسَنُ لِلشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ [قَوْلُهُ: لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ] وَلَوْ بِأُجْرَةٍ تُسَاوِي الثَّمَنَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِهِ أَوْ لَا يَجِدُ آلَةً أَوْ وَجَدَ آلَةً مُحَرَّمَةَ الِاسْتِعْمَالِ كَذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أُجْرَةِ الْمُنَاوِلِ. [قَوْلُهُ: خَوْفُ لُصُوصٍ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِمْ عَلَى مَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَالَ كَثِيرٌ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ تَحَقُّقُ وُجُودِهِمْ أَوْ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا [قَوْلُهُ: جَمْعُ لِصٍّ] بِكَسْرِ اللَّامِ وَالضَّمِّ لُغَةً حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ قَالَ ح، وَيُقَالُ فِيهِ لَصْتٌ بِالتَّاءِ فِي الْجَمْعِ لُصُوصٌ وَلُصُوتٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَخَوْفُ سِبَاعٍ] أَيْ حَيْثُ تَيَقَّنَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ هَذَا إذَا أَيْقَنَ رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي خَوْفَ اللُّصُوصِ أَوْ خَوْفَ السِّبَاعِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَلَى مَالِهِ لَمْ يَتَيَمَّمْ [قَوْلُهُ: مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ التَّيَمُّمِ] أَيْ وَصِحَّتِهِ [قَوْلُهُ: إمَّا مُتَيَقِّنٌ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ] أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَإِمَّا الْآنَ فَهُوَ عَادِمُ الْمَاءِ، وَفِي عِبَارَتِهِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ أَوْ لِلُحُوقِهِ، أَيْ فَالتَّيَقُّنُ إمَّا مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُودِ أَوْ بِاللُّحُوقِ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَائِسٌ مِنْهُ] أَيْ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْوُجُودِ، أَيْ عَدَمُ اللُّحُوقِ أَوْ أَرَادَ بِالْيَأْسِ مَا يَشْمَلُ غَلَبَةَ الظَّنِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَاجٍ] أَيْ الْوُجُودَ وَمِثْلُهُ اللُّحُوقُ فَالْأَقْسَامُ عَشَرَةٌ فَتَدَبَّرْهَا، [قَوْلُهُ: بِوُجُودِ الْمَاءِ] أَيْ أَوْ لُحُوقِهِ. [قَوْلُهُ: أَخَّرَ التَّيَمُّمَ إلَخْ] بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ فِعْلِهِ وَمَا يَسَعُ الصَّلَاةَ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابًا] أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَخَالَفَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ التَّأْخِيرُ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ حِينَ حَانَتْ الصَّلَاةُ وَوَجَبَ الْقِيَامُ لَهَا غَيْرَ وَاجِدٍ لِلْمَاءِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] . [قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ عَامٌّ] أَيْ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَهُوَ نَاظِرٌ لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُسَافِرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ] لَا مُنَاسَبَةَ لَهُ هُنَا فَهُوَ فَرْعٌ آخَرُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَمِمَّنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْفَاقِدِ لِلْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي أَوَّلِهِ وَيَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي آخِرِهِ. [قَوْلُهُ: إذَا أَيْقَنَ بِوُجُودِ الْمَاءِ إلَخْ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَلَا بِالْمُتَيَقِّنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا أَيْقَنَ بِلُحُوقِ الْمَاءِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لُحُوقُهُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَلْ مِثْلُهُ الظَّنُّ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ كَانَ مَا قَالَهُ شَارِحُنَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ فَإِنْ تَيَمَّمَ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَيُنْدَبُ إعَادَتُهُ فِي الْوَقْتِ، أَيْ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ يَرْجُوهُ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ عبق.

وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ يَئِسَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ مِنْ إدْرَاكِهِ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ طَلَبِهِ (تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا لِتَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْوَقْتِ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْمَاءِ قَدْ يَئِسَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِ فِي الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُتَيَمِّمِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَاءِ (عِلْمٌ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا فِي وُجُودِهِ (تَيَمَّمَ فِي وَسَطِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ وَلَيْسَ بِظَرْفٍ، وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا لَكَانَ سَاكِنَ السِّينِ اسْتِحْبَابًا. وَالرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ) يَتَيَمَّمُ فِي وَسَطِهِ اسْتِحْبَابًا (إنْ خَافَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَرَجَا أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ) هَكَذَا قَرَّرَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُتَرَدِّدُ فِي لُحُوقِهِ قَائِلًا: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَرَّرَهُ ج عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الرَّاجِي، فَقَالَ: وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُخَالَفَةٌ لِلْمَذْهَبِ وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فِي الرَّاجِي لَا يُؤَخِّرُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ كَالْمُوقِنِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ هَارُونَ: لَا أَعْلَمُ مَنْ نَقَلَ فِي الرَّاجِي أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَسَطَ الْوَقْتِ غَيْرَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ إنْ خَافَ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا إلَى مَا يَلِيهِ اهـ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَمَنْ لَا يُؤْمَرُ بِهَا بَعْدَ أَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ: (وَمَنْ تَيَمَّمَ مِنْ هَؤُلَاءِ) الْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى السَّبْعَةِ الْمَذْكُورِينَ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ، وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ وَالْمُسَافِرُ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْهُ الْمَاءُ، وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ خَوْفُ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ، وَالْمُسَافِرُ الَّذِي تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ، وَالْيَائِسُ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ وَاَلَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلْمٌ، وَالْخَائِفُ الرَّاجِي ع إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: (ثُمَّ أَصَابَ الْوَقْتَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى) لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءَ أَوْ أَصَابَ الْقُدْرَةَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَعْدَ طَلَبِهِ] أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يُوجِبُ الطَّلَبَ. [قَوْلُهُ: عَدَمُ وُجُودِهِ] أَيْ أَوْ عَدَمُ لُحُوقِهِ، [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُتَرَدِّدًا فِي وُجُودِهِ] أَرَادَ بِهِ الشَّكَّ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الثَّانِي أَنْ يَشُكَّ فِي الْأَمْرِ فَيَتَيَمَّمُ فِي وَسَطٍ اهـ، ح. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اسْمٌ وَلَيْسَ بِظَرْفٍ] أَيْ اسْمٌ لِمَا يَكْتَنِفُهُ مِنْ جِهَاتِهِ غَيْرُهُ وَيَصِحُّ دُخُولُ الْعَوَامِلِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فَاعِلًا وَمَفْعُولًا وَمُبْتَدَأً، فَيُقَالُ اتَّسَعَ وَسَطُهُ وَضَرَبْت وَسَطَ رَأْسِهِ وَجَلَسْت فِي وَسَطِ الدَّارِ وَوَسَطُهُ خَيْرٌ مِنْ طَرَفِهِ وَالسُّكُونُ فِيهِ جَائِزٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَحَيْثُ أَدْخَلَ فِي عَلَيْهِ هُنَا فَلَيْسَ ظَرْفًا لِأَنَّ الظَّرْفَ اسْمُ وَقْتٍ أَوْ اسْمُ مَكَان ضُمِّنَ مَعْنَى فِي دُونَ لَفْظِهَا فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ قَوْلِك سِرْت فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يُسَمَّى ظَرْفًا فِي الِاصْطِلَاحِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ظَرْفًا لَكَانَ سَاكِنَ السِّينِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَأَمَّا وَسْطٌ بِالسُّكُونِ فَهُوَ بِمَعْنَى بَيْنَ نَحْوَ جَلَسْت وَسْطَ الْقَوْمِ أَيْ بَيْنَهُمْ اهـ. [قَوْلُهُ: هَكَذَا قَرَّرَهُ د] وَتَقْرِيرُهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ حَمْلٌ لَهُ عَلَى خِلَافِ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَرَجَا أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ، فَلِذَا احْتَاجَ ابْنُ نَاجِي إلَى حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالِاعْتِذَارِ بِمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ بِقِسْمَيْهِ يُؤَخِّرُ كَالرَّاجِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَقَرَّرَهُ ج] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ نَاجِي يَكُونُ الْمُصَنِّفُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ خَافَ أَيْ تَوَهَّمَ. [قَوْلُهُ: إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ] وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِنْ أَيْقَنَ وَمَعْنَى الرَّدِّ إلَيْهِ الْإِلْحَاقُ بِهِ فِي الْحُكْمِ [قَوْلُهُ: انْتَهَى] أَيْ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي فَإِنِّي رَأَيْته كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَفِيهِ أَيْ وَفِي كَلَامِ ابْنِ نَاجِي بَعْدُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ تَيَمَّمَ إلَخْ] جَوَابٌ مِنْ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَالْخَائِفُ الرَّاجِي] وَهُوَ الْمُتَرَدِّدُ فِي اللُّحُوقِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَصَابَ إلَخْ] وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَذْفُ عَاطِفٍ وَمَعْطُوفٍ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الِاعْتِرَاضِ الثَّانِي الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَرِيضِ إلَخْ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَقُولَ. قَوْلُهُ ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءَ، أَيْ أَصَابَهُ مِنْ حَيْثُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ أَوْ وُجُودِهِ أَوْ

اسْتِعْمَالِهِ. وَقَوْلُهُ؛ فِي الْوَقْتِ لَا يَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى الْمُوقِنِ إلَّا يُقَالُ آخِرُ الْوَقْتِ مُتَّسَعٌ، وَالْمَأْمُورُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا الْمَرِيضُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ) أَيْ الْمَاءَ (فَلِيُعِدْ) فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا مَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ الْمَأْمُورِ بِتَأْخِيرِ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ وَسَطُ الْوَقْتِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ الَّذِينَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ تَفْرِيطٍ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ، وَثَانِيهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ) الْمُسَافِرُ (الْخَائِفُ مِنْ سِبَاعٍ وَنَحْوِهَا) كَاللُّصُوصِ مِثْلُ الْمَرِيضِ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّهُ إذَا أَصَابَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي اجْتِهَادِهِ، إذْ لَوْ أَنْهَاهُ لَوَصَلَ إلَى الْمَاءِ فَقَدْ يَخَافُ مَا لَا يَقَعُ مِنْهُ الْخَوْفُ مِثْلُ أَنْ يَتَخَيَّلَ لَهُ مِثْلُ السَّبُعِ وَلَيْسَ بِسَبُعٍ، أَوْ مِثْلُ اللُّصُوصِ وَلَيْسَ بِلُصُوصٍ. وَثَالِثُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ) مِثْلُ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ الْمَذْكُورِينَ (الْمُسَافِرُ الَّذِي يَخَافُ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَيَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ) فِي أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ، (وَلَا يُعِيدُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ) الثَّلَاثَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْيَائِسَ لَا يُعِيدُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ الَّذِي يَئِسَ مِنْهُ فَلَا يُعِيدُ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ أَعَادَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ وَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بِقُرْبِهِ أَوْ بِرَحْلِهِ أَوْ نَسِيَهُ فِيهِ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجُودِ آلَتِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ جَوَابِ الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ آخِرُ الْوَقْتِ مُتَّسِعٌ] رَدَّهُ عج بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْمُتَيَقِّنِ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى أَنْ يُوقِعَهَا فِي قَدْرِ مَا يَسَعُهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ فِي الْوَقْتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إعَادَةٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ فَعَلَ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا. [قَوْلُهُ: فَلْيُعِدْ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا] هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الدَّاخِلُونَ وَأَمَّا إنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ الدَّاخِلُونَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ إذَا أَصَابَ إلَخْ] حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ، أَيْ الْخَائِفَ مِنْ سِبَاعٍ إذَا تَيَمَّمَ وَسَطَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ بِقُيُودٍ أَرْبَعَةٍ، اثْنَانِ لَا يُؤْخَذَانِ مِنْ شَارِحِنَا الْأَوَّلُ، تَيَقُّنُ وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ لُحُوقِهِ لَوْلَا خَوْفُهُ، وَكَوْنُ خَوْفِهِ جَزْمًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ وَتَبَيَّنَ عَدَمَ مَا خَافَهُ وَوُجُودُ الْمَاءِ بِعَيْنِهِ، فَبِجَعْلِ أَلْ لِلْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ الْمَاءَ يُعْلَمُ الشَّرْطُ الْأَخِيرُ، وَبِقَوْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَتَخَيَّلَ إلَخْ، يُعْلَمُ الشَّرْطُ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ وُجُودَهُ أَوْ لُحُوقَهُ أَوْ تَبَيَّنَ مَا خَافَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ أَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يُعِدْ وَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ شَكًّا لَأَعَادَ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: الْمُسَافِرُ الَّذِي يَخَافُ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْمُتَرَدِّدُ فِي اللُّحُوقِ يُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ وَهُوَ الْوَسَطُ وَمِنْ بَابِ أَوْلَى إذَا قَدَّمَ، وَأَمَّا الْمُتَرَدِّدُ فِي الْوُجُودِ فَإِنْ قَدَّمَ عَلَى وَسَطِ الْوَقْتِ أَعَادَ وَإِنْ صَلَّى وَسَطَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مُقَدَّمٌ لَهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُتَرَدِّدَ فِي اللُّحُوقِ عِنْدَهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فَلِذَا طُلِبَ بِالْإِعَادَةِ وَلَوْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَدَمُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُعِيدُ] هَذَا عَكْسُ مَا قَالَهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالْكَبِيرِ مِنْ أَنَّهُ يُعِيدُ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ الَّذِي يَئِسَ مِنْهُ لَا غَيْرَهُ، وَمِثْلُ مَا قَالَهُ فِيهِمَا لتت وَهُوَ الصَّوَابُ فَعِبَارَتُهُ هُنَا مَعْكُوسَةٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُتَيَقِّنَ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، [قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بِقُرْبِهِ] صُورَتُهُ تَيَمَّمَ فَصَلَّى بَعْدَ أَنْ طَلَبَ الْمَاءَ طَلَبًا لَا يَشُقُّ بِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ بِقُرْبِهِ، أَيْ وَجَدَ الْمَاءَ الَّذِي طَلَبَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، فَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهُ لَمْ يُعِدْ وَالْمُرَادُ بِوُجُودِهِ بِقُرْبِهِ أَنْ يَجِدَهُ بِالْمَحِلِّ الَّذِي يَطْلُبُهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: أَوْ بِرَحْلِهِ] أَيْ أَنَّهُ طَلَبَ الْمَاءَ بِرَحْلِهِ طَلَبًا لَا يَشُقُّ وَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ بِرَحْلِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ وَجَدَهُ بِرَحْلِ غَيْرِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، فَالصُّوَرُ سِتٌّ ثَلَاثَةٌ فِي الرَّحْلِ وَثَلَاثَةٌ فِي غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ نَسِيَهُ] صُورَتُهَا كَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بِرَحْلِهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَسِيَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ فَلَوْ عَلِمَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: لَا يَرْجُو زَوَالَهُ

الثَّلَاثَةِ الْإِعَادَةُ (وَلَا يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ) فَرِيضَتَيْنِ حَضَرِيَّتَيْنِ أَوْ سَفَرِيَّتَيْنِ أَوْ مَنْسِيَّتَيْنِ اشْتَرَكَتَا فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا (بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ) السَّبْعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ (إلَّا مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِجِسْمِهِ مُقِيمٍ) صِفَةٌ لِضَرَرٍ أَيْ مَرِيضٌ لَازِمٌ لَا يَرْجُو زَوَالَهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى (وَقَدْ قِيلَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا. (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فِيمَنْ ذَكَرَ صَلَوَاتٍ) مَفْرُوضَاتٍ تَرَكَهُنَّ نِسْيَانًا أَوْ نَامَ عَنْهُنَّ أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُنَّ ثُمَّ تَابَ، وَأَرَادَ قَضَاءَهُنَّ فَلَهُ (أَنْ يُصَلِّيَهَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ) سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَالثَّانِي لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَا أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ فِي تَمْرِيضِهِ لَهُ بِقِيلِ وَبِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ خَالَفَ وَصَلَّى صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ كَانَتَا مُشْتَرَكَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ أَمْ لَا أَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا عَلَى مَا شَهَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَأُخِذَ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: أَوَّلَ الْبَابِ فِي الْوَقْتِ أَنَّ الْفَرْضَ يُتَيَمَّمُ لَهُ مُطْلَقًا حَتَّى الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا الْحَاضِرُ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ، وَأَمَّا السُّنَنُ وَالنَّوَافِلُ فَيَتَيَمَّمُ لَهَا الْمُسَافِرُ دُونَ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ نَفْلًا بَعْدَهُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ بِالْفَرْضِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ فَقَالَ: (التَّيَمُّمُ) يَكُونُ (بِالصَّعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِيَتَأَتَّى فِعْلُ الصَّلَاتَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ مِنْ جِهَةِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَقْتَ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ مَرَضٌ لَازِمٌ بَقِيَ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْأُولَى فِي وَقْتِهَا إمَّا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعًا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَقْرِيرَ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى يَقْتَضِي قَصْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ وَعَمَّمَ تت، فَقَالَ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحَضَرِيَّاتِ وَالسَّفَرِيَّاتِ صَلَاتَيْنِ فَأَكْثَرَ ثُمَّ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَيِسَ مِنْ الْمَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُهُ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ صَلَوَاتٍ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ اهـ. [قَوْلُهُ: فِيمَنْ ذُكِرَ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ ذُكِرَ مِنْ الْوَقْتِيَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، مَرِيضًا كَانَ أَوْ صَحِيحًا مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا اهـ. فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ [قَوْلُهُ: أُخِذَ عَلَى الشَّيْخِ] أَيْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ الثَّانِيَةَ أَبَدًا] وَلَوْ كَانَتَا فَائِتَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مَنْذُورَةً قَالَهُ تت، عَلَى الشَّامِلِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا شَهَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ] قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ وَيُمْكَنُ أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَشْهُورِ طَلَبَ كُلِّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ، أَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَنَزَلَ يُعِيدُ الثَّانِيَةَ أَبَدًا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ هَذَا الطَّلَبُ ابْتِدَاءٌ وَبَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ يُعِيدُ الثَّانِيَةَ فِي الْوَقْتِ مَثَلًا فَأَفَادَ أَنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا الْحَاضِرُ] أَيْ الصَّحِيحُ أَيْ بِنَاءً عَلَى بَدَلِيَّتِهَا عَنْ الظُّهْرِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَيَتَيَمَّمَانِ لَهَا [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا] أَيْ الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ. [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ] بِأَنْ لَا يُوجَدَ مُصَلٍّ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَحْصُلَ الْمَاءُ أَوْ يَمْضِيَ إلَيْهِ، وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ سُنَّةَ عَيْنٍ أَصَالَةً، وَهُوَ قَدْ قَالَ لَا سُنَّةَ وَتُدْفَنُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ. [قَوْلُهُ: فَيَتَيَمَّمُ لَهَا الْمُسَافِرُ] أَيْ وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ، [قَوْلُهُ: دُونَ الْحَاضِرِ الصَّحِيحِ] أَيْ الَّذِي فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَأَمَّا الْحَاضِرُ الصَّحِيحُ الَّذِي فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ مَرَضٍ فَحُكْمُهُ كَالْمَرِيضِ فَيَتَيَمَّمُ لِلْجُمُعَةِ وَلِلْجِنَازَةِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَلِلسُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ. [قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ] أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةَ النَّفْلِ بَعْدَ الْفَرْضِ، وَقَيَّدَ بِالْبَعْدِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِ نَفْلًا قَبْلَهُ لَصَحَّ لِقَوْلِهِ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ بِالْفَرْضِ، أَيْ وَبِبَعْضِهِ فَإِنْ فَصَلَهُ بِطُولٍ أَوْ خُرُوجٍ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعَادَ تَيَمُّمَهُ وَيَسِيرُ الْفَصْلِ مُغْتَفَرٌ وَمِنْهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَقِّبَاتُ وَيُشْتَرَطُ

الطَّاهِرِ) هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ لِلطَّيِّبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] (وَهُوَ) أَيْ الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ: (مَا ظَهَرَ) أَيْ صَعِدَ (عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ حِجَارَةٍ أَوْ سَبِخَةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَاحِدَةُ السِّبَاخِ وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ مِلْحٍ وَرَشْحٍ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا الْخَشَبُ غَيْرُ الْمَصْنُوعِ وَالْحَشِيشُ وَالزَّرْعُ لِأَنَّهُ مِنْهَا صَعِدَ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا هُوَ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَيْسَ مِنْهَا كَالرَّمَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى التُّرَابِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَمْ يُنْقَلْ مِنْهَا أَوْ نُقِلَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ التُّرَابِ الْمِلْحُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ إلَّا فِي مَوْضِعِهِ، وَالْخَشَبُ إذَا دَخَلَتْهُ صَنْعَةً لَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ حِجَارَةٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى الْجَبَلِ وَالصَّفَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا تُرَابٌ وَهُوَ كَذَلِكَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: (يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ) لَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ الضَّرْبِ بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى مَا يَتَيَمَّمُ بِهِ تُرَابًا أَوْ غَيْرَهُ، وَهَذَا الضَّرْبُ فَرْضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا أَنْ لَا يُكْثِرَ النَّفَلَ جِدًّا وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ إلَخْ] إنَّمَا قُدِّرَ الْمُضَارِعُ إشَارَةً إلَى تُجَدِّدْ هَذَا التَّيَمُّمِ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يُفِيدُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَرَادُفَ التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ [قَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَالِكًا قَالَ إنَّ الصَّعِيدَ مَا ظَهَرَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُوَافِقًا لِمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ الصَّعِيدَ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَذَهَبَ غَيْرُهُ وَهُوَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ الصَّعِيدَ فِي الْآيَةِ التُّرَابُ الطَّاهِرُ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ تُرَابٍ] مَعْرُوفٌ، [قَوْلُهُ: أَوْ رَمْلٍ] هِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ. [قَوْلُهُ: أَوْ حِجَارَةٍ] أَيْ كِبَارٍ أَيْ أَكْبَرَ مِنْ الرَّمَلِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا تُرَابٌ، وَلَوْ نُحِتَتْ بِالْقُدُومِ كَالْبَلَاطِ وَلَوْ نُقِلَتْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ بِشَرْطِ عَدَمِ الطَّبْخِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَى الْجِيرِ وَلَا عَلَى الْآجُرِّ. وَهُوَ الطُّوبُ الْأَحْمَرُ، وَأَمَّا الرُّخَامُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ إنْ نُحِتَ بِقَدُومٍ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُنْحَتْ كَالرَّحَى سُفْلَى وَعُلْيَا كُسِرَتْ أَوْ لَا، وَإِنْ طُبِخَ بِالنَّارِ فَلَا. [قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا إلَخْ] قَدْ يُقَالُ لَا يَدْخُلُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ أَجْزَائِهَا، [قَوْلُهُ: الْخَشَبُ إلَخْ] أَيْ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ، إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ قَلْعُهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا تَفْهَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَيْهَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِتِلْكَ الْقُيُودِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ] الْمُرَادُ بِالنَّقْلِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلًا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَشْهُورِ] غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ التُّرَابَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْلِ، أَمَّا مَعَهُ فَغَيْرُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِابْنِ بُكَيْرٍ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] أَيْ وَالشَّبِّ وَالْكِبْرِيتِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَسَائِرِ الْمَعَادِنِ فَهُوَ كَالْمِلْحِ فَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهَا إلَّا فِي مَوْضِعِهَا أَوْ نُقِلَتْ مِنْ مَوْضِعٍ لِآخَرَ وَلَمْ تَصِرْ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَالْعَقَاقِيرِ وَلَوْ جُعِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلٌ، وَأَمَّا لَوْ صَارَتْ فِي أَيْدِي النَّاسِ كَالْعَقَاقِيرِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَعَادِنُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَوْهَرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَقَعُ بِهِ تَوَاضُعٌ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَلَوْ فِي مَحِلِّهَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهَا وَتَسْقُطُ الصَّلَاةُ وَقَضَاؤُهَا. [قَوْلُهُ: إذَا دَخَلْته صَنْعَةٌ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجَبَلِ إلَخْ] الْجَبَلُ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ جِبَالٌ وَأَجْبُلٌ عَلَى قِلَّةٍ قَالَ بَعْضٌ وَلَا يَكُونُ جَبَلًا إلَّا إذَا كَانَ مُسْتَطِيلًا، [قَوْلُهُ: وَالصَّفَا إلَخْ] الصَّفَا مَقْصُورُ الْحِجَارَةِ وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ الْمَلْسُ الْوَاحِدَةُ صَفَاةٌ مِثْلُ حَصَى وَحَصَاةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ تَقْدِيرُهُ كَيْفَ يَفْعَلُ فَقَالَ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ يَتَيَمَّمُ بِغَيْرِهَا مِنْ أَعْضَائِهِ، فَإِنْ عَجَزَ اسْتَنَابَ فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْهُ الِاسْتِنَابَةُ مَرَّغَ وَجْهَهُ [قَوْلُهُ: وَهَذَا الضَّرْبُ فَرْضٌ] فَلَوْ لَاقَى بِيَدَيْهِ الْغُبَارَ

وَلَا يُشْتَرَطُ عُلُوقُ شَيْءٍ بِكَفَّيْهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى الصَّخْرِ وَالْحَجَرِ الَّذِي لَا يَعْلَقُ مِنْهُ شَيْءٌ. (فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِمَا شَيْءٌ نَفَّضَهُمَا نَفْضًا خَفِيفًا) عَدَّ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّفْضَ مِنْ فَضَائِلِ التَّيَمُّمِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ وَجْهَهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَقْصِدَ الصَّعِيدَ وَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَصَلَّى بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَبَدًا، وَلَوْ نَوَى الْمُتَيَمِّمُ رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ (ثُمَّ) بَعْدَ نَفْضِ يَدَيْهِ (يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ كُلَّهُ) مَسْحًا وَيُرَاعِي الْوَتَرَةَ وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا وَلَوْ قَلَّ، وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ غَيْرِ وَضْعٍ لَا يَكْفِي لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَضْعَ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّخْرِ] بِسُكُونِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا جَمْعٌ لِصَخْرَةٍ وَهِيَ الْحَجَرُ الْعَظِيمُ الصُّلْبُ أَفَادَهُ الْقَامُوسُ فَعَطَفَ الْحَجَرَ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ مِمَّا ذُكِرَ [قَوْلُهُ: عَدَّ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّفْضَ] وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَنُّ عَدَمُ مَسْحِهَا بِشَيْءٍ قَبْلَ مُلَاقَاةِ الْعُضْوِ، فَلَوْ مَسَحَهُمَا عَلَى شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَسْحُ قَوِيًّا وَفَاتَتْهُ السُّنَّةُ كَذَا ظَهَرَ لِي وَوَجَدْت الشَّيْخَ فِي شَرْحِهِ ذَكَرَهُ [قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ الصَّعِيدَ إلَخْ] أَيْ لَا غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ وَلَا فَائِدَةَ لِذَلِكَ بَلْ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ صَعِيدًا كَافٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ] أَيْ أَوْ يَنْوِيَ فَرْضَ التَّيَمُّمِ وَهَلْ تَكُونُ النِّيَّةُ عِنْدَ أَوَّلِ وَاجِبٍ وَهُوَ الضَّرْبَةُ الْأُولَى وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ عج، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ قَائِلًا فَلَوْ أَخَّرَهَا لِوَجْهِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ أَوْ عِنْدَ مَسْحِ الْوَجْهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِعْلُ بَعْضِ الْفَرَائِضِ بِغَيْرِ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ لِمَ لَمْ تَجِبْ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَ نَقْلِ الْمَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا فِي عج نَقْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِخِلَافِ الضَّرْبَةِ الْأُولَى، هَذَا وَظَاهِرُ الشَّرْحِ أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ الضَّرْبَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا بُدَّ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي التَّيَمُّمِ إلَخْ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ صِحَّةٌ. [قَوْلُهُ: نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ] أَيْ نَدْبًا فَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ أَوْ نَسِيَهُ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلصَّلَاةِ إذْ لَوْ أَرَادَ مَسَّ الْمُصْحَفِ أَوْ الطَّوَافَ فَإِنَّهُ يَنْوِي وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْيِينَ الْفِعْلِ الْمُسْتَبَاحِ بَلْ يُسْتَحَبُّ، فَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةِ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ بِكَوْنِهِ ظُهْرًا مَثَلًا صَلَّى بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ، وَلَا يُصَلِّي بِهِ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَذَكُّرِهَا فَتَيَمُّمُهُ قَبْلَ تَذَكُّرِهَا تَيَمُّمٌ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَا يَصِحُّ، وَمَنْ نَوَى بِهِ اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ لَمْ يُصَلِّ بِهِ غَيْرَهَا مِنْ الْفَرَائِضِ، وَمَنْ نَوَى صَلَاةَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ صَلَّاهُمَا بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُعَيِّنْ فِعْلًا بَلْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ صَحَّ وَفَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ، [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ] أَيْ تَرَكَ نِيَّةَ الْأَكْبَرِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَإِنْ نَوَى الْأَكْبَرَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ أَجْزَأَهُ عَنْ الْأَصْغَرِ، لَا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِنِيَّتِهِ الْأَكْبَرَ نَفْسَ الْأَصْغَرِ فَلَا يُجْزِئُهُ وَمِثْلُ نِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ وَأَمَّا إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَيُجْزِئُهُ وَيَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنِيَّةٍ أَكْبَرَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ] وَظَاهِرُ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ عَلَى الْمُقَابِلِ وَلَوْ نَوَاهُ رَفْعًا مُقَيَّدًا كَذَا قَالَ بَعْضٌ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ النَّدْبُ يَحْصُلُ بِالتَّسْمِيَةِ حَالَةَ الضَّرْبِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ: إنَّهَا أَوْلَى. [قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ] ظَاهِرُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ قَالَ عبق وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ وَعَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِهِمَا] لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالَ فِي الطِّرَازِ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَسْحَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ بِأُصْبُعٍ أَوْ أَوْعَبَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ. [قَوْلُهُ: الْوَتَرَةَ] أَيْ وَغَيْرَهَا أَيْ غَيْرَ التَّجْعِيدَاتِ، [قَوْلُهُ: وَلَا يَتْرُكُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ الْوَجْهِ [قَوْلُهُ: ذَلِكَ] أَيْ مَسْحُ الْوَجْهِ كُلِّهِ، [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ]

الْيَسِيرُ عَفْوٌ وَيَبْدَأُ مِنْ أَعْلَاهُ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَإِنْ لَمْ يَبْدَأْ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَيُجْرِي يَدَيْهِ عَلَى مَا طَالَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَرَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُّهُ أَنَّهُ يَمُرُّ عَلَى غُضُونِ الْوَجْهِ بِقَوْلِهِ: (مَسْحًا) لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِ وَجْهِهِ (يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ) ضَرْبَةً ثَانِيَةً لِمَسْحِ يَدَيْهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِي مَسْحِهِمَا فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ مَسْحِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ (يَمْسَحُ) أَوَّلًا (يُمْنَاهُ بِيُسْرَاهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى) مَا عَدَا الْإِبْهَامَ (عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى) مَا عَدَا إبْهَامَهَا (ثُمَّ يُمِرُّ أَصَابِعَهُ عَلَى ظَاهِرِ يَدَيْهِ) يَعْنِي كَفَّهُ (وَ) عَلَى ظَاهِرِ (ذِرَاعِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْكُوعِ. (وَ) يَكُونُ فِي مُرُورِهِ عَلَى ظَاهِرِ ذِرَاعِهِ (قَدْ حَنَى) أَيْ يَحْنِي بِمَعْنَى يَطْوِي (عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِرْفَقَيْنِ) قِيلَ: صَوَابُهُ الْمِرْفَقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَدِ الْوَاحِدَةِ إلَّا مِرْفَقٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا يَتَّكِئُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا الْمِرْفَقُ مِنْ الِارْتِفَاقِ فَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ وَالْعَكْسُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُمْسَحُ لِأَنَّ حَتَّى لِلْغَايَةِ قِيلَ: أَرَادَ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ إذْ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْهُ وَالْمَسْحُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ سُنَّةٌ وَإِلَى الْكُوعَيْنِ فَرِيضَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّ مَشْهُورَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مِنْ تَرْكِ الْمَسْحِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْيَسِيرُ عَفْوٌ] ظَاهِرُهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: وَيَبْدَأُ مِنْ أَعْلَاهُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَيَجْرِي] أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: وَرَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ إلَخْ] أَيْ فَلَا يَتَتَبَّعُ أَسَارِيرَ الْجَبْهَةِ وَكَذَا سَائِرُ غُضُونِ الْوَجْهِ. [قَوْلُهُ: بِقَوْلِهِ مَسْحًا] فَإِنْ قُلْت هَذَا الْقَدْرُ قَدْ أَفَادَهُ قَوْلُهُ يَمْسَحُ بِهِمَا قُلْت لَكِنَّهُ يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ كُلَّهُ فَأَفَادَ بِإِعَادَةِ مَسْحًا أَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ الْوَجْهِ مِنْ حَيْثُ تَعْمِيمُهَا بِالْمَسْحِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَسْحٌ وَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ إلَخْ] هَذَا التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ] أَيْ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى جِهَةٍ إلَخْ، أَيْ عَلَى جِهَةٍ هِيَ السُّنِّيَّةُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لَا يُقَالُ كَيْفَ يَمْسَحُ الْوَاجِبُ بِمَا هُوَ سُنَّةٌ لِأَنَّا نَقُولُ أَثَرُ الْوَاجِبِ بَاقٍ مِنْ الضَّرْبَةِ الْأُولَى مُضَافًا إلَيْهِ الضَّرْبَةُ الثَّانِيَةُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا وَفَعَلَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ مَعًا بِالْأُولَى أَجْزَأَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ مُرَاعَاةِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْوُضُوءِ أَفَادَ ذَلِكَ بَهْرَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: يَعْنِي كَفَّهُ] لَمَّا كَانَ فِي تَفْسِيرِ الْيَدِ بِالْكَفِّ خَفَاءٌ أَتَى بِيَعْنِي [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ وَالْكُوعِ] أَيْ الذِّرَاعِ [قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ ذِرَاعِهِ] خَصَّهُ بِالذِّكْرِ دُونَ ظَاهِرِ الْيَدِ الْمُفَسَّرِ بِالْكَفِّ لِقَوْلِ الْأَقْفَهْسِيِّ إذْ لَا تُمْكِنُهُ تَحْنِيَةُ الْأَصَابِعِ إلَّا عَلَيْهِ لَا، عَلَى الْكَفِّ [قَوْلُهُ: أَيْ يَحْنِي إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مُتَجَدِّدٌ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يُفِيدُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ صَوَابُهُ الْمِرْفَقُ إلَخْ] إنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ بَيَانَ غَايَةِ الْمَسْحِ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدَيْنِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ إلَخْ] كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ هَذَا خِلَافُ الرَّاجِحِ وَالرَّاجِحُ أَنَّ فِيهِ لُغَتَيْنِ كَسْرُ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْفَاءِ وَعَكْسُهُ حَكَاهُمَا الْفَاكِهَانِيُّ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمِرْفَقُ مَا ارْتَفَقْت بِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مِثْلَ مَسْجِدٍ وَبِالْعَكْسِ لُغَتَانِ وَمِنْهُ مِرْفَقُ الْإِنْسَانِ وَأَمَّا مِرْفَقُ الدَّارِ كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ وَنَحْوِهِ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ عَلَى التَّشْبِيهِ بِاسْمِ الْآلَةِ وَجَمْعُ الْمِرْفَقِ مَرَافِقُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمِرْفَقُ إلَخْ] أَيْ فَيَكُونُ الْمِرْفَقُ اسْمًا لِكُلِّ شَيْءٍ يَرْتَفِقُ بِهِ وَبِكَلَامِ الْمِصْبَاحِ تَعْلَمُ أَنَّ مِرْفَقَ الْإِنْسَانِ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَتَّى لِلْغَايَةِ] أَيْ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ فَإِنْ قُلْت بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَمْسَحُ الْمِرْفَقَيْنِ لِأَنَّ الْغَايَةَ بِحَتَّى دَاخِلَةٌ قَطْعًا قُلْت هَذَا مُسَلَّمٌ لَوْ جَعَلْنَا مَدْخُولَهَا الْمِرْفَقَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِسَاطِيُّ إلَخْ] هَذَا التَّعَقُّبُ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَجَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَوَصَفَهُ بِالْعَلَّامَةِ لِكَوْنِهِ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ الْبِسَاطِيُّ، كَانَ إمَامًا عَارِفًا بِفُنُونِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مُتَوَاضِعًا سَرِيعُ الدَّمْعَةِ رَقِيقُ الْقَلْبِ طَارِحًا لِلتَّكَلُّفِ رُبَّمَا صَادَ

الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَسْحَ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْكُوعَيْنِ وَصَلَّى فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ. وَزَادَ وَيُخَلِّلُ الْأَصَابِعَ وَيَنْزِعُ الْخَاتَمَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ. الشَّيْخِ: وَلَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِ. ج: عَادَةُ الشَّيْخِ إذَا قَالَ مِثْلَ هَذَا أَرَادَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نَزْعِ الْخَاتَمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هُوَ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً فَإِنْ لَمْ يَنْزِعْهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ شَيْخُنَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، وَالْفَرْقُ قُوَّةُ سَرَيَانِ الْمَاءِ وَلَا كَذَلِكَ التُّرَابُ (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ مَسْحِ ظَاهِرِ يَدِهِ الْيُمْنَى (يَجْعَلُ يَدَهُ الْيُسْرَى) وَفِي رِوَايَةٍ كَفَّهُ وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْكَفَّ مَا عَدَا الْأَصَابِعَ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ قَدْ مَسَحَ بِهَا أَوَّلًا ظَاهِرَ الْيَدِ مَا عَدَا الْإِبْهَامَ وَالْجَعْلُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ (عَلَى بَاطِنِ ذِرَاعِهِ) الْأَيْمَنِ وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ (مِنْ طَيِّ مِرْفَقِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (قَابِضًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَاطِنِ ذِرَاعِهِ وَيَكُونُ فِي قَبْضِهِ رَافِعًا إبْهَامَهُ وَنِهَايَةُ ذَلِكَ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكُوعَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى) وَهُوَ رَأْسُ الزَّنْدِ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِ بَاطِنِ ذِرَاعِهِ (يُجْرِي بَاطِنَ بُهْمِهِ) أَيْ إبْهَامِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى (عَلَى ظَاهِرِ بُهْمِ يَدِهِ الْيُمْنَى) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْهُ أَوَّلًا. ج: مَا ذَكَرَهُ مِنْ إمْرَارِ الْبُهْمِ مِثْلُهُ لِابْنِ الطَّلَّاعِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ مَسْحُ ظَاهِرِ إبْهَامِ الْيُمْنَى مَعَ ظَاهِرِ أَصَابِعِهَا. ك: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ نَقَلَ فِي الْإِبْهَامِ الَّتِي هِيَ الْأُصْبُعُ الْعُظْمَى بُهْمًا، وَإِنَّمَا الْبُهْمُ جَمْعُ بَهْمَةٍ وَهِيَ أَوْلَادُ الضَّأْنِ (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ مَسْحِ الْيَدِ الْيُمْنَى بِالْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَمْسَحُ) الْيَدَ (الْيُسْرَى بِ) الْيَدِ (الْيُمْنَى هَكَذَا) أَيْ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي مَسْحِ الْيَدِ الْيُمْنَى، فَيَجْعَلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يُمِرُّ أَصَابِعَهُ عَلَى ظَاهِرِ يَدِهِ وَذِرَاعِهِ وَقَدْ حَنَى عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِرْفَقَ، ثُمَّ يَجْعَلُ كَفَّهُ عَلَى بَاطِنِ ذِرَاعِهِ مِنْ طَيِّ مِرْفَقِهِ قَابِضًا عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكُوعَ، وَيُجْرِي بَاطِنَ بُهْمِ الْيُمْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمَكَ وَنَامَ عَلَى قِشْرِ الْقَصَبِ، تَتَزَاحَمُ أَئِمَّةُ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ وَالطَّوَائِفِ فِي الْأَخْذِ عَنْهُ أَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ بَهْرَامُ، مِنْ تَصَانِيفِهِ الْمُغْنِي فِي الْفِقْهِ، لَمْ يَكْمُلْ وَشَرْحٌ عَلَى خَلِيلٍ لَمْ يَكْمُلْ وَكَمَّلَهُ الشَّيْخِ أَبُو الْقَاسِمِ النُّوَيْرِيُّ مِنْ السَّلَمِ إلَى الْحَوَالَةِ وَعَمِلَ حَاشِيَةً عَلَى الْمُطَوِّلِ لِلسَّعْدِ التَّفْتَازَانِيِّ وَشَرْحِ الْمَطَالِعِ لِلْقُطْبِ وَالْمَوَاقِفِ لِلْعَضُدِ وَنُكَتٌ عَلَى طَوَالِعِ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ نِسْبَةً إلَى بِسَاطٍ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ سِينٌ آخِرُهُ طَاءٌ بَلْدَةٌ بِالْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنْ مِصْرَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّيْلِ. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ] وَمُقَابِلُهُ يُعِيدُ أَبَدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ] أَيْ لِغَيْرِ ابْنِ شَعْبَانَ [قَوْلُهُ: عَادَةُ الشَّيْخِ] وَالشَّيْخُ هُوَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضٌ، حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ الَّذِي هُوَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ قَائِلٌ بِعَدَمِ التَّخْلِيلِ أَقُولُ بِحَمْدِ اللَّهِ: اعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُ ابْنِ شَعْبَانَ، كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَاشِيَتِهِ وَكَمَا أَفَادَهُ ح فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ يَقُولُ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ قَبُولُ قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَأَنَّهُ الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَكْفِي تَخْلِيلُ وَاحِدٍ بَعْدَ تَمَامِ التَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَخْلِيلَ كُلِّ يَدٍ عِنْدَ مَسْحِهَا، وَيَكُونُ التَّخْلِيلُ بِبَاطِنِ الْأَصَابِعِ لَا بِأَجْنَابِهَا لِعَدَمِ مَسْحِهَا بِالتُّرَابِ. [قَوْلُهُ: هُوَ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً] أَيْ النَّزْعُ مَطْلُوبٌ ابْتِدَاءً اعْلَمْ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ نَزْعِهِ مَا إذَا رَفَعَهُ عَنْ مَحِلِّهِ وَمَسَحَ ذَلِكَ الْمَحِلَّ أَوْ أَنَّ هَذَا نَزْعٌ. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ قُوَّةُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَاتَمِ الْمَأْذُونِ فِيهِ سَرَيَانٌ [قَوْلُهُ: مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى] زِيَادَةُ إيضَاحٍ وَلَوْلَا إرَادَتُهُ لَقَالَ مِنْهَا وَيُعْلَمُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْيُمْنَى لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ رَأْسُ الزَّنْدِ] عَلَى وَزْنِ فَلْسٍ وَالْجَمْعُ زُنُودٌ كَفُلُوسٍ وَهُوَ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنْ الذِّرَاعِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ أَفَادَهُ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: لِابْنِ الطَّلَّاعِ] هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ شَيْخُ الْفُقَهَاءِ فِي عَصْرِهِ سَمِعَ مِنْهُ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ الْفَقِيهِ أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامٌ، تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ إلَخْ] هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْبَهْمُ] أَيْ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَذَا الْمُفْرَدُ، وَأَمَّا الْبُهْمُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ جَمْعُ بَهْمَةٍ فَهِيَ الشُّجْعَانُ، وَأُجِيبُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ

عَلَى ظَاهِرِ الْيُسْرَى (فَإِذَا بَلَغَ الْكُوعَ) مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى (مَسَحَ) كَفَّهُ (الْيُمْنَى بِكَفِّهِ الْيُسْرَى إلَى آخِرِ أَطْرَافِهِ) أَيْ أَطْرَافِ الْكَفِّ أَرَادَ بِهِ بَاطِنَ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ. ع: وَانْظُرْ كَيْفَ سَكَتَ عَنْ كَفِّ الْيُسْرَى إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَاسِحَةٌ وَمَمْسُوحَةٌ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ، وَالْمَشْهُورُ مُرَاعَاتُهَا وَعَدَّهَا بَعْضُهُمْ فِي فَضَائِلِ التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى الْيُسْرَى قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْيُمْنَى رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْسَحُ الْيُمْنَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْيُسْرَى وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَصَوَّبَ إذْ الِانْتِقَالُ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ كَمَالِ الْأُولَى مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ التَّرْتِيبِ الَّذِي بَيْنَ الْمَيَامِنِ وَالْمَيَاسِرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: الْأَحْسَنُ رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ لِئَلَّا يَمْسَحَ مَا يَكُونُ عَلَى الْكَفِّ مِنْ التُّرَابِ. (وَلَوْ) خَالَفَ الْمُتَيَمِّمُ هَذِهِ الصِّفَةَ الْمُسْتَحَبَّةَ وَ (مَسَحَ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى كَيْفَ شَاءَ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَوْعَبَ الْمَسْحَ لَأَجْزَأَهُ) ذَلِكَ وَخَالَفَ الْأَفْضَلَ فَقَطْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأَوْعَبَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْكُوعَيْنِ وَصَلَّى أَعَادَ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الْمَاءَ لِلطُّهْرِ تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا) مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: التَّيَمُّمُ يَجِبُ لِعَدَمِ الْمَاءِ إلَخْ. (فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ تَطَهَّرَا وَلَمْ يُعِيدَا مَا صَلَّيَا) لِأَنَّ صَلَاتَهُمَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَجَدَاهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ: قَبْلُ، ثُمَّ أَصَابَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْسَادِهِمَا نَجَاسَةٌ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَيَّدْت بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِمَا نَجَاسَةٌ، وَيُؤْخَذُ هَذَا التَّقْيِيدُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى بِثَوْبٍ نَجَسٍ أَوْ عَلَى مَكَانٍ نَجَسٍ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ. (وَلَا يَطَأُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ) الْمُسْلِمَةَ أَوْ الْكِتَابِيَّةَ أَوْ أَمَتَهُ (الَّتِي انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ حَيْضٍ أَوْ) دَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَكْثَرُ اطِّلَاعًا مِنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَالِاعْتِرَاضُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِسَائِرِ اللُّغَةِ وَهَذَا مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ. [قَوْلُهُ: الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ] أَيْ وَذَكَرَهَا خَلِيلٌ وَهِيَ الْبُدَاءَةُ بِظَاهِرِ الْيُمْنَى بِالْيُسْرَى إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَالْمَشْهُورُ مُرَاعَاتُهَا فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَتَقَدَّمَ مُقَابِلُهُ وَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ إلَخْ] الرَّاجِحُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَمْسَحُ الْيُمْنَى كُلَّهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْيُسْرَى. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَمْسَحَ مَا يَكُونُ عَلَى الْكَفِّ إلَخْ] يَقُولُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ بَقَاءَ التُّرَابِ غَيْرُ مُرَادٍ فَالْمُرَاعَى حُكْمُهُ [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ الْيُسْرَى إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ مَسْحَ الْيُسْرَى بِالْيُمْنَى ثَابِتٌ عَلَى كِلَا النُّسْخَتَيْنِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الثَّابِتِ هَلْ الْوَاوُ أَوْ أَوْ فَعَلَى نُسْخَةِ الْوَاوِ تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ لِلْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُتَحَقِّقَةً فِي الْيَدَيْنِ، وَعَلَى نُسْخَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ لِلْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: تَيَمَّمَا وَصَلِّيَا] وَلَوْ وَجَدَا مَا يَكْفِي مَوَاضِعَ الْأَصْغَرِ وَيَتَيَمَّمَانِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَيَجْرِي فِي ذَلِكَ فَالْآيِسُ أَوَّلُ الْمُخْتَارِ. [قَوْلُهُ: مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ إلَخْ] وَقِيلَ كَرَّرَهُ إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ لَا يَتَيَمَّمَانِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ مَا فِيهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَقَيَّدْت بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِمَا نَجَاسَةٌ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي بَدَنِهِمَا نَجَاسَةٌ وَصَلَّيَا بِهَا نِسْيَانًا وَتَذَّكَّرَا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنَّهُمَا يُعِيدَانِ فِي الْوَقْتِ [قَوْلُهُ: يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ] أَيْ مَعَ النِّسْيَانِ وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَلَوْ الضَّرُورِيَّ. تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يُعِيدَا مَا صَلَّيَا أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ بَعْدَ صَلَاتِهِمَا بِالتَّيَمُّمِ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَا الْمَاءَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا لِلْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَلَوْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ. وَأَمَّا إنْ وَجَدَاهُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا وَقَبْلَ فَرَاغِهَا وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا وَلَكِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ لِلْغُسْلِ وَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُمَا يُصَلِّيَانِ بِالتَّيَمُّمِ.

(نِفَاسٍ بِالطُّهْرِ بِالتَّيَمُّمِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (حَتَّى يَجِدَ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَجِدَا (مِنْ الْمَاءِ مَا تَتَطَهَّرُ بِهِ الْمَرْأَةُ) أَوْ الْأَمَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ دَمِ النِّفَاسِ (ثُمَّ مَا يَتَطَهَّرَانِ بِهِ جَمِيعًا) مِنْ الْجَنَابَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ يَتَطَهَّرُ بِهِ. وَمَا قَالَهُ هُنَا يُفَسِّرُ قَوْلَهُ، آخِرَ الْكِتَابِ: وَأَنْ لَا يَقْرَبَ النِّسَاءَ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ أَوْ دَمِ نِفَاسِهِنَّ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُنَّ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ. وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: يُكْرَهُ أَنْ يَطَأَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا هُوَ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُسَمَّى طُهُورًا وَهُوَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» وَيُسَمَّى أَيْضًا وُضُوءًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التَّيَمُّمُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ» . وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَاءِ لِلْمَرْأَةِ لِطَهُورِهَا وَوُضُوئِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ نَفَقَتِهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لَيْسَ لَهُ إدْخَالُ الْجَنَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ كَطُولِ مُدَّةٍ أَوْ طُولِ بُرْءِ جُرْحِهِ إنْ كَانَ بِهِ فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَطَأُ وَيَتَيَمَّمُ (وَفِي بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَطَأُ الرَّجُلُ] أَيْ يَحْرُمُ كَمَا فِي تت، أَيْ وَلَا مَفْهُومَ لِلْوَطْءِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ حَرَامٌ، فَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْمَحِلِّ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَوْ وَطِئَ. [قَوْلُهُ: أَوْ الْكِتَابِيَّةَ] وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ إذَا انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الْغُسْلِ مِمَّا ذُكِرَ لِزَوْجِهَا، وَيَصِحُّ غُسْلُهَا وَلَوْ لَمْ تَنْوِهِ وَيُلْغَزُ بِهَا وَيُقَالُ امْرَأَةٌ اغْتَسَلَتْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَصَحَّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ ذَلِكَ جَائِزٌ، [قَوْلُهُ: حَتَّى يَجِدَ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ] أَيْ يُرْوَى بِالْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ طَلَبُ الْمَاءِ أَوْ شِرَاؤُهُ عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَعَلَى الثَّانِي عَلَيْهِمَا مَعًا فَهُمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا زَرُّوقٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَلَعَلَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ وَعَلَيْهَا مَا تَغْتَسِلُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ يَتَطَهَّرُ بِهِ] هَذِهِ النُّسْخَةُ لَا وَجْهَ لَهَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إلَخْ] أَيْ فَأَفَادَ هُنَا أَنَّهُ وَلَوْ انْقَطَعَ الْحَيْضُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ وَلَوْ بِالتَّيَمُّمِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ] أَيْ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ بِالتَّيَمُّمِ كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ نَاجِي لَا أَنَّهُ يَجُوزُ بِدُونِ تَيَمُّمٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ يُكْرَهُ إلَخْ] وَفِي عِبَارَةٍ وَذَهَبَ ابْنُ بُكَيْرٍ إلَى جَوَازِ وَطْئِهَا إذَا رَأَتْ النَّقَاءَ وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْحَيْضِ وَالْحُكْمُ إذَا تَعَلَّقَ بِعِلَّةٍ وَجَبَ زَوَالُهُ بِزَوَالِهَا اهـ، فَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ وَقَضِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَيَمَّمْ لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِ تت. أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مُبِيحٌ لِلصَّلَاةِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ إنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يَلْزَمُهُ غُسْلٌ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: يُسَمَّى طُهُورًا] بِضَمِّ الطَّاءِ وَقَوْلُهُ وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا بِفَتْحِ الطَّاءِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَقُولُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ تَسْمِيَتُهُ وُضُوءًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْكَافِ وَالتَّقْدِيرُ التَّيَمُّمُ كَالْوُضُوءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ. [قَوْلُهُ: لِطُهُورِهَا] بِضَمِّ الطَّاءِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِاحْتِلَامِهَا أَوْ وَطْءِ الْغَيْرِ لَهَا عَلَى جِهَةِ الْغَلَطِ أَوْ الْإِكْرَاهِ لَا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا وَلَوْ بِالثَّمَنِ فِي الْجَمِيعِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مِنْ نِسَاءِ الْبَوَادِي اللَّاتِي عَادَتُهُنَّ نَقْلُ الْمَاءِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ إدْخَالُ الْجَنَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ] أَيْ يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ تَيَمَّمَ لِلْأَصْغَرِ فَلَيْسَ لَهُ إدْخَالُ الْجَنَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ يَتَيَمَّمُ لِلْأَكْبَرِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ الْحُرْمَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَطَأُ إلَخْ، لِأَنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ قُدُومِهِ عَلَى وَطْئِهَا بِطُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا بِالتَّيَمُّمِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَمُقَابِلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ جَوَازِ الْوَطْءِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَإِنْ طَالَ جَازَ الْوَطْءُ اتِّفَاقًا كَمَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ إلَخْ] أَيْ فِي بَدَنِهِ أَوْ يَخْشَى الْعَنَتَ وَهَذَا جَارٍ فِي هَذَا الْفَرْعِ، أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ إدْخَالُ إلَخْ، وَفِي فَرْعِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَطَأُ إلَخْ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ وَهَذَا إلَّا لِطُولٍ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ أَنْ يَتَيَمَّمَ اسْتِحْبَابًا. [قَوْلُهُ: أَوْ طُولِ بُرْءِ

[باب في المسح على الخفين]

مِنْ مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مُنَاوِلًا فَيَتَيَمَّمُ بِالْحَائِطِ إلَى جَنْبِهِ، وَهَذِهِ الْإِحَالَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَيَّضَهَا أَوَّلًا ثُمَّ رَتَّبَهَا. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَحَدِ بَدَلَيْ الطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَدَلِهَا الْآخَرِ، فَقَالَ مُتَرْجِمًا مِنْ غَيْرِ تَبْوِيبٍ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQجُرْحِهِ] لَا يُنَاسِبُ إدْخَالَ هَذَا الْفَرْعِ فِي حَيِّزِ ذَلِكَ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إدْخَالُ الْجَنَابَةِ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا لِطُولٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ. خَاتِمَةٌ مَنْ عَلِمَ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنَّهُ إنْ وَطِئَ لَيْلًا لَا تَغْتَسِلُ زَوْجَتُهُ إلَّا نَهَارًا وَلَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ إلَّا لَيْلًا، فَيَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ وَيَأْمُرُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لَيْلًا، فَإِنْ خَالَفَتْ فَقَدْ أَدَّى مَا فَعَلَ وَإِنْ عَلِمَ مِنْهَا أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ إنْ جَامَعَهَا، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ وَلَوْ بِالضَّرْبِ مَعَ ظَنِّ الْإِفَادَةِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَصَتْ وَلَا يَجِبُ طَلَاقُهَا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرِيضِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الَّذِي فِي بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ إلَخْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِبَارَةُ تت تُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ هُوَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ أَوَّلُهَا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ بَيَّضَهَا] أَيْ سَوَّدَهَا وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ بَيَاضًا تَفَاؤُلًا، أَيْ سَوَّدَهَا أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ثُمَّ رَتَّبَهَا، وَفِي الْمَقَامِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ، أَيُّ نُكْتَةٍ فِي عَدَمِ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِهَا الَّذِي هُوَ هَذَا الْبَابُ، هَلَّا أَثْبَتَهَا فِي بَابِهَا حِينَ رَتَّبَ؟ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ لَا دَلَالَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اسْتَحْضَرَ أَلْفَاظَ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، أَيْ كَوْنُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورَةً فِي بَابٍ جَامِعٍ. الثَّالِثُ أَنَّ عَدَمَ تَرْتِيبِهَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَسَأُفَصِّلُهَا لَك بَابًا بَابًا، وَيُمْكَنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَخِيرِ بِأَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَثْبَتَ وَسَأُفَصِّلُ حِينَ التَّرْتِيبِ لَا حِينَ التَّبْيِيضِ، فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ إدْخَالُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابٍ جَامِعٍ يَقْضِي بِعَدَمِ صِحَّةِ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ هَذَا بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاةِ، قُلْت هَذَا الْحُكْمُ يُبْنَى عَلَى الْأَغْلَبِ فَهُوَ صَحِيحٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. [بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [قَوْلُهُ: عَلَى بَدَلِهَا الْآخَرِ] أَيْ النَّائِبِ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَبْوِيبٍ عَلَى مَا فِي إلَخْ] فَإِنْ قُلْت هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ سَابِقًا وَسَأُفَصِّلُهَا لَك بَابًا بَابًا وَأُجِيبُ إمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَكْثَرِ أَوْ الْمُرَادَ بَابًا أَيْ لَفْظًا أَوْ تَقْدِيرًا

بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (بَابٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) : التَّقْدِيرُ هَذَا بَابٌ فِي حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَسُقُوطِ التَّوْقِيتِ فِيهِ وَمَا يُبْطِلُهُ وَبَعْضِ شُرُوطِهِ وَصِفَتِهِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ، وَابْتَدَأَ بِحُكْمِهِ فَقَالَ: (وَلَهُ) أَيْ وَرُخِّصَ لِلْمَاسِحِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ) وَيُرْوَى عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا قُدِّرَتَا وَرُخِّصَ هُنَا لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ فِي بَابِ جُمَلٍ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ وَهِيَ مَا شُرِعَ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَالْمُسَامَحَةِ، وَيَنْوِي بِمَسْحِهِ الْفَرِيضَةَ وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَا تَخْتَصُّ الرُّخْصَةُ بِالسَّفَرِ بَلْ تَكُونُ (فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ) الْمُبَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الزَّمَانِ (مَا لَمْ يَنْزِعْهُمَا) فَإِذَا نَزَعَهُمَا بَطَلَ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ وَتَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ، فَإِنْ أَخَّرَ غَسْلَهُمَا عَامِدًا بِقَدْرِ مَا تَجِفُّ فِيهِ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَالنَّاسِي يَبْنِي طَالَ أَوْ لَمْ يَطُلْ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ [قَوْلُهُ: وَسُقُوطِ التَّوْقِيتِ فِيهِ] أَيْ فِي الْمَسْحِ فَلَا نُحِدُّهُ بِحَدٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تَوْقِيتُهُ فِي الْحَضَرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي السَّفَرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَمْنَعُ مِنْ الْمَسْحِ] الْأَوْلَى وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الْمَسْحِ [قَوْلُهُ: الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ] أَيْ أَوْ مِنْ الْمَسْحِ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَاسِحٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَرُخِّصَ] أَيْ جُوِّزَ فَالْمَسْحُ جَائِزٌ وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَوَازُ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى [قَوْلُهُ: عَلَى الْخُفِّ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ غَيْرُهُ كَالْجُرْمُوقَيْنِ تَثْنِيَةُ جُرْمُوقٍ، وَهُمَا خُفَّانِ غَلِيظَانِ لَا سَاقَ لَهُمَا وَمِثْلُهُمَا الْجَوْرَبَانِ وَهُمَا عَلَى شَكْلِ الْخُفِّ مِنْ نَحْوِ قُطْنِ جِلْدٍ ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا، أَوْ فِي إحْدَى الرِّجْلَيْنِ خُفٌّ وَفِي الثَّانِيَةِ جَوْرَبٌ وَجُرْمُوقٌ أَوْ جَوْرَبٌ عَلَى جَوْرَبٍ، أَوْ خُفٌّ عَلَى جَوْرَبٍ أَوْ خُفٌّ أَوْ جَوْرَبٌ عَلَى خُفٍّ فِي الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا. [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى عَلَى الْخُفَّيْنِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَوْلَى أَيْ الَّتِي هِيَ عَلَى الْخُفِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا تت، وَقَوْلُهُ وَتَخْفِيفٌ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا شُرِعَ إلَخْ] عَرَّفَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِكَيْفِيَّةِ الرُّخْصَةِ، وَعُرِفَتْ بِتَعْرِيفٍ آخَرَ أَبْسَطَ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَغَيِّرُ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ] عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ وَإِضَافَةُ وَجْهِ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، أَيْ أَنَّ الرُّخْصَةَ شَيْءٌ أَيْ حُكْمٌ شُرِعَ وَهُوَ جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الْمَقَامِ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ، وَقَوْلُهُ وَالْمُسَامَحَةِ أَيْ السُّهُولَةِ وَالْعَطْفُ مُرَادِفٌ أَوْ كَالْمُرَادِفِ [قَوْلُهُ: وَيَنْوِي بِمَسْحِهِ الْفَرِيضَةَ] قَالَ ابْنُ نَاجِي بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ كَوْنِهِ جَائِزًا بِمَعْنًى خِلَافِ الْأَوْلَى وَوَاجِبًا الَّذِي تَقْتَضِيه تِلْكَ النِّيَّةُ، إذْ جَوَازُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ تَرْكَهُ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَوُجُوبُهُ مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيمِ الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] هَذَا خِلَافُ الرَّاجِحِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّفَرِ مُبَاحًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الرُّخْصَةَ الَّتِي تُبَاحُ فِي الْحَضَرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ فِعْلِهَا فِي السَّفَرِ إبَاحَتُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَقِيلَ إنَّ رُخْصَةَ الْمَسْحِ مُخْتَصَّةٌ بِالسَّفَرِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْمَشْهُورِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَلِقَوْلِهِ الْمُبَاحِ. [قَوْلُهُ: عَامِدًا] وَمِثْلُهُ الْعَاجِزُ. [قَوْلُهُ: أَنْ

وَإِذَا خَلَعَ إحْدَى خُفَّيْهِ خَلَعَ الْأُخْرَى وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى إحْدَاهُمَا وَغَسْلُ الْأُخْرَى. وَلِلْمَسْحِ شُرُوطٌ عَشَرَةٌ، خَمْسَةٌ فِي الْمَمْسُوحِ: أَنْ يَكُونَ جِلْدًا طَاهِرًا مَخْرُوزًا سَاتِرًا لِمَحِلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ تَتَابَعَ الْمَشْيُ فِيهِ، وَخَمْسَةٌ فِي الْمَاسِحِ أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا بِلُبْسِهِ وَلَوْ مُتَرَفِّهًا بِلُبْسِهِ، وَأَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ مَائِيَّةٍ كَامِلَةٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَالَ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْمَسْحُ الْمُرَخَّصُ فِيهِ (إذَا أَدْخَلَ) الْمَاسِحُ (فِيهِمَا) أَيْ الْخُفَّيْنِ (رِجْلَيْهِ بَعْدَ أَنْ غَسَلَهُمَا فِي وُضُوءٍ تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ) فَإِنَّ قَوْلَهُ: غَسَلَهُمَا يَتَضَمَّنُ لُبْسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ وَكَوْنَهَا مَائِيَّةً، وَقَوْلُهُ: تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ هُوَ مَعْنَى كَوْنِهَا كَامِلَةً، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَا تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالْوُضُوءِ لِلتَّبَرُّدِ وَمِثْلُ غَسْلِهِمَا فِي الْوُضُوءِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ غَسْلُهُمَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (فَهَذَا الَّذِي) أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ إلَى آخِرِهِ هُوَ الَّذِي يُرَخَّصُ لَهُ (إذَا أَحْدَثَ) بَعْدَ ذَلِكَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ. (وَ) أَرَادَ أَنْ (يَتَوَضَّأَ مَسَحَ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا غَيْرُ كَافٍ فِي رُخْصَةِ الْمَسْحِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْمَسْحِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ جِلْدًا] أَيْ لَا مَا صُنِعَ عَلَى هَيْئَةِ الْخُفِّ مِنْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ. [قَوْلُهُ: طَاهِرًا] لَا نَجِسًا كَجِلْدِ مَيْتَةٍ وَلَوْ دُبِغَ وَلَا مُتَنَجِّسًا [قَوْلُهُ: مَخْرُورًا] لَا مَا لُصِقَ عَلَى هَيْئَتِهِ بِنَحْوِ رَسْرَاسٍ. [قَوْلُهُ: سَاتِرًا لِمَحِلِّ الْفَرْضِ] وَهُوَ الْكَعْبَانِ لَا مَا نَقَصَ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ سَاتِرًا لِمَحِلِّ الْفَرْضِ مَا يَنْزِلُ عَنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لِثِقَلِ خِيَاطَتِهِ كَسِرْوَالٍ، وَيُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِهِ مَعَ سَتْرِهِ لِمَحِلِّ الْفَرْضِ فَيَرْفَعُهُ حَالَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُهُ بِذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاتِرًا بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ وَاسِعًا وَلَا ضَيِّقًا جِدًّا بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَشْيُ فِيهِ بِمَشَقَّةٍ فَلَا يَمْسَحُ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ عَاصِيًا بِلُبْسِهِ] احْتِرَازًا مِنْ الْعَاصِي بِلُبْسِهِ كَرَجُلٍ مُحْرِمٍ فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ كَالْآبِقِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا مُتَرَفِّهًا بِلُبْسِهِ] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَبِسَهُ لِيَدْفَعَ عَنْهُ مَشَقَّةَ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ لِحِنَّاءٍ فِي رِجْلَيْهِ أَوْ لَبِسَهُ لِيَنَامَ فِيهِ أَوْ لِخَوْفِ بَرَاغِيثَ، فَإِنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّرَفُّهِ فَإِنْ مَسَحَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُ أَبَدًا، وَأَمَّا لُبْسُهُ لِاتِّقَاءِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ خَوْفِ عَقَارِبَ أَوْ اعْتَادَ لُبْسَهُ أَوْ لَبِسَهُ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ] فَلَا يَمْسَحُ لَابِسُهُ عَلَى حَدَثٍ. [قَوْلُهُ: مَائِيَّةٍ] وَلَوْ غَسْلًا فَلَا يَمْسَحُ لَابِسُهُ عَلَى طَهَارَةٍ تُرَابِيَّةٍ [قَوْلُهُ: كَامِلَةٍ] أَيْ حِسًّا بِأَنْ أَتَمَّ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ قَبْلَ لُبْسِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ كَمَّلَ أَوْ غَسَلَ رِجْلًا فَأَدْخَلَهَا قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى فَلَوْ خَلَعَهُمَا فِي الْأُولَى وَلَبِسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ أَوْ خَلَعَ الَّتِي لَبِسَهَا وَلَبِسَهَا بَعْدَ أَنْ غَسَلَ الثَّانِيَةَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ، وَمَعْنَى بِأَنْ كَانَ يُسْتَبَاحُ بِهَا الصَّلَاةُ احْتِرَازًا مِنْ الْوُضُوءِ لِلتَّبَرُّدِ فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ قُصُورٌ حَيْثُ يُفِيدُ كَلَامُهُ الْآتِي أَنَّ الْمُرَادَ الْكَمَالُ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: إلَّا الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ] أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ طَهَارَةٍ مَائِيَّةٍ كَامِلَةٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ قَوْلَهُ غَسَلَهُمَا] أَيْ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي وُضُوءٍ. [قَوْلُهُ: فَهَذَا الَّذِي إلَخْ] الْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِمَنْ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ بَعْدَ غَسْلِهِمَا مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يُرَخَّصُ لَهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مِنْ الشَّارِحِ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى قَوْلِهِ مَسَحَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ مَسَحَ عَلَيْهِمَا مُجَرَّدُ الْحَدَثِ أَيْ يُرَخَّصُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ] مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ إذَا أَحْدَثَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا إلَخْ] أَيْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا، وَزِيدَ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْخُفِّ حَائِلٌ، فَإِنْ مَسَحَ فَوْقَهُ كَانَ كَمَنْ تَرَكَ الْمَسْحَ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ بِأَعْلَاهُ وَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ بِأَسْفَلَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْمَسْحِ] وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ بِالْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمُتَوَضِّئِ لِلنَّوْمِ أَنْ

غَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ عَلَى طَهَارَةٍ تُرَابِيَّةٍ أَوْ عَلَى طَهَارَةٍ مَائِيَّةٍ قَبْلَ كَمَالِهَا (فَ) هَذَا (لَا) يُرَخَّصُ لَهُ الْمَسْحُ. (وَصِفَةُ الْمَسْحِ) الْمُسْتَحَبَّةُ (أَنْ يَجْعَلَ) الْمَاسِحُ (يَدَهُ الْيُمْنَى) عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى (مِنْ فَوْقِ الْخُفِّ) يَبْدَأُ بِذَلِكَ (مِنْ طَرَفِ) بِتَحْرِيكِ الرَّاءِ (الْأَصَابِعِ) أَيْ أَصَابِعِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى. (وَ) يَجْعَلَ (يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ تَحْتِ الْأَصَابِعِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ (يَذْهَبُ) أَيْ يَمُرُّ (بِيَدَيْهِ إلَى حَدِّ) أَيْ مُنْتَهَى (الْكَعْبَيْنِ) النَّاتِئَيْنِ بِطَرَفِ السَّاقَيْنِ وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْمَسْحِ كَالْوُضُوءِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْهُ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْغُضُونَ وَهِيَ التَّجْعِيدَاتُ الَّتِي فِيهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَأَنْ يُكَرِّرَ الْمَسْحَ وَأَنْ يَغْسِلَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِ) رِجْلِهِ (الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْيُمْنَى مِنْ الْبُدَاءَةِ مِنْ طَرَفِ الْأَصَابِعِ وَالْمُرُورِ بِالْيَدَيْنِ إلَى حَدِّ الْكَعْبَيْنِ، وَلَكِنْ وَضْعُهُمَا عَلَيْهَا عَكْسُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْيُمْنَى (فَيَجْعَلُ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ فَوْقِهَا وَ) يَدَهُ (الْيُمْنَى مِنْ أَسْفَلِهَا) . وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ: الْيُسْرَى كَالْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مَسْحِ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ مَسْحُهُ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا يَجِبُ مَسْحُ أَعْلَاهُ، وَيُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَسْفَلِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْأَعْلَى وَصَلَّى اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ أَعَادَ أَبَدًا (وَلَا يَمْسَحُ عَلَى طِينٍ فِي أَسْفَلِ خُفِّهِ أَوْ رَوْثِ دَابَّةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ [قَوْلُهُ: قَبْلَ كَمَالِهَا] هَذَا يُفِيدُ الْكَمَالَ الْحِسِّيَّ. [قَوْلُهُ: يَدَهُ الْيُمْنَى] أَيْ إذَا كَانَ يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْمُعْتَادِ أَوْ أَضْبَطَ وَأَمَّا إنْ كَانَ أَعْسَرَ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ تَصِيرُ الْيُسْرَى بِمَنْزِلَةِ الْيُمْنَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْنِيَ هَذَا عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ هَلْ هِيَ تَيَسُّرُ الْمَسْحِ؟ فَالْيُسْرَى حِينَئِذٍ كَالْيُمْنَى أَوْ شَرَفُ الْيُمْنَى فَلَا يَمْسَحُ إلَّا بِهَا. [قَوْلُهُ: يَبْدَأُ بِذَلِكَ] أَيْ الْمَسْحِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ تَحْتِ الْأَصَابِعِ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ سَابِقًا مِنْ فَوْقِ الْخُفِّ أَنْ يَقُولَ أَيْ مِنْ تَحْتِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ وَيُدْخِلُهُمَا فِي الْمَسْحِ يَحْتَاجُ لِهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْكَعْبَيْنِ إنْ جَعَلْنَا إضَافَةَ الْمُنْتَهَى لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةً وَأَمَّا لَوْ جَعَلْنَا الْإِضَافَةَ حَقِيقِيَّةً فَلَا يُحْتَاجُ لَهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُنْتَهَى لَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُنْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُكَرِّرَ الْمَسْحَ] أَيْ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَلَوْ جَفَّتْ يَدُ الْمَاسِحِ أَثْنَاءَ الْمَسْحِ لَا يُجَدِّدُ وَكَمَّلَ الْعُضْوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْجَفَافُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بَلَّهَا لِلثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْسِلَهُ] أَيْ الْخُفَّ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ] أَيْ فَإِنْ غَسَلَ أَجْزَأَهُ وَيُنْدَبُ لَهُ الْمَسْحُ لِمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ إنْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ، أَوْ انْضَمَّ لَهَا نِيَّةُ إزَالَةِ الطِّينِ أَوْ نَجَاسَتِهِ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ، فَإِنْ غَسَلَهُ بِنِيَّةِ إزَالَةِ الطِّينِ أَوْ نَجَاسَتِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا يُجْزِئُهُ، وَمَسَحَهُ وَعَلَيْهِ طِينٌ أَوْ نَجَسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَغَسْلِهِ فِي التَّفْصِيلِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ شَبْلُونٍ] اسْمُهُ عَبْدُ الْخَالِقِ، وَكَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِالْقَيْرَوَانِ فِي الْفَتْوَى وَالتَّدْرِيسِ بَعْدَ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، تُوُفِّيَ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الدِّيبَاجِ [قَوْلُهُ: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ] ذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى أَنَّ مَنْ اقْتَصَرَ فِي مَسْحِ خُفِّهِ عَلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ يُجْزِئُهُ وَلَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ، وَذَهَبَ ابْنُ نَافِعٍ إلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيهِمَا وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ إنْ تَرَكَ الْأَعْلَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَ الْأَسْفَلَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ] أَيْ الْمُخْتَارِ. تَنْبِيهٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ حَيْثُ تَرَكَ مَسْحَ الْأَسْفَلِ جَهْلًا أَوْ عَمْدًا أَوْ عَجْزًا وَطَالَ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ مَسْحُ الْأَسْفَلِ فَقَطْ وَكَذَا إنْ كَانَ التَّرْكُ سَهْوًا طَالَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ الصَّلَوَاتِ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ أَبَدًا] عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا وَيَبْنِي بِنِيَّةٍ إنْ نَسِيَ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ مَا لَمْ يَطُلْ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنْ إجْنَابَ الرِّجْلَيْنِ مِنْ الْأَعْلَى. [قَوْلُهُ: فِي أَسْفَلِ خُفِّهِ] أَيْ أَوْ أَعْلَى خُفِّهِ فَإِنْ مَسَحَ عَلَى الطِّينِ أَوْ الرَّوْثِ الَّذِي

بِالْمَدِّ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَهِيَ فِي الِاصْطِلَاحِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ وَالْبَعِيرُ (حَتَّى يُزِيلَهُ) أَيْ مَا أَصَابَهُ مِنْهُمَا (بِمَسْحٍ) لِلطِّينِ (أَوْ غَسْلٍ) لِلرَّوْثِ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْخُفِّ وَهَذَا حَائِلٌ دُونَ الْخُفِّ فَوَجَبَ نَزْعُهُ لِيُبَاشِرَ الْمَسْحُ الْخُفَّ نَفْسَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةً أُخْرَى فِي الْمَسْحِ فَقَالَ:. (وَ) قَدْ (قِيلَ يَبْدَأُ فِي مَسْحِ أَسْفَلِهِ مِنْ الْكَعْبَيْنِ إلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ) يَعْنِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى عَلَى الْيُسْرَى، وَإِنَّمَا كَانَ يَبْدَأُ مِنْ الْكَعْبَيْنِ (لِئَلَّا يَصِلَ إلَى عَقِبِ خُفِّهِ شَيْءٌ مِنْ رُطُوبَةِ مَا مَسَحَ مِنْ خُفَّيْهِ مِنْ الْقَشْبِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ: الْعَذِرَةُ الْيَابِسَةُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ. ع: تَأَمَّلْ هَذَا هَلْ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْقُلَ الْقَشْبَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ أَوْ إنَّمَا أَرَادَ لِئَلَّا يُنَجِّسَ أَعْلَى الْخُفِّ وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَقِبَ إلَى الْكَعْبَيْنِ؟ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي أَرَادَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَعْلَى الْخُفِّ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَرَكَ أَعْلَاهُ وَإِنْ كَانَ بِأَسْفَلِهِ فَيُعِيدُ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ الْحَائِلُ طِينًا أَوْ رَوْثًا طَاهِرًا فَإِنْ كَانَ نَجَسًا أَعَادَ أَبَدًا مَعَ الْعَمْدِ. وَفِي الْوَقْتِ مَعَ الْعَجْزِ أَوْ النِّسْيَانِ، وَتَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إمَّا لِلتَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ. [قَوْلُهُ: فِي الِاصْطِلَاحِ] أَيْ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ [قَوْلُهُ: وَالْبَعِيرِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدَّوَابِّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَقْفَهْسِيُّ الذَّاكِرُ لِذَلِكَ التَّعْرِيفِ. [قَوْلُهُ: لِلطِّينِ إلَخْ] أَيْ أَوْ رَوْثِ الْبَعِيرِ. [قَوْلُهُ: لِلرَّوْثِ] أَيْ النَّجَسِ وَأَوْلَى لَوْ غَسَلَ الطِّينَ أَوْ الرَّوْثَ الطَّاهِرَ. [قَوْلُهُ: عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ مَسْحَ أَسْفَلِ الْخُفِّ جُمْلَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا فِي الْوَقْتِ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا إعَادَةَ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ عَبْدِ الْوَهَّابِ لَا يُنْتِجُ تَعَيُّنَ غَسْلِ الرَّوْثِ النَّجَسِ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْمَسْحُ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَيْسَ إلَّا لِصِحَّةِ الْمَسْحِ لَا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَحْمَدَ زَرُّوقًا جَعَلَ قَوْلَهُ بِمَسْحٍ أَوْ غَسْلٍ رَاجِعًا لِكُلٍّ مِنْ الطِّينِ وَالرَّوْثِ أَيْ رَوْثِ الدَّوَابِّ، لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ مِنْ رَوْثِ الدَّوَابِّ الدَّلْكُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِخِلَافِ الْعَذِرَةِ وَنَحْوِهَا. اهـ يُرِيدُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَغْرَبَهُ ابْنُ نَاجِي وَظَاهِرُهُ إجْزَاءُ الدَّلْكِ فِي الرَّوْثِ وَلَوْ بِأَعْلَى الْخُفِّ قَالَ عج وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْقَوْلَ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ بِمَوْضِعٍ يَكْثُرُ فِيهِ الدَّوَابُّ اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْ رُطُوبَةٍ] مِنْ بَيَانٍ لِشَيْءٍ مَشُوبَةً بِالتَّبْعِيضِ [قَوْلُهُ: مِنْ خُفَّيْهِ] مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الْقَشْبِ بَيَانٌ لِمَا. [قَوْلُهُ: وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ] وَأَمَّا بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ فَضَرْبٌ مِنْ التَّمْرِ قَالَهُ الْخَطَّابُ. [قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعٍ] أَيْ مِنْ الْخُفِّ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، أَيْ مِنْ الْخُفِّ أَيْ هَلْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَسَحَ مِنْ الْعَقِبِ لَا تَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ وَلَوْ بَدَأَ مِنْ الْأَصَابِعِ لَزِمَ عَلَيْهِ نَقْلُ النَّجَاسَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ؟ أَيْ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ تَنَقُّلَ النَّجَاسَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لَازِمٌ، وَلَوْ ابْتَدَأَ مِنْ الْعَقِبِ أَيْ النَّقْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَقْلٌ أَوْ أَرَادَ أَنْ لَا تُنْقَلَ النَّجَاسَةُ إلَى الْأَعْلَى مِنْ حَيْثُ تَنْجِيسُهُ وَذَلِكَ لَا يَأْتِي إلَّا إذَا ابْتَدَأَ الْمَسْحَ مِنْ الْأَسْفَلِ، وَأَمَّا إذَا ابْتَدَأَ مِنْ الْأَعْلَى فَلَا يَأْتِي ذَلِكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّعْلِيلِ عَدَمَ نَقْلِ النَّجَاسَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبُدَاءَةِ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ الْأَصَابِعِ، فَلَا يَسْلَمُ، بَلْ نَقْلُ النَّجَاسَةِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الصِّفَتَيْنِ، وَإِنْ أَرَادَ عَدَمَ نَجَاسَةِ الْأَعْلَى إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الْبُدَاءَةِ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ الْأَصَابِعِ فَمُسَلَّمٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعَقِبِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ إلَى الْعَقِبِ لَا إلَى مَا فَوْقَهُ [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي] وَهُوَ إرَادَةُ أَنْ لَا يَنْجُسَ أَعْلَى الْخُفِّ بِخُصُوصِهِ وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ الَّتِي لِلْإِضْرَابِ، أَيْ بَلْ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي أَرَادَ، وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ دَفْعَ التَّنَافِي فِي كَلَامِهِ حَيْثُ أَفَادَ أَوَّلًا التَّرَدُّدَ فِي الْمُرَادِ هَلْ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْ الْوَجْهُ الثَّانِي وَأَفَادَ ثَانِيًا الْجَزْمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ

فِي أَسْفَلِهِ طِينٌ فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ حَتَّى يُزِيلَهُ) تَكْرَارٌ بِاتِّفَاقِ الشُّيُوخِ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ فَائِدَةٌ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَقْصِدِ الْأَعْظَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَهُوَ الصَّلَاةُ مُقَدِّمًا بَيَانَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي أَرَادَ] أَيْ لِأَنَّ نَقْلَ النَّجَاسَةِ إلَى أَعْلَى الْخُفِّ أَشَدُّ مِنْ نَقْلِهَا فِي أَسْفَلِهِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ، كَذَا عَلَّلَ عج، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَرْكَ مَسْحِ الْأَعْلَى يُبْطِلُ الْمَسْحَ دُونَ الْأَسْفَلِ ثُمَّ فِي الْكَلَامِ بَحْثٌ قَوِيٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ مَسْحُ الطِّينِ وَغَسْلُ الرَّوْثِ النَّجَسِ قَبْلَ الْمَسْحِ فَلَا يُعْقَلُ بَعْدَ ذَلِكَ نَقْلُ نَجَاسَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ، كَانَ الْأَعْلَى أَوْ غَيْرَهُ، بَدَأَ الْمَسْحَ مِنْ الْعَقِبِ أَوْ مِنْ الْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ حَتَّى يُزِيلَهُ] أَيْ تَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ الْأَسْفَلِ وَاجِبٌ وَتُنْدَبُ الْإِزَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسْحَ الْأَسْفَلِ مَنْدُوبٌ.

[كتاب الصلاة]

بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ (بَابٌ) فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ (أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّلَوَاتِ (وَ) بَيَانِ مَعْرِفَةِ (أَسْمَائِهَا) أَمَّا مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ فَوَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يُمْكِنُهُ قَلَّدَ غَيْرَهُ كَالْأَعْمَى. وَالْأَوْقَاتُ جَمْعُ وَقْتٍ وَهُوَ الزَّمَنُ الْمُقَدَّرُ لِلْعِبَادَةِ شَرْعًا، وَهُوَ إمَّا وَقْتُ أَدَاءٍ أَوْ وَقْتُ قَضَاءٍ، وَوَقْتُ الْأَدَاءِ إمَّا وَقْتُ اخْتِيَارٍ وَإِمَّا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَإِمَّا وَقْتُ تَوْسِعَةٍ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَالْمُرَادُ بِهَا فِي الشَّرْعِ الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدُّعَاءِ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَاب الصَّلَاة] [بَابٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ] بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: مَعْرِفَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْرِفَةَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ عِبَارَةٌ عَنْ إدْرَاكِهِ الْجَازِمِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَلَيْسَ الْبَيَانُ مُتَعَلِّقًا بِهَا فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ بَيَانِ مُتَعَلِّقِ مَعْرِفَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ النِّسَبُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَوْقَاتِ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ الصَّلَوَاتِ] وَالْأَوْلَى تَرْجِعُ لِهَذِهِ بِأَنْ يُرَادَ الْجِنْسُ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ عَلَى الْآحَادِ، أَيْ كُلُّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتٌ. [قَوْلُهُ: فَوَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ] أَيْ فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ هَكَذَا عِنْدَ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْقَرَافِيُّ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُولُ وَقْتِهَا لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ شَارِحِنَا لَا تُلَائِمُ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُنَافَاةِ لِكَلَامِ الْقَرَافِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزَّمَنُ إلَخْ] أَيْ فَالْوَقْتُ أَخَصُّ مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ الزَّمَنَ مُدَّةُ حَرَكَةِ الْفَلَكِ وَقِيلَ هُوَ الْجَلِيُّ إذَا اُقْتُرِنَ بِخَفِيٍّ، فَإِذَا قُلْت جَاءَ زَيْدٌ طُلُوعَ الشَّمْسِ فَطُلُوعُ الشَّمْسِ وَقْتُ الْمَجِيءِ إذَا كَانَ الطُّلُوعُ مَعْلُومًا وَالْمَجِيءُ خَفِيًّا، وَلَوْ خَفِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بِالنِّسْبَةِ لِمُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَسْجُونٍ مَثَلًا لَقُلْت طَلَعَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ مَجِيءِ زَيْدٍ، فَيَكُونُ الْمَجِيءُ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَقِيلَ مُقَارَنَةُ مُتَجَدِّدٍ مَوْهُومٍ لِمُتَجَدِّدٍ مَعْلُومٍ إزَالَةٌ لِلْإِبْهَامِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ إمَّا وَقْتُ أَدَاءً] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الصَّلَوَاتِ مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْهَا مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَحْدَهُ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. [قَوْلُهُ: إمَّا وَقْتُ اخْتِيَارٍ] أَيْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ مُخَيَّرٌ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ ضَرُورَةٍ] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُوقَعَ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا لِأَصْحَابِ الضَّرُورَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ فَضِيلَةٍ] وَهُوَ أَوَّلُهُ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا وَقْتُ تَوْسِعَةٍ] أَيْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ وُسِّعَ لَهُ، أَيْ جُوِّزَ لَهُ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: فِي الشَّرْعِ] أَيْ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ] أَيْ جِنْسُ الرَّكَعَاتِ الْمُتَحَقِّقُ فِي وَاحِدَةٍ وَجِنْسُ السَّجَدَاتِ الْمُتَحَقِّقُ فِي اثْنَتَيْنِ لِتَدْخُلَ صَلَاةُ الْوِتْرِ. أَقُولُ: وَفِي الْكَلَامِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْقِيَامُ، وَيَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتَا بِصَلَاةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، وَقَدْ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ سُجُودٍ فَقَطْ فَدَخَلَ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَفِي الثَّانِي سُجُودُ التِّلَاوَةِ.

أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءِ، وَتَسْمِيَةُ الدُّعَاءِ صَلَاةً مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهِيَ مِمَّا عُلِمَ وُجُوبُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَجَاحِدُ وُجُوبِهَا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَكَذَلِكَ بَاقِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. وَلِوُجُوبِهَا شُرُوطٌ خَمْسَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَارْتِفَاعُ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ، زَادَ عِيَاضٌ: وَبُلُوغُ الدَّعْوَةِ. وَهِيَ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، لِأَنَّهَا فُرِضَتْ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الشَّرَائِعِ فَإِنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْأَرْضِ، وَاخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ فَرْضِهَا فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ وَزِيدَتْ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَقِيلَ: فُرِضَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قُصِرَ مِنْهَا رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهَا فَوَاجِبَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ وَالتَّعْيِينُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدُّعَاءِ] أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَأَرَادَ بِالِاشْتِقَاقِ النَّقْلَ أَيْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَصْلِ عِبَارَةٌ عَنْ الدُّعَاءِ ثُمَّ نُقِلَتْ وَأُرِيدَ بِهَا تِلْكَ الْهَيْئَةَ الْمَخْصُوصَةَ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ] أَيْ أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ {اهْدِنَا} [الفاتحة: 6] إلَخْ، وَعَلَى غَيْرِ الْفَاتِحَةِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ] وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ مَعَ الرِّدْفِ وَقِيلَ عَظْمَانِ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الصِّلَةِ لِأَنَّهَا تَصِلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا عُلِمَ إلَخْ] أَيْ عِلْمًا مُشَابِهًا لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَإِلَّا فَهِيَ فِي أَصْلِهَا نَظَرِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ] أَيْ مِنْ بَابِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ عَبَثٌ وَأَمَّا تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فَهُوَ مُحَالٌ. [قَوْلُهُ: فَجَاحِدُ وُجُوبِهَا] أَيْ أَوْ رُكُوعَهَا أَوْ سُجُودَهَا وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا فَلَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ بِفِعْلِهَا وَلَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهَا فَيُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَةً كَامِلَةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ. [قَوْلُهُ: مُرْتَدٌّ] وَصْفٌ مُخَصَّصٌ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ بَاقِي أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ] الَّتِي هِيَ الشَّهَادَتَانِ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ. [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ إلَخْ] هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ. [قَوْلُهُ وَالْبُلُوغُ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ شُرُوطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِهَا وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ أَرْبَعَةٌ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالِاسْتِقْبَالُ وَتَرْكُ الْكَثِيرِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ اثْنَانِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ الصَّعِيدِ وَعَدَمُ النَّوْمِ وَالسَّهْوِ. [قَوْلُهُ: وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ] أَيْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْقَرَافِيُّ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ سَبَبٌ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ أَيْ وَجَعَلَهُ الْحَطَّابُ هُوَ التَّحْقِيقُ لِصِدْقِ حَدِّ السَّبَبِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ، نَعَمْ قَالَ الْقَرَافِيُّ الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطٌ، أَيْ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ اهـ. لَفْظُ الْخَطَّابِ. [قَوْلُهُ: فِي السَّمَاءِ إلَخْ] أَيْ فِي جِهَةِ السَّمَاءِ الْعُلْيَا لِأَنَّهَا فُرِضَتْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْمَعَارِيجِ. [قَوْلُهُ: بِسَنَةٍ] اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِسْرَاءِ فَقِيلَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ فِي رَجَبٍ وَقِيلَ فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي النَّوَادِرِ وَابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ فُرِضَتْ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ لِلْجُمْهُورِ، أَيْ إلَّا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ فَإِنَّ الْأُولَى فُرِضَتْ ثَلَاثًا وَالثَّانِيَةَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَتِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِأَنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَلَى الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» . [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَعْرِفَةُ أَسْمَائِهَا إلَخْ] قَالَ عج وَقَدْ: يُبْحَثُ فِيهِ بِأَنَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ مَثَلًا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ وَصَلَّاهَا وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا تُسَمَّى ظُهْرًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ التَّعْيِينِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ

فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، وَقَدْ بَدَأَ الشَّيْخُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ: (أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَجْرِ) الْفَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الضَّمِيرِ الْأَوَّلِ الْمُنْفَصِلِ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ، وَجَوَابُ أَمَّا يَأْتِي وَقَدْ ذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ الصُّبْحُ وَالْوُسْطَى وَالْفَجْرُ، وَبَقِيَ رَابِعٌ وَهِيَ الْغَدَاةُ وَالصُّبْحُ مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ، وَقِيلَ: مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ، وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ وَنِسْبَتُهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهَا الْوُسْطَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَضِيًا لَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى الَّتِي أَكَّدَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَجَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ: (فَأَوَّلُ وَقْتِهَا) يَعْنِي الِاخْتِيَارِيَّ (انْصِدَاعُ) أَيْ انْشِقَاقُ (الْفَجْرِ الْمُعْتَرِضِ) أَيْ الْمُنْتَشِرِ (بِالضِّيَاءِ فِي أَقْصَى) أَيْ أَبْعَدِ (الْمَشْرِقِ) وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَخَرَجَ بِالْمُعْتَرِضِ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ صَادِقٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ، وَكَاذِبٌ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يَصْعَدُ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ مُسْتَدِقًّا فَلَا يَنْتَشِرُ، وَهَذَا لَا حُكْمَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: (ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَرْتَفِعَ فَيَعُمَّ) أَيْ يَسُدَّ (الْأُفُقَ) مُشْكِلٌ لَمْ يُصِبْ أَحَدٌ حَقِيقَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَهُ إنَّمَا يَتَأَوَّلُهُ بِالْحَزْرِ وَقَدْ نَقَلْنَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَادَهُ إذَا كَانَ التَّعْيِينُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَيُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ لِأَنَّ بِهَا يَقَعُ التَّمْيِيزُ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ بَلْ مَعْرِفَةُ وَاحِدٍ مِنْهَا يَكْفِي اهـ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ إلَخْ] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَعْيِينُ الشَّيْءِ وَتَخْصِيصُهُ مِنْ الْجُمْلَةِ اهـ. فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ [قَوْلُهُ: أَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ] أَيْ أَمَّا صَلَاةٌ هِيَ الصُّبْحُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ [قَوْلُهُ: لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ] مُرَادُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ الْوَاقِعَةَ فِي الْجَوَابِ فَهِيَ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: الصُّبْحُ إلَخْ] وَيَكُون إضَافَةُ صَلَاةٍ إلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى اسْمِهِ [قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الصَّبَاحِ وَهُوَ الْبَيَاضُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ ذَلِكَ الْبَيَاضِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِنْ الصَّبَاحَةِ وَهِيَ الْجَمَالُ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ جَمَالِ الدُّنْيَا بِالضَّوْءِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَجْرُ مُشْتَقٌّ مِنْ الِانْفِجَارِ] أَيْ فَسُمِّيَتْ بِهِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ انْفِجَارِ الْفَجْرِ، وَسُمِّيَتْ بِالْوُسْطَى لِتَوَسُّطِهَا بَيْنَ أَرْبَعٍ مُشْتَرَكَاتٍ الظُّهْرُ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَهِيَ مُسْتَقِلَّةٌ، أَوْ لِأَنَّ الْوُسْطَى مَعْنَاهَا الْفُضْلَى وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَلِذَلِكَ حَضَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: {حَافِظُوا} [البقرة: 238] إلَخْ. وَسُمِّيَتْ بِالْغَدَاةِ لِوُجُوبِهَا عِنْدَ الْغَدَاةِ وَهِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: هِيَ صَلَاةُ الصُّبْحِ إلَخْ] وَقِيلَ: الْعَصْرُ، وَمَالَ إلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ مِنْهُمْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفَاكِهَانِيُّ لِلْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الصُّبْحُ. [قَوْلُهُ: بِالضِّيَاءِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ لِأَنَّ الْفَجْرَ الصَّادِقَ هُوَ الضِّيَاءُ الْمُنْتَشِرُ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ كَمَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ لَوْ لَمْ تُجْعَلْ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصُّ الْخَطَّابِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الضِّيَاءُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَوْضِعَهَا عَلَى الدَّوَامِ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَجْرَ ضَوْءُ الشَّمْسِ وَهِيَ تَارَةً تَطْلُعُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ وَتَارَةً مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ تَابِعٌ لَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَوْضِعُ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَجْرَ مَعْنَاهُ الْبَيَاضُ وَيَتَنَوَّعُ إلَى كَاذِبٍ وَصَادِقٍ وَكِلَاهُمَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ الْكَاذِبَ لَا يَنْتَشِرُ لِدِقَّتِهِ وَيَنْقَطِعُ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا قَرُبَ زَمَنُ الصَّادِقِ، وَقَدْ عَرَّفَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: أَبْيَضُ مُسْتَدَقٌّ مُسْتَطِيلٌ وَالصَّادِقُ يَنْتَشِرُ لِقُرْبِهَا وَيَعُمُّ الْأُفُقَ. [قَوْلَةُ: كَذَنَبِ السِّرْحَانِ] شَبَّهَ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فِي أَنَّ لَوْنَهُ مُظْلِمٌ وَبَاطِنُ ذَنَبِهِ أَبْيَضُ كَمَا أَفَادَهُ ح. [قَوْلُهُ: أَيْ الذِّئْبِ] اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ السِّرْحَانِ عَلَى الذِّئْبِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَالْأَسَدِ فَفِي ح وَهُوَ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَيُوَافِقُهُ الْمِصْبَاحُ، حَيْثُ قَالَ: وَالسِّرْحَانُ بِالْكَسْرِ الذِّئْبُ وَالْأَسَدُ وَالْجَمْعُ سَرَاحِينُ وَيُقَال لِلْفَجْرِ الْكَاذِبِ سِرْحَانٌ عَلَى التَّشْبِيهِ اهـ. [قَوْلُهُ: الْأُفُقَ] بِضَمِّ

الْأَصْلِ وَجْهَ الْإِشْكَالِ وَتَأْوِيلَ الْمُتَأَوِّلِينَ لَهُ (وَآخِرُ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الصُّبْحِ (الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ الَّذِي إذَا سَلَّمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (بَدَا) أَيْ ظَهَرَ (حَاجِبُ) أَيْ طَرَفُ قُرْصِ (الشَّمْسِ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ آخِرَهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ، وَعَلَيْهِ فَلَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْأَعْلَى، وَعَلَيْهِ فَمَا بَعْدَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقْتٌ ضَرُورِيٌّ. (وَ) إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ انْصِدَاعُ الْفَجْرِ وَآخِرَهُ الْإِسْفَارَ الْبَيِّنَ فَ (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ وَاسِعٌ) لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ، مَتَى أَوْقَعهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا لِأَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا أَنْ يَظُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَهُوَ مَا إلَى الْأَرْضِ مِنْ أَطْرَافِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: مُشْكِلٌ إلَخْ] الْمُسْتَشْكِلُ فِي الْأَصْلِ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ قَالَ: الْمُعْتَرِضُ بِالضِّيَاءِ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ، فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ مِنْ الْمَشْرِقِ يَطْلُعُ ثُمَّ قَالَ ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ الْقِبْلَةِ يَطْلُعُ. وَقَوْلُهُ: إلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْقِبْلَةَ لَهَا دُبُرٌ مَعَ أَنَّهَا لَا دُبُرَ لَهَا [قَوْلُهُ: وَتَأْوِيلَ إلَخْ] الْأَوَّلُ مِنْهَا أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى إلَى، وَالدُّبُرُ بِمَعْنَى الْجَوْفِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْتَشِرُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ الْقِبْلَةَ وَإِلَى دُبُرِهَا الْمَذْكُورِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقِبْلَةِ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَيْ الَّذِي هُوَ أَقْصَى الْمَشْرِقِ إلَى دُبُرِ النَّاظِرِ إلَيْهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ ذَاهِبًا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى دُبُرِهَا الَّذِي هُوَ الْجَوْفُ أَيْ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَأَوَّلُ كَلَامِهِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى الْمَشْرِقِ فِي زَمَنٍ آخَرَ. وَأَجَابَ عج: بِأَنَّ الْقِبْلَةَ وَالْمَشْرِقَ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا قَابَلَ الْمَغْرِبَ أَيْ وَالدُّبُرُ وَالْجَوْفُ لِأَنَّهُ قِيلَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقِبْلَةَ إذَا عُمِّيَتْ عَلَى الْمُصَلِّي جَعَلَ الْمَشْرِقَ أَمَامَهُ وَالْمَغْرِبَ خَلْفَهُ، فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا لِأَنَّهُ إنْ انْحَرَفَ عَنْ الْكَعْبَةِ يَكُونُ انْحِرَافًا يَسِيرًا. [قَوْلُهُ: الَّذِي إذَا سَلَّمَ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الَّذِي إنْ صَلَّى فِيهِ إذَا سَلَّمَ فَحَذَفَ الصِّلَةَ الَّتِي هِيَ إنْ صَلَّى فِيهِ وَالْعَائِدَ الْمَجْرُورَ بِفِي وَالصِّلَةُ يَجُوزُ حَذْفُهَا إذَا دَلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ. فَإِنْ قِيلَ: الْعَائِدُ هُنَا مَجْرُورٌ وَمِنْ شَرْطِ حَذْفِهِ أَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بِمِثْلِ مَا جُرَّ بِهِ الْمَوْصُولُ (وَالْجَوَابُ) كَمَا أَفَادَهُ عج أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ إذَا حُذِفَ الْعَائِدُ وَحْدَهُ وَأَمَّا إذَا حُذِفَ مَعَ الصِّلَةِ كَمَا هُنَا فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بَدَا] بِغَيْرِ هَمْزٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ ظَهَرَ [قَوْلُهُ: قُرْصُ الشَّمْسِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ إنْ أُرِيدَ مِنْ الشَّمْسِ نَفْسُ الْقُرْصِ وَمِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ إنْ أُرِيدَ بِهَا مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ الْقُرْصُ وَالشُّعَاعُ. [قَوْلُهُ: فَلَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ] عَزَا هَذَا عِيَاضٌ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. [قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْأَعْلَى إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا عَلَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِسْفَارِ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ وَقْتًا اخْتِيَارِيًّا لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَالْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى أَيْ الَّذِي يَتَرَاءَى فِيهِ الْوُجُوهُ، وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْبَصَرُ الْمُتَوَسِّطُ فِي مَحَلٍّ لَا سَقْفَ فِيهِ وَلَا غِطَاءَ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ لِلصُّبْحِ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى إلَى جُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الطُّلُوعِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَمَا بَعْدَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى طُلُوعُ الشَّمْسِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: فَمَا بَعْدَهُ إلَخْ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ فَمَا بَعْدَ أَوَّلِ الْإِسْفَارِ الْأَعْلَى. نَعَمْ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ بَاقٍ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْآخِرِ وَآخِرُ الشَّيْءِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَآخِرُهُ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ] أَيْ بِحَيْثُ إذَا أَوْقَعَ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ تَكُونُ وَاقِعَةً فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ [قَوْلُهُ: الْوَقْتَيْنِ] أَيْ وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْإِسْفَارِ الْبَيِّنِ [قَوْلُهُ: مَتَى أَوْقَعَهَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ مُفَرِّطًا] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَوْقَعَهَا فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ يَكُونُ مُفَرِّطًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَوَّلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى

أَنَّهُ يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ لَوْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِي بِتَرْكِهِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَرَادَ تَأْخِيرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا بُدَّ مِنْ بَدَلٍ وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَدَائِهَا فِي الْوَقْتِ، وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ الْعَزْمِ عَلَى أَدَائِهَا. (وَ) إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ كُلَّهُ سَوَاءٌ فِي نَفْيِ الْحَرَجِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ فِي الْفَضِيلَةِ فَ (أَفَضْلُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ (أَوَّلُهُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغُسْلٍ» وَعَلَيْهِ وَاظَبَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (وَوَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ (إذَا زَالَتْ) أَيْ مَالَتْ (الشَّمْسُ عَنْ كَبِدِ) بِفَتْحِ الْكَافِ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا وَكَسْرِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ عَبَّرَ بِهِ عَنْ وَسَطِ (السَّمَاءِ) مَجَازًا لِأَنَّ الْكَبِدَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَيَوَانِ، فَلَمَّا كَانَ مَوْضِعُ الْكَبِدِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَسَطَهُ عَبَّرَ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ بِالْكَبِدِ، ثُمَّ فَسَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَا يُنَاسِبُ الْمُعَلَّلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ عَدَمُ التَّفْرِيطِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِيقَاعِ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ، وَأَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ الَّذِي قَبْلَ الْبَيِّنِ وَآخِرُهُ هُوَ الَّذِي بَعْدَ الْبَيِّنِ الَّذِي هُوَ الْإِسْفَارُ الْبَيِّنُ، عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَقْتُ الِانْصِدَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ وُقُوعُ تِلْكَ الْعِبَادَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ مُنَاقَشَةٌ مَعَ الشَّارِحِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ظَاهِرٌ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مِنْ الِانْصِدَاعِ إلَى الْإِسْفَارِ وَقْتُ تَوْسِعَةٍ لَا ضِيقَ عَلَى الْمُصَلِّي فِيهِ، وَيَأْتِي الضِّيقُ فِي الْإِسْفَارِ الَّذِي إذَا سَلَّمَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَمُوتُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ صَارَ فِي حَقِّهِ مُضَيَّقًا، فَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ فَيَأْثَمُ مَاتَ أَوْ لَا، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَمُتْ وَصَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَهِيَ أَدَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا قَضَاءً عَمَلًا فِي ظَنِّهِ، إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْمَوْتِ ظَنَّ بَاقِي الْمَوَانِعِ الَّذِي طُرُوءُهَا مُسْقِطٌ كَالْحَيْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَوْ أَخَّرَتْ لَا تَقْضِي لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْإِثْمَ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْبَاجِيُّ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ] أَيْ لِلصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ] رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمِ وَمُقَابِلُ ذَلِكَ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ مُطْلَقًا. الثَّانِي: وَهُوَ لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّأْخِيرَ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ أَفْضَلُ. الثَّالِثُ: لِسَنَدٍ أَنَّ فِعْلَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ مِنْ التَّغْلِيسِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْوَقْتِ. الرَّابِعُ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ. [قَوْلُهُ: بِغَلَسٍ إلَخْ] الْغَلَسُ اخْتِلَاطُ ضَوْءِ الصُّبْحِ بِظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَوَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا» فَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» . وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الصُّبْحَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَدْرَك الْفَجْرِ خَفِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَعُثْمَانُ] لَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا لَعَلَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ عَنْهُ حَالَةً مُعَيَّنَةً لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي زَمَنِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ إلَخْ] نَزَلَ جِبْرِيلُ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ «وَصَلَّى بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ، وَالصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَكَذَا الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَصَلَّاهَا حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ» . وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ رَاعَى أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْمُصَلِّي أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: مَجَازًا] أَيْ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ

الزَّوَالَ بِقَوْلِهِ: (وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ) التَّقْدِيرُ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ بِأَنْ يُقَامَ عُودٌ مُسْتَقِيمٌ، فَإِذَا تَنَاهَى الظِّلُّ فِي النُّقْصَانِ وَأَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ، وَلَا اعْتِدَادَ بِالظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي الْقَامَةِ بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ مُفْرَدًا عَنْ الزِّيَادَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُؤَخَّرَ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ (فِي الصَّيْفِ) . ك: ظَاهِرُهُ أَوْ نَصُّهُ اخْتِصَاصُ التَّأْخِيرِ بِالصَّيْفِ دُونَ الشِّتَاءِ جَمَاعَةً وَأَفْذَاذًا. وَقَالَ ج: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي الصَّيْفِ بَلْ وَكَذَلِكَ الشِّتَاءُ وَالتَّأْخِيرُ الْمُسْتَحَبُّ مُسْتَمِرٌّ (إلَى أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ) مِمَّا لَهُ ظِلٌّ كَالْإِنْسَانِ (رُبْعُهُ بَعْدَ الظِّلِّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقَدَّرَ الظِّلُّ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَطْلَقَ الظِّلَّ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهِيَ لُغَةٌ شَاذَّةٌ، وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ الظِّلَّ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْفَيْءِ لِمَا بَعْدَهُ (وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) أَيْ التَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ (فِي) حَقِّ (الْمَسَاجِدِ) خَاصَّةً (لِ) أَجْلِ أَنْ (يُدْرِكَ النَّاسُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) وَفِي نُسْخَةٍ فِي خَاصَّتِهِ (فَأَوَّلُ الْوَقْتِ أَفْضَلُ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَأْخِيرِهِ (وَقِيلَ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ يُرِيدُ صَلَاةَ الظُّهْرِ (أَنْ يُبَرِّدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ أَنْ يَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ فِي الْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَصْرُ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَةِ خَاصَّةً. وَالثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحِلِّ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ فَسَّرَ الزَّوَالَ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الزِّيَادَةِ لَيْسَ عَيْنَ مَيْلِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، نَعَمْ هُوَ لَازِمٌ لَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ بِاللَّازِمِ لَا بِالْحَقِيقَةِ. [قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ] أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ لِلزَّوَالِ ظِلٌّ أَوْ حَدَثَ إنْ كَانَ ذَهَبَ لِأَنَّهُ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدْ يَبْقَى لِلْعُودِ ظِلٌّ قَلِيلٌ وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الظِّلِّ وَذَلِكَ بِمَكَّةَ وَزَبِيدٍ مَرَّتَيْنِ فِي السَّنَةِ، وَبِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ مَرَّةً فِي السَّنَةِ وَهُوَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِيهَا. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَامَ إلَخْ] الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يُقَامُ عُودٌ مُسْتَقِيمٌ فِي أَرْضٍ مُسْتَقِيمَةٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ] أَيْ مَالَتْ الشَّمْسُ عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: فِي الْقَامَةِ] أَيْ الْكَائِنِ فِي الْقَامَةِ. [قَوْلُهُ: بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ إلَخْ] كَذَا فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالْمَعْنَى بَلْ يُعْتَبَرُ ظِلُّهُ أَيْ ظِلُّ الشَّاخِصِ مُفْرَدًا عَنْ الزِّيَادَةِ بِذَلِكَ الظِّلِّ الَّذِي فِي أَصْلِ الشَّاخِصِ. [قَوْلُهُ: بَلْ وَكَذَلِكَ الشِّتَاءُ] لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاشْتِغَالُ فِي وَقْتِهَا وَهِيَ مَوْجُودٌ حَتَّى فِي وَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْفَيْءَ لِمَا بَعْدَهُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: إنَّمَا سُمِّيَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ عَنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ إلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ، وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ وَالْفَيْءُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَسَاجِدِ] وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] وَمِثْلُهُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ تَقْدِيمُهَا مُطْلَقًا صَيْفًا وَشِتَاءً وَالْمُصَنِّفُ قَيَّدَ بِالصَّيْفِ. قُلْت: إذَا قِيلَ فِي الصَّيْفِ بِأَنَّ الْفَذَّ يُقَدِّمُ فَأَوْلَى فِي الشِّتَاءِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْفَذِّ يُقَدِّمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَيْ بَعْدَ النَّفْلِ لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُثَابَرَةِ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ قَبْلَ الْعَصْرِ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَمَّا شِدَّةُ الْحَرِّ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُبَرِّدَ بِهَا وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ] قَالَ تت: أَيْ زِيَادَةً عَلَى رُبْعِ الْقَامَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَحْدَهُ، بَلْ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ إلَخْ] لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُبَرِّدُ بِهَا أَيْ يُوقِعُهَا فِي وَقْتِ الْبَرْدِ، فَالْإِبْرَادُ الْإِيقَاعُ فِي وَقْتِ الْبَرْدِ وَهُوَ لَيْسَ عَيْنَ انْكِسَارِ وَهَجِ الْحَرِّ، نَعَمْ انْكِسَارُ وَهَجِ الْحَرِّ تَفْسِيرٌ لِلْبَرْدِ لَا لِلْإِبْرَادِ. [قَوْلُهُ: وَهَجُ الْحَرِّ] بِفَتْحِ الْهَاءِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ الْقَامُوسِ أَيْ شِدَّتُهُ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا] هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقَصُرَ الِاسْتِحْبَابُ عَلَى الْمَسَاجِدِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا التَّقْدِيمُ وَمِثْلُهَا الْجُمُعَةُ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ الَّتِي تَنْتَظِرُ

وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَغَيْرِهِ فَيُسْتَحَبُّ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْحَرِّ لِلْفَذِّ وَالْجَمَاعَةِ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» . ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ، وَالْفَيْحُ لَهَبُ النَّارِ وَسُطُوعُهَا، وَحَدِيثُ التَّعْجِيلِ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ» (وَآخِرُ الْوَقْتِ) الْمُخْتَارِ لِلظُّهْرِ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ) اعْتِبَارُ النَّهَارِ هُنَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ بِخِلَافِ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) الْمُخْتَارِ هُوَ (آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ) الْمُخْتَارِ فَعَلَى هَذَا هُمَا مُشْتَرَكَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَلَفَ التَّشْهِيرُ هَلْ الظُّهْرُ تُشَارِكُ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ الْعَصْرُ تُشَارِكُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِمِقْدَارِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَخَّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَأَوْقَعَ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ كَانَتْ أَدَاءً، وَعَلَى الثَّانِي لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ عِنْدَمَا بَقِيَ مِقْدَارُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ الْقَامَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعَصْرَ تَقَعُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا لَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّيَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقَامَةِ الْأُولَى أَحَدُهُمَا صَلَّى الظُّهْرَ وَالْآخَرُ صَلَّى الْعَصْرَ، فَعَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى وَقَعَتْ الصَّلَاتَانِ أَدَاءً الظُّهْرُ تَقَعُ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ (وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ الْمُخْتَارِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ (أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ وَقِيلَ:) أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّك (إذَا اسْتَقْبَلْت الشَّمْسَ بِوَجْهِك) يَعْنِي بِبَصَرِك (وَأَنْتَ قَائِمٌ غَيْرُ مُنَكِّسِ رَأْسِك وَلَا مُطَأْطِئٍ لَهُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرَهَا فَالْأَوْلَى لَهَا التَّأْخِيرُ لِرُبْعِ الْقَامَةِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ، وَيُرَادُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا تَنْتَظِرُ غَيْرَهَا أَمْ لَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ أَيْ لِوَسَطِ الْوَقْتِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ، حَيْثُ قَالَ: قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَنْتَهِي بِالْإِبْرَادِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَنْتَهِي إلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهَا إلَى أَنْ كَانَ لِلتُّلُولِ وَالْجِدَارَاتِ فَيْءٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ وَذَلِكَ وَسَطُ الْوَقْتِ اهـ. [قَوْلُهُ: أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ، وَالْمَعْنَى أَدْخِلُوا الصَّلَاةَ فِي الْبَرْدِ وَهُوَ سُكُونُ شِدَّةِ الْحَرِّ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَأَمَرَ بِالْإِبْرَادِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ لَا عِنْدَ الْحَرِّ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: «فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ» ] قِيلَ كَلِمَةُ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ زَائِدَةٌ وَأَبْرَدَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ بِمَعْنَى أَدْخِلُوهَا فِي الْبَرْدِ. [قَوْلُهُ: «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ] بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ] أَيْ فَأَبْرِدُوا عَلَى وَزْنِ أَكْرِمُوا. [قَوْلُهُ: أَنْ تَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ] الْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ. [قَوْلُهُ: وَهَجُ الْحَرِّ] أَيْ شِدَّتُهُ وَقُوَّتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَطْفُ قَوْلِهِ وَيَنْكَسِرَ إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. [قَوْلُهُ: وَسُطُوعُهَا] أَيْ ارْتِفَاعُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَسُطُوعُهُ أَيْ اللَّهَبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ إضَافَتِهِ إلَى النَّارِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَيْحَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ اللَّهَبِ وَارْتِفَاعِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ اسْمٌ لِلَّهَبِ الْمُرْتَفِعِ وَأَحْسَنُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَقْفَهْسِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَيْحِ جَهَنَّمَ نَفْسُهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِالْهَاجِرَةِ] وَقْتِ اشْتِدَادِ الْحَرِّ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ ظِلِّ نِصْفِ النَّهَارِ] الْمُرَادُ بِهِ الظِّلُّ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] مُقَابَلَةٌ لِابْنِ حَبِيبٍ لَا اشْتِرَاكٌ بَيْنَهُمَا وَعَلَيْهِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَائِلًا: تَاللَّهِ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَصْرُ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مِقْدَارِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَرْبَعٌ هَذَا فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا السَّفَرُ فَبِقَدْرِ سَفَرِيَّتَيْنِ. [قَوْلُهُ: كَانَتْ أَدَاءً] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِهَذَا لِأَنَّهَا أَدَاءٌ وَلَوْ فُعِلَتْ فِي الضَّرُورِيِّ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي آخِرِ الْقَامَةِ الْأُولَى كَانَتْ بَاطِلَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] أَيْ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ آثِمًا لِوُقُوعِهَا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ. [قَوْلُهُ: الظُّهْرُ تَقَعُ إلَخْ] لَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي

ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مُطَأْطِئًا يَعْنِي مُمِيلًا. يُقَالُ: طَأْطَأَ رَأْسَهُ أَمَالَهُ، وَالتَّطَأْطُؤُ أَخْفَضُ مِنْ التَّنْكِيسِ لِأَنَّ التَّنْكِيسَ إطْرَاقُ الْجُفُونِ إلَى الْأَرْضِ، وَالتَّطَأْطُؤُ الِانْحِنَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ (فَإِنْ نَظَرْت إلَى الشَّمْسِ بِبَصَرِك) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ عَلَى بَصَرِك (فَقَدْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَإِذَا لَمْ تَرَهَا بِبَصَرِك) فَإِنَّهُ (لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ وَإِنْ نَزَلَتْ عَنْ بَصَرِك) أَيْ جَاءَتْ تَحْتَ بَصَرِك (فَقَدْ تَمَكَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ) وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ حِكَايَةُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ قَائِلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ الظِّلِّ (وَاَلَّذِي وُصِفَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) فِي تَحْدِيدِ آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلْعَصْرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ (أَنَّ الْوَقْتَ فِيهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) الْقَرَافِيُّ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، فَإِنَّ الشَّمْسَ حِينَئِذٍ أَيْ عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ تَكُونُ نَقِيَّةً وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ. (وَوَقْتُ) صَلَاةِ (الْمَغْرِبِ) الِاخْتِيَارِيُّ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَهَا اسْمَانِ هَذَا لِأَنَّهَا تَقَعُ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالْآخَرُ (صَلَاةُ الشَّاهِدِ يَعْنِي) أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدُ (الْحَاضِرُ) وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ مَا مَعْنَى الْحَاضِرِ فَقَالَ: (يَعْنِي أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَقْصُرُهَا وَيُصَلِّيهَا كَصَلَاةِ الْحَاضِرِ) . ك تَعْلِيلِ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ بِالشَّاهِدِ لِكَوْنِ الْمُسَافِرِ لَا يَقْصُرُهَا مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ، وَاَلَّذِي عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ يُسَمَّى الشَّاهِدُ، أَوْ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَمَرَةِ الْخِلَافِ، وَقَوْلُهُ: وَالْعَصْرُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَدْ تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ لَهُ فَذِكْرُهُ تَكْرَارٌ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَائِلَهُ] وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ دُخُولَ الْوَقْتِ بِمَا ذُكِرَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَكُونُ فِي الصَّيْفِ مُرْتَفِعَةً، وَفِي الشِّتَاءِ مُنْخَفِضَةً. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحْوِ حَيْثُ تَظْهَرُ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْأَوْرَادِ وَأَهْلِ الصَّنَائِعِ. فَيُسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ وَيُحْتَاطُ لِلْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَالثَّانِيَةَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ] أَيْ فِي الْأَرْضِ وَالْجُدُرِ أَيْ لَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ إذْ لَا تَزَالُ نَقِيَّةً حَتَّى تَغْرُبَ كَذَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّمْسَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِلْقُرْبِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي الْقُرْبَ بَلْ يَقْضِي بِالْبُعْدِ لِأَنَّ الشَّمْسَ إذَا كَانَتْ نَقِيَّةً عِنْدَ الْقَامَتَيْنِ فَلَمْ يُوجَدْ اصْفِرَارٌ فَقَدْ انْقَضَى وَقْتُ الْعَصْرِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَلَمْ يُنْقَضْ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَعْقُبُ ذَلِكَ النَّقَاءَ الِاصْفِرَارُ أَفَادَهُ الدَّفَرِيُّ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ ذِرَاعٌ لَا سِيَّمَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَيْ مَالِكًا بِقَوْلِهِ الشَّاهِدَ الْحَاضِرَ] مُرَادُهُ أَنَّ ضَمِيرَ يَعْنِي يَعُودُ عَلَى الْإِمَامِ وَقِيلَ يَعُودُ عَلَى حَمَلَةِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: مَنْقُوضٌ بِالصُّبْحِ] رَدَّهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، فَقَالَ: إنَّهُ مَسْمُوعٌ لَا يُقَاسُ وَإِلَّا لَسُمِّيَتْ الصُّبْحُ بِذَلِكَ، وَأَجَابَ بَعْضٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَمَّا كَانَ عَدَدُهَا قَرِيبًا مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ الَّتِي تُقْصَرُ إلَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ تَسْمِيَتُهَا بِالشَّاهِدِ بِالصُّبْحِ إذْ لَمْ يُعْهَدْ صَلَاةٌ هِيَ رَكْعَةٌ غَيْرَ الْوِتْرِ. [قَوْلُهُ: تَغْرُبُ عِنْدَ طُلُوعِ نَجْمٍ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ مُقَارَنَةَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيُفِيدُ كَوْنَ طُلُوعِ النَّجْمِ مَعْلُومًا دُونَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مَعَ أَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَظْهَرُ فِي التَّقْدِيرِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّقْدِيرِ بِطُلُوعِ ذَلِكَ النَّجْمِ أَنَّ وُجُودَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ، فَالْمُقَارَنَةُ الْمُفَادَةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ وَبَعْدَ أَنْ ظَهَرَ لِي ذَلِكَ وَجَدْت شَارِحَ الْحَدِيثِ السِّنْدِيَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: «حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» كِنَايَةٌ عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ بِغُرُوبِهَا يَظْهَرُ الشَّاهِدُ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ شَيْئًا مَا مَعَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعْجِيلُهَا عَقِبَ الْغُرُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ طُلُوعَهُ عَلَامَةٌ عَلَى تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَلْزَمُ إلَّا الصَّلَاةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ. وَمُفَادُهُ أَيْضًا أَنَّ طُلُوعَ ذَلِكَ

هَذِهِ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَفِظَهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» . وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ وَاَلَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِمَّا قَالَهُ مَالِكٌ. قَالَهُ التُّونُسِيُّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ إذَا عُلِمَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوَقْتُ الْغُرُوبِ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: وَهِيَ إلَى قَوْلِهِ الْحَاضِرُ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَوَقْتُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ) وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ لِطُولِ الْكَلَامِ. ك: وَالْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ غَيْبُوبَةُ جُرْمِهَا وَقُرْصِهَا الْمُسْتَدِيرِ دُونَ أَثَرِهَا وَشُعَاعِهَا فَقَوْلُهُ: (فَإِذَا تَوَارَتْ) أَيْ اسْتَتَرَتْ وَغَابَتْ (بِالْحِجَابِ) ابْنُ حَبِيبٍ: أَيْ بِالْعَيْنِ الْحَمِئَةِ أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ، وَقِيلَ: هُوَ شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّجْمِ عِنْدَ الْغُرُوبِ دَائِمًا لِأَنَّهُ نِيطَ الْحُكْمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: «عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْعَصْرَ كَانَتْ لِسُلَيْمَانَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا كَانَتْ لِأُمَّتِهِ إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا لِأُمَّتِهِ، فَالظَّاهِرُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا أُمَّةَ سُلَيْمَانَ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ جَمِيعَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانُوا مُتَعَبِّدِينَ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى إلَى عِيسَى وَسُلَيْمَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، فَلَا يَكُونُ الْعَصْرُ مُخْتَصًّا بِسُلَيْمَانَ وَلَا بِأُمَّتِهِ الَّذِينَ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ الْكَائِنِينَ فِي زَمَنِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّوْرَاةَ كَانَتْ لِبَنِي إسْرَائِيلَ عُمُومًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضًا مِنْهُمْ كَسُلَيْمَانَ كَانَ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ أَحْكَامٍ تَعَبَّدَتْ بِهَا أُمَّتُهُ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: فَضَيَّعُوهَا] أَيْ تَرَكُوهَا رَأْسًا أَوْ لَمْ يُدَاوِمُوا عَلَيْهَا أَوْ خَلَّوْا بِشَرْطِهَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ حَفِظَهَا] أَيْ بِأَنْ أَتَى بِهَا فِي وَقْتِهَا مَعَ شُرُوطِهَا. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَجْرُهُ إلَخْ] قَالَ السِّنْدِيُّ: أَيْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي كُلِّ عَمَلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّوَابُ الْأَصْلِيُّ غَيْرُ التَّضْعِيفِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا الْوُسْطَى. [قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا] خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ [قَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ النَّجْمُ] أَيْ النَّجْمُ الْمَعْهُودُ الَّذِي يَطْلُعُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَلَامِ بَعْضِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرَّحَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّيْثِ مُفَسَّرًا يُظْهِرُ لِلشَّاهِدِ الْوَاقِعَ فِي الْحَدِيثِ. قَالَ بَعْضٌ: سَمَّاهُ أَيْ النَّجْمَ الشَّاهِدَ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِاللَّيْلِ أَيْ يَحْضُرُ وَيَظْهَرُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَشْهَرُ] أَيْ مِنْ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ وَجْهَ التَّسْمِيَةِ لَا يَطَّرِدُ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ الْمُبْتَدَأَ إلَخْ] فِيهِ تَنَافٍ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ: وَخَبَرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَوَقْتُهَا مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَغُرُوبُ الشَّمْسِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ، وَمُفَادُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: فَوَقْتُهَا تَأْكِيدٌ لِلْمُبْتَدَأِ لَا أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ مُخْبَرٌ عَنْهُ بِخَبَرٍ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَكْرِيرِهِ إعَادَةُ لَفْظَةٍ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ لَا تَأْكِيدٌ أَوْ تَأْكِيدُ مَعْنًى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارُ الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ الْغُرُوبُ لَا الْإِخْبَارُ عَنْ الْوَقْتِ بِثُبُوتِ الْغُرُوبِ لِلْوَقْتِ كَمَا هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ] أَيْ غُرُوبُ قُرْصِهَا. قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: بِمَوْضِعٍ لَا جِبَالَ فِيهِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ جَبَلٌ فَيُنْظَرُ لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ فَإِذَا ظَهَرَتْ الظُّلْمَةُ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَغِيبِهَا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِيمِينَ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمُدُّوا الْمِيلَ وَنَحْوَهُ ثُمَّ يَنْزِلُونَ وَيُصَلُّونَ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَقُرْصُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَشُعَاعُهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَغَابَتْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: الْحَمِئَةِ] بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ اسْتَتَرَتْ فِي الطِّينِ الْأَسْوَدِ أَيْ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا، وَإِلَّا فَهِيَ قَدْرُ كَرَّةِ الْأَرْضِ مِائَةً وَسِتِّينَ أَوْ خَمْسِينَ أَوْ عِشْرِينَ مَرَّةً. [قَوْلُهُ: أَيْ ذَاتِ الْحَمْأَةِ] أَتَى بِذَلِكَ دَفْعًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ أَنَّ الْحَمْأَةَ وَصْفٌ لِلْعَيْنِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ ذَاتِ، وَظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا سَابِقًا أَنَّ الْغَيْبُوبَةَ فِي الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطِّينُ لَا فِي الظَّرْفِ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ] أَيْ الْحِجَابُ. [قَوْلُهُ: شَيْءٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهَا غَابَتْ فِي الْحِجَابِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ بَلْ الْبَاءُ عَلَيْهِ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمَعْنَى غَابَتْ أَيْ لَمْ تَظْهَرْ لَنَا

يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ فَوَقْتُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَجَبَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُهَا لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ لَا تُؤَخَّرُ عَنْهُ) تَأْكِيدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا غَيْرُ مُمْتَدٍّ هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ» دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ: وَقْتُهَا مُمْتَدٌّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُوَطَّأِ: «إذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ فَقَدْ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ وَخَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ» وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ» . الْمَازِرِيُّ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ سَنَدًا وَقِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ. (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ) الْمُخْتَارُ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ (صَلَاةُ الْعِشَاءِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْمَدِّ (وَهَذَا الِاسْمُ) أَيْ الْعِشَاءُ (أَوْلَى بِهَا) فِي التَّسْمِيَةِ مِنْ الْعَتَمَةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ الَّذِي نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَتَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ فَمُؤَوَّلٌ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ابْنُ الْعَرَبِيِّ سُمِّيَتْ بِالْعَتَمَةِ لِطُلُوعِ نَجْمٍ يَطْلُعُ فِي وَقْتِهَا يُسَمَّى الْعَاتِمُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضٌ (وَالشَّفَقُ) هُوَ (الْحُمْرَةُ الْبَاقِيَةُ فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ فِي نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ (مِنْ بَقَايَا شُعَاعِ الشَّمْسِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا يُرَى مِنْ ضَوْئِهَا عِنْدَ رُدُودِهَا كَالْقُضْبَانِ (فَإِذَا لَمْ يَبْقَ فِي الْمَغْرِبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَبَبِ الْحِجَابِ الْحَائِلِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا [قَوْلُهُ: لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ] ظَاهِرٌ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ وَلَوْ مُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَلَوْ مُرْسَلِينَ لَا يَعْلَمُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ أَيْ دُونَ عَامَّةِ النَّاسِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَوْ الْأَنْبِيَاءَ تَعْلَمُهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَجَبَتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَجَبَتْ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ] أَيْ اخْتِيَارِيٌّ، فَمَتَى أُخِّرَتْ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ وَلَا تَصِيرُ قَضَاءً. [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُمْتَدٍّ] أَيْ فَوَقْتُهَا يُقَدَّرُ بِفِعْلِهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا، فَوَقْتُهَا مُضَيَّقٌ وَيَجُوزُ لِمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ مُحَصِّلًا بِشُرُوطِهَا مِنْ طَهَارَةٍ وَسَتْرٍ وَاسْتِقْبَالٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ تَأْخِيرُ فِعْلِهَا بِمِقْدَارِ تَحْصِيلِهَا، وَذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَالُ مُوَسْوِسٍ وَلَا مَنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ السُّرْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَقْتُهَا مُمْتَدٌّ] الرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الِاسْمُ] أَيْ الْعِشَاءُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِشَاءَ أَوَّلًا مُرَادٌ مِنْهَا الرَّكَعَاتُ وَالسَّجَدَاتُ لَا اللَّفْظُ، وَأَنَّ الِاسْمَ نَفْسُ اللَّفْظِ فَيَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ. [قَوْلُهُ: مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ إلَخْ] لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا وَإِنَّهَا الْعِشَاءُ وَأَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ» وَقِيلَ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَسَكَتَ عَنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَيَحْتَمِلُ التَّصْرِيحَ فِيهَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُ السُّكُوتَ عَنْ الْحُكْمِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا وَرَدَ إلَخْ] فَفِي الْمُوَطَّإِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» . [قَوْله: لِبَيَانِ الْجَوَازِ] أَيْ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَبَقِيَ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْقِيقِ أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْعَتَمَةِ بِحَيْثُ تَهْجُرُ تَسْمِيَتَهَا بِالْعِشَاءِ. الثَّانِي: أَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعِشَاءَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ عِنْدِي بَعْدُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ فَقَدْ قِيلَ لِتَأْخِيرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَعْتَمَ الْقَوْمُ إذَا حَبَسُوا إبِلَهُمْ فِي الرَّعْيِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: إذَا أَخَّرُوا قُرَاهُمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ] أَيْ لَا كُلِّ الْمَغْرِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ رُدُودِهَا] وَفِي نُسْخَةٍ وُرُودِهَا وَفِي نُسْخَةٍ دُبُورِهَا، أَمَّا الْأُولَى فَلَا يَظْهَرُ لَهَا وَجْهٌ، أَمَّا لَفْظًا فَلَمْ أَرَ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْمِصْبَاحِ وَلَا فِي الْقَامُوسِ وَلَا فِي الْمُخْتَارِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الشَّمْسَ لَيْسَتْ

أَيْ نَاحِيَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ (صُفْرَةٌ وَلَا حُمْرَةٌ فَقَدْ وَجَبَ) أَيْ دَخَلَ (الْوَقْتُ) أَيْ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَانْظُرْ كَيْفَ قَدَّمَ الصُّفْرَةَ وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْحُمْرَةِ. أُجِيبُ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَفِي ذِكْرِ الصُّفْرَةِ مَعَ قَوْلِهِ وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ تَدَافُعٌ، وَفِي قَوْلِهِ: وَالشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ الْبَاقِي فِي الْمَغْرِبِ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الشَّفَقَ هُوَ الْبَيَاضُ دَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ» . (فَذَلِكَ) أَيْ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ (لَهَا) أَيْ لِلْعِشَاءِ (وَقْتٌ) يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ مَبْدَؤُهُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَنِهَايَتِهِ (إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ع: وَانْظُرْ كَيْفَ قَالَ: (مِمَّنْ يُرِيدُ) وَلَمْ يَقُلْ لِمَنْ يُرِيدُ (تَأْخِيرَهَا) وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (لِشُغْلٍ) أَيْ لِأَجْلِ شُغْلٍ مُهِمٍّ (أَوْ) لِأَجْلِ (عُذْرٍ) بَيِّنٍ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا إلَّا أَهْلُ الْأَعْذَارِ. (وَ) أَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَ (الْمُبَادَرَةُ) أَيْ الْمُسَارَعَةُ لَهُ (بِهَا) أَيْ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا (أَوْلَى) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (وَ) إنْ كَانَ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ فَ (لَا بَأْسَ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَخِّرَهَا أَهْلُ الْمَسَاجِدِ قَلِيلًا لِ) أَجْلِ (اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ سَيْرِهَا لِلْمَغْرِبِ رَاجِعَةٌ كَمَا هُوَ مَدَارُ الْمَادَّةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رَدَدْت الشَّيْءَ رَدًّا رَجَّعْته اهـ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَحْتَمِلُ عِنْدَ وُرُودِهَا عَلَى الْجَبَلِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ الدُّنْيَا، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَمَعْنَاهَا عِنْدَ ذَهَابِهَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَدَبَرَ النَّهَارُ دُبُورًا مِنْ بَابِ قَعَدَ إذَا انْصَرَمَ اهـ. [قَوْلُهُ: كَالْقُضْبَانِ] أَيْ أَنَّ ضَوْءُهَا يُشْبِهُ الْقُضْبَانَ وَهُوَ بِضَمِّ الْقَافِ جَمْعُ قَضِيبٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ قُضْبَانِ الذَّهَبِ. [قَوْلُهُ: وَفِي ذِكْرِ الصُّفْرَةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ الشَّفَقُ الْأَبْيَضُ أَيْ وَهُوَ أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ: لَا يُنْظَرُ إلَى الْبَيَاضِ تَدَافُعٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ مَغِيبِ] أَيْ غُيُوبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا: غُيُوبَةُ. وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْغَيْبُوبَةِ بِأَنَّهُ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ وَهَذَا لَا اسْتِمْرَارَ لَهُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إلَى ثُلُثِ إلَخْ. أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلِيَّةُ. أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْبِدَايَةَ وَالنِّهَايَةَ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا فَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ النِّهَايَةَ لَهَا اسْتِمْرَارٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: يَعْنِي أَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، أَيْ مِمَّا يَعْقُبُ غَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، أَيْ إلَى نِهَايَةِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَنْتَهِي إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. [قَوْلُهُ: مُهِمٍّ] إشَارَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الشُّغْلِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُهِمًّا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ التَّنْكِيرِ لِلتَّعْظِيمِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ عُذْرٍ] هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ، أَوْ يُمَثِّلُ لِلشُّغْلِ بِعَمَلٍ فِي حِرْفَتِهِ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْهَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ عُذْرٍ بِالْمَرَضِ فَيَكُونُ مُغَايِرًا. [قَوْلُهُ: بَيِّنٍ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا. [قَوْلُهُ: لَا يُؤَخِّرُهَا] أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا أَهْلُ الْأَعْذَارِ] زَادَ تت فَقَالَ: وَهَلْ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مُنْتَهًى اخْتِيَارِيٌّ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ قَوْلَانِ اهـ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: جَائِزٌ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا إلَخْ] وَمِثْلُهُ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَا تُنْكِرُ غَيْرَهَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْفَرِدٍ] أَيْ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً طَالِبِينَ غَيْرَهُمْ. [قَوْلُهُ: قَلِيلًا إلَخْ] قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِقَدْرٍ تَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا بِحَسَبِ الْعَادَةِ ذَكَرَهُ عج، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيلِهِ. [قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ إلَخْ] قَالَ تت: يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا لَا تُؤَخَّرُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّأْخِيرِ. تَنْبِيهٌ: مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ] أَيْ خَوْفُ التَّمَادِي فِيهِ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ لِاحْتِمَالِ نَوْمِ الْوَكِيلِ أَوْ

(وَالْحَدِيثُ لِغَيْرِ شُغْلٍ) مُهِمٍّ (بَعْدَهَا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَ ذَلِكَ. ك: وَالْحَدِيثُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ مَخْصُوصٌ بِمَا اسْتَثْنَى مِنْ الْحَدِيثِ فِي الْعِلْمِ وَجَمِيعِ الْقُرُبَاتِ، قَالُوا: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْعَرُوسُ وَالضَّيْفُ وَالْمُسَافِرُ وَمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ الْإِنْسَانِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِثْلِ خُذْ وَكُلْ وَنَمْ. تَتْمِيمٌ تَكَلَّمَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الضَّرُورِيِّ، أَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَمَبْدَأُ ضَرُورِيَّةِ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ وَمَبْدَؤُهُ فِي الْعَصْرِ الِاصْفِرَارُ وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَمَبْدَؤُهُ فِي الْمَغْرِبِ فَرَاغُهُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَوَانٍ. وَفِي الْعِشَاءِ أَوَّلُ ثُلُثِ اللَّيْلِ الثَّانِي وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا طُلُوعُ الْفَجْرِ. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَوْقَاتَ ضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهَا إلَّا لِأَصْحَابِ الضَّرُورَةِ وَهُمْ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْكَافِرُ أَصْلًا وَارْتِدَادًا، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ وَالنَّاسِي، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَهَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنِسْيَانِهِ، وَجَازَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ غَيْرِهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا زَمَنُ نَوْمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ إلَخْ] أَيْ وَكَذَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَرَاهَةُ الْحَدِيثِ بَعْدَهَا. بِغَيْرِ شُغْلٍ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَهَا اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى لِفَوَاتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ جَمَاعَةً أَوْ فَوَاتِ وَقْتِهَا أَوْ فَوَاتِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّهَجُّدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْيَقَظَةِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَقِيلَ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ النَّوْمِ، لِأَنَّ النَّوْمَ نَقْصٌ، وَقِيلَ: النَّوْمُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى فِيهِ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا وَالْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَالنَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَوْ جُوِّزَ نَوْمُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الْعَرُوسُ] قَالَ عج: وَانْظُرْ مَا حَدُّ اللَّيَالِي الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا مَعَ الْعَرُوسِ هَلْ هِيَ سَبْعٌ فِي الْبِكْرِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّيِّبِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِتَأَنُّسِهَا بِهِ وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ. تَنْبِيهٌ يُسْتَثْنَى أَيْضًا مُحَادَثَةُ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحِكَايَةُ الصَّالِحِينَ. [قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ] أَيْ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرٍ أَوْ لِلتَّوَجُّهِ إلَى سَفَرٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: الِاصْفِرَارُ] أَيْ أَوَّلُ الِاصْفِرَارِ. [قَوْلُهُ: وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا غُرُوبُ الشَّمْسِ] لَا يُؤْخَذُ بِظَاهِرِ هَذَا إذْ الْعَصْرُ مُخْتَصَرٌ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَضَرُورِيٌّ الظُّهْرُ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، إلَى أَنْ لَا يَبْقَى لِلْغُرُوبِ إلَّا مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَصْرُ، فَلَوْ أُوقِعَتْ الظُّهْرُ فَمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَتَكُونُ قَضَاءً. [قَوْلُهُ: غُرُوبُ الشَّمْسِ] لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ أَيْ الْمُنْتَهَى الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْهُ الَّذِي يَعْقُبُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ. [قَوْلُهُ: فَرَاغُهُ] أَيْ مَا يَعْقُبُ فَرَاغَهُ. [قَوْلُهُ: وَانْتِهَاؤُهُ فِيهِمَا إلَخْ] يَأْتِي مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْحَائِضُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمَا فِي تَأْدِيَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ أَصْلًا وَارْتِدَادًا إذَا أَسْلَمَ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَكَذَا الصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى فِيهِ لَا إثْمَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] أَيْ إذَا أَفَاقَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَصَلَّى لَا إثْمَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَالنَّائِمُ وَالسَّاهِي] أَيْ إذَا اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ وَتَذَكَّرَ السَّاهِي فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَصَلَّى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَالْمَعْذُورُ غَيْرُ الْكَافِرِ وَالنَّائِمُ وَالسَّاهِي يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ بِالْمَاءِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ مِنْ أَهْلِ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا قُدِّرَ الطُّهْرُ بِالتُّرَابِ لَا مِنْ الْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَكَذَا لَا يُقَدَّرُ لَهُ سَتْرٌ وَلَا اسْتِقْبَالٌ وَلَا اسْتِبْرَاءٌ أَنْ لَوْ احْتَاجَ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ بَعْدَ تَقْدِيرِ

[باب في الأذان والإقامة]

غَيْرِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا، وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ غَيْرُ ذِي الْعُذْرِ عَاصِيًا لِتَفْرِيطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَوْقَاتِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْمُعَلَّمَ بِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالطُّهْرِ. وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ تِلْكَ الصَّلَاةُ. وَأَمَّا الْكَافِرُ يُقَدَّرُ لَهُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ لَا الطُّهْرُ وَالنَّائِمُ وَالنَّاسِي يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ] أَيْ وَهُمْ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ. [بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ] [قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمُعَلَّمَ] فِيهِ تَجُوزُ إذْ الْمُعَلَّمُ لَهَا الشَّخْصُ، وَأَيْضًا يَقُولُ: قَرِيبًا الْأَذَانُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِعْلَامِ بِالْأَوْقَاتِ وَلَمْ يَقُلْ الْأَذَانُ الْمُعَلَّمُ.

بَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (بَابٌ) فِي (بَيَانِ) حُكْمِ (الْأَذَانِ وَ) حُكْمِ (الْإِقَامَةِ) وَبَيَانِ صِفَتِهِمَا وَالْأَذَانُ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا الْإِعْلَامُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ فَقَالَ: (وَالْأَذَانُ وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ (فِي الْمَسَاجِدِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ جَامِعَةً أَوْ غَيْرَ جَامِعَةٍ. (وَ) فِي أَمَاكِنِ (الْجَمَاعَاتِ الرَّاتِبَةِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَسَاجِدَ أَوْ غَيْرِهَا، وَاحْتُرِزَ بِالْجَمَاعَاتِ عَنْ الْمُنْفَرِدِ وَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِهِ وَبِالرَّاتِبَةِ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْغَيْرِ الرَّاتِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا الْأَذَانُ بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَدَلِيلُ مَا قَالَ: أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ وَمُوَاظَبَتُهُمْ عَلَيْهِ فِي زَمَنِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِظْهَارُهُ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الْجَمَاعَاتِ فَقَالَ: (فَأَمَّا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) وَيُرْوَى فِي خَاصَّتِهِ (فَإِنْ أَذَّنَ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُهُ بِالْمُسَافِرِ دُونَ الْمُقِيمِ لِمَا صَحَّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابٌ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ حُكْمِ الْأَذَانِ] أَيْ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَذَانِ كُلًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي: زِدْت هَاهُنَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ إلَخْ. لَا خُصُوصُ السُّنَّةِ أَوْ النَّدْبِ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُؤَذَّنُ لِصَلَاةٍ إلَخْ أَيْ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَالْأَذَانُ لُغَةً الْإِعْلَامُ] أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ. [قَوْلُهُ: الْإِعْلَامُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ] أَيْ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ. [قَوْلُهُ: وُجُوبَ السُّنَنِ] أَيْ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. [قَوْلُهُ: فِي الْمَسَاجِدِ] أَيْ وَأَمَّا فِي الْمِصْرِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيُقَاتَلُونَ عَلَى تَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ جَامِعَةً] أَيْ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ أَيْ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَتَقَارَبَ أَوْ لَا أَوْ كَانَ مَسْجِدًا فَوْقَ مَسْجِدٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهَا] أَيْ أَوْ غَيْرِ مَسَاجِدَ أَيْ حَيْثُ يَطْلُبُونَ غَيْرَهُمْ بَلْ كُلُّ جَمَاعَةٍ تَطْلُبُ غَيْرَهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ رَاتِبَةً فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ الْأَذَانُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَذَانُ] مُرَادُهُ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ السُّنَنِ لَا حَقِيقَتُهُ، إذْ لَا يُتَوَهَّمُ وَلَا يُسْتَحَبُّ أَيْ بَلْ يُكْرَهُ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ الْغَيْرِ الرَّاتِبَةِ فِي الْحَضَرِ أَيْ جَمَاعَةٍ فِي الْحَضَرِ لَا يَنْتَظِرُونَ غَيْرَهُمْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَيُنْدَبُ لَهَا بَلْ وَالْمُنْفَرِدُ فِيهِ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَذَانَ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ سِوَى الْإِبَاحَةِ الْوُجُوبُ كِفَايَةً فِي الْمِصْرِ وَالسُّنَّةُ كِفَايَةٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ تَطْلُبُ غَيْرَهَا وَلَوْ فِي السَّفَرِ. وَالِاسْتِحْبَابُ لِمَنْ كَانَ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً لَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا، وَحَرَامٌ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمَكْرُوهٌ لِلسُّنَنِ وَلِلْجَمَاعَةِ الَّتِي لَمْ تَطْلُبْ غَيْرَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْفَائِتَةِ وَفِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَلِفَرْضِ الْكِفَايَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابَلَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: إذَا أَذَّنُوا فَحَسَنٌ وَاخْتَارَهُ ابْنُ بَشِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ مَا قَالَ] أَيْ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: أَمْرُهُ إلَخْ] أَيْ وَهَذَا ضَابِطُ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَمُوَاظَبَتُهُمْ] أَيْ مُوَاظَبَةُ أَهْلِ الدِّينِ. [قَوْلُهُ: وَإِظْهَارُهُ فِي جَمَاعَةٍ إلَخْ] هَذَا لَازِمٌ لِقَوْلِهِ: وَمُوَاظَبَتُهُمْ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِظْهَارُهُ فِي جَمَاعَةٍ أَيْ إظْهَارُ ذَلِكَ الْأَذَانِ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ، فَعَلَى هَذَا عَدَمُ الْإِظْهَارِ فِي جَمَاعَةٍ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ الْأَذَانِ مَثَلًا فِي بَيْتِهِ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْجِيرَانِ وَلَا أَهْلُ الْبَلَدِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُهُ بِالْمُسَافِرِ دُونَ الْمُقِيمِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: وَالْمُقِيمُ مِثْلُ

«إذَا كُنْت فِي غَنَمِك أَوْ بَادِيَتِك فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَك بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا شَيْءٌ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْإِقَامَةِ (وَ) هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، أَمَّا الرَّجُلُ فَ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِقَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ: إنَّ مَنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى السُّنَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ لِاتِّصَالِهَا بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا تَرَاخَى مَا بَيْنَهُمَا بَطَلَتْ الْإِقَامَةُ وَاسْتُؤْنِفَتْ، (وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنْ أَقَامَتْ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمْ (فَلَا حَرَجَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا إثْمَ (عَلَيْهَا) . وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ نَبَّهَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَافِرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّفَرَ الشَّرْعِيَّ، بَلْ وَلَوْ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: «إذَا كُنْت فِي غَنَمِك» ] أَيْ إذَا كُنْت فِي فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ بِغَنَمِك. [قَوْلُهُ: «أَوْ بَادِيَتِك» ] يَحْتَمِلُ أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الْغَنَمَ قَدْ لَا تَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ حَيْثُ لَا غَنَمَ قَالَهُ الْحَافِظُ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْبَادِيَةِ بَدْوِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: فَأَذَّنْت بِالصَّلَاةِ] أَيْ أَعْلَمْت بِوَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: بِالنِّدَاءِ] أَيْ الْأَذَانِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ أَذَانَ الصَّلَاةِ كَانَ مُقَرَّرًا عِنْدَهُمْ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِالرَّفْعِ دُونَ أَصْلِ التَّأْذِينِ. [قَوْلُهُ: نَدَى صَوْتِ] كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ نَدَى بِنُونٍ وَدَالٍ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الْقَامُوسِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيَّ مَدَى صَوْتِ بِمِيمٍ وَدَالٍ. وَقَالَ السِّنْدِيُّ عَلَى النَّسَائِيّ: بِفَتْحِ مِيمٍ وَخِفَّةٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ، أَيْ غَايَةَ صَوْتِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ مَدَّ صَوْتِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ دَالٍ أَيْ تَطْوِيلَهُ انْتَهَى كَلَامُ السِّنْدِيِّ. وَإِذَا شَهِدَ لَهُ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ وَوَصَلَ إلَيْهِ مُنْتَهَى صَوْتِهِ فَلَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ مَنْ دَنَا مِنْهُ وَسَمِعَ مَبَادِئَ صَوْتِهِ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: إنْسٌ إلَخْ] قِيلَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ فَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهَذَا لَا يَسْلَمُ لِقَائِلِهِ لِمَا جَاءَ فِي الْآثَارِ مِنْ خِلَافِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا جِنٌّ] قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يُرِيدَ مُؤْمِنِي الْجِنِّ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَلَا يَشْهَدُونَ لِلْمُؤَذِّنِ بَلْ يَفِرُّونَ وَيَنْفِرُونَ مِنْ الْأَذَانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ] ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهَا إدْرَاكًا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ خُزَيْمَةَ: «لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ شَجَرٌ وَلَا مَدَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا جِنٌّ وَلَا إنْسٌ» . [قَوْلُهُ: «إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ] قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ اشْتِهَارُ الْمَشْهُودِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْفَضْلِ وَعُلُوِّ الدَّرَجَةِ، أَيْ وَإِلَّا كَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ يَفْضَحُ بِالشَّهَادَةِ قَوْمًا فَكَذَلِكَ يُكْرِمُ بِالشَّهَادَةِ آخَرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَالْإِقَامَةُ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةٌ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى السُّنَّةِ] أَيْ حَمَلَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَيْ سُنَّةِ عَيْنٍ لِبَالِغٍ يُصَلِّي وَلَوْ فَاتَتْهُ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا بِنِسَاءٍ فَقَطْ، وَكِفَايَةٍ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ مَعَهُمْ نِسَاءٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالذُّكُورِ، وَمَحِلُّ سُنَّةِ الْإِقَامَةِ إذَا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُتَّسِعًا وَإِلَّا تَرَكَهَا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ إلَخْ] أَيْ وَلِبُطْلَانِهَا عَلَى قَوْلٍ بِتَرْكِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْأَذَانَ لِوُجُوبِهِ فِي الْمِصْرِ، وَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ الْإِمَامَةَ عَلَيْهِمَا لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عَلَى الْإِمَامَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَاخَى إلَخْ] وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ شُرْبَ الْمَاءِ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: مُسْتَحَبٌّ] أَيْ إذَا صَلَّتْ وَحْدَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُقِيمَةً لِلْجَمَاعَةِ وَلَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ بِإِقَامَتِهَا لَهُمْ كَالْأَذَانِ، نَعَمْ يَسْقُطُ النَّدْبُ عَنْهَا بِإِقَامَتِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ] هَذَا غَيْرُ مُتَوَهَّمٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا إثْمَ] أَيْ وَأَمَّا اللُّوَّمُ فَهُوَ ثَابِتٌ، وَيُنْدَبُ الْإِسْرَارُ فِي الْإِقَامَةِ لِلْمُنْفَرِدِ فَالذَّكَرُ الْمُنْفَرِدُ إذَا أَقَامَ سِرًّا أَتَى بِسُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَأْتِي بِمُسْتَحَبَّيْنِ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ] يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَمْرَانِ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَشَيْءٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ الْأَوَّلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا شَيْئَانِ وَعِبَارَةُ تت أَحْسَنُ وَنَصُّهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِهِ اهـ.

أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. فَقَالَ: (وَلَا يُؤَذَّنُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَذَّنَ (لِصَلَاةٍ) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَتَّى الْجُمُعَةِ (قَبْلَ وَقْتِهَا إلَّا الصُّبْحَ) أَيْ صَلَاةَ الصُّبْحِ (فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا فِي السُّدُسِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ سَاعَتَانِ (مِنْ) آخِرِ (اللَّيْلِ) قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُؤَذَّنُ لَهَا ثَانِيًا عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤَذَّنُ لَهَا نِصْفَ اللَّيْلِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَنَا مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت» ، الْبِسَاطِيُّ ضَبَطَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِالسُّدُسِ. (وَالْأَذَانُ) أَيْ صِفَتُهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: الْإِعْلَامَ أَيْ الشَّأْنَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ مَنْ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ مِنْ أَذَانِهِ الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَيْ إعْلَامَ الْمُكَلَّفِينَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ لِأَجْلِ أَدَائِهِمْ الْفَرْضَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ] أَيْ يَحْرُمُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى الْجُمُعَةِ] بَالَغَ عَلَى الْجُمُعَةِ رَدًّا عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ: بِأَنَّ الْجُمُعَةَ يُؤَذَّنُ لَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا تُصَلَّى إلَّا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذَّنَ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا قَبْلَ السُّدُسِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الصُّبْحِ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَأْتِي وَالنَّاسُ نِيَامٌ وَيَحْتَاجُونَ لِلتَّأَهُّبِ لَهَا، فَلَوْ فَعَلَ الْأَذَانَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا كَغَيْرِهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ لَا يَتَبَادَرَ لَهَا فَتُوقَعُ بِغَيْرِ غَلَسٍ وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ تُدْرِكُ النَّاسَ مُنْصَرِفِينَ فِي أَشْغَالِهِمْ فَلَا يَحْتَاجُونَ أَكْثَرَ مِنْ الْإِعْلَامِ بِوُجُوبِهَا، وَمِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يُسْتَحَبُّ إلَخْ نَشَأَ اعْتِرَاضُ الْفَاكِهَانِيِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِمَا مُحَصَّلُهُ أَنْ لَا بَأْسَ فِيهَا تَمْرِيضٌ وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَهَا إلَّا فِيمَا كَانَ الْأَحْسَنُ تَرْكَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَاعَتَانِ] أَيْ عِنْدَ اسْتِوَاءِ اللَّيْلِ وَعَدَمِهِ، غَيْرَ أَنَّ مُدَّةَ السَّاعَةِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُؤَذَّنُ لَهَا ثَانِيًا] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِيَ سُنَّةٌ. قَالَ عج: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَذَانَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا فِي أَذَانَيْ الْجُمُعَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّانِي آكَدَ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. [قَوْلُهُ: «حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ] وَاسْمُهُ عَمْرٌو أَوْ عَبْدُ اللَّهِ، وَأُمُّ مَكْتُومٍ اسْمُهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدٍ الْمَخْزُومِيَّةُ، وَعَمِيَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ أَوْ وُلِدَ أَعْمَى فَكُنِيَتْ أُمُّهُ أُمَّ مَكْتُومٍ لِاكْتِتَامِ نُورِ بَصَرِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُ: «لَا يُنَادِي» أَيْ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْت أَصْبَحْت بِالتَّكْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ وَهِيَ تَامَّةٌ تَسْتَغْنِي بِمَرْفُوعِهَا، وَالْمَعْنَى قَارَبْت الصُّبْحَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أَيْ آخِرَ عِدَّتِهِنَّ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ ظَاهِرَهُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِظُهُورِ الْفَجْرِ بَلْ التَّحْذِيرُ مِنْ طُلُوعِهِ وَالتَّحْضِيضُ لَهُ عَلَى النِّدَاءِ خِيفَةَ ظُهُورِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ جَوَازُ الْأَكْلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ أَذَانَهُ غَايَةً لِلْأَكْلِ، نَعَمْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «إنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ» ، فَإِنَّ فِيهِ إشْعَارًا بِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ بِخِلَافِهِ وَأَيْضًا وَقَعَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي الصِّيَامِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» وَأُجِيبُ بِأَنَّ أَذَانَهُ جُعِلَ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَكَأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْ يُرَاعِي الْوَقْتَ بِحَيْثُ يَكُونُ أَذَانُهُ مُقَارِنًا لِابْتِدَاءِ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: ضَبَطَهُ] أَيْ ضَبَطَ وَقْتَ النِّدَاءِ بِاللَّيْلِ. وَقَوْلُهُ: أَيْ صِفَتُهُ أَرَادَ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقَةَ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ] بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَكْبَرَ وَمَدِّ الْجَلَالَةِ مَدًّا طَبِيعِيًّا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ بِإِبْدَالِ هَمْزَةِ أَكْبَرَ وَاوًا كَمَا لَا يَبْطُلُ جَمْعُهُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ، وَأَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرًا وَالْمُرَادُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ كَبِيرٍ. [قَوْلُهُ: رَسُولُ اللَّهِ] قَالَ عج: بِرَفْعِ رَسُولُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، قَالَ بَعْضٌ: مَنْ نَصَبَهُ لَمْ يَشْهَدْ قَطُّ بِالرِّسَالَةِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ بَدَلًا مِنْ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَأْتِ بِخَبَرِ أَنَّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَدَمَ اللَّحْنِ فِي الْأَذَانِ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَبْطُلُ بِنَصَبِ الْمَرْفُوعِ وَلَا بِرَفْعِ الْمَنْصُوبِ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِاللَّحْنِ فِي الْفَاتِحَةِ فَكَيْفَ بِالْأَذَانِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ] أَيْ بَعْدَ تَكْرِيرِ الشَّهَادَتَيْنِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ التَّرْجِيعِ بِأَنْ يُعِيدَ لَفْظَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّرْجِيعَ

أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ تَرْجِعُ بِأَرْفَعَ) أَيْ بِأَعْلَى (مِنْ صَوْتِك أَوَّلَ مَرَّةٍ فَتُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ فَتَقُولُ أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ) أَيْ هَلُمُّوا بِمَعْنَى أَقْبِلُوا وَأَسْرِعُوا (حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) أَيْ هَلُمُّوا إلَى الْفَلَاحِ وَهُوَ الْفَوْزُ بِالنَّعِيمِ فِي الْآخِرَةِ (فَإِنْ كُنْت فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ زِدْت هَاهُنَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِ نِدَاءِ الصُّبْحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ وَكَذَلِكَ (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً) وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ عَدَدَ كَلِمَاتِهِ فِي الصُّبْحِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي غَيْرِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: سَبْعَ عَشْرَةَ جُمْلَةً، وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً مَجَازٌ عَبَّرُوا بِالْكَلِمَةِ عَنْ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَهُوَ ثَمَانٍ وَسِتُّونَ كَلِمَةً. فَائِدَةٌ نَقَلَ صَاحِبُ الْفِرْدَوْسِ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ ذَلِكَ وَقَبَّلَ بَاطِنَ أُنْمُلَةِ السَّبَّابَتَيْنِ وَمَسَحَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَعَلَ مِثْلَ خَلِيلِي فَقَدْ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتِي» . قَالَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ: وَلَمْ يَصِحَّ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَضِرِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرْحَبًا بِحَبِيبِي وَقُرَّةِ عَيْنِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَبِّلُ إبْهَامَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَلَا يُرْجِعُ الْأُولَى قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالثَّانِيَةِ وَحِكْمَةُ طَلَبِهِ إمَّا لِتَدَبُّرِ مَعْنَى كَلِمَتَيْ الْإِخْلَاصِ لِكَوْنِهِمَا الْمُنْجِيَتَيْنِ مِنْ الْكُفْرِ الْمُدْخَلَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، أَوْ لِمَا «قِيلَ إنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ أَخْفَى صَوْتَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ حَيَاءً مِنْ قَوْمِهِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ شِدَّةِ بُغْضِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُ وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَأَمَرَهُ بِالتَّرْجِيعِ» . [قَوْلُهُ: بِأَرْفَعَ إلَخْ] مُلَخَّصَةٌ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَدَّ الْإِمْكَانِ وَيَخْفِضُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ قَبْلَ التَّرْجِيعِ بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُ إسْمَاعَ النَّاسِ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا عِنْدَ التَّرْجِيعِ بِحَيْثُ يُسَاوِي صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْمَاعِ قَبْلَ التَّرْجِيعِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ الْأَذَانُ وَالتَّرْجِيعُ سُنَّةٌ وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً عَدَمُ بُطْلَانِ الْأَذَانِ بِتَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ هَلُمُّوا] أَيْ فَحَيَّ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ. [قَوْلُهُ: وَأَسْرِعُوا] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ أَيْ إسْرَاعًا بِلَا خَبَبٍ أَيْ هَرْوَلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ بِحَيْثُ تُذْهِبُ الْوَقَارَ. وَالسَّكِينَةَ كُرِهَتْ، وَظَاهِرُهُ كَابْنِ رُشْدٍ وَلَوْ خَافَ فَوَاتَ إدْرَاكِهَا جُمُعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ هَلُمُّوا إلَى الْفَلَاحِ] أَيْ إلَى سَبَبِ الْفَلَاحِ وَهُوَ الصَّلَاةُ، فَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ تَأْكِيدٌ فِي الْمَعْنَى لِقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: زِدْت هَاهُنَا] أَيْ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَلَوْ كَانَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ إلَخْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِزِدْت لِتَأَوُّلِهَا بِمُفْرَدٍ وَهُوَ هَذَا اللَّفْظُ، وَمَعْنَاهُ التَّيَقُّظُ لِلصَّلَاةِ خَيْرٌ مِنْ الرَّاحَةِ الْحَاصِلَةِ بِالنَّوْمِ. تَنْبِيهٌ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ أُمِرَ بِهَا أَيْ بِالصَّلَاةِ خَيْرٌ إلَخْ. فَقِيلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. [قَوْلُهُ: لَا تَقُلْ ذَلِكَ إلَخْ] قَالَ عج: اُنْظُرْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ اهـ. [قَوْلُهُ: سَبْعَ عَشْرَةَ جُمْلَةً] أَيْ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَقَوْلُهُ الْأَصْحَابِ أَيْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ ثَمَانٍ إلَخْ] أَيْ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ، وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَهُوَ سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ. [قَوْلُهُ: قَالَ ذَلِكَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ عَدَمُ تَكْرَارِ الْقَوْلِ وَالتَّقْبِيلِ وَالْمَسْحِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ وَسَتَسْمَعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ حَلَّتْ إلَخْ] ضَمَّنَهُ مَعْنَى نَزَلَتْ أَوْ انْصَبَّتْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ نَقَلَ] أَيْ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ [قَوْلَهُ: مَرْحَبًا بِحَبِيبِي إلَخْ] مَرْحَبًا مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نَزَلْت مَكَانًا رَحْبًا مُلْتَبِسًا بِحَبِيبِي أَيْ الَّذِي هُوَ أَنْتَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ. [قَوْلُهُ: وَقُرَّةِ عَيْنِي] بِضَمِّ الْقَافِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقُرَّةُ الْعَيْنِ مَا قَرَّتْ بِهِ أَيْ الْأَمْرُ الْحَسَنُ الَّذِي تَتَبَرَّدُ بِهِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَقَرَّتْ الْعَيْنُ قُرَّةً بِالضَّمِّ وَقَرْوًا بَرَدَتْ سُرُورًا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقَبِّلُ إلَخْ] لَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ التَّقْبِيلِ مِنْ الْإِبْهَامَيْنِ إلَّا أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ

وَيَجْعَلُهُمَا عَلَى عَيْنَيْهِ لَمْ يَعْمَ وَلَمْ يَرْمِدْ أَبَدًا» . وَنُقِلَ غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَرْفُوعِ مِنْ كُلِّ هَذَا شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَالْإِقَامَةُ) أَيْ صِفَتُهَا أَنَّهَا وِتْرٌ يَعْنِي مَا عَدَا التَّكْبِيرَ (وَهِيَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً) عَبَّرَ فِي الْجَلَّابِ عَنْ هَذِهِ بِأَنَّهَا عَشْرُ كَلِمَاتٍ. الْقَرَافِيُّ: يُرِيدُ عَشْرَ جُمَلٍ مِنْ الْكَلَامِ وَإِلَّا فَهِيَ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كَلِمَةً، وَهَذَا مَجَازٌ مَشْهُورٌ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ فَإِذَا شَفَّعَهَا غَلَطًا لَا تُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْخِ الْعَامِّ الْمُفَسِّرِ نُورِ الدِّينِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَقِيته وَقْتَ الْأَذَانِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبَّلَ إبْهَامَيْ نَفْسِهِ، وَمَسَحَ بِالظُّفْرَيْنِ أَجْفَانَ عَيْنَيْهِ مِنْ الْمَآقِي إلَى نَاحِيَةِ الصُّدْغِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ تَشَهُّدٍ مَرَّةً مَرَّةً فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كُنْت أَفْعَلُهُ ثُمَّ تَرَكْته فَمَرِضَتْ عَيْنَايَ فَرَأَيْته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَامًا فَقَالَ: لِمَ تَرَكْت مَسْحَ عَيْنَيْك عَنْ الْأَذَانِ؟ إنْ أَرَدْت أَنْ تَبْرَأَ عَيْنَاك فَعُدْ إلَى الْمَسْحِ، فَاسْتَيْقَظَتْ وَمَسَحَتْ فَبَرِئَتْ وَلَمْ يُعَاوِدْنِي مَرَضُهُمَا إلَى الْآنَ. انْتَهَى. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى التَّكْرِيرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَسْحُ بِالظُّفْرَيْنِ أَنَّ التَّقْبِيلَ لَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَوْلُهُ: فِي الْمَرْفُوعِ] أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا وِتْرٌ] يَعْنِي مَا عَدَا التَّكْبِيرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ. [قَوْلُهُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ] أَيْ اسْتَقَامَتْ عِبَادَتُهَا وَآنَ الدُّخُولُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: بِالْجُزْءِ] لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ بِاسْمِ الْجُزْءِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ] وَمُقَابِلُهُ مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهَا تُشَفَّعُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا شَفَّعَهَا غَلَطًا إلَخْ] أَرَادَ بِالْغَلَطِ مَا يَشْمَلُ النِّسْيَانَ وَالْعَمْدُ أَوْلَى، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ شَفْعَ الْجُلِّ كَالْكُلِّ ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ شَفَّعَ النِّصْفَ هَلْ يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْ يُغْتَفَرُ كَشَفْعِ أَقَلِّهَا، وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي وِتْرِ الْأَذَانِ انْتَهَى. وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى فَلَوْ أَوْتَرَ الْأَذَانَ وَلَوْ نِصْفَهُ عَلَى مَا يَظْهَرُ بَطَلَ وَلَوْ غَلَطًا أَوْ سَهْوًا انْتَهَى. قُلْت: وَيَجْرِي هَذَا الِاسْتِظْهَارُ فِي شَفْعِ نِصْفِ الْإِقَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب في صفة العمل في الصلاة]

9 - بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ (بَابٌ) (فِي) بَيَانِ (صِفَةِ الْعَمَلِ) قَوْلًا وَفِعْلًا (فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ النَّوَافِلِ) كَالرُّكُوعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ. (وَ) مَا يَتَّصِلُ بِهَا أَيْضًا مِنْ (السُّنَنِ) وَهُوَ الْوِتْرُ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ وَفَضَائِلَ وَلَمْ يُمَيِّزْهَا وَنَحْنُ نُبَيِّنُ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ أَتَى بِصَلَاتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا رَتَّبَ وَلَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ وَلَا مِنْ سُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ إنْ كَانَ أَخَذَ وَصْفَهَا عَنْ عَالِمٍ وَقِيلَ: تَبْطُلُ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: حَاجَتُنَا إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ آكَدُ مِنْ حَاجَتِنَا إلَى مَعْرِفَةِ الصِّفَةِ فَأَوَّلُ الصِّفَةِ: (الْإِحْرَامُ) وَهُوَ الدُّخُولُ (فِي الصَّلَاةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ] بَابُ صِفَةِ الْعَمَلِ [قَوْلُهُ: قَوْلًا وَفِعْلًا] حَالٌ مِنْ الْعَمَلِ لِاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِ وَأَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْفِعْلَ الْقَلْبِيَّ كَالنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: كَالرُّكُوعِ إلَخْ] أَيْ وَكَالرُّكُوعِ قَبْلَ الظُّهْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَتْرُ إلَخْ] قَصَرَ الْمُتَّصِلَ مِنْ السُّنَنِ عَلَى الْوَتْرِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّصِلِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ كَالْوَتْرِ مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْعِشَاءِ، وَأَلْ فِي السُّنَنِ لِلْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي سُنَّةٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي هُوَ الْوَتْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا مِنْ حَيْثُ الْفِعْلِ إلَّا الْوَتْرَ، أَوْ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْحَطَّابُ: احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا عَنْ السُّنَنِ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا تَتَّصِلُ بِالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا فِي الْبَابِ بَلْ يُفْرِدُ لَهَا أَبْوَابًا غَيْرَ هَذَا، ثُمَّ إنَّهُ قَدَّمَ النَّوَافِلَ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ كَانَتْ السُّنَنُ آكَدَ مِنْ النَّوَافِلِ لِكَثْرَةِ النَّوَافِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَقِلَّةُ السُّنَنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ النَّوَافِلِ يَشْمَلُ مِثْلَ التَّسْبِيحِ الَّذِي بَعْدَ الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُهُ. [قَوْلُهُ: نُبَيِّنُ كُلًّا إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَنَحْنُ نُمَيِّزُ إلَخْ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِيُفِيدَ أَنَّ التَّمْيِيزَ وَالتَّبْيِينَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: كُلًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالتَّقْدِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَعْلَمْ إلَخْ] أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهَا فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَمُسْتَحَبَّاتٍ، فَلَوْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا سُنَنًا أَوْ مَنْدُوبَاتٍ أَوْ الْفَرْضَ سُنَّةً أَوْ مَنْدُوبًا فَتَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا كُلَّهَا فَرَائِضُ فَتَصِحُّ فِيمَا يَظْهَرُ إذَا سَلِمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا، وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ أَوْ الْفَضِيلَةَ فَرْضٌ أَوْ السُّنَّةَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ الْعَكْسَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ مِمَّا يُفْسِدُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَخَذَ وَصْفَهَا مِنْ عَالِمٍ] بِأَنْ رَآهُ يَفْعَلُ أَوْ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ الْفِعْلِ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا إذَا أَخَذَهَا مِنْ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ] أَيْ لِلْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ. [قَوْلٌ: فَأَوَّلُ الصِّفَةِ الْإِحْرَامُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ إمَّا النِّيَّةُ أَوْ التَّكْبِيرُ أَوْ هُمَا مَعَ الِاسْتِقْبَالِ وَقَدْ رَجَّحَهُ عج

فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ (أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ) إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، أَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا فَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْعَجَمِيَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: يَدْخُلُ بِلُغَتِهِ وَسَمَّى هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلِمَةً نَظَرًا لِلُغَةٍ لَا لِلِاصْطِلَاحِ وَهُوَ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ اتِّفَاقًا وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِذَا تَرَكَهُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» . وَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقِيَامُ لِغَيْرِ الْمَسْبُوقِ اتِّفَاقًا فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ أَجْزَأَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إذَا كَبَّرَ قَائِمًا وَفَسَّرَهَا الْبَاجِيُّ بِمَا يَنْفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: فَالْإِضَافَةُ عَلَى الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِمْ تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ مِنْ إضَافَةِ الْمُصَاحِبِ لِلْمُصَاحِبِ، وَعَلَى الثَّانِي بَيَانِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ وَالْقَرِيبُ لِشَارِحِنَا الْأَوَّلُ بِأَنْ يُرَادَ بِالدُّخُولِ النِّيَّةُ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالتَّكْبِيرِ لِلْمُلَابَسَةِ. [قَوْلٌ: وَهُوَ إنْ يَقُولَ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ لِقَوْلِهِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَيْ وَهُوَ قَوْلُ لَا لَفْظَ اللَّهُ أَكْبَرُ. [قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ] بِالْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ لِلَفْظِ الْجَلَالَةِ قَدْرَ أَلْفٍ فَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ كَمَا أَنَّ الذَّاكِرَ لَا يَكُونُ ذَاكِرًا إلَّا بِهِ، وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَعْرُوفَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِذِكْرِهَا يُرَاجَعُ فِيهَا شَرْحُ الْعِزِّيَّةِ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُ غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ] فَلَا يُجْزِئُ اللَّهُ الْعَظِيمُ أَوْ نَحْوُهُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْ لَا يُحْسِنُهَا] بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا جُمْلَةً أَوْ قَدَرَ مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ فَأَكْثَرَ وَلَمْ يُعَدَّ تَكْبِيرًا عِنْدَ الْعَرَبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، فَإِنْ كَانَ يُعَدُّ تَكْبِيرًا عِنْدَهُمْ أَوْ لَهُ مَعْنًى لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَأَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ أُتِيَ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، فَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَمْ يَأْتِ بِهِ. [قَوْلُهُ: يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَلَا يَكْفِي الدُّخُولَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْعَجَمِيَّةِ، وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ اقْتِصَارِهِمْ عَلَى كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ دُونَ قَوْلِهِمْ بِالْبُطْلَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ، وَضَعَّفَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَأَبُو الْفَرَجِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ اللَّيْثِيُّ أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي الْبَغْدَادِيُّ، لَهُ الْكِتَابُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَاوِي فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكِتَابُ اللُّمَعِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. [قَوْلُهُ: لَا لِلِاصْطِلَاحِ] لِأَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا كَلِمَةٌ فِي اصْطِلَاحِ النَّحْوِيِّينَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ] أَيْ التَّكْبِيرُ فَرْضٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَنْ الْمَأْمُومِ. [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَاجِبَةً اتِّفَاقًا عَلَى الْإِمَامِ كَالْفَذِّ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفِهِ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا، فَحِينَئِذٍ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ شَارِحِنَا: عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُقْتَضِي لِوُجُودِ قَائِلٍ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِمَامِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فَرَاجِعْ لَعَلَّك تَطَّلِعُ عَلَى صِحَّتِهِ، فَإِنِّي رَاجَعْت غَيْرَ مُصَنَّفٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّتِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ خِلَافًا فِيمَا إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ، وَالرَّاجِحُ الِابْتِدَاءُ فَهَذَا الَّذِي حَكَى فِيهِ الْخِلَافُ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ. [قَوْلُهُ: الطُّهُورُ] بِضَمِّ الطَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَصْدَرُ أَيْ التَّطْهِيرُ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: التَّسْلِيمُ] أَيْ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْعَبْدِ فِي كُلِّ حَالٍ فَهُوَ بَذْلُ الرِّضَا بِالْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِ] أَيْ التَّكْبِيرُ لِلْقِيَامِ أَيْ فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْبُوقٍ، فَلَا يُجْزِئُ إيقَاعُهَا جَالِسًا أَوْ مُنْحَنِيًا أَوْ مُسْتَنِدًا لِعِمَادٍ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ الْعِمَادُ لَسَقَطَ. [قَوْلُهُ: لِلرُّكُوعِ] أَيْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَنَوَى بِهِ الْعَقْدَ أَيْ الْإِحْرَامَ أَيْ أَوْ نَوَاهُ وَالرُّكُوعَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِمَا لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَ] ظَاهِرُهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التَّكْبِيرُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادٌ بَلْ الْمُرَادُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الرُّكُوعُ بِمَعْنَى الرَّكْعَةِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ يُونُسَ: هَذَا إذَا كَبَّرَ قَائِمًا] أَيْ ابْتَدَأَهُ قَائِمًا، وَكَمَّلَهُ كَذَلِكَ

شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا مُقَارَنَةَ النِّيَّةِ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهَا فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِكَثِيرٍ فَكَذَلِكَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. (وَ) إذَا أَحْرَمْتَ فَإِنَّك (تَرْفَعُ يَدَيْك) وَظُهُورُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَانْتِهَاءُ رَفْعِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ (حَذْوَ) أَيْ إزَاءِ (مَنْكِبَيْك) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ وَهُوَ مَجْمُوعُ عَظْمِ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ وَقِيلَ انْتِهَاؤُهُ إلَى الصَّدْرِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ دُونَ ذَلِكَ) أَيْ دُونَ الْمَنْكِبِ. ق: وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي حَدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَكُونُ قَوْلُهُ: لِلرُّكُوعِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُشَارِفًا لِلرُّكُوعِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَدَأَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بَلْ فَصَلَ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ فَصَلَ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ. هَذَا وَمُفَادُ الشَّامِلِ أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَأَنَّ قَوْلَ الْبَاجِيِّ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهَا الْبَاجِيُّ] أَيْ فَسَّرَ الْمُدَوَّنَةَ بِمَا يَنْفِي شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ أَيْ بِشَيْءٍ يَنْفِي كَوْنَ الْقِيَامِ شَرْطًا فِي التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، أَيْ بَلْ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ فَإِنْ قُلْت: مَا تَفْسِيرُ الْبَاجِيِّ الَّذِي يَنْفِي شَرْطِيَّةَ الْقِيَامِ؟ قُلْت: اعْتِبَارُ ظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ قَالَ: التَّكْبِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الِانْحِنَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُهَا، أَيْ فَلَوْ أَوْقَعَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ تِلْكَ فَتُجْزِئُ الرَّكْعَةُ، فَإِنْ فَصَلَ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ. فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ابْتَدَأَهُ مِنْ قِيَامٍ وَأَتَمَّهُ فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ أَوْ بَعْدَهُ بِلَا فَصْلٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صِحَّةِ الرَّكْعَةِ وَعَدَمِهَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ ابْتَدَأَهَا فِي حَالِ الِانْحِطَاطِ وَأَتَمَّهَا فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَالرَّكْعَةُ بَاطِلَةٌ اتِّفَاقًا مَعَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ فَصَلَتْ لَبَطَلَتْ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفَادَهُ شُرَّاحُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فِيهِ أَيْضًا] أَيْ فِي التَّكْبِيرِ. وَقَوْلُهُ: مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ أَيْ مُقَارَنَتُهُ النِّيَّةَ أَوْ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ إيَّاهُ أَيْ نِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً مُقَيَّدَةً بِسَبَبِهَا كَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَبِوَقْتِهَا كَالْوَتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ، فَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا لِهَذِهِ لَمْ تُجْزِ، وَأَمَّا النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ وَيَكْفِي نِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ فَإِذَا صَلَّى مَثَلًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى نَافِلَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: الْمُعَيَّنَةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى مُطْلَقَ الْفَرْضِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ تَخَالَفَ اللَّفْظُ وَالْعَقْدُ فَالْعِبْرَةُ بِالْعَقْدِ أَيْ النِّيَّةِ أَيْ عِنْدَ الْغَلَطِ أَوْ النِّسْيَانِ لَا إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ لِلتَّلَاعُبِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَأَخَّرَتْ] أَيْ النِّيَّةُ. وَقَوْلُهُ: عَنْهَا أَيْ عَنْ التَّكْبِيرَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تُجْزِئُ] أَيْ التَّكْبِيرَةُ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، وَمُفَادُ مَيَّارَةُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا الْإِجْزَاءُ حَيْثُ قَالَ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ إذْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْهُمْ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْوَسْوَسَةِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا وَطَبْعًا، أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَسَامَحُوا فِي التَّقْدِيمِ الْيَسِيرِ، وَمَعْنَى اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُصَاحِبَةً لِلتَّكْبِيرِ اهـ. وَيُفِيدُهُ أَيْضًا صَاحِبُ التَّوْضِيحِ حَيْثُ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْآخَرِينَ تُشْتَرَطُ الْمُقَارَنَةُ، مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ لَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُصَاحِبَةً لِلتَّكْبِيرِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَحْرَمَتْ إلَخْ] أَيْ شَرَعْت فِي الْإِحْرَامِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ فَرَغَتْ مِنْ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّك تَرْفَعُ يَدَيْك] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَظُهُورُهُمَا إلَخْ] هَذِهِ صِفَةُ الرَّاهِبِ إلَخْ، فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنْ الشَّيْءِ يَنْقَبِضُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذَاهِبِ] وَمُقَابِلُهُ صِفَتَانِ صِفَةُ الرَّاغِبِ وَالنَّابِذِ، فَأَفَادَتْ الْأَوْلَى بِقَوْلِهِ: الرَّاغِبُ يَجْعَلُ بُطُونَ يَدَيْهِ لِلسَّمَاءِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَأَفَادَ غَيْرُهُ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: هُوَ أَنْ يُحَاذِيَ بِكَفَّيْهِ مَنْكِبَيْهِ قَائِمَتَيْنِ وَرُءُوسُ أَصَابِعِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ عَلَى صُورَةِ النَّابِذِ لِلشَّيْءِ. [قَوْلُهُ: مَنْكِبَيْك إلَخْ] تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ بِوَزْنِ مَجْلِسٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: مَجْمَعُ] أَيْ مَحَلُّ جَمْعِ عَظْمِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْعَضُدُ، وَيَنْتَهِي إلَى الْمِرْفَقِ وَالْكَتِفِ وَيَنْتَهِي إلَى الرَّقَبَةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ انْتِهَاؤُهُ] أَيْ الرَّفْعُ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ عَلَى

الرَّفْعِ سَوَاءٌ وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْقَرَافِيُّ الْمَشْهُورِ أَنَّ مُنْتَهَى الرَّفْعِ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَدُونَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الرَّفْعِ فَقَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلٍ: هُوَ سُنَّةٌ. وَعَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْفَضَائِلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الرَّفْعَ مُخْتَصٌّ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَرْفَعُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَلَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ، وَلَا فِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ (تَقْرَأُ) أَيْ تُتْبِعُ التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ، فَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ التَّسْبِيحَ وَالدُّعَاءَ بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ. وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرَك (فَإِنْ كُنْت فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ قَرَأْت جَهْرًا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) أَمَّا قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَفَرْضٌ فِي الصُّبْحِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ عَلَى الْإِمَامِ وَالْفَذِّ، وَهَلْ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ أَوْ فِي جُلِّهَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ؟ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَمُسْتَحَبَّةٌ فِي حَقِّهِ فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ الْإِمَامُ وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا جَهْرًا فَسُنَّةٌ، وَإِذَا قَرَأْت فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ (فَلَا تَسْتَفْتِحُ) الْقِرَاءَةَ فِيهَا (بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مُطْلَقًا (لَا فِي أُمِّ الْقُرْآنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إلَخْ] أَيْ هَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ لِهَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَادِقًا بِجَعْلِهِمَا دُونَ الْمَنْكِبَيْنِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ مَا يُوَافِقُهُ قَالَهُ عج فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَوْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ بَلْ لِتَنْوِيعِ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَذَا] أَيْ قَوْلُ الْأَقْفَهْسِيِّ. [قَوْلُهُ: إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ] إلَى زَائِدَةٍ أَيْ مُنْتَهَى الرَّفْعِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ. [قَوْلُهُ: هُوَ سُنَّةٌ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَعَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَرْفَعُهُمَا عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ذَكَرَهُ عج. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ خُوَيْزٍ مَنْدَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَرْفَعُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقْرَأُ إلَخْ] ثُمَّ لِلْعَطْفِ لَا لِلتَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ إلَخْ] هَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ، وَفِي قَوْلِ شَارِحِنَا الْمَشْهُورِ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِمَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَبِحَمْدِك] الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةً وَالْمُرَادُ بِالْحَمْدِ التَّوْفِيقُ وَالْإِعَانَةُ عَلَى التَّسْبِيحِ، وَالْمَعْنَى أُنَزِّهُك يَا اللَّهُ وَالْحَالُ أَنَّ تَنْزِيهِي لَك بِتَوْفِيقِك، وَقِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَالْحَمْدُ لَك. [قَوْلُهُ: وَتَبَارَكَ اسْمُك] أَيْ تَعَاظَمَ مُسَمَّاك، فَالْمُرَادُ بِالِاسْمِ الْمُسَمَّى وَيَجُوزُ أَنْ يَبْقَى عَلَى حَقِيقَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَتَعَالَى جَدُّك] الْجَدُّ الْعَظَمَةُ فَجَدُرَ بِنَا عَظَمَتُهُ، وَالْمَعْنَى تَعَالَيْت عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِك. [قَوْلُهُ: فَفَرْضٌ فِي الصُّبْحِ إلَخْ] بَلْ وَكَذَلِكَ فَرْضٌ فِي النَّوَافِلِ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا. [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا وُجُوبُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَعَلَى ذَلِكَ يَدُلُّ ظَوَاهِرُ الْإِخْبَارِ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا فِي الْأَكْثَرِ وَالْعَفْوُ عَنْهَا فِي الْأَقَلِّ ضَعِيفٌ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَاخْتُلِفَ فِي الْأَقَلِّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: هُوَ الْأَقَلُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَقِيلَ هُوَ الْأَقَلُّ بِالْإِضَافَةِ وَمَعْنَى الْأَقَلِّ مُطْلَقًا الْعَفْوُ عَنْهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ صُبْحًا أَوْ جُمُعَةً أَوْ ظُهْرًا لِمُسَافِرٍ، وَمَعْنَى الْأَقَلِّ بِالْإِضَافَةِ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ مِنْ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ لَا مِنْ ثُنَائِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ] أَيْ فِيمَا يَطْلُبُ الْإِسْرَارَ فِيهِ وَلَوْ قَدَّرَ أَنَّهُ جَهْرٌ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَوْنُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا جَهْرًا] أَيْ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه. [قَوْلُهُ: فَسُنَّةٌ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَهْرَ جَمِيعَهُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ حَلَّ الْمُوَافِقُ كَلَامَ خَلِيلٍ لَا أَنَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ اسْتَشْكَلَ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِبَعْضٍ سُنَّةً، وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَرْكَ الْبَعْضِ الَّذِي لَهُ بَالٌ كَتَرْكِ الْكُلِّ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي السِّرِّ فِي مَحَلِّهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تَسْتَفْتِحُ] التَّاءُ

وَلَا فِي السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَهَا) لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا (إمَامًا كُنْت أَوْ غَيْرَهُ) وَالنَّهْيُ فِي كَلَامِهِ لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَشُهِرَ لِمَا صَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا أَبْغَضُ إلَيْهِ حَدَثًا فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ فَإِنِّي صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقُولُهَا فَلَا تَقُلْهَا إذَا أَنْتَ قَرَأْت. وَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلَخْ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا قِرَاءَتُهَا فِي النَّافِلَةِ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ التَّعَوُّذُ فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ (فَإِذَا قُلْت وَلَا الضَّالِّينَ فَقُلْ:) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (آمِينَ) بِالْمَدِّ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى الْمَشْهُورِ اسْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَنُونُهُ مَضْمُومَةٌ عَلَى النِّدَاءِ تَقْدِيرُهُ يَا آمِينَ اسْتَجِبْ دُعَاءَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَفُتِحَتْ نُونُ آمِينَ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْيَاءِ قَبْلَهَا (إنْ كُنْت) تُصَلِّي (وَحْدَك) سَوَاءً كُنْت فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ أَوْ جَهْرِيَّةٍ (أَوْ) كُنْت تُصَلِّي (خَلْفَ إمَامٍ) صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً إنْ سَمِعْته يَقُولُ: وَلَا الضَّالِّينَ. (وَ) لَا تَجْهَرُ بِهَا بَلْ (تُخْفِيهَا) فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً (وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ فِيمَا جَهَرَ) أَيْ أَعْلَنَ (فِيهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ) أَيْ أَخْفَى (فِيهِ) اتِّفَاقًا. وَقَوْلُهُ: (وَفِي قَوْلِهِ إيَّاهَا فِي الْجَهْرِ اخْتِلَافٌ) تَكْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ وَيَقُولُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسِّينُ: زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ لِلطَّلَبِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبٌ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مَذْهَبٌ إلَخْ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ بِوُجُوبِهَا وَقَوْلٌ عَنْ مَالِكٍ بِإِبَاحَتِهَا وَقَوْلٌ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ بِنَدْبِهَا. [قَوْلُهُ: ابْنُ مُغَفَّلٍ] بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ. [قَوْلُهُ: إيَّاكَ وَالْحَدَثُ] أَيْ إيَّاكَ وَأَنْ تُحْدِثُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ [قَوْلُهُ: قَالَ] أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ. [قَوْلُهُ: أَبْغَضُ إلَيْهِ] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ الدَّالُّ عَلَى حُبٍّ أَوْ بُغْضٍ يَتَعَدَّى إلَى مَا هُوَ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى بِإِلَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ فَيَكُونُ حَدَثًا حِينَئِذٍ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يَبْغُضُ حَدَثًا وَالتَّقْدِيرُ لَمْ أَرَ رَجُلًا مَوْصُوفًا بِأَشَدِّيَّةِ بُغْضِهِ لِلْحَدَثِ مِنْهُ أَيْ مِنْ أَبِي أَيْ بَلْ أَبِي أَشَدُّ الصَّحَابَةِ بُغْضًا لِلْحَدَثِ. [قَوْلُهُ: فَإِنِّي صَلَّيْت] مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْأَبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ، وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا فِيهِ عج إذَا قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فَقَطْ أَوْ النَّفْلِيَّةِ فَقَطْ أَوْ هُمَا مَعًا قَصَدَ الْخُرُوجَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَوْ لَا نِيَّةَ أَصْلًا وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ، أَمَّا إنْ قَصَدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ذَلِكَ وَاسِعٌ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ لُغَةً وَسُنَّةً وَمُقَابِلُهُ أَمْرَانِ الْقَصْرُ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ وَالْمَدُّ مَعَ تَشْدِيدِ الْمِيمِ. [قَوْلُهُ: وَفُتِحَتْ نُونٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى كَلَامِهِ هُوَ اسْمُ فِعْلِ أَمْرٍ لِطَلَبِ الْإِجَابَةِ مَعْنَاهُ: اسْتَجِبْ وَآمِنَّا خَيْبَةَ دُعَائِنَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ لَمْ يَصِحَّ نَقْلُهُ. [قَوْلُهُ: لِسُكُونِهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ سُكُونَهَا وَسُكُونَ الْيَاءِ أَيْ اجْتِمَاعِ هَذَيْنِ السَّاكِنَيْنِ لَا يُوجِبُ الْفَتْحَ إنَّمَا يُوجِبُ التَّحْرِيكَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عِلَّةُ الْفَتْحِ فَالْخِفَّةُ. [قَوْلُهُ: إنْ سَمِعْته يَقُولُ: وَلَا الضَّالِّينَ] وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَبْلَهَا لَا إنْ لَمْ يَسْمَعْ آخِرَهَا، وَإِنْ سَمِعَ مَا قَبْلَهَا وَلَا يَتَحَرَّى. [قَوْلُهُ: وَلَا تَجْهَرُ بِهَا] أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: بَلْ تُخْفِيهَا] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: فِي الْحَالَتَيْنِ] أَيْ كُنْت وَحْدَك أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: اُنْظُرْ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْمَنْعِ انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يُؤَمِّنُ [قَوْلُهُ: وَيَقُولُهَا فِيمَا أَسَرَّ فِيهِ إلَخْ] أَيْ اسْتِحْبَابًا [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] تُوهِمُ التَّكْرَارَ بَعِيدٌ لِأَنَّ صَرِيحَهُ جَزْمُهُ أَوَّلًا بِقَوْلٍ ثُمَّ حِكَايَتُهُ الْقَوْلَيْنِ بُعْدٌ وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الْمُتَوَهِّمَ

الْإِمَامُ فِي السِّرِّ وَفِي الْجَهْرِ خِلَافٌ لَكَانَ أَوْجَزُ وَسَلِمَ التَّكْرَارُ، وَوَجْهُ كَلَامِهِ بِأَنَّهُ نَبَّهَ أَوَّلًا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ، ثُمَّ نَبَّهَ ثَانِيًا عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُقَابِلَ الْمَشُورِ لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ جَهْرًا (تَقْرَأُ) بَعْدَهَا (سُورَةً) كَذَلِكَ لَا تَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِدُعَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَحُكْمُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ كَامِلَةً بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ الِاسْتِحْبَابُ وَالسُّنَّةُ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ أَنَّ السُّجُودَ إنَّمَا هُوَ دَائِرٌ مَعَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ لَا السُّورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ سُورَةً أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ لِلْعَمَلِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَتَيْنِ إذَا فَرَغَ وَالْإِمَامُ مُتَمَادٍ، وَالسُّورَةُ الَّتِي تَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ تَكُونُ (مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَأَوَّلُ الْمُفَصَّلِ مِنْ الْحُجُرَاتِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُرْتَضَى، وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ وَطِوَالُهُ يَنْتَهِي إلَى عَبَسَ وَمُتَوَسِّطَاتِهِ مِنْ ثَمَّ إلَى وَالضُّحَى وَقِصَارُهُ إلَى الْخَتْمِ (وَإِنْ كَانَتْ) السُّورَةُ الَّتِي تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ (أَطْوَلُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (فَ) ذَلِكَ (حَسَنٌ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلتَّكْرَارِ نَظَرَ ثَانِيًا إلَى مُجَرَّدِ حِكَايَةِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّأْمِينِ لَا لِذِكْرِ الْخِلَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ. [قَوْلُهُ: وَصَحِيحٌ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ] أَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الْمُوَطَّأِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: آمِينَ» وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَالْمَشْهُورُ يُسْرُهَا وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ دَلِيلُ الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ] أَيْ جَهْرًا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُ قِرَاءَةٍ إلَخْ] أَيْ وَتَرْكُ الْإِكْمَالِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ] أَيْ لَوْ آيَةً أَوْ بَعْضَ آيَةٍ لَهُ بَال كَآيَةِ الدَّيْنِ. [قَوْلُهُ: بِدَلِيلٍ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يَسْجُدْ لِتَرْكِ التَّكْمِيلِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً خَفِيفَةً [قَوْلُهُ: أَنَّ السُّجُودَ] أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ أَيْ وَعَدَمَهُ إنَّمَا هُوَ دَائِرٌ مَعَ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ أَتَى بِالزَّائِدِ فَلَا سُجُودَ وَإِلَّا سَجَدَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَلَا سُورَةَ. [قَوْلُهُ: لَا يَقْرَأُ سُورَتَيْنِ] أَيْ وَلَا سُورَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَالسُّنَّةُ حَصَلَتْ بِالْأُولَى وَتَعَلَّقَتْ الْكَرَاهَةُ بِالثَّانِيَةِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَفْضَلُ قَدْ عَرَفْت مُقَابِلَهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقَابِلُ الْأَفْضَلِ خِلَافَ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ بِلَا بَأْسٍ إلَخْ] بَلْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْ سُكُوتِهِ كَمَا ذَكَرُوا، وَلَوْ أَعَادَ الْمُصَلِّي الْفَاتِحَةَ بَدَلًا عَنْ السُّورَةِ فَلَا تُجْزِئُهُ، وَلْيَقُلْهَا بَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ صَلَاتِهِ بِسُورَةٍ وَلَوْ كَرَّرَ سُورَةَ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ فَقِيلَ: مَكْرُوهٌ وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى كُلٍّ تَحْصُلُ السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: الْمُفَصَّلُ] سُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ. وَقِيلَ: مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي هُوَ الْبَيَانُ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ كُلُّهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْسُوخٌ ذَكَرَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الطَّاءِ] جَمْعُ طَوِيلٍ كَقَصِيرٍ وَقِصَارٍ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ الطَّوِيلُ يُقَالُ فِيهِ طَوِيلٌ وَطِوَالٌ فَإِذَا أَفْرَطَ فِي الطُّولِ قِيلَ فِيهِ طُوَّالٌ مُشَدَّدًا، وَأَمَّا الطَّوَالُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ الزَّمَنُ الطَّوِيلُ يُقَالُ: لَا أُكَلِّمُهُ طَوَالَ الدَّهْرِ وَطُولَ الدَّهْرِ أَيْ لَا أُكَلِّمُهُ أَبَدًا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْحُجُرَاتِ] مِنْ زَائِدَةٍ [قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلِ الْمُرْتَضَى إلَخْ] وَمُقَابِلَةُ مَا قِيلَ أَنَّهُ مِنْ شُورَى، وَمَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَقِيلَ مِنْ الْفَتْحِ وَقِيلَ مِنْ النَّجْمِ [قَوْلُهُ: يَنْتَهِي إلَى عَبَسَ] الْغَايَةُ خَارِجَةٌ [قَوْلُهُ: ثُمَّ] أَيْ مِنْ عَبَسَ إلَى وَالضُّحَى، وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الْقِصَارِ سُوَرٌ لَا تَنْقُصُ عَنْ مُتَوَسِّطَاتِهِ. [قَوْلُهُ: إلَى الْخَتْمِ] أَيْ الَّذِي هُوَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [سُورَةُ النَّاسِ] وَالْغَايَةُ دَاخِلَةٌ، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ وَقِصَارُهُ مِنْ ثَمَّ أَيْ مِنْ الضُّحَى كَمَا قَالَ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ جَعَلَ الَّذِي قَبْلَهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَطْوَلُ مِنْ ذَلِكَ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَرَادَ مَا يُقَارِبُ طِوَالَ الْمُفَصَّلِ لَا أَنَّهُ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا لِأَنَّهُمَا أَطْوَلُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، لَكِنَّهُ لَا يَبْقَى مَعَهُ التَّغْلِيسُ فِي الْغَالِبِ فَعُلِمَ أَنَّ مَقْصُودَهُ مَا يُقَارِبُ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ التَّطْوِيلُ فِي الصُّبْحِ لِإِدْرَاكِ النَّاسِ جَمَاعَتَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَهَذَا التَّطْوِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ إمَامٍ لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ أَوْ مُنْفَرِدٌ يَقْوَى عَلَى التَّطْوِيلِ لَا إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ

مُسْتَحَبٌّ (بِقَدْرِ التَّغْلِيسِ) وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظُّلْمَةِ وَالضِّيَاءِ (وَتَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهَا) أَيْ السُّورَةِ الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ كَمَا جَهَرْت بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَصِفَةُ الْجَهْرِ تَأْتِي. (فَإِذَا تَمَّتْ السُّورَةُ) الَّتِي مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ (كَبَّرَتْ فِي) حَالِ (انْحِطَاطِك) أَيْ انْحِنَائِك (إلَى الرُّكُوعِ) أُخِذَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا التَّكْبِيرُ وَهُوَ سُنَّةٌ، وَاخْتُلِفَ هَلْ جَمِيعُهُ مَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَصَوَّبَ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ شَيْخُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُمْ رَتَّبُوا السُّجُودَ فِي السَّهْوِ عَلَى تَرْكِ اثْنَتَيْنِ مِنْهُ وَلَمْ يُرَتِّبُوهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهَا. ثَانِيهَا: مُقَارَنَةُ التَّكْبِيرِ لِلرُّكُوعِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهَكَذَا عِنْدَ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الِاسْتِقْلَالِ. ثَالِثُهَا: الرُّكُوعُ وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا وَلَهُ صِفَتَانِ صِفَةُ إجْزَاءٍ وَسَتَأْتِي وَصِفَةُ كَمَالٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَتُمَكِّنُ يَدَيْك) يَعْنِي كَفَّيْك (مِنْ رُكْبَتَيْك) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ: وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ وَضْعِهِمَا عَلَيْهِمَا مَانِعٌ قَالَ فِي الطِّرَازِ: فَلَوْ كَانَ بِيَدَيْهِ مَا يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِهِمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قِصَرٍ كَثِيرٍ لَمْ يَزِدْ عَلَى الِانْحِنَاءِ عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ أَوْ قُطِعَتْ إحْدَاهُمَا وَضْعُ الْبَاقِيَةِ عَلَى رُكْبَتِهَا، وَحَيْثُ قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَامُ قَوْمٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ، فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ عَدَمُ التَّطْوِيلِ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ حَسَنٌ] أَيْ مُسْتَحَبٌّ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا زَادَ عَلَى السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِقِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي مِنْ طِوَالِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ وَلَوْ بِآيَةٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ التَّغْلِيسِ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْإِسْفَارُ وَنَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَهُ تت، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغْلِيسٌ لَا يُطَوِّلُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِلَاطٌ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظُّلْمَةِ بِالضِّيَاءِ وَالضِّيَاءِ بِالظُّلْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَتَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهَا] أَيْ يُسَنُّ أَنْ تَجْهَرَ بِقِرَاءَتِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُمَا] أَيْ السُّورَةِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْجَهْرِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً غَيْرَ تَكْبِيرِ الْعِيدِ سَهْوًا لَا يَسْجُدُ، وَإِنْ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَرَكَ أَكْثَرَ وَلَوْ جَمِيعَهُ يَسْجُدُ فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَطَالَ فَيَفْتَرِقُ الْقَوْلَانِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ تَبْطُلُ بِتَرْكِ السُّجُودِ لِمَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: شَيْخِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّهُ الرَّاجِحُ كَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ رَتَّبُوا إلَخْ] أَيْ وَلَوْ كَانَ مَجْمُوعُهُ سُنَّةً لَمَا رَتَّبُوا أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الْبَعْضِ أَنْ لَا يَسْجُدَ لَهُ [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرَتِّبُوهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ إلَخْ] كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا الرُّكُوعُ إلَخْ] هُوَ فِي اللُّغَةِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَشَرْعًا أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ لَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ كَانَتْ رَاحَتَاهُ قَرِيبَتَيْنِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا مِنْ مُتَوَسِّطِ الْيَدَيْنِ لَا مِنْ طَوِيلِهِمَا وَلَا مِنْ قَصِيرِهِمَا. قَالَ عج: وَالْوَاقِعُ فِي التَّقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبِ بِحَيْثُ يَكُونُ طَرَفَ أَصَابِعِهِمَا عَلَى آخِرِ الرُّكْبَةِ مِنْ جِهَةِ الْفَخْذِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ اهـ. فَلَوْ سَدَلَهُمَا فِي حَالِ رُكُوعِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَخَالَفَ الْمَنْدُوبَ. [قَوْلُهُ: وَلَهُ صِفَتَانِ إلَخْ] التَّحْقِيقُ أَنَّ الصِّفَاتِ ثَلَاثٌ دُنْيَا وَهُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ قُرْبَ الرُّكْبَتَيْنِ، وَوُسْطَى وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَمْكِينٍ، وَعُلْيَا وَهِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا وَهِيَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ مَعَ التَّمْكِينِ بَلْ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعٌ بِزِيَادَةِ سَدْلِ الْيَدَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي كَفَّيْك] إشَارَةً لِلتَّحَرُّزِ فِي قَوْلِهِ: يَدَيْك. وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَتَا سَالِمَتَيْنِ أَيْ لَا مَقْطُوعَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقِصَرٌ كَثِيرٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَا يَمْنَعُ إلَخْ. وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَيُجَابُ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا عَدَا الْقِصَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: عَلَى تَسْوِيَةِ ظَهْرِهِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْوِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الِانْحِنَاءِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الَّذِي عِنْدَهُ الْقِصَرُ [قَوْلُهُ: أَوْ قُطِعَتْ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: كَانَ بِيَدَيْهِ وَهُوَ مُحْتَرِزٌ سَالِمَتَيْنِ فَفِي الْعِبَارَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ. [قَوْلُهُ:

يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ أَصَابِعَهُمَا لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا رَكَعَ فَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّهُمَا» . (وَتُسَوِّي ظَهْرَك مُتَسَوِّيًا) أَيْ مُعْتَدِلًا لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَوِّي ظَهْرَهُ» (وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك وَلَا تُطَأْطِئُهُ) أَيْ لَا تُصَوِّبُهُ إلَى أَسْفَلَ (وَتُجَافِي) أَيْ تُبَاعِدُ (بِضَبْعَيْك) بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْبَاءِ أَيْ عَضُدَيْك (عَنْ جَنْبَيْك) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاعِدُهُمَا جِدًّا وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ تَجْنَحُ بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَكِنْ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ غَيْرِ أَنَّهَا تَنْضَمُّ، وَسَكَتَ عَنْ تَسْوِيَةِ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الِانْحِنَاءِ يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ، وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ تَسْوِيَةِ الْقَدَمَيْنِ وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرُنَهُمَا. وَهُوَ مَكْرُوهٌ. (وَتَعْتَقِدُ) بِقَلْبِك (الْخُضُوعَ) أَيْ التَّذَلُّلَ (بِذَلِكَ) ع: بَعْضُهُمْ جَعَلَ الْإِشَارَةَ تَعُودُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَالتَّجَافِي وَتَسْوِيَةِ الظَّهْرِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَفْسِيرُهَا مَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ (بِرُكُوعِك وَسُجُودِك وَلَا تَدْعُو فِي رُكُوعِك) ك: هَكَذَا رَوَيْنَاهُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ» أَيْ حَقِيقٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَعَ الْبَاقِيَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: يَضَعُهُمَا عَلَيْهِمَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُفَرِّقُ] أَيْ نَدْبًا أَيْضًا لِأَجْلِ التَّمْكِينِ، وَبِكَوْنِ الْوَضْعِ مَنْدُوبًا تَكُونُ الْمَرَاتِبُ أَرْبَعًا أَدْنَاهَا السَّدْلُ. [قَوْلُهُ: ضَمَّهُمَا] أَيْ لِأَجْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَتُسَوِّي ظَهْرَك] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ. قَالَ عج: اعْلَمْ أَنَّ تَسْوِيَةَ الظَّهْرِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ، وَأَنَّ تَمْكِينَ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ لَا يَسْتَلْزِمُ الظَّهْرَ فَلِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَفَاتَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ التَّنْبِيهَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ هُوَ وَتَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ اهـ. [قَوْلُهُ: مُسْتَوِيًا] حَالٌ مُؤَكِّدٌ [قَوْلُهُ: لَمَّا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ] بِالْهَاءِ وَصْلًا وَوَفْقًا. [قَوْلُهُ: وَلَا تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَلَا تُطَأْطِئُهُ أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَتُجَافِي] أَيْ نَدْبًا فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ [قَوْلُهُ: بِضَبْعَيْك] قَالَ تت: كَأَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تُجَافِي بِمَعْنَى تَنْبُو فَتَكُونُ لِلتَّعَدِّيَةِ. [قَوْلُهُ: يَجْعَلُهُمَا قَائِمَتَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِانْحِنَاءِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ عج [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ لَا يَقْرِنَهُمَا إلَخْ] أَيْ فَعَدَمُ الْإِقْرَانِ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ] أَيْ الْإِقْرَانُ الْمَفْهُومُ مِنْ يَقْرِنُ. [قَوْلُهُ: وَتَعْتَقِدُ بِقَلْبِك الْخُضُوعَ] أَيْ التَّذَلُّلَ إلَخْ، أَيْ تَعْتَقِدُ بِقَلْبِك أَنَّك مُتَذَلِّلٌ بِانْحِنَائِك وَتُجَافِيك وَتَسْوِيَةِ ظَهْرِك، أَيْ تَسْتَحْضِرَ أَنَّك مُتَذَلِّلٌ لِلرَّبِّ بِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ هَذَا الِاعْتِقَادِ النَّدْبُ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِهَا الَّتِي لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهَا فَهُوَ وَاجِبٌ فِي جُزْءٍ مِنْهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْحَاصِلَةِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَفْرَدَ اسْمَ الْإِشَارَةِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ أَشْيَاءُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَقَدِّمِ كَقَوْلِهِمْ أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالْخُضُوعِ لَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ أَعْنِي فَعَظَّمُوا لِلنَّدْبِ فَلَا يَنْتِجُ أَنْ يَكُونَ مُقَابِلُهُ الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَةُ مَكْرُوهَةً لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ] أَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْحُرْمَةَ فَيُصَدَّقُ بِالْكَرَاهَةِ الْمُرَادَةِ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ: كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُدَاوَمَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَأَتَمُّ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ

وَالْأَوَّلُ عَلَى بَيَانِ الْأَوْلَوِيَّةِ. (وَقُلْ إنْ شِئْت سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ) ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ الْجُزُولِيُّ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ؟ (وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ فِي الرُّكُوعِ وَكَذَلِكَ السُّجُودِ (تَوْقِيتُ قَوْلٍ) أَيْ تَحْدِيدُ مَا يَقُولُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِحَدٍّ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُسَبِّحَ ثَلَاثًا لِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» . (وَلَا حَدَّ فِي اللُّبْثِ) أَيْ الْمُكْثِ فِي الرُّكُوعِ يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ. وَأَمَّا أَقَلُّهُ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ (تَرْفَعُ رَأْسَك وَأَنْتَ قَائِلٌ سَمِعَ) يَعْنِي اسْتَجَابَ (اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) إنْ كُنْت ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّعَاءَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي تَبَعٌ لِلتَّسْبِيحِ الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُخَبَّرُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْأَشْيَاخِ مَنْ قَالَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّسْبِيحِ، فَأَيُّ لَفْظٍ قَالَهُ كَانَ آتِيًا بِالْمَنْدُوبِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ اهـ. وَسُبُّوحٌ وَقُدُّوسٌ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا وَالضَّمُّ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ فَالْمُرَادُ مُسَبِّحٌ مُقَدِّسٌ رَبَّ الْمَلَائِكَةِ إلَخْ، فَمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمُبَرَّأُ مِنْ النَّقَائِصِ وَالشَّرِيكِ وَكُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِأُلُوهِيَّتِهِ، وَمَعْنَى الثَّانِي الْمُطَهَّرُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت تَعْرِفُ أَنَّ اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي عَدَدِ مَا يَقُولُ] أَيْ أَنَّ التَّسْبِيحَ لَا يَتَحَدَّدُ بِعَدَدٍ بِحَيْثُ إذَا نُقِضَ عَنْهُ يَفُوتُهُ الثَّوَابُ، بَلْ إذَا سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ الثَّوَابُ وَإِنْ كَانَ يَزْدَادُ الثَّوَابُ بِزِيَادَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ السُّجُودُ] إنَّمَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ السُّجُودُ إشَارَةً إلَى خُرُوجِهِ مِنْ اسْمِ الْإِشَارَةِ الَّتِي فِي الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْمُخَالَفَةُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ عَدَمُ التَّحْدِيدِ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُفِيدُ التَّحْدِيدَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ صِفَةُ الْقَوْلِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي يُطْلَبُ فِعْلُهَا. [قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي رُكُوعِهِ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرُّكُوعَ حَالَةَ خُضُوعٍ مُنَافِيَةً لِلتَّعْظِيمِ اللَّائِقِ بِمَقَامِ رَبِّ الْبَرِّيَّةِ فَنَاسَبَ وَصْفُ الْبَارِي بِهِ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَجَدَ قَالَ إلَخْ] لَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَالِ سُجُودِهِ مُتَّصِفًا بِالسُّفْلِ وَوَصْفُهُ مُقَابِلٌ لِوَصْفِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ صِفَةَ الرَّبِّ الْمُقَابِلَةِ لِتِلْكَ الصِّفَةِ وَهُوَ الْعُلُوُّ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةُ الرَّبِّ مَعْنَوِيَّةً وَصِفَةُ الْعَبْدِ حِسِّيَّةً فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ إلَخْ] الَّذِي قِيلَ فِي الرُّكُوعِ يُقَالُ هُنَا. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقَوْلِ ثَلَاثًا أَدْنَاهُ، أَيْ التَّمَامُ أَيْ أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّمَامِ أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ أَعْلَاهَا وَحِينَئِذٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ، أَيْ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلِ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ وَأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا أَيْ لَا أَنْقَصُ فَلَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ فِي أَكْثَرِهِ] أَيْ الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ الزَّائِدِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. وَفِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ عَدَمَ التَّحْدِيدِ يَحُدُّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ، وَفِي الْفَذِّ مَا لَمْ يُطَوِّلْ جِدًّا وَإِلَّا كُرِهَ. أَيْ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَهُ فِي النَّافِلَةِ التَّطْوِيلُ مَا شَاءَ. [قَوْلُهُ: فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدُ] أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْ تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُك. [قَوْلُهُ: تَرْفَعُ رَأْسَك] أَيْ وُجُوبًا حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: وَأَنْتَ قَائِلٌ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي اسْتِحْبَابَ إلَخْ] أَيْ اسْتِحْبَابَ اللَّهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَيْ إرَادَةِ اسْتِحْبَابِ مَنْ سَمِعَ الْإِتْيَانُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَوْ كَانَ السَّمَاعُ عَلَى بَابٍ لَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ مَنْ حَمِدَهُ، فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّرْت دُعَاءً فَأَيْنَ هُوَ حَتَّى يُسْتَجَابَ أَوَّلًا، قُلْت: إنَّ الْحَامِدَ بِحَمْدِهِ

إمَامًا أَوْ فَذًّا (ثُمَّ تَقُولُ) مَعَ ذَلِكَ (اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) أَيْ تَقَبَّلْ وَلَك الْحَمْدُ (إنْ كُنْت وَحْدَك أَوْ خَلْفَ إمَامٍ وَلَا يَقُولُهَا الْإِمَامُ) بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِ سَمِعَ لِمَنْ حَمِدَهُ (وَلَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَ) إنَّمَا (يَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ) . وَالْأَصْلُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ وَلَك وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. الْبِسَاطِيُّ: وَإِلْحَاقُ الْفَذِّ بِالْإِمَامِ أَظْهَرُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمَأْمُومِ (وَ) إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّك (تَسْتَوِي قَائِمًا مُطْمَئِنًّا) أُخِذَ مِنْهُ شَيْئَانِ الطُّمَأْنِينَةُ وَهِيَ فَرْضٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَالِاعْتِدَالُ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ فِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَفَرْضٌ عِنْدَ أَشْهَبَ وَصُحِّحَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاعْتِدَالَ مَثَلًا نَصْبُ الْقَامَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ اسْتِقْرَارُ الْأَعْضَاءِ زَمَنًا مَا. وَقَوْلُهُ: (مُتَرَسِّلًا) مُرَادِفٌ لَمُطْمَئِنًّا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُتَمَهِّلًا (ثُمَّ) بَعْدَ رَفْعِك مِنْ الرُّكُوعِ (تَهْوِي) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ أَيْ تَنْزِلُ إلَى الْأَرْضِ (سَاجِدًا) أَيْ لِأَجْلِ السُّجُودِ فَيَكُونُ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ» وَالسُّجُودُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ (وَلَا تَجْلِسُ) فِي هُوِيَّك (ثُمَّ تَسْجُدُ) حَتَّى يَكُونَ سُجُودُك مِنْ جُلُوسٍ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَطْلُبُ الْفَضْلَ مِنْ رَبِّهِ فَهُوَ دَاعٍ مَعْنًى، وَذَكَرَ بَعْضٌ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ دُعَاءٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ لِمَنْ حَمِدَك وَعَبَّرَ بِالسَّمَاعِ عَنْ الْمُكَافَأَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. [قَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. [قَوْلُهُ: رَبَّنَا] هُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ. [قَوْلُهُ: وَلَك الْحَمْدُ إلَخْ] اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْجَمْعَ بَيْنَ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ فِي وَلَك الْحَمْدُ اتِّبَاعًا لِمَنْ اخْتَارَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا أَرْبَعُ جُمَلٍ فَاَللَّهُمَّ جُمْلَةٌ وَكَذَلِكَ رَبَّنَا، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ. أَيْ يَا اللَّهَ يَا رَبَّنَا فَفِيهِ تَكْرِيرُ النِّدَاءِ وَجُمْلَةٌ مَحْذُوفَةٌ وَهِيَ تَقَبَّلْ وَجُمْلَةُ وَلَك الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَقَبَّلْ] أَيْ الدُّعَاءَ الْحَاصِلَ مِنِّي بِقَوْلِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، هَذَا فِي الْفَذِّ أَوْ الْحَاصِلِ مِنْ الْإِمَامِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ، أَيْ الْقَائِلُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ مَأْمُومًا. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَعْنِي تَأْوِيلَ اللَّهِ بِاسْتَجَابَ وَأَنَّهَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ فَوَجْهُهُ، أَنَّهَا ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ بِالِاسْتِجَابَةِ وَالْمُثْنِي عَلَى مَوْلَاهُ دَاعٍ. [قَوْلُهُ: وَلَك الْحَمْدُ] أَيْ عَلَى قَبُولِك أَوْ عَلَى تَوْفِيقِك لِي بِقَوْلِي اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَوْ تَوْفِيقُك بِأَدَائِي تِلْكَ الْعِبَادَةَ. [قَوْلُهُ: أَوْ خَلْفَ إمَامٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي لَهُ قَرِيبًا الْوَجْهُ الصَّوَابُ مِنْ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْتَصِرُ عَلَى اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْفَذُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْمِينِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ] وَفِي رِوَايَةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَمَعْنَى مُوَافَقَةِ الْمَلَائِكَةِ فِي النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ كَأَنْ يَقُولَ هَذَا الْقَوْلُ مِثْلُ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ وَحُضُورِ النِّيَّةِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْغَفْلَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي الْحَدِيثِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ مَا يَقُولُهُ الْمَأْمُومُونَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] أَيْ الصَّغَائِرِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَإِلْحَاقُ الْفَذِّ بِالْإِمَامِ] أَقُولُ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَذُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ مُلْحَقًا بِالْإِمَامِ وَحْدَهُ. كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الشَّارِحِ. تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ فِي التَّكْبِيرِ مِنْ كَوْنِ جَمِيعِهِ سُنَّةً أَوْ كُلِّهِ يَأْتِي فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. [قَوْلُهُ: وَالِاعْتِدَالُ إلَخْ] أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَسْتَوِي. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُتَمَهِّلًا] أَيْ زِيَادَةً عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهَا سُنَّةٌ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ التَّاءِ] أَيْ وَكَسْرِ الْوَاوِ فَهُوَ مِنْ بَابِ رَمَى كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ السُّجُودِ]

أَهْلِ الْعِلْمِ «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ لَمَّا بَدَنَ أَيْ ثَقُلَتْ حَرَكَةُ أَعْضَائِهِ الشَّرِيفَةِ لِارْتِفَاعِ سِنِّهِ» ، هَذَا الْجُلُوسُ إنْ وَقَعَ سَهْوًا وَلَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ طَالَ سَجَدَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا. فَالْمَشْهُورُ إنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ (وَتُكَبِّرُ فِي) حَالِ (انْحِطَاطِك لِلسُّجُودِ) لِيَعْمُرَ الرُّكْنُ بِالتَّكْبِيرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُسْبَقُ بِهِ إلَى الْأَرْضِ وَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ إذَا هَوَى لِلسُّجُودِ وَتَأْخِيرُهُمَا عَنْ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ «لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ» ، وَبِهِ عَمِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ (وَ) إذَا سَجَدْت فَإِنَّك (تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ) يَعْنِي بِلَفْظِ التَّمْكِينِ أَنَّهُ يَضَعُهُمَا عَلَى أَبْلَغَ مَا يُمْكِنُهُ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ فَيَكْفِي وَضْعُ أَيْسَرَ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْجَبْهَةِ، وَإِذَا وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ فَلَا يَشُدُّهَا بِالْأَرْضِ جِدًّا حَتَّى يُؤْثِرَ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ وَضَعَفَةِ النِّسَاءِ، وَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَاجِبٌ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشْهُورُهَا إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْفِهِ لَمْ يَجُزْهُ وَيُعِيدُ أَبَدًا، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ وَأَعَادَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعَلَ سَاجِدًا مَفْعُولًا لِأَجْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ، إذْ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُبَيِّنُ لِلتَّعْلِيلِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُنْتَظِرَةً. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ] تَفْرِيغٌ عَلَى التَّعْبِيرِ بِتَهْوِي أَيْ وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجْلِسْ إلَخْ تَأْكِيدًا، إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي هُوِيِّك يَقْتَضِي أَنَّ الْهُوِيَّ يُجَامِعُ الْجُلُوسَ فَلَا يَكُونُ التَّعْبِيرُ بِهِ مُفِيدًا لِكَوْنِهِ سَجَدَ مِنْ قِيَامٍ. [قَوْلُهُ: كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] . أَفَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ مِنْهُمْ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ يَقُولُ إنَّ الْجُلُوسَ قَبْلَ السُّجُودِ بِوَجْهٍ خَفِيفٍ جِدًّا مِنْ سُنَّتِهِ. [قَوْلُهُ: لَمَّا بَدُنَ] بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ نَقْلًا عَنْ زَرُّوقٍ وَإِنْ وَقَعَ عَمْدًا فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَطُلْ لَمْ يَضُرَّ] قَالَ عج فِي حَاشِيَتِهِ مَفْهُومُهُ إنْ طَالَ ضَرَّ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ يُعَدُّ الرَّائِي لَهُ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الصَّلَاةِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الطُّولَ قَدْرُ التَّشَهُّدِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ الْقَوْلُ بِالضَّرَرِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَتُكَبِّرُ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: فِي حَالِ انْحِطَاطِك إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهُ يَشْرَعُ فِي تَكْبِيرِ السُّجُودِ قَبْلَ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لَيُعَمِّرَ الرُّكْنَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لَا قَبْلَهُ فَالتَّعْلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُعَلِّلَ. [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ وَلِشَرِيكٍ فِيهِ مَقَالٌ وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّك تُمَكِّنُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ. [قَوْلُهُ: جَبْهَتَك] وَهِيَ مُسْتَدِيرُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى النَّاصِيَةِ [قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِيَعْنِي لَا مُوجِبَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الْمُطَابِقُ لِلَّفْظِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى أَبْلَغ إلَخْ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْوَضْعِ وَارِدًا عَلَى أَقْوَى وَضْعٍ يُمْكِنُهُ فَهُوَ مِنْ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَيْ تَحَقُّقُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا عَلَى جِهَةِ إلَخْ] أَيْ الْوَضْعُ عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فَيَكْفِي فِيهِ. [قَوْلُهُ: أَيْسَرُ] أَيْ أَقَلُّ جُزْءٍ يُمْكِنُ وَضْعُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ الْجِهَةِ مِنْ بَيَانِيَّةٌ مَشُوبَةٌ بِتَبْعِيضٍ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَشُدُّهَا إلَخْ] أَيْ لَا يُلْصِقُهَا بِالْأَرْضِ جِدًّا وَالْمَنْفِيُّ الْجِدِّيَّةُ وَأَصْلُ الشِّدِّيَّةِ لَيْسَ مَنْفِيًّا لِأَنَّهُ لِتَمْكِينِ الْمَطْلُوبِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَشُدُّهَا بِالْأَرْضِ] أَيْ فَلَا يُلْصِقُهَا بِالْأَرْضِ بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ذَلِكَ] أَيْ الشَّدُّ جِدًّا وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ الشَّدُّ جِدًّا مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِ الْجُهَّالِ] أَيْ الرِّجَالِ الْجُهَّالِ، أَيْ الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَقَوْلُهُ وَضَعَفَةِ النِّسَاءِ أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ النِّسَاءِ الضَّعْفُ وَلَوْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ. [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهَا إلَخْ] ثَانِيهَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ لَا يُجْزِئُ فِيهِمَا ثَالِثُهَا رِوَايَةُ أَبِي الْفَرَجِ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ] اعْتَمَدَ عج أَنَّهُ الِاخْتِيَارِيُّ وَذَكَرَ

الْوَقْتِ، وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْجَبْهَةُ سَالِمَةً وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهَا قُرُوحٌ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَوْمَأَ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُكْرَهُ وَيَصِحُّ (وَتُبَاشِرُ) فِي سُجُودِك (بِكَفَّيْك الْأَرْضَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ. وَقَوْلُهُ: (بَاسِطًا يَدَيْك) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَتُبَاشِرُ بِكَفَّيْك الْأَرْضَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مَعَ الْبَسْطِ، وَإِنْ سَجَدَ وَهُوَ قَابِضٌ بِهِمَا شَيْئًا كُرِهَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (مُسْتَوِيَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ تَجْعَلُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ) أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ الضَّرُورِيُّ عَلَى مَا يَنْبَغِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَخَلِيلٍ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهُوَ وَاضِحٌ فِي الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ جَرَى خِلَافٌ فِي تَارِكِ السُّنَّةِ عَمْدًا فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ كَتَارِكِ السُّنَّةِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَدْفَعُ الْأَنْقَالَ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِلِاصْفِرَارِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَلِلْفَجْرِ فِي الْعِشَاءَيْنِ وَلِلطُّلُوعِ فِي الصُّبْحِ، وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مُغَايِرٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَوْلُ عج وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَحْمَدَ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ كَانَ بِهَا قُرُوحٌ] أَيْ جُرُوحٌ وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيُصَدَّقُ وَلَوْ بِجُرْحٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: أَوْمَأَ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَى أَنْفِهِ] أَيْ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْأَنْفِ إنَّمَا يُطْلَبُ تَبَعًا لِلسُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ فَحَيْثُ سَقَطَ فَرْضُهَا سَقَطَ تَابِعُهَا، فَإِنْ وَقَعَ وَسَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ أَشْهَبُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْإِيمَاءِ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ هُوَ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ أَشْهَبُ أَوْ لَا، فَقِيلَ هُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَقِيلَ مُوَافِقٌ لِأَشْهَبَ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِحَدٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَوْ قَارَبَ الْمُومِئُ الْأَرْضَ لَأَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا، فَزِيَادَةُ إمْسَاسٍ بِالْأَرْضِ لَا يُؤَثِّرُ مَعَ أَنَّ الْإِيمَاءَ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفُ مَنْ تَرَكَ الرُّخْصَةَ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فَإِنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَا فَعَلَ اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ نَاظِرًا إلَى كَوْنِهِ مُومِيًا بِجَبْهَتِهِ إلَى الْأَرْضِ فَلَا وَجْهَ لِلْبُطْلَانِ، وَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ جَاعِلًا ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ فَقَطْ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى الْإِيمَاءِ بِالْجَبْهَةِ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ خَالِي الذِّهْنِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ. لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ تَتَضَمَّنُ نِيَّةَ أَجْزَائِهَا وَمِنْ أَجْزَائِهَا حِينَئِذٍ الْإِيمَاءُ بِالْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ التَّهْذِيبِ، أَيْ تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَجْعَلُ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ، فَإِنْ جَعَلَ حَائِلًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَرْضِ، أَيْ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ إلَخْ، وَالْكَوْرِ فَتْحُ الْكَافِ مُجْتَمَعُ طَاقَاتِهَا عَلَى الْجَبِينِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: يُكْرَهُ وَيَصِحُّ] أَيْ إذَا كَانَ قَدْرُ الطَّاقَةِ وَالطَّاقَتَيْنِ اللَّطِيفَتَيْنِ، وَمَثَّلُوا لِلطَّاقَةِ اللَّطِيفَةِ بِلُغَةِ الْمَغَارِبَةِ بِالشَّاشِ الرَّفِيعِ. [قَوْلُهُ: وَتُبَاشِرُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَالْوَجْهِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْمُبَاشَرَةَ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ التَّوَاضُعِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَى مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ وَتَنَعُّمٌ مِنْ صُوفٍ وَقُطْنٍ وَاغْتُفِرَ الْحَصِيرُ لِأَنَّهُ كَالْأَرْضِ وَالْأَحْسَنُ تَرْكُهُ فَالسُّجُودُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْأَوْلَى [قَوْلُهُ: يَدَيْك] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْقِبْلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِبَاسِطٍ أَوْ مَعْنَى بَاسِطًا مَادًّا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُسْتَوِيَتَيْنِ حَالًا مُؤَكِّدَةً. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ إلَخْ] أَقُولُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرَّرَ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ لِذَلِكَ بَلْ لِلتَّأْكِيدِ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَتُبَاشِرُ بِكَفَّيْك الْأَرْضَ مُسْتَوِيَتَيْنِ. إلَخْ لَتَمَّ الْكَلَامُ وَكَانَ مُلْتَئِمًا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَوْلِهِ بَاسِطًا يَدَيْك. [قَوْلُهُ: مُسْتَوِيَتَيْنِ لِلْقِبْلَةِ] أَيْ نَدْبًا وَعَلَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ فَيَتَوَجَّهَانِ لَهَا. تَنْبِيهٌ: السُّجُودُ عَلَى الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ] أَشَارَ بِهِ لِعَدَمِ التَّحْدِيدِ فِي مَوْضِعِ وَضْعِهِمَا لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ لَا تَحْدِيدَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ نَعَمْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْمَنْكِبَيْنِ أَوْ الصَّدْرَ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ

تَوْجِيهُهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ فَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ خَالَفَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ بِكُلِّ ذَاتِهِ لَمْ يَضُرَّهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حَذْوَ أُذُنَيْهِ أَوْ دُونَهُمَا فَمُسْتَحَبٌّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ وَضْعِهِمَا حَذْوَ أُذُنَيْك أَوْ دُونَ ذَلِكَ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ، وَلَمَّا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بَاسِطًا وَمِنْ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (غَيْرَ أَنَّك لَا تَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْك فِي الْأَرْضِ) افْتِرَاشَ السَّبُعِ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» . وَفِي رِوَايَةٍ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ (وَلَا تَضُمُّ عَضُدَيْك إلَى جَنْبَيْك وَلَكِنْ تَجْنَحَ) أَيْ تَمِيلَ (بِهِمَا تَجْنِيحًا وَسَطًا) بِتَحْرِيكِ السِّينِ لِأَنَّهُ اسْمٌ، وَهَذَا التَّجْنِيحُ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» ، (وَتَكُونُ رِجْلَاك فِي سُجُودِك قَائِمَتَيْنِ وَبُطُونُ إبْهَامَيْهِمَا إلَى الْأَرْضِ) وَكَذَلِكَ بُطُونُ سَائِرِ الْأَصَابِعِ، وَيُزَادُ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَأَنْ يَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخْذَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ. (وَتَقُولُ إنْ شِئْت فِي سُجُودِك سُبْحَانَك رَبِّي ظَلَمْت نَفْسِي وَعَمِلْت سُوءًا فَاغْفِرْ لِي أَوْ) تَقُولُ: (غَيْرَ ذَلِكَ إنْ شِئْت) . ع: التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَذْكَارِ، وَالتَّخْيِيرُ الثَّانِي بَيْنَ أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَوْ تَسْكُتُ، وَإِنْ كَانَ التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ مُسْتَحَبًّا وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَرُدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ التَّسْبِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ قَالَ بِحَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ ابْنُ مَسْلَمَةَ، وَقَالَ بِحَذْوِ الصَّدْرِ ابْنُ شَعْبَانَ أَفَادَ ذَلِكَ تت. [قَوْلُهُ: وَلَوْ خَالَفَ] أَيْ لَمْ يُوَجِّهْهُمَا لِلْقِبْلَةِ لَمْ يَضُرَّهُ، أَيْ وَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: إلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا ذَكَرَ] أَيْ مِنْ الْوَضْعِ حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ أَيْ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ فَلَمْ يُرِدْ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: لَا تَفْتَرِشْ إلَخْ] أَيْ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ رَفْعُهُمَا [قَوْلُهُ: نَهَى] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَكَذَا لَا يَفْتَرِشُهُمَا عَلَى فَخْذَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: افْتِرَاشَ السَّبُعِ] أَيْ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَضُمَّ عَضُدَيْك] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي تت. تَثْنِيَةُ عَضُدٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُذَكَّرُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَذْكِيرُهَا [قَوْلُهُ: فَسَيَنُصُّ عَلَى مَا تَفْعَلُ] أَيْ مِنْ كَوْنِهَا مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً. [قَوْلُهُ: جَافَى إلَخْ] أَيْ بَاعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ الْمُبَاعَدَةَ بَيْنَ الْيَدَيْنِ تَسْتَدْعِي بُعْدَ الْعَضُدِ عَنْ الْإِبْطِ فَيَظْهَرُ بَيَاضُ الْإِبْطِ، أَوْ أَرَادَ جَافَى كُلَّ يَدٍ عَنْ جَنْبِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْدُوَ] أَيْ يَظْهَرَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ أَيْ بِحَيْثُ يُرَى أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَابِسًا قَمِيصًا لِأَنَّهُ عِنْدَ لُبْسِ الْقَمِيصِ لَا يُرَى لِلنَّاظِرِ، وَحَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لَابِسًا لِقَمِيصٍ بَلْ سَاتِرًا لِعَوْرَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا بِدُونِ سَتْرِ الْيَدَيْنِ بَعِيدٌ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ الْمُفِيدِ دَوَامَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الْكُلُّ هُنَا بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْبَعْضَ سُنَّةٌ وَهُوَ السُّجُودُ عَلَى أَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ وَتَكُونُ رِجْلَاهُ إلَخْ، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالسُّنِّيَّةِ ابْنُ الْقَصَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَاَلَّذِي فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَغَارِبَةُ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ إلَخْ] رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخْذَيْهِ غَيْرَ حَامِلِ بَطْنِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخْذَيْهِ» . [قَوْلُهُ: وَتَقُولُ إنْ شِئْت] اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّصْرِيحَ بِهِ لِمَا قِيلَ، إنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَهُ حِينَ أَكَلَ مِنْ الشَّجَرَةِ وَأُهْبِطَ إلَى الْأَرْضِ فَابْيَضَّ وَجْهُهُ بَعْدَ اسْوِدَادِهِ مِنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَمِلْت سُوءًا] كَالتَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ ظَلَمْت نَفْسِي. [قَوْلُهُ: فَاغْفِرْ لِي] أَيْ اُسْتُرْ مَا وَقَعَ مِنِّي عَنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْخَلْقِ يَوْمَ الْحِسَابِ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ التَّخْيِيرُ الْأَوَّلُ إلَخْ] اعْتَرَضَهُ التَّتَّائِيُّ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالتَّرْكِ وَالثَّانِيَ بَيْنَ هَذَا وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ] أَيْ وَإِنْ كَانَ يَقُولُ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ مَنْدُوبٌ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِتْيَانُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا بِهِ.

وَاجِبٌ وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ (وَتَدْعُو فِي السُّجُودِ إنْ شِئْت) ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ (وَلَيْسَ لِطُولِ ذَلِكَ) السُّجُودِ (وَقْتٌ) أَيْ حَدٌّ فِي الْفَرِيضَةِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ مَا لَمْ يَطُلْ جِدًّا، فَإِنْ طَالَ كُرِهَ، وَأَمَّا فِي النَّافِلَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي حَقِّ الْإِمَامِ أَيْضًا مَا لَمْ يَضُرَّ بِمَنْ خَلْفَهُ (وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ اللُّبْثِ فِي السُّجُودِ (أَنْ تَطْمَئِنَّ) أَيْ تَسْتَقِرَّ (مَفَاصِلُك) عَنْ الِاضْطِرَارِ اطْمِئْنَانًا (مُتَمَكِّنًا) . وَالْمَفَاصِلُ جَمْعُ مَفْصِلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ: الْأَعْضَاءُ، وَأَمَّا مِفْصَلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ، فَالطُّمَأْنِينَةُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ وَفِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. ع: لَيْسَ فِي الرِّسَالَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ إلَّا مِنْ هُنَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا هُوَ ظَوَاهِرُ وَاخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ سُنَّةٌ (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ (تَرْفَعُ رَأْسَك بِالتَّكْبِيرِ) أَيْ مُصَاحِبًا لَهُ، وَهَذَا الرَّفْعُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَدُّدُ السُّجُودِ بِغَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ أَنْ تَرْفَعَ رَأْسَك (فَ) إنَّك (تَجْلِسُ) وُجُوبًا بِمِقْدَارِ مَا يَسَعُ الِاعْتِدَالَ (تُثْنِي) أَيْ تَعْطِفُ (رِجْلَك الْيُسْرَى فِي جُلُوسِك بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَتَنْصِبُ) أَيْ تُقِيمُ رِجْلِك (الْيُمْنَى وَ) . تَكُونُ (بُطُونُ أَصَابِعِهَا إلَى الْأَرْضِ) وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هِيَ صِفَةُ جَمِيعِ الْجُلُوسِ فِي الصَّلَاةِ، وَسَكَتَ عَنْ قَدَمِ الْيُسْرَى أَيْنَ يَضَعُهَا. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَضَعُهَا تَحْتَ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ (وَ) إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ السُّجُودِ فَإِنَّك أَيْضًا (تَرْفَعُ يَدَيْك عَنْ الْأَرْضِ) فَتَجْعَلُهُمَا (عَلَى رُكْبَتَيْك) وَإِذَا لَمْ تَرْفَعْهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِك قَوْلَانِ، أَشْهُرُهُمَا عَلَى مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتَدْعُو فِي السُّجُودِ] أَيْ بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ جَائِزٍ شَرْعًا وَعَادَةً لَا بِمُمْتَنِعٍ وَإِنْ لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ مُجَرَّدٌ عَنْ تَسْبِيحٍ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ إلَخْ] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنَّمَا خَيَّرَ إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ. [قَوْلُهُ: اطْمِئْنَانًا إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُتَمَكِّنًا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَفِيهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ حَيْثُ وَصَفَ الِاطْمِئْنَانَ بِالتَّمَكُّنِ أَيْ الثُّبُوتِ. [قَوْلُهُ: مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ تَطْمَئِنَّ وُجُوبًا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ جَعَلَهَا أَقَلَّ السُّجُودِ، أَيْ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي السُّجُودِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ فَيَكُونُ فَرْضًا لِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ فَهُوَ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ هُنَا] الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ إلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا هُوَ ظَوَاهِرُ] أَيْ كَقَوْلِهِ قَائِمًا مُطْمَئِنًّا [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الزَّائِدِ إلَخْ] قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَانْظُرْ مَا قَدْرُ هَذَا الزَّائِدِ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَوٍ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ التَّطْوِيلُ وَفِي غَيْرِهِ أَمْ لَا كَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ السُّجُودِ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَعْنِي خَلِيلًا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي مَشَى إلَخْ] وَقِيلَ: وَاجِبٌ ذِكْرُهُ تت. [قَوْلُهُ: مَا يَسَعُ الِاعْتِدَالَ] أَيْ بِقَدْرِ زَمَنٍ يَسَعُ الِاعْتِدَالَ. أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ أَيْ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى زَمَنٍ يَسَعُهُ فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ فَيَقُولُ فَإِنَّك تَجْلِسُ وُجُوبًا مُعْتَدِلًا. [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الصِّفَةُ إلَخْ] عِبَارَةُ غَيْرِهِ أَحْسَنُ وَنَصُّهَا لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِي جُلُوسِك بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إذْ جُلُوسُهُ حَالَ التَّشَهُّدِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا جُلُوسُ مَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَهُوَ التَّرَبُّعُ اسْتِحْبَابًا اهـ. وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بُطُونُ إلَخْ، مَعَ قَوْلِ خَلِيلٍ بِجَعْلِ إبْهَامِهَا عَلَى الْأَرْضِ، أَيْ بَاطِنِ إبْهَامِهَا وَنَحْوِهِ فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِهِ وَكَذَا بَاطِنُ بَعْضِ الْأَصَابِعِ فَالْأَحْسَنُ مَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ. [قَوْلُهُ: تَحْتَ سَاقِهِ الْأَيْمَنِ] وَقِيلَ: بَيْنَ فَخْذَيْهِ وَقِيلَ خَارِجًا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. [قَوْلُهُ: فَتَجْعَلُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْك] قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. وَقَوْلُهُ عَلَى رُكْبَتَيْك، أَيْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ مُسْتَوِيَتَيْ

قَالَ ع: الْبُطْلَانُ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَ الْقَرَافِيُّ: عَدَمُ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَرْفَعَ رَأْسَك مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى مَعَ رَفْعِ يَدَيْك (تَسْجُدُ) السَّجْدَةَ (الثَّانِيَةَ كَمَا فَعَلْت أَوَّلًا) فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنْ الْأَرْضِ وَقِيَامِ الْقَدَمَيْنِ وَمُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ بِالْكَفَّيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِك مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (تَقُومُ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا أَنْتَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْك) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الِاعْتِمَادَ مُسْتَحَبٌّ، وَأَشَارَ بِهِ الشَّيْخُ إلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا يَقُومُ مُعْتَمِدًا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَا تَرْجِعُ جَالِسًا لِتَقُومَ مِنْ جُلُوسٍ) إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنْ جُلُوسٍ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ (وَلَكِنَّ) الْفَضِيلَةَ عِنْدَنَا فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقِيَامِ (كَمَا ذَكَرْت لَك فِي السُّجُودِ) وَهُوَ أَنَّك تَهْوِي إلَيْهِ وَلَا تَجْلِسُ فِي هُوِيَّك لِيَكُونَ سُجُودُك مِنْ قِيَامٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ، فَكَذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ لِيَكُونَ قِيَامَك مِنْ سُجُودٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ. (وَتُكَبِّرُ فِي حَالِ قِيَامِك) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَ الْحَرَكَةِ وَالشُّرُوعَ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَنْتَصِبَ قَائِمًا وَتَفْرُغُ مِنْ التَّكْبِيرِ (تَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ ثُمَّ تَقْرَأُ مَعَهَا سُورَةً (كَمَا قَرَأْت فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى) مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ (أَوْ دُونَ ذَلِكَ) تَعْقُبُهُ ك بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الرَّكْعَةُ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُطَوِّلُ فِي الْأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ. ع: اُخْتُلِفَ عَلَى مَاذَا تَرْجِعُ الْإِشَارَةُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ سَوَاءً) فَقِيلَ عَلَى الْجَهْرِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ عَلَى الرُّكُوعِ. وَقِيلَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرَ وَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ: ثُمَّ تَفْعَلُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ تَكْرَارًا اهـ. (غَيْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ عَلَى مَا قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي عَدَمِ الْبُطْلَانِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَنَّ الرَّفْعَ عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَحَبٌّ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَسْجُدُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ إلَخْ] قَالَ: تت وَهَلْ يُطِيلُ السُّجُودَ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ أَوْ لَا قَالَ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. [قَوْلُهُ: كَمَا أَنْتَ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِك ثَابِتًا عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْجُلُوسِ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِهِ الشَّيْخُ إلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ] أَيْ لِرَدِّ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ [قَوْلُهُ: لَا تَرْجِعُ جَالِسًا] قَالَ ابْنُ عُمَرَ إنْ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَإِنْ كَانَ عَامِدًا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقِيلَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ] أَيْ إلَى خِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ] السُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَأَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ مَذْهَبِنَا. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ كَمَا ذَكَرْت إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ تَقُومُ مِنْ الْأَرْضِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالشُّرُوعُ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: كَمَا قَرَأْت فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى] أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي الطُّولِ وَقَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ، أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ الثَّانِيَةُ أَقْصَرَ مِنْ الْأُولَى وَكِلَا الْمَقْرُوءَيْنِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، فَالْأَوْضَحُ أَنْ يُؤَخِّرَ قَوْلَهُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يُفِيدَ وُضُوحًا أَنَّ الْمَقْرُوءَ فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءً كَانَ مُمَاثِلًا لِلْأُولَى أَوْ أَدْنَى مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ [قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إلَخْ] أَيْ وَيُكْرَهُ كَوْنُ الثَّانِيَةِ أَطْوَلَ مِنْ الْأُولَى كَمَا قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَنَظَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي الْمُسَاوَاةِ هَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى يَسِيرًا لَا نِصْفَهَا فَأَقَلُّ لِكَرَاهَتِهِ كَمَا قَالَ تت. وَقَالَ الْفَقِيهُ رَاشِدٌ: الْأَقَلِّيَّةُ بِنَقْصِ الرُّبْعِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِ الْفَاكِهَانِيِّ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى: بَلْ وَالْإِضْرَابُ إبْطَالٌ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْأُولَى أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ زَمَنًا وَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَى بِأَنْ رَتَّلَ فِي الْأُولَى. [قَوْلُهُ: أَنْ يَقْرَأَ عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ عَقِبَ هَذَا وَلَا يُنَكِّسُهُ فَإِنْ نَكَّسَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ إنْ فَعَلَ التَّنْكِيسَ الْمَكْرُوهَ كَتَنْكِيسِ السُّوَرِ أَوْ قِرَاءَةِ نِصْفِ سُورَةٍ أَخِيرٍ ثُمَّ نِصْفِهَا الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا فَعَلَ التَّنْكِيسَ الْحَرَامَ فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ كَتَنْكِيسِ آيَاتِ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا تَقَدَّمَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ

أَنَّك تَقْنُتُ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (بَعْدَ) الرَّفْعِ مِنْ (الرُّكُوعِ وَإِنْ شِئْت) قَنَتَ (قَبْلَ الرُّكُوعِ بَعْدَ تَمَامِ الْقِرَاءَةِ) الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقُنُوتَ فَضِيلَةٌ لَا يَسْجُدُ فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ أَهُوَ قَبْلُ أَمْ بَعْدُ؟ فَقَالَ: قَبْلُ» «قِيلَ لِأَنَسٍ: إنَّ فُلَانًا يُحَدِّثُ عَنْكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ: كَذَبَ فُلَانٌ» . الْقَرَافِيُّ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَإِذَا قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُكَبِّرُ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا لَا يَرْفَعُ فِي التَّأْمِينِ وَلَا فِي دُعَاءِ التَّشَهُّدِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِسْرَارَ بِهِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ يَنْبَغِي الْإِسْرَارُ بِهِ حَذَرًا مِنْ الرِّيَاءِ، وَإِذَا نَسِيَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَنَتَ بَعْدَهُ وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَ، فَإِنْ رَجَعَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ فَرْضٍ إلَى مُسْتَحَبٍّ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ فَقِيلَ: يَقْنُتُ فِي قَضَائِهَا وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (وَالْقُنُوتُ) أَيْ لَفْظُهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إنَّا نَسْتَعِينُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْإِعَانَةَ عَلَى طَاعَتِك (وَنَسْتَغْفِرُك) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْمَغْفِرَةَ وَهِيَ السَّتْرُ عَنْ الذُّنُوبِ فَلَا تُؤَاخِذْنَا بِهَا. (وَنُؤْمِنُ) أَيْ نُصَدِّقُ (بِك) أَيْ بِوُجُودِك (وَنَتَوَكَّلُ) أَيْ نَعْتَمِدُ (عَلَيْك) فِي أُمُورِنَا (وَنَخْنَعُ) أَيْ نَخْضَعُ وَنُذَلُّ (لَك وَنَخْلَعُ) الْأَدْيَانَ كُلَّهَا لِوَحْدَانِيِّتِك (وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك) أَيْ يَجْحَدُك وَيَفْتَرِي عَلَيْك الْكَذِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهٌ [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقِيلَ: غَيْرُ مَشْرُوعٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ لَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ مُتَعَمِّدًا وَإِلَّا فَلَا بُطْلَانَ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحِ] أَيْ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ بِالْمَسْبُوقِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِحُضُورِ الصَّحَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ يَدَيْهِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَقِيلَ يَجْهَرُ بِهِ كَمَا فِي بَهْرَامَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ مِنْ الرُّكُوعِ إذَا تَذَكَّرَهُ] قَالَ: عج هَلْ أَرَادَ بِالرُّكُوعِ الِانْحِنَاءَ وَحِينَئِذٍ فَتُزَادُ هَذِهِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَفُوتُ بِالِانْحِنَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حَصْرُهَا فِي الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَإِنْ أَرَادَ الرَّفْعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ إذَا رَجَعَ لَهُ بَعْدَ أَنْ انْحَنَى وَتَذَكَّرَهُ حِينَئِذٍ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ لَمْ تَبْطُلْ، وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُ خِلَافَهُ ثُمَّ إنَّهُ يَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَفُوتُ بِالِانْحِنَاءِ كَالسِّرِّ فِيهِ وَمَا مَعَهُ وَتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ يُخَالِفُ مَسْأَلَةَ مَنْ رَجَعَ لِتَشَهُّدٍ بَعْدَمَا اسْتَقَلَّ فَإِنَّ فِيهِ رُجُوعًا مِنْ فَرْضٍ إلَى غَيْرِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ] وَجْهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقْضِيَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَهِيَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُنُوتٌ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي الْأُولَى هَذَا حِلُّ كَلَامِهِ. قَالَ عج وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ الَّتِي يَقْضِيهَا الْمَسْبُوقُ الْقِرَاءَةُ خَاصَّةً كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ كَالْقُنُوتِ وَمَا يُقَالُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ فَبِمَنْزِلَةِ الْفِعْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبِنَاءِ فِي الْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: الْإِعَانَةَ عَلَى طَاعَتِك] الْأُولَى عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ، أَيْ نَطْلُبُ مَعُونَتَك وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَهُ لِيَعُمَّ اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِوُجُودِك] فِيهِ قُصُورٌ بَلْ مَعْنَاهُ، أَيْ نُصَدِّقُ بِمَا يَجِبُ لَك. [قَوْلُهُ: وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك] قِيلَ: الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا زَيْدٌ فِي الرِّسَالَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك، وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ مِنْ لَفْظِ كُلِّهِ بَعْدَ قَوْلِهِ الْخَيْرَ غَيْرُ مُثْبَتٍ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُطِيقُ كُلَّ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَتَرْكُهُ خَيْرٌ قَالَهُ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ. [قَوْلُهُ: وَنَذِلُّ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَنَخْلَعُ الْأَدْيَانَ كُلَّهَا] أَيْ الْأَدْيَانَ الْبَاطِلَةَ كُلَّهَا لِكَوْنِك وَاحِدًا أَيْ نَخْلَعُهَا مِنْ أَعْنَاقِنَا لِكَوْنِك إلَهًا وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَك. [قَوْلُهُ: وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك إلَخْ] أَيْ نَطْرَحُ مَوَدَّةَ الْعَابِدِ لِغَيْرِك وَلَا نُحِبُّ دِينَهُ وَلَا نَمِيلُ إلَيْهِ. وَلَا يُعْتَرَضُ هَذَا بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّ فِي تَزَوُّجِهَا مَيْلًا لَهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُرَادُ

(اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إيَّاكَ نَعْبُدُ) أَيْ لَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاكَ (وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى) أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ أَوْ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ (وَنَحْفِدُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَعْنَاهُ نُسْرِعُ فِي الْعَمَلِ (نَرْجُو رَحْمَتَك) أَيْ نَطْمَعُ فِي نِعْمَتِك وَهِيَ الْجَنَّةُ (وَنَخَافُ عَذَابَك الْجِدَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ الثَّابِتِ (إنَّ عَذَابَك بِالْكَافِرِينَ مُلْحِقٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى لَاحِقٌ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مُلْحِقُهُ بِالْكَافِرِينَ. (ثُمَّ) إذَا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ فَإِنَّك تَهْوِي سَاجِدًا لَا تَجْلِسُ ثُمَّ تَسْجُدُ و (تَفْعَلُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (كَمَا تَقَدُّمُ مِنْ الْوَصْفِ) فَفِي السُّجُودِ تُمَكِّنُ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِي الْجُلُوسِ تُثْنِي رِجْلَك إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. (فَإِذَا جَلَسْت بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ) مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِلتَّشَهُّدِ (نَصَبْت رِجْلَك الْيُمْنَى) أَيْ قَدَمَهَا. (وَ) جَعَلْت (بُطُونَ أَصَابِعِهَا الْأَرْضَ وَثَنَيْت) أَيْ عَطَفْت رِجْلَك (الْيُسْرَى وَأَفْضَيْت) أَيْ أَلْصَقْت (بِأَلْيَتِك) أَيْ مُقْعَدَتِك الْيُسْرَى (إلَى الْأَرْضِ) . ع: هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَيُرْوَى بِأَلْيَتَيْك وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَيْهِمَا كَانَ إقْعَاءً وَهُوَ مَكْرُوهٌ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَقْعُدُ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى) تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ لَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ، وَإِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ بُغْضُ الدِّينِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاكَ] فَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ لِلْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَك نُصَلِّي إلَخْ] ذَكَرَ الصَّلَاةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: إيَّاكَ نَعْبُدُ لِشَرَفِهَا وَذَكَرَ السُّجُودَ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ لِشَرَفِهِ قَالَ: عج، إنَّ السُّجُودَ أَشْرَفُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: نَسْعَى أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ نَسْعَى بِنَعْمَلُ كَمَا فِي تت. قَالَ عج وَيَدْخُلُ فِي هَذَا السَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ، وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَطْمَعُ فِي نِعْمَتِك وَهِيَ الْجَنَّةُ] قَالَ: تت وَالطَّمَعُ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ بِامْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالْعَمَلِ، وَأَمَّا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ فَهُوَ رِجَالُ الْكَذَّابِينَ اهـ. وَعَلَى تَفْسِيرِ الرَّحْمَةِ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ وَلَا مِنْ صِفَةِ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَقِيلَ: مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِك إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا إذَا قَصَدَ بِهِ الْجَنَّةَ، لِأَنَّ قَصْدَ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ أَكْثَرُ لَا إنْ قَصَدَ بِهِ الذَّاتَ الْعَلِيَّةَ فَلَا شَكَّ فِي الْمَنْعِ قَالَهُ عج، وَجَمَعَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لِأَنَّ شَأْنَ الْقَادِرِ أَنْ يُرْجَى فَضْلُهُ وَيُخَافَ نَكَالُهُ وَهَذِهِ حَالَةٌ حَسَنَةٌ، وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي حَالِ الْمَرَضِ فَتَغْلِيبُ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ أَفْضَلُ وَفِي حَالَةِ الصِّحَّةِ يَغْلِبُ الْخَوْفُ. [قَوْلُهُ: الثَّابِتَ] تَفْسِيرٌ لِلْحَقِّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ] أَيْ أَنَّ الْفَتْحَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى مُسْتَقِيمٌ حَتَّى عَلَى الْفَتْحِ أَيْضًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ الضَّعْفِ إنَّ الْكَسْرَ فِيهِ أَبْلَغِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِحَسْبِ الظَّاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَنْ يُلْحِقُهُ بِالْكَافِرِ بَلْ هُوَ يُلْحِقُهُمْ بِذَاتِهِ بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِالْفَتْحِ فَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى فَاعِلٍ. [قَوْلُهُ: فَالْكَسْرُ بِمَعْنَى لَاحِقٍ] أَيْ فَالْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْحَقَ اللَّازِمُ بِمَعْنَى لَحِقَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَلْحَقَ الْمُتَعَدِّي، أَيْ مُلْحِقٌ بِهِمْ الْهَوَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْفَتْحُ] أَيْ فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولِ مِنْ أَلْحَقَ الْمُتَعَدِّي. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ إلَخْ] أَيْ فَالْفَاعِلُ هُوَ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ هُوَ الْمَلَائِكَةُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: بِالْكَافِرِينَ] خَصَّهُمْ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْعَاصِيَ يُعَذَّبُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعَذَابُ الْمُحَتَّمُ شَرْعًا وَالْعَاصِي تَحْتَ الْمَشِيئَةِ. [قَوْلُهُ: بِأَلْيَتَيْك] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّازِمِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَيْهِمَا كَانَ إقْعَاءٌ] أَيْ يُشْبِهُ الْإِقْعَاءَ لَا إقْعَاءٌ حَقِيقَةً فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَقْعَى إقْعَاءً أَلْصَقَ أَلْيَتَهُ بِالْأَرْضِ وَنَصَبَ سَاقَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَقْعَى الْكَلْبُ اهـ. هَذَا تَفْسِيرٌ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ نَاقِلًا لَهُ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَقْعُدْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى] أَيْ قَدَمِك الْيُسْرَى قَالَ: تت أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

يَجْلِسْ عَلَى وَرِكِهِ، وَالصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مِثْلُهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي جَمِيعِ جُلُوسِ الصَّلَوَاتِ (وَإِنْ شِئْت حَنَيْت الْيُمْنَى فِي انْتِصَابِهَا فَجَعَلْت جَنْبَ بُهْمِهَا) فَقَطْ (إلَى الْأَرْضِ) وَتَتْرُكُ الْقَدَمَ قَائِمًا (فَوَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (ثُمَّ) إذَا جَلَسْت بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (تَتَشَهَّدُ وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ لَفْظُهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا (التَّحِيَّاتُ) أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ (لِلَّهِ) تَعَالَى (الزَّاكِيَاتُ) أَيْ النَّامِيَاتُ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ (لِلَّهِ) تَعَالَى (الطَّيِّبَاتُ) أَيْ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ (الصَّلَوَاتُ) الْخَمْسُ (لِلَّهِ) تَعَالَى (السَّلَامُ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَيْ اللَّهِ (عَلَيْك) حَفِيظٌ وَرَاضٍ (أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) زَادَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ (وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ خَيْرَاتُهُ الْمُتَزَايِدَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا تَقْعُدْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلُ: بِأَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إذَا جَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ] فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ بِمَعْنَى وَضْعِ الْأَلْيَتَيْنِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، عَلَى أَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ مُلَاصَقَةُ الْأَلْيَةِ الْيُسْرَى بِالْأَرْضِ. فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ إذَا أَفْضَى بِأَلْيَتِهِ الْيُسْرَى لِلْأَرْضِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَالِسًا عَلَى قَدَمِهِ الْأَيْسَرِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْوَرِكِ لُصُوقَهُ بِالْأَرْضِ، وَلَمَّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَضْعِ الْأَلْيَةِ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ تَلَازُمٌ صَرَّحَ بِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُتَقَدِّمِ، وَقَوْلُهُ وَإِذَا جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي وَجْهِ التَّكْرَارِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت حَنَيْت إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي جَنْبِ الْبَهْمِ خِلَافَ قَوْلِ الْبَاجِيِّ يَكُونُ بَاطِنُ إبْهَامِهَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ لَا جَنْبَهَا اهـ. وَقَوْلُ الْبَاجِيِّ: هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَالتَّشَهُّدُ] إنَّمَا سُمِّيت هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِالتَّشَهُّدِ لِلَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَالتَّشَهُّدُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّفْظِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَنَا أَوْ عِنْدَ غَيْرِنَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَفْظُهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمُلْكِ] أَيْ كَمَلَكَ. [قَوْلُهُ: مُسْتَحَقَّةٌ] بِفَتْحِ الْحَاءِ. [قَوْلُهُ: الزَّاكِيَاتُ] حُذِفَتْ الْوَاوُ اخْتِصَارًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ تَقْدِيرُهُ وَالزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ وَالطَّيِّبَاتُ، وَالصَّلَوَاتُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا تَزْكُو، أَيْ ثَوَابُهَا يَزْكُو وَيَنْمُو وَهِيَ تَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهَا لِأَنَّ تَحْسِينَ الْعَمَلِ سَبَبٌ فِي التَّوْفِيقِ لِزِيَادَتِهِ [قَوْلُهُ: هِيَ ذِكْرُ اللَّهِ] أَيْ الْمَذْكُورُ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْكَلِمَاتِ لَيْسَتْ هِيَ نَفْسُ الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَلَمْ يَقُلْ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْمُسْتَلِذَّاتِ وَهِيَ لَا تَلِيقُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا وَالَاهُ] أَيْ مَا نَاسَبَهُ وَشَابَهَهُ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ حَسَنٍ. [قَوْلُهُ: الْخَمْسُ] أَيْ فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالتَّقْدِيرُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ لَا يَجُوزُ قَصْدُ غَيْرِهِ بِهَا أَوْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ إخْلَاصِنَا الصَّلَوَاتِ لَهُ، أَيْ صَلَاتُنَا مُخْلِصَةٌ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ لِلْجِنْسِ فَيَشْمَلُ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الدُّعَاءُ، أَيْ الدَّعَوَاتُ الَّتِي يُتَضَرَّعُ بِهَا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الرَّحْمَةُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ، أَيْ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَالْمُعْطِي لَهَا. [قَوْلُهُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ] وَقِيلَ: مَصْدَرُ الْأَصْلِ يُسَلِّمُ اللَّهُ عَلَيْك سَلَامًا ثُمَّ نُقِلَ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: عَلَيْك] الْأَحْسَنُ تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ حَفِيظٌ وَرَاضٍ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ رَاضٍ عَلَيْك وَحَفِيظٌ، لَكِنْ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ حَفِيظٌ. [قَوْلُهُ: أَيُّهَا النَّبِيُّ] قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ إنَّمَا قَالَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِأَجْلِ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِالْخِطَابِ الْخَاصِّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، لِأَنَّ رَسُولًا عَامٌّ فِي رُسُلِ اللَّهِ وَرُسُلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا وَأَمَّا النَّبِيَّ فَلَفْظٌ خَاصٌّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَخَاطَبَهُ بِالْخَاصِّ فِي مَقَامِ الْخُصُوصِيَّةِ اهـ، وَهُوَ مَعْنًى لَطِيفٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ يَنْبَغِي إذَا قَالَهُ الْمُصَلِّي أَنْ يَقْصِدَ حِينَئِذٍ الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ. [قَوْلُهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَخْ] أَيْ إرَادَةُ إحْسَانِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ، فَيَكُونُ صِفَةَ ذَاتٍ أَوْ نَفْسَ الْإِحْسَانِ كَمَا قَالَ

(السَّلَامُ) أَيْ أَمَانُ اللَّهِ (عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ (أَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) فِي أَفْعَالِهِ (وَأَشْهَدُ) أَيْ أَتَحَقَّقُ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ) بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةُ وَهُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدُهُ (وَرَسُولُهُ) بِالضَّمِيرِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ سَلَّمْت بَعْدَ هَذَا) أَيْ بَعْدَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ (أَجْزَأَك) أَيْ كَفَاك إلَى مُخَالَفَةِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ فِي الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ. (وَمِمَّا تُزِيدُهُ إنْ شِئْت وَأَشْهَدُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ) أَيْ أَتَحَقَّقُ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ الْآنَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ السَّاعَةَ) أَيْ الْقِيَامَةَ (آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) أَيْ لَا شَكَّ فِيهَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ (وَ) أَشْهَدُ (أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ذَكَرَ الْقُبُورَ إمَّا لِأَنَّهُ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ وَإِمَّا لِأَنَّ قَبْرَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسْبِهِ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَاقِلَّانِيُّ، فَهِيَ صِفَةُ فِعْلٍ وَالرَّحْمَةُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ رِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ، فَتَعَيَّنَ الْعُدُولُ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَمَانُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ فَسَّرَ السَّلَامَ أَوْ بِأَنَّهُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُفَسِّرَهَا هُنَا بِذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَجْرِيَ الْكَلَامُ كُلُّهُ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِذَا تَرَى كَلَامَ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ: اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَيْنَا أَنَّنَا آمَنَّا بِك وَاتَّبَعْنَاك. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُؤْمِنِينَ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالصَّالِحِ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِيمَانِ أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يَصُومُ أَوْ لَا يَحُجُّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَالْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلَفُ فِي صَلَاتِهِمْ فَلْيَكُنْ عَبْدًا صَالِحًا وَإِلَّا حُرِمَ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ لِيُوَافِقَ لَفْظُهُ مَعَ قَصْدِهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَالْمَلَائِكَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ لِلتَّبْعِيضِ وَبِالنِّسْبَةِ لِلْمَلَائِكَةِ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] حَالٌ مِنْ اسْمِ الْجَلَالَةِ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي الْخَبَرِ مُؤَسِّسَةٌ، أَيْ وَاحِدٌ فِي الذَّاتِ وَفِي الصِّفَاتِ. [قَوْلُهُ: فِي أَفْعَالِهِ] بِهَذَا التَّقْدِيرِ يَحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَهُ. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَك] وَصْفٌ طَرْدِيٌّ أَيْ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ بَعْضُهُ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً. قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ غَيْرُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى أَجْزَأَك أَيْ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ وَالصِّحَّةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَالْجَوَابُ مَا عَلِمْتَهُ مِنْ أَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَقُولَ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْت] أَيْ أَوْ تُسَلِّمُ وَلَا تَزِيدُهُ تَعَقُّبَ هَذَا بِأَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خُيِّرَ دَفْعًا لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَأَجَابَ آخَرُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ. [قَوْلُهُ: لَا رَيْبَ فِيهَا إلَخْ] جَوَابُ عَمَّا يُقَالُ نَفْيُ الرَّيْبِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَاقِعٌ مِنْ الْكُفَّارِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا رَيْبَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ أَوْ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ لَا تَرْتَابُوا أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ وَنَزَلَ رَيْبُ الْمُرْتَابِينَ مَنْزِلَةَ عَدَمِهِ أَوْ الْمَعْنَى لَيْسَ بِمَظِنَّةٍ لِلرَّيْبِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَغْلَبُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا] يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّحْمَةِ إذَا كَانَتْ مَضْمُومَةً لِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّعْظِيمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ، وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمُ مَعَنَا أَحَدًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَقَدْ حَجَرْت " فَأَقَرَّهُ عَلَى دُعَائِهِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَبَارِكْ] أَيْ اُنْشُرْ رَحْمَتَك. [قَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت] الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَرَحِمْت تَأْكِيدًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ضَبْطِ رَحِمْت هَلْ بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا مَعَ التَّخْفِيفِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّوَايَةَ

وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَلَائِكَتِك الْمُقَرَّبِينَ) . وَفِي نُسْخَةٍ وَالْمُقَرَّبِينَ بِزِيَادَةِ وَاوِ الْعَطْفِ (و) صَلِّ (عَلَى أَنْبِيَائِك الْمُرْسَلِينَ) وَرُوِيَ أَيْضًا بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. (وَ) صَلِّ (عَلَى أَهْلِ طَاعَتِك) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ (أَجْمَعِينَ) وَلَوْ كَانُوا عُصَاةً (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) الْمُؤْمِنِينَ (وَ) اغْفِرْ (لِأَئِمَّتِنَا) هُمْ الْعُلَمَاءُ (وَ) اغْفِرْ (لِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ (مَغْفِرَةً عَزْمًا) أَيْ عَاجِلَةً، وَقِيلَ: قَطْعًا وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقُولَ: إنْ شِئْت لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ كُلِّ خَيْرٍ سَأَلَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك) هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إذْ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى مُخْتَصَّةٌ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا (وَأَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك) مِنْ كُلِّ شَرٍّ اسْتَعَاذَك مِنْهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا) مِنْ الذُّنُوبِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَخَّرْنَا) مِنْ الطَّاعَاتِ عَنْ أَوْقَاتِهَا. (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ اهـ. [قَوْلُهُ: عَلَى إبْرَاهِيمَ] تَنَازَعَتْهُ الْعَوَامِلُ الثَّلَاثَةُ وَلَفْظُ إبْرَاهِيمَ أَعْجَمِيٌّ مَعْنَاهُ أَبٌ رَحِيمٌ [قَوْلُهُ: حَمِيدٌ] بِمَعْنَى مَحْمُودٍ. [قَوْلُهُ: مَجِيدٌ] بِمَعْنَى كَرِيمٍ أَوْ شَرِيفٍ أَوْ وَاسِعِ الْكَرْمِ. [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَالْمُقَرَّبِينَ إلَخْ] أَيْ وَصَلِّ عَلَى عِبَادِك الْمُقَرَّبِينَ فَيَكُونُ شَامِلًا لِغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي فِيهَا إسْقَاطُ الْوَاوِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ خَاصَّةً بِالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ كَجِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَعِزْرَائِيلَ تَشْرِيفًا لَهُمْ قَالَهُ: تت. [قَوْلُهُ: وَرُوِيَ أَيْضًا] أَيْ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانُوا عُصَاةً] أَيْ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالطَّاعَةِ أَصْلَ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: لِوَالِدَيْ] بِفَتْحِ الدَّالِ فَيَكُونُ مُثَنًّى وَيُحْتَمَلُ بِكَسْرِهَا فَيَكُونُ جَمْعًا قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَفِي كَلَامِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِمَّنْ أَرَادَ قَبُولَ دُعَائِهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَالِدَيْهِ ثُمَّ بِمَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ، وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَبْدَأُ بِمُعَلِّمِيهِ قَبْلَ أَبَوَيْهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمُعَلِّمَ تَسَبَّبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى شَرَفِ الْوَالِدَيْنِ اهـ. أَقُولُ وَيُقَوِّي الثَّانِيَ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّ عَاقَّ الْمُعَلِّمِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بِخِلَافِ عَاقِّ الْوَالِدَيْنِ. [قَوْلُهُ: هُمْ الْعُلَمَاءُ] قَالَ: تت لِدُخُولِ الْأُمَرَاءِ فِيهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ فِي الْإِمَارَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الصَّحَابَةُ] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّابِقُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ عَمَّمَ تت. قَالَ: وَهُوَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ وَأَمَّا عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ دَخَلُوا فِي قَوْلِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِك. [قَوْلُهُ: قَطْعًا] أَيْ مِنْ صِفَةِ الْمَغْفِرَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْك يَا رَبُّ أَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ بِهَا. [قَوْلُهُ: وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ إلَخْ] إنَّمَا يَأْتِي هَذَا أَنْ لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ ذِكْرَ الدُّعَاءِ، وَيَقْطَعُ بِذَلِكَ أَيْ يَقْطَعُ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَيْ لَا تَقُولُ: اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْت إلَخْ] أَيْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدَّرْت غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ إظْهَارِ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ وَهَذَا اللَّفْظُ يُشْعِرُ بِغِنَى الْعَبْدِ عَنْ الرَّبِّ، وَطَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَإِنَّ مَا شَاءَ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ فَتَكُونُ مَعْصِيَةً كَمَا ذَكَرَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك» إلَخْ] وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدُّعَاءُ بِهِ مَنْدُوبٌ لِأَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الدُّعَاءِ وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الدُّعَاءَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا، وَأَخَذَ يُكْثِرُ مِنْ الْمَسَائِلِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «قُلْ اللَّهُمَّ» . [قَوْلُهُ: هَذَا عَامٌّ إلَخْ] أَيْ فَتَكُونُ مِنْ صِلَةٍ أَوْ بَيَانًا لِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ، أَسْأَلُك شَيْئًا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ سَأَلَك مِنْهُ إلَخْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: إذْ الشَّفَاعَةُ إلَخْ] أَيْ وَغَيْرُهَا مِنْ كُلِّ مَا اخْتَصَّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ شَرٍّ] مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ. [قَوْلُهُ: بَعْضُهَا] بَدَلٌ مِنْ الذُّنُوبِ بَدَلُ بَعْضٍ وَقَوْلُهُ: عَلَى بَعْضٍ حَالٌ وَالتَّقْدِيرُ حَالُ كَوْنِ بَعْضِهَا كَائِنًا عَلَى بَعْضٍ، أَيْ مُتَرَادِفًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا أَخَّرْنَا مِنْ الطَّاعَاتِ إلَخْ] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الطَّاعَاتُ وَاجِبَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَالْمُرَادُ بِغُفْرَانِهَا عَدَمُ اللَّوْمِ فِيهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِبَارَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ

أَسْرَرْنَا) أَيْ أَخْفَيْنَا مِنْ الْمَعَاصِي عَنْ الْخَلْقِ (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَعْلَنَّا) أَيْ أَظْهَرْنَا لِلْخَلْقِ مِنْ الْمَعَاصِي (وَ) اغْفِرْ لَنَا (مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا) أَيْ مَا وَقَعَ مِنَّا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ بِحُكْمِهِ أَوْ وَقَعَ مِنَّا عَمْدًا وَنَسِينَاهُ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً) قِيلَ: هِيَ الْعِلْمُ. وَقِيلَ: هِيَ الْمَالُ الْحَلَالُ، وَقِيلَ هِيَ الزَّوْجَةُ الْحَسَنَةُ، وَقِيلَ هِيَ الْعَافِيَةُ (وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) وَهِيَ الْجَنَّةُ (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً، وَقِيلَ عَذَابُ النَّارِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ فِي الدُّنْيَا (وَأَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا) وَهِيَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الْعِصْيَانُ. (وَ) أَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ (الْمَمَاتِ) وَهِيَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ التَّبْدِيلُ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهِيَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وَالْأَرْزَاقُ تَتْبَعُهُ، فَمَنْ تَبِعَهُ كَفَرَ وَهُوَ يَسْلُكُ الدُّنْيَا كُلَّهَا إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَيَبْقَى فِي الدُّنْيَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَسُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْقَدَمَيْنِ لَا أَخْمَصَ لَهُمَا: وَقِيلَ: لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ أَيْ طَوَافِهِ فِيهَا فِي أَمَدٍ يَسِيرٍ وَوَصْفُهُ بِ (الدَّجَّالِ) لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاغْفِرْ لَنَا ذَنْبَ مَا أَخَّرْنَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا وَقَعَ مِنَّا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ بِحُكْمِهِ] أَيْ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَ مِنَّا عَمْدًا] لِأَنَّ مَا وَقَعَ حَالَ النِّسْيَانِ لَا إثْمَ فِيهِ لِخَبَرِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» . [قَوْلُهُ: الزَّوْجَةُ الْحَسَنَةُ] هِيَ الَّتِي إذَا رَأَيْتهَا سَرَّتْك وَحَفِظَتْك فِي مَالِك وَنَفْسِهَا وَالزَّوْجَةُ السُّوءُ بِالْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ الْعَافِيَةُ] وَهُوَ الْأَوْلَى قَالَ عج، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا الْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَافِيَةُ فِي الْآخِرَةِ وَلَوْ فُسِّرَتْ الْحَسَنَةُ فِي الدُّنْيَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ بِخَيْرِهَا مَا بَعُدَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَنَّةُ] وَقِيلَ الْمَغْفِرَةُ وَقِيلَ: الْعَافِيَةُ فِي الْآخِرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا وِقَايَةً] كِنَايَةً عَنْ الْبُعْدِ مِنْهَا وَالْقُرْبِ مِنْ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْعِصْيَانُ] وَقِيلَ: الْمَالُ وَالْوَلَدُ وَالْأَحْسَنُ كُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنْ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: فِتْنَةَ الْمَحْيَا] وَالْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ بِمَعْنَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: التَّبْدِيلُ عِنْدَ الْمَوْتِ] وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمَوْتِ قَعَدَ مَعَهُ شَيْطَانَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَاَلَّذِي عَنْ يَمِينِهِ عَلَى صِفَةِ أَبِيهِ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ، إنَّك لَتَعِزُّ عَلَيَّ وَإِنِّي عَلَيْك لَشَفِيقٌ وَلَكِنْ مُتْ عَلَى دِينِ النَّصَارَى فَهُوَ خَيْرُ الْأَدْيَانِ، وَاَلَّذِي عَنْ شِمَالِهِ عَلَى صِفَةِ أُمِّهِ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ مُتْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ فَهُوَ خَيْرُ الْأَدْيَانِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَوَلَّى قَبَضَ رُوحَهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَإِنَّهُمْ إذَا نَزَلُوا فَرَّ الشَّيْطَانُ وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ] أَيْ عَدَمُ رَدِّ الْجَوَابِ حِينَ يَسْأَلُهُ يَقُولُ الْمَلَكُ لَهُ: مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك، إلَخْ أَيْ فَلَا يُجِيبُ بِقَوْلِهِ رَبِّي اللَّهُ إلَخْ [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجَعَلَهُ تت تَصْحِيفًا. [قَوْلُهُ: وَالْأَرْزَاقُ تَتْبَعُهُ] فَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ «أَنَّهُ يَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ وَالْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ وَأَنَّهُ يَزْرَعُ الزَّرْعَ وَيَحْصُدُهُ وَيُغَرْبِلُهُ وَيَطْحَنُهُ وَيَعْجِنُهُ وَيَخْبِزُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَقُولُ: مَنْ أَطَاعَنِي أَكَلَ مِنْ رِزْقِي وَأَدْخَلْته جَنَّتِي وَمَنْ عَصَانِي أَدْخَلْتُهُ نَارِي» . [قَوْلُهُ: إلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ إلَخْ] وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ فَلَا يَبْقَى مَوْضِعٌ إلَّا وَيَدْخُلُهُ غَيْرَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَبَلَ الطُّورِ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَطْرُدُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا] رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَثْبُتُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ يَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ: لَا اقْدِرُوا لَهُ قَدْرَهُ» . [قَوْلُهُ: لَا أَخْمَصَ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَمْسُوحُ الْقَدَمَيْنِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَمِصَ الْقَدَمُ خُمُوصًا مِنْ بَابِ تَعِبَ ارْتَفَعَتْ عَنْ الْأَرْضِ فَلَمْ تَمَسَّهَا اهـ. [قَوْلُهُ: فِي أَمَدٍ يَسِيرٍ إلَخْ] هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ] فَقَدْ قَالَ الْحَطَّابُ: قِيلَ: مِنْ دَجَلَ، أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ دَجَلَ إذَا سَتَرَ وَغَطَّى وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَقَّ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقِ] بِالْجَرِّ

وَسُمِّيَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ بِالْبَرَكَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مَا مَسَحَ عَلَى ذِي عَاهَةٍ إلَّا وَبَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: لِسِيَاحَتِهِ فِي الْأَرْضِ فَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَسِيحُ الْهُدَى وَالدَّجَّالُ مَسِيحُ الضَّلَالِ. (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ عَذَابِ النَّارِ) وَقَوْلُهُ (وَسُوءُ الْمَصِيرِ) قِيلَ: إنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَالْمَمَاتِ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَإِذَا فَرَغْت مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فَلَا تُسَلِّمُ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ حَتَّى تَقُولَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى مَا قَالَ ع وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) . وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. الْقَرَافِيُّ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّسْلِيمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَعَا. وَعَنْ مَالِكٍ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْك إلَخْ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ تُسَلِّمُ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ فَ (تَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) وَهَذَا السَّلَامُ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ إمَامٍ وَفَذٍّ وَمَأْمُومٍ لَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا بِهِ، وَيَتَعَيَّنُ لَهُ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ. وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ أَمْ لَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَلَّمَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهَا بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَمْسُوحٌ بِالْبَرَكَةِ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فَكَأَنَّ الْبَرَكَةَ شَيْءٌ حِسِّيٌّ كَالدُّهْنِ وَمَسْحُ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ مَشْمُولٌ بِالْبَرَكَةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَنَّهُ إلَخْ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِسِيَاحَتِهِ] فَفَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ فَكَانَ شَأْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: مَسِيحُ الْهُدَى] أَيْ الْمَسِيحُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ لِلْهُدَى لِكَوْنِهِ مُتَّبَعًا [قَوْلُهُ: مَسِيحُ الضَّلَالِ] أَيْ الْمَسِيحُ الْمَنْسُوبُ لِلضَّلَالِ لِكَوْنِهِ مُتَّبِعًا لَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قِيلَ إنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَصِيرَ مَعْنَاهُ الْمَرْجِعُ، أَيْ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ بِالْمَوْتِ فَالْخَاتِمَةُ لَازِمَةٌ لَهُ فَتَفْسِيرُهُ، أَيْ سُوءُ الْمَصِيرِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءَ الْمُنْقَلَبِ] بِفَتْحِ اللَّامِ، أَيْ سُوءَ الِانْقِلَابِ، أَيْ التَّحْوِيلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَهُوَ تَكْرَارٌ. إلَخْ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ تَفْسِيرَ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ أَنْسَبُ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِعَذَابِ النَّارِ لِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ حَالَةٍ إلَى أُخْرَى مَوْجُودٌ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ قَالَ بَعْضٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ، أَيْ عَنْ بَحْثِ الشَّارِحِ بِأَنَّ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ لَا يَقُولُ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ حَيْثُ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ إلَى آخِرِ مَا فِي شَارِحِنَا، أَفَادَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَعَ ضَعْفِهَا هِيَ خَاصَّةٌ بِالْمَأْمُومِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَعَنْ مَالِكٍ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ الْمَشْهُورِ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ خَاصٌّ بِالْمَأْمُومِ كَمَا هُوَ صَرِيحَةً. [قَوْلُهُ: وَيَتَعَيَّنُ لَهُ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ] أَيْ بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّرْتِيبِ وَصِفَةُ الْجَمْعِ فَلَوْ قَالَ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامِي عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ أَسْقَطَ أَلْ لَمْ يُجْزِهِ لَكِنَّ ظَاهِرَهُ، أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالتَّنْوِينِ فِي السَّلَامِ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ وَمَالَ إلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي عِمْرَانَ. [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ وَأَقَرَّهُ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا، لَكِنْ يُنْدَبُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَيْهِ نَعَمْ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ جُمْلَةً خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِنِيَّتِهِ، وَيَنْبَغِي الْجَزْمُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ. وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ بَعْضِهِ حَيْثُ كَانَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَهُ مَعْنًى، فَلَوْ سَلَّمَ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ عَجْزًا عَنْ الْعَرَبِيَّةِ فَيَظْهَرُ لَنَا عَدَمُ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ] وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الِاشْتِرَاطِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ إمَامًا يَقْصِدُ بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ، وَيَقْصِدُ زِيَادَةً عَلَيْهِ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْمَأْمُومِ يَنْوِي بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ نَدْبًا

صَلَاتُهُ وَصِفَتُهُ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّك إمَّا أَنْ تَكُونَ إمَامًا أَوْ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا وَإِلَى الْأَوَّلَيْنِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِك تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك وَتَتَيَامَنُ بِرَأْسِك قَلِيلًا هَكَذَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ) وَيَجْهَرَانِ بِهِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ جَزْمُهُ، وَجَزْمُ الْإِحْرَامِ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا. وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ: عَنْ يَمِينِك أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِالْيُمْنَى وَظَاهِرَ قَوْلِهِ: تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْقِبْلَةِ أَجَابَ عَنْهُ. ع: بِأَنَّ الْأَخِيرَ يُفَسِّرُ الْأَوَّلَ فَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ حِينَ قَالَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِك كَيْفَ يُسَلِّمُ بِهَا عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: تَقْصِدُ بِهَا قُبَالَةَ وَجْهِك وَتَتَيَامَنُ بِرَأْسِك قَلِيلًا فَهُوَ يَبْدَأُ بِهَا إلَى وَيَخْتِمُ بِهَا مَعَ التَّيَامُنِ اهـ. وَالتَّيَامُنُ بِقَدْرِ مَا تَرَى صَفْحَةَ وَجْهِك سُنَّةً عَلَى مَا قَالَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتَرَزَ بِقَلِيلٍ مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ جِدًّا، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَمِينِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْ أُخْرَى حَتَّى تَكَلَّمَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا إمَامًا أَوْ فَذًّا وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ سَلَامِهِمَا. (وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَ) صِفَةُ سَلَامِهِ أَنَّهُ (يُسَلِّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِالثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ، وَالْفَذُّ يَنْوِي بِهَا التَّحْلِيلَ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ نَدْبًا وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ حَيْثُ اشْتَرَطَ مَعَهَا نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ قَوْلًا وَاحِدًا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَدِّدٌ وَيَقَعُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فَاحْتَاجَتْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لِمُصَاحَبَتِهَا النِّيَّةَ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزَ، وَأَيْضًا ضَعُفَ أَمْرُ التَّسْلِيمِ وَعَظُمَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ يَكْتَفِي بِكُلِّ مُنَافٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْهَرَانِ بِهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامًا أَوْ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا، وَأَمَّا تَسْلِيمَةُ غَيْرِهِ وَلَا تَتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمَأْمُومِ فَالْأَفْضَلُ فِيهَا السِّرُّ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَحْصُلُ بِجَهْرِهِ التَّخْلِيطُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَجَهْرُهَا أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا، وَيَنْدُبُ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ كَغَيْرِهَا لِلْإِمَامِ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ السِّرُّ كَالْفَذِّ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ جَزْمُهُ وَجَزْمُ الْإِحْرَامِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْحَرَكَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْرَاعُ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ الْمَأْمُومُ لَا تَرْكُ الْحَرَكَةِ، اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: بِالْيُمْنَى] أَيْ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بِالْقِبْلَةِ. 1 - [قَوْلُهُ: فَهُوَ يَبْدَأُ بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ وَيَخْتِمُ بِهَا مَعَ التَّيَامُنِ، أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ، أَيْ التَّيَامُنُ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ وَانْظُرْ هَلْ الْبَدْءُ لِلْقِبْلَةِ وَالْخَتْمُ مَعَ التَّيَامُنِ مِنْ مَنْدُوبٍ وَاحِدٍ أَوْ كُلِّ وَاحِدٍ مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ إلَخْ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: مِنْ أَنْ يَتَحَوَّلَ جِدًّا] أَيْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَبْتَدَأَ السَّلَامَ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِذَا تَحَوَّلَ جِدًّا فَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسَلِّمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ] أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَنْدُوبًا وَهَلْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ الِابْتِدَاءُ بِهَا إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُمَا مَأْمُورَانِ بِالِاسْتِقْبَالِ فِي سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَةِ أَرْكَانِهَا، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ نُدِبَ انْحِرَافُهُ فِي أَثْنَائِهِ إلَى جِهَةِ يَمِينِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ الِانْحِرَافُ دَلِيلًا لِنَحْوِ الْأَصَمِّ عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ] أَيْ قَاصِدًا التَّحْلِيلَ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَكَلَّمَ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ أُخْرَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَصَدَ التَّحْلِيلَ، فَسَوَاءٌ سَلَّمَ أَوْ لَا، تَكَلَّمَ أَوْ لَا، الْتِفَاتٌ إلَى ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ] أَيْ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّيَامُنَ وَهُوَ فَضِيلَةٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ مِنْ الْبُطْلَانِ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّيَامُنَ. [قَوْلُهُ: إمَامًا أَوْ فَذًّا] وَمِثْلُهُمَا الْمَأْمُومُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْيَسَارِ لِلْفَضْلِ عَمْدًا وَنِيَّتُهُ الْعَوْدِ لِلْأُولَى أَوْ سَاهِيًا يَظُنُّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْأُولَى، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرَى أَنَّ تَسْلِيمَةَ الْيَسَارِ فَضِيلَةٌ لَا تُخْرِجُ مِنْ الصَّلَاةِ، فَطَالَ الْأَمْرُ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ بَطَلَتْ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَلَا بُطْلَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ التَّسْلِيمُ لِلْفَضِيلَةِ

تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً يَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا وَيَرُدُّ أُخْرَى عَلَى الْإِمَامِ قُبَالَتَهُ) أَيْ قُبَالَةَ الْإِمَامِ وَهُوَ سُنَّةٌ (يُشِيرُ بِهَا إلَيْهِ) بِقَلْبِهِ وَقِيلَ: بِرَأْسِهِ إنْ كَانَ أَمَامُهُ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ تَرَكَ الْإِشَارَةَ بِرَأْسِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ (وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ كَانَ سَلَّمَ عَلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ) إنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَمْ يَرُدَّ عَلَى يَسَارِهِ شَيْئًا) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ. بَهْرَام: وَهَلْ يَرُدُّ الْمَسْبُوقُ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى مَنْ كَانَ سَلَّمَ عَلَى يَسَارِهِ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَرُدُّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ رِوَايَتَانِ، اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّدَّ. وَلَوْ انْصَرَفَ مِنْ عَلَى يَسَارِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ التَّشَهُّدَ وَكَانَ مَحَلُّهُ الْجُلُوسَ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعَ يَدَيْهِ فِي جُلُوسِهِ لَهُ وَكَيْف يَضَعُهُمَا وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ وَتَحْرِيكُهَا وَمَا يَعْتَقِدُهُ بِذَلِكَ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ:. الْأَوَّلُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ فِي تَشَهُّدَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ تَشَهُّدِهِ (عَلَى فَخْذَيْهِ) يُرِيدُ أَوْ رُكْبَتَيْهِ وَهَذَا الْجَعْلُ مُسْتَحَبٌّ. وَالثَّانِي شَيْئَانِ لِأَنَّ كَيْفِيَّةَ وَضْعِ الْيُسْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْيَسَارِ كَالْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا فَعَلَهُ مَعَ قَصْدِ الْإِتْيَانِ بِتَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ عَقِبَهُ صَارَ كَمَنْ قَدَّمَ فَضِيلَةً عَلَى فَرْضٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ] أَيْ الَّذِي أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ. [قَوْلُهُ: يَتَيَامَنُ بِهَا قَلِيلًا] أَيْ يُوقِعُ جَمِيعَهَا عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ وَلَا يَسْتَقْبِلَ بِهَا، أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَأْمُومَ كَهُمَا وَالْفَرْقُ عَلَى الرَّاجِحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا أَنَّ سَلَامَهُمَا وَرَدَّهُمَا فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ فَاسْتَقْبَلَا فِي أَوَّلِهِ الْقِبْلَةَ كَسَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ سَلَّمَ إمَامُهُ وَهُوَ تَبَعٌ لَهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ انْتَقَضَتْ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ أُخْرَى] أَيْ وَيُسَنُّ أَنْ يَرُدَّ أُخْرَى. [قَوْلُهُ: قُبَالَتَهُ] أَيْ يُوقِعُهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَتَيَامَنُ وَلَا يَتَيَاسَرُ بِهَا. [قَوْلُهُ: بِقَلْبِهِ] أَيْ لَا بِرَأْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ أَمَامَهُ أَوْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ عَلَى يَسَارِهِ، وَيُجْزِئُهُ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْك السَّلَامُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِرَأْسِهِ إنْ كَانَ أَمَامَهُ] هَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَظَاهِرُ ذَلِكَ الْقَوْلِ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ نِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ عج. وَقَالَ أَيْضًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ كَانَ أَمَامَهُ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ فَإِنَّهُ بِقَلْبِهِ اتِّفَاقًا أَيْ يَنْوِي الْإِشَارَةَ إلَيْهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدَّ] أَيْ الْمَأْمُومُ، أَيْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ. [قَوْلُهُ: عَلَى يَسَارِهِ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الَّذِي سَلَّمَ عَلَيْهِ كَائِنًا عَلَى يَسَارِهِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى يَسَارِهِ إلَّا إذَا سَلَّمَ الَّذِي عَلَى يَسَارِهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ فَرَضَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ لِذُهُولِهِ عَنْ السَّلَامِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَامِلًا لِصُورَتَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ بِيَسَارِهِ أَحَدٌ أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ وَلَا يَصِحُّ بَلْ مَا مَدْلُولُهُ إلَّا صُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْأُولَى الَّتِي هِيَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ أَحَدٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونَ عَلَى يَسَارِهِ مَسْبُوقٌ] أَيْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْبُوقُ أَدْرَكَ رَكْعَةً وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ، فَمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لَا يَرُدُّ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَمَنْ عَلَى يَمِينِهِ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ لِرَدِّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ سَلَّمَ قَبْلَ الْمَأْمُومِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ السَّابِقُ بِالسَّلَامِ هُوَ الْمَأْمُومَ كَأَهْلِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ عَلَى الْإِمَامِ وَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: اخْتَارَ ابْنُ الْقَاسِمِ الرَّدَّ] أَيْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فِي جُلُوسِهِ لَهُ] أَيْ لِلتَّشَهُّدِ. [قَوْلُهُ: وَكَيْفَ يَضَعُهُمَا] أَيْ جَوَابُ كَيْفَ يَضَعُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ يَدَيْهِ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: فِي تَشَهُّدَيْهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَمِثْلُهُمَا فِي حَالِ الدُّعَاءِ أَيْضًا إلَى السَّلَامِ. [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةِ تَشَهُّدِهِ] يُرَادُ الْجِنْسُ وَهِيَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَا فِيهِ تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ. [قَوْلُهُ: عَلَى فَخْذَيْهِ إلَخْ] تَثْنِيَةُ فَخْذٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ وَالْوَرِكِ وَكَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. وَفِي التَّتَّائِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى فَخْذَيْهِ وَهُمَا قَرِيبَتَانِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ أَوْ رُكْبَتَيْهِ

تُخَالِفُ وَضْعَ الْيُمْنَى وَسَيَأْتِي. وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيُمْنَى فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَقْبِضُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيَبْسُطُ) أَيْ يَمُدُّ (السَّبَّابَةَ) وَهِيَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَتَسَابُّونَ بِهَا، وَتُسَمَّى أَيْضًا الدَّاعِيَةَ لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالْمُسَبِّحَةَ لِأَنَّهُ يُسَبَّحُ بِهَا وَمِذَبَّةً لِلشَّيْطَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَمُدُّ الْإِبْهَامَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الطِّرَازِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَبْضُ الْيُمْنَى إلَّا الْمُسَبِّحَةَ فَيَبْسُطُهَا دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ يَمُدُّهُ مَعَ السَّبَّابَةِ بَهْرَامُ: وَيَجْعَلُهُ تَحْتَ السَّبَّابَةِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ كَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَبْضَ الْمَذْكُورَ خَاصٌّ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَضَعُهُمَا مَبْسُوطَتَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْجُلُوسَيْنِ. ق: وَمَا قَالَاهُ لَا يُوجَدُ فِي الْمَذْهَبِ مَنْصُوصًا وَالثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (يُشِيرُ بِهَا) أَيْ السَّبَّابَةِ الْإِشَارَةَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَسْطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمَدُّ، وَالْإِشَارَةُ النَّصْبُ حَتَّى كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَطْعَنَ شَخْصًا أَمَامَهُ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ أَنْ يَبْسُطَ وَلَا يُشِيرَ وَبِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] مَرْدُودٌ إذْ لَا يُنْدَبُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، بَلْ يُنْدَبُ وَضْعُهُمَا بِقُرْبِهِمَا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ وَكَذَا قَالَ الْقَرَافِيُّ عَلَى فَخْذَيْهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: كَانُوا يَتَسَابُّونَ بِهَا] أَيْ يُشِيرُونَ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الدُّعَاءِ] أَيْ دُعَاءِ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي طَلَبِ حَاجَةٍ مَعَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ، قُلْت: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ تَآلِيفِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَشْفُ الْيَدَيْنِ. وَقَالَ فِي خِلَالِ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ فِيهِ بِإِصْبَعَيْنِ وَإِنَّمَا يُشِيرُ بِسَبَّابَةِ يَدِهِ الْيُمْنَى، اهـ لَفْظُهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُسَبَّحُ بِهَا] أَيْ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ كَذَا قَالَ عج، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُشَارُ بِهَا إلَى التَّسْبِيحِ أَيْ التَّنْزِيهِ عَنْ الشَّرِيكِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرِهِ سُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِإِشَارَةِ الْعَرَبِ بِهَا لِلسَّبِّ وَمُسَبِّحَةً لِلْإِشَارَةِ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ. [قَوْلُهُ: وَمُذِبَّةً لِلشَّيْطَانِ] فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ مُذِبَّةٌ لِلشَّيْطَانِ لَا يَسْهُو أَحَدُكُمْ مَا دَامَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ اهـ. وَمُذِبَّةٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةٍ آخِرُهُ تَاءٌ، أَيْ مُطْرِدَةٌ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُمَدُّ الْإِبْهَامُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَإِذَا قُلْنَا: يَقْبِضُ الْإِبْهَامَ فَقِيلَ: يَجْعَلُ طَرَفَهَا عَلَى الْأُنْمُلَةِ السُّفْلَى مِنْ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَقِيلَ: يَجْعَلُهُ دُونَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا يَعْطِفُهُ جِدًّا اهـ. [قَوْلُهُ: دَلِيلُهُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] وَنَصُّ الْمُوَطَّأِ «كَانَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ» اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ وَأَنَّ الْإِبْهَامَ مَمْدُودَةٌ كَالسَّبَّابَةِ فَلَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَنَصُّهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةَ، وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى» اهـ. فَقَوْلُهُ وَدَلِيلُهُ، أَيْ دَلِيلُ كَوْنِهِ يُمِدُّهُ مَعَ السَّبَّابَةِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ بِتَمَامِهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَعَقْدُهُ يُمْنَاهُ بِتَشَهُّدَيْهِ مَادًّا السَّبَّابَةَ وَالْإِبْهَامَ [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُهُ تَحْتَ السَّبَّابَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى هَيْئَةِ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ وَالْوُسْطَى أَطْرَافَهُنَّ عَلَى اللَّحْمَةِ الَّتِي تَحْتَ الْإِبْهَامِ وَيَبْسُطُ الْمُسَبِّحَةَ وَيَجْعَلُ جَنْبَهَا إلَى السَّمَاءِ وَيُمِدُّ الْإِبْهَامَ بِجَنْبِهَا عَلَى الْوُسْطَى فَقَبْضُ الثَّلَاثَةِ وَوَضْعُ أَطْرَافِهِنَّ عَلَى اللَّحْمَةِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ هُوَ قَبْضُ تِسْعَةٍ وَمَدُّ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ هُوَ الْعِشْرُونَ. [قَوْلُهُ: عَامٌّ فِي الْجُلُوسَيْنِ] أَيْ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ وَالْجُلُوسِ الَّذِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْبَسْطِ] فَالْبَسْطُ الْمَدُّ

(وَقَدْ نَصَبَ حَرْفَهَا) أَيْ جَنْبَهَا (إلَى وَجْهِهِ) أَيْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ (احْتِرَازًا) مِنْ أَنْ يَبْسُطَهَا وَبَاطِنُهَا إلَى الْأَرْضِ وَظَاهِرُهَا إلَى وَجْهِهِ وَبِالْعَكْسِ. وَالرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَاخْتُلِفَ فِي تَحْرِيكِهَا) فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُحَرِّكُهَا. وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَا يُحَرِّكُهَا، وَإِذَا قُلْنَا يُحَرِّكُهَا فَهَلْ فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ أَوْ عِنْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ قَوْلَانِ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فَهَلْ يَمِينًا وَشِمَالًا أَوْ أَعْلَى وَأَسْفَلَ قَوْلَانِ وَالْخَامِسُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَقِيلَ يُعْتَقَدُ بِالْإِشَارَةِ بِهَا) أَيْ بِنَصْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ (أَنَّ اللَّهَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَ) قِيلَ (يَتَأَوَّلُ) أَيْ يَعْتَقِدُ (مَنْ يُحَرِّكُهَا أَنَّهَا مَقْمَعَةٌ) أَيْ مَطْرَدَةٌ (لِلشَّيْطَانِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْمِقْمَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ إذَا جَعَلْتهَا مَحَلًّا لِقَمْعِهِ وَإِنْ جَعَلْتهَا آلَةً لِقَمْعِهِ قُلْت مِقْمَعَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَأَحْسَبُ) أَيْ أَظُنُّ (تَأْوِيلَ) أَيْ مَعْنَى (ذَلِكَ) التَّحْرِيكِ (أَنْ يَذْكُرَ بِذَلِكَ) التَّحْرِيكِ (مِنْ أَمْرِ) أَيْ شَأْنِ (الصَّلَاةِ مَا يَمْنَعُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى (عَنْ السَّهْوِ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ. (وَ) مَا يَمْنَعُهُ عَنْ (الشُّغْلِ عَنْهَا) وَهُوَ مَا يُشْغَلُ بِهِ قَلْبُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى كَيْفِيَّةِ وَضْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِشَارَةُ زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ تَتَضَمَّنُ الْبَسْطُ وَالْبَسْطُ لَا يَتَضَمَّنُهَا. [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] يُحَرِّكُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ مُزَيْنٍ ضَعِيفٌ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُزَيْنٍ أَصْلُهُ مِنْ طُلَيْطِلَةَ وَانْتَقَلَ إلَى قُرْطُبَةَ وَدَخَلَ الْعِرَاقَ وَسَمِعَ مِنْ الْقَعْنَبِيِّ وَسَمِعَ بِمِصْرَ مِنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ تُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ فِي جَمْعِ التَّشَهُّدِ] أَيْ مِنْ مَبْدَأِ التَّحِيَّاتِ إلَى رَسُولِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّكُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ الَّذِي آخِرُهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، هَذَا صَرِيحُ حِلِّ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لِكَلَامِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَشْيَاخِ أَنَّهُ يُحَرِّكُهَا لِآخِرِ الدُّعَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِنَصْبِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ] قَالَ عج بَعْدَ نَفْلِ كَلَامِهِ قُلْت: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ بِنَصْبِهَا سِوَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا فِي تَحْرِيكِهَا فَذَكَرَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ قَوْلَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَ قَوْلِهِ فَقِيلَ: يَعْتَقِدُ بِالْإِشَارَةِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَاحِدٌ] أَيْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ] أَيْ الْأُولَى كَمَا فِي عج فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمِقْمَعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى إذَا جَعَلْتهَا مَحَلًّا لِقَمْعِهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: قُلْت مِقْمَعَةً إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَمَعْته قَمْعًا أَذْلَلْته وَقَمَعْته ضَرَبْته بِالْمِقْمَعَةِ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَهِيَ خَشَبَةٌ يُضْرَبُ بِهَا الْإِنْسَانُ عَلَى رَأْسِهِ لِيُذَلَّ وَيُهَانَ اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ] لَمَّا كَانَتْ حَقِيقَةُ التَّأْوِيلِ الَّتِي هِيَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ فَسَّرَهُ بِمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْ عِلَّةُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَذْكُرَ] أَيْ تَذْكُرُهُ أَيْ اسْتِحْضَارُهُ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ التَّحْرِيكِ] أَيْ فَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَقِيلَ عَلَى الْإِشَارَةِ وَقِيلَ عَلَيْهِمَا مَعًا. قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَهُوَ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الْمُؤَلِّفُ. [قَوْلُهُ: مَا يَمْنَعُهُ] أَيْ شَيْئًا يَمْنَعُهُ وَهَذَا الشَّيْءُ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ تت الْآتِيَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ لِقَوْلِهِ وَأَحْسَبُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ لِقَوْلِهِ مَا يَمْنَعُهُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ] فَسَّرَ السَّهْوَ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ لَا بِحَقِيقَتِهِ وَلَوْ فَسَّرَهُ بِهَا لَصَحَّ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَمْنَعُهُ] أَيْ كَوْنُهُ فِي صَلَاةٍ. [قَوْلُهُ: عَنْ الشُّغْلِ عَنْهَا] أَيْ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ، أَيْ عَنْ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِأَمْرٍ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ لَيْسَ بَيَانًا لِمَا وَلَا بَيَانًا لِلشُّغْلِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَائِدٌ عَلَى مَا يُشْغَلُ بِهِ الْمَفْهُومُ مِنْ الشُّغْلِ كَحِسَابِ الْعَدَدِ مَثَلًا، إذْ هُوَ أَمْرٌ شَأْنُهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ قَلْبُهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: قَلْبُهُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي اشْتِغَالُ الْجَوَارِحِ مَعَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ [قَوْلُهُ: خَارِجَ الصَّلَاةِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُشْغَلُ إلَخْ. قَالَ تت وَإِنَّمَا خُصَّتْ السَّبَّابَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عِرْقًا مِنْهَا يَتَّصِلُ بِالْقَلْبِ، فَإِذَا تَحَرَّكَتْ تَحَرَّكَ الْقَلْبُ وَعَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي تَرْكِ السَّهْوِ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا يَمْنَعُهُ وَيَحْفَظُهُ عَنْ السَّهْوِ كَالْخَاتَمِ يَكُونُ فِي أُصْبُعٍ فَإِذَا

الْيُسْرَى بِقَوْلِهِ: (وَيَبْسُطُ) أَيْ يَمُدُّ (يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخْذِهِ الْأَيْسَرِ وَلَا يُحَرِّكُهَا) أَيْ السَّبَّابَةَ (وَلَا يُشِيرُ بِهَا) . ج: بَسْطُ الْيَدِ الْيُسْرَى مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَدُّهَا، وَهَلْ التَّحْرِيكُ مُرَادِفٌ لِلْإِشَارَةِ أَوْ مُغَايِرٌ؟ قَوْلَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ الْمُغَايِرَةُ لِعَطْفِهِ الْإِشَارَةَ عَلَى التَّحْرِيكِ. (وَيُسْتَحَبُّ الذِّكْرُ بِأَثَرِ الصَّلَوَاتِ) الْمَفْرُوضَاتِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِنَافِلَةٍ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ «رَجُلًا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فَقَامَ يَتَنَفَّلُ فَجَذَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَجْلَسَهُ، وَقَالَ لَهُ: لَا تُصَلِّ النَّافِلَةَ بِأَثَرِ الْفَرِيضَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَصَبْت يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ اللَّهُ بِك» وَالذِّكْرُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ بِالْأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا أَنَّهُ (يُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَسْبِيحَةً. (وَيَحْمَدُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَحْمِيدَةً (وَيُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَكْبِيرَةً (وَيَخْتِمُ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ع: هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ بِتَرْكِ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ. وَيُرْوَى هُنَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ انْتَهَى. وَقَدَّمَ التَّحْمِيدَ عَلَى التَّكْبِيرِ وَعَكَسَ فِي بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِثْلُ مَا هُنَا، وَفِي الْمُوَطَّأِ مِثْلُ مَا فِي بَابِ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً مَجْمُوعَةً لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاوِ لَا بِثُمَّ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَرَفَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ أَنْ يَقُولَهَا مُفَرَّقَةً فَيَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمُ ذَلِكَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَخْ (وَيُسْتَحَبُّ بِإِثْرِ صَلَاةِ الصُّبْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى رَكْعَةً يَنْزِعُهُ وَيَجْعَلُهُ فِي أُخْرَى. [قَوْلُهُ: أَيْ السَّبَّابَةَ] الْأَوْلَى عِبَارَةُ تت حَيْثُ قَالَ، أَيْ سَبَّابَتَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ ضَمِيرَ يُحَرِّكُهَا إنَّمَا يَرْجِعُ لِلْيُسْرَى لِأَنَّهَا الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشِيرُ بِهَا] وَلَوْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ مُغَايِرٌ إلَخْ] الظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ بِأَثَرِ الصَّلَوَاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَثَرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ بِفَاصِلٍ، فَلَوْ حَصَلَ فَاصِلٌ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الطَّرِيقَةُ الْمَشْرُوعَةُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ إلَّا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ، أَيْ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ تَسْبِيحٍ مُطْلَقٍ وَتَحْمِيدٍ وَتَكْبِيرٍ، كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُهُ لَا لِذِكْرٍ مَشْرُوعٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَخَّرَهُ لِسَبَبِ الْإِتْيَانِ بِمَا شَرَعَ أَيْضًا عَقِبَ الصَّلَوَاتِ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ثَلَاثًا. وَقَوْلُهُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ فِي تَأْخِيرِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ إلَخْ، وَإِنَّمَا الْمُضِرُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَحَاجَةِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا شُرِعَ مِنْ الْأَذْكَارِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: أَصَابَ اللَّهُ بِك] أَيْ أَوْقَعَ اللَّهُ الصَّوَابَ مُلْتَبِسًا بِك أَيْ عَلَى يَدَيْك. [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يُسَبِّحُ اللَّهَ] أَيْ بِمَدِّ الْجَلَالَةِ مَدًّا طَبِيعِيًّا. [قَوْلُهُ: لَهُ الْمُلْكُ] أَيْ اسْتِحْقَاقُ التَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ] أَيْ مُشِيءٌ وَلَا يَكُونُ إلَّا مُمَكَّنًا فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى] هَذَا مُقَابِلَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ] أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبْرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَخْتِمُ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ وَأَقُولُ فَيُسْتَفَادُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَقَالَ تت، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ الثَّلَاثَةَ جُمْلَةً أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْأَحْوَطُ الْجَمْعُ بَيْنَ

التَّمَادِي فِي الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ) . ع: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الذِّكْرَ خِلَافُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي بِالذِّكْرِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُ الذِّكْرِ مَا بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ إلَخْ (إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبَ طُلُوعِهَا) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ تَامَّةً تَامَّةً» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَعَلَى هَذَا مَضَى عَمَلُ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَانُوا يُثَابِرُونَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ يُسْتَحَبُّ (وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) قَدْ أُخِذَ مِنْهُ بَيَانُ وَقْتِهَا فَلَا تُجْزِئُ إذَا رَكَعَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَوْ بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ تَابِعَةً لِفَرِيضَةِ الْفَجْرِ، فَتَعَلَّقَتْ بِوَقْتِ الْمَتْبُوعِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ حُكْمُهَا، وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا فِي بَابِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ قَوْلَيْنِ: الرَّغِيبَةُ وَالسُّنِّيَّةُ، وَصَدَّرَ بِالْأَوَّلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ الْحَاجِبِ. الثَّانِي: وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَمْتَازَا عَنْ النَّوَافِلِ، فَإِنْ صَلَّاهُمَا بِغَيْرِ نِيَّةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمْ تَجْزِيَاهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهُمَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (يُسِرُّهَا) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَاتِ يُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمُ بِقَوْلِهِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اهـ. [قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي وَيَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَهُ هَذَا الشَّرَفُ لِأَنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَذْكَارِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ وَرَأَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِغْفَارِ، وَاخْتَلَفَ الْأَشْيَاخُ هَلْ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْلَى أَوْ الِاسْتِغْفَارُ؟ التَّادَلِيُّ وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ لِقِلَّةِ الْحَامِلِينَ لَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَبِهَذَا الْقَوْلِ أَقُولُ لِخَبَرِ، «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» . [قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْغَايَةَ بِإِلَى خَارِجَةٌ وَتَعْبِيرَ الْحَدِيثِ بِحَتَّى يُفِيدَ الدُّخُولَ فَتَكُونُ إلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى حَتَّى، أَيْ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ. [قَوْلُهُ: الْفَجْرِ] أَيْ الصُّبْحِ. [قَوْلُهُ: فِي جَمَاعَةٍ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ قَاصِرٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَحْتَاجُ قَوْلُهُ أَوْ قُرْبُ طُلُوعِهَا لِدَلِيلٍ كَمَا لَا يَخْفَى. [قَوْلُهُ: ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ] أَيْ رَكْعَتَيْ الضُّحَى. [قَوْلُهُ: تَامَّةً تَامَّةً] كَذَا فِي النُّسَخِ تَامَّةً تَامَّةً مَرَّتَيْنِ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي التِّرْمِذِيِّ ذِكْرَ تَامَّةٍ ثَلَاثًا، وَكَذَا فِي تت وَالْقَصْدُ التَّأْكِيدُ وَحَذْفُ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: يُثَابِرُونَ] أَيْ يُدَاوِمُونَ. [قَوْلُهُ: مُسْتَغْنًى عَنْهُ] اعْلَمْ أَنَّ فِي تت الْجَوَابَ وَنَصُّهُ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى خِلَافِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَيُسْتَحَبُّ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيُكْرَهُ النَّوْمُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْكَلَامُ أَحْرَى وَعِلَّةُ ذَلِكَ الشَّرَفُ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَقُمْ اللَّيْلَ وَأَمَّا مَنْ سَهِرَ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: فَلَا تُجْزِئُ إذَا رَكَعَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] أَيْ تَحْقِيقًا تَحَرَّى أَمْ لَا وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَأَوْقَعَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فَعَلَهَا بَعْدُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَلَا إعَادَةَ وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْقَعَهَا قَبْلُ فَيُعِيدُهَا، وَإِنْ أَحْرَمَ مَعَ الشَّكِّ بِدُونِ تَحَرٍّ فَلَا تُجْزِي وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِحْرَامَ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِهِ. [قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَفَاوُتُ الصَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الرَّغِيبَةِ وَالنَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الِاسْتِحْبَابُ مُنْصَبٌّ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: يُسِرُّهَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: شَيْخُنَا وَهَذَا

قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ حَتَّى أَقُولَ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا؟» وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: يَقْرَأُ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] » . شَيْخُنَا: وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ دَلِيلِ الْمَشْهُورِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ نَصٌّ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ. وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ وَصَلَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ. وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا فَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْفَرِيضَةُ تَرَكَهُمَا وَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَرْكَعُهُمَا بَعْدَ الشَّمْسِ فَإِنَّ وَقْتَهُمَا مُمْتَدٌّ إلَى الزَّوَالِ، وَلَا يُقْضَى شَيْءٌ مِنْ النَّوَافِلِ غَيْرَهُمَا، وَإِذَا نَامَ عَنْ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ صَلَّاهُمَا بَعْدُ وَمَنْ نَسِيَهُمَا حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ أَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا يَرْكَعُهُمَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَرْكَعْهُمَا أَحْرَمَ وَجَلَسَ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَيَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِهِ ثُمَّ يَرْكَعَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ صِفَةَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَقَالَ: (وَالْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ مِنْ الطِّوَالِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ قَلِيلًا) قَاعِدَةُ الشَّيْخِ عَلَى مَا قَالَهُ ج: أَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَوْفَى كَلَامِهِ تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قِيلَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ مِنْ الطِّوَالِ فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِأَشْهَبَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَدُونَ ذَلِكَ فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِمَالِكٍ وَيَحْيَى. (وَلَا يَجْهَرُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ (بِشَيْءٍ مِنْ الْقِرَاءَةِ) لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا بِمَا زَادَ عَلَيْهَا (وَ) إنَّمَا (يَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا وَ) يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا سِرًّا) وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَجْهَرُ (وَيَتَشَهَّدُ فِي الْجِلْسَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلُ بِقَوْلِهِ: وَمِمَّا يَزِيدُهُ إلَخْ مَحَلُّهَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَظْهَرُ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ يَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْإِسْرَاعُ بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ وَالسُّورَةِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَصَلَاتُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ] وَأَمَّا فِي الْبَيْتِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَمْ يَدْخُلْهُ فَوَجَدَ الصَّلَاةَ قَدْ أُقِيمَتْ فَإِنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِ رِحَابِهِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: تَرَكَهُمَا وَدَخَلَ] أَيْ وَلَا يَفْعَلُهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُطَوِّلُ بِحَيْثُ يُحْرِمُ مَعَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ لِفِعْلِهِمَا بِخِلَافِ الْوَتْرِ تُقَامُ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَى مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِيَرْكَعَهَا حَيْثُ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامُ إذَا أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِالصُّبْحِ وَلَا يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ بِخِلَافِ الْوَتْرِ فَإِنَّهُ يَسْكُتُ الْمُؤَذِّنُ حَتَّى يَفْعَلَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَجْرَ يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ بِخِلَافِ الْوَتْرِ. [قَوْلُهُ: فِي قَوْلٍ وَهُوَ لِأَشْهَبَ] يَعْنِي أَنَّ أَشْهَبَ يَقُولُ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْقِرَاءَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لِمَالِكٍ] أَيْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الظُّهْرِ دُونَ الْمَقْرُوءِ فِي الصُّبْحِ قَلِيلًا أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ. وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَإِذَا قَرَأَتْ مَثَلًا بِالْفَتْحِ فِي الصُّبْحِ تَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوِ الْجُمُعَةِ أَوْ الصَّفِّ، وَلَا تَفْهَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا مِنْ أَوَاسِطِ الْمُفَصَّلِ وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَوْلًا ثَالِثًا بِالتَّخْيِيرِ. [قَوْلُهُ: سِرًّا] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ، وَذَكَرَ الْمَوَّاقُ أَنَّ السِّرَّ جَمِيعَهُ فِي مَحَلِّهِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا أَنَّهُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ سُنَّةٌ، وَيَأْتِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَقِيلَ: إنَّ الْإِسْرَارَ فِي الْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا سُنَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمِثْلُهَا السُّورَةُ إلَّا أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فِي الْفَاتِحَةِ وَخَفِيفَةٌ فِي السُّورَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ إلَخْ] أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ تت بِجَوَابٍ سَهْلٍ فَقَالَ: وَلَمَا فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا يَجْهَرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ سِرًّا وَلَكِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَفْهُومُ صَرَّحَ بِهِ، فَقَالَ: وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ سِرًّا، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي الدُّعَاءُ فِي الْأُولَى كَمَا هُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ

فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ. (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ (يَقُومُ) إلَى الثَّالِثَةِ (فَلَا يُكَبِّرُ) عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْقِيَامِ بَلْ (حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا) عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِلْعَمَلِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ رُكْنٍ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ سُنَّةٍ إلَى فَرْضٍ فَالْفَرْضُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْقَائِمَ إلَى الثَّالِثَةِ كَالْمُسْتَفْتِحِ لِصَلَاةٍ جَدِيدَةٍ (هَكَذَا يَفْعَلُ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَ) لَا يَقُومُ إلَّا (بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ) وَيَفْرُغَ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ (يَقُومُ الْمَأْمُومُ أَيْضًا فَإِذَا) قَامَ و (اسْتَوَى قَائِمًا كَبَّرَ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَمُقْتَدٍ بِهِ، فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ أَفْعَالِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تَسْبِقُونِي بِرُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ» فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ. (وَيَفْعَلُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ مِنْ صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالرَّفْعُ مِنْهُمَا وَالِاعْتِدَالُ وَالطُّمَأْنِينَةُ (وَالْجُلُوسِ) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدَيْنِ فِي الْقِيَامِ (نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) دَلِيلُهُ «فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَعْلِيمُهُ النَّاسَ» وَلَا خِلَافَ فِيهِ (وَيَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَشَارَ إلَى حُكْمِهِ وَعَدَدِهِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ لِلْمُصَلِّي (مِثْلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ الدُّعَاءُ فِيهِ كَالثَّانِي وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ حَالَةَ الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: هَكَذَا يَفْعَلُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيَتَشَهَّدُ إلَى قَوْلِهِ وَرَسُولُهُ فَالتَّحْدِيدُ فِي التَّشَهُّدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْفَذِّ وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ اسْتِوَاءِ الْإِمَامِ وَتَكْبِيرِهِ سَوَاءً بَلَغَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ كَانَ قَبْلَهُ بِلَا تَحْدِيدٍ فِي حَقِّهِ فَهَذِهِ فَائِدَةُ الِاسْتِئْنَافِ. [قَوْلُهُ: فَسَبِيلُ أَفْعَالِهِ] أَيْ طَرِيقُ أَفْعَالِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذَكَرَ أَيْ مِنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَّمَهُ النَّاسَ. [قَوْلُهُ: وَعَدَدُهُ] أَيْ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ، وَأَمَّا مُطْلَقُ ثَوَابٍ فَيَحْصُلُ وَلَوْ بِرَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ] وَأَوْلَى مَنْ حَافَظَ عَلَى أَكْثَرَ إذْ التَّنَفُّلُ بَعْدَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ [قَوْلُهُ: حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ] أَيْ فَتَكُونُ الْمُدَاوَمَةُ الْمَذْكُورَةُ سَبَبًا فِي عَدَمِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ جَسَدُهُ عَلَى النَّارِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْحَابُ السُّنَنِ] أَيْ الْأَرْبَعَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، فَإِنْ قُلْت حَيْثُ وَرَدَ الْحَثُّ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلُ وَأَرْبَعٍ بَعْدُ فَلِمَ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّنَفُّلِ بَعْدُ؟ قُلْت: تَنْبِيهًا عَلَى الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَهَا فَقَطْ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: حَسَنٌ صَحِيحٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَرْدًا فَإِطْلَاقُ الصِّحَّةِ وَالْحَسَنِ عَلَيْهِ يَكُونُ لِتَرَدُّدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي حَالَةِ نَاقِلِهِ هَلْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ أَوْ قَصَّرَ عَنْهَا فَهُوَ صَحِيحٌ بِحَسْبِ الْأَوَّلِ حَسَنٌ بِحَسْبِ الثَّانِي، غَايَتُهُ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْهُ حَرْفَ التَّرَدُّدِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَالْإِطْلَاقُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ إسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحِيحٌ وَالْآخَرُ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: غَرِيبٌ] الْغَرِيبُ حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ رَاوِيه بِرِوَايَتِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ مِنْ رُوَاةِ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ، حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ التَّرَدُّدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَرِيبًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ نَافِلَةٍ] الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا خِلَافًا وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي ابْنِ نَاجِي الْمُفِيدُ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ فِي الْمَذْهَبِ

يَتَنَفَّلَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ (قَبْلَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» (وَيَفْعَلُ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ كَمَا وَصَفْنَا فِي صِفَةِ الظُّهْرِ سَوَاءً) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ (إلَّا أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ مِثْلُ وَالضُّحَى وَإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ وَنَحْوَهُمَا) وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ مُخَالِفَةً لِصِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى السِّرِّ وَالْجَهْرِ أَتَى بِأَمَّا الْفَاصِلَةِ فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْهَا) فَقَطْ وَيُسِرُّ فِي الثَّالِثَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ. (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ الْأُولَيَيْنِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْقِصَارِ) لِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ. (وَ) يَقْرَأُ (فِي الثَّالِثَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ) بِسُكُونِ الطَّاءِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى حَسْبَ، وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى الدَّهْرِ فَهِيَ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَقُولُهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ سُورَةً (وَ) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (يَتَشَهَّدُ) وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُسَلِّمُ) عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الذِّكْرِ عَقِبَهَا (بِرَكْعَتَيْنِ) «لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» ذَلِكَ (وَمَا زَادَ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (فَهُوَ خَيْرٌ) لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] (وَإِنْ تَنَفَّلَ) بَعْدَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا [قَوْلُهُ: رَحِمَ اللَّهُ إلَخْ] جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى، أَيْ اللَّهُمَّ ارْحَمْ إلَخْ. وَدُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجَابٌ [قَوْلُهُ: بِالْقِصَارِ مِنْ السُّوَرِ] فَلَوْ افْتَتَحَهَا بِسُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ تَرَكَهَا وَقَرَأَ قَصِيرَةً. [قَوْلُهُ: وَمَا رُوِيَ بِخِلَافِهِ فَمُؤَوَّلٌ] أَيْ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ» ، فَأُوِّلَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيَضُرَّهُمْ وَإِلَّا فَاَلَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ التَّخْفِيفُ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبَ، أَيْ وَالْفَاءُ لِتَزْيِينِ اللَّفْظِ وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ قَطُّ بِمَعْنَى حَسْبِ مَفْتُوحَةَ الْقَافِ سَاكِنَةَ الطَّاءِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَرْفَيْنِ وَحَسْبُ مُعْرَبَةً. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّهْرِ] أَيْ الزَّمَنِ الْمَاضِي [قَوْلُهُ: مَضْمُومَةُ الطَّاءِ] أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ لَا أَفْعَلُهُ قَطُّ لَحْنٌ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَطُّ مَضْمُومَةُ الطَّاءِ مُشَدَّدَةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّفْيِ تَقُولُ: مَا فَعَلْته قَطُّ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَطَطْته أَيْ قَطَعْته، فَمَعْنَى قَطُّ مَا فَعَلْته فِيمَا انْقَطَعَ مِنْ عُمْرِي لِأَنَّ الْمَاضِيَ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَبُنِيَتْ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى مُذْ وَإِلَى إذْ الْمَعْنَى مُذْ أَنْ خُلِقَتْ إلَى الْآنَ، وَعَلَى حَرَكَةٍ لِئَلَّا يَلْتَقِي سَاكِنَانِ، وَكَانَتْ الضَّمَّةُ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، وَقَدْ تُكْسَرُ عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنِينَ، وَقَدْ تَتْبَعُ قَافُهُ طَاءَه فِي الضَّمِّ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَاؤُهُ مَعَ ضَمِّهَا أَوْ إسْكَانِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرَأَ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ و {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] فَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ: وَلَعَلَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقْصِدْ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تُضَمَّ الْقِرَاءَةُ إلَى الْفَاتِحَةِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، بَلْ ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ بِهَا تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ فِي دُعَائِهِ اهـ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا فَعَلَهُ لَمَّا ظَهَرْت الرِّدَّةُ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ يَدْعُو بِهَذِهِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ إلَخْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْآكَدِيَّةِ لِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ خَيْرٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَنَفَّلَ بَعْدَهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى آكَدِيَّةِ بَعْضِ ذَلِكَ الزَّائِدِ، وَهُوَ هَذَا الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ الْمَحْدُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ إلَخْ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ ذِكْرُ الْمَحْدُودِ أَوَّلًا ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ. وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ أَنَّ التَّحْدِيدَ غَيْرُ شَرْطٍ إلَّا فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى

(بِسِتِّ رَكَعَاتٍ فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ عِبَادَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» . رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي مُعْجَمَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . (وَالتَّنَفُّلُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مُرَغَّبٌ فِيهِ) قَالَ الْغَزَالِيُّ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْله تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] فَقَالَ: الصَّلَاةُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ ثُمَّ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ بِمِلَاغَاتِ النَّهَارِ وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ» . الْمُلَاغَاتُ جَمْعُ مُلْغَاةٍ مِنْ اللَّغْوِ أَيْ تَطْرَحُ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْبَاطِلِ وَاللَّهْوِ (وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَبِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ سِرًّا فِي الثَّالِثَةِ (مِنْ شَأْنِهَا) أَيْ مِنْ صِفَتِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالتَّكْبِيرِ فِي الِانْحِطَاطِ مِنْ الرُّكُوعِ وَتَمْكِينِ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا فِيهِ (كَمَا) أَيْ مِثْلُ الَّذِي (تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِهَا) مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَا بَعْدَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ. (وَأَمَّا الْعِشَاءُ الْأَخِيرَةُ) ع: هَذَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ ثَمَّ عِشَاءً أُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ: لَا تُسَمَّى الْمَغْرِبُ عِشَاءً لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَقَوْلُ مَالِكٍ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ تَغْلِيبٌ (وَهِيَ الْعَتَمَةُ وَاسْمُ الْعِشَاءِ أَخُصُّ بِهَا وَأَوْلَى) مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِالْعَتَمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ (فَيَجْهَرُ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْهُمَا هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَجَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ (وَقِرَاءَتُهَا) أَيْ السُّورَةِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ (أَطْوَلُ قَلِيلًا مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي) صَلَاةِ (الْعَصْرِ وَ) يَقْرَأُ (فِي الْأَخِيرَتَيْنِ) مِنْ الْعِشَاءِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ) فَقَطْ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سِرًّا ثُمَّ يَفْعَلُ فِي سَائِرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَصْفِ) فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فَمَنْ صَلَّاهَا عَلَى مَا وَصَفَ فَقَدْ صَلَّاهَا عَلَى أَكْمَلِ الْهَيْئَاتِ وَقَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْقَاتِ. وَلَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى صِفَةِ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ الْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ] أَيْ بِحَرَامٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ، وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمُبَاحُ إذَا كَثُرَ. [قَوْلُهُ: عَدُلْنَ لَهُ عِبَادَةً] الَّذِي فِي تت عَنْ صَحِيحِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَدُلْنَ بِعِبَادَةٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: ثِنْتَيْ عَشْرَةَ إلَخْ] قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ عِبَادَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ] أَيْ رَغْوَتِهِ [قَوْلُهُ: تَتَجَافَى بِهِمْ إلَخْ] أَيْ تَرْتَفِعُ وَتَتَنَحَّى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ الْفُرُشِ وَمَوَاضِعِ النَّوْمِ. [قَوْلُهُ: بِمُلَاغَاتٍ إلَخْ] بِضَمِّ الْمِيمِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِخَطِّ بَعْضِ شُيُوخِنَا وَسَمِعْته مِنْ لَفْظِهِ. [قَوْلُهُ: وَتُهَذِّبُ آخِرَهُ] أَيْ تُصَفِّي آخِرَهُ أَيْ بِذَهَابِ جَمِيعِ اللَّهْوِ وَالْبَاطِلِ [قَوْلُهُ: وَاللَّهْوُ] عَيْنُ مَا قَبْلَهُ أَيْ تَطْرَحُ مَا اقْتَرَفَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بِحَيْثُ لَا يُلَامُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَجُرُّهُ إلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مِنْ ذَنْبٍ صَغِيرٍ إلَى كَبِيرَةٍ، أَوْ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْعَفْوِ عَنْ كَبِيرَةٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةَ أَوْ عَفْوَ اللَّهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَوْلُ مَالِكٍ إلَخْ] نِسْبَةُ التَّثْنِيَةِ لِمَالِكٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِالتَّغْلِيبِ قُصُورٌ مَعَ كَوْنِ التَّثْنِيَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الْغَزَالِيِّ. [قَوْلُهُ: وَأَوْلَى] تَفْسِيرُ [قَوْلِهِ: فَيَجْهَرُ] فَإِنْ خَالَفَ وَأَسَرَّ أَعَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى سُنَنِهَا إنْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ إنْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ لَا السُّورَةَ فَقَطْ إلَّا فِي رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ فَاتَ التَّدَارُكُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ كَانَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: أَطْوَلُ قَلِيلًا] أَيْ فَيَقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْمُتَوَسِّطَاتِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْمَغْرِبِ مَعَ أَنَّ الْمَغْرِبَ أَقْرَبُ لَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَإِنَّمَا عَيَّنَ الْقِرَاءَةَ فِي الْعَصْرِ. [قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا] أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْحَدِيثِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَقَبْلَ فِعْلِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. وَكَذَا يُكْرَهُ السَّهَرُ بِلَا كَلَامٍ خَوْفَ تَفْوِيتِ الصُّبْحِ وَقِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِمَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا

مِنْهَا مَا يَجْهَرُ بِهِ وَمِنْهَا مَا يُسِرُّ بِهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ: (وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي يُسِرُّ بِهَا فِي الصَّلَاةِ كُلُّهَا) بِالرَّفْعِ تَأْكِيدٌ لِلْقِرَاءَةِ (هِيَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ) هَذَا أَدْنَى السِّرِّ وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَاحْتُرِزَ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ. (وَ) اُحْتُرِزَ (بِالتَّكَلُّمِ بِالْقُرْآنِ) أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا بِغَيْرِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ (وَأَمَّا الْجَهْرُ فَ) أَقَلُّهُ (أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه) وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ ك: وَانْظُرْ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ (إنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ غَالِبًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السِّرِّ وَالْجَهْرِ فَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. (وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ دُونَ الرَّجُلِ فِي الْجَهْرِ) وَهِيَ أَنْ تُسْمِعَ نَفْسَهَا خَاصَّةً كَالتَّلْبِيَةِ فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَامَ طَوِيلًا بِحَيْثُ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: هَذَا أَدْنَى السِّرِّ] بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْأَدْنَى هُوَ مَا لَمْ تَكْثُرْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَالْأَعْلَى مَا كَثُرَتْ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ أَعْلَى السِّرِّ حَرَكَةُ اللِّسَانِ فَقَطْ وَأَدْنَاهُ سَمَاعُ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَجْرَاهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ أَوْ حَلَفَ لَيَقْرَأَنَّهُ لَا يَبَرُّ بِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِالْعِبَارَةِ الدَّالَّةِ إلَخْ] أَرَادَ بِالْعِبَارَةِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ الَّذِي يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِنَا، وَأَرَادَ بِالْقُرْآنِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ الْقَائِمَةُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قُرْآنٌ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ التَّكَلُّفِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقُرْآنِ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اللَّفْظَ الْحَادِثَ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ بِالتَّكَلُّمِ بِاللَّفْظِ الْحَادِثِ وَهَذَا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَبْطُلُ] إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ لِأَجْلِ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ. أَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بَلْ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَلِّلَ الْبُطْلَانَ بِالْمُخَالَفَةِ لِفِعْلِ الْمُصْطَفَى. وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» نُسِخَ أَوْ لَا غُيِّرَ وَبُدِّلَ أَوْ لَا وَالتَّغْيِيرُ مُرَادِفٌ لِلتَّبْدِيلِ [قَوْلٌ: وَمَنْ يَلِيه] يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَسْمَعُهُ [قَوْلُهُ: غَالِبًا] أَيْ إنَّ الْغَالِبَ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامِ مَا يُطْلَبُ إمَّا فَعَلَهُ أَوْ تَرَكَهُ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ يَحْتَرِزُ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ مَنْ خَلْفَهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَحَصَلَتْ السُّنَّةُ بِسَمَاعِهِ مَنْ يَلِيه، بَلْ لَوْ أَسْمَعَ الْإِمَامُ وَالْفَذُّ نَفْسَهُ وَزَادَ وَلَكِنْ لَمْ يَحْصُلْ إسْمَاعُ مَنْ يَلِيه فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُجُودٌ كَمَا ذَكَرُوهُ، عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ سَابِقًا أَقَلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ أَقَلُّ الْجَهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامِ وَهُوَ مُنَافٍ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ. وَنَصُّهُ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّ فِي جَهْرِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى، فَأَدْنَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه وَأَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ خَلْفَهُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا الْفَذُّ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الزَّائِدِ عَلَى أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ. وَقَالَ ق: إنْ كَانَ وَحْدَهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِمَّنْ يَقْرَبُ مِنْهُ مُصَلٍّ آخَرَ، فَحُكْمُهُ فِي جَهْرِهِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ انْتَهَى وَنَحْوُهَا لِلزَّنَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ طَلَبِ الْجَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ حَيْثُ كَانَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَخْلِيطُ الْغَيْرِ وَإِلَّا نُهِيَ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّخْلِيطُ وَلَوْ أَدَّى إلَى إسْقَاطِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَكِبُ مَحْرَمٌ لِتَحْصِيلِ السُّنَّةِ. [وَقَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ لِلَّفْظِ الْمَتْنِ أَنْ يَقُولَ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَهْرِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: كَالتَّلْبِيَةِ] أَيْ فَتُسْمِعُ نَفْسَهَا خَاصَّةً بِالتَّلْبِيَةِ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ أَعْلَى جَهْرِهَا وَأَدْنَاهُ وَاحِدًا] أَيْ وَهُوَ إسْمَاعُ نَفْسِهَا فَقَطْ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّارِحِ الْأَقَلِّيَّةُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ فِي الْأَقَلِّ فَلَا يَظْهَرُ تَفْرِيعٌ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ

السِّرُّ وَالْجَهْرُ، أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ إذْ أَعْلَاهُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ، وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةً وَلِذَلِكَ لَا تُؤَذِّنُ اتِّفَاقًا، وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِلضَّرُورَةِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الرَّجُلِ (غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ وَلَا تَفْرُجُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ تَنْضَمُّ فَكَانَ تَرْكُ الْوَاوِ أَوْلَى فَيَصِيرُ هَكَذَا غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ لَا تَفْرُجُ (فَخْذَيْهَا وَلَا عَضُدَيْهَا) . وَقَوْلُهُ: (وَتَكُونُ مُنْضَمَّةً مُنْزَوِيَةً) تَكْرَارٌ لِأَنَّ الِانْضِمَامَ هُوَ الِانْزِوَاءُ وَإِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ مَخَافَةَ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ، وَكَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: أَيْنَ تَكُونُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ؟ فَقَالَ: (فِي جُلُوسِهَا وَسُجُودِهَا وَأَمْرِهَا) أَيْ شَأْنِهَا (كُلِّهِ) وَمَا ذَكَرَهُ رِوَايَةَ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ سَاوَى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْهَيْئَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ (يُصَلِّيَ) الْعِشَاءَ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا (الشَّفْعَ) رَكْعَتَيْنِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَخُصَّهُمَا بِنِيَّةٍ أَوْ يَكْتَفِي بِأَيِّ رَكْعَتَيْنِ كَانَتَا؟ قَوْلَانِ، ظَاهِرُهُمَا الثَّانِي لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ فَوَاتَ الصُّبْحِ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» . (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الشَّفْعِ يُصَلِّيَ (الْوَتْرَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقٍ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ آكَدُ السُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْأَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْلَى جَهْرِهَا إلَخْ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: يَسْتَوِي فِي حَقِّهَا السِّرُّ] أَيْ أَعْلَى السِّرِّ لَا أَدْنَاهُ الَّذِي هُوَ حَرَكَةُ اللِّسَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ سِرِّ الرَّجُلِ] أَيْ مَعَ أَعْلَى سِرِّهِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ فِي مَحَلِّ الْحَالِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِمَا أَيْ السِّرِّ وَالْجَهْرِ مُصَاحِبَيْنِ لِسِرِّ الرَّجُلِ أَيْ مُصَاحَبَةَ مُسَاوَاةٍ، أَيْ أَنَّ أَعْلَى سِرِّهَا وَجَهْرِهَا يُسَاوَيَانِ أَعْلَى سِرِّ الرَّجُلِ فَالْمُسَاوَاةُ الْأُولَى بَيْنَ أَعْلَى سِرِّ الْمَرْأَةِ وَجَهْرِهَا وَالْمُسَاوَاةُ الثَّانِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَعْلَى سِرِّ الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ] نُوقِشَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَوْرَةً لَمَا سُمِعَ الْحَدِيثُ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِنَّ، وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ بِدُونِ ضَرُورَةٍ رَاجِعْ حَاشِيَةَ الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ لَا تُؤَذِّنُ اتِّفَاقًا] إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ قَوْلَانِ تَقَدَّمَا. قَالَ الشَّيْخُ؛ وَالظَّاهِرُ اسْتِوَاءُ حَالَتِهَا فِي الْخَلْوَةِ وَالْجَلْوَةِ لِأَنَّهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ طُرُوِّ أَحَدٍ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا] أَيْ الْمُؤَدِّي لِلْمُحَادِثَةِ مَعَهَا لِلضَّرُورَةِ أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَبِيعَ سِلْعَةً لَا لِضَرُورَةٍ حَدثَتْ لَهَا. [قَوْلُهُ: فَكَانَ تَرْكُ الْوَاوِ أَوْلَى] وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَتَكُونُ إلَخْ] أَيْ قَوْلُهُ ذَلِكَ كُلَّهُ تَكْرَارٌ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْضِمَامَ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْمُكَرَّرَ هُوَ قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُنْضَمَّةً لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ غَيْرَ أَنَّهَا تَنْضَمُّ، وَأَمَّا الِانْزِوَاءُ فَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الِانْزِوَاءَ هُوَ الِانْضِمَامُ فَكَانَ أَيْضًا تَكْرَارٌ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَالِانْزِوَاءُ هُوَ الِانْضِمَامُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا] أَيْ مِنْ الرِّيحِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالرَّجُلِ أَيْ فِي الِاسْتِمْسَاكِ أَيْ بَلْ عِنْدَهَا رَخَاوَةٌ فَلَوْ فَرَّجَتْ بَيْنَ فَخْذَيْهَا لَرُبَّمَا خَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: مَخَافَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا مُهَيَّأَةٌ لِلْحَدَثِ. [قَوْلُهُ: وَأَمْرُهَا كُلُّهُ] يَدْخُلُ فِيهِ الرُّكُوعُ فَلَا تَجْنَحُ كَالرَّجُلِ [قَوْله: وَهُوَ خِلَافٌ إلَخْ] الرَّاجِحُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ زِيَادَةٍ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ ضَعِيفٌ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُمَا الثَّانِي] لَا مَعْنَى لِذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا الثَّانِي. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا إلَخْ] وَأَمَّا بِالْمُثَلَّثَةِ مَعَ كَسْرِ الْوَاوِ فَالْفِرَاشُ لِلْوَطْءِ وَمَعَ فَتْحِهَا مَاءُ الْفَحْلِ يَجْتَمِعُ فِي رَحِمِ النَّاقَةِ إذَا أَكْثَرَ الْفَحْلُ ضِرَابَهَا وَلَمْ تُلَقَّحْ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: آكَدُ السُّنَنِ] " أَلْ " لِلْجِنْسِ أَيْ آكَدُ جِنْسِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا آكَدُ مِنْ الْعِيدِ، وَالْعِيدُ آكَدُ مِنْ الْكُسُوفِ، وَالْكُسُوفُ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ. وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا لِلْجِنْسِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ آكَدُ مِنْ الْوَتْرِ كَمَا أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَذَلِكَ وَهُمَا أَيْضًا آكَدُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ آكَدُ مِنْهَا أَيْضًا. وَانْظُرْ مَا بَيْنَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ] مَحَطُّ الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُ عَقِيبَ

يَكُونَ رَكْعَةً وَاحِدَةً عَقِيبَ شَفْعٍ. وَاخْتُلِفَ هَلْ الشَّفْعُ شَرْطُ كَمَالٍ أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ؟ قَوْلَانِ، ظَاهِرُ الْجَوَاهِرِ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَصَرَّحَ الْبَاجِيُّ بِمَشْهُورِيَّةِ الثَّانِي. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الْمَعْذُورِ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةِ الْوَتْرِ أَمْ لَا؟ وَأَمَّا الْمُقِيمُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ أَوْتَرَ بِغَيْرِ شَفْعٍ فَقَالَ أَشْهَبُ: يُعِيدُ وَتْرَهُ بِإِثْرِ شَفْعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ. وَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ شَفْعٍ فَهَلْ يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِالْوَتْرِ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ؟ قَوْلَانِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهُوَ الَّذِي يُعَضِّدُهُ ظَاهِرُ الْآثَارِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (جَهْرًا وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ الْإِجْهَارُ وَفِي نَوَافِلِ النَّهَارِ الْإِسْرَارُ وَإِنْ جَهَرَ فِي النَّهَارِ فِي تَنَفُّلِهِ فَذَلِكَ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَيْنِ (وَأَقَلُّ الشَّفْعِ رَكْعَتَانِ) . وَأَمَّا أَكْثَرُهُ فَلَا حَدَّ لَهُ (وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) مِنْهُ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الشَّفْعِ رَكَعَ ثُمَّ رَفْعَ رَأْسَهُ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسُ. (وَيَتَشَهَّدُ وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ (يُسَلِّمُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ يَقُومُ فَ (يُصَلِّي الْوَتْرَ رَكْعَةً) وَهَذَا الْفَصْلُ يُسْتَحَبُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَفْعٍ أَيْ فَكَوْنُهُ عَقِيبَ شَفْعٍ مَنْدُوبٌ أَيْ فَيَكُونُ الشَّفْعُ شَرْطَ كَمَالٍ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ الشَّفْعُ شَرْطُ كَمَالٍ أَوْ أَنَّ مَحَطَّ الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُ وَاحِدَةٌ فَيَكُونُ إشَارَةٌ إلَى أَفْضَلِيَّةِ فَصْلِ الْوَتْرِ عَنْ الشَّفْعِ وَهُوَ أَقْرَبُ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: هَلْ يَجُوزُ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةِ الْوَتْرِ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عِبَادَةٍ بَاطِلَةٍ مَفْقُودَةِ الشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِي كَرَاهَةٍ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطُ صِحَّةٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ بَاطِلَةً، وَيَحْرُمُ الْقُدُومُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عِبَادَةٍ مَفْقُودَةِ الشَّرْطِ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ فَقَطْ فَفِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ أَشْهَبُ يُعِيدُ وَتْرَهُ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنَّةِ إنْ كَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ: بِأَنَّ تَقَدُّمَ الشَّفْعِ شَرْطُ صِحَّةٍ أَوْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ إنْ كَانَ أَشْهَبُ يَقُولُ: إنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَشْهَبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَنَا، هَكَذَا كَتَبْت ثُمَّ رَأَيْت عج يُفِيدُهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ شَفْعٍ] أَيْ أَنَّ تَقَدَّمَهُ شَرْطُ صِحَّةٍ أَيْ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ تَقَدُّمَ الشَّفْعِ شَرْطٌ كَمَال فَإِنَّهُ يُنْدَبُ الِاتِّصَالُ، فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ اُسْتُحِبَّ إعَادَةُ الشَّفْعِ أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ الشَّرْحِ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يَلْزَمُ اتِّصَالُهُ بِالْوَتْرِ] أَرَادَ بِالِاتِّصَالِ مَا يَشْمَلُ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ [قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَحْوَطُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] الْمَفْهُومُ مِنْ عِبَارَةِ التَّحْقِيقِ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْخِلَافِ أَيْ مَنْ يَقُولُ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ تَخُصُّهُ فَتَأَمَّلْ، وَبَعْدَ هَذَا فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ جَوَازُ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: الْوَقْتُ الِاخْتِيَارِيُّ لِلْوَتْرِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ وَضَرُورِيَّةٍ مِنْهُ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ عَقْدِ رَكْعَةٍ مِنْهَا، وَفِعْلُهُ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ جَهْرًا] لَكِنْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ الْجَهْرِ فِي الْوَتْرِ [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا أَنَّهُ جَائِزٌ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ، وَرَجَّحَ اللَّخْمِيُّ هَذَا الْقَوْلَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي تَفَهُّمِ الْقَارِئِ وَسَكَتَ عَنْ الْإِسْرَارِ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ جَائِزٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ تت [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ الشَّفْعِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ تَخُصُّهُ. [قَوْلُهُ:

لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ (يَقْرَأُ فِيهَا) أَيْ فِي رَكْعَةِ الْوَتْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] والمُعَوِّذَتَيْن) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سُئِلَتْ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَتْ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] . وَفِي الثَّانِيَةِ بِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ بِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» . (وَإِنْ زَادَ مِنْ الْأَشْفَاعِ) جَمْعُ شَفْعٍ وَهُوَ الزَّوْجُ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ ابْتِدَاءً أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (جَعَلَ آخِرَ ذَلِكَ الْوَتْرَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) لِمَا رُوِيَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ» أَيْ فِي اللَّيْلِ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَقِيلَ) كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ (عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ) الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمُنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» . (وَأَفْضَلُ اللَّيْلِ آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ) أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ مِنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيه مَنْ يَسْتَغْفِرنِي فَأَغْفِرُ لَهُ» . وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا أَيْ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَذْهَبُ إلَخْ] مُقَابِلُهُ يَقُولُ بِعَدَمِ التَّحْدِيدِ وَهُمَا لِمَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَقْرَأُ فِيهِ الْمُتَهَجِّدُ مِنْ تَمَامِ حِزْبِهِ وَغَيْرِهِ " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَانَ لَهُ حِزْبٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ] لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا الْمُحْصَنَتَيْنِ مِمَّا يُؤْذِي [قَوْلُهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يُوتِرُ] إطْلَاقُ الْوَتْرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْوَتْرَ عِنْدَنَا رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: قَالَتْ كَانَ يَقْرَأُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ مُطَابِقًا لِظَاهِرِ لَفْظِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ هَلْ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ يَقْرَأُ الْمُصْطَفَى فِي وَتْرِهِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ] أَيْ فَالْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ [قَوْلُهُ: الرِّوَايَتَانِ فِي الصَّحِيحِ.] أَيْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ التَّنَافِي؟ فَالْجَوَابُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَتَارَةٌ اعْتَبَرَتْهُمَا مِنْ الْوَرْدِ فَجَعَلَتْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَتَارَةٌ لَمْ تَعْتَبِرْهُمَا لِأَنَّهُمَا لِلْوُضُوءِ وَلِحَلِّ عُقَدِ الشَّيْطَانِ فَقَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي عَشْرَ رَكَعَاتٍ» . [قَوْلُهُ: عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ] يَعْنِي التَّهَجُّدَ فِيهِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ] أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ [قَوْلُهُ: قَبْلَكُمْ] أَيْ هِيَ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْكُمَّلُ السَّابِقُونَ [قَوْلُهُ: وَمَكْفَرَةٍ] عَلَى وَزْنِ مَفْعَلَةٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، أَيْ مَكْفَرَةٌ وَنَظِيرُهَا مَطْهَرَةٌ وَمَرْضَاةٌ أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: آخِرُهُ فِي الْقِيَامِ] وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِأَجْلِ التَّهَجُّدِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ بِمَعْنَى التَّهَجُّدِ وَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ الَّتِي لِلتَّعْلِيلِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَأَتْبَاعِهِ] أَيْ وَجَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوْسَطُهُ لِخَبَرِ «أَنَّ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَهُ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» . [قَوْلُهُ: الْأَخِيرُ] بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِثُلُثٍ، وَتَخْصِيصُهُ بِاللَّيْلِ بِالثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّهَجُّدِ وَغَفْلَةُ النَّاسِ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَالِصَةً وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَافِرَةً وَذَلِكَ مَظِنَّةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ. [قَوْلُهُ: فَأَسْتَجِيبَ لَهُ] بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ، أَيْ فَأَنَا أَسْتَجِيبُ لَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أُعْطِيه فَأَغْفِرُ لَهُ، وَلَيْسَتْ السِّينُ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ وَالثَّلَاثَةُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَالسُّؤَالُ إمَّا بِمَعْنَى وَاحِدٍ فَذَكَرَهَا لِلتَّوْكِيدِ وَإِمَّا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لِرَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَسَارِ وَهَذَا إمَّا دُنْيَوِيٌّ أَوْ دِينِيٌّ، فَفِي الِاسْتِغْفَارِ إشَارَةٌ إلَى الْأَوَّلِ، وَفِي السُّؤَالِ إشَارَةٌ إلَى الثَّانِي، وَفِي الدُّعَاءِ إشَارَةٌ إلَى الثَّالِثِ اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ] لِأَنَّ الْمَجِيءَ الْحَقِيقِيَّ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ

أَفْضَلُ (فَمَنْ أَخَّرَ تَنَفُّلَهُ وَوَتْرَهُ إلَى آخِرِهِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ إلَّا مَنْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ فَلْيُقَدِّمْ وَتْرَهُ مَعَ مَا يُرِيدُ مِنْ النَّوَافِلِ أَوَّلَ اللَّيْلِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» (ثُمَّ إنْ شَاءَ) أَيْ الَّذِي الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْتَبِهَ إذَا قَدَّمَ وَتْرَهُ وَنَفْلَهُ. (إذَا اسْتَيْقَظَ فِي آخِرِهِ) أَيْ فِي آخِرِ اللَّيْلِ (تَنَفَّلَ مَا شَاءَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْوَتْرِ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِئْنَافِ صَلَاةٍ بَعْدَهُ، وَالْأَفْضَلُ فِي التَّنَفُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُونَ (مَثْنَى مَثْنَى) أَيْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (وَ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ تَنَفُّلِهِ (لَا يُعِيدُ الْوَتْرَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ. (وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) أَيْ اسْتَغْرَقَهُ النَّوْمُ (عَنْ حِزْبِهِ) أَيْ وِرْدِهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَيُبَاحُ (لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي اشْتِهَارَ الضَّوْءِ يُقَالُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ إذَا اشْتَهَرَ ضَوْءُهُ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَرْأَةِ سَفَرَتْ إذَا كَشَفَتْ عَنْ وَجْهِهَا إلَّا أَنَّ هَذَا ثُلَاثِيٌّ. وَقَالَ ع. عَنْ بَعْضِهِمْ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ: إنَّ مَا بَيْنَ وَقْتِ انْتِبَاهِهِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ يَعْنِي الْإِسْفَارَ الَّذِي تَتَرَاءَى فِيهِ الْوُجُوهُ، فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي وِرْدَهُ وَوَتْرُهُ إلَى الْإِسْفَارِ ثُمَّ يُصَلِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ الْغَالِبِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَتْرِ مَنْدُوبٌ فِي صُورَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ تَسْتَوِي حَالَتَاهُ، وَتَقْدِيمُهُ مَنْدُوبٌ فِي صُورَةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَغْلَبَ أَحْوَالِهِ النَّوْمُ إلَى الصُّبْحِ. [قَوْلُهُ: يَرْفَعُهُ] أَيْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ] أَيْ بِأَنْ ظَنَّ عَدَمَ الْقِيَامِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ طَمِعَ أَيْ بِأَنْ رَجَا ذَلِكَ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ مَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ [قَوْلُهُ: مَشْهُودَةٌ] أَيْ يَشْهَدُهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ كَمَا أَفَادَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ [قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ شَاءَ إلَخْ] الْإِتْيَانُ بِثُمَّ بِدُونِ الِالْتِفَاتِ إلَى قَوْلِهِ إذَا اسْتَيْقَظَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بَدَا لَهُ نِيَّةُ النَّفْلِ أَنْ يَفْصِلَ نَفْلَهُ عَنْ وَتْرِهِ فَيَتَرَبَّصُ قَلِيلًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يُوقِعَ النَّفَلَ عَقِبَ الْوَتْرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَكْفِي الْفَصْلُ وَلَوْ بِالْمَجِيءِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْوَتْرِ. [قَوْلُهُ: تَنَفَّلَ مَا شَاءَ] أَيْ نَدْبًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ النَّفْلِ بَعْدَ الْوَتْرِ أَوْ فِيهَا لَا إنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْوَتْرِ فَلَا يَكُونُ تَنَفُّلُهُ بَعْدَهُ جَائِزًا بَلْ مَكْرُوهًا [قَوْلُهُ: مَثْنَى مَثْنَى إلَخْ] قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بِأَرْبَعٍ اهـ. [قَوْلُهُ: لَا يُعِيدُ الْوَتْرَ] أَيْ حَيْثُ وَقَعَ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ، أَيْ يُكْرَهُ لَهُ إعَادَةُ الْوَتْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا وَتْرَانِ» إلَخْ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» لِأَنَّ النَّهْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَمْرِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا [قَوْلُهُ: وَحَسَّنَهُ] أَيْ التِّرْمِذِيُّ كَمَا رَأَيْته فِي التِّرْمِذِيِّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ إلَخْ] وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ حَصَلَ لَهُ إغْمَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ حَيْضٌ وَزَالَ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، لَا إنْ تَعَمَّدَ تَأَخُّرَهُ فَلَا يُصَلِّيه وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مَعَ الْفَجْرِ وَالصُّبْحِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَهَلْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَوْ الْوُجُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ. وَالْغَلَبَةُ شَرْطٌ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ اخْتِيَارًا، وَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ فَيُبَاحُ فَالظَّاهِرُ لِي الْأَوَّلُ إذْ النَّفَلُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ إلَخْ] أَيْ فَيُؤْذَنُ لَهُ لَا أَنَّهُ مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ الْإِسْفَارِ] أَيْ فَشَرْطُ الْفِعْلِ أَنْ لَا يَخْشَى إسْفَارًا أَيْ وَأَنْ يَكُونَ نَامَ عَنْهُ غَلَبَةً عَلَى مَا قَرَّرْنَا، وَأَنْ لَا يَخْشَى فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ تَرَكَهُ وَصَلَّى الصُّبْحَ بَعْدَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ لِأَنَّهُمَا يَفْعَلَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. [قَوْلُهُ: اشْتِهَارُ الضَّوْءِ] أَيْ ظُهُورُهُ [قَوْلُهُ: إنَّ مَا بَيْنَ وَقْتِ انْتِبَاهِهِ] خَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ أَيْ وَقْتٍ لِلْوِرْدِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ] أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: مَا بَيْنَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ

الصُّبْحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ، وَمَا حَدَّدَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ خِلَافَ مَا حَدَّدَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ حَدَّدَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. وَهُوَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِعْلُ الْوَرْدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِشُرُوطٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ (ثُمَّ) إذَا صَلَّى مَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ عَنْ حِزْبِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ (يُوتِرُ) لِأَنَّ لَهُ وَقْتَيْنِ اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَضَرُورِيٌّ وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُصَلِّي الصُّبْحَ) هَذَا إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَمَرَّ نَائِمًا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، وَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سَاكِتًا عَمَّا إذَا انْتَبَهَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ تَمَامَ وِرْدِهِ. أَقُولُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ مُغَايِرًا وَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِزَمَنٍ قَلِيلٍ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ جَمِيعَ الْحِزْبِ بَلْ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ذَلِكَ الْبَعْضَ فِيمَا بَيْنَ وَقْتِ الِانْتِبَاهِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فِيمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي الْإِسْفَارَ الَّذِي إلَخْ] أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْإِسْفَارِ لَا التَّخْصِيصُ لِأَنَّ الْإِسْفَارَ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّي الصُّبْحَ بَعْدَ ذَلِكَ] أَيْ بَعْدَ الْإِسْفَارِ. وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِيمَا بَعْدَ الْإِسْفَارِ أَيْ فِيمَا بَعْدَ دُخُولِ الْإِسْفَارِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا، وَأَمَّا عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا فَلَا بُدَّ مِنْ صَلَاتِهَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مِنْ وَتْرٍ وَفَجْرٍ قَبْلَ الْإِسْفَارِ كَمَا فِي عج. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهَا لَا ضَرُورِيَّ لَهَا فَلَا يُلْحِقُ الْوَتْرَ بِالْوِرْدِ فِي الْفِعْلِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، بَلْ وَلَوْ فِي الْإِسْفَارِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ يُصَلِّي وِرْدَهُ وَوَتْرَهُ لَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَدَّدَ إلَخْ] نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ تَرَكَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى. لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ فَاتَهُ الْوَرْدُ اخْتِيَارًا. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ] أَيْ وَلَوْ كَانَ فِعْلُهُ الْحِزْبَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَيْ أَوْ بَعْدَهُ لَكِنْ بِزَمَنٍ يَسَعُ الْوِرْدَ وَالشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ انْتَبَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَوَّلِ الْإِسْفَارِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْحِزْبَ وَالشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالْفَجْرَ وَالصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورِيَّ لِلصُّبْحِ أَوْ انْتَبَهَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ عَلَى أَنَّ لَهَا ضَرُورِيًّا. أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ كَلَامُ الرِّسَالَةِ الْمُوَافِقُ لَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُ الرِّسَالَةِ وَالْحِزْبُ لَا يُفْعَلُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مُوَافِقٌ لِلرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَ إسْفَارٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ إلَخْ] هِيَ أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ غَلَبَهُ وَأَنْ يَكُونَ عَادَتُهُ الِانْتِبَاهَ آخِرَ اللَّيْلِ، وَأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا خَافَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الصَّحِيحَةِ] أَيْ وَشَفَقٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ قَدِمَ الْعِشَاءَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي الْوَتْرَ إلَّا بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَتْرَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَلَوْ سَهْوًا وَلَا بَعْدَ عِشَاءٍ فَاسِدَةٍ أَوْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَقَبْلَ الشَّفَقِ كَلَيْلَةِ الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ] أَيْ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْإِسْفَارِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِلْقَائِلِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْوَتْرَ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ حَكَاهُ التَّتَّائِيِّ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ يُصَلِّي الصُّبْحَ] أَيْ وَيَتْرُكُ الْفَجْرَ فَيُصَلِّيه بَعْدَ حَلِّ النَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ] أَيْ أَوْ أَرْبَعٍ عَلَى الرَّاجِحِ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَاخْتُلِفَ إذَا اتَّسَعَ لِأَرْبَعٍ هَلْ يَأْتِي بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَلَوْ فَاتَتْ رَكْعَةٌ مِنْ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْمُوَازِيَةِ أَوْ يَتْرُكُ الشَّفْعَ

لِرَكْعَتَيْنِ تَرَكَ الْوَتْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَى ضَرُورِيِّهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقْضِي الْوَتْرَ مَنْ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ) نَحْوُهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ نَسِيَ الْوَتْرَ وَتَذَكَّرَهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَطْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ فَذًّا، ثُمَّ يُصَلِّي الْوَتْرَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَاسْتَظْهَرَ مُقَابِلَهُ لِئَلَّا يَقْطَعَ الْأَقْوَى لِلْأَضْعَفِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّمَادِي. وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ: الْقَطْعُ وَعَدَمُهُ، وَعَلَى الْقَطْعِ فَهَلْ يَسْتَخْلِفُ قِيَاسًا عَلَى الْحَدَثِ أَوْ لَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ ذَكَرَ صَلَاةً فِي صَلَاةٍ قَالَهُ ع، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً فَإِنْ عَقَدَهَا تَمَادَى فَذًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَقَالَ ع: الْخِلَافَةُ فِي الْقَطْعِ أَوْ التَّمَادِي إذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا، أَمَّا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. . (وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ) وَيُرْوَى مَسْجِدًا (وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الْجَارِي عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: تَرَكَ الْوَتْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ] وَمُقَابَلَةُ قَوْلِ أَصْبَغَ: يُصَلِّي الْوَتْرَ رَكْعَةً وَرَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْوَقْتُ إلَّا لِرَكْعَةٍ تَعَيَّنَ الصُّبْحُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ اتَّسَعَ لِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ صَلَّى الشَّفْعَ وَالْوَتْرَ وَالصُّبْحَ وَتَرَكَ الْفَجْرَ، وَإِنْ اتَّسَعَ لِسَبْعٍ صَلَّى الْجَمِيعَ، وَمُرَادُ الشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ تَحَرُّزًا عَنْ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُرَاعِي فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ فَيُصَلِّي هَذِهِ وَلَوْ أَدَّى إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ بَعْدَ الْإِسْفَارِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّ وَقْتَهَا الِاخْتِيَارِيَّ لِلطُّلُوعِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِلَى ضَرُورِيِّهِ أَيْ إلَى انْقِضَاءِ ضَرُورِيِّهِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت فِي الْكَلَامِ لَا تَجِدُ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ مُنَاسِبًا لِأَنَّهُ قَدْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ وَأَنَّهُ يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْإِسْفَارِ فَصَارَ الْإِسْفَارُ خَالِيًا مِنْ صَلَاةِ الْحِزْبِ فِيهِ فَيَتَأَتَّى لَهُ فِعْلُ الْجَمِيعِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ إيرَادُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ هُنَا فَهَذِهِ التَّفَاصِيلُ تُفْرَضُ فِي إنْسَانٍ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؟ فَيُقَالُ: إنَّ الْوَقْتَ تَارَةً يَسَعُ كَذَا وَتَارَةٌ يَسَعُ كَذَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْوَتْرَ وَنَامَ عَنْهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَقَدْ بَقِيَ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِقْدَارَ مَا يُدْرِكُ فِيهِ الصُّبْحَ وَهُوَ رَكْعَتَانِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاةَ الصُّبْحِ] أَيْ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْفَجْرَ بَعْدَ الْوَتْرِ، وَأَوْلَى لَوْ تَذَكَّرَ الْوَتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصُّبْحِ فَيُصَلِّي الْوَتْرَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَكَذَا إذَا صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ ذَكَرَ صَلَاةَ فَرْضٍ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّبْحِ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً فَإِنَّهُ بَعْدَ الْفَائِتَةِ يُعِيدُ الْفَجْرَ، وَإِنْ ذَكَرَ الْوَتْرَ فِي الْفَجْرِ فَقَوْلَانِ بِالْقَطْعِ وَعَدَمِهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْقَطْعُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَقْطَعُ الصُّبْحَ فَأَوْلَى هِيَ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ مُقَابِلَهُ] الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ عَدَمُ اسْتِحْبَابِ الْقَطْعِ وَهُوَ يُصَدِّقُ بِجَوَازِ الْقَطْعِ وَكَرَاهَتِهِ وَحُرْمَتِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ لَا يَقْطَعُ وَيَتَبَادَرُ مِنْهَا الْحُرْمَةُ وَهَذَا الِاسْتِظْهَارُ لِلَّخْمِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّمَادِي] أَيْ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ وَصَلَّاهَا أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِسَنَدٍ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّمَادِي مِثْلَهُ فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قَائِلًا عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مِنْ مَسَاجِينِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجِبُ التَّمَادِي لَكِنَّ الْفِقْهَ مُتَّبَعٌ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ الْقَطْعُ] أَيْ نَدْبُ الْقَطْعِ وَقَوْلُهُ: وَعَدَمُهُ أَيْ عَدَمُ النَّدْبِ الصَّادِقِ بِالْجَوَازِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَذَا فِي صَرِيحِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ بِالْقَطْعِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً] الرَّاجِحُ أَنَّ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ ابْنُ زَرْقُونٍ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يَقْطَعُ الْمَأْمُومُ] أَيْ أَوْ لَا يَقْطَعُ بَلْ يَسْتَخْلِفُ وَيُتِمُّونَ صَلَاتَهُمْ اقْتَصَرَ الْأُجْهُورِيُّ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُسْفِرْ الْوَقْتُ جِدًّا أَيْ بِحَيْثُ يَخْشَى أَنْ يُوقِعَ الصُّبْحَ أَوْ رَكْعَةً مِنْهَا فِي الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ كَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَسْفَرَ حَيْثُ كَانَ يُوقِعُ الصُّبْحَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ التَّذَكُّرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَالتَّذَكُّرُ فِيهَا فَنَقُولُ: إذَا كَانَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا يُصَلِّي الْوَتْرَ وَلَوْ أَدَّى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الضَّرُورِيِّ، وَإِذَا كَانَ بَعْدَ أَنْ تَلَبَّسَ بِهَا يَقْطَعُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى فِعْلِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ

فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ) تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِصِيغَةِ النَّهْيِ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَلِلْبُخَارِيِّ: «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ» بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهَذَا الْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ لَا الْوُجُوبِ، وَالنَّهْيِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأَمْرِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَسْجِدَ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ وَمَسْجِدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الرُّكُوعِ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يَبْدَأُ بِالرُّكُوعِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُشْتَرَطُ فِي فِعْلِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ شَرْطٌ وَهُوَ (إنْ كَانَ وَقْتٌ) بِالرَّفْعِ، وَيُرْوَى وَقْتًا عَلَى تَقْدِيرِ إنْ كَانَ وَقْتُهُ وَقْتًا (يَجُوزُ فِيهِ الرُّكُوعُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ مِمَّا إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ (وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَرْكَعْ الْفَجْرَ) أَيْ سُنَّتَهُ خَارِجَهُ (أَجْزَأَهُ) بِمَعْنَى كَفَاهُ (لِذَلِكَ) أَيْ عَنْ رَكْعَتَيْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ) وَلَا يَرْكَعُ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَهُمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يَرْكَعُهُمَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَقُومُ مَقَامَ اثْنَتَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْجِدَ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْجِدٍ لُغَةً فَيَشْمَلُ مَا يَتَّخِذُهُ مَنْ لَا مَسْجِدَ لَهُمْ مِنْ بَيْتٍ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ أَوْ الْمَسْجِدَ الْمَعْرُوفَ كَذَا نَظَرَ الْجُزُولِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجْلِسُ] أَيْ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ، فَلَوْ كَثُرَ دُخُولُهُ بِأَنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ كَفَتْهُ الْأُولَى إنْ قَرُبَ رُجُوعُهُ لَهُ عُرْفًا وَإِلَّا طَلَبَ بِهَا ثَانِيًا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمَارُّ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالُوا لَوْ صَلَّاهَا لَكَانَتْ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْفَضِيلَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهِ بِالطَّوَافِ] أَيْ لِمَنْ طَلَب بِهِ وَلَوْ نَدْبًا أَوْ أَرَادَهُ آفَاقِيًّا فِيهِمَا أَوْ لَا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ وَهُوَ آفَاقِيٌّ، فَهَذِهِ خَمْسُ صُوَرٍ فَإِنْ كَانَ مَكِّيًّا وَلَمْ يُطْلَبْ بِطَوَافٍ وَلَمْ يُرِدْهُ بَلْ دَخَلَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ فَتَحِيَّتُهُ رَكْعَتَانِ فِي هَذِهِ السَّادِسَةِ إنْ كَانَ وَقْتٌ تَحِلُّ فِيهِ النَّافِلَةُ، وَإِلَّا جَلَسَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ حَقُّ اللَّهِ وَالسَّلَامُ حَقُّ آدَمِيٍّ. وَالْأَوَّلُ آكَدُ مِنْ الثَّانِي وَذَكَرَ فِي سِفْرِ السَّعَادَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ ابْتَدَأَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْعِبَادِ» اهـ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَعُ] أَيْ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَخُطْبَةِ الْجُمُعَةُ، وَنَدْبًا فِيمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَوْ رَكَعَ لِقَطْعٍ وُجُوبًا فِي وَقْتِ الْمَنْعِ وَنَدْبًا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَحْرَمَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ثُمَّ تَذَكَّرَ، وَعَلِمَ فِيهَا بِأَنَّهُ وَقْتُ نَهْيٍ إلَّا مَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ جَهْلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا يَقْطَعُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي أَمْرِ الدَّاخِلِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ بِالنَّفْلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْقَطْعِ فَهُوَ مُطْلَقُ عَقْدِ رَكْعَةٍ أَمْ لَا مَا لَمْ يَتِمَّ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَارَّ أَوْ الدَّاخِلَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ لَا يُطْلَبُ بِالتَّحِيَّةِ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: أَرْبَعَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَأَدَّتْ التَّحِيَّةُ بِفَرْضٍ وَأَوْلَى بِسُنَّةٍ وَرَغِيبَةٍ أَيْ سَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ عِنْدَ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَالتَّحِيَّةِ أَوْ نِيَابَةِ الْفَرْضِ عَنْهَا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ حُصُولُ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: أَيْ سُنَّتُهُ] أَيْ طَرِيقَتُهُ فَيُصَدِّقُ بِالرَّغِيبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادُ هُنَا. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ لِذَلِكَ رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَخْ] اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ لَا يُطْلَبُ فِيهِ تَحِيَّةٌ، وَالْإِجْزَاءُ عَنْ الشَّيْءِ فَرْعُ الطَّلَبِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِطَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَرْكَعُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِنِيَّةِ الْإِعَادَةِ

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَقْصُودَ افْتِتَاحُ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ سُنَّةً كَانَتْ أَوْ فَرْضًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتِ (وَإِنْ رَكَعَ الْفَجْرَ) أَيْ سُنَّتَهُ (فِي بَيْتِهِ) أَوْ غَيْرِهِ (ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ) وَوَجَدَ الصَّلَاةَ لَمْ تَقُمْ (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ بَعْدَ رَكْعِ سُنَّةِ الْفَجْرِ خَارِجَهُ (فَقِيلَ: يَرْكَعُ) رَكْعَتَيْنِ (وَقِيلَ: لَا يَرْكَعُ) بَلْ يَجْلِسُ مِنْ غَيْرِ رُكُوعٍ وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِيَةِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأُولَى. ابْنُ شَاسٍ: وَإِذَا قُلْنَا يَرْكَعُ فَهَلْ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ بِنِيَّةِ إعَادَةِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؟ قَوْلَانِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَلَمْ يَرْكَعْ إلَخْ مُوَهِّمًا لِجَوَازِ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِقَوْلِهِ: أَجْزَأَهُ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً بَعْدَ الْفَجْرِ إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) يَعْنِي حَتَّى تَرْتَفِعَ وَتَذْهَبَ مِنْهَا الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ لَا بِنَفْسِ طُلُوعِهَا وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةً] جَائِزَةٌ فَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَلَا نَافِيَةٌ لِلْجِنْسِ، وَنَافِلَةٌ نَعْتٌ مُفْرَدٌ تَابِعٌ لِمُفْرَدٍ فَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ لِتَرَكُّبِهِ مَعَ اسْمِهَا وَالنَّصْبُ تَبَعًا لِمَحَلِّ صَلَاةٍ وَالرَّفْعُ تَبَعًا لِلَا مَعَ اسْمِهَا لِأَنَّ مَحَلَّهَا رَفْعٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَأَرَادَ بِالنَّافِلَةِ مَا قَابَلَ الْفَرْضَ. [قَوْلُهُ: إلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ] أَيْ وَالْوِرْدُ لِنَائِمٍ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالشَّفْعُ وَالْوَتْرُ مُطْلَقًا وَكَالْجِنَازَةِ الَّتِي لَمْ يُخْشَ تَغَيُّرُهَا وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَيُفْعَلَانِ قَبْلَ الْإِسْفَارِ فَفِعْلُهُمَا فِيهِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى عَلَيْهَا التَّغَيُّرِ فَلَا تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَقْتَ الْمَنْعِ وَلَا يُكْرَهُ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَتَى خَشِيَ تَغَيُّرَهَا لَا نَهْيَ وَلَا إعَادَةَ دُفِنَتْ أَوَّلًا وَقْتَ مَنْعٍ أَوْ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ التَّغَيُّرَ فَلَا إعَادَةَ إنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِوَقْتِ كَرَاهَةٍ دُفِنَتْ أَوَّلًا وَكَذَا بِوَقْتِ مَنْعِ إنْ دُفِنَتْ وَإِلَّا أُعِيدَتْ. [قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ] فَإِذَا أُخِذَتْ فِي الطُّلُوعِ حُرِّمَتْ النَّافِلَةُ الشَّامِلَةُ لِلْجِنَازَةِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَالنَّفَلُ الْمَنْذُورُ رَعْيًا لِأَصْلِهِ وَالْمُفْسِدُ حَتَّى يَتَكَامَلَ طُلُوعُهَا فَتَعُودُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ الَّذِي قَدْرَهُ اثْنَا عَشْرَ شِبْرًا بِالشِّبْرِ الْوَسَطِ. [قَوْلُهُ: وَكَلَامُهُ] أَيْ قَوْلُهُ: وَلَا صَلَاةَ نَافِلَةَ إلَخْ. وَلَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَرَاهَةُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الطُّلُوعِ وَالْحُرْمَةُ فِي وَقْتِهِ.

[باب في الإمامة]

10 - بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ وَفِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَمَنْ يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ وَمَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ وَمَنْ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ (وَ) فِي بَيَانِ (حُكْمِ الْإِمَامِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْمَأْمُومِ) مِنْ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبَدَأَ بِبَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ فَقَالَ: (وَيَؤُمُّ النَّاسَ أَفْضَلُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ فَضْلًا مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ (وَأَفْقَهُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ فِقْهًا. ع: اُنْظُرْ لِأَيِّ شَيْءٍ قَدَّمَ الصِّفَةَ الْمَفْضُولَةَ عَلَى الْفَاضِلَةِ إذْ فَضِيلَةُ الْفَقِيهِ أَعْلَى مِنْ فَضِيلَةِ الصَّالِحِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَنْ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَقَالَ: (وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ فِي فَرِيضَةٍ وَلَا نَافِلَةٍ لَا رِجَالًا وَلَا نِسَاءً) فَإِنْ ائْتَمَّ بِهَا أَحَدٌ أَعَادَ أَبَدًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَالذُّكُورَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِمَامَةِ، وَلِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ أُخَرٌ وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِلْمُ بِمَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ قِرَاءَةً وَفِقْهًا، وَالْعَدَالَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْإِمَامَةِ] [قَوْلُهُ: الْإِمَامَةُ] هِيَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ التَّقَدُّمِ وَاصْطِلَاحًا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنُهُ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا. [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ] هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَيَؤُمُّ النَّاسَ أَفْضَلُهُمْ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ، أَيْ بِالْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ إمَامَةَ الذَّكَرِ صَحِيحَةٌ وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَا يَصِحُّ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ إلَخْ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ يَقِفُ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْثَرُهُمْ فَضْلًا] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ وَاشْتَرَكُوا فِي الْفَضْلِ وَتَسَاوَوْا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ أَحَدُهُمْ فِي الْفَضْلِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ الزَّائِدُ. [قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الدِّيَانَةُ] أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الْفِقْهُ وَقَوْلُهُ، أَيْ أَكْثَرُهُمْ فِقْهًا إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى اشْتَرَكُوا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ أَحَدُهُمْ فِيهِ فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ زَادَ عَنْهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي الْفَضْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى إذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ. وَفِيهِمْ مَنْ زَادَ عَلَيْهِمْ فِيهِمَا وَلَمْ يُسَاوِهِ أَحَدٌ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ سَاوَاهُ فِي أَحَدٍ فَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الزَّائِدِ الْمَذْكُورِ، هَذَا إذَا كَانَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ كَمَا قَرَّرَ الشَّارِحُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ، أَيْ فَأَفْضَلُهُمْ فَقِيهُهُمْ أَيْ فَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ عَلَى غَيْرِهِ. وَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ الْفَاضِلِ عَلَى غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، أَيْ فَمُفَادُهُ أَنَّهُمْ لَوْ اشْتَرَكُوا فِي الْفَضْلِ وَالْفِقْهِ وَبَعْضُهُمْ زَادَ فِي الْفَضْلِ وَآخَرُ زَادَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يُقَدَّمَ الزَّائِدُ فِي الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الزَّائِدُ فِي الْفِقْهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ] وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ أَبَدًا] أَيْ سَوَاءً كَانَ مِثْلَهَا أَمْ لَا وَصَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ صَحِيحَةٌ وَلَوْ نَوَتْ الْإِمَامَةَ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ مَا قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَنْدَلُسِيُّ مَنْ أَمَّتْهُ مِنْ النِّسَاءِ أَعَدْنَ فِي الْوَقْتِ وَرَوَى ابْنُ أَيْمَنَ تَؤُمُّ أَمْثَالَهَا مِنْ النِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: فَالذُّكُورَةُ] أَيْ الْمُحَقَّقَةُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِنِّيُّ وَالْمَلَكُ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُرْسِلَ إلَى الْمَلَائِكَةِ» . [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَلَوْ تَحَقَّقَ مِنْهُ فِيهَا نُطْقٌ

وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ وَالِاتِّفَاقُ فِي الْمُقْتَدَى فِيهِ، وَمُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَالْإِقَامَةُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مِنْهَا جُزْءٌ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الصَّبِيِّ لِلْبَالِغِ فِي الْفَرْضِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُتَنَفِّلٌ وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ خَلْفَ نَفْلٍ، وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَتَصِحُّ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ ابْتِدَاءً وَإِمَامَتُهُ لِمِثْلِهِ جَائِزَةٌ وَلَا يَتَعَرَّضُ فِي صَلَاتِهِ لِفَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ، فَإِنْ تَعَرَّضَ لِلنَّفْلِ لَمْ تَبْطُلْ وَكَذَا لِلْفَرْضِ خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ بَعْضِهِمْ الْبُطْلَانَ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمَجْنُونِ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا وَلَوْ فِي حَالِ صَحْوِهِ. تَنْبِيهٌ: فِي عَدِّ هَذَا وَالْإِسْلَامِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ نَظَرٌ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهَا وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَا خَاصَّيْنِ بِالْإِمَامَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ إلَخْ] فَالْجَاهِلُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ الْفِقْهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي الْعَالِمِ بِهِ وَأَمَّا الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَقْرَأُ بِمِثْلِهِ فَتَصِحُّ عِنْدَ فَقْدِ الْإِمَامِ الْقَارِئِ لَا عِنْدَ وُجُودِهِ وَلَوْ طَرَأَ فِيهَا وُجُودُ قَارِئٍ لَمْ يَقْطَعْ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْمَذْكُورِ مَعْرِفَةُ فَرَائِضِهَا وَسُنَنِهَا وَفَضَائِلِهَا وَيَكْفِي مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ وَلَوْ حُكْمًا كَمَنْ أَخَذَ صِفَةَ الصَّلَاةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مِنْ عَالِمٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ خَلْفَهُ وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ فَرْضًا مِنْ سُنَّةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الِائْتِمَامِ فَرْعٌ عَنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا كُلُّهَا فَرَائِضُ إذَا سَلَمَتْ مِمَّا يُفْسِدُهَا فَتَكُونُ إمَامَتُهُ صَحِيحَةً. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] يُرَادُ بِهَا عَدَمُ الْفِسْقِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصَّلَاةِ، فَالْفَاسِقُ فِسْقًا مُتَعَلِّقًا بِهَا كَمَنْ يَقْصِدُ بِإِمَامَتِهِ الْكِبْرَ أَوْ يَقْرَأُ عَمْدًا بِالشَّاذِّ الْمُخَالِفِ لِلرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ إمَامَتُهُ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ فَاسِقِ الْجَارِحَةِ كَمَنْ يَزْنِي فَتُكْرَهُ إمَامَتُهُ فَقَطْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَمَا فِي الشَّيْخِ خَلِيلٌ مِنْ بُطْلَانِهَا بِفَاسِقٍ الْجَارِحَةِ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ] أَيْ فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَاجِزِ عَنْ بَعْضِهَا فِي الْفَرْضِ لِلْقَادِرِ مُطْلَقًا كَالنَّفْلِ إنْ أَتَى بِهِ الْقَادِرُ مِنْ قِيَامٍ لَا مِنْ جُلُوسٍ فَيَصِحُّ مَا لَمْ يَتَمَاثَلَا فِي الْعَجْزِ عَنْ رُكْنٍ مُعَيَّنٍ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْقِيَامِ وَالْآخَرُ عَنْ الْجُلُوسِ فَإِنْ عَرَضَ لِلْإِمَامِ عَجْزٌ فِي صَلَاتِهِ اسْتَخْلَفَ وَيَرْجِعُ هُوَ إلَى الصَّفِّ مَأْمُومًا. [قَوْلُهُ: وَالِاتِّفَاقُ فِي الْمُقْتَدَى فِيهِ] أَيْ شَخْصًا وَوَصْفًا وَزَمَانًا فَلَا يَصِحُّ ظُهْرٌ خَلْفَ عَصْرٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا أَدَاءٌ خَلْفَ قَضَاءٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا ظُهْرُ سَبْتٍ خَلْفَ ظُهْرِ أَحَدٍ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَوْ كَانَ عَدَمُ التَّسَاوِي عَلَى الِاحْتِمَالِ فَلَا يَقْتَدِي أَحَدُ شَخْصَيْنِ بِصَاحِبِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَاكٌّ فِي ظُهْرِ الْخَمِيسِ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلٍّ تَحْتَمِلُ الْفَرْضِيَّةَ وَالنَّفْلِيَّةَ. [قَوْلُهُ: وَمُوَافَقَةُ مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ] فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُسْقِطُ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ يَتْرُكُ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ مَثَلًا، ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا ذُكِرَ وَلَكِنَّ اشْتِرَاطَهُ يُنَافِي صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِمُخَالَفَةٍ فِي الْفُرُوعِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالَفِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ لَا يُسْقِطَ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ. بَلْ كَانَ يَأْتِي بِهَا كُلَّهَا وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَالْمَأْمُومُ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَالِكِيِّ الَّذِي يُوجِبُ الدَّلْكَ وَمَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُمَا إذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ وَلَمْ يَمْسَحْ جَمِيعَ الرَّأْسِ. هَكَذَا جَزَمَ سَنَدٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْعَوْفِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَلَا تَضُرُّ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ وَمَا كَانَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَالِكِيِّ الَّذِي يُوجِبُ الدَّلْكَ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُ وَلَا يَتَدَلَّكَ، وَمَنْ يُوجِبُ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ بِمَنْ يَكْتَفِي بِمَسْحِ بَعْضِهِ وَمَسَحَ بَعْضَهُ فَقَطْ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَوْ بِمُعِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مُسَاوَاةٌ فِي شَخْصِ الصَّلَاةِ وَوَصَفَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ لِشَرْطِ صِفَةِ الِاقْتِدَاءِ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْعَوْفِيِّ صِحَّةُ اقْتِدَاءِ مَنْ يُوجِبُ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ بِمَنْ لَا يُوجِبُهُ

الْجُمُعَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَبَقِيَّةُ شُرُوطِ الْكَمَالِ فِي الْكَبِيرِ مَشْرُوحَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ: (وَيَقْرَأُ) أَيْ الْمَأْمُومُ (مَعَ الْإِمَامِ فِيمَا يُسِرُّ فِيهِ) وَيُرْوَى بِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ تَرْكَ قِرَاءَتِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّفْكِيرِ وَالْوَسْوَسَةِ (وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَنْصُوصِ، فَإِنْ قَرَأَ مَعَهُ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى» {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] وَرَوَيْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ اهـ. (وَمَنْ أَدْرَكَ) مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْإِمَامِ (رَكْعَةً فَأَكْثَرَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ» ، وَمَعْنَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ أَدْرَكَ حُكْمَهَا وَفَضْلَهَا، أَمَّا مَعْنَى أَدْرَكَ حُكْمَهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى أَدْرَكَ فَضْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَمْ يَأْتِ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ فِي الْجُمُعَةِ إلَخْ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ، إلَّا الْخَلِيفَةُ وَالْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ الْخَارِجُ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْطُبَ فِيهَا إلَّا إذَا نَوَى إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ. [قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ] فَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْعَبْدِ فِيهَا وَتُعَادُ جُمُعَةٌ إنْ أَمْكَنَ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ إمَامَةُ الْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي الْجُمُعَةِ لِسُقُوطِهِمَا عَنْهُمَا، فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمَا يُشْبِهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ شُرُوطِ الْكَمَالِ] مِنْهَا السَّلَامَةُ مِنْ النَّقْصِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فَيُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَقْطَعِ وَالْأَشَلِّ وَلَوْ بِمِثْلِهِ لَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا وَكَذَا يُكْرَهُ إمَامَةُ صَاحِبِ السَّلَسِ لِلصَّحِيحِ وَغَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَيَرْوِي بِهِ] أَيْ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى فِي. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ مَعَهُ] أَيْ يُكْرَهُ بَلْ يُنْدَبُ الْإِنْصَاتُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ هَذَا مَا لَمْ يُرَاعِ الْخِلَافَةَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقِرَاءَةُ. [قَوْلُهُ: فَبِئْسَ مَا صَنَعَ] أَيْ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا. [قَوْلُهُ: فَاسْتَمِعُوا] الْأَمْرُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ. [قَوْلُهُ: فَنَزَلَ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ نَزَلَتْ الْآيَةُ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ] وَعَلَى هَذَا فَتَسْمِيَةُ الْخُطْبَةِ قُرْآنًا تَجُوزُ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ اسْمَ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ وَهَلْ وُرُودُهَا فِي الْخُطْبَةِ لِكَوْنِ أَحَدٍ تَكَلَّمَ مُحْتَمَلٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ] أَيْ طَرِيقٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْخُطْبَةِ إلَخْ] فَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ عَلَى الصَّلَاةِ فَالْقِرَاءَةُ حِينَئِذٍ مُخَالِفَةٌ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِسَبَبِ نُزُولِهَا وَعَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ فَقَطْ فَيَأْتِي مَا يَتَقَرَّرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ] وَأَوْلَى غَيْرُهَا مِمَّا كَانَ يَشْرَعُ جَمَاعَةٌ كَالْعِيدَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً] وَأَوْلَى أَكْثَرُ وَقَوْلُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ، أَيْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ الْمَفْعُولَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَيْ حُكْمَهَا وَفَضْلَهَا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ] أَيْ وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ يَكُونُ بِالِانْحِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ رُكُوعِهِ وَلَوْ لَمْ يَطْمَئِنَّ إلَّا بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَ سَجْدَتَيْهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامَةِ، فَإِنْ زُوحِمَ عَنْهَا أَوْ نَعَسَ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِمَا. وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَأَقُولُ الْأَظْهَرُ مِنْهُمَا الْحُصُولُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ أَدْرَكَهَا، أَيْ أَدْرَكَهَا قَبْلُ إلَخْ أَيْ صَارَ عَلَى يَقِينٍ بِمُجَرَّدِ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مِنْ إدْرَاكِ حُكْمِهَا وَفَضْلِهَا. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ] فَلَا يَقْتَدِي بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُهُ فِي جَمَاعَةٍ وَيُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ، وَعَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُهَا فَيُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى إمَامِهِ وَلَا عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ تَشَهُّدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ

أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ ثَوَابِ مَنْ حَضَرَهَا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ أَوَّلِهَا كَامِلَةً وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهَذَا إذَا فَاتَهُ بَقِيَّتُهَا اضْطِرَارًا لَا اخْتِيَارًا، أَمَّا إذَا فَاتَهُ ذَلِكَ عَنْ اخْتِيَارٍ وَتَفْرِيطٍ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَإِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ يَكُونُ بِوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا مُوقِنًا أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ بَعْدَ قَطَعَ وَاسْتَأْنَفَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا مُوقِنًا إلَخْ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَأْتِي، وَحُكْمُ الْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَأَكْثَرُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا فِي الْقَوْلِ بَانِيًا فِي الْفِعْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (فَلْيَقْضِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ مَا) أَيْ الَّذِي (فَاتَهُ) قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الرَّكْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ] اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَفِي لَفْظٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالْمُرَادُ بِالْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ حَتَّى لَا يَتَنَافَيَا بِأَنَّ الْجُزْءَ أَكْبَرُ مِنْ الدَّرَجَةِ أَوْ بِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ، ثُمَّ تَفَضَّلَ بِالزِّيَادَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا ثَانِيًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ بِثَمَانٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَاحِدَةً كَصَلَاةِ الْفَذِّ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا فَاتَهُ بَقِيَّتُهَا إلَخْ] هَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، وَكَذَا فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ قَالَهُ عج فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ] وَارْتَضَاهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ قَالَ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا أَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ الِاخْتِيَارِيِّ بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ جَمِيعِ الصَّلَاةِ فِي نَفْيِ الْإِثْمِ وَلَوْ أَخَّرَ اخْتِيَارًا، وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ اخْتِيَارًا يُعِيدُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا اهـ. كَلَامُهُ قُلْت وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَيْفِيَّةَ فِي الَّتِي تَفُوتُهُ اضْطِرَارًا أَعْظَمُ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي الَّتِي تَفَوَّقَتْهُ اخْتِيَارًا، وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَارْتَضَاهُ عج عَدَمُ الْحُصُولِ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ بِوَضْعٍ إلَخْ] لَا يُشْتَرَطُ الْوَضْعُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ لَوْ أَرَادَ وَضْعَ يَدَيْهِ قُرْبَ رُكْبَتَيْهِ لَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مُطْمَئِنًّا] هَذَا مَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَاَلَّذِي لِابْنِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ تَمْكِينُ الْيَدَيْنِ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ شَكَّ هَلْ رَفَعَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ مَعَ الْإِمَامِ تَارَةً يَعْتَقِدُ الْإِدْرَاكَ أَوْ عَدَمَهُ أَوْ يَظُنُّ الْإِدْرَاكَ أَوْ عَدَمَهُ أَوْ يَشُكُّ وَبَعْدَ تَارَةٍ يَتَحَقَّقُ الْإِدْرَاكُ أَوْ عَدَمُهُ إلَخْ، فَهَذِهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، فَإِذَا شَكَّ فِي الْإِدْرَاكِ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ فِي أَحْوَالِ الدُّخُولِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشْرَ فَإِنَّهُ يُلْغِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِرَفْعِهِ مَعَهُ وَلَوْ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا، فَإِذَا جَزَمَ بِالْإِدْرَاكِ اعْتَبِرْهَا بِأَحْوَالِ الدُّخُولِ الْخَمْسَةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ فَيَرْفَعُ مَعَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ حِينَ الْإِحْرَامِ اعْتَقَدَ الْإِدْرَاكَ أَوْ ظَنَّهُ أَوْ شَكَّهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ وَخَرَّ سَاجِدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ حِينَ الْإِحْرَامِ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ فَهَذَا يَخِرُّ سَاجِدًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَفَعَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا لَا نَاسِيًا إذْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ قَطْعٌ إذْ لَا قَطْعَ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ قَطْعَ مَعْنَاهَا قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي شَكَّ فِيهَا وَاسْتَأْنَفَ غَيْرَهَا وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ إلَخْ] فَفَوَاتُ إدْرَاكِهَا بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ عَقْدُهَا وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَأْتِي] أَيْ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَشْهَبَ فِيهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي تت. [قَوْلُهُ: قَاضِيًا فِي الْقَوْلِ] الْقَضَاءُ جَعَلَ مَا فَاتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ مَعَ الْإِمَامِ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا أَدْرَكَهُ آخِرَهَا، وَالْبِنَاءُ عَكْسُهُ وَهُوَ جَعَلَ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَهَا وَمَا فَاتَهُ آخِرَهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ طَرِيقَانِ آخَرَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَاضٍ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالثَّانِي بِأَنَّ فِيهِمَا، وَيَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي

دُخُولِهِ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْقَوْلِ (عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ) وَنَحْوِهَا فَمَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ قَرَأَ فِيهِ مِثْلَهُ، وَمَا جَهَرَ فِيهِ الْإِمَامُ جَهَرَ فِيهِ وَمَا أَسَرَّ فِيهِ أَسَرَّ فِيهِ. وَنَحْوُ الْقِرَاءَةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَالْفَذِّ وَالتَّكْبِيرِ لِلْقِيَامِ، فَإِنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْجُلُوسُ لَوْ انْفَرَدَ بِأَنْ يُدْرِكَهُ فِي رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ، وَإِنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْجُلُوسُ لَوْ انْفَرَدَ بِأَنْ يُدْرِكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ التَّنَاقُضَ نَقَلْنَاهُ فِي التَّكْبِيرِ. (وَأَمَّا) الثَّانِي وَهُوَ الْبِنَاءُ (فِي) الْفِعْلِ كَ (الْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ فَفِعْلُهُ) فِيهِ (كَفِعْلِ الْبَانِي الْمُصَلِّي وَحْدَهُ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَالَ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ، إذْ الْبَانِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ الَّذِي يُصَلِّي صَلَاتَهُ إلَى آخِرِهَا، ثُمَّ يَذْكُرُ مَا يُفْسِدُ لَهُ بَعْضَهَا وَصُوَرُهُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِتَرْكِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي الْبَانِي أَنْ يَجْعَلَ مَا صَحَّ عِنْدَهُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فَيَبْنِي عَلَيْهِ وَيَأْتِي بِمَا فَسَدَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ، فَإِذَا مَا أَفْسَدَ لَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْعِشَاءِ مِثْلًا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَيَسْجُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا، فَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ هُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إذَا سَلَّمَ إمَامَهُ قَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَجَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى بِالْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا أَدْرَكَ هُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ مَعًا مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ بَيْنَهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي كِلَيْهِمَا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ ثُمَّ بِالْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا إلَخْ] الْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ الْقِرَاءَةُ وَصِفَتُهَا مِنْ سِرٍّ أَوْ جَهْرٍ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْقِرَاءَةِ سَمِعَ اللَّهُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْقِرَاءَةُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ إلَخْ] يُقَالُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ نَحْوُ الْقِرَاءَةِ لَاقْتَصَرَ عَلَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا الْإِمَامُ بَلْ نَقُولُ: فَجَمْعُهُ لِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَعَ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ بَانِيًا فِيهَا وَنَزَلَتْ مَنْزِلَةُ الْفِعْلِ فَجَعَلَ مَا أَدْرَكَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ وَمَا فَاتَهُ آخِرَ صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدٌ، أَيْ وَشَأْنُ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرُ لِلْقِيَامِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا فَرْعٌ لَا دَخْلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِبِنَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ فَالْأَحْسَنُ عَدَمُ إدْرَاجِهِ فِي هَذَا الْبَحْثِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ] لِأَنَّهُ جَلَسَ فِي مَحَلِّ جُلُوسِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ يَرْفَعُ مِنْ سُجُودِهِ بِتَكْبِيرٍ جَلَسَ بِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْقِيَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ قَدْ ذَكَرُوهُ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا فَرْعٌ مُسْتَقِلٌّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ التَّكْبِيرَ، إنَّمَا هُوَ لِلِانْتِقَالِ إلَى رُكْنٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَوْلًا أَنَّهُ إذَا جَلَسَ فِي ثَانِيَتِهِ يَقُومُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ قَالَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَاضٍ لِلْمَاضِيَتَيْنِ، وَاَلَّذِي شُرِعَ فِي أَوَّلِهِمَا تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ. قَالَ ذَلِكَ بَهْرَامَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ رَاجِعٌ لِلْفَرْعَيْنِ، أَيْ مُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ وَمُدْرِكُ غَيْرِهِمَا. [قَوْلُهُ: مُدْرِكُ التَّشَهُّدِ] لَا مَفْهُومَ لِلتَّشَهُّدِ بَلْ حَيْثُ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ بِتَكْبِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَنَاقُضٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ] بَيْنَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّنَاقُضُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ بِهِ مَانِعًا مِنْ تَكْبِيرِ مَنْ جَلَسَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ قَدْ جَلَسَ بِهِ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُدْرِكْ مِنْ الصَّلَاةِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ صَارَ كَمَنْ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِتَكْبِيرٍ فِي أَوَّلِهَا. [قَوْلُهُ: أَحَالَ مَجْهُولًا] وَهُوَ فِعْلُ الْمَسْبُوقِ وَقَوْلُهُ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ الْمُنْفَرِدُ الَّذِي تَبَيَّنَ بُطْلَانُ بَعْضِ صَلَاتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي ابْتِدَاءِ صَلَاتِهِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى نَحْوِ مَا يَفْعَلُ فِي انْتِهَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يَتَّضِحُ

قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقْصُ السُّورَةِ، وَالْجُلُوسُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَلَسَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَقَطْ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَزَادَ الرَّكْعَةُ الْمُلْغَاةُ وَيُوَازِي هَذَا أَيْ يُقَابِلُهُ مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَيَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ كَذَلِكَ. وَيُخَالِفُهُ فِي الْجُلُوسِ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهَا وَجَلَسَ هُوَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا رَابِعَةٌ لَهُ، وَبَقِيَّةُ الْوُجُوهِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ (وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ) صَلَاةً مَفْرُوضَةً فِي غَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا وَلَمْ تَقُمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ (فَ) إنَّهُ يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ يُعِيدَ) مَا صَلَّى (فِي الْجَمَاعَةِ) وَهُوَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَيُعِيدُ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. ك: وَلَا بُدَّ مَعَ التَّفْوِيضِ مِنْ نِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَك ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا ذَكَرَ مَا أَفْسَدَ لَهُ الرَّكْعَةَ إلَخْ] أَيْ تَذَكَّرَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَيُوَازِي هَذَا] أَيْ يُقَابِلُ وَيَصِحُّ أَنْ تَقُولَ وَيُؤَازِي بِأَنْ تُبْدِلَ الْوَاوَ هَمْزَةً كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: فَيَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ] لَا دَخْلَ لِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْبِنَاءِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ مَقَامِ الْقَضَاءِ. [قَوْلُهُ: وَجَلَسَ هُوَ عَلَيْهَا] فَهُوَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ بِأَنَّ لِأَنَّهُ جَعَلَهَا آخِرَ صَلَاتِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْوُجُوهِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ ذَكَرَ الْبَانِي مَا يُفْسِدُ لَهُ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَتَكُونُ صَلَاتُهُ كُلُّهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ نَقَّصَ السُّورَتَيْنِ وَنَقَّصَ أَيْضًا الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ الْأَمْرُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ وَيُوَازِيه مِنْ حَالِ الْمُدْرِكِ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ فَيَأْتِي فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا لِأَنَّ الْإِمَامَ كَذَلِكَ قَرَأَ فِيهِمَا وَوَافَقَ الْإِمَامَ أَيْضًا فِي جُلُوسِهِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا وَيَجْلِسُ هُوَ أَيْضًا عَلَيْهِمَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْبَانِي مَا يُفْسِدُ لَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَهُ وَيَقُومُ وَيَأْتِي بِالرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ خَاصَّةً وَيَسْجُدُ أَيْضًا قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ نَقَّصَ السُّورَةَ وَزَادَ الرَّكْعَةَ الْمُلْغَاةَ، وَيُوَازِيه حَالُ الْمُدْرِكِ إذَا فَاتَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ جَهْرًا وَيَجْعَلُهَا مَعَ الَّتِي أَدْرَكَ وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا فَوَافَقَ فِي هَذَا فِعْلُ الْبَانِي، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ اهـ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَنَقَّصَ أَيْضًا الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ، بِأَنْ يُقَالَ وَحْدَهُ، أَيْ حَكَمَ لَهُ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ حَتَّى يَشْمَلَ مَنْ صَلَّى بِصَبِيٍّ أَوْ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ وَحَتَّى يَخْرُجَ مَنْ صَلَّى فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ، فَذًّا مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ لَا يُعِيدُ فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَاحِدَةِ وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ إمَامًا رَاتِبًا إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ إمَامًا رَاتِبًا فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا صَلَّى فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَنَوَى الْإِمَامَةَ وَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا هُوَ رَاتِبٌ فِيهِ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً، وَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا تُعَادُ بَعْدَهُ وَيُجْمِعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَلَا يُزِيدُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَخَالَفَ بَعْضٌ فِي ذَلِكَ، قَالَ: يَجْمَعُ بَيْنَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَسَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ] وَلَوْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ قَالَ عج الْإِعَادَةُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا تَكُونُ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَا يُعِيدُ إنْ خَرَجَ وَقْتُهَا، ذَكَرَهُ سَنَدٌ وَنَحْوَهُ لِابْنِ عَرَفَةَ خِلَافًا لِلْمَشَذَّالِيِّ فِي قَوْلِهِ لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْوَقْتِ وَذَكَرَ سَنَدٌ أَنَّ الْفَائِتَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْحَاضِرَةِ فِي طَلَبِ الْجَمَاعَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ الْإِعَادَةِ إذَا طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِعَادَةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الْفَرْضِيَّةَ سَوَاءً طَرَأَتْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ طَرَأَتْ لَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى جَازِمًا بِأَنَّهَا فَرْضُهُ قَاصِدًا أَنْ يُعِيدَهَا لِأَجْلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ، إنْ شَاءَ أَوْ إنْ وَجَدَ جَمَاعَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَلِّ جَازِمًا حِينَئِذٍ فَإِنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ لَا تُنْدَبُ. [قَوْلُهُ: فِي الْجَمَاعَةِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَيُرَشِّحُ هَذَا قَوْلُ

الْفَرْضِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا مَعَ غَيْرِهِ لَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ الْغَيْرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا وَهُوَ كَذَلِكَ مَا عَدَا الصَّبِيِّ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى مَعَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ نَافِلَةٌ، وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى فِيهَا مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً فِي غَيْرِهَا لَا يُعِيدُ، وَإِذَا وَجَدَهُمْ فِيهَا أَعَادَ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ أَتَاهَا أَعَادَ فِيهَا مُنْفَرِدًا لِأَجْلِ فَضْلِهَا. وَبِقَوْلِنَا: وَلَمْ تَقُمْ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَقَدْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَدَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ وَالْمَقْصُودُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْجَمَاعَةِ (لِ) تَحْصِيلِ (الْفَضْلِ) الْوَارِدِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» وَالصَّلَاةُ الَّتِي تُعَادُ لِتَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ عَامٌّ فِي كُلِّ الْفَرِيضَةِ (إلَّا الْمَغْرِبَ وَحْدَهَا) لِأَنَّهَا إذَا أُعِيدَتْ صَارَتْ شَفْعًا وَهِيَ إنَّمَا جُعِلَتْ ثَلَاثًا لِتُوتِرَ عَدَدَ رَكَعَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَلَوْ أَوْتَرَ وَالْمَشْهُورُ لَا يُعِيدُ إذَا أَوْتَرَ لِاجْتِمَاعِ وَتْرَيْنِ فِي لَيْلَةٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونَ فِي أَنَّهُ يُعِيدُ الْوَتْرَ إذَا أَعَادَ الْعِشَاءَ (وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُعِيدُهَا فِي جَمَاعَةٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ أَكْثَرَ عَدَدًا أَوْ أَزْيَدَ خَيْرًا وَتَقْوَى هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُفَضَّلُ الْجَمَاعَةُ بِالْكَثْرَةِ وَفَضِيلَةِ الْإِمَامِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَلَّامَةِ خ وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا، فَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ بَانَ مُؤْمِنًا ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ جِنِّيًّا أَوْ مَلَكًا أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التَّتَّائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ خَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا] لَا مَعَ وَاحِدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ] أَيْ فِي جَعْلِهِ أَيَّهُمَا شَاءَ فَرْضُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مَعَ التَّفْوِيضِ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ] وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ حَيْثُ لَمْ يَنْوِ بِهَا النَّفْلِيَّةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِ أَوَّلًا لَمْ تُحْمَلْ نِيَّتُهُ هُنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ فَإِنْ تَرَكَ فِيهِ التَّفْوِيضَ وَنَوَى الْفَرِيضَةَ صَحَّتْ، وَإِنْ تَرَكَ نِيَّةَ الْفَرِيضَةِ صَحَّتْ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، فَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ وَلَا بُدَّ إلَخْ مُرَادُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لِإِجْزَاءِ هَذِهِ إنْ تَبَيَّنَ عَدَمَ الْأُولَى أَوْ فَسَادَهَا. [قَوْلُهُ: وَإِذَا وَجَدَهُمْ] أَيْ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَعَادَ مَعَهُمْ كَانَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا وَلَا يُعِيدُ فِيهَا فَذًّا وَلَوْ فَاضِلًا. [قَوْلُهُ: أَعَادَ فِيهَا مُنْفَرِدًا] وَأَوْلَى جَمَاعَةٌ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى جَمَاعَةً خَارِجَهَا ثُمَّ أَتَاهَا فَيُعِيدُ فِيهَا جَمَاعَةً لَا مُنْفَرِدًا خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ صَلَّى فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُعِيدُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ، وَمَنْ دَخَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي بَعْضِهَا فَذًّا فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ جَمَاعَةً لَا فَذًّا وَلَوْ كَانَ مَا دَخَلَ فِيهِ أَفْضَلُ مِمَّا صَلَّى فَذًّا فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَإِنْ كَانَ صَلَّى فِي غَيْرِهَا مُنْفَرِدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَتُهَا فِيهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا. وَأَمَّا لَوْ صَلَّى فِي غَيْرِهَا جَمَاعَةً فَلَا يُعِيدُ فِيهَا إلَّا فِي جَمَاعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُعِيدُهَا وَلَوْ فَذًّا وَهُوَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ فَذَّهَا أَفْضَلُ مِنْ جَمَاعَةِ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَغْرِبَ] أَيْ فَإِنْ أَعَادَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَطَعَ مَا لَمْ يَرْكَعْ، فَإِنْ رَكَعَ شَفَّعَهَا وَقَطَعَ وَعَدَّهَا نَافِلَةً وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ حَتَّى صَلَّى مَعَهُ ثَلَاثًا، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِرَابِعَةٍ بَعْدَهَا نَافِلَةً، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا إعَادَةَ وَقِيلَ يُعِيدُ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ سَحْنُونَ] وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اجْتِمَاعُ وَتْرَيْنِ وَلَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِلْآخِرِ وَهُوَ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وَتْرًا» ابْنُ بَشِيرٍ وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْإِعَادَةِ بِأَيِّ نِيَّةٍ تَكُونُ، فَإِنْ قُلْنَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَعَادَ الْوَتْرَ وَإِنْ قُلْنَا بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يُعِدْ وَكَذَا يَنْبَغِي إذَا قِيلَ أَنَّهُ يَنْوِي الْكَمَالَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] أَيْ وَلَوْ مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُعِيدُهَا] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَزْيَدُ خَيْرًا وَتَقْوَى] عَطْفُ التَّقْوَى تَفْسِيرٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، أَيْ لِأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي تُشْرَعُ لَهُ الْإِعَادَةُ قَدْ حَصَلَ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ

«صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى» ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً» إلَخْ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ إلَّا التَّشَهُّدَ أَوْ السُّجُودَ فَلَهُ أَنْ يُعِيدَ فِي جَمَاعَةٍ) أُخْرَى وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى إحْرَامِهِ فَذًّا أَوْ يَقْطَعَ وَيُدْرِكَ جَمَاعَةً أُخْرَى إنْ رَجَاهَا، هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَصِلْ قَبْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُدْرِكْ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ إلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ فَإِنَّهُ يَشْفَعُ وَيَقْطَعُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا سَوَاءً أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ مَعَ الْإِمَامِ وَجَعَلَهُ عَلَى سِتَّةِ مَرَاتِبَ الْأُولَى أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالرَّجُلُ الْوَاحِدُ) فَقَطْ أَوْ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ (مَعَ الْإِمَامِ) فَإِنَّهُ (يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ فَعَدَلَنِي كَذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ» ، وَالثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَقُومُ الرَّجُلَانِ فَأَكْثَرُ خَلْفَهُ) لِمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً مَعَ الْفُضَلَاءِ، وَفِي الْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ لَا تُشْرَعُ لِأَجْلِهِ الْإِعَادَةُ. [قَوْلُهُ: بِالْكَثْرَةِ وَفَضِيلَةُ الْإِمَامِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ، أَيْ وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلِمَنْ صَلَّى مَعَ جَمَاعَةٍ أَنْ يُعِيدَ مَعَ أَفْضَلَ مِنْهَا أَوْ صَلَّى مَعَ إمَامٍ أَنْ يُعِيدَ مَعَ أَفْضَلَ مِنْهُ، هَذَا مُرَادُهُ عَلَى مَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ وَقَدْ يَبْحَثُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَثِّ عَلَى إيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ هُنَا وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً لَيْسَ مُكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ قَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ مَعَ الْإِمَامِ يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَمَا هُنَا عَلَى أَنَّ مُحَصِّلَ الْفَضْلِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِلْفَضْلِ الْحَاصِلِ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ كَمَنْ صَلَّاهَا ابْتِدَاءً وَحْدَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ هَذِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحُصُولِ الْفَضْلِ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ أَوْ لِمُجَرَّدِ دَفْعِ تَوَهُّمِ اعْتِقَادِ حُصُولِ الْفَضْلِ لَهُ. [قَوْلُهُ: إنْ رَجَاهَا] فَإِنْ لَمْ يَرْجُهَا كَمَّلَ صَلَاتَهُ وَلَا يَقْطَعُهَا كَذَا صَرَّحُوا بِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَشْفَعُ] أَيْ نَدْبًا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ رَكْعَةً أَيْ سَوَاءً أَحْرَمَ بِنِيَّةِ فَرْضٍ أَوْ نَفَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَإِنَّمَا يَشْفَعُ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَمَا فِي التَّتَّائِيِّ. قَالَ الْكَافِي مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ وَأَدْرَكَ النَّاسَ جُلُوسًا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ لَيْلًا يَكُونُوا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ فَإِذَا دَخَلَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمْ فِي آخِرِهَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ اهـ. أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ لَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ حِينَ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ نَافِلَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا وَأَمْرُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَجْعَلُ فَرْضَهُ أَيَّتُهُمَا شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ رَفْضُ الْأُولَى أَجْزَأَتْهُ الْأُولَى وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ هَذِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَعْقِلُ الصَّلَاةَ إلَخْ] أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ الطَّاعَةَ يُثَابُ عَلَيْهَا أَيْ يَحْصُلُ الثَّوَابُ لِفَاعِلِهَا وَأَنَّ الْمَعْصِيَةَ يُعَاقِبُ عَلَيْهَا أَيْ يَحْصُلُ الْعِقَابُ لِفَاعِلِهَا إلَّا الصَّبِيَّ. [قَوْلُهُ: يَقُومُ عَنْ يَمِينِهِ] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَقُومَ فِي جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ مِنْ الْمَأْمُومِ وَتُكْرَهُ مُحَاذَاتُهُ. [قَوْلُهُ: فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ] إنَّمَا لَمْ يُدِرْهُ مِنْ أَمَامِهِ مَعَ أَنَّهُ أَسْهَلُ لِئَلَّا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: فَأَخَذَ بِيَدِي مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ] الظَّاهِرُ مِنْ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْخُذْ بِيَدِ أَنَسٍ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بَلْ إنَّمَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيْ يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيُمْنَى، وَقَوْلُهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كَذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ تَطَوُّعًا» . [قَوْلُهُ: وَيَقُومُ الرَّجُلَانِ] أَيْ يُصَلِّي

مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصَلِّيَ فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» . وَالثَّالِثَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الرَّجُلَيْنِ (قَامَتْ خَلْفَهُمَا) فِي مُسْلِمٍ قَالَ. أَنَسٌ: «صَلَّيْت أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا» ، وَالرَّابِعَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةِ (رَجُلٌ صَلَّى) الرَّجُلُ (عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَ) صَلَّتْ (الْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا) لِمَا فِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» . وَحُكْمُ جَمَاعَةِ النِّسْوَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَالرَّجُلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَهُمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ: وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ. وَالْخَامِسَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ صَلَّى بِزَوْجَتِهِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْأَفْصَحُ فِيهِ زَوْجٌ كَالرَّجُلِ قَالَ تَعَالَى {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35] يَعْنِي أَوْ بِمَحْرَمِهِ أَوْ بِأَجْنَبِيَّةٍ مِنْهُ (قَامَتْ خَلْفَهُ) وَالسَّادِسَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَالصَّبِيُّ إنْ صَلَّى مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ خَلْفَ الْإِمَامِ قَامَا) أَيْ الصَّبِيُّ وَالرَّجُلُ (خَلْفَهُ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ دَلِيلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ، لَكِنْ قَيَّدَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ هَذَا بِقَيْدٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ) ثَوَابَ مَنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَإِثْمَ مَنْ قَطَعَهَا (لَا يَذْهَبُ وَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (مَنْ يَقِفُ مَعَهُ) فَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ الصَّبِيُّ مَا ذُكِرَ قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَيَتْرُكُ الصَّبِيَّ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ وَحُكْمُ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ كُلِّهَا الِاسْتِحْبَابُ، فَمَنْ خَالَفَ مَرْتَبَتَهُ وَصَلَّى فِي غَيْرِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَقَدَّمَتْ إلَى مَرْتَبَةِ الرَّجُلِ أَوْ أَمَامِ الْإِمَامِ فَكَالرَّجُلِ يَتَقَدَّمُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ بِرُؤْيَتِهَا أَوْ بِمُمَاسَّتِهَا، وَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ لِعُذْرٍ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. (وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجُلَانِ لِيَشْمَلَ الْمُصَلِّي جَالِسًا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا] قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ أَنَّهُمَا يَتَأَخَّرَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْمَرُ الْإِمَامُ بِالتَّقَدُّمِ أَمَامَهُمَا بَلْ يَسْتَمِرُّ وَاقِفًا وَهُمَا الْمَأْمُورَانِ بِالتَّأَخُّرِ خَلْفَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: امْرَأَةٌ مَعَهُمَا] وَمِثْلُهَا جَمَاعَةُ النِّسْوَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَتِيمٌ] اسْمُهُ ضُمَيْرَةُ بْنُ أَبِي ضُمَيْرَةَ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ يَتِيمٍ بَلْ يَتِيمٌ مُعَيَّنٌ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ، وَتِلْكَ الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ نَافِلَةً كَمَا يُفِيدُهُ مُسْلِمٌ. [قَوْلُهُ: وَأُمُّ سُلَيْمٍ إلَخْ] هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَرْأَةِ] بِقَرِينَةِ اسْمِ كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا الْإِمَامُ وَالْمَرْأَةُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِأَنَّهُ يَعْنِي بِهِمَا الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةَ. [قَوْلُهُ: رَجُلٌ] وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ الْقُرْبَةَ. [قَوْلُهُ: صَلَّى الرَّجُلُ] أَيْ وَالصَّبِيُّ. [قَوْلُهُ: أَوْ خَالَتِهِ] شَكٌّ وَقَوْلُهُ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ أَيْ الَّتِي هِيَ أُمُّهُ أَوْ خَالَتُهُ. [قَوْلُهُ: قَامَتْ خَلْفَهُ] وَلَا تَقِفُ عَلَى يَمِينِهِ فَلَوْ وَقَفَتْ بِجَنْبِهِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمُحَاذَاةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مَا يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ حُكْمَ الْخُنْثَى مَعَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ رِجَالٍ كَالْأُنْثَى، وَأَمَّا مَعَ رِجَالٍ وَإِنَاثٍ فَيَقِفُ خَلْفَ الرِّجَالِ وَالْأُنْثَى الْمُحَقَّقَةُ خَلْفَهُ، هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَحَرَّرَهُ شَرْحُ الشَّيْخِ. [قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ] أَيْ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ التَّقَدُّمُ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَمَثَلُ التَّقَدُّمِ لِمُحَاذَاةٍ وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ خَوْفُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَى الْإِمَامِ مَا لَا يَعْلَمُونَهُ مِمَّا يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا تَقَدَّمَ كُلُّ الْمَأْمُومِينَ عَلَى ظَاهِرِ نَقْلِ الْمَوَّاقُ. وَفِي صَغِيرِ بَهْرَامَ إنْ تَقَدَّمُوا كُلُّهُمْ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا زَادَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عَزْمٍ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْكِتَابِ وَتَبْطُلُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ اهـ، وَانْظُرْ مَا الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ] أَيْ صَلَاةُ الْإِمَامِ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ أَمَامَهُ وَلَا صَلَاةُ مَنْ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ بِرُؤْيَتِهَا إلَخْ] ضَعِيفٌ إذْ الِالْتِذَاذُ بِرُؤْيَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُمَاسَّةٍ وَلَا إنْزَالٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الرَّاتِبُ إلَخْ] هُوَ مَنْ

الْمُنْتَصِبُ فِي مَسْجِدِ الْإِمَامَةِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَوْ بَعْضِهَا (إنْ صَلَّى وَحْدَهُ قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ) فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَفِي الْحُكْمِ فَلَا يُعِيدُ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَلَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ مَرَّةً أُخْرَى، وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ يُعِيدُ مَعَهُ بَعْضُهُمْ وَيَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ حَاصِلَةٌ فِي حَقِّهِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلَا يَزِيدُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ (فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ أَنْ تُجْمَعَ فِيهِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ) قَبْلَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّشَاجُرِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَإِذَايَتِهِمْ. ق: وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ وَلَوْ أَذِنَ الْإِمَامُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِرَجُلٍ أَنْ يُؤْذِيَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. (وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا (فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا أَحَدًا) لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلًا، الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَيُعِيدُهُ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ أَبَدًا جَمَاعَةً إنْ شَاءُوا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَأَفْذَاذًا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ (وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ) فِي صَلَاتِهِ (سَجَدَ لِسَهْوِهِ فَلْيَتْبَعْهُ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَامَهُ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَوْ الْوَاقِفُ أَوْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَإِنْ كُرِهَ وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ وَإِنْ أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: الْمُنْتَصِبُ فِي مَسْجِدٍ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَدَخَلَ فِيهِ سَفِينَةٌ وَمَكَانٌ جَرَّتْ الْعَادَةُ بِالْجَمْعِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: قَامَ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ إلَخْ] أَيْ بِشَرْطِ صَلَاتِهِ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَانْتِظَارِ النَّاسِ عَلَى الْعَادَةِ وَنِيَّةِ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، إذْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ كَمَا قَالَ سَنَدٌ. قَالَ الْأُجْهُورِيُّ، قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْفَذِّ فِي نَدْبِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَقْصِيرِهَا لَا كَالْإِمَامِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ طَلَبِ التَّقْصِيرِ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ إلَخْ] أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: يُعِيدُ مَعَهُ] أَيْ نَدْبًا وَقَوْلُهُ وَيَجْمَعُ وَحْدَهُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ، أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ] أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَسْجِدٍ] أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ. [قَوْلُهُ: لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ] وَنَائِبُ الرَّاتِبِ حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّاتِبِ. قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ رَاتِبًا فِي كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الَّتِي هُوَ رَاتِبٌ فِيهَا فَقَطْ اهـ. وَأَمَّا مَا لَا رَاتِبَ لَهُ فَلَا يُكْرَهُ تَعَدُّدُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تُجْمَعَ الصَّلَاةُ فِيهِ مَرَّتَيْنِ] احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فِيهِ بَعْدَ جَمْعِ الْإِمَامِ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا كَقَبْلِهِ لِعُذْرٍ وَالْإِكْرَاهُ، أَيْ مَعَ الْخُرُوجِ قَبْلَ جَمْعِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ] أَيْ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَجْمَعَ وَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْ لِلرَّاتِبِ حِينَئِذٍ الْجَمْعُ فَإِذَا لَمْ يُؤَخِّرْ كَثِيرًا فَيَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَعْدَ جَمْعِ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِلَّا كُرِهَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَعَهُ] ضَعِيفٌ لِمَا ذَكَرَهُ عج مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً حَالَ صَلَاةِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ لَهَا سَوَاءً صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَخْ] هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ قَالَ تت: وَعَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَذِيَّةِ الْإِمَامِ أَوْ لِتَطَرُّقِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَوْ لِلتَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ أَوْ لِتَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالْأُلْفَةِ أَقْوَالٌ. [قَوْلُهُ: يَنْبَغِي التَّحْرِيمُ] أَيْ إلَّا أَنَّ الْفِقْهَ لَا حُرْمَةَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَجَوَّزَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً مِنْ الصَّلَوَاتِ] أَيْ بِحَيْثُ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ. [قَوْلُهُ: جَمَاعَةً إنْ شَاءُوا إلَخْ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ ضَعِيفٌ: قَالَ ابْنُ نَاجِي: لَمْ يَحْكِ ابْنُ بَشِيرٍ غَيْرَهُ، أَيْ غَيْرَ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَهَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى تُجْزِئُهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا أَعَادُوهَا جَمَاعَةً صَارَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَمُعِيدٍ فِي جَمَاعَةٍ بَعْدَ أَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَرَاعَى فِي الْإِعَادَةِ مَذْهَبَ الْمُخَالِفِ لَا مَذْهَبَ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَسَجَدَ لِسَهْوِهِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ لَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ، فَلَوْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ الْقَبْلِيُّ مَعَهُ وَتَرَكَهُ إمَامُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامِهِ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ

لَمْ يَسْهُ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ) ظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَهْوٌ، وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَافُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا وَجَمِيعِ هَيْئَاتِهَا. (وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ (رَأْسَهُ) مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ الْإِمَامِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ» . (وَلَا يَفْعَلُ) أَحَدٌ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQسِنِينَ وَطَالَ. [قَوْلُهُ: فَلْيَتْبَعْهُ] أَيْ وُجُوبًا. [قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَبِيرِ] مَفْهُومُ لَقَبِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَنَصُّهُ الْمَسْأَلَةُ ذَاتُ تَفْصِيلٍ، وَهُوَ إنْ كَانَ أَدْرَكَ مَعَهُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا لَزِمَهُ اتِّبَاعُهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ كَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا، فَلَا يَخْلُو، إمَّا أَنَّ يَعْقِدَ مَعَهُ رَكْعَةً أَوْ لَا، فَإِنْ عَقَدَ مَعَهُ رَكْعَةً وَكَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدِيًّا لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَيَنْتَظِرُهُ جَالِسًا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، قَالُوا وَيَكُونُ سَاكِتًا وَلَا يَتَشَهَّدُ، فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ مَعَهُ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ، وَإِنْ جَهِلَ فَقَالَ عِيسَى: يُعِيدُ أَبَدًا. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ أَدْخَلَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَيْسَ مِنْهَا وَعَذَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْجَهْلِ فَحَكَمَ لَهُ بِحُكْمِ النِّسْيَانِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ السُّجُودُ مَعَ الْإِمَامِ اهـ. وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ مَعَهُ رَكْعَةً لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ سُجُودُهُ الْبَعْدِيُّ، وَأَمَّا الْقَبْلِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَتْبَعُهُ وَعَلَيْهِ إذَا خَالَفَ وَتَبِعَهُ بَطَلْت صَلَاتُهُ، اهـ. أَيْ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا لَا سَهْوًا. [قَوْلُهُ: لِيُؤْتَمَّ بِهِ] أَيْ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَتَنْتَفِي الْمُقَارَنَةُ وَالْمُسَابَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ، كَمَا قَالَ: فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَالرَّفْعُ قَبْلَهُ وَالْخَفْضُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ لِيَرْفَعَ بَعْدَ رَفْعِهِ وَيَخْفِضَ بَعْدَ خَفْضِهِ، قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ وَكَذَا مِنْ اخْتِلَافِ أَنْ لَا يَتْبَعَهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِمَّنْ خَلْفَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ] أَيْ تَحْرِيمًا فَلَوْ خَالَفَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ وَهَلْ الرُّجُوعُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ قَوْلَانِ اقْتَصَرَ الْمَوَّاقُ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ تَرَكَ الرُّجُوعَ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا حَيْثُ أَخَذَ فَرْضَهُ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ رَفْعِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ، فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ لَا سَهْوًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ زُوحِمَ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْخَفْضُ. [قَوْلُهُ: أَمَا] بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ] أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ وَجْهَهُ] أَيْ حَقِيقَةً بِأَنْ يُمْسَخَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْأَشْرِبَةِ، أَوْ يُحَوِّلُ هَيْئَتَهُ الْحِسِّيَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيُحْشَرَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ، أَيْ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْبَلَادَةِ الْمَوْصُوفِ بِهَا الْحِمَارُ فَاسْتُعِيرَ ذَلِكَ لِلْجَاهِلِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَعِيدَ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ ذَلِكَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَوْ فِي قَوْلَهُ أَوْ يَجْعَلُ إلَخْ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي. [قَوْلُهُ: إنِّي إمَامُكُمْ] بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمُ الثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ فِعْلِهِ] أَيْ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي فِعْلِهِ، أَيْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَيُدْرِكَهُ فِيهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ التَّأَخُّرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ الْإِمَامُ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنِ] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ، أَوْ لَمْ يُقَوِّسْ وَقَوْلُهُ سَاجِدًا حَالٌ وَقَوْلُهُ: لَمْ نَقَعْ بِنُونِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ غَيْرِهِ وَالْعَيْنُ مَرْفُوعَةٌ، وَقَوْلُهُ: سُجُودًا حَالٌ وَهُوَ جَمْعُ سَاجِدٍ، أَيْ بِحَيْثُ يَتَأَخَّرُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِمْ عَنْ ابْتِدَاءِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَيَتَقَدَّمُ ابْتِدَاءُ فِعْلِهِمْ عَلَى فَرَاغِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ السُّجُودِ، كَذَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَخْ، تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلُ. وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ

نَقَعَ سُجُودًا بَعْدَهُ» (وَيَفْتَتِحُ) أَيْ الْمَأْمُومُ بِالتَّكْبِيرِ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ، وَمَتَى سَبَقَهُ بِهِ أَوْ سَاوَاهُ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَحْرَمَ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ مَعَهُ (وَيَقُومُ) الْمَأْمُومُ (مِنْ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ قِيَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ مُسْتَقِلًّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَيُسَلِّمُ بَعْدَ سَلَامِهِ) عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ مَتَى سَبَقَهُ بِهِ أَوْ سَاوَاهُ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (وَمَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ الِافْتِتَاحِ وَالْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالسَّلَامِ بَعْدَهُ كَالِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ (فَوَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَهُ وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ) أَيْ أَفْضَلُ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ مُسَاوَاتِهِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ (وَكُلُّ سَهْوٍ سَهَاهُ الْمَأْمُومُ) فِي حَالِ قُدْوَتِهِ بِالْإِمَامِ (فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالِ الْقُدْوَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَسَهَا فِي قَضَائِهِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْمِلُهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ، فَحُكْمُهُ الْآنَ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَسَائِلُ فَقَالَ: (إلَّا رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ أَوْ السَّلَامِ أَوْ اعْتِقَادِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ) لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا فَرَائِضُ وَالْفَرَائِضُ لَا تَسْقُطُ بِالسَّهْوِ وَلَا يَجْزِي عَنْهَا السُّجُودُ. (وَ) مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ (إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ) مِنْ الْفَرِيضَةِ (فَلَا يَثْبُتُ) فِي مَكَانِهِ (بَعْدَ سَلَامِهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: (وَلْيَنْصَرِفْ) تَكْرَارٌ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَثْبُتُ ق: وَهَلْ يَنْصَرِفُ جُمْلَةً وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ يَتَحَوَّلُ لَيْسَ إلَّا وَهَلْ انْصِرَافُهُ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِحْرَابِ أَوْ تَحْوِيلُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا؟ قَالَ مَالِكٌ: يَتَحَوَّلُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ نَهَى فِيهِ عَنْ السَّبْقِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ الْمُصَاحَبَةِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ السَّبْقَ حَرَامٌ كَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ حَتَّى يَنْتَقِلَ إلَى رُكْنٍ آخَرَ وَالْمُصَاحَبَةُ مَكْرُوهَةٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ] أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْبِيرِ. [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ] خَتَمَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، وَإِذَا ابْتَدَأَ بَعْدَهُ إنْ خَتَمَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ وَمَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ صَحِيحَةٌ فَالصُّوَرُ تِسْعٌ، وَمِثْلُهَا فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْإِحْرَامِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ وَفِي السَّلَامِ يُقَيَّدُ بِالْعَمْدِ لَا سَهْوًا فَلَا تَبْطُلُ وَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ السَّلَامِ. تَنْبِيهٌ: إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ إمَامِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بَعْدَهُ فَقَالَ مَالِكٌ يُكَبِّرُ وَلَا يُسَلِّمُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِمُخَالَفَتِهِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ سَحْنُونَ يُسَلِّمُ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: فَوَاسِعٌ أَيْ جَائِزٌ إلَخْ] أَرَادَ بِالْجَوَازِ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ أَحْسَنُ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ فَأَفْعَلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. [قَوْلُهُ: قُدْوَتِهِ] مُثَلَّثُ الْقَافِ كَمَا قَالَهُ تت فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ. [قَوْلُهُ: فَالْإِمَامُ يَحْمِلُهُ عَنْهُ] أَيْ كَالتَّكْبِيرِ وَلَفْظِ التَّشَهُّدِ أَوْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ وَلَا مَفْهُومَ لِلسَّهْوِ فِي كَلَامِهِ، بَلْ يَحْمِلُ عَنْهُ بَعْضَ الْعَمْدِ كَتَرْكِ التَّكْبِيرِ أَوْ لَفْظِ التَّشَهُّدِ. [قَوْلُهُ: اعْتِقَادَ نِيَّةٍ إلَخْ] عَرَّفُوا النِّيَّةَ بِأَنَّهَا الْعَزْمُ عَلَى الشَّيْءِ مُقْتَرِنًا بِفِعْلِهِ فَأَرَادَ الِاعْتِقَادَ ذَلِكَ الْعَزْمَ، فَإِضَافَةُ اعْتِقَادٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. أَيْ اعْتِقَادٌ هُوَ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ أَيْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا رَكْعَةً، أَيْ إلَّا كَرَكْعَةٍ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا كَانَ فَرْضًا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ الْحَصْرَ لِأَنَّ إلَّا لَا تَكُونَ لِلْحَصْرِ إلَّا إذَا سَبَقَهَا نَفْيٌ إذْ بَقِيَ الْجُلُوسُ لِلسَّلَامِ وَالرَّفْعِ وَتَرْتِيبِ الْأَدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الرَّكْعَةَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَحْمِلُ السَّجْدَةَ فَأَوْلَى الرَّكْعَةَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّكْعَةِ الرُّكُوعَ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ مَجَازٌ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ سَلَامِهِ] أَيْ وَلَوْ قِيلَ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ عَقِبَ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ انْصِرَافُهُ إلَخْ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ هَلْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمُرَادُ بِانْصِرَافِهِ خُرُوجُهُ مِنْ الْمِحْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِتَحْوِيلِهِ أَيْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَرُجِّحَ هَذَا أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّحْوِيلِ قَالَ الْأُجْهُورِيُّ وَيَكْفِي تَغْيِيرُ هَيْئَتِهِ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ.

أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الِانْصِرَافِ فَقِيلَ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا فَرَغَ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهَا وَقِيلَ لِئَلَّا يُخَالِطَهُ الرِّيَاءُ وَالْعُجْبُ، الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَوْلَى فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ، وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ سَلَامِهِ قَلِيلًا لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ انْصِرَافِ الْإِمَامِ بَعْدَ سَلَامِهِ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهِ) وَهُوَ دَارُهُ فِي الْحَضَرِ وَرَحْلُهُ فِي السَّفَرِ (فَذَلِكَ) يَعْنِي الْجُلُوسَ بَعْدَ سَلَامِهِ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ لِأَنَّهُ مَأْمُونٌ مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ. فَائِدَةٌ: الْقَرَافِيُّ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ، فَيَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقْدِيمُ وَشَرَفُ كَوْنِهِ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ وَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِي رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ، رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بِدَعَوَاتٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ: لَا لِأَنِّي أَخْشَى عَلَيْك أَنْ تَشْمَخَ نَفْسُكَ حَتَّى تَصِلَ الثُّرَيَّا، وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى لِكُلٍّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ اهـ. هَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى الرُّبْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّسَالَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَقِيلَ لِأَنَّ إلَخْ] وَقِيلَ إنَّ الْعِلَّةَ التَّلْبِيسُ عَلَى الدَّاخِلِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِئَلَّا إلَخْ] فِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِانْصِرَافَ جُمْلَةً كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُمَا كَانَا إذَا سَلَّمَا يَنْهَضَانِ مِنْ الْمِحْرَابِ نَهْضَةَ الْبَعِيرِ الْهَائِجِ مِنْ عِقَالِهِ. [قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَوْلَى فِي تَعْلِيلِ النَّهْي] وَجْهُ الظُّهُورِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَنْتَ السَّلَامُ] أَيْ الْمُخْتَصُّ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ لَا غَيْرَك، وَقَوْلُهُ وَمِنْك السَّلَامُ، أَيْ أَنَّ غَيْرَك فِي مَعْرَضِ النُّقْصَانِ وَالْخَوْفِ مُفْتَقِرٌ إلَى جَنَابِك بِأَنْ تُؤَمِّنَهُ وَلَا مَلَاذَ لَهُ غَيْرَك فَدَلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَإِ، وَقَوْلُهُ تَبَارَكْت تَعَظَّمْت وَتَمَجَّدْت أَوْ جِئْت بِالْبَرَكَةِ وَقَوْلُهُ يَا ذَا الْجَلَالِ أَيْ يَا ذَا الْعَظَمَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهِ] أَيْ أَوْ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ وَكَذَا مَحَلُّ غَيْرِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّهِ. [قَوْلُهُ أَيْ جَائِزٌ] أَيْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَاتُ] أَيْ وَأَنْ يَكُونُوا فِي مَسْجِدٍ. [قَوْلُهُ: جَهْرًا] أَيْ وَأَمَّا سِرًّا فَأَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عِيَاضٌ وَعَلَى الْإِمَامِ عَشْرُ وَظَائِفَ مُرَاعَاةُ الْوَقْتِ إلَى أَنْ قَالَ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فَيَجْتَمِعُ إلَخْ آتٍ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاجْتِمَاعَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عِظَمِ النَّفْسِ إلَخْ أَظْهَرَ فِي الْجَهْرِ وَيَجْرِي مِثْلُ هَذَا فِيمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: فَيُوشِكُ] أَيْ يَقْرَبُ. [قَوْلُهُ: تَعَظُّمُ نَفْسِهِ إلَخْ] قَصَدَ الْإِيضَاحَ إذْ عِظَمُ النَّفْسِ فَسَادٌ لِلْقَلْبِ وَمَعْصِيَةُ الرَّبِّ. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُنَازِعُ فِيهِ الْعَوَامِلُ الْمَذْكُورَةُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُعْطِيه] أَيْ مِنْ إطَاعَتِهِ أَيْ الرَّبِّ فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَشْمَخَ] أَيْ تَرْتَفِعَ إلَخْ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْكِبْرِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي قُلْت وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْعَمَلُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَةَ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيته يَنْصُرُهُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ وَرَدَ الْحَثُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَقَالَ تَعَالَى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] وَقَالَ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] اهـ. وَعِبَارَةُ مَيَّارَةٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عِبَارَةَ الشَّارِحِ نَصُّهَا وَحَاصِلُ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْغُبْرِينِيُّ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ أَوْ فَضَائِلِهَا فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالدُّعَاءُ عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَضْلُهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ عِظَمُهُ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ.

[باب جامع في الصلاة]

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرُّبْعِ الثَّانِي فَقَالَ: [11 - بَابٌ جَامِعٌ] بِالتَّنْوِينِ وَيُرْوَى بِالْإِضَافَةِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ ذَكَرَ جَمِيعَ مَسَائِلِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنْ تَرَاجِمِ الْمُوَطَّأِ وَمَعْنَاهَا هَذَا بَابٌ أَذْكُرُ فِيهِ مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةً (فِي الصَّلَاةِ) وَاعْتُرِضَ عَلَى الشَّيْخِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ مَسَائِلَ لَيْسَتْ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ أَوْ لَا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ تَيَمَّمَ، أُجِيبَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَبِأَنَّهُ وَعَدَ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَبِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوُضُوءِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالصَّلَاةِ، وَابْتَدَأَ الْبَابَ بِمَسْأَلَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْمَاءِ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ الْمَرْأَةَ مِنْ اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ) شَيْئَانِ: الْأَوَّلُ (الدِّرْعُ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ (الْخَصِيفُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (السَّابِغُ) أَيْ الْكَامِلُ (الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا) وَلَمَّا كَانَ الدِّرْعُ لَفْظًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ دِرْعِ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ فَسَّرَهُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَهُوَ) أَيْ الدِّرْعُ (الْقَمِيصُ) وَهُوَ مَا يَسْلُكُ فِي الْعُنُقِ. (وَ) الشَّيْءُ الثَّانِي (الْخِمَارُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ ثَوْبٌ تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا تَسْدُلُهُ عَلَى خَدَّيْهَا، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاة] بَابٌ جَامِعٌ [قَوْلُهُ: بِالتَّنْوِينِ] أَيْ رُوِيَ بِتَنْوِينِ بَابٍ وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ، أَيْ بِإِضَافَةِ بَابٍ إلَى جَامِعٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ عَلَى نُسْخَةٍ فِي وَأَمَّا عَلَى إسْقَاطِهَا فَالتَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ سِيَّانِ فِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْبَابَ جَمَعَ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ إلَخْ. هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى نُسْخَةِ فِي فَلَا إيهَامَ قُرِئَ بِالتَّنْوِينِ أَوْ عَدَمِهِ وَعَلَى إسْقَاطِهِ فَالْإِيهَامُ مَوْجُودٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. [قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ بَابٌ جَامِعٌ إلَخْ أَيْ بِحَسَبِ الْأَغْلَبِ. [قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهُ وَعَدَ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ] أَيْ فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ. [قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوُضُوءِ إلَخْ] فَكَأَنَّهُ قَالَ بَابٌ جَامِعٌ فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَمَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُضُوءِ صَلَاةٌ حُكْمًا، وَهَذَا الْجَوَابُ جَارٍ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ. [قَوْلُهُ: وَابْتَدَأَ الْبَابَ بِمَسْأَلَةِ إلَخْ] أَيْ لِلْمُنَاسِبَةِ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ يُطْلَبُ حِينَ إرَادَةِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ تت وَكَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ تَقَدُّمِهَا فِي بَابِ طَهَارَةِ الْمَاءِ وَالثَّوْبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا كَرَّرَهَا لِزِيَادَةِ صِفَةِ الْخِمَارِ، أَوْ لِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهَا أَوْ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ وَلَا يُغَطِّي أَنْفَهُ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ إلَخْ] يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهَا لَوْ صَلَّتْ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهَا وَتُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ. [قَوْلُهُ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ رُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَى الْأُولَى الْكَثِيفُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْمَتِينُ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ السَّاتِرُ اهـ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ: " السَّابِغُ " تَفْسِيرًا لِلْخَصِيفِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سِتْرُهُ مِنْ حَيْثُ سُمْكِهِ فَتَتَّحِدُ النُّسْخَتَانِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَسْتُرُ ظُهُورَ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلسَّابِغِ وَقَوْلُهُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا بَلْ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ سَتْرِ بُطُونِ قَدَمَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَا إعَادَةَ عِنْدَ تَرْكِ سَتْرِ بَطْنِ الْقَدَمِ. [قَوْلُهُ: تَسْدُلُهُ عَلَى خَدَّيْهَا] قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا سَتْرُ بَعْضِ خَدَّيْهَا اهـ. أَقُولُ قَضِيَّةُ الشَّارِحِ أَنَّهَا تَسْتُرُ جَمِيعَ خَدَّيْهَا وَقَدْ عَلِمَتْ مَا قَالَهُ عج، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ يُنَافِي مَا سَيَأْتِي لَهُ مِنْ أَنَّهُ

(الْخَصِيفُ) وَاحْتُرِزَ بِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ الْخَفِيفِ النَّسْجِ الَّذِي يَشِفُّ، فَإِنْ صَلَّتْ بِهِ أَعَادَتْ أَبَدًا فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَسْتُرَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا وَشَعْرَهَا وَعُنُقَهَا وَدَلَالَيْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَعْنِي بَالِغًا، وَفِي رِوَايَةٍ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ عَلَيْهَا إزَارٌ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا» . (وَيُجْزِئُ الرَّجُلَ فِي الصَّلَاةِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ كَانَ كَثِيفًا سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ إلَّا عَوْرَتَهُ فَقَطْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يُغَطِّي) الْمُصَلِّي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (أَنْفُهُ أَوْ وَجْهَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يَضُمُّ ثِيَابَهُ أَوْ يَكْفِتُ) أَيْ يَضُمُّ (شَعْرَهُ) وَالنَّهْيُ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، أَمَّا تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ فَلِأَنَّهُ مِنْ التَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّجُلِ فَلِلْكِبْرِ إلَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ كَأَهْلِ مَسُوفَةٍ فَيُبَاحُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَهُمَا فَلِلتَّعَمُّقِ فِي الدِّينِ، وَأَمَّا ضَمُّ الثِّيَابِ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَوْنًا ثِيَابَهُ لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ تُرَابًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرْبًا مِنْ تَرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَمَا أَطْلَقَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ مِنْ جَوَازِ إظْهَارِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مِنْ سَتْرِ الْخَدَّيْنِ أَوْ بَعْضِهِمَا ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّتْ بِهِ] أَيْ بِالْخَفِيفِ الَّذِي يَشِفُّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَصِفُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ فَيُكْرَهُ وَتُعِيدُ فِي الْوَقْتِ، وَالرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَشِفُّ وَيَصِفُ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ بَشِيرٍ وَاعْتَرَضَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّافِّ الَّذِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِيهِ أَبَدًا هُوَ الشَّافُّ الَّذِي تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ دُونَ تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا الشَّافُّ الَّذِي لَا تَبْدُو الْعَوْرَةُ مِنْهُ إلَّا بِتَأَمُّلٍ فَهُوَ يُسَاوِي الَّذِي يَصِفُ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِسَاتِرِ الْبَطْنِ وَمَا حَاذَاهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِمَارُ يَشِفُّ بِحَيْثُ تَظْهَرُ مِنْهُ الرَّأْسُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُعِيدُ أَبَدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: ظُهُورَ قَدَمَيْهَا] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تُظْهِرَ وَجْهَهَا] وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ هُنَا غَيْرَ الْمُتَقَدِّمِ تَحْدِيدُهُ فِي الْوُضُوءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا سَتْرَ شَعْرِ رَأْسِهَا وَهَذَا يَشْمَلُ النَّابِتَ عَلَى الْجَبْهَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ احْتِيَاطًا. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] قَيَّدَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازًا عَنْ خَارِجِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي بَالِغًا] قَالَ الْمُنَاوِيُّ: شَارِحُ الْجَامِعِ وَخَصَّ الْحَيْضَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَبْلُغُ بِهِ الْإِنَاثُ لَا لِلِاحْتِرَازِ. [قَوْلُهُ: إزَارٌ] الْمُرَادُ بِهِ مَا يُجْعَلُ فِي وَسَطٍ وَيُرْخَى إلَى الْأَسْفَلِ بِقَرِينَةٍ، قَوْلُهُ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ كَثِيفًا] أَيْ لَا يَصِفُ الْعَوْرَةَ وَلَا يَشِفُّ وَإِلَّا كُرِهَ وَأَعَادَ فِي الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ إلَّا عَوْرَتَهُ فَقَطْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَثِيفًا سَاتِرًا لِجَمِيعِ جَسَدِهِ. [قَوْلُهُ: التَّعَمُّقِ] أَيْ التَّشْدِيدِ فِي الدِّينِ. [قَوْلُهُ: فَلِلْكِبْرِ] أَيْ لِمَظِنَّةِ الْكِبْرِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ لِلْكِبْرِ حَقِيقَةً فَهُوَ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: كَأَهْلِ مَسُوفَةَ] بَلَدٍ بِالْمَغْرِبِ. [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ] الْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَيَصْدُقُ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فِي الصَّلَاةِ، أَيْ فَيَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَمُضَمَّنُ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْأَنْفِ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِي الصَّلَاةِ وَمُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ لَهُمَا] أَيْ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي تَغْطِيَةِ الْأَنْفِ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ صَوْنًا إلَخْ] أَيْ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ إمَّا الصَّلَاةُ أَوْ الصَّوْنُ، أَيْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: ضَرْبًا] أَيْ نَوْعًا

[سجود السهو]

الْخُشُوعِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي صَنْعَةٍ أَوْ عَمَلٍ فَحَضَرَتْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَأَمَّا كَفْتُ الشَّعْرِ فَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ عِزَّةَ شَعْرِهِ أَنْ يُلَوِّثَهُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِشُغْلٍ فَلَا كَرَاهَةَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ. (وَكُلُّ سَهْوٍ) سَهَاهُ الْإِمَامُ أَوْ الْفَذُّ أَوْ الْمَأْمُومُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ أَوْ النَّافِلَةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (بِزِيَادَةٍ) يَسِيرَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ كَالتَّكَلُّمِ سَاهِيًا أَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (فَلْيَسْجُدْ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ (سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ) . وَقَيَّدْنَا الزِّيَادَةَ بِيَسِيرَةٍ احْتِرَازًا مِنْ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا مُبْطِلَةٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ نِسْيَانًا وَيَطُولُ، أَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِثْلَ أَنْ يَنْسَى أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ أَوْ يَخِيطُ ثَوْبَهُ، أَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالْكَثِيرُ مِنْهُ فِي الرَّبَاعِيَةِ مِثْلُهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ عَلَى مَا شَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَتْبُوعُهُ. وَفِي بُطْلَانِهَا بِنِصْفِهَا قَوْلَانِ فَقِيلَ: تَبْطُلُ وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ. وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. ع: وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ عَمَلٍ] عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةَ قَوْمٍ. [قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ] أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ آخِرًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى مُحْتَزِمًا أَوْ جَمَعَ شَعْرَهُ أَوْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاسَهُ أَوْ كَانَ فِي عَمَلٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَحْمِلُ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ كَانَ فِي عَمَلٍ إذَا كَانَ يَعُودُ إلَيْهِ ثَانِيًا، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعُودُ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى عُمُومِهَا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِلْمَعْنَى ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَفْتُ الشَّعْرِ] أَيْ فِي الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ عِزَّةَ شَعْرِهِ] أَيْ أَوْ قَصَدَ الصَّلَاةَ، أَيْ كَفَتْ شَعْرَهُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِشُغْلٍ] أَيْ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: فَلَا كَرَاهَةَ] أَيْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَرَاهَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِقَوْلِهِ وَالْأَفْضَلُ إلَخْ، وَتَبَيَّنَ مِنْ تَقْرِيرِنَا هَذَا أَنَّ ضَمَّ الثِّيَابِ مَعَ مَا بَعْدَهُ إنَّمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ لَا خَارِجِهَا بِخِلَافِ تَغْطِيَةِ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [سُجُود السَّهْو] [قَوْلُهُ: وَكُلُّ سَهْوٍ] هُوَ الذُّهُولُ عَنْ الشَّيْءِ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ النِّسْيَانِ. [قَوْلُهُ: أَوْ الْمَأْمُومُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ] وَهُوَ فِيمَا إذَا شَرَعَ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ النَّافِلَةِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلْمُخَالَفَةِ لِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي النَّافِلَةِ لَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ» اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّافِلَةَ كَالْفَرِيضَةِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَالسُّورَةُ تُغْتَفَرُ فِي النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ. الرَّابِعَةِ إذَا عَقَدَ ثَالِثَةً بِرَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِهَا كَمَّلَهَا رَابِعَةً فِي النَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ: الْخَامِسَةِ إذَا نَسِيَ رُكْنًا مِنْ النَّافِلَةِ وَطَالَ أَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُطْلَقًا أَوْ نَافِلَةٍ وَرَكَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا. [قَوْلُهُ: فَلْيَسْجُدْ لَهُ أَيْ لِلسَّهْوِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] وَفِي الطِّرَازِ وُجُوبُ الْبَعْدِيِّ قَالَهُ تت وَقَوْلُهُ سَجْدَتَيْنِ وَلَوْ تَكَرَّرَ سَهْوُهُ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ] أَيْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ فَلَا سُجُودَ فِي سَهْوِهَا كَمَا لَا يُبْطِلُ تَعَمُّدُهَا كَمَا لَوْ كَرَّرَ السُّورَةَ وَالتَّكْبِيرَ أَوْ زَادَ سُورَةً فِي أُخْرَيَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فَرْضًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ كَمَا لَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا وَلَوْ فِي رَكْعَةٍ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِتَعَمُّدِ تَكْرَارِهَا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. [قَوْلُهُ: فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ] وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ إنَّ جَمْعَهُمَا مُبْطِلٌ كَثُرَ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ كَثُرَ أَبْطَلَ وَإِلَّا فَلَا وَيُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ] أَيْ مُحَقَّقَاتٍ وَالْكَمَالُ هُنَا بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَائِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ هُنَا بِرَفْعِ الرَّأْسِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فِي ثَامِنَةٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ أَوْ سَابِعَةٍ فِي ثُلَاثِيَّةٍ أَوْ رَابِعَةٍ فِي ثُنَائِيَّةٍ أَبْطَلَ. [قَوْلُهُ: وَمَتْبُوعُهُ] أَيْ وَمَنْ تَبِعَ ابْنَ الْحَاجِبِ مِنْ الْأَشْيَاخِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَالْكَثِيرُ فِي الثَّانِيَةِ] أَيْ غَيْرِ السَّفَرِيَّةِ وَأَمَّا

وَاحِدَ أَشْهَرُ مِنْ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ الثَّانِي وَالْكَثِيرُ فِي الثُّنَائِيَّةِ مِثْلُهَا رَكْعَتَانِ وَلَا تَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْكَثِيرُ فِي الْمَغْرِبِ رَكْعَتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فَتَبْطُلُ بِزِيَادَتِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (يَتَشَهَّدُ لَهُمَا) أَيْ لِسَجْدَتَيْ السَّهْوِ الْبَعْدِيِّ أَنَّهُ لَا يُحْرِمُ لِلسُّجُودِ الْبَعْدِيِّ، وَالْمَشْهُورُ افْتِقَارُهُ إلَى الْإِحْرَامِ وَيَكْتَفِي بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ (وَ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ (يُسَلِّمُ مِنْهُمَا) أَيْ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ. (وَكُلُّ سَهْوٍ) فِي الصَّلَاةِ سَهَاهُ الْإِمَامُ أَوْ الْفَذُّ أَوْ الْمَأْمُومُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (بِنَقْصٍ) يَعْنِي بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ (فَلْيَسْجُدْ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ (قَبْلَ السَّلَامِ) وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا النَّقْصَ فِي كَلَامِهِ بِسُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ؛ لِأَنَّهُ سَيَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِنَقْصِ فَرْضٍ وَلَا سُنَّةٍ خَفِيفَةٍ وَلَا فَضِيلَةٍ، وَالسُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا ثَمَانِيَةٌ الْأُولَى: قِرَاءَةُ مَا زَادَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي الْفَرِيضَةِ فَيَسْجُدُ لِتَرْكِ ذَلِكَ فِيهَا لَا فِي النَّافِلَةِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ. الثَّانِيَةُ: الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَرِيضَةِ الْجَهْرِيَّةِ فَيَسْجُدُ لِتَرْكِهِ فِيهَا لَا فِي النَّافِلَةِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِالسِّرِّ بَدَلَهُ فِيهَا. الثَّالِثَةُ: الْإِسْرَارُ فِي مَحَلِّهِ. الرَّابِعَةُ: التَّكْبِيرُ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. الْخَامِسَةُ: قَوْلُ سَمِعَ اللَّهِ لِمَنْ حَمِدَهُ. السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ: التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ. وَالْجُلُوسُ لَهُ. الثَّامِنَةُ: التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَلَا يَسْجُدُ لِغَيْرِ هَذِهِ الثَّمَانِيَةِ. كَذَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ تَكْبِيرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّفَرِيَّةُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِأَرْبَعٍ، مِثَالُ الثُّنَائِيَّةِ الصُّبْحُ وَالْجُمُعَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا يُبْطِلُهَا إلَّا زِيَادَةُ أَرْبَعٍ، وَالْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِثْلِهَا وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، أَيْ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ زِيَادَةُ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: رَكْعَتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الثُّلَاثِيَّةَ كَالرُّبَاعِيَّةِ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِزِيَادَةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مُحَقَّقَاتٍ [قَوْلُهُ: يَتَشَهَّدُ لَهُمَا] أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ وَيَكُونُ كَتَشَهُّدِ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ افْتِقَارُهُ إلَى الْإِحْرَامِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ عَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى الْإِحْرَامِ وَالْإِحْرَامُ هُوَ النِّيَّةُ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ قَالَ بَهْرَامٌ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْإِحْرَامِ فَهَلْ يُحْرِمُ قَائِمًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَوْ جَالِسًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ شَبْلُونٍ نَقَلَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، اهـ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَيَكْتَفِي بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ] أَيْ فَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ هِيَ تَكْبِيرَةُ الْهَوِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ مِنْهُمَا] جَهْرًا وَجَهْرُهُ سُنَّةٌ كَالْفَرِيضَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْبَعْدِيَّ مُحْتَوٍ عَلَى سُجُودٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ، أَمَّا التَّشَهُّدُ فَهُوَ سُنَّةٌ وَالسَّلَامُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فَلَا يَبْطُلُ السُّجُودُ بِتَرْكِهِ، وَالتَّكْبِيرُ يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ تَرَكَ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ الْإِحْرَامُ، أَيْ التَّكْبِيرَ وَالتَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ وَأَتَى بِنِيَّتِهِ، أَيْ السُّجُودِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَحِيحٌ كَالْبَعْضِ قَالَ الشَّيْخُ بَلْ وَلَوْ تَرَكَ الْبَعْدِيَّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَسْجُدْ] أَيْ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَلَوْ كَثُرَتْ السُّنَنُ الْمَتْرُوكَةُ وَحُكْمُهُ السُّنِّيَّةُ وَقِيلَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ إنْ كَانَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ فَوَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ اثْنَتَيْنِ فَسُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: بِنَقْصِ سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ] وَمَثَلًا السَّنَتَانِ الْخَفِيفَتَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ مُحَقَّقًا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ. [قَوْلُهُ: الْإِسْرَارُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ جَهْرًا فِي مَحَلِّ السِّرِّ سَهْوًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ السَّلَامِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: الرَّابِعَةُ التَّكْبِيرُ] هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ كُلَّهُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ تَكْبِيرَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: الْخَامِسَةُ قَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ] يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ] فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى سُنَّتَيْنِ ذَاتُهُ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ سُنَّةٌ أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَالْجُلُوسُ لَهُ] أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْجُلُوسِ تَرْكُ التَّشَهُّدِ، فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا قُلْت يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا فِعْلٌ كَثِيرٌ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: الثَّامِنَةُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ] اُنْظُرْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ

وَاحِدَةٍ وَنَحْوِ قَوْلِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَتَرَكَ تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ شَيْخُنَا وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا تَرَكَ لَفْظَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ الْجُلُوسَ لَهُ وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهُ بِجُلُوسِهِ لَسَجَدَ، وَالسُّجُودُ الَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ إنَّمَا يَكُونُ (إذَا تَمَّ تَشَهُّدُهُ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرَغَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ (يَتَشَهَّدُ) عَلَى الْمَشْهُورِ ثَانِيًا (وَيُسَلِّمُ) وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ السَّلَامِ أَنْ يَعْقُبَ تَشَهُّدًا (وَقِيلَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الْجُلُوسِ الْوَاحِدِ لَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ التَّشَهُّدُ مَرَّتَيْنِ (وَمَنْ نَقَصَ) فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (وَ) مَعَ ذَلِكَ (زَادَ) فِيهَا شَيْئًا يَسِيرًا مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (سَجَدَ) لَهُ (قَبْلَ السَّلَامِ) أَيْضًا مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ لَهُ وَيَزِيدَ سَجْدَةً، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلنَّقْصِ فَقَطْ أَوْ لَهُ مَعَ الزِّيَادَةِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَيَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ فَقَطْ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مُطْلَقًا. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَهُ مُطْلَقًا، وَدَلِيلُنَا عَلَى الزِّيَادَةِ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيت إلَى أَنْ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ مَا بَقِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ] لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ عج فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: يَتَشَهَّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ ثَانِيًا] أَيْ عَلَى طَرِيقٍ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَتْنِ وَأَشْعَرَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يُعِيدُهُ اسْتِنَانًا فَلَوْ تَرَكَ إعَادَتَهُ وَلَوْ عَمْدًا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ تَشَهُّدِهِ لِلْفَرِيضَةِ وَاكْتَفَى بِتَشَهُّدِ الْفَرِيضَةِ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ بِالْأَوْلَى مِنْ تَرْكِ إعَادَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى تَكْبِيرِ هَوِيٍّ مَعَ نِيَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَعْدِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ] لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْمُؤَكَّدَةِ بَلْ مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ وَلَوْ خَفِيفَةً فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ لَهُ] لَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ بَلْ وَلَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَطْ بَلْ وَلَوْ سُنَّةً خَفِيفَةً كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ تِسْعٌ: نَقْصٌ مُحَقَّقٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ، نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ مُحَقَّقَانِ أَوْ مَشْكُوكَانِ أَوْ تَحَقَّقَ النَّقْصُ، وَشَكَّ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ تَيْقَنَّ الْمُوجِبَ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هُوَ زِيَادَةٌ أَوْ نَقْصٌ، فَهَذِهِ صُوَرٌ سَبْعَةٌ يَسْجُدُ فِيهَا قَبْلَ السَّلَامِ زِيَادَةٌ فَقَطْ مُحَقَّقَةٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهَا بَعْدَ السَّلَامِ. [قَوْلُهُ: فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ] اسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ الْقَافُ وَهُوَ شَامِيٌّ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وَقِيلَ: اسْمُهُ عُمَيْرٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُوَ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الَّذِي هُوَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ السُّيُوطِيّ: فِي حَوَاشِي الْمُوَطَّأِ وَذُو الْيَدَيْنِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُدَّةً وَحَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلُقِّبَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَقِيلَ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ. جَمِيعًا اهـ. [قَوْلُهُ: أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ] بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ وَبِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ وَقَوْلُهُ أَمْ نَسِيت إلَخْ حَصْرٌ فِي الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إمَّا مِنْ اللَّهِ وَهُوَ الْقَصْرُ أَوْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ النِّسْيَانُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ قَالَ] تَمَامُ الْحَدِيثِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ عَقِبَ أَمْ نَسِيت «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَقَالَ قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَمَّ» ، وَقَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، أَيْ لَمْ يَقَعْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا فِي ظَنِّي بَلْ ظَنِّي أَنِّي أَكْمَلْت الصَّلَاةَ أَرْبَعًا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ فَنَفَى الْأَمْرَيْنِ.

الصَّلَاةِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ جَالِسٌ» ، وَدَلِيلُ النَّقْصِ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ» . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: ثُمَّ غُلِّبَ النُّقْصَانُ عَلَى الزِّيَادَةِ إذَا اجْتَمَعَا. (وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ) سُجُودَ السَّهْوِ الْبَعْدِيَّ الَّذِي يَفْعَلُهُ (بَعْدَ السَّلَامِ) ثُمَّ تَذَكَّرَهُ (فَلْيَسْجُدْ مَتَى مَا ذَكَرَهُ وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ) أَيْ مَا بَيْنَ تَذَكُّرِهِ وَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْجُدَ وَإِنْ بَعْدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إنْ تَرَتَّبَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ وَالْمَذْهَبُ عَلَى مَا قَالَ التَّادَلِيُّ يَرْجِعُ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ اخْتِصَاصُ الرُّجُوعِ بِالْقَبْلِيِّ دُونَ الْبَعْدِيِّ. (وَإِنْ كَانَ) سُجُودُ السَّهْوِ الَّذِي نَسِيَهُ قَبْلِيًّا أَيْ يُفْعَلُ (قَبْلَ السَّلَامِ سَجَدَ) إذَا تَذَكَّرَهُ (إنْ كَانَ) تَذَكُّرُهُ لَهُ (قَرِيبًا) مِنْ انْصِرَافِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقُرْبُ غَيْرُ مَحْدُودٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى الْعُرْفِ وَكَذَلِكَ الطُّولُ فَمَا يُقَالُ قَرِيبٌ فَهُوَ قَرِيبٌ وَمَا يُقَالُ بَعِيدٌ فَهُوَ بَعِيدٌ (وَ) أَمَّا (إنْ بَعُدَ) تَذَكُّرُهُ لَهُ (ابْتَدَأَ) بِمَعْنَى أَعَادَ (صَلَاتَهُ) وُجُوبًا لِبُطْلَانِهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: فُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ، وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ وَأَنَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّ التَّسْلِيمَ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ بَعْدَهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ، وَأَنَّ الْكَلَامَ لِإِصْلَاحِهَا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ] لَا مَفْهُومَ لِلنِّسْيَانِ وَمِثْلُهُ التَّرْكُ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ شَهْرٍ] لَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَعْدِيَّ تَرْغِيمٌ] بِخِلَافِ الْقَبْلِيِّ فَإِنَّهُ جَابِرٌ لِنَقْصِ الصَّلَاةِ، فَلِذَا طُلِبَ وُقُوعُهُ فِيهَا أَوْ عَقِبَهَا بِالْقُرْبِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ فِي وَقْتِ نَهْيٍ] وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْقَبَلِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ، وَتَابِعٍ لَهَا وَإِنْ كَانَ كَلَامُنَا فِي الْبَعْدِيِّ، وَكَذَا الْبَعْدِيُّ حَيْثُ كَانَ مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، وَأَمَّا لَوْ تَذَكَّرَهُ مِنْ صَلَاةٍ غَيْرِ مَفْرُوضَةٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ يُؤَخَّرُ لِحِلِّ النَّافِلَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَامِعِ] أَيْ إلَى الْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ. [قَوْلُهُ: التَّادَلِيُّ] بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ نِسْبَةً إلَى تَادَلَةَ مَحَلَّةٌ بِالْمَغْرِبِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَيْضًا ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ اعْلَمْ أَنَّ السُّجُودَ الْقِبْلِيَّ لَا بُدَّ أَنْ يُفْعَلَ فِي الْجَامِعِ الَّذِي أُدِّيَتْ فِيهِ الْجُمُعَةُ كَمَا لَوْ فَاتَتْهُ بِرَكْعَةٍ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ، وَقَامَ لِقَضَائِهَا فَنَسِيَ السُّورَةَ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَطُلْ الْأَمْرُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. وَأَمَّا الْبَعْدِيُّ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا أَوْ زَادَ رَكْعَةً سَهْوًا وَنَسِيَ السُّجُودَ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِي أَيِّ جَامِعٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ اخْتِصَاصُ الرُّجُوعِ، أَيْ الرُّجُوعِ إلَى الْجَامِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ، أَيْ لِأَنَّهُ قَالَ وَبِالْجَامِعِ فِي الْجُمُعَةِ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ فِي السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْمَتْنِ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ فَرْضٍ فَيَذْكُرُهُ فِي فَرْضٍ أَوْ مِنْ فَرْضٍ فَيَذْكُرُهُ فِي نَفْلٍ أَوْ مِنْ نَفْلٍ فَيَذْكُرُهُ فِي نَفْلٍ أَوْ مِنْ نَفْلٍ فَيَذْكُرُهُ فِي فَرْضٍ، وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُتِمُّ مَا هُوَ فِيهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالْقُرْبُ غَيْرُ مَحْدُودٍ عَلَى الْمَذْهَبِ] أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَشْهَبَ. [قَوْلُهُ: ابْتَدَأَ بِمَعْنَى أَعَادَ صَلَاتَهُ] هَذَا حَيْثُ كَانَ مُتَرَتِّبًا عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ. قَالَ تت كَالتَّحْقِيقِ كَنِسْيَانِ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ أَوْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتٍ أَوْ تَحْمِيدَاتٍ وَهَذَا إنْ كَانَ تَرْكُهُ عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا لَبَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ هَكَذَا قَالَ عج وَقَالَ السَّنْهُورِيُّ: لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالطُّولِ وَلَوْ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا، وَأَقُولُ لَعَلَّ الْأَوْجُهَ كَلَامُ السَّنْهُورِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْقَبَلِيِّ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ عَمْدًا. قَالَهُ الشَّيْخُ وَقَدْ يَبْحَثُ فِي

السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ تَرَتَّبَ (مِنْ نَقْصِ شَيْءٍ خَفِيفٍ كَالسُّورَةِ) الَّتِي تُقْرَأُ (مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَوْ التَّكْبِيرَتَيْنِ أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ وَشَبَهِ ذَلِكَ) كَتَحْمِيدَتَيْنِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ، وَفِي الْجَلَّابِ يَسْجُدُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ فِي تَرْكِ السُّورَةِ أَوْ تَرْكِ التَّشَهُّدَيْنِ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَكُلُّ سَهْوٍ بِنَقْصٍ إلَى آخِرِهِ صَادِقًا بِنَقْصِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِغَيْرِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَسُنَّةٍ غَيْرِ مُؤَكَّدَةٍ وَفَضِيلَةٍ وَبَدَأَ بِالْفَرِيضَةِ فَقَالَ: (وَلَا يُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ لِنَقْصِ رَكْعَةٍ وَلَا) لِنَقْصِ (سَجْدَةٍ وَلَا لِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا وَكَذَلِكَ فِي تَرْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِ الشَّيْخِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّأْخِيرِ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْكٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: كَالسُّورَةِ] أَيْ أَنَّهَا سُنَّتَانِ خَفِيفَتَانِ ذَاتُهَا وَكَوْنُهَا سِرًّا أَوْ جَهْرًا أَيْ فَيَسْجُدُ لَهُمَا وَلَكِنْ إذَا تَرَكَ حَتَّى طَالَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهَذَا إذَا أَتَى بِالْقِيَامِ لَهَا وَإِلَّا فَتَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سُنَنٍ، وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْقِيَامِ لَهَا وَرُجِّحَ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَكَلَامُ الْجُزُولِيِّ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَيْثُ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ قَالَهُ عج، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالسُّورَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَوْ قَالَ بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ لَكَانَ أَوْضَحَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ مَتْرُوكَةٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَدْفُوعًا بِأَنَّ مَوْضُوعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي نُقْصَانِ شَيْءٍ خَفِيفٍ وَمِنْ حُسْنِ سَبْكِ هَذَا الشَّارِحِ تَقْدِيرُهُ قَبْلَ مَعَ الَّتِي تُقْرَأُ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى كَالسُّورَةِ الْمَتْرُوكَةِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ التَّشَهُّدَيْنِ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَوَّاقِ وَحِينَئِذٍ. فَمَنْ تَرَكَ تَشَهُّدًا وَاحِدًا مَعَ الْجُلُوسِ لَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ لِتَرْكِهِ السُّجُودَ الْمُتَرَتِّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ الْجُلُوسِ وَمُطْلَقِ التَّشَهُّدِ وَخُصُوصِ اللَّفْظِ، فَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَ تَشَهُّدَيْنِ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مَنْدُوبٌ، وَأَنَّهُ تَرَكَ التَّشَهُّدَيْنِ وَأَتَى بِالْجُلُوسِ لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَيْسَ سُجُودُهُ إلَّا عَنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ، فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُرُورٌ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ فَتَدَبَّرْ، وَاعْتَرَضَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَائِلًا: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْسَى التَّشَهُّدَيْنِ وَيَكُونُ السُّجُودُ لَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ سَهْوُهُ عَنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إلَّا بِالسَّلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا قَبْلَهُ ظَرْفٌ لِلتَّشَهُّدِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُتَصَوَّرُ فِي الرَّاعِفِ الْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَيُدْرِكُ الثَّانِيَةَ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِتَشَهُّدَيْنِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لِإِمَامِهِ غَيْرِ تَشَهُّدِ السَّلَامِ، فَإِذَا تَرَكَ هَذَيْنِ التَّشَهُّدَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَقِيَّةُ مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ] أَيْ مَعَ الطُّولِ إذْ هُوَ مَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السُّنَّتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ يَسْجُدُ لَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَفِي الْجَلَّابِ إلَخْ] هَذَا كَلَامٌ نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي طَلَبِ أَصْلِ السُّجُودِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا إذَا خُوطِبَ بِالسُّجُودِ وَتَرْكُهُ حَتَّى طَالَ الْأَمْرُ، فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالسُّجُودِ بَعْدُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ عَنْ سُنَّتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ سُجُودُ السَّهْوِ لِنَقْصِ رَكْعَةٍ إلَخْ] أَيْ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ تَيَقَّنَ تَرْكُهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ حَالِ تَشَهُّدِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَكَيْفِيَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَانِيًا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ. وَيَسْجُدُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ لِانْقِلَابِ رَكَعَاتِهِ حَيْثُ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ إحْدَى الْأُولَيَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ الْإِتْيَانِ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَمَحُّضِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَقَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ سَلَّمَ. [قَوْلُهُ: وَلَا لِنَقْصِ سَجْدَةٍ] أَيْ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ رَفْعٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ ذَلِكَ فِي حَالِ قِيَامِهِ مَثَلًا أَوْ تَشَهُّدِهِ قَبْلَ سَلَامِهِ تَحَقَّقَ نَقْصُهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَلَافِيهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ فَيَشْمَلُ الظَّنَّ وَالشَّكَّ وَالْوَهْمَ هَذَا فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي النَّقْصِ فِيهَا كَتَحَقُّقِهِ فِي وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِبَدَلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ حَيْثُ لَا اسْتِنْكَاحَ بِخِلَافِ السُّنَنِ، فَلَا يَسْجُدُ لِنَقْصِهَا إلَّا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّقْصِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ عَلَى

الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ) لَوْ قَالَ: لِنَقْصِ فَرِيضَةٍ أَوْ رُكْنٍ لَكَانَ أَخَصْرَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْجَبْرِ بِالسُّجُودِ لِنَقْصِ رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْجَبْرِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي أُمَّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْجَبْرِ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ ج: هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْبُطْلَانِ. وَقَالَ ك: فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي نِصْفِ الصَّلَاةِ كَرَكْعَةٍ مِنْ الثُّنَائِيَّةِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَشْهَرُهَا: أَنَّهُ يَتَمَادَى وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ. ثَانِيهَا: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَتُجْزِئُهُ. ثَالِثُهَا: يُلْغِي مَا تَرَكَ فِيهِ الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِمِثْلِهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. وَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ تَرْكِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا أَوْ فِي نِصْفِهَا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَرْكِهَا فِي أَقَلِّ الصَّلَاةِ فَقَالَ: (وَاخْتُلِفَ فِي السَّهْوِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ الصُّبْحِ كَرَكْعَةٍ مِنْ الثُّلَاثِيَّةِ أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ كُلِّهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (فَقِيلَ يُجْزِئُ فِيهِ) أَيْ فِي السَّهْوِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِ الصُّبْحِ (سُجُودُ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ) وَلَا يُلْغِيهَا وَتُجْزِئُهُ، وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُلِّ (وَقِيلَ يُلْغِيهَا) أَيْ الرَّكْعَةَ الَّتِي مِنْهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ (وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ) بَدَلهَا وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ الْقَاسِمِ، هَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَصَحَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ (وَقِيلَ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ) بَدَلهَا (وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ تَمَامَ الْأُولَى وَاجِبٌ، وَأَنَّ إعَادَةَ الثَّانِيَةِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَحَبًّا (وَهَذَا) الْقَوْلُ الثَّالِثُ (أَحْسَنُ ذَلِكَ) أَيْ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأُ لِلذِّمَّةِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) . تَنْبِيهَانِ: مِنْ ك الْأَوَّلُ: لَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَ مَا إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مِنْ أَكْثَرِ الصَّلَاةِ كَثَلَاثٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَرَكْعَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّوَاءِ لَا عِنْدَ تَوَهُّمِهِ، وَقُلْنَا قَبْلَ سَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي السُّجُودِ قَبْلُ. [قَوْلُهُ: هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مُؤْثَرٌ فِي الْبُطْلَانِ] أَيْ التَّرْكِ فِيهِ نَقْصٌ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ نَاجِي وَنَصُّهُ، وَأَمَّا تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا أَوْ ثَلَاثٍ، فَإِنَّهُ مُؤْثَرٌ فِي الْبُطْلَانِ انْتَهَى وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ نَاجِي بُطْلَانُ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِبَدَلِ مَا تَرَكَ فِيهِ الْقِرَاءَةَ وَهُوَ لَا يُتِمُّ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُلْغِي مَا تَرَكَ فِيهِ الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِبَدَلِهِ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: أَشْهَرُهَا أَنَّهُ يَتَمَادَى] أَيْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا جُمْلَةً، أَوْ فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ أَوْ تَجِبُ فِي النِّصْفِ [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ] أَيْ احْتِيَاطًا أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا يُلْغِي إلَخْ] وَهُوَ الْجَارِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُلِّ] أَوْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا أَوْ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي رَكْعَةٍ أَوْ النِّصْفِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُلْغِيهَا] أَيْ الرَّكْعَةَ إلَخْ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ لِفَوَاتِ تَدَارُكِهَا وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ حَيْثُ جَلَسَ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ بِحَيْثُ قَرَأَ فِيهِمَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَإِلَّا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِزِيَادَةِ الرَّكْعَةِ الْمُلْغَاةِ وَنَقْصِ الْجُلُوسِ وَالسُّورَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ الَّتِي ظَنَّهَا ثَالِثَةً. [قَوْلُهُ: وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا] قَالَ عج: وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِالْإِعَادَةِ افْتَرَقَتْ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبْرَأُ لِلذِّمَّةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ أَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَعْلِيلًا لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ عج وَتُعَلَّلُ الْأَحْسَنِيَّةُ بِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فَسُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَعَدَمُ بُطْلَانِهَا رَعْيٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْجُلِّ مَثَلًا، وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ رَعْيٌ لِلْقَوْلِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] قَالَ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ أَحْسَنَ الرِّوَايَاتِ عِنْدَهُ إمَّا لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِمَا قَالَهُ مِنْ الْأَحْسَنِيَّةِ أَوْ لِلتَّبَرُّكِ.

مِنْ الْمَغْرِبِ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ احْتِيَاطًا. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ كُلِّهِ فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إذَا فَاتَ مَوْضِعُ الْإِتْيَانِ بِهَا، أَمَّا إذَا لَمْ يَفُتْ بِأَنْ تَذَكَّرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَ أَنْ قَرَأَ السُّورَةَ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَفِي إعَادَةِ السُّورَةِ قَوْلَانِ اسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ الْإِعَادَةَ. سَحْنُونٌ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا سُجُودَ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا لَا يَسْجُدُ لَهُ مِنْ نَقْصِ سُنَّةٍ خَفِيفَةٍ وَنَقْصِ فَضِيلَةٍ فَقَالَ: (وَمَنْ سَهَا عَنْ تَكْبِيرَةٍ) سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (أَوْ عَنْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَرَّةً) وَاحِدَةً (أَوْ) عَنْ (الْقُنُوتِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ) الْأَوَّلَانِ سُنَّتَانِ وَالثَّالِثُ فَضِيلَةٌ، أَمَّا تَرْكُ السُّجُودِ عَنْ التَّكْبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَسْجُدُ لَهَا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرْكِ السُّجُودِ لِتَرْكِ التَّحْمِيدَةِ الْوَاحِدَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَرْكِ السُّجُودِ لِلْقُنُوتِ فَقَالَ ك: إنْ سَجَدَ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ التَّكْبِيرَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِتَرْكِ أَحَدِهِمَا، لَمْ نَعْلَمْ مَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا انْتَهَى. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَدْ نَصَّ فِيهِ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ سَجَدَ لَهُمَا. (وَمَنْ انْصَرَفَ) أَيْ خَرَجَ (مِنْ الصَّلَاةِ) بِسَلَامٍ سَهْوًا مَعَ اعْتِقَادِ الْإِتْمَامِ (ثُمَّ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهَا (ذَكَرَ) أَيْ تَذَكَّرَ يَقِينًا أَوْ شَكَّ (أَنَّهُ بَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَشْهُورُهُمَا أَنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ احْتِيَاطًا] أَيْ نَدْبًا وَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِهِ عَنْ ك هُنَا وَفِيمَا مَرَّ أَنَّ تَرْكَ الْجُلِّ وَالنِّصْفِ لَا يُبْطِلُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَأَنَّ تَرْكَ الْجَمِيعِ يُبْطِلُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لِتَرْكِ الْأَقَلِّ بِقَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي السَّهْوِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ وَفِيمَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُصَنِّفُ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَقَلِّ كَالنِّصْفِ، أَوْ الْجُلِّ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَلَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيُعِيدُ احْتِيَاطًا، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ رَجَّحَ الْبُطْلَانَ فِيمَا إذَا تَرَكَهَا فِي نِصْفِ صَلَاتِهِ فَيَكُونُ أَوْلَى فِيمَا إذَا تَرَكَهَا فِي الْجُلِّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ تَقْتَضِي قُوَّةَ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا فَاتَ مَوْضِعُ الْإِتْيَانِ بِهَا] أَيْ بِأَنْ انْحَنَى هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ تَفُتْ بِأَنْ تَذَكَّرَ وَهُوَ قَائِمٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَقْدَ الرَّكْعَةِ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ لَا بِالِانْحِنَاءِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ، فَالْمُنَاسِبُ الْمُعْتَمَدُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا إذَا لَمْ يَفُتْ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِقِرَاءَتِهَا أَيْ الْفَاتِحَةِ. [قَوْلُهُ: اسْتَحْسَنَ اللَّخْمِيُّ الْإِعَادَةَ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، أَيْ إمَّا لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُنَّةً أَوْ لِكَوْنِ السُّنَّةِ لَا تَحْصُلُ إلَّا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَيْ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَاتِ لَا يَرَى ذَلِكَ، بَلْ يَرَى أَنَّ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِقِرَاءَتِهَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ، وَأَمَّا هُوَ فَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ. [قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ] أَيْ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ أَيْ إعَادَةِ السُّورَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ] أَيْ فَلَا يَرَى تَرَتُّبَ السُّجُودِ عَلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْقَوْلِيَّةِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقِرَاءَةِ لَا يُسْجَدُ لَهَا بِدَلِيلٍ لَوْ قَرَأَ سُورَتَيْنِ اهـ. أَيْ أَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَعَلَيْهِ فَإِنْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ سَجَدَ عَلَى مَذْهَبِهِ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ كَمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَرَكَ السُّجُودَ خَلْفَهُ. [قَوْلُهُ: لِتَرْكِ التَّحْمِيدَةِ] الْمُرَادُ بِهَا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَتَسْمِيَتُهَا تَحْمِيدَةً أَيْ ثَنَاءً تَجَوُّزٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتَضَمَّنُهُ. [قَوْلُهُ: لَمْ نَعْلَمْ مَنْ يَقُولُ] ضَعِيفٌ فَقَوْلُ الشَّارِحِ اُنْظُرْ إلَخْ وَاضِحٌ، إذْ الْمَنْقُولُ كَمَا أَفَادَهُ عج أَنَّهُ إنْ سَجَدَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: بِسَلَامٍ سَهْوًا إلَخْ] الْمُرَادُ سَهَا عَنْ كَوْنِهَا نَاقِصَةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَوْقَعَ السَّلَامَ عَمْدًا، وَأَمَّا إنْ سَلَّمَ سَاهِيًا عَنْ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِالسَّلَامِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ فَيَتَدَارَكُ مَا تَرَكَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ]

عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فِيهَا كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ (فَلْيَرْجِعْ) يَعْنِي يَنْوِي الرُّجُوعَ (إنْ كَانَ) تَذَكَّرَ (بِقُرْبِ ذَلِكَ) الِانْصِرَافِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا (فَ) إذَا رَجَعَ (يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ) يَعْنِي يَنْوِي الرُّجُوعَ (بِهَا) إلَى الصَّلَاةِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ قَرُبَ جِدًّا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَحَيْثُ قُلْنَا يَرْجِعُ بِإِحْرَامٍ فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ جَالِسٌ أَحْرَمَ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ وَلَا يُطْلَبُ بِقِيَامٍ، وَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ قَائِمٌ فَفِي إحْرَامِهِ وَهُوَ قَائِمٌ قَوْلَانِ، وَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ وَرَجَعَ بِنِيَّةٍ فَقَطْ فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُصَنِّفِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا (يُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ) مِنْ صَلَاتِهِ، إذَا سَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةً، أَمَّا إنْ سَلَّمَ عَالِمًا بِأَنْ صَلَاتَهُ لَمْ تَتِمَّ أَوْ شَكَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ] وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ السَّلَامُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ فَلَوْ دَخَلَ لَكَانَ تَكْرَارًا. [قَوْلُهُ: فِيهَا] مُتَعَلِّقٌ بِالْمَفْرُوضَةِ. [قَوْلُهُ: كَالرُّكُوعِ إلَخْ] مِثْلُ ذَلِكَ الْجُلُوسِ بِقَدْرِ السَّلَامِ فَإِذَا سَلَّمَ سَاهِيًا فِي حَالِ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ بِقَدْرِ السَّلَامِ وَيُسَلِّمُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي يَنْوِي الرُّجُوعَ] أَيْ لِلصَّلَاةِ أَيْ يَنْوِي تَكْمِيلَهَا ثُمَّ أَقُولُ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ ذَلِكَ، أَيْ حَذْفُ قَوْلِهِ يَعْنِي يَنْوِي الرُّجُوعَ، وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ يُكَبِّرُ إلَخْ. تَفْسِيرًا لِلرُّجُوعِ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا، إذْ عَلَى حِلِّهِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ يُحْرِمُ بِهَا. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ تَذَكُّرُهُ بِقُرْبِ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ طَالَ الْأَمْرُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَابْتَدَأَهَا مِنْ أَوَّلِهَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ تت ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُصَلِّي بِمَكَانِهِ فَوْرًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى بِمَكَانٍ آخَرَ بَطَلَتْ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ ذَكَرَهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا] سَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا رَجَعَ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا نَوَى الرُّجُوعَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حِلِّهِ، أَيْ فَإِذَا نَوَى تَكْمِيلَ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَإِذَا كَمَّلَ. [قَوْلُهُ: وَيُحْرِمُ إلَخْ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ عَلَى قَضِيَّةِ حِلِّهِ. [قَوْلُهُ: بِهَا] أَيْ مَعَهَا أَيْ يَنْوِي الرُّجُوعَ مُصَاحِبًا لِتَكْبِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَرُبَ جِدًّا لَا يُحْرِمُ وَجَعَلَهُ ج ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّيْخِ. لِقَوْلِهِ ثُمَّ وَالْخِلَافُ فِي التَّكْبِيرِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ مَعَ الْقُرْبِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَكَرَ وَهُوَ جَالِسٌ إلَخْ] هَذَا حَيْثُ فَارَقَ الصَّلَاةَ مِنْ مَحَلِّ الْجُلُوسِ، وَأَمَّا إنْ فَارَقَهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ كَأَنْ انْصَرَفَ بَعْدَمَا صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ وَلَا يَجْلِسُ فِيمَا يَظْهَرُ قِيَاسًا عَلَى مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُطْلَبُ بِقِيَامٍ] أَيْ لِلْإِحْرَامِ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى حَالَتِهِ، أَيْ مِنْ عَدَمِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ. [قَوْلُهُ: فَفِي إحْرَامِهِ وَهُوَ قَائِمٌ قَوْلَانِ] حَاصِلُهُ أَنَّ بَعْضَهُمْ وَهُمْ الْقُدَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ ذَهَبَ إلَى أَنْ يُحْرِمَ مِنْ قِيَامٍ لِأَجْلِ الْفَوْرِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَجْلِسُ عَقِبَيْهِ ثُمَّ يَنْهَضُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ وَهُوَ ابْنُ شَبْلُونٍ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ؛ لِأَنَّهُ الْحَالَةُ الَّتِي فَارَقَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضٌ أَنَّ حُكْمَ الْجُلُوسِ الْمَذْكُورِ الْوُجُوبِ فَلَوْ أَحْرَمَ مِنْ قِيَامٍ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ يُحْرِمُ قَائِمًا وَلَا يُكَبِّرُ لِذَلِكَ الْجُلُوسِ وَإِنَّمَا يَجْلِسُ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَإِذَا جَلَسَ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَقُومُ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ مَنْ فَارَقَ الصَّلَاةَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَجْلِسُ لِلْإِحْرَامِ، إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا إنْ سَلَّمَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى حَالِ رَفْعِهِ مِنْ السُّجُودِ وَيُحْرِمُ، وَلَا يَجْلِسُ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْضِعًا لِجُلُوسِهِ، وَيَنْدُبُ لَهُ رَفْعُ يَدَيْهِ حِينَ يُحْرِمُ. [قَوْلُهُ: فَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُصَنِّفِ] أَيْ الَّذِي هُوَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَنَقَلَهُ تت. عَنْ الْمُصَنِّفِ قُلْت وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ التَّكْبِيرِ الْوُجُوبُ. [قَوْلُهُ: يُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ] أَيْ وَبَطَلَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي نَقَصَ مِنْهَا رُكُوعًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ مَانِعٌ مِنْ جَبْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ] الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ أَيْ سَوَاءٌ ظَهَرَ الْكَمَالُ أَوْ النُّقْصَانُ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ، أَيْ وَأَمَّا

فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ فَذًّا أَوْ كَانَ إمَامًا وَوَافَقَهُ الْمَأْمُومُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا خَالَفُوا فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةٌ مَثَلًا رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ خِلَافَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ، فَإِنْ تَيَقَّنَّ خِلَافَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَثُرَ الْمُخْبِرُونَ لَهُ جِدًّا رَجَعَ إلَيْهِمْ وَلَوْ تَيَقَّنَ خِلَافَ مَا أَخْبَرُوهُ بِهِ، وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسْتَنْكِحُ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِتْمَامِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْضًا إلَخْ] أَيْ كَمَا قَيَّدْنَاهُ بِقَوْلِنَا إذَا سَلَّمَ عَلَى يَقِينٍ فَلْيُقَيَّدْ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا. [قَوْلُهُ: وَوَافَقَهُ الْمَأْمُومُونَ إلَخْ] أَيْ عَلَى أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ، فَإِذَا خَالَفُوهُ فَأَخْبَرُوهُ بِالتَّمَامِ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفُوهُ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ نَقْصٌ لَا يُنَاسِبُ وَسَكَتَ عَنْ الْفَذِّ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ نَفْسِهِ، أَيْ حَالِ نَفْسِهِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَيَقَّنَ صِدْقَهُمَا أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَيْضًا وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، حَيْثُ صَدَّقَهُ أَوْ شَكَّ كَمَا إذَا حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ هُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ وَهَذَا فَفِي غَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ وَكَذَا يَرْجِعُ لِخَبَرِ الْعَدْلَيْنِ إذَا أَخْبَرَاهُ بِنَقْصٍ وَهُوَ مُسْتَنْكِحٍ شَأْنُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَيَتْبَعَ قَوْلَهُمَا وَيَبْنِيَ عَلَى الْأَقَلِّ، فَإِنْ تَيَقَّنَ خِلَافَ مَا أَخْبَرَاهُ بِهِ، أَيْ تَيَقَّنَ الْإِتْمَامَ فَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِمَا وَلَكِنْ إذَا سَلَّمَ بِإِتْيَانٍ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا أَفْذَاذًا أَوْ بِإِمَامٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَثُرَ الْمُخَبِّرُونَ لَهُ] أَيْ جِدًّا بِحَيْثُ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ كَانَ مُسْتَنْكِحًا أَمْ لَا، كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ أَوْ كَانَ قَبْلُ وَسَكَتَ عَمَّا إذَا أَخْبَرَاهُ بِالتَّمَامِ، وَحُكْمُهُ إذَا أَخْبَرَاهُ بِالتَّمَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَنْكِحٍ وَكَانَا عَدْلَيْنِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْكَمَالِ الَّذِي أَخْبَرَاهُ بِهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُمَا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ، أَمَّا إنْ تَيَقَّنَ كَذِبَهُمَا رَجَعَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا وَلَا لِأَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا جِدًّا بِحَيْثُ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، فَيَتْرُكُ نَفْسَهُ وَيَرْجِعُ لَهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُ مِنْ التَّمَامِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَثُرُوا جِدًّا لَا يُشْتَرَطُ عَدَالَةٌ وَلَا أَنْ يَكُونُوا مَأْمُومِينَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] بِتَقْرِيرِ بَهْرَامَ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ الْعَدْلُ بِالتَّمَامِ لَا بِالنُّقْصَانِ الَّذِي كَلَامُ الشَّارِحِ فِيهِ كَمَا يَتَبَيَّنُ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَجْتَزِي بِالْعَمَلِ الْوَاحِدِ إذَا أَخْبَرَاهُ بِالتَّمَامِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَنَرْجِعُ إلَى أَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ فَنَقُولُ قَدْ عَرَفْت مَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ وَأَمَّا إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَخِيرَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ رُكُوعًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ رُكُوعًا أَتَى بِهِ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ رَفْعًا أَتَى بِهِ مُحْدَوْدِبًا، وَسَجْدَةً أَتَى بِهَا مِنْ جُلُوسٍ وَاثْنَتَيْنِ أَتَى بِهِمَا مِنْ قِيَامٍ، فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مِنْ جُلُوسٍ سَهْوًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِ الِانْحِطَاطِ لَهُمَا فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ زَرُّوقٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَرَّرْنَا فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ الْأَخِيرَةِ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ احْدِيدَابٍ مَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الَّتِي تَلِي رَكْعَةَ النَّقْصِ. فَإِذَا عَقَدَهَا فَقَدْ فَاتَتْ وَقَامَتْ الَّتِي عَقَدَهَا مَقَامَهَا حَيْثُ كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا وَالْعَقْدُ بِرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْفَرْضِ الْمَتْرُوكِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَ تَدَارُكُهُ، وَأَمَّا النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَلَا يُتَدَارَكَانِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا نَسِيَا لَمْ تُوجَدْ صَلَاةٌ، فَإِذَا سَهَا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا، الثَّانِي النَّقْصُ الْمَشْكُوكُ كَالْمُحَقَّقِ وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ، هَذَا فِي الْفَرَائِضِ حَيْثُ لَا اسْتِنْكَاحَ بِخِلَافِ السُّنَنِ فَلَا يَسْجُدُ لِنَقْصِهَا، إلَّا عِنْدَ تَيَقُّنِ النَّقْصِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ لَا عِنْدَ التَّوَهُّمِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ التَّذَكُّرَ] وَهُوَ مَحْدُودٌ بِالْعُرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ،

التَّذَكُّرُ عَنْ الِانْصِرَافِ (أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ) لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ السَّلَامَ) أَنَّ فِيهِ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فَيَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا وَهُوَ جَالِسٌ وَيَتَشَهَّدُ، وَيَأْتِي بِالسَّلَامِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَإِنْ تَبَاعَدَ ذَلِكَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ابْتَدَأَ صَلَاتَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَحَلُّهُ إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ قَامَ مِنْ مَحَلِّهِ، أَمَّا إنْ تَذَكَّرَ بِالْقُرْبِ وَهُوَ جَالِسٌ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ سَلَّمَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا اسْتَقْبَلَهَا وَسَلَّمَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ. (وَمَنْ لَمْ يَدْرِ مَا صَلَّى أَثَلَاثَ رَكَعَاتٍ أَمْ أَرْبَعًا) يَعْنِي وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) الَّتِي هِيَ الثَّالِثَةُ (وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ) وَهِيَ الرَّابِعَةُ فَقَوْلُهُ: (وَأَتَى بِرَابِعَةٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ (وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةٍ: يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» . تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ: قَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُسْتَنْكِحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ. وَإِنَّمَا عَلَيْهِ السُّجُودُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. (الثَّانِي) : رُوِيَ قَوْلُهُ أَمْ أَرْبَعًا بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ. (وَمَنْ) كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا وَ (تَكَلَّمَ) فِي صَلَاتِهِ كَلَامًا يَسِيرًا (سَاهِيًا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ) لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إذْ هُوَ مَعْذُورٌ فَيَنْجَبِرُ سَهْوُهُ بِالسُّجُودِ، وَقَيَّدْنَا بِالْإِمَامِ وَالْفَذِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَأْمُومِ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَمَا تَقَدَّمَ يَحْمِلُ سَهْوَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فَرِيضَةً، وَبِالْيَسِيرِ احْتِرَازًا مِنْ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ، وَاحْتُرِزَ بِالسَّاهِي مِنْ الْعَامِدِ وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى مَثَلًا فَإِنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَةٌ. (وَمَنْ لَمْ يَدْرِ أَسَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ) وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ وَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ عِنْدَ أَشْهَبَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَشْهَبَ وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا وَصَلَّى قُرْبَ بَابِهِ فَإِنْ صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَالْبُعْدُ عِنْدَهُ أَنْ يُصَلِّ الْمُصَلِّي بَعْدَ انْصِرَافِهِ إلَى مَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهِ لِمَنْ يَكُونُ فِي مَحَلِّ مَا صَلَّى، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّحْدِيدُ لِلْقُرْبِ وَالْبَعْدِ بِالْعُرْفِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ [قَوْلُهُ: فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يُحْرِمُ بِهَا] هَذَا إذَا فَارَقَ مَوْضِعَهُ كَمَا سَنَقُولُ، أَيْ أَوْ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا. [قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ] أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ] وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ بِقُرْبِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ انْحَرَفَ عَنْهَا] أَيْ مَعَ الْقُرْبِ وَالْمُرَادُ انْحِرَافٌ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، لَا إنْ انْحَرَفَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ جَامِعِ عَمْرٍو فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ وَقَوْلُهُ اسْتَقْبَلَهَا إلَخْ، أَيْ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَلَا تَشَهُّدٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ قَدْ ظَهَرَتْ مِنْ الشَّارِحِ مَعَ مَا زِدْنَاهُ. [قَوْلُهُ: بَنِي عَلَى الْيَقِينِ] أَيْ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ. [قَوْلُهُ: وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ] أَيْ فِي تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ. [قَوْلُهُ: تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا شَكَّ فِيهِ] أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ الَّذِي هُوَ الثَّالِثَةُ وَصَلَّى مَا شَكَّ فِيهِ الَّتِي هِيَ الرَّابِعَةُ، ثُمَّ قَالَ وَأَتَى بِرَابِعَةٍ فَهِيَ رَابِعَةٌ فِي اللَّفْظِ خَامِسَةٌ فِي الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ إلَخْ] يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ سَلَامَةَ الْأُولَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ قَوْلُهُ] أَيْ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ] التَّقْدِيرُ أَمْ الَّذِي صَلَّاهُ أَرْبَعٌ [وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا] أَيْ عَنْ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ عَنْ كَوْنِهِ مُتَكَلِّمًا بِهِ. [وَاحْتُرِزَ بِالسَّاهِي مِنْ الْعَامِدِ] أَيْ إلَّا مَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ فِي نَفْسِهِ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ] الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى تَرْكِ الرُّكْنِ الْفِعْلِيِّ أَنَّ مَا يَتْرُكُ مِنْهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَيُؤْتَى بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكَلَامِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ وَنِسْيَانِهِ أَنَّ النَّاسِيَ لَا شُعُورَ عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ لِإِنْقَاذِ أَعْمَى] وَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِإِجَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ

بِقُرْبِ تَشَهُّدِهِ (سَلَّمَ وَلَا سُجُودَ) سَهْوٍ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَلَّمَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَالسَّلَامُ الثَّانِي وَاقِعٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا وَجْهَ لِلسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ فَقَدْ سَلَّمَ الْآنَ وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لَهُ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِقَوْلِنَا: وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ قَرِيبًا، وَلَكِنْ تَحَوَّلَ مِنْ مَقَامِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرَةٍ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ زَادَ، وَبِقَوْلِنَا وَكَانَ بِقُرْبِ تَشَهُّدِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا طَالَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ. (وَمَنْ اسْتَنْكَحَهُ) أَيْ دَاخَلَهُ (الشَّكُّ فِي السَّهْوِ) فِي الصَّلَاةِ (فَلْيَلْهَ عَنْهُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ لَا غَيْرُ بِمَعْنَى يُضْرِبُ عَنْهُ لَا يُعَوِّلُ عَلَى مَا يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ إيجَابًا؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةٍ مِنْ الشَّيْطَانِ فَدَوَاؤُهُ الْإِلْهَاءُ فَإِذَا قَالَ لَهُ مَثَلًا: مَا صَلَّيْت إلَّا ثَلَاثًا فَيَقُولُ لَهُ: مَا صَلَّيْت إلَّا أَرْبَعًا، وَإِنَّ صَلَاتِي صَحِيحَةٌ. وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنَّ الْمُوَسْوِسَ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرَيْهِ وَهُوَ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ سَلِيمُ الذِّهْنِ وَفِيمَا بَعْدَهُ شَبِيهٌ بِغَيْرِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُرَجِّحُهُ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ وَيَقُولُ بِهِ وَيُوَجِّهُهُ بِأَنَّ الْمُسْتَنْكِحَ وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يَنْضَبِطُ لَهُ الْخَاطِرُ الْأَوَّلُ مِمَّا بَعْدَهُ وَالْوُجُودُ يَشْهَدُ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ فَلْيَلْهَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْإِصْلَاحِ هُوَ الْإِلْهَاءُ (وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ) اسْتِحْبَابًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ. ثُمَّ فَسَّرَ مَنْ اسْتَنْكَحَهُ الشَّكُّ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ الَّذِي يَكْثُرُ ذَلِكَ) الشَّكِّ (مِنْهُ يَشُكُّ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ سَهَا وَنَقَصَ) وَفِي رِوَايَةٍ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ أَيْ سَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ. ع: وَكَثْرَتُهُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ أَوْ فِي كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إنْ شَكَّ فِيهِ فَلَا يُجِيبُهُ فَإِنْ أَجَابَ بَطَلَتْ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَوْنُهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْظَرَهُ؟ وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْمَى لَكَانَ أَفْضَلَ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ وَالْمُصْحَفِ وَالْمَالِ وَالدَّابَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَقَامِهِ] أَيْ وَلَمْ يَنْحَرِفْ. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ تَحَوَّلَ إلَخْ] وَمِثْلُهُ لَوْ طَالَ طُولًا مُتَوَسِّطًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِتَكْبِيرٍ فَلَوْ لَمْ يَتَحَوَّلْ إلَّا أَنَّهُ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَلْهَ عَنْهُ] الْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لَهَا كَعَلِمَ وَخَشِيَ وَلَمَّا دَخَلَ الْجَازِمُ حُذِفَ أَلِفُهُ وَبَقِيَتْ الْفَتْحَةُ دَلِيلًا عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: إيجَابًا] أَيْ وُجُوبًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا يُفِيدُهُ عج، وَقِيلَ نَدْبًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلَوْ بَنَى الْمُسْتَنْكِحُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَمْ يَلْهُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَمْدًا كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمُسْتَنْكِحِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ، فَإِذَا أَصْلَحَ فَعَلَ الْأَصْلَ [قَوْلُهُ: مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ] عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ إنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَى الزِّيَادَةِ أَقْرَبُ] أَيْ؛ لِأَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا؟ يَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَمْسًا [قَوْلُهُ: يَشُكُّ كَثِيرًا] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يَكْثُرُ ذَلِكَ مِنْهُ، أَيْ وَذَلِكَ بِأَنْ يَشُكَّ، وَقَوْلُهُ كَثِيرًا أَيْ زَمَنًا كَثِيرًا. [قَوْلُهُ: سَهَا وَنَقَصَ] أَيْ سَهَا فَنَقَصَ أَيْ هَلْ نَقَصَتْ مِنْ صَلَاتِي مَا صَلَّيْت إلَّا ثَلَاثًا. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ سَهَا زَادَ أَوْ نَقَصَ] صُورَتَانِ الْأُولَى يَشُكُّ هَلْ صَلَّيْت أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، وَالثَّانِيَةُ يَشُكُّ هَلْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَلْيَلْهَ عَنْهُ وَلَا إصْلَاحَ عَلَيْهِ لَا يُعْقَلُ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ سَهَا بِنَقْصٍ لَا إنْ كَانَ سَهَا بِزِيَادَةٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْإِلْهَاءَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْجُدُ اسْتِنَانًا، فَلَا يُنَافِي أَنْ يَسْجُدَ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ الشَّكُّ فِي الْوَسَائِلِ كَالْوُضُوءِ لِلشَّكِّ فِي الْمَقَاصِدِ كَالصَّلَاةِ، بَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ تُفْرَدُ عَلَى حِدَتِهَا، فَإِذَا كَانَ شَكَّ يَوْمًا فِي الْوُضُوءِ مَثَلًا وَيَوْمًا فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَنْكِحًا قَالَ عج وَظَهَر لِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ مَا جَرَى فِي مَسْأَلَةِ السَّلَسِ، فَإِذَا زَادَ مِنْ إتْيَانِهِ عَلَى

صَلَاةٍ أَوْ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ إلَّا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُوقِنُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ يَشُكُّ وَكَذَا قَوْلُهُ (فَلْيَسْجُدْ بَعْدَ السَّلَامِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ السَّلَامِ. وَقَوْلُهُ (فَقَطْ) إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ الْإِصْلَاحُ. (وَإِذَا أَيْقَنَ) الْمُصَلِّي (بِالسَّهْوِ) ق: يُرِيدُ عَنْ سَجْدَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (سَجَدَ بَعْدَ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ) أَيْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِمَا نَقَصَهُ. وَقَالَ ع: وَصُورَتُهُ إذَا ذَكَرَ مَا أَفْسَدَ لَهُ رَكْعَةً فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَيَسْجُدُ بَعْدَمَا صَلَّاهَا. وَهَلْ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ فَنَقُولُ: يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ مِنْ الْأُولَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَالزِّيَادَةُ الرَّكْعَةُ الْمُلْغَاةُ وَالْجُلُوسُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَالنُّقْصَانُ تَرْكُ السُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِهَا بِالْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا الزِّيَادَةُ خَاصَّةً فَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ انْتَهَى. (وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ) السَّهْوُ (مِنْهُ فَهُوَ يَعْتَرِيهِ) أَيْ يُصِيبُهُ (كَثِيرًا) مِثْلَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ السَّهْوَ أَبَدًا عَنْ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ أَوْ تَكُونَ عَادَتُهُ نِسْيَانَ السُّجُودِ (أَصْلَحَ صَلَاتَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِسَهْوِهِ) سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا أَوْ بَعْدِيًّا لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ. (وَمَنْ قَامَ) يُرِيدُ تَزَحْزَحَ لِلْقِيَامِ (مِنْ اثْنَتَيْنِ) مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ (رَجَعَ) اتِّفَاقًا (مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَمَنِ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَيَا فَهُوَ مُسْتَنْكِحٌ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُرَادُ بِزَمَنِ إتْيَانِهِ الْيَوْمُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ وَلَوْ مَرَّةً، فَإِذَا أَتَاهُ يَوْمًا وَانْقَطَعَ يَوْمًا وَهَكَذَا، أَوْ أَتَاهُ يَوْمَيْنِ وَيَنْقَطِعُ الثَّالِثَ وَهَكَذَا كَانَ مُسْتَنْكِحًا، وَأَمَّا لَوْ أَتَاهُ يَوْمَيْنِ وَانْقَطَعَ ثَلَاثَةً فَلَيْسَ بِمُسْتَنْكِحٍ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ عَنْ سَجْدَةٍ] أَيْ لَا أَنَّهُ سَهَا بِزِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ أَوْ رَكْعَةٍ أَرَادَ بِهَا الرُّكُوعَ. [قَوْلُهُ: إذَا ذَكَرَ مَا أَفْسَدَ لَهُ رَكْعَةً] أَيْ بِأَنْ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا وَتَذَكَّرَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ الرَّكْعَةُ] أَيْ الَّتِي سَهَا فِيهَا عَنْ سَجْدَةٍ أَوْ رُكُوعٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْأُولَتَيْنِ] أَيْ إحْدَى الْأُولَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَالنُّقْصَانَ] أَيْ؛ لِأَنَّ الثَّالِثَةَ انْقَلَبَتْ ثَانِيَةً. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِهَا بِالْبِنَاءِ] أَيْ إنَّمَا يَأْتِي بِالرَّكْعَةِ مُلْتَبِسَةً بِالْبِنَاءِ، أَيْ بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ، [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَخِيرَتَيْنِ] أَيْ مِنْ إحْدَى الْأَخِيرَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ يَعْتَرِيهِ كَثِيرًا] الْفَاءُ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ فِيهِ تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهَا، فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ الْعَطْفِ فَلَوْ حَذَفَ ذَلِكَ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْهُ لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ] مُحَصِّلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مِمَّنْ شَرَحَ خَلِيلًا أَنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ الْأَرْضَ وَلَوْ اسْتَقَلَّ، وَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَهُ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَقِلْ، وَبَعْضُهُمْ أَبْقَى الْقَاعِدَةَ عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّهُ حَيْثُ اسْتَنْكَحَهُ السَّهْوُ عَنْ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ حَتَّى فَارَقَ فَلَا يُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَا بُطْلَانَ. [قَوْلُهُ: أَوْ تَكُونُ عَادَتُهُ نِسْيَانَ السُّجُودِ] اعْلَمْ أَنَّ إصْلَاحَ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَفُوتَ مَحَلُّ التَّدَارُكِ، الثَّانِي أَنْ لَا يَفُوتَ، مِثَالُ الْأَوَّلِ: مَنْ عَادَتِهِ السَّهْوُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ الثَّالِثَةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فِي الْأَوَّلِ وَلَا يَسْجُدُ، وَتَنْقَلِبُ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فِي الثَّانِي وَلَا يَسْجُدُ عَلَى مَا يَظْهَرُ وَمِثَالُ الثَّانِي: مَا إذَا تَذَكَّرَ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ أَنْ يَعْقِدَ الثَّالِثَةَ، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ يَدْخُلَانِ فِي قَوْلِهِ أَصْلَحَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ سَوَاءٌ كَانَ السُّجُودُ قَبْلِيًّا نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا فَاتَ مَحَلُّ التَّدَارُكِ، وَقَوْلُهُ أَوْ بَعْدِيًّا نَاظِرٌ لِلثَّانِي، أَيْ وَهُوَ مَا إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ عَقْدِ الثَّالِثَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَجَدَ لِسَهْوِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكَانَ سُجُودُهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ إنْ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَمْ لَا مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَسْجُدُ كَذَا نَظَرَ عج الظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ تَزَحْزَحَ لِلْقِيَامِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّمَا قُلْنَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ تَزَحْزَحَ وَلَمْ نَبْقَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِئَلَّا يُنَاقِضَ قَوْلَهُ بَعْدُ وَرَجَعَ إلَخْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ انْتَهَى [قَوْلُهُ: مِنْ اثْنَتَيْنِ] أَيْ تَارِكًا لِلْجُلُوسِ وَمِنْ لَازِمِهِ تَرْكُ التَّشَهُّدِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ جَلَسَ وَقَامَ نَاسِيًا لِلتَّشَهُّدِ فَلَا يَرْجِعُ لَهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ، فَإِنْ

وَرُكْبَتَيْهِ) ق: وَأَحْرَى إذَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ إلَّا بِيَدَيْهِ فَقَطْ أَوْ بِرُكْبَتَيْهِ خَاصَّةً أَنْ يَرْجِعَ ثُمَّ يَتَشَهَّدَ وَيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْقِيَامِ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سُنَنٍ عَامِدًا وَإِنْ تَمَادَى نَاسِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ. (فَإِذَا فَارَقَهَا) أَيْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ (تَمَادَى وَلَمْ يَرْجِعْ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ) هَذَا صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ، الْأُولَى: أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدِلْ قَائِمًا ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَمَا فَارَقَ الْأَرْضَ. وَالثَّانِيَةِ: أَنْ يُفَارِقَ الْأَرْضَ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَ لَكِنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِتَحْقِيقِ الزِّيَادَةِ. وَفِي الثَّانِيَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْجُلُوسِ عَامِدًا فَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورِ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ يَسْجُدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجَعَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْد نُهُوضِهِ لِلْقِيَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَمَا لَا تَبْطُلُ إذَا رَجَعَ لِلْجُلُوسِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاحِدِ. [قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ] احْتِرَازٌ مِنْ النَّافِلَةِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ اسْتَقَلَّ قَائِمًا مَا لَمْ يَعْقِدْ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، فَإِذَا عَقَدَهَا تَمَادَى وَأَتَى بِرَابِعَةٍ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ. وَفِي سُجُودِهِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَوْلَانِ، فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ زَادَ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ نَقَصَ السَّلَامَ قَالَ: يَسْجُدُ قَبْلَهُ قَالَهُ ع، وَاقْتَصَرَ خَلِيلٌ عَلَى الثَّانِي فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فَإِنْ عَقَدَهَا تَمَادَى هَذَا فِي غَيْرِ النَّفْلِ الْمَحْدُودِ، وَأَمَّا الْمَحْدُودِ كَالْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ فَإِنَّهُ لَا يُكْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا أَرْبَعًا عِنْدَ عَقْدِ الثَّالِثَةِ مِنْهَا نِسْيَانًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا تَبْطُلُ بِزِيَادَةِ مِثْلِهَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ حَدَّهُ بِاثْنَتَيْنِ فَفِعْلُهُ أَرْبَعًا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَانْظُرْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكُسُوفَ يَبْطُلُ بِزِيَادَةِ مِثْلِهِ، هَلْ الْمُرَادُ مِثْلُهُ فِي الصِّفَةِ وَالْعَدَدِ أَوْ فِي الْعَدَدِ فَقَطْ؟ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَأَتَى بِرَابِعَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ اسْتَقَلَّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ، فَإِنْ صَلَّى النَّافِلَةَ أَرْبَعًا وَقَامَ لِخَامِسَةٍ سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَقَدَهَا أَوْ لَا وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِنَقْصِهِ السَّلَامَ فِي مَحَلِّهِ وَالزِّيَادَةُ وَاضِحَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ [قَوْلُهُ: رَجَعَ اتِّفَاقًا] قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الرُّجُوعِ السُّنِّيَّةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ تَعَمُّدَ تَرْكِ الْجُلُوسِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَعَلَى مُقَابِلِهِ الْوُجُوبُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُفَارِقْ الْأَرْضَ بِيَدَيْهِ] صَادِقٌ بِسَبْعِ صُوَرٍ فَارَقَ بِيَدَيْهِ دُونَ رُكْبَتَيْهِ أَوْ بِرُكْبَتَيْهِ دُونَ يَدَيْهِ أَوْ بِيَدٍ وَرُكْبَتَيْهِ أَوْ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَةٍ أَوْ بِيَدٍ وَرُكْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رُكْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَوْلُ وَأَحْرَى إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا أَحْرَوِيَّةَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُصَنَّفِ [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ عَمْدًا فَحُكْمُ الرُّجُوعِ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالسُّنَّةُ عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَمَادِي نَاسِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ] فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ وَطَالَ زَمَنُ التَّرْكِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْقِبْلَةِ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ، الْجُلُوسِ وَمُطْلَقِ التَّشَهُّدِ وَخُصُوصِ اللَّفْظِ بِنَاءً عَلَى سُنِّيَّتِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: وَإِنْ تَمَادَى جَاهِلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَامِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: تَمَادَى وَلَمْ يَرْجِعْ] وَهَلْ وُجُوبًا فَالرُّجُوعُ حَرَامٌ وَرُبَّمَا يَقْتَضِيهِ نَقْلُ الْمَوَّاقِ أَوْ يُكْرَهُ كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ فِي الْأُولَى] أَيْ وَيَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ مُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ: يَرْجِعُ وَقِيلَ: إنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ رَجَعَ إلَخْ] أَيْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: لِتَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ] أَيْ زِيَادَةِ الْقِيَامِ. [قَوْلُهُ: فَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ الصِّحَّةُ] وَالْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ يَسْجُدُ إلَخْ] وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِذَا رَجَعَ فَلَا يَنْهَضُ حَتَّى يَتَشَهَّدَ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مُعْتَدٌّ بِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَنْقَلِبُ سُجُودُهُ الْقَبْلِيُّ بَعْدِيًّا، فَلَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ عَمْدًا بَعْدَ رُجُوعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ. وَلَعَلَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِهَا بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ خِلَافًا لِأَشْهَبَ كَذَا فِي

[نسي صلاة أو أكثر ثم تذكرها]

بَعْدِ السَّلَامِ لِتَحْقِيقِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ رَجَعَ جَاهِلًا فَفِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ يَتَمَادَى عَلَى صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ وَإِنْ رَجَعَ نَاسِيًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا. ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا، وَقَسَّمَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَهَا بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةً حَاضِرَةً لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا أَوْ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَوْ فِيهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً) نَسِيَهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى صَلَاةً وَقْتِيَّةً (صَلَّاهَا) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ عَنْهَا أَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَاقْتِصَارُهُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ الْمَنْسِيَّةِ وَاَلَّتِي نَامَ عَنْهَا مِنْ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي هُوَ التَّعَمُّدُ. ق: وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَاءِ الْمَنْسِيَّاتِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ قَضَاءِ الْمَنْسِيَّاتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا (مَتَى مَا ذَكَرَهَا) فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَضَاءَ الْفَوَائِتِ عَلَى الْفَوْرِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَّا لِعُذْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي نَقْلِ الْأَكْثَرِ، وَإِذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْمَنْسِيَّةِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا. (عَلَى نَحْوِ مَا فَاتَتْهُ) مِنْ إعْدَادِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهَيْئَاتِهَا مِنْ إسْرَارٍ وَجَهْرٍ، وَإِنْ نَسِيَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ أَيْضًا بِرُجُوعِهِ وَلَوْ قَرَأَ إلَّا أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ وَنَظَرَ عج فِي الْقِرَاءَةِ فَقَالَ. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِتَمَامِهَا هَلْ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ أَوْ هِيَ وَالسُّورَةُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ اجْتِمَاعِ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ، فَقَدْ تَكُونُ قِرَاءَةُ الرَّكْعَةِ الَّتِي تَلِي التَّشَهُّدَ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةُ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُقْرَأُ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ اثْنَتَيْنِ اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ عج فَرَضَهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ سُورَةٌ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، فَإِنْ قُلْت: لَمْ لَمْ يَرْجِعْ لِلسُّورَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الرُّكُوعِ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الرُّكُوعَ مُتَّفَقٌ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِخِلَافِ قِيَامِهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ لِلْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا بِكُلِّ رَكْعَةٍ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ كَمَا تَقَدَّمَ. [نَسِيَ صَلَاةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا] [قَوْلُهُ: مِنْ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: اعْلَمْ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا، فَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا فَالْقَضَاءُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا فَكَذَلِكَ عَلَى مَعْرُوفِ الْمَذْهَبِ اهـ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُ شَارِحِنَا مِنْ التَّنْبِيهِ إلَخْ، بَلْ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْمُتَعَمَّدَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْتَلُ صَرَّحَ بِهِ تت، فَمُفَادُهُ أَنَّ الِاسْتِتَابَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَتْلِ وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَعَمِّدِ، وَمَا كَانَ يَصِحُّ كَلَامُهُ إلَّا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُولُ: بِأَنَّ النَّاسِيَ لَا يُطْلَبُ بِالْقَضَاءِ. [قَوْلُهُ: فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ] أَيْ حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكُهَا أَوْ ظَنَّهُ، وَأَمَّا الْمَشْكُوكُ فِي تَرْكِهَا وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَلَكِنْ يَتَوَقَّى الْفَاعِلُ أَوْقَاتَ النَّهْيِ وُجُوبًا فِي نَهْيِ الْحُرْمَةِ وَنَدْبًا فِي نَهْيِ الْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا الْوَهْمُ وَالتَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ فَلَا يَجِبُ بِهِمَا قَضَاءٌ وَلَا يَنْدُبُ كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ، وَلَا يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ نَقْصَ الْفَرَائِضِ الْمَوْهُومِ، كَالْمُحَقَّقِ فَأَوْلَى الْفَرْضُ الْكَامِلُ الْمَوْهُومُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَرْضِ الْمُحَقَّقُ الْخِطَابُ بِهِ، وَمَا هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خِطَابٌ. [قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَّا لِعُذْرٍ] أَيْ لِحَوَائِجِهِ قَالَهُ عج وَالْمُرَادُ بِحَوَائِجِهِ الْحَوَائِجُ الضَّرُورِيَّةُ، وَهِيَ مَا يَحْصُلُ فِيهَا مَعَاشُهُ، وَمَعَاشُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي نَقْلِ الْأَكْثَرِ] أَيْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ قَدْرُ الطَّاقَةِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ وَقْتُ الْمَنْسِيَّةِ بِمُضَيَّقٍ بِحَيْثُ لَا يُؤَخِّرُهَا وَلَا سَاعَةً لِقَوْلِهِمْ، إنْ ذَكَرَهَا إمَامٌ تَمَادَى وَإِنَّمَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِهَا خَوْفًا مِنْ مُعَاجَلَةِ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ إعْدَادِ الرُّكُوعِ إلَخْ] قَالَ عج ظَاهِرُ الشَّاذِلِيِّ أَنَّ التَّطْوِيلَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ،

سَفَرِيَّةً قَضَاهَا سَفَرِيَّةً، وَإِنْ نَسِيَهَا حَضَرِيَّةً قَضَاهَا حَضَرِيَّةً. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَقْنُتُ إنْ كَانَ صُبْحًا وَيُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا أَوْ مَأْمُومًا (أَعَادَ مَا) أَيْ الصَّلَاةَ الَّتِي (كَانَ) فَعَلَهَا (فِي وَقْتِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَذَكَرَهُ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ وَهَذِهِ الْإِعَادَةِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هُنَا الضَّرُورِيُّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ: (مِمَّا صَلَّى) بَيَانٌ لِمَا وَالضَّمِيرُ فِي (بَعْدِهَا) عَائِدٌ عَلَى الْمَنْسِيَّةِ، أَيْ أَعَادَ الْحَاضِرَةَ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ الْمَنْسِيَّةَ مِثَالُهُ أَنْ يَنْسَى الْمَغْرِبَ مِنْ أَمْسِهِ مَثَلًا فَيَذْكُرَهُ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ غَدِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَيُعِيدُ الصُّبْحَ وَلَا يُعِيدُ الْعِشَاءَ لِفَوَاتِ وَقْتِهَا إنْ ذَكَرَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَلَا يُعِيدُ شَيْئًا أَصْلًا. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ) وَسَيَأْتِي حَدُّهَا سَوَاءٌ نَسِيَهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا (صَلَّاهَا) أَيْ قَضَاهَا (فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الصَّلَوَاتِ الْيَسِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ هَاهُنَا عَلَى الْكَثِيرَةِ وَكَرَّرَ قَوْلَهُ: وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ إشَارَةً لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا صُبْحَ يَوْمِهِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ، وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَقَوْلُهُ: (وَكَيْفَمَا تَيَسَّرَ لَهُ) إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ الْمَشَقَّةِ فِي قَضَائِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَإِنَّمَا يَقْضِي بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُ مَعَ شُغْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لِلْقَضَاءِ وَلَا تَارِكٍ شُغْلَهُ لِذَلِكَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الصَّلَوَاتُ الَّتِي عَلَيْهِ (يَسِيرَةً أَقَلَّ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) وَهِيَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ (بَدَأَ بِهِنَّ) أَيْ قَدَّمَهُنَّ عَلَى الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ (وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ) يَعْنِي وَإِنْ خَافَ الَّذِي عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّحْمِيدَ عَقِبَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُطْلَبُ التَّطْوِيلُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَاهِيَّتِهَا فَأَحْرَى مَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْ الْقَضَاءِ بِنَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا إنَّمَا يَجْرِي فِيمَا إذَا بَقِيَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى كَلَامُهُ بِنَوْعِ تَغْيِيرٍ قَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ نَسِيَهَا سَفَرِيَّةً إلَخْ] وَإِذَا اخْتَلَفَ وَقْتُ الْفَوَاتِ وَوَقْتُ الْقَضَاءِ بِالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْقَضَاءِ وَانْظُرْ إذَا فَاتَتْ فِي الصِّحَّةِ وَكَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ مَرِيضًا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى النِّيَّةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ، فَهَلْ يَقْضِيهَا بِالنِّيَّةِ وَالطَّرْفِ أَوْ لَا يَقْضِي، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، وَإِذَا كَفَى هَذَا فِي الْأَدَاءِ فَيَكْفِي فِي الْقَضَاءِ بِالْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَضَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَذَكَّرَهَا] أَيْ وَهِيَ الْيَسِيرُ مِنْ الْفَوَائِتِ خَمْسٌ أَوْ أَرْبَعٌ، وَأَمَّا لَوْ صَلَّى حَاضِرَةً ثُمَّ ذَكَرَ فَائِتَةً كَثِيرَةً وَهِيَ سِتٌّ أَوْ خَمْسٌ، فَإِنَّ الْحَاضِرَةَ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا فَلَا يَتَأَتَّى إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ بَعْدَ قَضَائِهَا. [قَوْلُهُ: الَّتِي كَانَ فَعَلَهَا إلَخْ] فَمُفَادُهُ أَنَّ كَانَ نَاقِصَةٌ خَبَرُهَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ فَعَلَهَا وَأَقُولُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِجَوَازِ كَوْنِهَا تَامَّةً وَالْمَعْنَى أَعَادَ مَا ثَبَتَ وَحَصَلَ، وَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَ، أَيْ أَعَادَ مَا دَامَ الْوَقْتُ. وَقَوْلُهُ، أَيْ أَعَادَ الْحَاضِرَةَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ أَعَادَ إلَخْ لَا أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ الْمَنْسِيَّةَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ أَعَادَ إلَخْ، كَمَا قُرِّرَ بَلْ بِمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا كَائِنَةٌ بَعْدَهَا، أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهَا أَيْ الْمَنْسِيَّةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الِاخْتِيَارِيُّ [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ الصُّبْحَ] وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُعِيدُ إمَامًا فَفِي إعَادَةِ مَأْمُومِهِ صَلَاتَهُ خِلَافٌ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا إعَادَةَ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ الْقَضَاءُ الْخَالِي عَنْ الْمَشَقَّةِ. [قَوْلُهُ: مَعَ شُغْلِهِ] أَيْ الضَّرُورِيِّ أَيْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ مِنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ الْفُقَرَاءِ وَأَبَوَيْهِ الْفُقَرَاءِ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ دَرْسُ الْعِلْمِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَالتَّمْرِيضُ وَإِشْرَافُ الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: بَدَأَ بِهِنَّ إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا وَيَدْخُلُ فِي الْفَائِتَةِ الْيَسِيرَةِ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَوْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا مَا يَسَعُ الْأَخِيرَةَ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأُولَى، فَإِنْ خَالَفَ وَقَدَّمَ الْحَاضِرَةَ صَحَّتْ مَعَ الْإِثْمِ فِي الْعَمْدِ دُونَ النِّسْيَانِ

الْفَوَائِتُ فَوَاتَ وَقْتِ مَا هُوَ فِي وَقْتِهِ فَالضَّمِيرُ فِي وَقْتِهِ عَائِدٌ عَلَى مَا، وَهِيَ وَاقِعَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ عَائِدٌ عَلَى الْمُصَلِّي، وَمَا ذَكَرَهُ فِي حَدِّ الْيَسِيرِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَشُهِرَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْيَسِيرَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْحَاضِرَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ وَاجِبُ غَيْرِ شَرْطِ أَوْ وَاجِبُ شَرْطٍ؟ . الْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي رَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ سَنَدٍ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ بِأَنْ قَدَّمَ الْحَاضِرَ عَلَى الْفَائِتَةِ الْيَسِيرَةِ فَعَلَى الشَّرْطِيَّةِ يُعِيدُ الْحَاضِرَةَ أَبَدًا، وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُهَا مَا دَامَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ بَاقِيًا، فَفِي الظُّهْرَيْنِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْيَسِيرَةِ عَلَى الْحَاضِرَةِ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَاضِرَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ دَلِيلُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» فَذَلِكَ وَقْتُهَا، وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ الْيَسِيرَةِ مَعَ الْحَاضِرَةِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حُكْمَ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ الْكَثِيرَةِ مَعَ الْحَاضِرَةِ فَقَالَ: (وَإِنْ كَثُرَتْ) أَيْ الصَّلَوَاتُ الَّتِي عَلَيْهِ وَهِيَ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ خَمْسٌ فَمَا فَوْقُهَا، وَعَلَى مَا شَهَرَهُ الْمَازِرِيُّ سِتٌّ فَمَا فَوْقُ (بَدَأَ بِمَا يَخَافُ فَوَاتَ وَقْتِهِ) ق مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَنْسِيَّاتِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ حَبِيبٍ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَمَذْهَبُ ابْنُ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ اتَّسَعَ فَتَكُونُ الرِّسَالَةُ بِخِلَافِ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: (وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةً) يَعْنِي أَوْ صَلَوَاتٍ يَجِبُ تَرْتِيبُهَا مَعَ الْحَاضِرَةِ (فِي) حَالِ تَلَبُّسِهِ بِ (صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ (فَسَدَتْ هَذِهِ) أَيْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا (عَلَيْهِ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ أَوْ مُسْتَحَبًّا فَيَلْزَمُ التَّمَادِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْطَعُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ، وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ خِلَافٌ انْتَهَى. وَشَهَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ. (وَمَنْ ضَحِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَأْتِي هُنَا إعَادَةٌ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ سَنَدٍ] أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: فَفِي الظُّهْرَيْنِ إلَخْ] وَسَكَتَ عَنْ الصُّبْحِ وَحُكْمُهُ أَنْ يُعِيدَهُ لِلطُّلُوعِ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعِيدُ وَلَوْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ أَيْ الْمُدْرِكِ فِيهِ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا فَأَكْثَرَ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا إلَخْ] الْحَدِيثَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا إلَخْ، وَقَوْلُهُ: فَذَلِكَ وَقْتُهَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ خِلَافًا لِمَا يَتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ، أَقُولُ: لَا يَخْفَى ضَعْفُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّ الْفَائِتَةَ تُقْضَى فِي كُلِّ وَقْتٍ حَتَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ لَا تُقْضَى الْفَوَائِتُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ تَطْلُعَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بَدَأَ بِمَا يَخَافُ فَوَاتَ وَقْتِهِ] قَالَ تت وَالتَّقْدِيمُ هُنَا وَاجِبٌ غَيْرَ شَرْطٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ] أَيْ الْأَقْفَهْسِيُّ أَيْ قَبْلَ قَلِيلٍ نَحْوَ صَفْحَةٍ بِلَفْظِ الْمَذْكُورِ هُنَا. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ ضَاقَ إلَخْ] لَكِنْ وُجُوبًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَنَدْبًا عِنْدَ اتِّسَاعِهِ وَالْمُعْتَمَدُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ ذَكَرَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ يَسِيرَ الْفَوَائِتِ. [قَوْلُهُ: فَسَدَتْ] بِمَعْنَى يَقْطَعُهَا لَا أَنَّهَا فَسَدَتْ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَطْعَ وَاجِبٌ] وَهَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَهُ] أَيْ الْقَوْلَ بِالِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقْطَعُ كَغَيْرِهِ] أَيْ الْمَأْمُومَ الَّذِي يَذْكُرُ يَسِيرَ الْفَوَائِتِ [قَوْلُهُ: يَتَمَادَى] أَيْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ خِلَافٌ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْيَسِيرَةِ وَالْحَاضِرَةِ وَاجِبُ شَرْطٍ.

أَيْ قَهْقَهَةً وَهُوَ الضَّحِكُ بِصَوْتٍ وَهُوَ (فِي الصَّلَاةِ أَعَادَهَا) وُجُوبًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ عَمْدًا سَوَاءٌ كَانَ فَذًّا أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً. ج: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ ضَحِكُهُ سُرُورًا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا إذَا قَرَأَ آيَةً فِيهَا صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَضْحَكُ سُرُورًا وَبِهِ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيته مِنْ الْقَرَوِيِّينَ وَالتُّونِسِيِّينَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي السَّهْوِ وَالْغَلَبَةِ يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ فِيهِمَا وَيَرْجِعُ مَأْمُومًا ثُمَّ يُعِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدِهِ، وَهَلْ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ أَمْ لَا قَوْلَانِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يُعِدْ الْوُضُوءَ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَيْضًا كَمَا أَبْطَلَتْ الصَّلَاةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ فَقَطْ. وَلَمَّا كَانَ الْمَأْمُومُ يُخَالِفُ الْفَذَّ وَالْإِمَامَ فِي حَالَةٍ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ) الَّذِي ضَحِكَ فِي صَلَاتِهِ (مَعَ إمَامٍ تَمَادَى) مَعَهُ اسْتِحْبَابًا مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ (وَأَعَادَ) صَلَاتَهُ وُجُوبًا أَبَدًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَتَمَادَى مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَشَهَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ] أَيْ فَلَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةً بَلْ مُسْتَحَبَّةً، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْفَذُّ أَوْ الْإِمَامُ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَوَائِتِ قَبْلَ عَقْدِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ وَقِيلَ يَنْدُبُ، فَلَوْ تَمَادَى عَلَى الْأَوَّلِ فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، فَلَوْ عَقَدَ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا شَفَعَ اسْتِحْبَابًا وَقِيلَ وُجُوبًا وَيَتْبَعُ الْمَأْمُومُ إمَامَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَ بَيْنَ الرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالْمَقْصُورَةِ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَغْرِبَ كَغَيْرِهَا، أَيْ يَشْفَعُهَا إنْ عَقَدَ رَكْعَةً وَهُوَ غَيْرُ مُعَوِّلٍ عَلَيْهِ بَلْ يُتِمُّهَا مَغْرِبًا وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَوْ يَقْطَعُ، أَيْ لَا يَشْفَعُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِاعْتِمَادِ أَبِي الْحَسَنِ لَهُ، فَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ كَمَّلَ مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ بِسَجْدَتَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُكْمِلُهَا بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ، كَمَا أَنَّهُ إذَا كَمَّلَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَتَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ الْفَوَائِتِ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ أَيْضًا بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَ تَكْمِيلِ الْمَغْرِبِ أَوْ غَيْرِهَا بِنِيَّةِ الْفَرِيضَةِ يُعِيدُ نَدْبًا فِي الْوَقْتِ، أَيْ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِيَسِيرِ الْفَوَائِتِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الذَّاكِرُ لِلْيَسِيرِ مِنْ الْفَوَائِتِ الْمَأْمُومَ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى مَعَ إمَامِهِ ثُمَّ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَلَا فَرْقَ فِي تَمَادِي الْمَأْمُومِ وَإِعَادَةِ مَا هُوَ لَهَا فِي الْوَقْتِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُعِيدُ جُمُعَةً إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا ظُهْرًا. [قَوْلُهُ: قَهْقَهَةً] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَمَنْ ضَحِكَ تَفْسِيرُ مُرَادٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الضَّحِكَ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الصَّوْتِ وَهُوَ التَّبَسُّمُ وَبِالصَّوْتِ وَهُوَ الْقَهْقَهَةُ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَإِلَى كَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الضَّحِكُ بِصَوْتٍ، أَيْ إنَّ الْقَهْقَهَةَ الضَّحِكُ بِصَوْتٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً] وَمُقَابِلُهُ لَا يَضُرُّ قِيَاسًا عَلَى الْكَلَامِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ضَحِكُهُ سُرُورًا إلَخْ] وَصَوَّبَ ابْنُ نَاجِي صِحَّةَ صَلَاتِهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِعَدَمِ قَصْدِ اللَّعِبِ وَأَقُولُ يَرُدُّ تَعْلِيلَهُ بُطْلَانُ صَلَاةِ النَّاسِي وَالْمَغْلُوبِ، فَالصَّوَابُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ وَالْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ وَعَلَى الْمَشْهُورِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ الْبُطْلَانِ فِي السَّهْوِ وَالْغَلَبَةِ يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالسَّهْوِ نِسْيَانُ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا نِسْيَانُ الْحُكْمِ أَوْ نِسْيَانُ كَوْنِ مَا يَفْعَلُ ضَحِكًا فَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ كَالْعَمْدِ. [قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ مَأْمُومًا] أَيْ عَلَى صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا قَالَ الشَّيْخُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ رُجُوعِهِ مَأْمُومًا مَعَ الْإِعَادَةِ أَبَدًا مُرَاعَاةَ مَنْ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ نِسْيَانًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ دُونَ الْكَلَامِ النِّسْيَانِ، فَالْجَوَابُ شِدَّةٌ مِنَّا فَإِنَّهَا لِلْخُشُوعِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَهِدَ عَمْدَهُ فِي الصَّلَاةِ لِإِصْلَاحِهَا. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُعِيدُ الْمَأْمُومُ إلَخْ] الرَّاجِحُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ كَمَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ تَكُونُ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ قَاعِدَةِ كُلُّ صَلَاةٍ بَطَلَتْ عَلَى الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَى الْمَأْمُومِ. [قَوْلُهُ: تَمَادَى مَعَهُ اسْتِحْبَابًا] وَقِيلَ: وُجُوبًا، وَتَمَادِي الْمَأْمُومِ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَقْدِر عَلَى التَّرْكِ فِي أَثْنَاءِ الضَّحِكِ بَلْ غَلَبَهُ، وَكَذَا نِسْيَانًا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّرْكِ لَمْ يَتَمَادَ. الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ ضَحْكَةً ابْتِدَاءً عَمْدًا وَإِلَّا لَمْ يَتَمَادَ فِي الْغَلَبَةِ وَالنِّسْيَانِ بَعْدُ. الثَّالِثِ أَنْ لَا

[فرع التنحنح في الصلاة]

سَوَاءٌ كَانَ ضَحِكُهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً وَقَيَّدَتْ الْمُدَوَّنَةُ بِمَا إذَا لَمْ يَضْحَكْ عَمْدًا وَمَشَى عَلَى هَذَا الْقَيْدِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُصَلِّي فَذًّا كَانَ أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا (فِي التَّبَسُّمِ) فِي حَالِ تَلَبُّسِهِ بِالصَّلَاةِ لَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ؛ لِأَنَّ التَّبَسُّمَ إنَّمَا هُوَ تَحْرِيكُ الشَّفَتَيْنِ فَهُوَ كَحَرَكَةِ الْأَجْفَانِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ. (وَالنَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ) فَتَبْطُلُ بِعَمْدِهِ وَجَهْلِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِسَهْوِهِ الْيَسِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَوْلُهُ: (وَالْعَامِدُ لِذَلِكَ) أَيْ لِلنَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ (مُفْسِدٌ لِصَلَاتِهِ) حَشْوٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِبْطَالِ بِالنَّفْخِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ، وَدَلِيلُ الْإِبْطَالِ مَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ» يَعْنِي فَتَبْطُلُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَالظَّاهِرُ رَفْعُهُ. فَرْعٌ: التَّنَحْنُحُ لِضَرُورَةٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا سُجُودَ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ:. أَحَدُهُمَا: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، وَالْآخَرُ لَا يُبْطِلُ مُطْلَقًا وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَنِينَ لِوَجَعٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَكَذَلِكَ الْبُكَاءُ إذَا كَانَ لِتَخَشُّعٍ. (وَمَنْ) كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ بِالْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَاجْتَهَدَ فِي جِهَةٍ غَلَبَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخَافَ بِتَمَادِيهِ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَإِلَّا قَطَعَ. الرَّابِعُ، أَنْ لَا يَلْزَمَ عَلَى بَقَائِهِ ضَحِكُ الْمَأْمُومِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا قَطَعَ وَلَوْ بِظَنِّ ذَلِكَ. الْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ جُمُعَةً وَإِلَّا فَيَقْطَعُ وَلَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ. [قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّبَسُّمِ] أَيْ لَا سُجُودَ فِي السَّهْوِ وَلَا بُطْلَانَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْجَهْلِ غَيْرَ أَنَّ الْعَمْدَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَثُرَ أَبْطَلَهَا وَلَوْ سَهْوًا، وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ فَيَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ، وَحُكْمُ التَّبَسُّمِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ الْجَوَازُ وَفِيهَا الْكَرَاهَةُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ أَوْ يُتَوَسَّطَ فَيُحَرَّمَ، وَإِذَا شَكَّ هَلْ قَارَنَ تَبَسُّمَهُ الصَّوْتَ أَوْ لَا فَقَالَ أَصْبَغُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ فِي عَمْدِهِ وَيَسْجُدَ لِسَهْوِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّبَسُّمَ إنَّمَا هُوَ تَحْرِيكٌ] أَيْ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّلَاةِ] مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّفْخَ فِي غَيْرِهَا لَيْسَ كَالْكَلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَوْ حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَفَخَ فِي وَجْهِهِ لَمْ يَحْنَثْ. [قَوْلُهُ: حَشْوٌ إلَخْ] يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى السَّهْوِ [قَوْلُهُ: أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ] بَلْ وَلَا حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّفْخُ بِالْفَمِ، وَأَمَّا بِالْأَنْفِ فَلَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَلَا سُجُودُهُ فِي سَهْوِهِ. قَالَ عج وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَبَثًا وَإِلَّا جَرَى عَلَى الْأَحْرَى عَلَى الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ. [قَوْلُهُ: وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ] أَيْ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَجْلِ مُلَاءَمَتِهِ لِقَوْلِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ بِاجْتِهَادٍ أَيْ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [فَرْعٌ التَّنَحْنُحُ فِي الصَّلَاةِ] [قَوْلُهُ: وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ قَيَّدَهُ السَّنْهُورِيُّ بِمَا إذَا فَعَلَهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَبَثًا وَأَمَّا عَبَثًا فَتَبْطُلُ وَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ الْبُطْلَانِ. وَقَالَ الْحَطَّابُ ظَاهِرُ خَلِيلٍ وَلَوْ عَبَثًا. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَنِينَ لِوَجَعٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْوَاتِ الْمُلْحَقَةِ بِالْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ قَالَهُ بَهْرَامٌ وتت. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْبُكَاءُ إذَا كَانَ لِتَخَشُّعٍ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَلَبَةً، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبُكَاءِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ صَوْتٍ لَا يُبْطِلُ اخْتِيَارًا أَوْ غَلَبَةِ تَخَشُّعٍ أَوْ لَا، إلَّا أَنْ يَكْثُرَ الِاخْتِيَارِيُّ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمَا بِصَوْتٍ يُبْطِلُ كَانَ لِتَخَشُّعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ إنْ كَانَ اخْتِيَارًا، فَإِنْ كَانَ غَلَبَةً لَا تُبْطِلُ إنْ كَانَ لِتَخَشُّعٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَ. [الِاجْتِهَاد فِي الْقِبْلَة] [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَمِثْلُهُ مَنْ كَانَ مُقَلِّدًا غَيْرَهُ عَدْلًا عَارِفًا أَوْ مِحْرَابٌ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ إلَخْ] أَيْ فَمَنْ كَانَ بِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا مِمَّا أَلْحَقَ بِهِمَا كَمَنْ بِجَامِعِ عَمْرٍو أَوْ بِمَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الَّتِي صَلَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ خِلَافًا لَمَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا انْحِرَافًا يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا أَعْمَى أَوْ بَصِيرًا، بَلْ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي أَنَّهُ مَتَى اجْتَهَدَ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا وَإِنْ كَشَفَ الْغَيْبَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِمَكَّةَ فَرْضُهُ مُسَامَتَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَلَوْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا أَوْ مَرِيضًا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَكَانِهِ،

عَلَى ظَنِّهِ لِأَمَارَتِهَا فَصَلَّى إلَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَنَّهُ (أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ) أَيْ جِهَةَ الْكَعْبَةِ بِاسْتِدْبَارِهَا أَوْ الِانْحِرَافِ عَنْهَا انْحِرَافًا شَدِيدًا فِي غَيْرِ قِتَالٍ جَائِزٍ (أَعَادَ) مَا صَلَّى مَا دَامَ (فِي الْوَقْتِ) الْمُخْتَارِ اسْتِحْبَابًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَصَّرَ فِي اجْتِهَادِهِ. وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ إلَى آخِرِهِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ الْجَاهِلِ فَإِنَّ فَرْضَهُمَا التَّقْلِيدُ لِمُكَلَّفٍ عَارِفٍ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ عَدْلٍ. (وَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى) نَاسِيًا (بِثَوْبٍ نَجِسٍ أَوْ) صَلَّى (عَلَى مَكَانٍ نَجِسٍ) أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الرَّاجِحِ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ يَسْتَدِلُّ بِمِحْرَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ عُلِمَتْ قِبْلَتُهَا، وَمَنْ كَانَ بِجَامِعِ عَمْرٍو أَوْ بِمَحَلَّتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الرَّاجِحِ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ يُسْتَدَلُّ بِمِحْرَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا إنْ عُلِمَتْ قِبْلَتُهَا وَمَنْ كَانَ بِجَامِعٍ عَمْرٍو أَوْ بِمِحْلَتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ. [قَوْلُهُ: وَاجْتَهَدَ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَإِنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ فِيهَا الْخَطَأُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ إلَّا إذَا كَانَ أَعْمَى، وَلَوْ انْحَرَفَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا فَيَسْتَقْبِلَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقْبِلَا فَصَحِيحَةٌ فِي الْيَسِيرِ فِيهِمَا بَاطِلَةٌ فِي الْأَعْمَى فِي الْكَثِيرِ وَقَوْلُنَا تَبَيَّنَ، أَيْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَتَمَادَى إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْخَطَأُ. [قَوْلُهُ: أَيْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ لَا الْعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْعَيْنَ كَمَا قَرَرْنَا وَمِثْلُهَا مَنْ بِجِوَارِهَا مِمَّا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمُسَامَتَةُ. [قَوْلُهُ: أَوْ الِانْحِرَافِ عَنْهَا انْحِرَافًا شَدِيدًا] أَيْ لَا يَسِيرًا [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ قِتَالٍ] أَيْ احْتِرَازًا مِنْ حَالَةِ الْتِحَامِ الْقِتَالِ فَيُصَلِّيَ رَاجِلًا مُسْتَقْبِلًا وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ] ظَاهِرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ فَقَطْ لَا فِي الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا فِي مُخْتَارِهَا وَفِي بَعْضِ ضَرُورِيِّهَا وَهُوَ الِاصْفِرَارُ وَلَا فِي بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَالصُّبْحَ لِلطُّلُوعِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ فَرْضَهُمَا التَّقْلِيدُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُمَا انْحَرَفَا فِي الصَّلَاةِ انْحِرَافًا كَثِيرًا لَا يُطَالِبَانِ بِالْإِعَادَةِ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْأَعْمَى، وَأَمَّا الْبَصِيرُ الْمُقَلِّدُ غَيْرَهُ الْعَدْلَ الْعَارِفَ أَوْ الْمِحْرَابَ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ بِالْإِعَادَةِ مِثْلُ الْمُجْتَهِدِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ مُقَلِّدًا مِحْرَابًا أَوْ عَارِفًا وَكَانَ بَصِيرًا وَتَبَيَّنَ الْخَطَأُ الْكَثِيرُ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَنْدُبُ لَهُ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَعْمَى مُطْلَقًا أَوْ بَصِيرًا مُنْحَرِفًا يَسِيرًا، وَتَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا إعَادَةَ، وَأَمَّا مُجْتَهِدٌ عَمِيَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ وَمُقَلِّدٌ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَلَا مِحْرَابًا وَصَلَّى كُلٌّ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَهَا خَطَؤُهُ الْكَثِيرُ فِيهَا وَأَوْلَى الْقَلِيلُ فَلَا إعَادَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: لِمُكَلَّفٍ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: احْتَرَزَ بِالْمُكَلَّفِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُمَا لَا يُقَلَّدَانِ وَبِالْعَارِفِ مِنْ الْجَاهِلِ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْأَدِلَّةِ وَبِالْعَدْلِ مِنْ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إجْمَاعًا، وَكَذَا يُقَلِّدَانِ الْمَحَارِيبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَطْعُونًا فِيهَا انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. تَتِمَّةٌ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْخَطَأُ بِغَيْرِ النِّسْيَانِ وَأَمَّا بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ، فَمَنْ نَسِيَ مَطْلُوبِيَّةَ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ نَسِيَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ جِهَةَ الْقِبْلَةِ هَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا أَوْ فِي الْوَقْتِ خِلَافٌ، وَمِثْلُ النَّاسِي الْجَاهِلُ الْقِبْلَةَ أَيْ جِهَتَهَا، وَأَمَّا الْجَاهِلُ وُجُوبَ الِاسْتِقْبَالِ فَيُعِيدُ أَبَدًا قَوْلًا وَاحِدًا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدِ الْفَرَاغِ وَكَانَ فِي الْفَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ أَوْ كَانَ فِي النَّفْلِ فَلَا إعَادَةَ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي قِبْلَةِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّخْيِيرُ دُونَ قِبْلَةِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَمَا تَقَدَّمَ فَتَبْطُلُ. فَائِدَةٌ: مِنْ جُمْلَةِ الْعَلَامَاتِ لِمَنْ كَانَ بِمِصْرَ أَنْ يَجْعَلَ الْقُطْبَ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى أَوْ بِالْعِرَاقِ فَخَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى،

[الجمع بين الصلاتين]

كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ نَجَاسَةَ ذَلِكَ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ فِي الظُّهْرَيْنِ لِلِاصْفِرَارِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ اللَّيْلُ كُلُّهُ، وَمَنْ صَلَّى عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا. (وَكَذَلِكَ مَنْ تَوَضَّأَ) نَاسِيًا (بِمَاءٍ نَجِسٍ) أَيْ مَحْكُومٍ بِنَجَاسَتِهِ عِنْدَهُ (مُخْتَلَفٍ فِي نَجَاسَتِهِ) عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا، وَكَذَلِكَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَ جَسَدَهُ وَثَوْبَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ. (وَأَمَّا مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ) يَعْنِي أَوْ رِيحُهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ (أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا وَوُضُوءَهُ) سَوَاءٌ تَوَضَّأَ بِهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهَا بِوَضُوءٍ لَمْ يَجُزْ وَيُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَذَكَرَهُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَرُخِّصَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ وَكَذَلِكَ فِي طِينٍ وَظُلْمَةٍ) مَا ذَكَرَ أَنَّهُ رُخْصَةٌ مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَاعْتَرَضَهُ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَهَا أَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى إذْ الْأَوْلَى إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا، أَوْ هُوَ الْأَوْلَى لِمَا فِي سُنَنِ الْأَثْرَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ «مِنْ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمُ مَطَرٍ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» انْتَهَى. وَالرُّخْصَةُ لُغَةً التَّيْسِيرُ وَشَرْعًا إبَاحَةُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ مَا ذَكَرَهُ فِي سَبَبِ الْجَمْعِ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِالشَّامِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ أَوْ بِالْيَمَنِ أَمَامَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمُقَلِّدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ أَوْ تَحَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ جِهَةً تَرْكَنُ إلَيْهَا نَفْسُهُ وَيُصَلِّي. [قَوْلُهُ: نَاسِيًا] أَيْ أَوْ مُتَذَاكِرًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ وَكَانَتْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، هَذَا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ إزَالَتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ] احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ، كَمَا لَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فِيهَا وَلَكِنْ يُقَيِّدُ الْبُطْلَانُ بِمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَكَانَ قَادِرًا عَلَى إزَالَتِهَا بِوُجُودِ الْمُطْلَقِ، وَاتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَمِثْلُ وُجُودِ الْمُطْلَقِ الثَّوْبُ أَوْ الْمَكَانُ الطَّاهِرُ فَيُصَلِّي فِيهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يُكْمِلُ وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ طَرْحِ مَا عَلَيْهِ أَوْ تَحَوُّلِهِ إلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ لِبُطْلَانِهَا بِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ. [قَوْلُهُ: وَالْوَقْتُ فِي إلَخْ] أَيْ وَفِي الصُّبْحِ لِلطُّلُوعِ [قَوْلُهُ: نَاسِيًا] هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ مُطْلَقًا كَانَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا [قَوْلُهُ: نَجِسٌ] الْأَوْلَى مُتَنَجِّسٌ. [قَوْلُهُ: عِنْدَهُ] أَيْ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: مُخْتَلَفٌ فِي نَجَاسَتِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: حَتَّى فَرَغَ] مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِيهَا لَبَطَلَتْ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إلَخْ] لَعَلَّ وَجْهَ الْإِعَادَةِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ نَجِسٌ عِنْدَهُ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ الَّذِي حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ مُتَنَجِّسٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَنَجِّسٍ وَعَلَيْهِ فَلَا إعَادَةَ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ] أَيْ اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِمُسْتَحَبٍّ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا. [قَوْلُهُ: وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَ] أَيْ اسْتِحْبَابًا [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ رِيحُهُ] وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ اعْتِبَارَهُ. [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ الِاسْتِنْجَاءَ] أَيْ إذَا كَانَ اسْتَنْجَى بِهِ أَيْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا مَنْ تَوَضَّأَ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَتَدَبَّرْ. [الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ] [قَوْلُهُ: إذْ الْأَوْلَى إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا] قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَيْ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ لَا جَمْعَ لَيْلَةَ الْمَطَرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ الْأَوْلَى] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلسُّنِّيَّةِ وَالنَّدْبِ وَلَكِنْ جَزَمَ عج بِالنَّدْبِ أَيْ فَقَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ السُّنَّةِ مُرَادُهُ الطَّرِيقَةِ. [قَوْلُهُ: التَّيْسِيرُ] كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ تَسَامُحًا فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً السُّهُولَةُ. [قَوْلُهُ: مَعَ السَّبَبِ الْمَانِعِ] أَيْ لَوْلَا وُجُودُ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ وَالسَّبَبُ الْمَانِعُ هُنَا كَوْنُهَا يُمْكِنُ فِعْلُهَا فِي

كَذَلِكَ، أَمَّا الْمَطَرُ فَقَطْ أَيْ لَا ظُلْمَةَ مَعَهُ وَلَا طِينَ فَعَلَى الْمَشْهُورِ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ وَابِلًا لَا خَفِيفًا جِدًّا سَوَاءٌ كَانَ وَاقِعًا أَوْ مُتَوَقَّعًا، وَأَمَّا الطِّينُ مَعَ الظُّلْمَةِ فَمُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِالطِّينِ الْوَحْلُ وَبِالظُّلْمَةِ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ قَمَرٍ، فَلَوْ غَطَّى السَّحَابُ الْقَمَرَ فَلَيْسَ بِظُلْمَةٍ فَلَا يَجْمَعُ لِذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ لِلظُّلْمَةِ وَحْدَهَا وَلَا لِلطِّينِ وَحْدَهُ، أَمَّا الظُّلْمَةُ فَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ لَهَا وَحْدَهَا، وَأَمَّا الطِّينُ فَكَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَنَقَلَ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ الْجَمْعِ وَنَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ ك. وَاَلَّذِي رَأَيْته مِنْ كَلَامِهِ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا مِنْ شَرْحِ الرِّسَالَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْجَمْعِ، وَظَاهِرُ قَصْرِهِ الرُّخْصَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ غَيْرِهِمَا وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمَنْصُوصُ اخْتِصَاصُهُ بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ: (يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ أَوَّلَ الْوَقْتِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ) عَلَى الْمَنَارِ (ثُمَّ يُؤَخِّرُ) صَلَاةَ الْمَغْرِبِ شَيْئًا (قَلِيلًا فِي) مَشْهُورِ (قَوْلِ مَالِكٍ) لِيَأْتِيَ الْمَسْجِدَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ ج: تَرَدَّدَ شَيْخُنَا هَلْ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَمْرٌ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ أَمْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ؟ قَوْلَانِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ قَلِيلًا (يُقِيمُ) لَهَا الصَّلَاةَ (دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَيُصَلِّيهَا) وَلَا يُطَوِّلُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ وَقِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَجْمَعُ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَابِلًا] وَهُوَ الْمَطَرُ الْغَزِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ أَوَاسِطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَمِثْلُ الْمَطَرِ الثَّلْجُ وَالْبَرَدُ [قَوْلُهُ: لَا خَفِيفًا جِدًّا] أَرَادَ بِهِ مَا قَابَلَ الْوَابِلَ الْمُفَسَّرَ بِمَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ وَاقِعًا] وَانْظُرْ هَذَا الْوَاقِعَ هَلْ حَصَلَ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَشْمَلُ الْحَاصِلَ قَبْلَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ الْمَطَرَ الشَّدِيدَ الْمُسَوِّغَ لِلْجَمْعِ مُبِيحٌ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّخَلُّفِ لَا تُنَافِي أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ إذَا لَمْ يَتَخَلَّفُوا. [قَوْلُهُ: أَوْ مُتَوَقَّعًا] فَإِنْ قُلْت الْمَطَرُ إنَّمَا يُبِيحُ الْجَمْعَ إذَا كَثُرَ وَالْمُتَوَقَّعُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ قُلْنَا: يُمْكِنُ عِلْمُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالْقَرِينَةِ، ثُمَّ إذَا جَمَعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الْوَقْتَ كَمَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الطِّينُ مَعَ الظُّلْمَةِ إلَخْ] يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا وَجَدَ الطِّينَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ دُونَ بَعْضٍ، فَهَلْ لِمَنْ لَمْ يُوجَدْ طِينٌ فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَجْمَعَ تَبَعًا لِمَنْ وَجَدَ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ مَعَهُ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمْ يَتَأَخَّرُونَ لِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَيُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً لَزِمَ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ بَعْدَ الرَّاتِبِ، وَإِنْ قُلْنَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجْمَعُونَ مَعَهُمْ فَرُبَّمَا لَا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ صَلَاتُهَا جَمَاعَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ [قَوْلُهُ: فِي مَشْهُورِ قَوْلِ مَالِكٍ] مُقَابِلُهُ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ تَلِيهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنِ وَهْبٍ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ فِي مَشْهُورِ قَوْلِ مَالِكٍ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ فِي مَشْهُورٍ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لِمَالِكٍ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَابْنُ وَهْبٍ؛ لِأَنَّ لِمَالِكٍ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ، هَذَا مَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لِيَأْتِيَ الْمَسْجِدَ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صُلِّيَتْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لَفَاتَتْهُ الْمَغْرِبُ لِتَعَذُّرِ الْإِسْرَاعِ بِالْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَالطِّينِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: أَمْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ] هُوَ الرَّاجِحُ وَالتَّأْخِيرُ بِقَدْرِ مَا يَدْخُلُ وَقْتُ الِاشْتِرَاكِ لِاخْتِصَاصِ الْأُولَى بِثَلَاثٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ يُؤَخِّرُ قَلِيلًا بِقَدْرِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ. [قَوْلُهُ: يُقِيمُ لَهَا الصَّلَاةَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ، [قَوْلُهُ: دَاخِلَ الْمَسْجِدِ] وَيَجُوزُ خَارِجَهُ قَلْشَانِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُطَوِّلُ عَلَى الْمَشْهُورِ] ؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَهَا مَطْلُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا فَهَذَا أَوْلَى وَمُقَابِلُهُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُطِيلُ ثُمَّ يُقَدِّمُ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يُطِيلُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ أَوْ مَعَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْجَمْعِ حِينَئِذٍ لِانْصِرَافِهِمْ فِي الظُّلْمَةِ قَالَهُ بَهْرَامٌ فِي الْوَسَطِ [قَوْلُهُ:

تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيَنْوِي الْجَمْعَ أَوَّلَ الْأُولَى فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَوْلَانِ (الثَّانِي) : صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ (يُؤَذِّنُ لِلْعِشَاءِ) إثْرَ الْمَغْرِبِ بِلَا مُهْلَةٍ أَذَانًا لَيْسَ بِالْعَالِي (فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ) ظَاهِرُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَالْمَشْهُورُ يُؤَذِّنُ فِي صَحْنِهِ. (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ (يُقِيمُ) الصَّلَاةَ (ثُمَّ يُصَلِّيهَا) الْإِمَامُ بِالنَّاسِ بِلَا مُهْلَةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغُوا مِنْ الصَّلَاةِ (وَيَنْصَرِفُونَ) إثْرَ الصَّلَاةِ بِلَا مُهْلَةٍ (وَعَلَيْهِمْ إسْفَارٌ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ بَقِيَّةِ بَيَاضِ النَّهَارِ فَقَوْلُهُ: (قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ) تَكْرَارٌ فَلَا يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْجَمْعِ وَلَا يُوتِرُ بِإِثْرِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الشَّفَقِ. وَالْمَوْضِعِ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ) يَوْمَ وُقُوفِ الْحَاجِّ بِهَا (بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عِنْدَ) بِمَعْنَى بَعْدَ (الزَّوَالِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَدْ كَرَّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْحَجِّ وَفِي بَابِ جُمَلٍ، وَقَدْ عَدَّ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ هَذَا الْجَمْعَ فِي بَابِ الْحَجِّ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَخْطُبَ الْخَطِيبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَوْلَانِ] أَيْ بِالْإِجْزَاءِ وَبِعَدَمِهِ كَمَا رَاجَعْت شَرْحَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْأُولَى وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِجْزَاءِ عِنْدَ الثَّانِيَةِ عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ نَوَى عِنْدَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّهَا الصَّلَاةُ الْأُولَى وَتُطْلَبُ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَلَوْ تَرَكَهَا فَلَا بُطْلَانَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ شَرْطٍ، وَأَمَّا نِيَّةُ الْإِمَامِ فِيهِمَا فَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ بَطَلَتَا حَيْثُ تَرَكَهَا فِيهِمَا، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَأَتَى بِهَا فِي الْأُولَى فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهَا وَتَبْطُلُ الثَّانِيَةُ وَلَا يُصَلِّيهَا إلَّا عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ، وَأَمَّا تَرْكُهَا عِنْدَ الْأُولَى وَنِيَّتُهُ الْجَمْعُ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا مَشْرُوطَةٌ بِنِيَّةِ الْإِمَامَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ. [قَوْلُهُ: صَرَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّحْقِيقِ وَفِي التَّوْضِيحِ تَرْجِيحُهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّنَفُّلَ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَلَوْ تَنَفَّلَ لَمْ يُمْنَعْ الْجَمْعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى قُرْبِ دُخُولِ الشَّفَقِ وَإِلَّا مُنِعَ فِعْلَ الْعِشَاءِ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُحَقَّقِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ] أَيْ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَلَا تَسْبِيحٍ وَلَا تَحْمِيدٍ. [قَوْلُهُ: يُؤَذِّنُ لِلْعِشَاءِ] قَالَ بَعْضٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَذَانَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ تُطْلَبُ غَيْرُهَا وَلَا يَسْقُطُ طَلَبُ الْأَذَانِ فِي وَقْتِهَا بِهِ فَيُؤَذِّنُ لَهَا عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: أَذَانًا لَيْسَ بِالْعَالِي] الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ يُؤَذِّنُ فِي صَحْنِهِ] وَمُقَابِلُهُ يُؤَذِّنُ فِي مِحْرَابِهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَظُنَّ النَّاسُ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ دَخَلَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلِّيهَا الْإِمَامُ بِالنَّاسِ بِلَا مُهْلَةٍ] هَذَا شَرْطٌ فِي كُلِّ جَمْعٍ وَلَيْسَ خَاصًّا بِالْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ. [قَوْلُهُ: يَنْصَرِفُونَ] قَالَ زَرُّوقٌ: فَلَوْ جَمَعُوا وَلَمْ يَنْصَرِفُوا حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ أَعَادُوا الْعِشَاءَ وَقِيلَ: لَا إعَادَةَ وَقِيلَ: إنْ قَعَدَ الْجُلُّ أَعَادُوا لَا الْأَقَلُّ انْتَهَى، وَهُوَ يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِيَ قَالَ تت، فِي قَوْلِهِ يَنْصَرِفُونَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ لَا يَجْمَعُونَ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِمْ أَسْفَارٌ] أَيْ قَلِيلٌ فَسَّرَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِنِصْفِ الْوَقْتِ قَالَهُ الْقَلْشَانِيُّ [قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ إلَخْ] قَالَ بَعْضٌ أَنْ يُمْنَعَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَاحِبَ التَّوْضِيحِ رَجَّحَ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ تَنَفَّلَ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِ زَرُّوقٌ فَلَوْ جَمَعُوا وَلَمْ يَنْصَرِفُوا إلَخْ. تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَعُودَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُوتِرُ إلَخْ] ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الشَّفَقِ كَتَرَاوِيحِ رَمَضَانَ فَفِعْلُ الْوِتْرِ حِينَئِذٍ فِعْلٌ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَتَكُونُ بَاطِلَةً فَيَكُونُ النَّهْيُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُوتِرُ إلَخْ لِلتَّحْرِيمِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ عَدَّ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُخْتَصَرُ قَالَ: وَجَمَعَ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ وَفِي تَغْيِيرِ الْمُؤَلِّفِ الْأُسْلُوبَ لِقَوْلِهِ ثُمَّ أَذَّنَ وَجَمَعَ إلَخْ، إشَارَةٌ أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ وَالْجَمْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السُّنِّيَّةُ لَا اسْتِحْبَابٌ اهـ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَخْطُبَ الْخَطِيبُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ

بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجْلِسَ فِي وَسَطِهِمَا ثُمَّ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُقِيمَ، فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ أَذَّنَ لِلْعَصْرِ وَأَقَامَ لَهَا وَصَلَّاهَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ أَذَانَيْنِ وَيُقِيمُ إقَامَتَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ) وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ. وَالْمَوْضِعِ الثَّالِثِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (فِي جَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ) أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وَصَرَّحَ ع بِمَشْهُورِيَّتِهِ، وَقَدْ عَدَّهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: (إذَا وَصَلَ إلَيْهَا) مِمَّنْ لَا يَصِلُ إلَيْهَا لِمَرَضٍ بِهِ أَوْ بِدَايَتِهِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ حَيْثُ غَابَ عَلَيْهِ الشَّفَقُ. وَالْمَوْضِعُ الرَّابِعُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا جَدَّ السَّيْرُ بِالْمُسَافِرِ) سَفَرًا وَاجِبًا كَسَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَوْ مَنْدُوبًا كَسَفَرِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا (فَلَهُ) أَيْ فَيُبَاحُ لَهُ (أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) الْمُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ وَهُمَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ أَمَّا صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ فَيَجْمَعُ (فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهُوَ آخِرُ الْقَامَةِ الْأُولَى (وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ) وَهُوَ أَوَّلُ الْقَامَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَنْوِي الْجَمْعَ فِي أَوَّلِ الْأُولَى وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلَا يَتَنَفَّلُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا الْجَمْعُ يُسَمَّى الْجَمْعَ الصُّورِيَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا صَلَاتَهُمْ بِعَرَفَةَ وَوُقُوفَهُمْ بِهَا وَمَبِيتَهُمْ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَفِي جَعْلِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ صِفَةِ الْجَمْعِ تَسَمُّحٌ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ التُّونِسِيُّ أَنَّ الْإِجْزَاءَ إنْ وَقَعَتْ الْخُطْبَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقِيمُ] أَيْ يُقِيمُ لِلظُّهْرِ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ كَالْأَذَانِ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَتِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رُوِيَ إلَخْ] أَيْ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا وَجْهُ الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ سُنَّةٌ] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ وَهُوَ السُّنِّيَّةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ عَدَّهُ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا] أَيْ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجْمَعُ حَيْثُ غَابَ عَلَيْهِ الشَّفَقُ] أَيْ إذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَمُلَخَّصُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقِفَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا، فَإِذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَكَانَ يُمْكِنُهُ السَّيْرُ بِسَيْرِ النَّاسِ سَارَ مَعَهُمْ أَوْ تَأَخَّرَ فَلَا يَجْمَعُ إلَّا فِي الْمُزْدَلِفَةِ، فَإِنْ تَأَخَّرَ لِعَجْزٍ جَمَعَ حَيْثُ شَاءَ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا وَقَفَ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَقِفْ أَصْلًا فَإِنَّهُ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: وَإِذَا جَدَّ السَّيْرُ] إسْنَادُ الْجَدِّ لِلسَّيْرِ مَجَازٌ أَوْ إنْ جَدَّ بِمَعْنَى اشْتَدَّ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُصَنَّفِ، بِأَنَّ الصُّورِيَّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَدُّ السَّيْرِ بِالْمُسَافِرِ، أَيْ بَرًّا وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسَافِرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَيْ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَرْأَةِ فَتَجْمَع وَإِنْ لَمْ يَجِدَّ بِهَا سَيْرٌ وَلَمْ يُخْشَ فَوَاتُ أَمْرٍ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْجِدَّ فِي الصُّورِيِّ. [قَوْلُهُ: سَفَرًا وَاجِبًا] أَيْ لَا حَرَامًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَا مَكْرُوهًا كَصَيْدِ اللَّهْوِ [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ] مُرَادُهُ بِهَا مَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى، إذْ الْأَوْلَى إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ إلَخْ] هَذَا إذَا أَدْرَكَهُ الزَّوَالُ سَائِرًا وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَقَوْلُهُ فَيَجْمَعُ فِي إلَخْ، هَذَا جَمْعٌ صُورِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْرُوفِ أَوْ تُؤَخِّرُ عَنْهُ، وَهَذَا صُلِّيَتْ فِيهِ كُلُّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَسَكَتَ عَمَّا إذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ سَائِرٌ وَنَوَى النُّزُولَ فِي الِاصْفِرَارِ أَوْ قَبْلَهُ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُؤَخِّرُهُمَا وَحُكْمُ التَّأْخِيرِ الْجَوَازُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاتَيْنِ فِي نِيَّةِ النُّزُولِ فِي الِاصْفِرَارِ، وَفِي النُّزُولِ قَبْلَهُ الْجَوَازُ بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ وَالْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ، قَالَ الشَّيْخُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَسِوَاهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. [قَوْلُهُ: وَيَنْوِي الْجَمْعَ فِي أَوَّلِ الْأُولَى] فِيهِ نَظَرٌ إذْ هَذَا الْجَمْعُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ كَمَا أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرَّقُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ كُلُّ صَلَاةٍ، أُدِّيَتْ فِي وَقْتِهَا

قَصْرُ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُسَافِرِ. وَقَدْ حَكَى ك الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْجَمْعِ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْجَدَّ شَرْطٌ فِي إبَاحَةِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِزِيَادَةٍ وَلَفْظُهَا وَلَا يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ إلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِ السَّيْرُ وَيَخَافَ فَوَاتَ أَمْرٍ فَيَجْمَعُ، وَأَمَّا صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَالْأُولَيَيْنِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ فَقَالَ: (وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ) هَذَا يَجْرِي عَلَى رِوَايَةِ امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ (وَإِذَا ارْتَحَلَ) أَيْ أَرَادَ الِارْتِحَالَ (فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى) وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ (جَمَعَ حِينَئِذٍ) أَيْ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِيُوقِعَ أُولَاهُمَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَالْأُخْرَى فِي وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْجَمْعُ الْحَقِيقِيُّ. شَيْخُنَا: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ ضَرُورِيَّ الْعَصْرِ مِثْلًا كَائِنٌ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَالْجَمْعُ الْحَقِيقِيُّ عِنْدَنَا مَا كَانَ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا ذُو عُذْرٍ، وَأَمَّا الْجَمْعُ الصُّورِيُّ فَجَائِزٌ لِذِي الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَيَّدْنَا يَنْوِي النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا نَوَى النُّزُولَ قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَلْ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ رَحِيلِهِ وَيُؤَخِّرُ الْعَصْرَ لِنُزُولِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا قَبْلَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى النُّزُولَ عِنْدَ الِاصْفِرَارِ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ رَحِيلِهِ وَالْعَصْرَ إنْ شَاءَ صَلَّاهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا إلَى نُزُولِهِ. وَالْمَوْضِعِ الْخَامِسِ قَسَّمَهُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمَرِيضِ) أَيْ رُخِّصَ لَهُ (أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) الْمُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ عَلَى الْمَشْهُورِ (إذَا خَافَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَفَّلُ مِنْ وَادٍ مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَدَّ شَرْطٌ] الْمَشْهُورُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَدِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْقِلُ لِذَلِكَ مَعْنًى إذْ هُوَ صُورِيٌّ وَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْجَدِّ فِيهِ أَوْ عَدَمِهِ، وَاشْتِرَاطُ الْجَدِّ وَعَدَمُهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي غَيْرِ الْجَمْعِ الصُّورِيِّ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ] أَيْ أَدْرَكَهُ الْغُرُوبُ سَائِرًا فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَوْ يَنْوِي النُّزُولَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعًا صُورِيًّا بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ قُرْبَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّهُ يُنَزِّلُ طُلُوعَ الْفَجْرِ هُنَا مَنْزِلَةَ الْغُرُوبِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَالثُّلُثُ الْأَوَّلُ مَنْزِلَةَ مَا قَبْلَ الِاصْفِرَارِ وَمَا بَعْدَهُ لِلْفَجْرِ مَنْزِلَةَ الِاصْفِرَارِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ يَنْوِيَ النُّزُولَ فِي الثُّلُثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ قَبْلِهِمَا، فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُمَا عَلَى نَمَطِ مَا تَقَدَّمَ فِي الظُّهْرَيْنِ [قَوْلُهُ: أَيْ أَرَادَ الِارْتِحَالَ] ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ نَازِلٌ بِالْمَنْهَلِ وَزَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهِ. [قَوْلُهُ: جَمَعَ قَبْلَ ارْتِحَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَمْعِ مُطْلَقًا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَمْ لَا، كَذَا يَظْهَرُ مِنْ نَقْلِ بَعْضِهِمْ لَا لِخِلَافٍ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَهَلْ قَوْلُهُ بَعْدَ عَلَى الْمَشْهُورِ إشَارَةٌ لِهَذَا الْخِلَافِ فَيَكُونُ تَكْرَارًا أَوْ إشَارَةً لِخِلَافٍ آخَرَ حَرِّرْ وَرَاجِعْ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْجَمْعُ الْحَقِيقِيُّ] وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى إذْ الْأَوْلَى إيقَاعُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ جَارِيَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْعِشَاءَيْنِ فَتَقُولُ مَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ نَازِلٌ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَيُصَلِّيهِمَا عِنْدَ وَقْتِ الْأُولَى جَمْعَ تَقْدِيمٍ، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَخُيِّرَ فِي الْعِشَاءِ، وَإِنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ قَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَأَخَّرَ الْعِشَاءَ وُجُوبًا. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَدْخَلَ فِي مَثَلًا الْعِشَاءَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَفْعَلُهُ إلَّا ذُو عُذْرٍ] أَيْ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: فَجَائِزٌ لِذَوِي الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ] إلَّا أَنَّ ذَا الْعُذْرِ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤَخِّرُ الْعَصْرَ] أَيْ وُجُوبًا فَإِنْ قَدَّمَهَا أَجْزَأَتْ تَقْرِيرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعَادَ فِي الْوَقْتِ قَالَ عج قَالَ تت، لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ نِيَّةَ الْجَمْعِ وَفِيهَا قَوْلَانِ وَفِي شَرْطِ كَوْنِهَا فِي أُولَاهُمَا أَوْ تُجْزِئُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ، الثَّانِيَةُ مِنْ صِفَةِ الْجَمْعِ عَدَمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ] أَيْ نُدِبَ لَهُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا، وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ الْمَشْهُورُ بِأَنَّهُ

أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ) فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْمَشْهُورِ يَكُونُ (فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى) فَيَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (عِنْدَ الزَّوَالِ وَ) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (عِنْدَ الْغُرُوبِ) وَإِنَّمَا كَانَ يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ سَبَبٌ يُبِيحُ الْجَمْعَ فَوَجَبَ التَّقْدِيمُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ، وَأَصْلُهُ الْجِدُّ فِي السَّيْرِ وَأَخَذَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الظَّرْفَ مُتَعَلِّقٌ بِيَجْمَع لَا يَخَافُ وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْجَلَّابِ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى أَخَّرَهَا إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأَخِيرَةِ، وَإِنْ خَافَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَهَا إلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى. تَنْبِيهٌ: إذَا جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِلْخَوْفِ عَلَى عَقْلِهِ ثُمَّ لَمْ يَذْهَبْ فَقَالَ عِيسَى: يُعِيدُ الْأَخِيرَةَ يُرِيدُ سَنَد فِي الْوَقْتِ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: لَا يُعِيدُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَرْفَقَ بِهِ لِ) أَجْلِ إسْهَالِ (بَطْنٍ بِهِ وَنَحْوُهُ) مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الْأَمْرَاضِ الْقِيَامُ مَعَهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ (جَمَعَ) بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ فَالظُّهْرُ وَالْعَصْرُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا (وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَ) الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا (عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ) عِيَاضٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَقْدِيرِ الْإِغْمَاءِ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فَلَا يَجْمَعُ مَا لَا يَجِبُ بَلْ يَحْرُمُ التَّقَرُّبُ بِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ لَمْ تَجِبْ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُقُوعِهِ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِلْجَمْعِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الثَّانِيَةِ وَحَصَلَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِهَا فَهُوَ شَكَّ فِي الْمَانِعِ فَيُلْغَى بِخِلَافِ الشَّكِّ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَحِيضَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهَا تَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْأُولَى، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَيْضِ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ يُمْكِنُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يُسْقِطُ الْعِبَادَةَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُتَعَلِّقٌ بِيَكُونُ أَيْ وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ أَوَّلَ وَقْتِ الْأُولَى عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ذَكَرَ هَذَا الْمُقَابِلَ تت، وَتَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ] وَمِثْلُهُ الْحُمَّى النَّافِضَةُ أَيْ الْمُرْعِدَةُ أَوْ الدَّوْخَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ وَقْتَ الثَّانِيَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِلْمَرِيضِ أَيْ مَنْ سَيَصِيرُ مَرِيضًا فَفِي عِبَارَتِهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَوَجَبَ التَّقْدِيمُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ] فِيهِ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إمَّا مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ أَوْ جَائِزٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَوَجَبَ التَّقْدِيمُ إلَّا أَنْ يُفَسِّرَ وَجَبَ بِثَبْتِ الثَّانِي، أَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ خَوْفَ الْفَوَاتِ لَا تَقْتَضِي التَّقْدِيمَ أَوَّلَ وَقْتِ الْأُولَى إذْ غَايَةُ مَا تُفِيدُ الْفِعْلُ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَا أَوَّلِهِ فَقَطْ. الثَّالِثُ أَنَّ قَوْلَهُ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ يُشْعِرُ بِاسْتِغْرَاقِ الْإِغْمَاءِ جَمِيعَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَذْهَبُ فِي آخِرِهِ لَطَلَبَ مِنْهُ التَّأْخِيرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يُتَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ اسْتِغْرَاقَهُ لِوَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ فَمَا وَجْهُ طَلَبِهِ بِهَا وَيُقَدِّمُهَا قَبْلَ وَقْتِهَا، وَجَوَابُهُ احْتِمَالُ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ الْجِدُّ فِي السَّيْرِ] لَعَلَّ الْمَعْنَى أَصْلُ ذَلِكَ أَيْ الَّذِي قِيسَ عَلَيْهِ ذَلِكَ إبَاحَةُ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ عِنْدَ قَصْدِ الْجَمْعِ فِي السَّيْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الظَّرْفَ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدَ الزَّوَالِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَإِيضَاحٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُولَى] أَيْ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا لَا أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: أَخَّرَهَا إلَى وَقْتِ] أَيْ وُجُوبًا وَأَمَّا قَوْلُهُ قَدَّمَهَا أَيْ نَدْبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: إذَا جَمَعَ أَوَّلَ الْوَقْتِ إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَحَصَلَ الْإِغْمَاءُ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ وَقْتِ الْأُولَى وَأَفَاقَ وَقْتَ الثَّانِيَةِ فَيُصَلِّي الْأُولَى لِبَقَاءِ وَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ سَنَدًا فِي الْوَقْتِ] أَيْ الِاخْتِيَارِيِّ وَالْأَرْجَحُ الضَّرُورِيُّ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ لَا يُعِيدُ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ] فَيُوقِعُ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ بِنَاءً عَلَى امْتِدَادِهِ وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ اخْتِيَارَيْهَا

[بعض الأعذار المسقطة لقضاء الصلاة]

اُخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ وَسْطٍ فَقِيلَ لَا يُقَالُ هُنَا وَفِي الدَّارِ إلَّا بِإِسْكَانِ السِّينِ، وَأَمَّا وَسَطٌ بِالْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ عَدْلٌ قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَقَالَ. ابْنُ دُرَيْدٍ: يُقَالُ وَسْطُ الدَّارِ وَوَسْطُهَا وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِوَسْطِ وَقْتِ الظُّهْرِ، فَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ نِصْفَ الْقَامَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَسْطِ النِّصْفُ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ آخِرَ الْقَامَةِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ وَغَيْرِهِ فَيَجْمَعُ جَمْعًا صُورِيًّا. وَاسْتُظْهِرَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ تَدْعُو إلَى قِيَامِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، وَالضَّرُورَةُ بِإِنَّمَا هِيَ مِنْ أَجْلِ تَكْرَارِ الْحَرَكَةِ وَلِيُوَافِقَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُذْرَيْنِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ أَحَدِهِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُغْمَى) أَيْ الَّذِي أُغْمِيَ (عَلَيْهِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ (فِي) حَالِ (إغْمَائِهِ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (وَيَقْضِي) بِمَعْنَى وَيُؤَدِّي (مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ) مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ هُنَا الضَّرُورِيُّ وَهُوَ الْغُرُوبُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الصُّبْحِ. وَقَوْلُهُ: (مِمَّا يُدْرَكُ مِنْهُ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ) بَيَانٌ لِلْقَدْرِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي يَلْزَمُهُ فِيهِ أَدَاءُ مَا أَفَاقَ فِيهِ. وَسُقُوطُ مَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَالْمُرَادُ بِالرَّكْعَةِ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً بِسَجْدَتَيْهَا بَعْدَ تَحْصِيلِ مَا يَكُونُ بِهِ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ تَحْصِيلِ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَمْ يَقْضِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِمَا، وَلَوْ أَفَاقَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ قَضَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَفَاقَ فِي وَقْتِهِمَا، وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهِمَا مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْضِهِمَا، وَلَوْ أَفَاقَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ قَضَاهُمَا. وَالْعُذْرِ الْآخَرِ أَتَى إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ تَطْهُرُ) بِمَعْنَى انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَإِنَّهَا لَا تَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي حَالِ حَيْضِهَا، وَتُؤَدِّي مَا تَطَهَّرَتْ فِي وَقْتِهِ مِمَّا تُدْرِكُ مِنْهُ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، وَالْوَقْتُ الَّذِي تَطْهُرُ فِيهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِلصَّحِيحِ فِعْلُ هَذَا الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَمْعًا حَقِيقِيًّا. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ لَا يُقَالُ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُقَالُ هَذَا الَّذِي هُوَ لِلزَّمَانِ وَلَا يُقَالُ فِي الدَّارِ الَّذِي هُوَ لِلْمَكَانِ. [قَوْلُهُ: يُقَالُ وَسَطَ الدَّارِ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ بِسُكُونِ السِّينِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوَسَطُهَا فَبِفَتْحِ السِّينِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، [قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَفْظِ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى حَذْفُهَا. [بَعْض الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِقَضَاءِ الصَّلَاةِ] [قَوْلُهُ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ وَأَوْلَى الْمَجْنُونُ [قَوْلُهُ: فِي حَالِ إغْمَائِهِ] أَيْ أَوْ حَالِ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ الْحَلَالِ لِمَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ لَبَنًا أَوْ عَسَلًا. [قَوْلُهُ: قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا] أَيْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ فِي إغْمَائِهِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا خِلَافًا لِابْنِ عُمَرَ فِي أَنَّهُ يَقْضِي مَا قَلَّ كَخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَدُونَ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ إغْمَاؤُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً يَقْضِي وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي إلَخْ] إنَّمَا فَسَّرَ يَقْضِي بِيُؤَدِّي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فِعْلُ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ، وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ قَضَاءٌ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ الْمُشَاكَلَةَ فَعَبَّرَ بِيَقْضِي لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَةِ الْقَضَاءِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُشَاكَلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغُرُوبُ فِي الظُّهْرِ] أَيْ نِهَايَتُهُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: الَّذِي يَلْزَمُهُ فِيهِ أَدَاءُ مَا أَفَاقَ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَيُؤَدِّي وَسُقُوطُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَدَاءُ وَهُوَ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ لَا يَقْضِي مَا خَرَجَ وَقْتُهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ طَهَارَةٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا الطُّهْرُ الْحَدَثِيُّ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا أُغْمِيَ إلَخْ] وَإِنْ بَقِيَ لِلْغُرُوبِ مِقْدَارُ أَرْبَعٍ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ سَقَطَتْ الْعَصْرُ وَتَخَلَّدَتْ الظُّهْرُ فِي ذِمَّتِهِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهِمَا مِقْدَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لِلْغُرُوبِ أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا بَقِيَ أَرْبَعٌ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَقِيَ خَمْسٌ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فَضْلَ رَكْعَةٍ عَلَى الْأَوْلَى، وَإِنْ بَقِيَ لِلْفَجْرِ مِقْدَارُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ سَقَطَتْ الْعِشَاءُ وَتَخَلَّدَتْ الْمَغْرِبُ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا بِهِ الْإِدْرَاكُ بِهِ السُّقُوطُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحَائِضُ] وَمِثْلُهَا النُّفَسَاءُ [قَوْلُهُ: بَعْدَ طُهْرِهَا بِالْمَاءِ] حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مِنْ

(فَإِذَا) تَطَهَّرَتْ نَهَارًا و (بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ طُهْرِهَا) بِالْمَاءِ زَادَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلُبْسِ ثِيَابِهَا (بِغَيْرِ تَوَانٍ) أَيْ بِغَيْرِ تَأْخِيرٍ لِطُهْرِهَا وَلُبْسِ ثِيَابِهَا (خَمْسُ رَكَعَاتٍ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا تُقَدِّرُ لِلْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتُدْرِكُ الظُّهْرَ بِرَكْعَةٍ، فَإِنْ تَذَكَّرَتْ مَنْسِيَّتَيْنِ قَبْلَ حَيْضِهَا صَلَّتْهُمَا أَوَّلًا لِلتَّرْتِيبِ ثُمَّ تَقْضِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ؛ لِأَنَّهَا طَهُرَتْ فِي وَقْتِهِمَا، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا تُقَدِّرُ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تَجْعَلُ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرِ رَكْعَةً (وَإِنْ) طَهُرَتْ لَيْلًا وَ (كَانَ الْبَاقِي مِنْ اللَّيْلِ) بَعْدَ طُهْرِهَا وَلُبْسِ ثِيَابِهَا بِغَيْرِ تَوَانٍ (أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى التَّقْدِيرِ بِالْمَغْرِبِ فَيَكُونُ لَهَا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَتَبْقَى رَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا تُقَدِّرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ لِلْعِشَاءِ وَرَكْعَةٍ لِلْمَغْرِبِ. (وَ) أَمَّا (إنْ كَانَ) الْبَاقِي (مِنْ النَّهَارِ أَوْ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي (صَلَّتْ الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ) فَقَطْ وَهِيَ الْعَصْرُ فِي الْأَوَّلِ وَالْعِشَاءُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ وَهِيَ طَاهِرَةٌ إلَّا وَقْتَهَا وَهَذَا فِي حَقِّ الْحَاضِرَةِ، وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ تُصَلِّي الصَّلَاةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ إنْ أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، أَمَّا إنْ أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ صَلَّتْ الصَّلَاتَيْنِ. وَفِي الْمِثَالِ الثَّانِي تُصَلِّي الصَّلَاتَيْنِ إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ الْوَقْتِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَقَدَّرَتْ بِالْعِشَاءِ، أَمَّا إنْ قَدَّرَتْ بِالْمَغْرِبِ صَلَّتْهَا فَقَطْ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا إذَا طَهُرَتْ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا إذَا حَاضَتْ كَذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِنْ حَاضَتْ لِهَذَا التَّقْدِيرِ) يَعْنِي تَقْدِيرَ خَمْسِ رَكَعَاتٍ لِلنَّهَارِ وَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلَّيْلِ (لَمْ تَقْضِ مَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهِ) ظَاهِرُهُ أَخَّرَتْ ذَلِكَ نَاسِيَةً أَوْ عَامِدَةً وَهِيَ فِي الْعَمْدِ عَاصِيَةٌ، فَإِنْ حَاضَتْ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَمْ تَقْضِهِمَا؛ لِأَنَّهَا حَاضَتْ فِي وَقْتِهَا (وَإِنْ حَاضَتْ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ التَّيَمُّمِ وَإِلَّا قُدِّرَ لَهَا الطُّهْرُ بِالتُّرَابِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَدَّرُ الطُّهْرُ زِيَادَةً عَلَى مَا تُدْرَكُ فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمِثْلُهَا سَائِرُ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ غَيْرُ الْكَافِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَلُبْسِ ثِيَابِهَا] هُوَ الَّذِي زَادَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا الطُّهْرُ الْحَدَثِيُّ لَا الْخَبَثِيُّ فَلَا يُقَدَّرُ سَتْرُ عَوْرَةٍ وَلَا اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَلَا اسْتِبْرَاءُ وَاجِبٍ، أَنْ لَوْ اُحْتِيجَ لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ عج، وَاعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يُعْتَبَرُ الطُّهْرُ فِي جَانِب الْإِدْرَاكِ يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي جَانِبِ السُّقُوطِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ شَرَعَتْ فِي الظُّهْرِ لِظَنِّ إدْرَاكِ الصَّلَاتَيْنِ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ صَلَّتْ الْعَصْرَ وَسَقَطَتْ الظُّهْرُ، وَتُتِمُّ مَا تَشْرَعُ فِيهِ نَافِلَةً فَتُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْخُولٍ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِغَيْرِ تَأْخِيرٍ لِطُهْرِهَا] يُعْتَبَرُ زَمَنُ طُهْرِهَا عَلَى الْمُعْتَادِ لِمِثْلِهَا لَا مَعَ سُرْعَةِ الْعَجَلَةِ وَلَا مَعَ التَّسَاهُلِ فِي الْفِعْلِ وَالْهَيْئَةِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَافِرَةُ فَإِنَّهَا تُقَدِّرُ بِثَلَاثٍ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللَّيْلَتَيْنِ بَيْنَ الْحَاضِرَةِ وَالْمُسَافِرَةِ فِي أَنَّهَا تُقَدِّرُ بِفِعْلِ رَكْعَةٍ مِنْ الْأُولَى فَحِينَئِذٍ يُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَ مِنْ اللَّيْلِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَيْ وَلَوْ فِي السَّفَرِ. [قَوْلُهُ: وَقُدِّرَتْ بِالْعِشَاءِ] تَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا إنْ قُدِّرَتْ بِالْمَغْرِبِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي تَقْدِيرَ إلَخْ] عَلَى هَذَا الْحَلِّ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْعِبَارَةِ لَا يَكُونُ مَا سَيَأْتِي تَكْرَارًا، إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي مَسْأَلَةٍ مَا إذَا حَاضَتْ لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلَّيْلِ خِلَافًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ الْإِشَارَةُ إلَى الْأَرْبَعِ تَقْدِيرَاتٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ خَمْسُ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَرْبَعٌ مِنْ اللَّيْلِ وَأَقَلُّ مِنْ خَمْسٍ فِي النَّهَارِ وَأَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ فِي اللَّيْلِ، فَعَلَيْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا تَكْرَارًا وَيَكُونُ قَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْعَمْدِ عَاصِيَةٌ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَأْخِيرٌ لِلْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ وَهُوَ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: قَضَتْ الْأُولَى فَقَطْ] وَتَسْقُطُ الثَّانِيَةُ لِحَيْضِهَا فِي وَقْتِهَا

[أيقن بالوضوء وشك في الحدث]

وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (أَوْ) حَاضَتْ (لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ) أَيْ بَقِيَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ أَنْ تُوقِعَ فِيهِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ (إلَى رَكْعَةٍ) وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ (قَضَتْ) الصَّلَاةَ (الْأُولَى فَقَطْ) وَهِيَ الظُّهْرُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالْمَغْرِبُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا أَدْرَكَتْهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ (وَاخْتُلِفَ فِي حَيْضِهَا) يَعْنِي إذَا حَاضَتْ (لِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ) يَعْنِي وَالْبَاقِي مِنْهُ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ أَنْ تُوقِعَ فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ (فَقِيلَ) الْحُكْمُ فِيهِ (مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا إذَا حَاضَتْ لِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنْ اللَّيْلِ تَقْضِي الصَّلَاةَ الْأُولَى فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالثَّانِيَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْتَ إذَا ضَاقَ حَتَّى لَا يَسَعَ إلَّا إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا إنَّمَا هِيَ الْأَخِيرَةُ (وَقِيلَ) الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهَا (حَاضَتْ فِي وَقْتِهِمَا فَلَا تَقْضِيهِمَا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ إذْ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ فِي مُشْتَرَكَتَيْ الْوَقْتِ بِالْأُولَى، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَوَّلَ الصَّلَاتَيْنِ لَمَّا وَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُخْرَى فِعْلًا وَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهَا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَقُّهَا أَنْ تُذْكَرَ فِي مُوجِبَاتِ الْوُضُوءِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ) وَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكِحٍ (ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ) وُجُوبًا عَلَى الْمَشْهُورِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ الَّذِي شَكَّ فِيهِ رِيحًا أَوْ غَيْرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا، وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ الْمُسْتَنْكِحِ تَبَعًا لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُسْتَنْكِحِ الَّذِي كَثُرَتْ مِنْهُ الشُّكُوكُ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَوَّلِ خَاطِرٍ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ اعْتَمَدَ هَذَا وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ سُقُوطُ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خَاطِرٍ أَلْبَتَّةَ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْمِيمِ فِي الْحَدَثِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا خُيِّلَ إلَيْهِ أَنَّ رِيحًا خَرَجَ مِنْهُ فَلَا يَتَوَضَّأُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ بِهِ وَإِنْ دَاخَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَقْتُ إذَا ضَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ إدْرَاكًا وَسُقُوطًا. [أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ] [قَوْلُهُ: وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مُصَاحَبَةُ الشَّكِّ لِلْيَقِينِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِثُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ لِيُعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ الشَّكَّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْيَقِينِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سَاقِطٌ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَدَثِ مُطْلَقُ النَّاقِصِ وَلَوْ سَبَبًا سِوَى الرِّدَّةِ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ فِيهَا لِعَدَمِ حُصُولِهَا بِالشَّكِّ، وَالشَّكُّ التَّرَدُّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، فَأَوْلَى إذَا كَانَ النَّقْضُ مَظْنُونًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُتَوَهَّمًا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّكُّ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجِهَا إلَخْ] إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِهِ مُتَيَقِّنَ الطَّهَارَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّمَادِي فِيهَا، وَبَعْدَ تَمَامِهَا إنْ بَانَ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ يَعُدْهَا، وَإِنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ أَعَادَهَا وُجُوبًا. تَنْبِيهٌ: كَمَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي صُورَةِ الْمُصَنِّفِ يَجِبُ فِي عَكْسِهَا بِالْأَوْلَى وَهِيَ مَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ، وَكَذَا إذَا تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا أَوْ شَكَّ فِيهِمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا أَوْ لَا أَوْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الْوُضُوءِ، وَشَكَّ مَعَ ذَلِكَ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى [قَوْلُهُ: عَلَى أَوَّلِ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ سَبَقَ إلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فَلَا يُعِيدُ، وَإِنْ سَبَقَ إلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى طَهَارَةٍ أَعَادَ؛ لِأَنَّهُ فِي الْخَاطِرِ الْأَوَّلِ مُشَابِهٌ لِلْعُقَلَاءِ وَفِي الثَّانِي يُفَارِقُهُمْ. [قَوْلُهُ: هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، [قَوْلُهُ: إذَا خُيِّلَ إلَيْهِ] الْمُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ خُطُورٍ بِالْبَالِ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ إلَى شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُوقِنَ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَحِينَئِذٍ فَالتَّخَيُّلُ شَامِلٌ لِلشَّكِّ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ دَاخَلَهُ] الْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا وَقَوْلُهُ بِالْحِسِّ، أَيْ بِسَبَبِ الْحِسِّ أَيْ الصَّوْتِ الْخَفِيِّ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ فِي شَكِّهِ لِصَوْتٍ خَفِيٍّ، وَقَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ إلَّا أَنْ يُوقِنَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ سَاوَى التَّخَيُّلُ الشَّكَّ فِي عَدَمِ إيجَابِ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْمُوجِبَ، فَإِنْ قُلْت قَدْ فَسَّرْت الْحِسَّ بِالصَّوْتِ الْخَفِيِّ فَمَا سَنَدُك

[حكم من ترك شيئا من فرائض الوضوء أو من سننه]

الشَّكُّ بِالْحِسِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ شَكَّ هَلْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْقُرْبِ أَوْ بَعْدَ الطُّولِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَالْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةٌ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ) يَعْنِي مِنْ مَغْسُولِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالرِّجْلَانِ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَمَمْسُوحِهِ وَهُوَ الرَّأْسُ (فَإِنْ كَانَ) ذِكْرُهُ لَهُ (بِالْقُرْبِ أَعَادَ) بِمَعْنَى فَعَلَ (ذَلِكَ) الْمَتْرُوكَ بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَبِالْغُسْلِ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَغْسُولًا، وَبِالْمَسْحِ مَرَّةً إنْ كَانَ مَمْسُوحًا وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ فِعْلِ الْمَتْرُوكِ أَعَادَ (مَا يَلِيهِ) ق: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ خَاصَّةً مِثْلَ أَنْ يَنْسَى غَسْلَ وَجْهِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَيَغْسِلُ الْيَدَيْنِ خَاصَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُعِيدُهُ وَمَا يَلِيهِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ فَقَوْلُهُ: وَمَا يَلِيهِ يَعْنِي مَعَ مَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ وَاسْتِحْبَابًا لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، وَاخْتَلَفَ ق فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ رَاجِعٌ لِلْعُرْفِ. ع: وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ تَحْدِيدٌ وَقِيلَ: حَدُّهُ مَا لَمْ تَجِفَّ الْأَعْضَاءُ فِي الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ وَالْعُضْوِ الْمُعْتَدِلِ وَالْمَكَانِ الْمُعْتَدِلِ. ق: وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ) يَعْنِي ذِكْرَ الْمَنْسِيِّ (أَعَادَهُ) يَعْنِي فَعَلَهُ بِنِيَّةٍ اتِّفَاقًا (فَقَطْ) عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُهُ وَمَا بَعْدَهُ كَالْقُرْبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت الْمِصْبَاحُ. [حُكْمِ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ أَوْ مِنْ سُنَنِهِ] [قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَ مِنْ وُضُوئِهِ شَيْئًا إلَخْ] نَسِيَهُ حَالَ الْوُضُوءِ أَوْ شَكَّ فِي نِسْيَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا إذْ الْمُسْتَنْكِحُ يُطْلَبُ بِطَرْحِ الشَّكِّ، وَلَا يَغْسِلُ مَا شَكَّ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَجْهُ] أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَعَلَ إلَخْ] أَيْ فَمَعْنَى الْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهَلْ اسْتِعْمَالُ أَعَادَ بِمَعْنَى فِعْلِ تَجَوُّزٍ أَوَّلًا لِاسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَثِيرًا؟ قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي تت، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ الْمَشْهُورُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْأُولَى مُنْسَحِبَةٌ قُلْت وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: بِالْمَسْحِ مَرَّةً إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَرَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ تُمْسَحُ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى فَرْضٌ وَالثَّانِيَةُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وُجُوبًا] أَيْ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَقَضِيَّةُ الْكَلَامِ أَنَّ غَسْلَهُ ثَلَاثًا وَاجِبٌ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْأُولَى، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِنَا الْأُولَى إلَخْ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ ثَلَاثًا، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ الْمَرَّةُ. [قَوْلُهُ: عَادَ مَا يَلِيهِ] أَيْ يَغْسِلُ مَا يَلِي الْمَتْرُوكَ الْعُضْوَ أَوْ اللَّمْعَةَ مَرَّةً إنْ كَانَ غَسَلَهُ أَوَّلًا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ غَسَلَهُ مَرَّةً يَغْسِلُهُ مَرَّتَيْنِ، لَا يُقَالُ إذَا كَانَ فَعَلَ مَا بَعْدَهُ ثَلَاثًا فَفِعْلُهُ الْآنَ مَرَّةً يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ وَهَلْ تُكْرَهُ الرَّابِعَةُ أَوْ تُمْنَعُ خِلَافٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَا يُطْلَبُ بِهَا لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ وَهُنَا طُلِبَ بِهَا لِأَجْلِهِ وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِيمَا يَلِي اللَّمْعَةَ، هَلْ هُوَ بَقِيَّةُ الْعُضْوِ الْمَتْرُوكِ مِنْهُ أَوْ الْعُضْوُ الَّذِي يَلِي الْعُضْوَ الْمَتْرُوكَ مِنْهُ اللَّمْعَةُ؟ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ فَيَغْسِلُ اللَّمْعَةَ ثَلَاثًا بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْوُضُوءِ وَيُعِيدُ الْعُضْوَ التَّالِيَ لِعُضْوِ اللَّمْعَةِ وَلَا يَغْسِلُ مَا تَرَكَ مِنْهُ اللَّمْعَةَ [قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابًا] كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَفِي بَعْضِهَا اسْتِنَانًا. [قَوْلُهُ: فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ حَدُّهُ إلَخْ] وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَلَعَلَّهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَوْلَى فِي غَيْرِهَا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ حَدُّهُ مَا لَمْ تَجِفَّ الْأَعْضَاءُ] وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جَفَافُ الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْعُضْوِ الْأَخِيرِ، وَانْظُرْ لَوْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْقُرْبِ أَوْ الْبَعْدِ؟ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فَفِي الْعَمْدِ يُحْمَلُ عَلَى الْبُعْدِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَفِي النِّسْيَانِ يُحْمَلُ عَلَى الْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ أَيْضًا اهـ. [قَوْلُهُ: ق وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ] بِأَنْ لَمْ يَتَذَكَّرْهُ إلَّا بَعْدَ جَفَافِ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ آخِرًا. [قَوْلُهُ: يَعْنِي فَعَلَهُ] أَيْ ثَلَاثَةً بِنِيَّةٍ وَيُطْلَبُ مِنْ النَّاسِي أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) يَعْنِي تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وُضُوئِهِ مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وُجُوبًا (إنْ طَالَ ذَلِكَ) أَيْ تَرْكُ غَسْلِ الْعُضْوِ الْمَغْسُولِ وَمَسْحِ الْمَمْسُوحِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَوْرَ وَاجِبٌ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ وَهُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ ذَلِكَ وَلَمْ يَطُلْ أَعَادَهُ وَمَا بَعْدَهُ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ، فَالْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُرْبِ وَيَفْتَرِقَانِ فِي الطُّولِ (وَإِنْ كَانَ) الَّذِي تَرَكَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْ وُضُوئِهِ (قَدْ صَلَّى) بِهَذَا الْوُضُوءِ (فِي) جَمِيعِ صُوَرِ (ذَلِكَ) الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ (أَعَادَ صَلَاتَهُ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَفِي نُسْخَةٍ (وَوُضُوءَهُ) . وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ) الْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى أَوْ أَيْ، وَإِنْ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ (إنْ كَانَ) التَّذَكُّرُ لِلْمَنْسِيِّ (قَرِيبًا فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَنْسِيَّ فَقَطْ (وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ) عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيمَا بَيْنَ الْمَسْنُونِ وَالْمَفْرُوضِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْقِسْمُ السَّادِسُ أَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْسِيَّ فَوْرًا، وَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الذِّكْرِ حَتَّى طَالَ فَسَدَ وُضُوءُهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي الْمُتَكَرِّرِ عَلَى الْمُتَعَمَّدِ، وَمُقَابِلُهُ يُعْذَرُ بِهِ فَيَفْعَلَ الْمَنْسِيَّ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَوْرَ وَاجِبٌ] فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَرْضِيَّتُهُ وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالْوُضُوءِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ مُتَفَاحِشٍ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَوَجْهُ الْأَخْذِ أَنَّهُ أَوْجَبَ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ مَعَ الْعَمْدِ فِي حَالِ الطُّولِ وَالْبِنَاءَ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ، وَقَوْلُنَا مَعَ الذِّكْرِ وَأَمَّا لَوْ كَانَ نَاسِيًا لَبَنَى وَإِنْ طَالَ، وَأَمَّا مَفْهُومُ الْقُدْرَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ بِأَنْ يُعِدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ فَيُغْصَبَ مِنْهُ أَوْ يُرَاقَ أَوْ يَتَبَيَّنَ عَدَمُ كِفَايَتِهِ فَهُوَ كَالْعَامِدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَطُلْ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ نَوْعَ تَقْصِيرٍ بِعَدَمِ احْتِيَاطِهِ بِتَكْثِيرِ الْمَاءِ، وَأَمَّا مَنْ أَعَدَّ مِنْ الْمَاءِ مَا يَقْطَعُ بِكِفَايَتِهِ فَأُرِيقَ مِنْهُ مَثَلًا فَهُوَ كَالنَّاسِي وَمِثْلُهُ الْمُكْرَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْإِكْرَاهَ يَكُونُ بِمُطْلَقِ التَّخْوِيفِ بِالْأَمْرِ الْمُؤْلِمِ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَعَادَهُ وَمَا بَعْدَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِوُجُودِهَا وَإِعَادَةِ مَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ. تَنْبِيهٌ: لَا مَفْهُومَ لِلْوُضُوءِ بَلْ مِثْلُهُ الْغُسْلُ فِي التَّفْصِيلِ، فَإِذَا ذَكَرَ عُضْوًا أَوْ لَمْعَةً مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ فَإِنَّهُ مَعَ التَّرْكِ نِسْيَانًا أَوْ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ مَثَلًا يَبْنِي بِنِيَّةِ إتْمَامِ الْغَسْلِ وَلَوْ مَعَ الطُّولِ، وَيَبْتَدِئُهُ حِينَئِذٍ مَعَ الْعَمْدِ وَلَكِنْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِعْلِ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ مِنْ الْقُرْبِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْغُسْلِ لَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ وَيَفْعَلُ الْمَتْرُوكَ مَرَّةً إلَّا الرَّأْسَ فَتُثَلَّثُ لِطَلَبِ التَّثْلِيثِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَعَادَهُ وَمَا بَعْدَهُ إلَخْ] لَكِنَّ إعَادَتَهُ وَاجِبَةٌ وَإِعَادَةَ مَا بَعْدَهُ سُنَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَوُضُوءَهُ] لَكِنَّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ إنَّمَا هِيَ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَهُ عَمْدًا وَطَالَ وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ وَوُضُوءَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ابْتَدَأَ الْوُضُوءَ وَإِنْ طَالَ، بَلْ الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَغَيْرُ مُوهِمٍ لِلْعُمُومِ لَكِنَّهُ اتَّكَلَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ ذَكَرَ مِثْلَ الْمَضْمَضَةِ إلَخْ] أَيْ مِمَّا هُوَ سُنَّةٌ وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ غَيْرُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مُوقَعًا فِي مَكْرُوهٍ احْتِرَازًا مِنْ تَرْكِ فَضِيلَةٍ كَشَفْعِ غَسْلِهِ وَتَثْلِيثِهِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ بِإِعَادَتِهَا أَصْلًا، وَقَوْلُنَا وَلَمْ يَنُبْ عَنْهُ غَيْرُهُ احْتِرَازًا عَنْ رَدِّ مَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْكُوعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْهُمَا غَيْرُهُمَا، وَقَوْلُنَا وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ إلَخْ، احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِنْثَارِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لِإِعَادَةِ الِاسْتِنْشَاقِ. وَعَنْ تَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِتَكْرِيرِ الْمَسْحِ [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ نَسِيَهُ] وَمِثْلُ تَحَقُّقِ النِّسْيَانِ ظَنُّ التَّرْكِ كَالشَّكِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكِحًا [قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ الْمَنْسِيَّ] أَيْ اسْتِنَانًا حَيْثُ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَلَوْ لَمْ يُرِدْ فِعْلَ قُرْبَةٍ لَا إنْ كَانَ مُرَادُهُ نَقْضَ طَهَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعِدْ مَا بَعْدَهُ] سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ مَفْرُوضًا فِي النِّسْيَانِ وَالْقُرْبِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ رَدٌّ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِفِعْلِهَا وَبِفِعْلِ

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ تَطَاوَلَ) ذِكْرُ مَا نَسِيَهُ مِنْ سُنَنِ وُضُوئِهِ (فَعَلَ ذَلِكَ) الْمَنْسِيَّ فَقَطْ دُونَ مَا بَعْدَهُ (مَا يُسْتَقْبَلُ) مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ لِلْعَصْرِ إنْ بَقِيَ عَلَى وُضُوئِهِ. (وَ) إذَا صَلَّى بِالْوُضُوءِ الَّذِي نَسِيَ مِنْهُ سُنَّةً (لَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى) بِهِ (قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ) الْمَتْرُوكَ نِسْيَانًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ سُنَنُ الْغُسْلِ. ج: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى هُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَمْدًا فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ وَإِنْ ذَكَرَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ النَّاسِيَ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَرْدِيًّا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنِ الصَّلَاةِ احْتِمَالُ وُجُوبِ سُنَنِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَضَعُفَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ: «تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ» . ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَعَمِّدِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَا يُعِيدُ النَّاسِي اتِّفَاقًا وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا حُكْمِ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ. (وَمَنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ حَصِيرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (وَبِمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ) وَيُرْوَى مِنْهَا (نَجَاسَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَعْدَهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ سُنَّةٌ فَعَلَيْهِ يُعِيدُ مَا بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ غَيْرُ وَاجِبٍ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنْدُوبٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تَصْدُقُ بِالسُّنِّيَّةِ، مَعَ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا كَانَ سُنَّةً يَقْتَضِي فِعْلَ مَا بَعْدُ أَيْضًا كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ الْمَنْسِيَّ فَقَطْ] أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ كَمَا قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ، وَقِيلَ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ] مِثَالٌ لِلطُّولِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُ لِلْعَصْرِ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ يُسَنُّ فِي حَقِّهِ فِعْلُ السُّنَّةِ الْمَتْرُوكَةِ، وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَهَارَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَعَ الْقُرْبِ يَفْعَلُ الْمَتْرُوكَ مِنْ السُّنَنِ حَيْثُ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا، وَمَعَ الطُّولِ فَإِنَّمَا يُسَنُّ فِعْلُهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْ الطَّوَافَ، وَمُفَادُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّ الطُّولَ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَعَدَمَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ الْجَلَّابِ وَنَصُّهُ: وَمَنْ تَرَكَهُمَا أَيْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فِي وُضُوئِهِ ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ قَبْلَ صَلَاتِهِ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَلَمْ يُعِدْ وُضُوءَهُ، وَإِنْ تَرَكَهُمَا حَتَّى صَلَّى فَعَلَهُمَا لِمَا يَسْتَقْبِلُ لِتَقَعَ الصَّلَاةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ كَامِلَةَ السُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ، اهـ وَكَلَامُ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ عَمْدًا] وَأَمَّا لَوْ كَانَ نِسْيَانًا فَلَا إعَادَةَ اتِّفَاقًا [قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ] وَقِيلَ يُعِيدُ الْعَامِدُ فِي الْوَقْتِ وَالنَّاسِي لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يُعِيدُ الْعَامِدُ أَبَدًا خَرَّجَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي نُسْخَةٍ اطَّلَعْت عَلَيْهَا مِنْ ابْنِ نَاجِي وَلَمْ أَرَ فِيهَا الْقَوْلَ الرَّابِعَ. [قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا] أَيْ فَيَكُونُ قَائِلًا بِنَدْبِ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ، وَقَوْلُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ طَرْدِيًّا أَيْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَيَكُونُ قَائِلًا بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ رَأْسًا. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ] أَيْ حَيْثُ جَرَى الْخِلَافُ الْقَوِيُّ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ سُنَّةً عَمْدًا مِنْ سُنَنِهَا فَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ وَقِيلَ بِعَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَك اللَّهُ] أَيْ وَلَمْ يَأْمُرْ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُتَعَمِّدِ إلَخْ] هَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: مِنْ هَذَا] أَيْ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِدِ سَوَاءٌ طَالَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْعَامِدَ فِي حَالَةِ الْقُرْبِ إنَّمَا يُعْلَمُ حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ عَلَى النَّاسِي. [قَوْلُهُ: حُكْمُ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ] وَهُمَا تَرْكُ الْعَامِدِ طَالَ أَمْ لَا وَالْحَاصِلُ، أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي يَفْعَلُهَا إذَا لَمْ يُصَلِّ فَإِذَا صَلَّى فَالْعَامِدُ يَفْعَلُهَا وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَأَمَّا النَّاسِي فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا لِمَا يَسْتَقْبِلُ. تَتِمَّةٌ: تَرَكَ الْكَلَامَ عَلَى مَا إذَا نَكَسَ بِأَنْ قَدَّمَ الْيَدَيْنِ مَثَلًا عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُنَكَّسَ يُعَادُ وَحْدَهُ إنْ

[طهارة محل الصلاة]

سَوَاءٌ كَانَتْ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً تَحَرَّكَتْ بِحَرَكَتِهِ أَوْ لَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لَا بُطْلَانَ صَلَاةٍ وَلَا إعَادَتَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خُوطِبَ بِطَهَارَةِ بُقْعَتِهِ. ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ مَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِمَامَةِ يَكُونُ بِطَرْفِهَا الْمَسْدُولِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَهَذَا إنْ تَحَرَّكَتْ النَّجَاسَةُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ؛ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْحَصِيرِ. (وَالْمَرِيضُ إذَا كَانَ) مُقِيمًا (عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْسُطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا طَاهِرًا كَثِيفًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ) وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجِسُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَشُرِطَ فِي الْحَائِلِ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا احْتِرَازًا مِنْ النَّجِسِ، وَأَنْ يَكُونَ كَثِيفًا أَيْ صَفِيقًا احْتِرَازًا مِنْ الْخَفِيفِ الَّذِي يَشِفُّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ لَا يُغْتَفَرُ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ عَامٌّ لِلْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ يُونُسَ وَصَرَّحَ ق بِمَشْهُورِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ حَائِلًا طَاهِرًا. وَقَالَ ع: وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَرِيضَ بِالذِّكْرِ لِلْغَالِبِ أَوْ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ. (وَصَلَاةُ الْمَرِيضِ) الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ) فِيهَا لِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ لَا مُسْتَقِلًّا وَلَا مُسْتَنِدًا لِغَيْرِ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ (صَلَّى جَالِسًا) فَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْلِسَ مُتَرَبِّعًا فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ (إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعُدَ الْأَمْرُ وَالْبُعْدُ مُقَدَّرٌ بِجَفَافِ الْأَعْضَاءِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْمُعْتَدِلَيْنِ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ وَحْدَهُ مَرَّةً اسْتِنَانًا إنْ نَكَسَ سَهْوًا، وَإِلَّا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا أَيْ نَدْبًا فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ كَمَا نَقَلَ الْمَوَّاقُ، وَأَمَّا مَعَ الْقُرْبِ بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَإِنَّهُ يُعِيدُ الْمُنَكَّسَ ثَلَاثًا اسْتِنَانًا مَعَ تَابِعِهِ شَرْعًا لَا فِعْلًا مَرَّةً مَرَّةً نَدْبًا. [طَهَارَة مَحِلّ الصَّلَاة] [قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ] وَلَوْ لَمَسَتْهَا ثِيَابُهُ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَرْوَةِ الَّتِي بِبَاطِنِهَا نَجَاسَةٌ وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ حَيْثُ كَانَ الشَّعْرُ سَاتِرًا لِلْجِلْدِ وَلَا نَجَاسَةَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ] كَأَنَّهُ يَقُولُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَذَا وَهَذَا الظَّاهِرُ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ إذْ لَا فَرْقَ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ابْتِدَاءً لَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَيَجُوزُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ] أَيْ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: ثَوْبًا طَاهِرًا] غَيْرَ حَرِيرٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُفْرَشُ أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا عَنْ الْمُصَلِّي وَإِلَّا بَطَلَتْ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْخَفِيفِ الَّذِي يَشِفُّ] الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ يَشِفُّ بِحَيْثُ تَبْدُو النَّجَاسَةُ بِدُونِ تَأَمُّلٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قِيلَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ عَامٌّ لِلْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا كَمَا فِي عج خِلَافًا لتت. [صَلَاة الْمَرِيض] [قَوْلُهُ: الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ] أَيْ الْمُقَابِلَةُ لِلسُّنَّةِ فَيَدْخُلُ فِيهَا النَّفَلُ الْمَنْذُورُ فِيهِ الْقِيَامُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهِمَا. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ] بِأَنْ عَجَزَ عَنْهُ جُمْلَةً أَوْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ إذَا كَانَ مَرِيضًا، وَمُلَخَّصُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ جُمْلَةً أَوْ يَخَافُ بِهِ مَرَضًا أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَرِيضًا لَا إنْ كَانَ صَحِيحًا، فَلَا تَكُونُ الْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ مُبِيحَةً لَهُ تَرْكَ الْقِيَامِ تَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ جَالِسًا، وَاعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْقِيَامِ اسْتِقْلَالًا إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ فِعْلِ الْفَرْضِ كَالرُّكُوعِ وَالْإِحْرَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا، فَإِذَا اسْتَنَدَ الْمَأْمُومُ فِي حَالِ قِرَاءَتِهَا لِعِمَادٍ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْعِمَادُ لَسَقَطَ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ كَحَالِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ مُطْلَقًا، أَيْ فَذًّا أَوْ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا كَمَا قَرَّرَهُ مَنْ يُدْرِكُ وَلَا تَلْتَفِتُ لِمَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ وَاغْتَرَّ بِظَاهِرِ عِبَارَةِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَالِاسْتِنَادُ فِي نَحْوِ الرُّكُوعِ مُبْطِلٌ حَيْثُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ لَا عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فَتَبْطُلُ الرَّكْعَةُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ] فَإِنْ اسْتَنَدَ لِأَحَدِهِمَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِمَا صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَالْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَهُوَ الضَّرُورِيُّ فِي الصُّبْحِ وَالْعِشَاءَيْنِ، وَالِاخْتِيَارِيُّ فِي الْعَصْرِ وَالِاخْتِيَارِيُّ وَبَعْضُ الضَّرُورِيِّ فِي الظُّهْرِ، وَحَاصِلُهُ أَنْ تَقُولَ وَلِلِاصْفِرَارِ فِي الظُّهْرَيْنِ وَهَذَا الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الضَّرُورِيُّ وَأَطْلَقَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ، أَيْ جُنُبٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مَحْرَمٍ أَوْ حَائِضٍ مَحْرَمٍ، وَأَمَّا غَيْرُ مَحْرَمٍ فَلَا يَصِحُّ

قَدَرَ عَلَى التَّرَبُّعِ) لِيُنْبِئَ جُلُوسُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَنْ الْبَدَلِيَّةِ عَنْ الْقِيَامِ، وَقِيلَ: يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَيِّرُ جِلْسَتِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنْ يَثْنِيَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَجْعَلَ بُطُونَ أَصَابِعِهَا إلَى الْأَرْضِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ، وَكَذَا الْأَفْضَلِ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ جَالِسًا التَّرَبُّعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ الَّذِي فَرْضُهُ الْجُلُوسُ عَلَى التَّرَبُّعِ (فَ) أَنَّهُ يَجْلِسُ (بِقَدْرِ طَاقَتِهِ) مِنْ الْجُلُوسِ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمَرِيضُ الَّذِي فَرْضُهُ الْجُلُوسُ (عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) أَيْضًا (فَلْيُومِئْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) بِرَأْسِهِ وَظَهْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِظَهْرِهِ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِرَأْسِهِ أَوْمَأَ بِمَا يَسْتَطِيعُ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ إذَا أَوْمَأَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْهُ رَفَعَهُمَا عَنْهُمَا، وَإِذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ وَحَائِضٍ حَيْثُ تَحَقَّقَ حُصُولُ لَذَّةٍ، أَوْ اشْتِغَالُ مَقْصِدٍ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ سِوَاهَا فَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ اسْتَنَدَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا حَيْثُ لَا حَيْضَ وَلَا جَنَابَةَ وَإِلَّا كُرِهَ. [قَوْلُهُ: فَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَا لِأَصِحَّاءٍ وَلَا لِمَرْضَى وَلَوْ لِمِثْلِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ، إذْ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ إمَامَتِهِ لِمِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْلِسَ مُتَرَبِّعًا] أَيْ يُنْدَبُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يُغَيِّرُ جِلْسَتَهُ] أَيْ نَدْبًا وَكَذَا يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرَهَا فِي حَالِ السُّجُودِ، وَفِي حَالِ التَّشَهُّدِ لِكَوْنِ الْأُولَى سُنَّةً وَالثَّانِي مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ الَّذِي فَرْضُهُ الْجُلُوسُ عَلَى التَّرَبُّعِ] بِأَنْ عَجَزَ عَنْهُ جُمْلَةً أَوْ يَلْحَقُهُ بِالتَّرَبُّعِ الْمَشَقَّةُ الْفَادِحَةُ. [قَوْلُهُ: يَجْلِسُ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ] وَيَسْتَنِدُ لِغَيْرِ جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَلَهُمَا أَعَادَ بِوَقْتٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ التَّرَبُّعِ وَالْجُلُوسِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمَرِيضُ الَّذِي فَرْضُهُ الْجُلُوسُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا] بِأَنْ عَجَزَ عَنْهُ جُمْلَةً أَوْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ. [قَوْلُهُ: فَلْيُومِئْ بِالرُّكُوعِ] أَيْ فَلْيُشِرْ لِلرُّكُوعِ فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ. [قَوْلُهُ: بِرَأْسِهِ وَظَهْرِهِ] أَيْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَاءِ بِهِمَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِهِمَا وَلَا يُطْلَبُ بِأَزْيَدَ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُسْعُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِظَهْرِهِ] أَيْ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِهِمَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بَقِيَتْ صُورَةٌ وَهِيَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ بِظَهْرِهِ، وَتَرَكَهَا الشَّارِحُ لِعَدَمِ إمْكَانِهَا عَادَةً وَإِنْ اقْتَضَتْهَا الْقِسْمَةُ الْعَقْلِيَّةُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِرَأْسِهِ] أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ بِظَهْرِهِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا. [قَوْلُهُ: وَأَوْمَأَ بِمَا يَسْتَطِيعُ] قَضِيَّتُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَاجِبِ وَالْعَيْنِ وَالْأُصْبُعِ وَغَيْرِهِمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَعْدَ الرَّأْسِ الْحَاجِبَ وَالْعَيْنَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِإِصْبَعِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي الْمُصَلِّي مِنْ اضْطِجَاعٍ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج أَنَّ التَّرْتِيبَ فِيمَا ذَكَرَ وَاجِبٌ، فَإِنْ قُلْت: لِمَ قَدَّمَ مَرْتَبَةَ الْعَيْنِ أَوْ الْحَاجِبِ عَلَى الْأُصْبُعِ أَقْوَى قُلْت: لَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ حَرَكَةَ الْحَاجِبِ وَالْعَيْنِ لَمَّا كَانَا مِنْ الرَّأْسِ أَوْ قَرِيبَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ الَّتِي لَهَا دَخْلٌ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قُدِّمَا عَلَى الْأُصْبُعِ الَّذِي لَا دَخْلَ لِلْيَدِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. [قَوْلُهُ: وَيَضَعُ يَدَيْهِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَوْمَأَ لِلرُّكُوعِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قِيَامٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مِنْ قِيَامٍ فَلْيَمُدَّ يَدَيْهِ مُشِيرًا بِهِمَا إلَى رُكْبَتَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جُلُوسٍ أَيْ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَيَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَاسْتَظْهَرَ عج الْوُجُوبَ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْمُومِئُ لِلسُّجُودِ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا إمَّا أَنْ يُومِئَ إلَيْهِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ، أَيْ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ أَوْمَأَ مِنْ قِيَامٍ يُومِئُ بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ وَإِنْ أَوْمَأَ لَهُ مِنْ جُلُوسٍ يَضَعُهُمَا عَلَى الْأَرْضِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ الْإِيمَاءِ بِالْيَدَيْنِ إذَا أَوْمَأَ مِنْ قِيَامٍ وَالْوَضْعُ عَلَى الْأَرْضِ إذَا أَوْمَأَ مِنْ الْجُلُوسِ، الْوُجُوبُ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ عج فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي لَا يَفْعَلُ بِهِمَا شَيْئًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِذَا أَوْمَأَ إلَخْ مُرُورٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَرْجَحِيَّتِهِ عِنْدَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ:

وَضَعَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ (وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ) اسْتِحْبَابًا ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُكْرَهُ لَهُ رَفْعُ شَيْءٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ جَهْلًا لَمْ يُعِدْ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمَرِيضُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا اسْتِقْلَالًا وَلَا مُسْتَنِدًا وَلَا مُتَرَبِّعًا وَلَا غَيْرَ مُتَرَبِّعٍ (صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إيمَاءً) وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا يُوضَعُ فِي لَحْدِهِ (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَنْ يُصَلِّيَ (إلَّا مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ إيمَاءً وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ. (وَلَا يُؤَخِّرُ) الْمُكَلَّفُ بِمَعْنَى لَا يَتْرُكُ (الصَّلَاةَ إذَا كَانَ فِي عَقْلِهِ وَلْيُصَلِّهَا بِقَدْرِ مَا يُطِيقُ) مِنْ قِيَامٍ وَجُلُوسٍ وَإِيمَاءٍ وَاضْطِجَاعٍ وَنَحْوِ مَا قَالَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ، وَفِيهَا أَيْضًا يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَلَا يَدْعُ الْإِيمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَقْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ] أَيْ يَكُونُ إيمَاؤُهُ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَائِهِ لِلرُّكُوعِ اسْتِحْبَابًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ وُجُوبًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنَّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَمَفْهُومٌ أَيْضًا مِنْ عِبَارَةِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ بِالِاسْتِحْبَابِ يَكُونُ ضَعِيفًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِ السُّجُودِ أَخْفَضَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُسْعُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ جَهْلًا لَمْ يُعِدْ] قَالَ الْبِسَاطِيُّ مَفْهُومُهُ لَوْ فَعَلَهُ عَمْدًا لَأَعَادَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ وَلَوْ عَمْدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى بِإِيمَائِهِ الْأَرْضَ فَإِنْ نَوَى بِهِ مَا رُفِعَ دُونَ الْأَرْضِ لَمْ يُجْزِهِ كَمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. [قَوْلُهُ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ] أَيْ نَدْبًا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: فَعَلَ ذَلِكَ] بِأَنْ يَجْعَلَ وَجْهَهُ إلَى السَّمَاءِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الظَّهْرِ صَلَّى مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَرِجْلَاهُ فِي دُبُرِهَا، وَحُكْمُ الِاسْتِقْبَالِ فِي تِلْكَ الْحَالَاتِ الْوُجُوبُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلَوْ صَلَّى لِغَيْرِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ بَطَلَتْ وَالْقُدْرَةُ تَكُونُ بِوُجُودِ مَنْ يُحَوِّلُهُ، فَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُحَوِّلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِيَامِ اسْتِقْلَالًا وَاسْتِنَادًا وَاجِبٌ وَبَيْنَ الْقِيَامِ اسْتِنَادًا مَعَ الْجُلُوسِ اسْتِقْلَالًا مَنْدُوبٌ، وَبَيْنَ الْجُلُوسَيْنِ وَاجِبٌ كَالتَّرْتِيبِ بَيْنَ الْجُلُوسِ مُسْتَنِدًا وَبَيْنَ الِاضْطِجَاعِ بِحَالَتَيْهِ، وَالظَّهْرُ وَالتَّرْتِيبُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ النَّدْبُ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْبَطْنِ الْوُجُوبُ، وَالْمُصَلِّي مِنْ اضْطِجَاعٍ يُومِئُ بِرَأْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ وَحَاجِبَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِأُصْبُعِهِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ عج: أَنَّ تَرْتِيبَ الْإِيمَاءِ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَاجِبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَالَ عج، وَانْظُرْ أَيَّ أُصْبُعٍ هَلْ هُوَ السَّبَّابَةُ أَوْ غَيْرُهَا أَوْ يَكْفِي، أَيُّ أُصْبُعٍ مِنْ الْيَدِ وَهَلْ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى. قَوْلُهُ: وَإِيمَاءٌ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِيمَاءَ مُقَابِلٌ لِلْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ مَعَ أَنَّهُ مُصَاحِبٌ لَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ عَلَى مَا يَسْتَطِيعُ] أَيْ وَلَوْ بِنِيَّةِ أَفْعَالِهَا إنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِطَرْفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَصِفَةُ الْإِتْيَانِ بِهَا أَنْ يَقْصِدَ أَرْكَانَهَا بِقَلْبِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالرَّفْعَ وَالسُّجُودَ وَهَكَذَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَعْضِ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ أَوْ أَفْعَالِهَا إلَّا بِالتَّلْقِينِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ اتِّخَاذُ مَنْ يُلَقِّنُهُ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ لِلصَّلَاةِ قُلْ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَهَكَذَا وَيَقُولُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ افْعَلْ هَكَذَا إشَارَةً إلَى الرُّكُوعِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا] مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَدَعُ الْإِيمَاءَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَوْنِ الْمُضْطَجِعِ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْإِيمَاءُ، وَلَعَلَّ الْقَصْدَ وَلَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِالْإِيمَاءِ وَلَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا، وَالْحَالُ أَنَّ مَعَهُ شَيْئًا مِنْ عَقْلِهِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ مَعَهُ شَيْءٌ إلَخْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَيُصَلِّي مَنْ لَا

[لم يقدر المخاطب بأداء الصلاة على مس الماء لضرر به]

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا ذَكَرَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ فِي بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ شَيْئًا مِنْ مَسَائِلِ التَّيَمُّمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ (عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ) الْمَرِيضُ (مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهُ) أَيْ الْمَاءَ (تَيَمَّمَ) أَيْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمَرِيضُ (مَنْ يُنَاوِلُهُ تُرَابًا تَيَمَّمَ بِالْحَائِطِ إلَى جَانِبِهِ إنْ كَانَ طِينًا) أَيْ بُنِيَ بِالطِّينِ (أَوْ) بُنِيَ بِغَيْرِ طِينٍ وَلَكِنْ رُكِّبَ (عَلَيْهِ طِينٌ) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَشْيَاءُ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِالتُّرَابِ الْمَنْقُولِ، وَأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِالْحَائِطِ إلَّا مَعَ عَدَمِ التُّرَابِ، وَأَنَّ الْحَائِطَ إذَا لَمْ يَكُنْ طِينًا وَلَا عَلَيْهِ طِينٌ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ فَقَطْ عَلَى الْحَائِطِ وَالْحَجَرِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَائِطِ الَّتِي بِجَنْبِهِ (جِصٌّ) أَيْ جِبْسٌ (أَوْ جِيرٌ فَلَا يَتَيَمَّمُ بِهِ) أَيْ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الصَّنْعَةِ فِي ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ الْغَرِيبِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ: جِبْسٌ صَوَابُهُ جِصٌّ، وَقَوْلُهُ: جِيرٌ صَوَابُهُ جِيَارٌ ذَكَرَهُ الزَّبِيدِيُّ فِي لَحْنِ الْعَامَّةِ انْتَهَى. (وَالْمُسَافِرُ) الرَّاكِبُ (يَأْخُذُهُ) أَيْ يَضِيقُ عَلَيْهِ (الْوَقْتُ) الْمُخْتَارُ حَالَةَ كَوْنِهِ سَائِرًا (فِي طِينٍ خَضْخَاضٍ) وَهُوَ مَا يَخْتَلِطُ بِتُرَابٍ حَتَّى يَصِيرَ جَالِسًا، وَيَئِسَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ بِهِ لَكِنَّهُ (لَا يَجِدُ أَيْنَ يُصَلَّى) لِأَجْلِ تَلَطُّخِ ثِيَابِهِ (فَلْيَنْزِلْ عَنْ دَابَّتِهِ وَيُصَلِّي فِيهِ قَائِمًا يُومِئُ) بِالرُّكُوعِ وَبِالسُّجُودِ وَيَكُونُ إيمَاؤُهُ (بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَائِهِ بِالرُّكُوعِ) وَإِذَا أَوْمَأَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ مُتَرَبِّعًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ مِنْ جُلُوسٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَى جَنْبِهِ أَوْ ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَيُومِئُ بِرَأْسِهِ وَلَا يَدَعُ الْإِيمَاءَ وَإِنْ كَانَ مُضْطَجِعًا انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي أَلْجَأَ إلَى التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَدَعُ الْإِيمَاءَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَقْلِهِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ مُوجِبٌ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ لَا الْإِيمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَبْقَى الْعِبَارَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا بِالنَّظَرِ لِعِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْخَالِيَةِ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ. [لَمْ يَقْدِرْ الْمُخَاطَبُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لِضَرَرٍ بِهِ] [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِالتُّرَابِ الْمَنْقُولِ] أَيْ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ نَاوَلَهُ تُرَابًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مَنْ يُنَاوِلُهُ تُرَابًا تَيَمَّمَ لِذَلِكَ التُّرَابِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّقْلَ عَلَى كَلَامِهِ نَقْلُهُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ لَا جَعْلُ حَائِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ، مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فِي التُّرَابِ الْمَنْقُولِ، إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِالْحَائِطِ إلَّا مَعَ عَدَمِ التُّرَابِ] أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِالْحَائِطِ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ لَكِنْ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ بِهِ إلَّا مَعَ عَدَمِ التُّرَابِ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ كَتُرَابٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ طِينًا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ طِينًا أَوْ عَلَيْهِ طِينٌ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ بِهِ، هَذَا مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِنَجَسٍ كَثِيرٍ، وَأَمَّا إنْ خُلِطَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَمَّمُ عَلَى نَجَاسَةٍ وَإِنْ خُلِطَ بِطَاهِرٍ كَتِبْنٍ، فَإِنْ كَانَ الْخَلْطُ بِالطَّاهِرِ أَغْلَبَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التِّبْنُ مُسَاوِيًا أَوْ أَقَلَّ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى ضَابِطِ الْكَثِيرِ مِنْ النَّجِسِ وَهَلْ يُقَالُ بِالْعُرْفِ فَلْيُحَرَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ تَيَمُّمِ إلَخْ] وَكَذَا الصَّحِيحُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَى الْحَائِطِ اللَّبِنِ وَالْحَائِطِ الْحَجَرِ لِلْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ. [قَوْلُهُ: جِبْسٌ صَوَابُهُ جِصٌّ] النُّسْخَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ جِبْسٌ لَا جِصٌّ وَاَلَّذِي فِي التَّتَّائِيِّ وَالْفَاكِهَانِيِّ جِصٌّ فَهِيَ الصَّوَابُ. [قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّبِيدِيُّ] بِفَتْحِ الزَّايِ [كَيْفِيَّة صَلَاة الْمُسَافِر عَلَيَّ الدَّابَّة] [قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلْمُسَافِرِ وَلَا لِلرَّاكِبِ. [قَوْلُهُ: الْوَقْتُ الْمُخْتَارُ] كَذَا رَأَيْته فِي شَرْحِ تت وَبَعْضِ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَالْأَحْسَنُ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ اخْتِيَارِيًّا أَوْ ضَرُورِيًّا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَخْتَلِطُ بِتُرَابٍ إلَخْ] فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ وَمِثْلُ الْخَضْخَاضِ الْمَاءُ وَحْدَهُ فِي النُّزُولِ وَعَدَمِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَصِيرَ جَالِسًا] الْأَوْلَى مَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الطِّينُ الرَّقِيقُ، [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ تَلَطُّخِ ثِيَابِهِ] أَيْ أَوْ لِأَجْلِ الْغَرَقِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: يُومِئُ بِالرُّكُوعِ] أَيْ لِلرُّكُوعِ إلَخْ، لَكِنَّ مَحَلَّ إيمَائِهِ لِلرُّكُوعِ إذَا كَانَ الْخَضْخَاضُ آخِذًا لَهُ لِصَدْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ آخِذًا لِرُكْبَتَيْهِ

لِلرُّكُوعِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهُمَا عَنْهُمَا إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ أَوْمَأَ بِيَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَيَنْوِي الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَائِمًا وَكَذَلِكَ جُلُوسُ التَّشَهُّدِ إنَّمَا يَكُونُ قَائِمًا، وَاحْتُرِزَ بِالْخَضْخَاضِ مِنْ الْيَابِسِ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ وَيُصَلِّي فِيهِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ وَقَوْلُنَا: يَئِسَ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ فِيهِ لِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ) أَيْ الْخَضْخَاضِ لِخَوْفِ الْغَرَقِ (صَلَّى عَلَى دَابَّتِهِ إلَى الْقِبْلَةِ) بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ طِينٌ وَخَافَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ اللُّصُوصِ أَوْ السِّبَاعِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ يُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ إذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ، وَلَا يَسْجُدُ عَلَى سَرْجِ الدَّابَّةِ وَلَا غَيْرِهِ، وَيَكُونُ جُلُوسُهُ مُتَرَبِّعًا إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَحُكْمُ الْحَاضِرِ يَأْخُذُهُ الْوَقْتُ فِي طِينٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَثَلًا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ بِالْفِعْلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيَكُونُ إيمَاؤُهُ بِالسُّجُودِ، أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْوُجُوبِ كَمَا قَرَرْنَا أَوْ النَّدْبِ كَمَا قَرَّرَ هُوَ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَوْمَأَ لِلسُّجُودِ أَوْمَأَ بِيَدَيْهِ] أَيْ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَيَنْوِي الْجُلُوسَ إلَخْ] أَيْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ بِالنِّيَّةِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ مِثْلُهُ الْجُلُوسُ فِي حَالِ الْإِيمَاءِ لِلسُّجُودِ وَفِي حَالِ التَّشَهُّدِ وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إلَخْ إخْبَارٌ بِمَعْلُومٍ، فَلَوْ قَالَ وَكَذَا يَنْوِي الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ لَكَانَ أَفْضَلَ، وَتَعْبِيرُهُ بِالْفِعْلِ يُفِيدُ أَنَّ تِلْكَ النِّيَّةَ وَاجِبَةٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِهِ يَنْوِي نَقْلَهُ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَنَقَلَ عَنْ الْأَقْفَهْسِيِّ أَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ جُلُوسَهُ وَقِيَامَهُ سَوَاءٌ اهـ. أَيْ لَا يُطَالَبُ بِالتَّفْرِيقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: وَقَوْلُنَا يَئِسَ إلَخْ] أَرَادَ بِالْيَأْسِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا يُقَيِّدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ مَا لَوْ شَكَّ وَحُكْمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ إيمَاءً وَسَطَ الْوَقْتِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا تَيَقَّنَ] أَرَادَ بِهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَيْضًا وَهَلْ الظَّنُّ كَغَلَبَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ] ظَاهِرُهُ وُجُوبًا وَفِي عج أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ كَانَ عج بَعْدَ ذَلِكَ يَرْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ وَاجِبٌ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِخَوْفِ الْغَرَقِ إلَخْ] احْتِرَازًا مِنْ خَوْفِ تَلَطُّخِ الثِّيَابِ فَقَطْ فَلَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّابَّةِ، فَقَدْ قَالَ عج خَشْيَةُ تَلَطُّخِ الثِّيَابِ لَا تُوجِبُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ. وَإِنَّمَا تُبِيحُ الصَّلَاةَ إيمَاءً بِالْأَرْضِ اهـ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ] قَالَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى خَلِيلٍ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا سَائِرَةً، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وُقُوفُهَا صَلَّى عَلَيْهَا سَائِرَةً كَصَلَاةِ الْمُسَايَفِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: اللُّصُوصِ أَوْ السِّبَاعِ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ مَا مُحَصَّلُهُ إنْ رَجَا زَوَالَ خَوْفٍ كَالسَّبُعِ قَبْلَ خُرُوجِ آخِرِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ صَلَّى أَوَّلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى شَكٍّ فِي ذَلِكَ صَلَّى وَسَطَ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ] أَيْ إلَى الْقِبْلَةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ إلَخْ، فَلَوْ تَعَذَّرَ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا فَيُصَلِّي لِغَيْرِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَلَى خَلِيلٍ، وَقَوْلُهُ بِالرُّكُوعِ أَيْ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمَحَلُّ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا رَكَعَ كَمَا ذَكَرَهُ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ] أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ عِمَامَتَهُ عَنْ جَبْهَتِهِ اتِّفَاقًا كَمَا يَفْعَلُ السَّاجِدُ غَيْرُ الْمُومِئِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا كَالطَّاقَةِ وَالطَّاقَتَيْنِ فَيُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْجُدُ عَلَى سَرْجِ الدَّابَّةِ إلَخْ] فَلَوْ سَجَدَ وَاكْتَفَى بِهِ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ تَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ جُلُوسُهُ مُتَرَبِّعًا] أَيْ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ عج عَلَى خَلِيلٍ فِي قَوْلِهِ إلَّا إلَخْ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا إلَخْ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَا يُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا إيمَاءً أَوْ يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ رَاكِعًا سَاجِدًا غَيْرَ قَائِمٍ، أَمَّا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهَا قَائِمًا رَاكِعًا وَسَاجِدًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ عَلَيْهَا صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي النُّزُولِ كَمَا يُفِيدُهُ

خَضْخَاضٍ حُكْمُ الْمُسَافِرِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ الْخَضْخَاضَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ. (وَ) يَجُوزُ (لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَتَنَفَّلَ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَفَرِهِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ) دَابَّتُهُ، ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَحْرَمَ إلَى الْقِبْلَةِ أَمْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا جَوَازُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَيَكُونُ فِي جُلُوسِهِ مُتَرَبِّعًا إنْ أَمْكَنَهُ وَيَرْفَعُ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ فِي السُّجُودِ، وَلَهُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَرَكْضُهَا وَضَرْبُ غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُسَافِرِ مِنْ الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَاحْتُرِزَ بِدَابَّتِهِ عَنْ الْمَاشِي فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ فِي سَفَرِهِ مَاشِيًا وَبِحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ مِنْ رَاكِبِ السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ فِيهَا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ فَيَدُورُ مَعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ تَنَفُّلِ الْمُسَافِرِ عَلَى الدَّابَّةِ شَرْطٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) السَّفَرُ (سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ السَّفَرُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ. (وَلْيُوتِرْ) الْمُسَافِرُ (عَلَى دَابَّتِهِ إنْ شَاءَ) بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ شَاءَ أَوْتَرَ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُ سَنَدٍ وَيُفِيدُهُ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ سَنَدٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ غَيْرُ مُخْتَلِفَيْنِ، إذْ كَلَامُ سَنَدٍ فِي مَوْضُوعٍ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ وَسَيَأْتِي تَتِمَّتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: عَلَى دَابَّتِهِ] الْمُرَادُ بِهَا مَا عَدَا السَّفِينَةِ فَيَشْمَلُ الْفَرَسَ وَالْحِمَارَ وَالْآدَمِيَّ لِمُقَابِلَتِهَا بِالسَّفِينَةِ، وَظَاهِرُهُ كَانَ رَاكِبًا عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ فِي شُقْدُفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ رَاكِبُ السَّبُعِ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرُّكُوب لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا فَيَخْرُجُ الرَّاكِبُ مَقْلُوبًا أَوْ بِجَنْبِهِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَحْرَمَ إلَى الْقِبْلَةِ أَمْ لَا إلَخْ] مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ حَبِيبٍ يُوَجِّهُ الدَّابَّةَ أَوَّلًا لِلْقِبْلَةِ ثُمَّ يُحْرِمُ ثُمَّ يُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ اهـ، تَحْقِيقٌ نَعَمْ يُنْدَبُ التَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ ابْتِدَاءً. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَتَنَفَّلُ الْمُسَافِرُ نَهَارًا [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ إلَخْ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَيَرْفَعُ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ] الْأَوَّلُ عَنْ جَبْهَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَرْجِ الدَّابَّةِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُومِئُ لِلْأَرْضِ كَمَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ اللَّخْمِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: وَرَكْضَهَا] بِتَحْرِيكِ رِجْلَيْهِ وَلَهُ تَنْحِيَةُ وَجْهِهِ عَنْ الشَّمْسِ لِضَرَرِهَا لَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَلْتَفِتُ] وَلَوْ لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَكَذَا لَا يَنْحَرِفُ وَلَوْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ سَفَرِهِ عَامِدًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَطَلَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَظَنِّهِ أَنَّهَا طَرِيقُهُ أَوْ غَلَبْته دَابَّتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ فَيَدُورُ مَعَهَا] وَلَا يُصَلِّي لِجِهَةِ سَفَرِهِ وَقَوْلُهُ وَيَدُورُ مَعَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهَا الْمُؤَلِّفُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَأَوَّلَهَا ابْنُ التُّبَّانِ عَلَى مَا إذَا صَلَّى فِيهَا إيمَاءً، أَيْ لِعُذْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا مَنْعَ وَيُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ، وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الدَّوَرَانِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ السَّفِينَةُ كَالدَّابَّةِ يَتَنَفَّلُ عَلَيْهَا حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ. قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ مَحَلُّ مَنْعِ النَّفْلِ فِي السَّفِينَةِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ إذَا كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ اقْتَضَى ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا مَنْعَ وَيُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ وَلَوْ تَرَكَ الدَّوَرَانَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: كَانَ يُسَبِّحُ] بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، أَيْ يُصَلِّي النَّافِلَةَ وَقَوْلُهُ الرَّاحِلَةِ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ؛ لَأَنْ تُرْحَلَ [قَوْلُهُ: قِبَلَ] بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُقَابِلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَتْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ] أَيْ الْفَرْضَ بَلْ يُصَلِّي النَّفَلَ إيمَاءً فَلَوْ صَلَّى النَّفَلَ عَلَيْهَا قَائِمًا رَاكِعًا سَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ سَحْنُونٌ وَلَا يُجْزِئُهُ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ، أَيْ عَدَمِ أَمْنِهِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ وَصَلَ مَنْزِلَ إقَامَةٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ عَنْهَا وَأَتَمَّ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا وَمُسْتَقْبِلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ تَشَهُّدُهُ فَقَطْ أَتَمَّهُ عَلَيْهَا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُمْ كَمَّلَ بِالْأَرْضِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْزِلَ إقَامَةٍ خَفَّفَ الْقِرَاءَةَ

[الرعاف في الصلاة]

الْأَفْضَلُ، أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ هُنَا جَوَازَ صَلَاةِ الْوِتْرِ جَالِسًا اخْتِيَارًا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْمَنْعِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِوُجُوبِهِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْوِتْرَ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فِعْلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْهُ جَوَازُ ذَلِكَ لَهُ فِي الْفَرْضِ رَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُصَلِّي) أَيْ الْمُسَافِرُ (الْفَرِيضَةَ) وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا (إلَّا بِالْأَرْضِ) دَلِيلُهُ وَمَا قَبْلَهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ مَسْأَلَةً. فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ إنْ نَزَلَ) عَنْ دَابَّتِهِ (صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً) بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (لِ) أَجْلِ (مَرَضِهِ فَلْيُصَلِّ) الْفَرِيضَةَ (عَلَى الدَّابَّةِ بَعْدَ أَنْ تُوقَفَ لَهُ وَيَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ) ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ الْكَرَاهَةُ وَقُيِّدَتْ بِمَا إذَا صَلَّى حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَأَمَّا إذَا وَقَفَتْ لَهُ وَاسْتَقْبَلَ وَصَلَّى فَلَا كَرَاهَةَ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ نَقَلَهُ ك عَنْ الشَّيْخِ ثُمَّ قَالَ: فَاَلَّذِي فِي الرِّسَالَةِ تَقْيِيدٌ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ نَزَلَ صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً مِمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ إذَا جَلَسَ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ اتِّفَاقًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ ذَاتِ خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفِ فَقَالَ: (وَمَنْ رَعَفَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَفْصَحِ فِيهِ وَفِي مُضَارِعِهِ، أَيْ خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ حَالَةَ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ (مَعَ الْإِمَامِ خَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ) أَيْ يَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ أَنْفِهِ مُمْسِكًا لِأَنْفِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَتَمَّ عَلَيْهَا لِيَسَارَتِهِ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِمَنْزِلِ الْإِقَامَةِ مَا يُقِيمُ بِهِ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ أَوْ مَحَلَّ سَكَنِهِ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا أَقَامَ بِهِ إقَامَةً تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ وَأَوْلَى غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ] بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ جَالِسًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْفَرِيضَةَ] وَلَوْ بِالنَّذْرِ لِقِيَامِهَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا إلَّا بِالْأَرْضِ] فَلَوْ صَلَّاهَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَعَادَهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا عَلَيْهَا قَائِمًا وَرَاكِعًا وَسَاجِدًا مِنْ غَيْرِ نَقْصِ شَيْءٍ عِنْدَ سَحْنُونَ لِدُخُولِهِ عَلَى الْغَرَرِ، وَقَالَ سَنَدٌ تُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: صَلَّى جَالِسًا إيمَاءً بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ لِلسُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، فَإِذَا تَسَاوَى حَالُهُ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَرْضِ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَكَانَ إذَا نَزَلَ بِالْأَرْضِ يَأْتِي بِالسُّنَنِ أَوْ بِبَعْضِهَا وَعَلَيْهَا لَا يَأْتِي بِذَلِكَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ إذَا كَانَ يُؤَدِّيهَا عَلَى الْأَرْضِ بِالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ أَوْ الْخَفِيفَةِ أَوْ بِالْمَنْدُوبِ دُونَ الدَّابَّةِ فَيُسَنُّ النُّزُولُ فِي الْأَوَّلَيْنِ مُؤَكَّدَةً فِي أَوَّلِهِمَا وَخَفِيفَةً فِي ثَانِيهِمَا وَيُنْدَبُ فِي الثَّالِثِ. [قَوْلُهُ: الْجَوَازُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ] أَمَّا الْمُصَنِّفُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُخْتَصَرُ فَقَالَ بَعْدُ وَفِيهَا كَرَاهَةُ الْأَخِيرِ، فَأَفَادَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ كَرَاهَةٌ بَلْ الْكَرَاهَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَقُيِّدَتْ] أَيْ الْكَرَاهَةُ بِمَا إذَا صَلَّى فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مَعَ ذَلِكَ التَّقْيِيدِ، إذْ مُقْتَضَى الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ الْحُرْمَةُ لَا الْكَرَاهَةُ قُلْت: الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةُ عَلَى أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِخَلِيلٍ. [الرُّعَافُ فِي الصَّلَاةِ] [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَفْصَحِ فِيهِ وَفِي مُضَارِعِهِ] قَدْ ذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ لُغَاتٍ ثَلَاثًا وَهِيَ فَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَضَمُّهَا وَفَتْحُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالشَّاذُّ ضَمُّهَا فِيهِمَا، وَعَبَّرَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ بِالْقِلَّةِ فِيمَا عَبَّرَ فِيهِ الصِّحَاحُ بِالشُّذُوذِ فَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ كَلَامِ الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: خَرَجَ فَغَسَلَ الدَّمَ] وَلَمْ يَظُنَّ دَوَامَهُ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا ظَنَّ الدَّوَامَ لِآخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا وَلَا يَخْرُجُ وَلَوْ سَائِلًا وَقَاطِرًا، حَيْثُ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَوْ فِيهِ وَفَرَشَ شَيْئًا يُلَاقِي بِهِ الدَّمَ أَوْ كَانَ مُحَصَّبًا أَوْ مُتَرَّبًا لَا حَصِيرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَيَغْسِلُ الدَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ مَفْرُوشٍ أَوْ مُبَلَّطٍ يَخْشَى تَلْوِيثَهُ، وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وُجُوبًا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يُتِمُّهَا، أَيْ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ إلَّا أَنْ يَخْشَى ضَرَرًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ تَلَطُّخَ ثِيَابِهِ الَّتِي يُفْسِدُهَا فَيُتِمُّهَا، وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ، لَا إنْ خَشِيَ تَلَطُّخَ جَسَدِهِ أَوْ ثِيَابِهِ الَّتِي لَا يُفْسِدُهَا الْغَسْلُ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الْإِيمَاءُ. [قَوْلُهُ: مُمْسِكًا لِأَنْفِهِ إلَخْ] أَيْ لِئَلَّا يَتَلَطَّخَ بِهِ

أَعْلَاهُ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ (بَنَى) بِمَعْنَى يَبْنِي وَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِعَمَلِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْأَفْضَلُ الْقَطْعُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الشَّأْنَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَتَّصِلَ عَمَلُهَا وَلَا يَتَخَلَّلَهَا شُغْلٌ كَثِيرٌ وَلَا انْصِرَافٌ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ النَّجِسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْبِنَاءِ فَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَمْشِ عَلَى نَجَاسَةٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: فَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ إنْ تَكَلَّمَ مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا وَهُوَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَظَاهِرُهُ الْبُطْلَانُ إنْ مَشَى عَلَى نَجَاسَةٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ النَّجَاسَةُ رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ رَطْبَةً فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ يَابِسَةً كَالْقَشْبِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ: لَا تَبْطُلُ. بَهْرَامٌ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَذِرَةِ، وَأَمَّا أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ وَأَبْوَالُهَا فَإِنَّهُ يَبْنِي إذَا مَشَى عَلَيْهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الطُّرُقَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَيُدَلِّكُ قَدَمَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ مَاءً إلَى آخَرَ فَإِنْ تَجَاوَزَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا. الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ لِغَيْرِ طَلَبِ الْمَاءِ، أَمَّا إنْ اسْتَدْبَرَهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. الْخَامِسُ: أَنْ يَقْطُرَ الدَّمُ أَوْ يَسِيلَ وَلَا يَتَلَطَّخَ بِهِ، أَمَّا إنْ رَشَحَ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ فَلَا يَخْرُجُ لَغُسْلِهِ، وَإِنْ قَطَرَ أَوْ سَالَ وَتَلَطَّخَ بِهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُمَا قَرِيبًا. السَّادِسُ: أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَوْبُهُ أَوْ جَسَدُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ مَسْكُهُ شَرْطًا فِي الْبِنَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، إنَّمَا هُوَ إرْشَادٌ إلَى مَا يُعِينُهُ عَلَى تَقْلِيلِ النَّجَاسَةِ بَلْ الشَّرْطُ التَّحَفُّظُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الْأَعْلَى فَهُوَ عَلَى طَرِيقِ الْأَوْلَى لِئَلَّا يَحْبِسَ الدَّمَ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْسَكَهُ مِنْ أَسْفَلِهِ بَقِيَ الدَّمُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ، [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَبْنِي] ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ فِي أَحْكَامٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْأَفْضَلُ الْقَطْعُ] أَيْ وَرَجَعَ قَالَ زَرُّوقٌ وَهُوَ أَوْلَى بِالْعَامِّيِّ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِي الْعِلْمِ لِجَهْلِهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي ذَهَابِهِ أَوْ عَوْدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِإِصْلَاحِهَا، وَإِنَّمَا بَطَلَتْ بِالْكَلَامِ نِسْيَانًا وَإِنْ قَلَّ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: كَالْقَشْبِ] قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْقَشْبُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، الْيَابِسَةُ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ الدَّمَ الزَّائِدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ وَزِبْلِ الْكِلَابِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَذِرَةِ، أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ إلَخْ] قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ هَذَا الْخِلَافُ عِنْدِي إذَا مَشَى عَلَيْهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهَا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْنِي إذَا مَشَى عَلَيْهَا اتِّفَاقًا] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَلَوْ رَطْبَةً وَلَوْ عَامِدًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْحَطَّابُ قُلْت: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا وَطِئَهَا نَاسِيًا أَوْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ لِعُمُومِهَا وَانْتِشَارِهَا فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا إنْ وَطِئَهَا عَامِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِ عُمُومِهَا، وَإِمْكَانِ عُدُولِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الضَّرُورَةُ انْتَهَى، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَذْكُرُ لَك حَاصِلًا بِهِ تَمَامَ الْفَائِدَةِ فَنَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى النَّجَاسَةِ مَعَ الْعَمْدِ وَالِاخْتِيَارِ مُبْطِلٌ مُطْلَقًا وَلَوْ يَابِسَةً وَلَوْ أَرْوَاثَ دَوَابَّ، وَأَمَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ فَلَا بُطْلَانَ وَلَا إعَادَةَ أَيْضًا فِي الْمُرُورِ عَلَى أَرْوَاثِ دَوَابَّ وَلَوْ رَطْبَةً، وَكَذَا فِي الْمُرُورِ عَلَى غَيْرِهَا لَا بُطْلَانَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ هَذَا كُلِّهِ مَعَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا مَعَ النِّسْيَانِ فَفِي نَحْوِ الْعَذِرَةِ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَا بُطْلَانَ وَتُنْدَبُ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَإِذَا تَذَكَّرَ فِيهَا وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ فَيَتَحَوَّلُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَمَّا فِي أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فِيهَا فَلَا بُطْلَانَ أَيْضًا وَلَا إعَادَةَ وَيُدَلِّكُهَا كَمَا قَالَ شَارِحُنَا فَاشْدُدْ يَدَك عَلَى هَذَا الْحَاصِلِ. [قَوْلُهُ: إنْ لَا يَتَجَاوَزُ مَاءً إلَى آخَرَ] وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ قَرِيبًا فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَالْقُرْبُ بِالْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ عج، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَمْرَانِ أَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا فِي نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ:

يَكُونَ الرَّاعِفُ فِي جَمَاعَةٍ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، أَمَّا الْفَذُّ فَفِي بِنَائِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ الشُّرُوطُ. (وَ) بَنَى فَ (لَا يَبْنِي عَلَى رَكْعَةٍ) يَعْنِي لَا يَعْتَدُّ بِرَكْعَةٍ (لَمْ تَتِمَّ بِسَجْدَتَيْهَا) وَإِنَّمَا يَعْتَدُّ بِرَكْعَةٍ تَمَّتْ بِسَجْدَتَيْهَا عَلَى مَا نَقَلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: يَبْنِي عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَانَ فِي الْأُولَى أَوْ مَا بَعْدَهَا، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ رَعَفَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السُّجُودِ أَوْ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَلْغَى وَابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ، وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ بَنَى عَلَيْهِمَا وَقَوْلُهُ: (وَلْيُلْغِهَا) تَكْرَارٌ زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ. وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الدَّمُ كَثِيرًا كَمَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْصَرِفُ لِ) غُسْلِ (دَمٍ خَفِيفٍ وَلْيَفْتِلْهُ بِأَصَابِعِهِ) يَعْنِي بِرُءُوسِ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُسْرَى الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الْأَنَامِلُ الْفَوْقَانِيَّةُ، وَصِفَةُ الْفَتْلِ أَنْ يَلْقَاهُ أَوَّلًا بِرَأْسِ الْخِنْصَرِ وَيَفْتِلَهُ بِرَأْسِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ بَعْدِ الْخِنْصَرِ الْبِنْصِرِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ السَّبَّابَةِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ قَالَهُ ع. وَقَالَ ق: وَانْظُرْ قَوْلَهُ (إلَّا أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ) هَلْ أَرَادَ ابْتِدَاءً فَيَكُونُ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ وَلْيَفْتِلْهُ بِأَصَابِعِهِ إلَّا أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ فَلَا يَبْتَدِئْ فَتْلَهُ، وَلْيَنْصَرِفْ إلَى الْمَاءِ أَوْ إنَّمَا أَرَادَ إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ بَعْدَ أَنْ فَتَلَهُ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنَّمَا يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ بِالسَّيْلِ أَوْ الْقَطْرِ فَلَا يَفْتِلُهُ، وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ وَهَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَيْضًا إلَّا أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَامًا كَانَ إلَخْ] لَكِنَّ الْإِمَامَ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا نَدْبًا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا أَفْذَاذًا هَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا فِيهَا فَيَجِبُ الِاسْتِخْلَافُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَى الْإِمَامِ وَاسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ الْكَلَامِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ عَلَيْهِ دُونَهُمْ إنْ كَانَ سَهْوًا وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْفَذُّ فَفِي بِنَائِهِ قَوْلَانِ] مُنْشَؤُهُمَا هَلْ رُخْصَةُ الْبِنَاءِ لِحُرْمَةِ الصَّلَاةِ لِلْمَنْعِ مِنْ إبْطَالِ الْعَمَلِ أَوْ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ فَيَبْنِي عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ تَمَامَ الرَّكْعَةِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْجُلُوسِ إنْ كَانَ يَقُومُ مِنْهَا لِلْجُلُوسِ، وَيَكُونُ بِالْقِيَامِ إنْ كَانَ يَقُومُ مِنْهَا لِلْقِيَامِ، فَلَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَبْلَ الْجُلُوسِ أَوْ الْقِيَامِ رَعَفَ فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. تَتِمَّةٌ لَطِيفَةٌ: إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الذَّهَابِ لِمَاءٍ قَرِيبٍ مَعَ الِاسْتِدْبَارِ وَبَعِيدٍ لَا اسْتِدْبَارَ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَذْهَبُ لِلْقَرِيبِ مَعَ الِاسْتِدْبَارِ، وَإِذَا دَارَ بَيْنَ الِاسْتِدْبَارِ وَوَطْءِ النَّجَاسَةِ الَّتِي يَبْطُلُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الِاسْتِدْبَارَ؛ لِأَنَّهُ لِعُذْرٍ وَلَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْأَقْرَبَ بِشِرَاءٍ وَغَيْرَ الْأَقْرَبِ بِغَيْرِ شِرَاءٍ وَتَجَاوَزَ الْأَقْرَبَ بَطَلَتْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَنْصَرِفُ] أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَقَوْلُهُ لِغَسْلِ دَمٍ خَفِيفٍ وَهُوَ الرَّاشِحُ الَّذِي يَنْبُعُ مِثْلَ الْعَرَقِ وَمِثْلُهُ الْقَاطِرُ إذَا كَانَ ثَخِينًا؛ لِأَنَّهُ يَتَأَتَّى فِيهِ الْفَتْلُ، وَأَمَّا السَّائِلُ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَرَسِّلُ وَكَذَا الْقَاطِرُ الرَّقِيقُ وَالرَّاشِحُ إذَا كَثُرَ بِحَيْثُ لَا يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ. [قَوْلُهُ: وَلْيَفْتِلْهُ] أَيْ إنْ كَانَ يُذْهِبُهُ الْفَتْلُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْلَ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الصَّلَاةِ فَلَوْ قَطَعَ أَفْسَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ إنْ كَانَ إمَامًا. [قَوْلُهُ: يَعْنِي بِرُءُوسِ] فَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَوْ مَجَازٌ عِلَاقَتُهُ الْكُلِّيَّةُ. [قَوْلُهُ: يَدِهِ الْيُسْرَى] أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ يَخْرُجُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا فَتَلَ أَنَامِلَ الْيُسْرَى الْعُلْيَا ثُمَّ زَادَ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ لِأَنَامِل الْيُسْرَى الْوُسْطَى، فَإِنْ زَادَ مَا فِيهَا تَحْقِيقًا عَلَى دِرْهَمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَإِلَّا أَتَمَّهَا كَمَا إذَا ظَنَّ الزِّيَادَةَ أَوْ شَكَّ فِيهَا وَلَا يَنْظُرُ لِمَا فِي الْعُلْيَا وَلَوْ زَادَ مَا فِيهَا عَلَى دِرْهَمٍ، فَلَوْ انْتَقَلَ بَعْدَ تَلَطُّخِ عُلْيَا الْيُسْرَى إلَى عُلْيَا الْيُمْنَى وَزَادَ مَا فِيهَا عَلَى دِرْهَمٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ إنَّمَا أَرَادَ] هَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَهُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ وَمَنْ رَعَفَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسِيلَ أَوْ يَقْطُرَ، أَيْ فَلَا يَفْتِلُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاطِرُ لَا يُمْكِنُ فَتْلُهُ وَإِلَّا فَتَلَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ بِالسَّيْلِ أَوْ الْقَطْرِ فَلَا يَفْتِلُهُ] أَيْ وَلْيَنْصَرِفْ لِغَسْلِهِ بِالشُّرُوطِ

عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى أَصَابِعِهِ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ، أَمَّا إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَغْسِلُهُ وَيَبْنِي، وَإِنْ سَالَ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى أَصَابِعِهِ وَتَجَاوَزَ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا بِقَدْرٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ، وَمَعْنَى يَنْصَرِفُ يَعْنِي إلَى الْمَاءِ فَيَغْسِلُهُ، وَيَبْنِي إنْ سَلِمَتْ ثِيَابُهُ وَأَصَابِعُهُ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ انْتَهَى. وَقَالَ ع: يَعْنِي بِالسَّيْلِ مَعَ الْأُصْبُعِ وَالْقَطْرِ فِي غَيْر الْأُصْبُعِ، وَالسَّيْلُ مَعْلُومٌ وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ مِثْلُ الْخَيْطِ، وَالْقَطْرُ أَنْ يَقْطُرَ قَطْرَةً قَطْرَةً، وَلَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ لِلرُّعَافِ تَعَبُّدِيًّا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَبْنِي) وَيُرْوَى وَلَا يَبْنِ فَعَلَى الْأُولَى لَا نَافِيَةٌ، وَعَلَى الثَّانِيَةُ نَاهِيَةٌ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ بِحَذْفِ الْيَاءِ (فِي قَيْءٍ) مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (وَلَا) يَبْنِي أَيْضًا فِي (حَدَثَ) وَلَا غَيْرِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبِنَاءِ فِي الْجَمِيعِ جَاءَ مَا جَاءَ فِي الرُّعَافِ وَيَبْقَى مَا سِوَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ مَنْ رَعَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ يَبْنِي عَلَيْهِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ مَنْ رَعَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ يَبْنِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَالْأَوَّلُ (وَ) هُوَ (مَنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَلَّمَ وَانْصَرَفَ) وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ السَّلَامُ وَهُوَ حَامِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَقَدِّمَةِ وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ وَلَهُ الْقَطْعُ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ كَالسَّائِلِ ابْتِدَاءً. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا سَالَ أَوْ قَطَرَ] هَذَا صَادِقٌ بِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الْفَتْلِ لِكَوْنِهِ كَانَ أَوَّلًا رَاشِحًا مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَيَبْنِي] أَيْ اسْتِحْبَابًا وَلَهُ الْقَطْعُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَخْشَ تَلْوِيثَ مَسْجِدٍ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وَإِلَّا قَطَعَ وَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ سَالَ عَلَى ثَوْبِهِ] أَيْ أَوْ قَطَرَ. [قَوْلُهُ: تَجَاوَزَ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ كَانَ فَتَلَهُ وَسَالَ وَتَجَاوَزَ الْأُنْمُلَةَ الْعُلْيَا إلَى الْوُسْطَى بِزِيَادَةٍ فِي الْوُسْطَى لَا يُعْفَى عَنْهَا، أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْعُلْيَا فَلَا بُطْلَانَ وَلَوْ زَادَ عَلَى دِرْهَمٍ. [قَوْلُهُ: لِقَدْرٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ] أَيْ سَالَ بِقَدْرٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَتَجَاوَزَ بِقَدْرٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَقْطَعُ] الْمُرَادُ بَطَلَتْ أَيْ إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَمْ يَقْطَعْ، [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى يَنْصَرِفُ] أَيْ فِي قَوْلِنَا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَقَوْلُنَا يَنْصَرِفُ وَأَمَّا التَّعْبِيرُ بِمَعْنَى فَلَا مَعْنَى لَهُ. [قَوْلُهُ: فَيَغْسِلُهُ وَيَبْنِي] أَيْ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [قَوْلُهُ: وَأَصَابِعِهِ] أَيْ يَدِهِ كَانَتْ الْأَصَابِعُ أَوْ غَيْرُهَا هَذَا إذَا قُلْنَا سَائِلًا أَوْ قَاطِرًا ابْتِدَاءً أَوْ خُصُوصُ الْأَصَابِعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ فَتَلَهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ يَزِدْ مَا فِي الْوُسْطَى عَلَى دِرْهَمٍ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي بِالسَّيْلِ إلَخْ] الْقَصْدُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ سَيْلٌ إلَّا إذَا كَانَ جَارِيًا عَلَى الْأُصْبُعِ وَأَمَّا إذَا كَانَ سَاقِطًا عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَالُ لَهُ قَاطِرٌ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْقَبْلِ فَالْمُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ مِنْ أَنَّهُ لَا تَقْيِيدَ أَصْلًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ آخَرُ هَذَا غَيْرُ مُقَيَّدٍ وَالسَّيْلُ إلَى آخِرِ مَا هُنَا. [قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ سَهْوًا] أَيْ فِي مُتَنَجِّسٍ خَرَجَ مِنْهُ حَالَ صَلَاتِهِ وَلَوْ قَلِيلًا وَمِثْلُهُ الطَّاهِرُ الْكَثِيرُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِالطَّاهِرِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ يَسِيرًا وَخَرَجَ غَلَبَةً، فَإِذَا كَانَ نَجِسًا مُطْلَقًا أَوْ طَاهِرًا كَثِيرًا أَوْ تَعَمَّدَ إخْرَاجَهُ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ خَرَجَ غَلَبَةً، وَأَمَّا لَوْ ابْتَلَعَهُ غَلَبَةً فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَأَمَّا سَهْوًا فَلَا وَلَا بِنَاءَ فِي رُعَافٍ مُتَكَرِّرٍ، وَلَيْسَ مِنْهُ الْحَاصِلُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي إكْمَالِ الصَّلَاةِ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى صَلَاتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: حَدَثَ وَلِقَوْلِهِ وَلَا غَيْرِهِمَا وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ مِنْ أَنَّهُ يَبْنِي فِي الْحَدَثِ وَمِنْ أَنَّ مَنْ رَأَى فِي ثَوْبِهِ أَوْ جَسَدِهِ نَجَاسَةً أَوْ أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ يَبْنِي. [قَوْلُهُ: جَاءَ مَا جَاءَ] أَيْ ثَبَتَ الَّذِي جَاءَ فِي الرُّعَافِ. [قَوْلُهُ: سَلَّمَ وَانْصَرَفَ] فَلَوْ خَالَفَ وَخَرَجَ لِغَسْلِ الدَّمِ قَبْلَ

النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ ذَهَابٍ إلَى الْمَاءِ وَرُجُوعِهِ. وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ سَلَامِهِ) أَيْ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ (انْصَرَفَ) إلَى الْمَاءِ (وَغَسَلَ الدَّمَ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ فَقَدْ تَعَمَّدَ حَمْلَ النَّجَاسَةِ فِي صَلَاتِهِ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُهَا (ثُمَّ رَجَعَ) لَيُسَلِّمَ (فَجَلَسَ) وَأَعَادَ التَّشَهُّدَ إنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ تَشَهَّدَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ (وَسَلَّمَ) وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا رَعَفَ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ، فَإِنْ سَلَّمَ بِالْقُرْبِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ وَتُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى الْبِنَاءِ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ أَيْنَ يُتِمُّ الرَّاعِفُ صَلَاتَهُ بَعْدَ غَسْلِ الدَّمِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَالَ: (وَلِلرَّاعِفِ) إذَا كَانَ فِي جَمَاعَةٍ (أَنْ يَبْنِيَ فِي مَنْزِلِهِ) أَيْ فِي مَكَانِهِ الَّذِي غَسَلَ فِيهِ الدَّمَ إنْ أَمْكَنَهُ، أَوْ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُمْكِنُهُ فِيهَا الصَّلَاةُ (إذَا يَئِسَ أَنْ يُدْرِكَ بَقِيَّةَ صَلَاةِ الْإِمَامِ) ق: الْمُرَادُ بِالْيَأْسِ هُنَا غَلَبَةُ الظَّنِّ. وَقَالَ ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَوْ السَّلَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّخْيِيرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْجَامِعِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا وَرَجَعَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لِلرَّاعِفِ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَيِّ مَكَان يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ (إلَّا فِي) صَلَاةِ (الْجُمُعَةِ) إذَا أَدْرَكَ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّلَامِ فَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ الْبُطْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَرُجُوعِهِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَنْ لَوْ أَمَرْنَاهُ بِغَسْلِ الدَّمِ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ فِي مَوْضُوعِ الْغُسْلِ إنْ أَمْكَنَهُ، أَيْ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ أَعَادَ التَّشَهُّدَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ لَا إعَادَةَ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا رَعَفَ] الْكَافُ زَائِدَةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ، وَلَوْ كَانَ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ رُعَافِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَوْ كَانَ لَمَّا رَعَفَ بِاللَّامِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: يَحْتَاجُ مَعَهُ] أَيْ مَعَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقَوْلُهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ الْبِنَاءُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ الْبَاقِي وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْمَاضِي لَا عَلَى الْبَاقِي، وَقَوْلُهُ يَحْتَاجُ مُضَمَّنٌ مَعْنَى يَحْصُلُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْمَعِيَّةَ تُؤَوَّلُ بِالتَّعْلِيلِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَحْصُلُ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَاضِي لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّيْءِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ سَلَّمَ بِالْقُرْبِ] الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ كَمَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ قَبْلَ انْصِرَافِهِ اهـ. قَالَ عج وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْصِرَافِ مُفَارَقَةُ مَوْضِعِهِ لَا قِيَامَهُ فَقَطْ وَقَالَ السُّودَانِيُّ لَوْ انْصَرَفَ لِغَسْلِهِ وَجَاوَزَ الصَّفَّيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَسَمِعَ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ، فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَيَذْهَبُ وَهَذَا حُكْمُ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْفَذُّ وَالْإِمَامُ فَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ أَنَّهُ إنْ حَصَلَ الرُّعَافُ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِمِقْدَارِ السُّنَّةِ مِنْ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَالْإِمَامُ وَالْفَذُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ رَعَفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْتَخْلِفُ لَهُمْ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ التَّشَهُّدَ وَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَيَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَأْمُومِ، وَأَمَّا الْفَذُّ فَيَخْرُجُ لِغَسْلِ الدَّمِ وَيُتِمُّ مَكَانَهُ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْيَأْسِ هُنَا غَلَبَةُ الظَّنِّ] أَيْ غَلَبَةٌ هِيَ الظَّنُّ فَيُوَافِقُ خَلِيلًا حَيْثُ قَالَ: إنْ ظَنَّ. [قَوْلُهُ: طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ] بَلْ وَالشَّكُّ مِثْلُهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ] مُقَابِلُهُ لِابْنِ شَعْبَانَ إنْ لَمْ يَرْجُ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ أَتَمَّ مَكَانَهُ وَإِنَّمَا لَزِمَ الرُّجُوعُ مَعَ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ مُتَابَعَتِهِ لِلْإِمَامِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِعِلْمٍ أَوْ ظَنٍّ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً] بِسَجْدَتَيْهَا وَكَذَا يَجِبُ الرُّجُوعُ عَلَى مَنْ ظَنَّ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ رَكْعَةً قَبْلَ الرُّعَافِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً قَبْلَ الرُّعَافِ، وَلَا اعْتَقَدَ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ بَعْدَ رُكُوعِهِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَقْطَعُ وَيَبْتَدِئُ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ وَلَوْ بَنَى عَلَى إحْرَامِهِ وَصَلَّى أَرْبَعًا فَالظَّاهِرُ الصِّحَّةُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ، وَمَحَلُّ ابْتِدَائِهَا ظُهْرًا حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا فَعَلَ بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ مِصْرًا تَتَعَدَّدُ

الْإِمَامِ رَكْعَةً (فَ) إنَّهُ (لَا يَبْنِي) فِيهَا (إلَّا فِي الْجَامِعِ) مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَائِلًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَامِعِ حَائِلٌ أَمْ لَا هُوَ الْمَشْهُورُ، فَإِنْ مَنَعَهُ حَائِلٌ إلَى الْجَامِعِ قَبْلَ تَمَامِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ جُمُعَتُهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ وَكَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا كَرَّرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الرُّعَافِ أَخَذَ يُفَرِّقُ بَيْنَ يَسِيرِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ فَقَالَ: (وَيُغْسَلُ قَلِيلُ الدَّمِ) ظَاهِرُهُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (مِنْ الثَّوْبِ) يَعْنِي وَالْجَسَدِ وَالْبُقْعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهَا مَعَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْمَعْفُوَّاتِ فِي وُجُودِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِهَا قَالَهُ د. وَقَالَ ع: يُرِيدُ يَعْنِي الْمُصَنِّفَ بِالْغَسْلِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَذَا قَالَ ج، وَزَادَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إلَّا مِنْ كَثِيرِهِ) قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ: إنَّ يَسِيرَ الدَّمِ جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ انْتَهَى الْيَسَارَةُ وَالْكَثْرَةُ مُعْتَبَرَةٌ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَشَارَ مَالِكٌ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَبْنِي إلَّا فِي الْجَامِعِ] أَيْ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ وَلَوْ ظَنَّ فَرَاغَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُتِمُّهَا بِرِحَابِهِ وَلَوْ كَانَ ابْتَدَأَهَا بِهِ لِضِيقٍ أَوْ اتِّصَالِ صُفُوفٍ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَصِحُّ إتْمَامُهَا فِي الرِّحَابِ وَقَوْلُنَا الَّذِي ابْتَدَأَهَا فِيهِ، أَيْ وَلَا يُكَلَّفُ بِمَوْضِعِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ يَكْفِي أَيُّ مَوْضِعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي لِكَثْرَةِ الْفِعْلِ وَكَثْرَتُهُ تُبْطِلُ وَلَوْ صَلَّى فِي جَامِعٍ غَيْرِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُ مِنْ تت وَعِجْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَمُقَابِلُهُ إنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَامِعِ حَائِلٌ كَسَيْلٍ مَثَلًا أَجْزَأَتْهُ مَكَانَهُ وَإِلَّا رَجَعَ لِلْجَامِعِ. [قَوْلُهُ: بَطَلَتْ] وَهَذَا لَا يُنَافِي كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ أَنْ يُضِيفَ رَكْعَةً إلَى رَكْعَةٍ لِتَصِيرَ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئُ ظُهْرًا بِإِحْرَامٍ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، إنَّمَا هُوَ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدِّرْهَمِ فَالْمَشْهُورُ يَقُولُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ جَسَدِ الْإِنْسَانِ أَوْ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ الْعَفْوُ مَقْصُورٌ عَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى وَخَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَفْوَ بِمَا عَدَا الْحَيْضَ وَالْمَيِّتَةَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ مُنَاسَبَةَ تِلْكَ الْعِبَارَةِ لِذَلِكَ الْمَقَامِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ عَلَى الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ بِالِاسْتِحْبَابِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ هُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الدَّمُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ] قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ غَسْلُ قَلِيلِ الدَّمِ قِيلَ وَاجِبٌ، أَيْ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ وَقِيلَ مَنْدُوبٌ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ بِعَدَمِ غَسْلِهِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ غَسْلُهُ مَنْدُوبٌ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ قَلِيلِ الدَّمِ ضَعِيفٌ هَذَا عَلَى مَا فَهِمَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ. [قَوْلُهُ: وَالْعَفْوُ عَنْهُ مُطْلَقًا] يَحْتَمِلُ أَنَّ تَفْسِيرَهُ فِي وُجُودِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِهَا أَيْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَفِي حَالِ عَدَمِهَا، وَيَحْتَمِلُ مِنْ أَيِّ دَمٍ كَانَ وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَسَدِ وَالثَّوْبِ وَالْبُقْعَةِ، وَقَوْلُهُ وَعَدَمِهَا، أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَلَطُّخِ الْبَدَنِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّلَطُّخَ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ع بَرِيدُ يَعْنِي الْمُصَنِّفُ إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُغْسَلُ قَلِيلُ الدَّمِ، أَيْ نَدْبًا لَا وُجُوبًا، وَنَقَصَ الشَّارِحُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ شَيْئًا إذْ هُوَ قَالَ: يَعْنِي الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: قَلِيلُ الدَّمِ مَا لَمْ يَنْدُرْ جِدًّا اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ غَسْلَ الْقَلِيلِ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا جِدًّا أَمْ لَا، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي التَّقْرِيرِ كَمَا يُعْلَمُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ نَاجِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ جِدًّا لَا أَثَرَ لَهُ هُوَ الْمُقَابِلُ لِمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَيْ أَنَّهُ مَذْهَبُهَا كَمَا هُوَ مُفَادُ عِبَارَتِهِ، وَعَرَفْت أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَسْلِ الْقَلِيلِ لَا فِي الْكَثِيرِ، وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ زَرُّوقٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ غَسْلِ الْقَلِيلِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ. [قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ إلَخْ] أَيْ فَسَّرَ الدِّرْهَمَ الْبَغْلَيَّ

[حكم دم البراغيث]

الْعُتْبِيَّةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ وَفَسَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ فِي مَجْهُولِ الْجَلَّابِ بِالدَّائِرَةِ الَّتِي تَكُونُ بِبَاطِنِ الذِّرَاعِ مِنْ الْبَغْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: لَا أُجِيبُكُمْ إلَى التَّحْدِيدِ بِالدِّرْهَمِ تَحْدِيدُهُ بِذَلِكَ ضَلَالٌ إذْ الدَّرَاهِمُ تُصَغَّرُ وَتُكَبَّرُ، فَقَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ قَالَ ابْنُ سَابِقٍ: الْيَسِيرُ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَالْكَثِيرُ مَا فَوْقَهُ. وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ التَّحْدِيدُ بِالدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ. تَنْبِيهٌ: ع قَوْلُهُ وَلَا تُعَادُ إلَخْ يَعْنِي فِي الْوَقْتِ إذَا صَلَّى بِهِ نَاسِيًا، وَإِنْ صَلَّى بِهِ عَامِدًا أَعَادَ أَبَدًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَمَّا كَانَ غَيْرُ الدَّمِ مِنْ النَّجَاسَاتِ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لَهُ فِي التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ رَفَعَ ذَلِكَ الْإِبْهَامَ بِقَوْلِهِ: (وَقَلِيلُ كُلِّ نَجَاسَةٍ) مِنْ (غَيْرِهِ) أَيِّ الدَّمِ (وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ) أَيْ فِي غَسْلِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَإِعَادَةِ الصَّلَاةِ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ أَبَدًا. وَفِي النِّسْيَانِ وَالْعَجْزِ فِي الْوَقْتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّمَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا يَكَادُ يُتَحَفَّظُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ كَالْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ دَمًا بِخِلَافِ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إذْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا فِي الْغَالِبِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي فَهْمِهَا وَهِيَ (وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ) ؛ لِأَنَّ غَسْلَهُ مَشَقَّةٌ وَكَثِيرُ كُلْفَةٍ إذْ لَا يَكَادُ يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ مَعَ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ (إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ) وَيَخْرُجَ عَنْ الْعَادَةِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ كَذَا قَرَّرَهُ ك. وَقَالَ ع: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ فَيَجِبُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ: الدِّرْهَمُ الْبَغْلِيُّ سِكَّةٌ قَدِيمَةٌ لِمَلِكٍ يُسَمَّى رَأْسَ الْبَغْلِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي إلَخْ] هَذَا الِاخْتِلَافُ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: لَا أُجِيبُكُمْ] هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: تَحْدِيدُ بِذَلِكَ ضَلَالٌ] قَالَ سَيِّدِي أَحْمَدُ زَرُّوقٌ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ بَغْلِيًّا أَنَّهُ مِنْ سِكَّةٍ قَدِيمَةِ ضَرَبَهَا مَلِكٌ يُقَالُ لَهُ رَأْسُ الْبَغْلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ مَعْنَى بَغْلِيٍّ نِسْبَةٌ إلَى الْبَغْلِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَلَامَةَ الَّتِي فِي ذِرَاعِ الْبَغْلِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ] أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لَا بِاعْتِبَارِ الدِّرْهَمِ، أَيْ الَّذِي هُوَ مِقْدَارٌ مُعِينٌ مِنْ الْفِضَّةِ وَعَلَيْهِ فَالْمَنْظُورُ لَهُ الْوَزْنُ لَا الْمَسَّاحَةُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ سَابِقٍ] كَذَا فِي بَعْضِ نُسْخِ الشَّارِحِ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ، وَكَذَا فِي ابْنِ نَاجِي وَالتَّحْقِيقُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ شَارِحِنَا ابْنِ شَاسٍ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. [قَوْلُهُ: الْيَسِيرُ إلَخْ] وَحَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ سَابِقٍ أَنَّهُ لَيْسَ تَحْدِيدُ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ بِالْعُرْفِ بَلْ تَحْدِيدُهُ بِالدِّرْهَمِ فَالْيَسِيرُ مَا دُونَهُ وَالْكَثِيرُ مَا فَوْقَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ وَفِي الدِّرْهَمِ رِوَايَتَانِ، أَيْ قِيلَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَقِيلَ مِنْ حَيِّزِ الْكَثِيرِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ التَّحْدِيدُ بِالدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ] أَيْ لَا التَّحْدِيدُ بِالْعُرْفِ ثُمَّ نَقُولُ: وَالْبَغْلِيُّ مُحْتَمِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّ مَعْنَى الْبَغْلِيِّ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَلَامَةَ الَّتِي فِي ذِرَاعِ الْبَغْلِ، وَرَجَّحَ ابْنُ مَرْزُوقٍ أَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ بِالدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَا بِالْعُرْفِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَغْلِيِّ النِّسْبَةَ إلَى مَلِكٍ يُسَمَّى رَأْسَ الْبَغْلِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَلَامَةَ الَّتِي فِي الْبَغْلِ، وَأَنَّ الدِّرْهَمَ مِنْ حَيِّزِ الْيَسِيرِ عَلَى مَا قَرَّرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ. [قَوْلُهُ: إذَا صَلَّى بِهِ نَاسِيًا] أَيْ أَوْ عَاجِزًا وَقَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّى بِهِ عَامِدًا أَيْ أَوْ جَاهِلًا أَفْصَحَ بِذَلِكَ تت [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مِنْ أَفْرَادِهَا، وَقَدْ حَكَمَ بِأَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ أَبَدًا فِي تَعَمُّدِ الصَّلَاةِ بِالْكَثِيرِ. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَيَانِ الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَفْعَ النَّجَاسَاتِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْأَبَدَانِ سُنَّةٌ لَا فَرِيضَةٌ اهـ. [حُكْم دَمُ الْبَرَاغِيثِ] [قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ] اعْلَمْ أَنَّ الْفَاكِهَانِيَّ مُصَرِّحٌ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّمِ الْخَرْءُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ يَسِيرَ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ يَسِيرَ الدَّمِ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْخَرْءِ، فَالْخَرْءُ كَذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ وَلِكَوْنِهِ لَا يَكَادُ يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ، وَقَوْلُهُ وَقَالَ ع إلَخْ. كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ

وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ يَعْنِي لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ فَيُسْتَحَبَّ غَسْلُهُ، وَحَدُّ التَّفَاحُشِ مَا بَلَغَ حَدًّا يَسْتَحْيِي مِنْ ظُهُورِهِ بَيْنَ أَقْرَانِهِ، وَقِيلَ: مَا بَلَغَ حَدًّا لَا يُغْتَفَرُ وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ خَرْءَ الْبَرَاغِيثِ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَذَلِكَ خَرْءُ الذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ فَإِنَّهُ مِثْلُ خَرْءِ الْبَرَاغِيثِ، وَقِيلَ: هُوَ لَيْسَ مِثْلَهُ، انْتَهَى وَانْظُرْ تَقْرِيرَ بَقِيَّةِ الشُّرَّاحِ فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّمِ الْخَرْءُ. [قَوْلُهُ: فَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ] وَقِيلَ: يَجِبُ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: مَا بَلَغَ حَدًّا لَا يُغْتَفَرُ] أَيْ لَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَيْهِ فَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ لَا أَنَّهُ مُقَابِلٌ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي الْخِلَافَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ حَيْثُ قَالَ: وَحَدُّ التَّفَاحُشِ قِيلَ بِاسْتِحْيَائِهِ فِي الْمَجَالِسِ بَيْنَ النَّاسِ وَقِيلَ: مَا لَهُ رَائِحَةٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ خِلَافٌ فِي اللَّفْظِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَأْنَ الَّذِي لَهُ رَائِحَةٌ أَنَّهُ يُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْمَجَالِسِ. [قَوْلُهُ: وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ إلَخْ] هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّمِ الْخَرْءُ عَلَى مَا قَرَرْنَا، وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ يُرِيدُ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ خَرْأَهَا وَأَمَّا الدَّمُ الَّذِي فِي جَوْفِهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الدَّمِ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ لَيْسَ مِثْلَهُ] أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ دَمِهَا تَفَاحَشَ أَوْ لَا كَمَا وَجَدَتْهُ فِي بَعْضِ التَّقَايِيدِ، وَفِي الْخَرَشِيِّ تَرْجِيحُ هَذَا الْقَوْلِ وَنَصُّهُ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا الْبَقُّ وَالْقَمْلُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْحُلَلِ

[باب في سجود القرآن]

[12 - بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ] كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بَابُ سُجُودِ الْقُرْآنِ بِحَذْفِ فِي وَفِي بَعْضِهَا (وَسُجُودُ الْقُرْآنِ) مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ بَابٍ وَزِيَادَةِ وَاوٍ وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ، وَقِيلَ: فَضِيلَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي حَقِّ الْقَارِئِ وَقَاصِدِ الِاسْتِمَاعِ لَا السَّامِعِ، وَيُشْتَرَطُ فِي سُجُودِ الثَّانِي ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَمِعُ جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ مِنْ الْقَارِئِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ الْإِدْغَامِ وَنَحْوِهِ أَوْ لِحِفْظِ ذَلِكَ الْمَقْرُوءِ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَجْلِسَ الْقَارِئُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ. وَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَلَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ سَجَدَ قَاصِدُ الِاسْتِمَاعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ (إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَهِيَ الْعَزَائِمُ) أَيْ الْأَوَامِرُ بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ بِالسُّجُودِ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ) وَهُوَ مَا كَثُرَ فِيهِ الْفَصْلُ بِالْبَسْمَلَةِ وَأَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ (مِنْهَا) أَيْ الْعَزَائِمِ (شَيْءٌ) عَلَى أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي الَّتِي فِي النَّجْمِ وَالِانْشِقَاقِ وَالْقَلَمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (أَوَّلُهَا فِي المص عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى {وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206] : ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ] ِ [قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا وَسُجُودٌ إلَخْ] هَذِهِ النُّسْخَةُ لَيْسَ فِيهَا مُنَاسَبَةٌ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ سُجُودِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ أَخَصُّ مِنْ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَكُونُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقِرَاءَةُ تَكُونُ فِيهَا وَالسُّجُودُ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ التِّلَاوَةِ لَا عِنْدَ مُجَرَّدِ قِرَاءَةِ كَلِمَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ] قَضِيَّةُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَعَدَمِهَا وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَى السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ] أَيْ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا عَاقِلًا مُتَوَضِّئًا فَلَا يَسْجُدُ لِسَمَاعِ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ مِنْ الْخُنْثَى وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا مِنْ الصَّبِيِّ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا غَيْرِ مُتَوَضِّئٍ، وَيَكْفِي الصَّلَاحِيَّةُ بِالْفِعْلِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ فَيَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ الْعَاجِزِ عَنْ رُكْنٍ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِإِمَامَتِهِ لِمِثْلِهِ وَأَوْلَى الْمُسْتَمِعُ لِمَكْرُوهِ الْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ. [قَوْلُهُ: جَلَسَ لِيَتَعَلَّمَ] أَيْ لَا لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا أَنَّ السَّامِعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَا يَسْجُدُ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَجْلِسَ الْقَارِئُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ] بَلْ جَلَسَ قَاصِدًا تِلَاوَةَ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ قَاصِدًا إسْمَاعَ النَّاسِ، لِأَجْلِ أَنْ يَتَّعِظُوا فَيَنْزَجِرُوا عَنْ الْمَعَاصِي، فَإِذَا جَلَسَ لِيُسْمِعَ النَّاسَ حُسْنَ قِرَاءَتِهِ فَلَا يُخَاطَبُ السَّامِعُ لَهُ بِالسُّجُودِ وَإِنْ خُوطِبَ بِهِ هُوَ. [قَوْلُهُ: سَجَدَ قَاصِدًا الِاسْتِمَاعَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ قَوْلُ مُطَرِّفٍ وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُتَعَلِّمُ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا مَحَلُّ السُّجُودِ فَيَسْجُدَانِ أَوَّلَ مَرَّةٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَوَامِرُ] سُمِّيَتْ بِالْعَزَائِمِ لِلْحَثِّ عَلَى فِعْلِهَا خَشْيَةَ تَرْكِهَا وَهُوَ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَأْمُورِ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ حَقِيقَتَهُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ مَفْعُولٍ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ] أَيْ وَهُوَ الْمُرْتَضَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَمُقَابِلُهُ أَقْوَالُ ق أَوْ الرَّحْمَنِ أَوْ شُورَى أَوْ الْجَاثِيَةِ أَوْ النَّجْمِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ] مُتَعَلِّقٌ بِأَشَارَ وَالْوَاضِحُ التَّعْبِيرُ بِإِلَى. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ بِالسُّجُودِ فِي الثَّلَاثَةِ. [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ] أَيْ لِيُعَلِّمَ الْجَاهِلَ بِأَنَّهُ آخِرُهَا [قَوْلُهُ: وَقَرَأَهَا]

وَإِنَّمَا قَالَ (وَهُوَ آخِرُهَا) وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ آخِرُهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ) نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَقَرَأَهَا (يَسْجُدْهَا) وَإِنْ كُرِهَ تَعَمُّدُهَا فِي الْفَرِيضَةِ (فَإِذَا سَجَدَهَا قَامَ فَقَرَأَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (مِنْ) سُورَةِ (الْأَنْفَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ) مِمَّا يَلِيهَا عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ (ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ) وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَقِبَ الْقِرَاءَةِ. (وَ) ثَانِيهَا (فِي) سُورَةِ (الرَّعْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى {وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: 15] . وَثَالِثُهَا (فِي) سُورَةِ (النَّحْلِ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] . وَرَابِعُهَا (فِي) سُورَةِ (بَنِي إسْرَائِيلَ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] . وَخَامِسُهَا (فِي) سُورَةِ (مَرْيَمَ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] . وَسَادِسُهَا (فِي) سُورَةِ (الْحَجِّ) وَهُوَ الْمَذْكُورُ (أَوَّلُهَا) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ أَوَّلُهَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا. (وَ) سَابِعُهَا (فِي) سُورَةِ (الْفُرْقَانِ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] . وَثَامِنُهَا (فِي) سُورَةِ (الْهُدْهُدِ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] . وَتَاسِعُهَا (فِي) سُورَةِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] . وَعَاشِرُهَا (فِي) سُورَةِ (ص) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] وَقِيلَ) السُّجُودُ فِيهَا (عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى {لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] كَالْجَزَاءِ عَلَى السُّجُودِ فَكَانَ بَعْدَ السُّجُودِ فَقُدِّمَ السُّجُودُ عَلَيْهِ. (وَ) حَادِيَةَ عَشْرَتَهَا (فِي) سُورَةِ {حم - تَنْزِيلُ} [غافر: 1 - 2] عِنْدَ قَوْلِهِ) تَعَالَى {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْأَمْرِ، وَقِيلَ السُّجُودُ فِيهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] لِأَنَّهُ تَمَامُ الْأَوَّلِ وَلِمُخَالِفَتِهِ لِلْكَافِرِ الْمُتَكَبِّرِ بِالسَّآمَةِ. (وَلَا يَسْجُدُ السَّجْدَةَ فِي التِّلَاوَةِ إلَّا عَلَى وُضُوءٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (وَيُكَبِّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ الْمُصَلِّي وَالْمُرَادُ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَتِهَا وَقَوْلُهُ يَسْجُدُهَا، أَيْ السَّجْدَةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ الْمَقَامِ وَقَوْلُهُ إنْ كَرِهَ تَعَمُّدَهَا، أَيْ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَقَرَأَهَا. [قَوْلُهُ: يَسْجُدُهَا] أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: عَلَى نَظْمِ الْمُصْحَفِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مِمَّا يَلِيهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاَلَّذِي يَلِيهَا مَا كَانَ بِلَصْقِهَا وَإِلَّا نَافَى قَوْلُهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَا يَكُونُ إلَّا عَقِبَ الْقِرَاءَةِ] أَيْ الْمُعْتَدُّ بِهِ كَمَالًا فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِمَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْأَعْرَافِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ سَجْدَةَ الْأَعْرَافِ يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ قِرَاءَةِ الْأَنْفَالِ أَوْ غَيْرِهَا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَعَدُّدِ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي صَلَاةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ عَقِبَ السُّجُودِ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ غَيْرِهَا، أَيْ إلَّا بِقَصْدِ التِّلَاوَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَمَامُ الْأَوَّلِ] أَيْ مُرْتَبِطٌ بِالْأَوَّلِ مَعْنَى. [قَوْلُهُ: الْمُتَكَبِّرُ بِالسَّآمَةِ] أَيْ الْمُتَكَبِّرُ عَنْ السُّجُودِ مَعَ مِلَلِهِ وَضَجَرِهِ مِنْهُ، أَيْ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ السُّجُودِ أَمْرَانِ تَكَبُّرُهُ وَسَآمَتُهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى وُضُوءٍ] أَيْ أَوْ بَدَلِهِ [قَوْلُهُ: الطَّهَارَتَيْنِ] أَيْ الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ [قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ سَجَدَ بِدُونِ وُضُوءٍ أَوْ بَدَلِهِ لَبَطَلَتْ وَلَوْ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي وَقْتِ نَهْيٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَهَلْ يَحْذِفُ مَوْضِعَ السُّجُودِ خَاصَّةً كَيَشَاءُ فِي الْحَجِّ وَكَالْعَظِيمِ فِي النَّمْلِ أَوْ يَحْذِفُ الْآيَةَ جُمْلَةً؟ تَأْوِيلَانِ أَشَارَ لَهُمَا سَيِّدِي خَلِيلٌ

لَهَا) فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَعَدَمِهِ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَلَا يَتَشَهَّدُ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلَا يُسَلِّمُ) مِنْهَا قَالُوا: وَقَوْلُ الشَّيْخِ (وَفِي التَّكْبِيرِ فِي الرَّفْعِ مِنْهَا سَعَةٌ) أَنَّهُ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ وَانْظُرْ قَوْلَهُ: (وَإِنْ كَبَّرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيْنَا) هَلْ هُوَ عَائِدٌ إلَى التَّكْبِيرِ فِي الرَّفْعِ أَوْ إلَى التَّكْبِيرِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ فَيَكُونُ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِلْمَشْهُورِ (وَيَسْجُدُهَا) أَيْ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ (مَنْ قَرَأَهَا) وَهُوَ (فِي) صَلَاةِ (الْفَرِيضَةِ وَ) صَلَاةِ (النَّافِلَةِ) سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ فَذًّا وَإِنْ كُرِهَ لَهُمَا تَعَمُّدُهَا فِي الْفَرِيضَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِهَا وَسَجَدَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَتْبَعُهُ مَأْمُومُهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يَتْبَعُهُ لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إنْ لَمْ يَتْبَعُوهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ لَا تُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الْفَرِيضَةِ ابْتِدَاءً، وَصَوَّبَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ بَشِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ لَهَا] أَيْ اسْتِنَانًا عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَوْ نَدْبًا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وعج. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ] وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ يُكَبِّرُ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، الثَّانِي يُكْرَهُ أَنْ يُكَبِّرَ فِيهِمَا، الثَّالِثُ التَّخْيِيرُ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ مُخَيَّرٌ] أَيْ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَعَدَمِهِ أَيْ فِي الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ كَمَا فِي ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْفَعُ] أَيْ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَذَا يَنْبَغِي كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَشَهَّدُ لَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ بِالتَّشَهُّدِ، [قَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ مِنْهَا] أَيْ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ رَابِعٌ فِي الْمَسْأَلَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خُيِّرَ فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يُخَيَّرْ فِي الْخَفْضِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: هَلْ هُوَ عَائِدٌ إلَخْ] أَيْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الرَّفْعِ كَمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْخَفْضِ فَيَكُونُ عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ أَوْ إلَى التَّكْبِيرِ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ، أَيْ الَّذِي هُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَهُوَ عَلَى كُلِّ حَالٍ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْمَشْهُورِ خِلَافًا لَمَا تُوهِمُهُ الْعِبَارَةُ. [قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا إلَخْ] وَهَلْ سُجُودُهُ سُنَّةٌ أَوْ فَضِيلَةٌ خِلَافٌ وَهَذَا إذَا كَانَ الْفَرْضُ غَيْرَ جِنَازَةٍ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا يَسْجُدُهَا فِيهَا فَإِنْ فَعَلَ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا مَا جَرَى فِي سُجُودِ الْخُطْبَةِ انْتَهَى. وَظَاهِرُ الْمُصَنَّفِ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَقْتَ نَهْيٍ عَنْ النَّافِلَةِ وَقَالَ تت عَلَى خَلِيلٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ أَيْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ لَهُمَا تَعَمُّدُهَا إلَخْ] إنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْوَعِيدِ، وَإِنْ سَجَدَ يَزِيدُ فِي سُجُودِ الْفَرِيضَةِ عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى التَّخْلِيطِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، أَيْ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ شَافِعِيٍّ يَقْرَؤُهَا وَيَسْجُدُهَا مَعَهُ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْفَرِيضَةِ أَيْ لَا النَّافِلَةِ فَلَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُهَا فِي النَّفْلِ فَذًّا أَوْ جَمَاعَةً جَهْرًا أَوْ سِرًّا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا مُتَأَكِّدًا أَوْ غَيْرَ مُتَأَكِّدٍ خَشِيَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ التَّخْلِيطَ أَمْ لَا. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ فَهَلْ مِنْ قَوْلِهِ فَرِيضَةٍ وَنَافِلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ خُطْبَةَ جُمُعَةٍ أَوْ لَا، لَا يَسْجُدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِنِظَامِ الْخُطْبَةِ، وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى قِرَاءَتِهَا فِيهَا الْكَرَاهَةُ وَإِنْ وَقَعَ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْخُطْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ نُهِيَ عَنْ السُّجُودِ الثَّانِي لَوْ كَانَ الْقَارِئُ لِلسَّجْدَةِ إمَامًا وَتَرَكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَتْرُكُهَا فَإِنْ سَجَدَهَا الْمَأْمُومُ دُونَ إمَامِهِ بَطَلَتْ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْرِ دُونَ السَّهْوِ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِ السُّجُودِ خَلْفَ إمَامِهِ السَّاجِدِ وَلَوْ عَمْدًا وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ. [قَوْلُهُ: وَيَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ] أَيْ نَدْبًا لِيُعْلِمَ الْمَأْمُومِينَ وَلَوْ نَفْلًا. [قَوْلُهُ: يَتْبَعُهُ مَأْمُومُهُ] ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السَّهْوِ، وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ أَنَّ هَذَا الِاتِّبَاعَ وَاجِبٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ إلَخْ] أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِرَعْيِ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ] مُقَابِلُ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: لَا تُكْرَهُ إلَخْ] نَفْيُ الْكَرَاهَةِ يَصْدُقُ بِالْجَوَازِ وَالطَّلَبُ الصَّادِقُ بِالسُّنَّةِ وَالنَّدْبِ، لَكِنَّ قَصْدَهُ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ

وَغَيْرُهُمْ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ يُوَاظِبُ الْأَخْيَارُ مِنْ أَشْيَاخِي وَأَشْيَاخِهِمْ. وَتُفْعَلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا عِنْدَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاصْفِرَارِهَا وَعِنْدَ الْإِسْفَارِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِعْلُهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَاخْتُلِفَ فِي فِعْلِهَا قَبْلَ الْإِسْفَارِ وَالِاصْفِرَارِ بَعْدَ أَنْ تُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَبَعْدَ أَنْ تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، فَفِي الْمُوَطَّأِ لَا تَجُوزُ بَعْدَهُمَا مُطْلَقًا اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ أَوْ أَسْفَرَتْ أَوْ لَا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَسْجُدُهَا بَعْدَهُمَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ أَوْ تُسْفِرْ وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّيْخُ فَقَالَ: (وَيَسْجُدُهَا مَنْ قَرَأَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُسْفِرْ) بِالسِّينِ مِنْ الْإِسْفَارِ وَهُوَ الضِّيَاءُ (وَبَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ) بِالصَّادِ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَهُوَ التَّغَيُّرُ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَارَقَتْ النَّوَافِلَ الْمَحْضَةَ، وَلِذَلِكَ شُبِّهَتْ بِالنَّوَافِلِ الْمَحْضَةِ وَمُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQنَدْبًا بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمَشْهُودِ خَوْفَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: كَانَ يُدَاوِمُ] لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} [الإنسان: 1] وَوَجَّهَ الْمُنَاوِيُّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ السُّورَةَ الْأُولَى فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدُّنْيَا، وَالسُّورَةُ الثَّانِيَةُ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ تَقُومُ الْقِيَامَةُ فَطُلِبَ بِذَلِكَ لِيَذْكُرَ مَبْدَأَهُ وَمَعَادَهُ. [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ] أَيْ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِعْلُهَا إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِي الْإِسْفَارِ أَوْ فِي الِاصْفِرَارِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ [قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ] أَيْ تُكْرَهُ [قَوْلُهُ: أَوْ لَا] بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ إسْفَارٌ وَلَا اصْفِرَارٌ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ غُرُوبٌ لِلشَّمْسِ أَوْ طُلُوعٌ لَهَا فَيَحْرُمُ [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا فِي الْمُوَطَّأِ ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ] مُرُورٌ عَلَى الرَّاجِحِ نَعَمْ فِي عَجَّ مَا يُخَالِفُهُ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ فَقَطْ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ، وَنَصُّهُ وَهَلْ حُكْمُ ذَلِكَ السُّنِّيَّةُ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ أَوْ الْفَضِيلَةُ خِلَافٌ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا سُنَّةٌ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَيَسْجُدُهَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَارَقَتْ إلَخْ] أَيْ فَفَارَقَتْ مَنْ فَعَلَهَا فِي التَّوْقِيفِ بِسَبَبِ كَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةَ النَّوَافِلِ الْمَحْضَةِ؛ لِأَنَّهَا أَيْ النَّوَافِلَ الْمَحْضَةَ لَا تُفْعَلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. [قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ] أَيْ وَلِكَوْنِهَا سُنَّةً شُبِّهَتْ إلَخْ. أَيْ شُبِّهَتْ بِالنَّوَافِلِ الْمَحْضَةِ فَلَمْ تُفْعَلْ فِي الِاصْفِرَارِ وَلَا فِي الْإِسْفَارِ لِكَوْنِهَا سُنَّةً أَيْ لَمْ تُطْلَبْ طَلَبًا جَازِمًا كَالنَّوَافِلِ. [قَوْلُهُ: وَمُرَاعَاةً] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَعِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَاضِحَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَفَارَقَتْ النَّوَافِلَ الْمَحْضَةَ، وَلِذَلِكَ شُبِّهَتْ بِصَلَاةِ الْجَنَائِزِ انْتَهَى.

[باب في صلاة السفر]

[13 - بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ صِفَةِ (صَلَاةِ السَّفَرِ) وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَمَحَلِّهَا وَبَعْضِ شُرُوطِهَا، وَبَعْضِ مَا يُبْطِلُ الْقَصْرَ، وَمَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِهَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ سَافَرَ إلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يُجَاوِزَ إلَخْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَمَنْ سَافَرَ) أَيْ قَصَدَ سَفَرًا فِي الْبَرِّ أَوْ فِي الْبَحْرِ، وَاجِبًا كَانَ كَسَفَرِ الْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَوْ مَنْدُوبًا كَسَفَرِ الْحَجِّ التَّطَوُّعِ، أَوْ مُبَاحًا كَسَفَرِ التِّجَارَةِ (مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ) جَمْعِ بَرِيدٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ. (وَهِيَ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ. (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصُرَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ (الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَدَّاةَ فِي السَّفَرِ وَالْمَقْضِيَّةَ لِفَوَاتِهَا فِيهِ (فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ فَلَا يَقْصُرُهَا) ؛ لِأَنَّهَا وِتْرٌ لَا نِصْفَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ] [قَوْلُهُ: بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ] أَيْ مِنْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ [قَوْلُهُ: وَحُكْمِهَا] أَيْ السُّنِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَسَبَبِهَا وَهُوَ السَّفَرُ [قَوْلُهُ: وَمَحَلِّهَا] أَيْ صَلَاةِ السَّفَرِ، أَرَادَ بِالْمَحَلِّ مَا فَوْقَ بُيُوتِ الْمِصْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الرُّبَاعِيَّةَ؛ إذْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرُّبَاعِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُ شُرُوطِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ] أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: صِفَةِ صَلَاةِ السَّفَرِ وَحُكْمِهَا وَسَبَبِهَا وَمَحَلِّهَا وَبَعْضِ شُرُوطِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يُجَاوِزَ] بِإِدْخَالِ الْغَايَةِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَافَرَ] أَيْ قَصَدَ فَفِيهِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ [قَوْلُهُ: وَاجِبًا إلَخْ] أَيْ لَا مَكْرُوهًا وَلَا حَرَامًا كَصَيْدِ اللَّهْوِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَكْرُوهٌ وَالثَّانِيَ حَرَامٌ فَإِنَّهُمَا لَا يَقْصُرَانِ كَمَا فِي ابْنِ عُمَرَ أَيْ تَحْرِيمًا فِي الْحَرَامِ وَكَرَاهَةً فِي الْمَكْرُوهِ، فَإِنْ قَصَرَا لَمْ يُعِيدَا عَلَى الرَّاجِحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَاصِيَ إمَّا بِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَإِمَّا فِيهِ كَالزَّانِي وَشَارِبِ الْخَمْرِ. فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يَقْصُرُ فَإِنْ تَابَ الْأَوَّلُ قَصَرَ إنْ بَقِيَ بَعْدَهَا مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَإِنْ عَصَى فِي أَثْنَائِهِ أَتَمَّ مِنْ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: مَسَافَةَ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ] أَيْ مَسَافَةً هِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا] فَإِنْ قَصَرَ فِيمَا دُونَهَا فَإِنْ كَانَ فِيمَا مَسَافَتُهُ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا أَعَادَ أَبَدًا وَفِيمَا مَسَافَتُهُ أَرْبَعُونَ لَا إعَادَةَ، وَفِيمَا مَسَافَتُهُ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ هَلْ يُعِيدُ فِي جُلِّ الْوَقْتِ أَمْ لَا، أَيْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَفِي التَّوْضِيحِ يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا أَبَدًا عَلَى الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: وَالْمِيلُ أَلْفَا ذِرَاعٍ] فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَوْنَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الْمَرْفِقِ إلَى آخِرِ الْأُصْبُعِ الْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أُصْبُعًا كُلُّ أُصْبُعٍ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ بَطْنُ إحْدَاهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، كُلُّ شُعَيْرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ، وَهَذَا بَيَانٌ لِأَقَلِّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَحَدُّهَا بِالزَّمَانِ سَفَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِسَيْرِ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ الْمُعْتَادَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وِتْرٌ وَلَا نِصْفَ لَهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إذْ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ نِصْفُ رَكْعَةٍ فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ تُكْمَلْ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تُقَدِّرَ النِّصْفَ كَمَا فُعِلَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ وَفِيمَنْ طَلَّقَ نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَةً وَنِصْفَ طَلْقَةِ؟ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ فُعِلَ ذَلِكَ لَذَهَبَ مَقْصُودُ الشَّرْعِ مِنْ كَوْنِ عَدَدِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وِتْرًا وَلِلشَّرْعِ قَصْدٌ فِي الْوِتْرِ، وَانْظُرْ لِمَ

لَهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ حَيْثُ قَالَ: وَالْإِقْصَارُ فِيهِ وَاجِبٌ وَأَوَّلَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بِوُجُوبِ السُّنَنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلِلْقَصْرِ شُرُوطٌ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ الْمَذْكُورَةُ مَقْصُودَةً فِي ذَهَابِ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً مِثْلَ أَنْ يَمْشِيَ فِي طَلَبِ حَاجَةٍ لَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَمَامَهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي ذَهَابِهِ وَلَوْ مَشَى أَرْبَعَةَ بُرُدٍ، وَيَقْصُرُ فِي رُجُوعِهِ، ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا فِيهِ، فَيَدْخُلَ فِيهِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، ثَالِثُهَا: عَلَى مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ. ابْنُ قَاسِمٍ فِي الْكِتَابِ: يُتِمُّ وَرَاءَهُ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتِمُّ، رَابِعُهَا: عَلَى مَا فِيهَا أَيْضًا عَنْ الْكِتَابِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يَبْرُزَ عَنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ جُمُعَةٍ أَمْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. ع: قَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQسَكَتَ عَنْ الصُّبْحِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُقْصَرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ قَصْرُهَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا بِأَنْ تُجْعَلَ رَكْعَةً، وَاَلَّذِي يُغْنِي عَنْ تَطْوِيلِ الْقَوْلِ فِيهَا وَفِي الْمَغْرِبِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُمَا لَا يُقْصَرَانِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلسَّفَرِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ إلَخْ] سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ وَمُبَاحٍ وَفَرْضٍ كَمَا حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْبُلُوغُ وَلَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْ عَيْنَ الْحُكْمِ هَلْ هُوَ السُّنِّيَّةُ أَوْ النَّدْبُ وَالظَّاهِرُ النَّدْبُ. [قَوْلُهُ: بِوُجُوبِ السُّنَنِ] أَيْ فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي تت [قَوْلُهُ: فِي ذَهَابِ] الْأَوْلَى حَذْفُ ذَهَابِ. [قَوْلُهُ: دَفْعَةً وَاحِدَةً] أَيْ مَقْصُودَةً دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَخَرَجَ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ. الثَّانِي: أَنْ يُقِيمَ فِيمَا بَيْنَهَا إقَامَةً تُوجِبُ الْإِتْمَامَ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ، فَمَنْ قَصَدَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ وَنَوَى أَنْ يَسِيرَ مِنْهَا مَا لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ ثُمَّ يُسَافِرَ بَاقِيَهَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقْطَعَهَا عَلَى ظَهْرٍ وَاحِدٍ أَيْ يَقْطَعَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَقْصُودَةً وَالثَّانِي دَفْعَةً، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ مُحْتَرَزُ مَقْصُودَةً، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَرَزُ دَفْعَةً، وَدَفْعَةٌ بِفَتْحِ الدَّالِ. [قَوْلُهُ: يَظُنُّ أَنَّهَا أَمَامَهُ] بَلْ وَلَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا أَمَامَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْرِ عَيْنَ مَوْضِعِهَا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا] قَدَّمْنَا مُحْتَرَزَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُبَاحُ] أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً] هَذَا إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَأَمَّا إنْ نَوَى الْقَصْرَ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ: لَا يُتِمُّ هَذَا إذَا أَحْرَمَ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ وَإِلَّا بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمُسَافِرَ خَلْفَ الْمُقِيمِ تَارَةً يَنْوِي الْإِتْمَامَ خَلْفَهُ، وَمِثْلُهُ الْإِحْرَامُ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَتَارَةً يَنْوِي صَلَاةَ سَفَرٍ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُدْرِكَ رَكْعَةً أَمْ لَا. فَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَتْبَعُهُ مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِي إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا صَحَّتْ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ قَالَ مَالِكٌ: لَا يُتِمُّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. تَنْبِيهٌ: بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ مَسَافَةٍ قَصِيرَةٍ إلَى طَوِيلَةٍ بِلَا عُذْرٍ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُجَاوِزَ بُيُوتَ الْمِصْرِ] أَيْ وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوتُ خَرَابًا لَا سَاكِنَ بِهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَسَاتِينُ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيَةِ الْبَلَدِيِّ الْبَسَاتِينَ الْمَسْكُونَةَ الْمُتَّصِلَةَ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا وَسُكَّانُهَا بِمَرَافِقِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ وَخَبْزٍ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسْكُونَةِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَمِثْلُ الْبَسَاتِينِ الْقَرْيَتَانِ إذَا اتَّصَلَتَا أَوْ اشْتَدَّ قُرْبُهُمَا بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ أَهْلُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِأَهْلِ الْأُخْرَى فَلَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ مِنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُجَاوِزَ الْأُخْرَى وَيَنْفَصِلَ عَنْهُمَا لَا إنْ بَعُدَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَلَا يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ الْأُخْرَى، وَأَمَّا الْمَزَارِعُ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ كَانَتْ قَرْيَةَ

(وَتَصِيرُ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَذَلِكَ بِأَنْ تَصِيرَ خَلْفَهُ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا بِحِذَائِهِ مِنْهَا شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ أَمَامَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ شِمَالِهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَلَمَّا بَيَّنَ مَبْدَأَ الْقَصْرِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مُنْتَهَاهُ فَقَالَ: (ثُمَّ لَا يُتِمُّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْبُيُوتِ (أَوْ يُقَارِبَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ) اسْتَشْكَلَ ع لَفْظَ الشَّيْخِ فَقَالَ: هَذَا اللَّفْظُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ مُسَافِرًا وَآخِرَ الْكَلَامِ جَعَلَهُ فِيهِ مُقِيمًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا يَعْنِي عَلَى قَوْلٍ آخَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا أَيْ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْهَا وَيَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ يُقَارِبَهَا هُوَ قَوْلُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْأَوَّلُ يُخَالِفُهَا لِأَنَّ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا قَوْلٌ وَاحِدٌ. (وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَظْعَنَ) أَيْ يَرْتَحِلَ (مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِأَوْ يَكُونُ أَرَادَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ، وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الْقَصْرَ بِشَرْطِهِ يَقْطَعُهُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَأَكْثَرَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ مَا يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً عِنْدَ سَحْنُونَ وَعَبْدِ الْمَلْكِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ إذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنْ قَدَّرَ بِالصَّلَوَاتِ حَسَبَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ فَيُتِمُّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَإِنَّ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجُمُعَةٍ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ مِنْ سُوَرِ الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمِنْ آخِرِ بُنْيَانِهَا، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْبَسَاتِينِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِبَارِ مُجَاوَرَةِ الْبَسَاتِينِ، وَالْعَمُودِيُّ بِمُجَاوَزَتِهِ مَحِلَّتِهِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَنْزِلَ إقَامَتِهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ بُيُوتُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَةِ الْجَمِيعِ حَيْثُ جَمَعَهُمْ اسْمُ الْحَيِّ وَالدَّارِ، أَوْ اسْمُ الدَّارِ فَقَطْ أَوْ اسْمُ الْحَيِّ حَيْثُ كَانَ يَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَإِلَّا قَصَرَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ عَنْ مَنْزِلِهِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّأْوِيلُ يُوَافِقُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] فِيهِ أَنَّ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ، وَنَصُّهَا: وَإِذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَلْيَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ الْبُيُوتَ أَوْ قُرْبَهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ وَإِنْ سَاوَتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ لَمْ يَكُنْ شَأْنُهَا أَنْ تُشِيرَ بِأَوْ إلَى قَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ. بَقِيَ أَنَّ مُلَخَّصَ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمِيلِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ بِهَا بَسَاتِينُ أَمْ لَا، كَانَتْ الْبَسَاتِينُ قَلِيلَةً بِحَيْثُ تَكُونُ ثُلُثَ مِيلٍ مَثَلًا أَوْ أَكْثَرَ، وَالظَّاهِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ أَنَّ دُخُولَ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَلَوْ حُكْمًا كَدُخُولِ الْبَلَدِ، أَيْ فَيُتِمُّ بِهِ وَالْقُرْبُ مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ مِيلٍ كَالْقُرْبِ مِنْ الْبَلَدِ بِأَقَلَّ مِنْهُ أَيْ فَيَقْصُرُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ ابْنُ نَاجِي خِلَافًا لِشَيْخِهِ فِي عَدِّهَا أَيْ عَدِّ الْبَسَاتِينِ مِنْ الْمَسَافَةِ، فَظَهْرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الصَّوَابَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ وَاعْتِمَادُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى حَتَّى يَرْجِعَ لِلْبُيُوتِ أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا مِنْ الْبَسَاتِينِ الْمُتَّصِلَةِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْمُسَافِرُ إلَخْ] أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ تَكُونُ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا أَوْ شَكًّا، وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِقَامَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَأَمَّا إنْ نَوَى ذَلِكَ فِيهَا فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً نُدِبَ لَهُ شَفْعُهَا وَلَمْ تُجْزِئْ لَا حَضَرِيَّةً وَلَا سَفَرِيَّةً ثُمَّ صَلَّاهَا حَضَرِيَّةً، وَأَمَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَهَا أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ حَضَرِيَّةً أَيْ نَدْبًا قَالَ سَنَدٌ: لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَدَثَتْ لَهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ وَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَظْعَنَ] بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَرْتَحِلَ وَيَصِيرَ إذَا ظَعَنَ كَالظَّاعِنِ مِنْ بَلَدِهِ فَيَقْصُرَ إذَا جَاوَزَ الْبَلَدَ وَمَا فِي حُكْمِهَا، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] اعْلَمْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُرَاعِي فِي قَطْعِ حُكْمِ السَّفَرِ الْأَرْبَعَةَ الْأَيَّامِ الصِّحَاحَ وَالْعِشْرِينَ صَلَاةً، مَنْ دَخَلَ قَبْلَ فَجْرِ يَوْمٍ وَنَوَى الْخُرُوجَ بَعْدَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ مُدَّةَ عِشْرِينَ صَلَاةً فَالْإِقَامَةُ الْقَاطِعَةُ لِحُكْمِ السَّفَرِ أَنْ يُقِيمَ إلَى عِشَاءِ الرَّابِعِ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٌ بِلَيَالِيِهَا وَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ لَهُ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْجَلَّابِ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ وَغَيْرُهُمَا حَيْثُ قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ الصِّحَاحِ بِلَيَالِيِهَا ذَكَرَهُ عَجَّ. [قَوْلُهُ: وَقَصَرَ ظُهْرَ إلَخْ] هَذَا غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلُ

يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: نَوَى أَنَّ الْإِتْمَامَ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَإِنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِتْمَامَ هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ، وَالْقَصْرُ فَرْعٌ يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ. وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا قَامَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ يَقْصُرُ مَا دَامَ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ كَوْنِ نِيَّةِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْقَصْرِ نِيَّةُ الْعَسْكَرِ الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ وَلَوْ نَوَوْا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَالْعَسْكَرُ يُقِيمُ بِدَارِ الْحَرْبِ يَقْصُرُونَ إنْ طَالَ مُقَامُهُمْ وَلَيْسَ دَارُ الْحَرْبِ كَغَيْرِهَا، وَمِمَّا يَقْطَعُ الْقَصْرَ أَيْضًا الْعِلْمُ بِالْإِقَامَةِ عَادَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ عَادَةِ الْحَاجِّ إذَا نَزَلَ الْعَقَبَةَ أَوْ دَخَلَ مَكَّةَ أَنْ يُقِيمَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَكَانَ الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْإِقَامَةِ كَافِيًا فِي الْإِبْطَالِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِصَلَاةِ السَّفَرِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ لِلسَّفَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لِلْحَضَرِ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا. وَقَسَّمَ الْأَوَّلَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مَا يَسَعُ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا أَوْ لَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ خَرَجَ) أَيْ شَرَعَ فِي السَّفَرِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) (صَلَّاهُمَا سَفَرِيَّتَيْنِ) اتِّفَاقًا إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا نَاسِيًا، وَعَلَى الْمَنْصُوصِ إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا عَامِدًا، وَيَكُونُ آثِمًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَافَرَ فِي وَقْتَيْهِمَا إذْ يُقَدَّرُ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَتَبْقَى رَكْعَةُ الْعَصْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ هَلْ يُرَاعَى قَبْلَهُ تَقْدِيرُ الطَّهَارَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ أَمْ لَا. وَالثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ بَقِيَ) أَيْ مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهِمَا (قَدْرُ مَا يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةً صَلَّى الظُّهْرَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ فَاتَ وَقْتُهَا وَهُوَ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَتَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ حَضَرِيَّةً. (وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِي وَقْتِهَا وَيَبْدَأُ بِالظُّهْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِالْعَصْرِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ لِئَلَّا يُفَوِّتَهَا عَنْ وَقْتِهَا. وَقَالَ أَشَهْبُ: يَبْدَأُ بِأَيَّتِهَا شَاءَ لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ (وَلَوْ دَخَلَ) مِنْ سَفَرِهِ (لِخَمْسِ رَكَعَاتٍ) أَيْ وَإِذَا دَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النَّهَارِ مِقْدَارُ مَا يُصَلِّي فِيهِ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (نَاسِيًا لَهُمَا صَلَّاهُمَا حَضَرِيَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِهِمَا الظُّهْرِ بِأَرْبَعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ أَشْيَاخُ عج مِنْ أَنَّهُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مِنْ حِينِ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى فِيهِ ذَلِكَ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ أَتَمَّهُ وَأَتَمَّ الْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ وَإِنْ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِ لَا يُحْسَبُ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي يُقِيمُهَا وَلَا يُقَالُ: إنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةَ زَمَنٍ يُصَلِّي فِيهِ عِشْرِينَ صَلَاةً وَدَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقْدَحُ فِيهِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَّرَ بِالْأَيَّامِ أَلْغَى الْيَوْمَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَقَصَرَ ظُهْرَ يَوْمِهِ وَعَصْرَهُ إذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلدِّينِ بِالْقَصْرِ، بَلْ يَقْصُرُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ وَعِنْدَ الْأَوَّلِ يُتِمُّ الْجَمِيعَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ] وَهُوَ تَعَدِّي الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ [قَوْلُهُ: بِدَارِ الْحَرْبِ] الْمُرَادُ بِدَارِ الْحَرْبِ مَحَلُّ إقَامَةِ الْعَسْكَرِ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا أَمْنَ وَأَفْهَمَ ذَلِكَ إتْمَامُ الْأَسِيرِ بِدَارِهِمْ، وَإِتْمَامُ الْعَسْكَرِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ] أَيْ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُقَدَّرُ الظُّهْرُ فِي مَسْأَلَةِ الْحَاضِرِ إذَا سَافَرَ وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ، فَقَالَ بِالْأَوَّلِ اللَّخْمِيُّ وَالْقَرَافِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ بِالثَّانِي آخَرُونَ. وَمُفَادُ بَعْضٍ تَرْجِيحُهُ وَعَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ. وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ لَا يُعْتَبَرُ تَقْدِيرُ الظُّهْرِ بِفَرْضِ أَنْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ. وَانْظُرْ هَلْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؟ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ] أَيْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ شِهَابٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْدَأُ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ

وَالْعَصْرِ بِرَكْعَةٍ، قَالُوا: وَحُكْمُ الْعَامِدِ كَالنَّاسِي وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النَّاسِي لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّانِي. بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ (بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَقَلَّ إلَى رَكْعَةٍ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ سَفَرِيَّةً (وَ) صَلَّى (الْعَصْرَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ أَدْرَكَهَا فِي الْحَضَرِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الصَّلَاتَيْنِ الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ نَهَارًا خُرُوجًا وَدُخُولًا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُشْتَرِكَتَيْ الْوَقْتِ لَيْلًا كَذَلِكَ، لَكِنَّهُ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ عَكْسِ مَا تَقَدَّمَ فِي النَّهَارِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّقْسِيمِ. فَقَالَ: (وَإِنْ قَدِمَ فِي لَيْلٍ وَقَدْ بَقِيَ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ) فِيمَا يُقَدَّرُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا (صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ حَضَرِيَّةً) لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَدْرِك بِهِ الْعِشَاءَ فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَهَا حَضَرِيَّةً، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَلَا مَعْنَى لِذَكَرِهَا: ثُمَّ عَقَّبَ بِالْخُرُوجِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَقَالَ: (وَلَوْ خَرَجَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ سَفَرِيَّةً) لِأَنَّهُ مُدْرِكٌ لِوَقْتِهَا فِي السَّفَرِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ لِلْخُرُوجِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْتَقْبَلُ، وَيُقَدِّمُ لِلدُّخُولِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ فَأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ مَا يُسْتَقْبَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: قَالُوا] لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرِّي [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى الدُّخُولِ إلَخْ] لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلًّا دُخُولٌ [قَوْلُهُ: فِيمَا قُدِّرَ] فِي بِمَعْنَى مِنْ أَيْ مِمَّا يُقَدَّرُ أَيْ مِمَّا يُقَدَّرُ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا] أَيْ كَذَا لَا مَعْنَى لِذِكْرِهَا فِي الْآتِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ] أَيْ قَاعِدَةُ هَذَا الْبَابِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُقَدِّرُ لِلْخُرُوجِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ] قَاصِرٌ عَلَى النَّهَارِيَّتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِهِمَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: بَعْدُ وَيُقَدِّرُ لِلدُّخُولِ بِخَمْسٍ إلَخْ قَاصِرٌ عَلَيْهِمَا أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِهِمَا، فَلَا يَشْمَلُ النَّهَارِيَّتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمُدْرِكِ وَاحِدَةٍ وَلَا اللَّيْلِيَّتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ بِالنِّسْبَةِ لِلَّيْلَتَيْنِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ بِرَكْعَةٍ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَبِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّهَارِيَّتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَذَلِكَ عَلَى التَّوْزِيعِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّهُ فِي الْخُرُوجِ إذَا بَقِيَ مَا يَسَعُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا سَفَرِيَّتَيْنِ وَاثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً، فَالثَّانِيَةُ سَفَرِيَّةٌ وَهَكَذَا لَكَانَ أَفْضَلُ.

[باب في الجمعة]

[14 - بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ السَّعْيِ إلَى (صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِهِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ، وَيَجُوزُ فِيهَا الْإِسْكَانُ وَالْفَتْحُ وَبِهِمَا قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ، وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا وَالْمَحِلِّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَبَيَانِ صِفَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَمْعِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا، وَابْتَدَأَ بِحُكْمِ السَّعْيِ فَقَالَ: (وَالسَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةُ وَاجِبٌ) وَإِذَا وَجَبَ وَهُوَ وَسِيلَةٌ فَأَحْرَى مَا سَعَى إلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ فَقَالَ: وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيُ إلَيْهَا فَرِيضَةٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] ك قَالَ مَالِكٌ: السَّعْيُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ إلَى أَنْ قَالَ: فَلَيْسَ السَّعْيُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ السَّعْيَ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَإِنَّمَا عَنَى الْعَمَلَ وَالْفِعْلَ. وَقَالَ ع وَق: الْمُرَادُ بِالسَّعْيِ هُنَا الْمَشْيُ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْحُضُورِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِلْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَخْتَصُّ بِمَوْضِعٍ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ» قَالَ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعِ فَقَالَ ك: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَالسَّعْيُ إلَيْهَا إنَّمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا مَانِعَ، فَإِذَا كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ سَقَطَتْ وَهُوَ أَشْيَاءُ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ كَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَهْلِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَدَّ بِأَحَدِ وَالِدِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْجُمُعَةِ] [قَوْلُهُ: بَيَانُ حُكْمِ السَّعْيِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: صَلَاةُ الْجُمُعَةُ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِيهَا إلَخْ وَهُنَاكَ لُغَةٌ رَابِعَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقُرِئَ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ وَقْتِ وُجُوبِهَا] أَيْ بِقَوْلِهِ: وَذَلِكَ عِنْدَ جُلُوسِ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَالْمَحَلِّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ] وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ إلَخْ [قَوْلُهُ: لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا] وَقِيلَ: لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ مَعَ حَوَّاءَ فِيهَا، وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّاهَا جُمُعَةً قُصَيٌّ فَإِنَّهُ جَمَعَ قُرَيْشًا فِي يَوْمِهَا وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ] أَيْ بِوُجُوبِ مَا سَعَى إلَيْهِ [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى وُجُوبِ السَّعْيِ [قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ] عَطْفٌ مُرَادِفٌ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسَّعْيِ إلَى الذِّكْرِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَشْيِ عَلَى الْأَرْجُلِ أَمْ لَا، وَاسْتَدَلَّ الْفَاكِهَانِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ فَامْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِس، وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ أَوْ هُمَا مَعًا، أَفَادَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضٌ فِي الْحُضُورِ] أَيْ لِأَجْلِ الْحُضُورِ، وَمُرَادُ ع وَق بِالْمَشْيِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ لَا خُصُوصُ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ خُصُوصَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَسَاوَتْ عِبَارَتُهُمَا عِبَارَةَ ك. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهَا] أَيْ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ [قَوْلُهُ: لِقَوْمٍ] أَيْ فِي شَأْنِ قَوْمٍ [قَوْلُهُ: أُحَرِّقَ] بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبُيُوتَهُمْ مَفْعُولُ أُحَرِّقَ [قَوْلُهُ: كَالْمَرَضِ الَّذِي يَشُقُّ إلَخْ] أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ [قَوْلُهُ: قَدْ اشْتَدَّ إلَخْ]

الْمَرَضُ أَوْ اُحْتُضِرَ أَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ عَلَى مَالِهِ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ حَرِيقٍ، وَمِنْهَا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ وَالْوَحْلُ الْكَثِيرُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا وَخَافَ أَنْ يُحْبَسَ إنْ ظَهَرَ، وَمِنْهَا أَكْلُ الثُّومِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِلتَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ الْعُرْسُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ بَيَّنَ الْوَقْتَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ، فَقَالَ: (وَذَلِكَ) أَيْ وُجُوبُ السَّعْيِ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ يَكُونُ (عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا لَأَغْنَاهُ عَنْ قَوْلِهِ: (وَأَخَذَ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ بِفَتْحِ الْخَاء وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِمَعْنَى شَرَعَ (الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْآذَانِ) وَفِي بَعْضِهَا وَأَخْذِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ وَجَرَّ الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى الْإِضَافَةِ. وَقَيَّدْنَا بِمَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ احْتِرَازًا مِمَّنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ إلَيْهَا فِي مِقْدَارِ مَا يَصِلُ فِيهِ عِنْدَ الزَّوَالِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ وَمَنْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ فَأَقَلَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَسْعَى حَتَّى يَجْلِسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا يَصِلُ إلَّا وَالْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: عِنْدَ جُلُوسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَقُومُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ اُحْتُضِرَ يُفْهَمُ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأُولَى [قَوْلُهُ: أَوْ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ] أَيْ أَوْ يَشْتَدُّ وَلَمْ يَحْتَضِرْ إلَّا أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. تَنْبِيهٌ: لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: أَحَدُ وَالِدِيهِ بَلْ وَمِثْلُهُ كُلُّ قَرِيبٍ خَاصٍّ كَذَلِكَ كَوَلَدٍ وَزَوْجٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّمْرِيضَ لِلْقَرِيبِ الْخَاصِّ عُذْرٌ مُطْلَقًا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ لَا خَشِيَ بِتَرْكِهِ الضَّيْعَةَ أَوْ لَا، وَأَمَّا تَمْرِيضُ غَيْرِ قَرِيبٍ فَهُوَ عُذْرٌ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ بِهِ غَيْرُهُ وَخَشِيَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الضَّيْعَةَ، وَأَمَّا قَرِيبٌ غَيْرُ خَاصٍ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ وَلِابْنِ الْحَاجِبِ كَالْخَاصِّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَيْدَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَالِهِ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ يُجْحِفُ بِهِ وَمِثْلُهُ مَالُ غَيْرِهِ. وَكَذَا خَوْفٌ عَلَى عِرْضٍ أَوْ دِينٍ كَخَوْفِ إلْزَامِ قَتْلِ رَجُلٍ أَوْ ضَرْبِهِ [قَوْلُهُ: الْمَطَرُ الشَّدِيدُ] وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ أَوَاسِطَ النَّاسِ عَلَى تَغْطِيَةِ رُءُوسِهِمْ. وَقَوْلُهُ: أَوْ الْوَحْلُ الْكَثِيرُ وَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ أَوَاسِطَ النَّاسِ عَلَى تَرْكِ الْمِدَاسِ بِكَسْرِ الْمِيمِ [قَوْلُهُ: وَخَافَ أَنْ يُحْبَسَ] أَيْ لِيُثْبِتَ عُسْرَهُ [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَكْلُ الثُّومِ] أَيْ النِّيءِ وَمِثْلُ الثُّومِ غَيْرُهُ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَفُجْلٍ، وَحَرُمَ أَكْلُهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ ثُومٍ وَغَيْرِهِ بِمَسْجِدٍ وَكَذَا بِغَيْرِهِ لِمَنْ يُرِيدُ جُمُعَةً أَوْ جَمَاعَةً أَوْ مَجْلِسَ عِلْمٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ وَلِيمَةٍ أَوْ مُصَلَّى عِيدَيْنِ أَوْ جَنَائِزَ وَتَأَذَّوْا بِرَائِحَتِهِ، إلَّا إنْ قَدَرَ عَلَى إزَالَتِهِ بِمُزِيلٍ غَيْرِ جَوَازِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِالْكَرَاهَةِ. وَفِي جَوَازِ دُخُولِ آكِلِهِ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ وَكَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ نَقَلَهُمَا الْمَوَّاقُ وَمِمَّا يُزِيلُ رَائِحَةَ الثُّومِ وَنَحْوِهِ مَضْغُ السَّعَفِ وَالسَّعْتَرِ. [قَوْلُهُ: الْعُرْسُ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَبِسُكُونِهَا الِابْتِنَاءُ بِالزَّوْجَةِ فَهُوَ لَيْسَ بِمُبِيحٍ لِلتَّخَلُّفِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ امْرَأَةُ الرَّجُلِ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا أَيْ الزَّوْجَةِ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهَا بِالسُّنَّةِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ] يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ، بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِلْخُلَفَاءِ وَجَائِزٌ لِغَيْرِهِمْ. وَالْمَنْدُوبُ فِي حَقِّ مَنْ يَخْطُبُ عَلَى الْأَرْضِ وُقُوفُهُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضٌ الْوُقُوفَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ [قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ الْفِعْلِ] وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ جُمْلَةُ وَأَخَذَ حَالِيَّةً [قَوْلُهُ: مِقْدَارِ إلَخْ] إضَافَةُ مِقْدَارٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. أَيْ مِقْدَارٌ هُوَ زَمَنٌ يَصِلُ فِيهِ الْمَسْجِدَ عِنْدَ الزَّوَالِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَوْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَفَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَحْضُرُ الْخُطْبَةَ وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مُفَادِ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَقَطْ حَيْثُ حَضَرَ الْخُطْبَةَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ [قَوْلُهُ: يَدُلُّ إلَخْ] لَا دَلَالَةَ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَلَوْ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ الَّذِي هُوَ

الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ السَّعْيُ حِينَ يَجْلِسُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ الْخُطْبَةِ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْأَذَانِ وَكَانَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْآخِرُ فِي زَمَنِهِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَا مِنْ ذَا فَقَالَ: (وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنْ يَصْعَدُوا) بِمَعْنَى يَرْتَفِعُوا أَيْ الْمُؤَذِّنُونَ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ (عَلَى الْمَنَارِ فَيُؤَذِّنُونَ) أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَارٌ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُؤَذِّنُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَالَهُ د: وَفِي كَلَامِ ك مُخَالَفَةٌ لَهُ اُنْظُرْهُ. (وَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ (الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمُفَادُ ابْنِ عَرَفَةَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا فِي مِقْدَارِ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا] يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْبَعِيدِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الزَّوَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلًا فَهِيَ عِبَارَةٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي غَيْرِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَأَمَّا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ فَيَجِبُ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ مِنْ أَوَّلِهَا كَمَا هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَلَا يُكْتَفَى بِحُضُورِ كُلِّهِمْ بَعْضَهَا وَلَا بِحُضُورِ بَعْضِهِمْ كُلَّهَا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: الَّذِي يَتَحَرَّرُ أَنْ تَقُولَ مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حُضُورُ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ زَادُوا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ، وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ عَلَيْهِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ حُضُورَ الْقَدْرِ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْخِطَابُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ سَمَاعَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فَقَطْ حَيْثُ حَضَرَ الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ، وَمَا أَفَادَهُ مِنْ قَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي مِقْدَارِ مَا يَصِلُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَتَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ أَنْ يَسْعَى بِحَيْثُ يُدْرِكُ الْخُطْبَتَيْنِ قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ، وَلَا يَتَقَيَّدُ وُجُوبُ السَّعْيِ بِالْأَذَانِ وَلَا بِالزَّوَالِ خِلَافًا لِشَارِحِنَا فِي جَعْلِهِ ذَلِكَ فِي الَّذِي بَعُدَتْ دَارُهُ وَتَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ: يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ. [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ إلَخْ] أَيْ وَالطَّرِيقَةُ الْمَنْدُوبَةُ [قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مُفَادِ زَرُّوقٍ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَانٌ وَاحِدٌ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ أَحْدَثَ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ أَذَانًا آخَرَ يُفْعَلُ قَبْلَ هَذَا عَلَى الْمَنَارِ، وَأَنَّهُ يَكُونُ الْإِمَامُ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ حِينَئِذٍ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ مُخَالَفَةٌ إلَخْ] فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَجَلَسَ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُونَ وَكَانُوا ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ» فَإِذَا فَرَغَ الثَّالِثُ قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ وَكَذَا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ النَّاسُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِإِحْدَاثِ أَذَانٍ سَابِقٍ عَلَى الَّذِي يُفْعَلُ عَلَى الْمَنَارِ وَأَمَرَهُمْ بِفِعْلِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ الزَّوْرَاءِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ وَيَرْتَفِعُوا مِنْ السُّوقِ، فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ عَلَى الْمَنَارِ، ثُمَّ إنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي زَمَنِ إمَارَتِهِ نَقَلَ الْأَذَانَ الَّذِي كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَجَعَلَهُ مُؤَذِّنًا وَاحِدًا يُؤَذِّنُ عِنْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمَنَارِ، فَإِذَا خَرَجَ هِشَامٌ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ أَوْ يُؤَذِّنُونَ كُلُّهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ: وَلَهَا أَذَانَانِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الزَّوَالِ وَالْآخَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ أَوَّلٌ فِي الْفِعْلِ وَثَانٍ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ عَلَى الْمَنَارِ، وَالْوَاقِعُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ثَانٍ فِي الْفِعْلِ وَأَوَّلٌ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ الْآنَ هُوَ مَا كَانَ يُفْعَلُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَحَوَّلَهُ هِشَامٌ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنَارِ فِي كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ

{وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَلْزَمُهُمَا الْجُمُعَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا فُسِخَ، فَإِنْ فَاتَ فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبْضِهِ. (وَ) كَذَلِكَ يَحْرُمُ حِينَئِذٍ (كُلُّ مَا يَشْغَلُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ (عَنْ السَّعْيِ إلَيْهَا) كَالْأَكْلِ وَالْخِيَاطَةِ وَالسَّفَرِ (وَهَذَا الْأَذَانُ الثَّانِي) فِي الْأَحْدَاثِ هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْفِعْلِ (أَحْدَثَهُ بَنُو أُمَيَّةَ) يَعْنِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَوْ صَرَّحَ بِاسْمِهِ لَكَانَ أُولَى لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ وَسَمَّاهُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا شَرَائِطُ وُجُوبٍ وَشَرَائِطُ أَدَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهَا، وَالْأُولَى عَشَرَةٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْضِعُ التَّأْذِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَنَارُ الْمَعْهُودُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُرَادُهُ بِمَوْضِعِ التَّأْذِينِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ الْأَذَانِ إلَخْ] الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَذَانِ بِأَوَّلِهِ لَا بِتَمَامِهِ فَإِنْ كَبَّرَ الْمُؤَذِّنُ حَرُمَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَتَعَلَّقُ بِالنِّدَاءِ قَالَهُ سَنَدٌ. [قَوْلُهُ: الْبَيْعُ] أَيْ وَالشِّرَاءُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ إلَّا مَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَقْتَ النِّدَاءِ وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ أَوْ الصَّعِيدَ إلَّا بِالثَّمَنِ فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ كَعَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا مَعَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا فَهَلْ تَتَعَدَّى إلَيْهِ الرُّخْصَةُ وَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ لِضَرُورَةِ الْمُشْتَرِي أَوْ الرُّخْصَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي؟ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ شُيُوخُ ابْنِ نَاجِي كَالْغُبْرِينِيِّ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ لِي الْأَوَّلُ كَمَا أَفَادَهُ تت لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَيْضًا فَالْبَيْعُ مَتَى جَازَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ جَازَ مِنْ الْآخَرِ وَمَتَى امْتَنَعَ امْتَنَعَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا مَاشِيَيْنِ لِلْجَامِعِ، وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: يَمْضِي حِينَئِذٍ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشْغَلْهُمَا عَنْ السَّعْي، نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ أَيْ وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ فَلَا سَبِيلَ لِلْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ إلَخْ] أَيْ بِمُفَوِّتٍ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ. وَقَوْلُهُ: فَالْقِيمَةُ حِينَ قَبَضَهُ أَيْ فَالْقِيمَةُ مُعْتَبَرَةٌ حِينَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَهَذَا مُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَمْضِي بِالثَّمَنِ وَهَذَا قَدْ مَضَى بِالْقِيمَةِ [قَوْلُهُ: كَالْأَكْلِ] أَدْخَلَتْ الْكَافُ الشَّرِكَةَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّفَرِ] أَيْ وَأَمَّا السَّفَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَهُوَ جَائِزٌ وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ مَكْرُوهٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يُدْرِكَهَا فِي طَرِيقِهِ كَمُرُورٍ بِمَحَلِّ جُمُعَةٍ وَإِلَّا جَازَ لَهُ السَّفَرُ، وَلَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا إذَا اُضْطُرَّ لِلسَّيْرِ. تَنْبِيهٌ: إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ كُلُّ مَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ مَالِيَّةٌ كَالتَّوْلِيَةِ لَا نَحْوُ النِّكَاحِ وَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ، وَلَوْ كِتَابَةً لِأَنَّهَا عِتْقٌ فَلَا يُفْسَخُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ حَرُمَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَسُّ فِي الِاقْتِدَاءِ] أَيْ أَنْسَبُ [قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُ أَدَاءِ] أَيْ صِحَّةِ [قَوْلُهُ: أَنَّ شَرَائِطَ الْوُجُوبِ مَا تَعْمُرُ بِهَا الذِّمَّةُ] الذِّمَّةُ وَصَفٌّ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ وَيَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الذِّمَّةَ تَصِيرُ عَامِرَةً لَيْسَتْ بِخَالِيَةٍ بِسَبَبِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَعَمُرَ الْمَنْزِلُ بِأَهْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُهُمَا إمَّا لِكَوْنِ الشَّخْصِ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورِ فِي قُدْرَتِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الشَّارِعِ لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مَا تَبْرَأُ بِهَا الذِّمَّةُ] أَيْ تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِسَبَبِهَا أَيْ بِسَبَبِ حُصُولِهَا [قَوْلُهُ: الْإِعْلَامُ] الْأَوْلَى الْعِلْمُ؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامَ لِلْغَيْرِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ لَيْسَتْ خَاصَّةً بِهَا بَلْ جَارِيَةً فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ. تَنْبِيهٌ: الصَّحِيحُ أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ.

الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ وَالْقُرْبُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مِنْهَا وَقْتُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَالِاسْتِيطَانُ. وَالثَّانِيَةُ: أَرْبَعَةٌ الْإِمَامَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْجَامِعُ وَالْخُطْبَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ بَعْضَ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ فَقَالَ: (وَالْجُمُعَةُ تَجِبُ بِالْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ) أَمَّا الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ، وَزَادَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَأَنْ يَكُونَ بِالْمِصْرِ الْإِمَامُ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمِصْرِ وَفِي الْقُرَى تَأَمُّلٍ فِي قَوْلِ الشَّيْخِ تَجِبُ بِالْمِصْرِ بِأَنْ يَقُولَ: يُرِيدُ أَوْ بِالْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ وَنَحْوِهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَشَرْطُ أَدَاءً وَشَرْطُ صِحَّةٍ أَيْضًا وَلَا عَدَدَ مَحْصُورٌ لِلْجَمَاعَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِدَفْعِ مَنْ يَقْصِدُهُ وَيُسَاعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَعَاشِ الْحَاجِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ تُقَامُ، وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْقُرْبُ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ وَيُلْحَقُ بِالثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ رُبْعُ مِيلٍ أَوْ ثُلُثُهُ، وَابْتِدَاءُ الْأَمْيَالِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْمَنَارِ وَانْظُرْ لَوْ تَعَدَّدَ الْمَنَارُ هَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَنَارُ الَّذِي يُصَلِّي فِي جَامِعِهِ مَنْ سَعَى أَوْ الْمُعْتَبَرُ الْمَنَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْبَلَدِ؟ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنَارُ الَّذِي فِي طَرَفِ الْبَلَدِ وَهَذَا كَمَا قَرَّرْنَا فِي الْخَارِجِ عَنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمُجَسَّدِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِيطَانُ] لَا يُقَالُ: اشْتِرَاطُ الْإِقَامَةِ يُغْنِي عَنْ الِاسْتِيطَانِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُقِيمِ وَجَبَتْ عَلَى الْمُسْتَوْطِنِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا أَصَالَةً، وَالْإِقَامَةُ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهَا تَبَعًا قَالَهُ عَجَّ. وَأَيْضًا الِاسْتِيطَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةُ أَيْ إقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ لَا عَلَى التَّأْيِيدِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ خِلَافًا لِشَارِحِنَا فِي جَعْلِهِ الِاسْتِيطَانَ شَرْطَ وُجُوبٍ فَقَطْ إلَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِيطَانَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ فَتَقُولُ: تَعْرِيفُ شَرْطِ الصِّحَّةِ بِمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ تَعْرِيفٌ لِشَرْطِ الصِّحَّةِ فَقَطْ لَا لِشَرْطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ مَعًا. [قَوْلُهُ: الْإِمَامُ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَصِّلُوا إمَامًا وَقَوْلُهُ: وَالْجَمَاعَةُ أَيْ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السَّعْيُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ جَمَاعَةُ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَوْلُهُ: وَالْخُطْبَةُ أَمْرُهَا ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: وَالْجَامِعُ] أَيْ فَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجَامِعُ مَبْنِيًّا بِنَاءً مُعْتَادًا لِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ فَعَلَ أَهْلُ الْأَخْصَاصِ جَامِعًا مِنْ بُوصٍ وَنَحْوِهِ فَتَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّحِدًا فَلَا يَجُوزُ التَّعَدُّدُ إلَّا فِي بَلَدٍ يَضِيقُ الْجَامِعُ الْقَدِيمِ بِأَهْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ طُرُقٌ مُتَّصِلَةٌ تَتَيَسَّرُ الصَّلَاةُ فِيهَا فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ. وَلَعَلَّ الْأَظْهَرَ: حَاجَةُ مَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ لِصَلَاتِهِ وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْ كَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ لِأَنَّ الْكُلَّ مَطْلُوبٌ بِالْحُضُورِ وَلَوْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالضِّيقِ وُجُودُ الْعَدَاوَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بَلْ هَذَا رُبَّمَا يُقَالُ أَوْلَى [قَوْلُهُ: وَفِي الْقُرَى الْمُتَّصِلَةِ الْبُنَيَّانِ] أَيْ جِنْسِ الْقُرَى فَيَصْدُقُ بِالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اتِّصَالٌ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ ارْتِفَاقًا أَيْ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِهَا إمَامٌ يُقِيمُ الْحُدُودَ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي] وَهُوَ الْجَمَاعَةُ [قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةِ إلَخْ] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ: فَشَرْطُ أَدَاءً فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَلَا عَدَدَ مَحْصُورٌ لِلْجَمَاعَةِ عِنْد مَالِكٍ] وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ كَالشَّافِعِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ] أَيْ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ. وَقَوْلُهُ: مَنْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَيْ أَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ جَمَاعَةٍ تَسْتَغْنِي وَتَأْمَنُ بِهِمْ قَرْيَةٌ بِأَنْ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ فِيهَا صَيْفًا وَشِتَاءً، وَالدَّفْعُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فِي الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ لَا النَّادِرَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْجِهَاتِ مِنْ كَثْرَةِ الْخَوْفِ وَالْفِتَنِ وَقِلَّتِهَا بِلَا حَدٍّ مَحْصُورٍ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَيْ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ لَا تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ. [قَوْلُهُ: وَيُسَاعِدُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَسْتَقِلُّ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ مَنْ يَقْصِدُهُمْ وَلَا يُسَاعِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي

الْجُمَعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ الْمَخْصُوصَةُ بَلْ تَجُوزُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا بَاقِينَ لِتَمَامِ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا بَالِغِينَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطٍ آخَرَ فَقَالَ: (وَالْخُطْبَةُ فِيهَا) أَيْ الْجُمُعَةُ (وَاجِبَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِلَا خُطْبَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ، فَإِذَا صَلَّوْا بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُمْ يُعِيدُونَهَا ظُهْرًا. وَلِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ: وَلِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِعْلِ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنْ جَهِلَ وَصَلَّى بِهِمْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ أَعَادَ الصَّلَاةَ فَقَطْ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهُ أَعَادَهَا فَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا فَلَا تُجْزِئُهُ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ: قَبْلَ الصَّلَاةِ يَعْنِي بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ. فَإِنْ خَطَبَ وَاحِدَةً وَصَلَّى أَعَادَ الْجُمُعَةَ وَكَذَلِكَ إنْ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَة مَالَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ لَمْ تَجْزِهِمْ، وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَإِنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ لَمْ يُجْزِهِ، وَقِيلَ: إنَّ أَقَلَّهُ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعَاشِ الْحَاجِيِّ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ، وَفِي شُرُوحِ خَلِيلٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: الْحَاجِيُّ] أَيْ الَّذِي يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إلَخْ] أَيْ كَوْنِ الْجُمُعَةِ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ فِيمَا تَتَقَرَّى بِهِمْ الْقَرْيَةُ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمَوْصُوفِينَ بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ إلَخْ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ تُقَامُ، وَأَمَّا مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا تَقْرِيرُ الشَّارِحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى مَا كَانَ يُمْكِنُهُمْ الْإِقَامَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ مَعَ الْأَمْنِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مِنْهُمْ إلَّا اثْنَا عَشَرَ غَيْرُ الْإِمَامِ بَاقِينَ لِسَلَامِهِ، لَا إنْ أَحْدَثَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ شَافِعِيًّا لَمْ يُقَلِّدْ مَالِكًا، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُولَى وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ سُنَّةٌ حَكَاهُمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ [قَوْلُهُ: أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ] أَيْ أَعَادُوا جُمُعَةً مَا دَامَ وَقْتُهَا لِلْغُرُوبِ وَأَوَّلُ وَقْتِهَا الزَّوَالُ وَيَمْتَدُّ لِلْغُرُوبِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ] أَيْ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] ، وَقَوْلُهُ: وَالتَّعْقِيبِ أَيْ فَمِنْ كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا لَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ كَوْنَ الِانْتِشَارِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ بِأَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِحُضُورِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ] أَيْ تَصِحُّ بِهِمْ دَوَامًا وَهُمْ الِاثْنَا عَشَرَ وَهُمْ الْأَحْرَارُ الذُّكُورُ الْمُتَوَطِّنُونَ بِهَا بَاقِينَ لِسَلَامِهَا، وَلَا يَضُرُّ رُعَافُ بِنَاءٍ لِأَحَدِهِمْ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ فَسَدَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَوْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنْ حَضَرَ ثَالِثَ عَشَرَ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ حَصَلَ عُذْرٌ لِوَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْحَاضِرِينَ لِلْخُطْبَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالثَّالِثِ عَشَرَ كَمَا أَفَادَ ذَلِكَ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: اثْنَتَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ، قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ، فَإِنْ نَسِيَ الثَّانِيَةَ أَوْ تَرَكَهَا أَجْزَأَهُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ الْجُمُعَةَ إلَخْ] أَيْ أَعَادَ الصَّلَاةَ أَيْ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِالصَّلَاةِ يَسِيرٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى. قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّصَالُ أَجْزَاءِ كُلِّ خُطْبَةٍ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ اهـ. وَكَذَا يَجِبُ اتِّصَالُ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ بِالْأُولَى وَيَسِيرُ الْفَصْلِ عَفْوٌ كَمَا أَفَدْنَاهُ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَمِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَتَيْنِ اتِّصَالُهُمَا بِالصَّلَاةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْطُبْ مِنْ الثَّانِيَةِ] أَيْ أَوْ مِنْ الْأُولَى مَا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ ظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَمَلَ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا لَهَا بَالٌ. [قَوْلُهُ: مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُسْجَعٌ مُخَالِفٌ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ

وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ، وَنَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الصِّحَّةِ إذَا فَعَلَ مَا قَالَهُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الطَّهَارَةُ؟ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. (وَيَتَوَكَّأُ) أَيْ يَعْتَمِدُ (الْإِمَامُ) فِي قِيَامِهِ لَخُطْبَتِهِ اسْتِحْبَابًا بِيَدِهِ الْيُمْنَى (عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا يُقَالُ " عُصَاةٌ " وَهِيَ أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ بِالْبَصْرَةِ أَوْ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ ذَلِكَ (وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (وَفِي وَسَطِهَا) وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا وَفِي الْقِيَامِ لَهَا، فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ شَرْطًا. وَقَالَ ابْنُ هَارُونَ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لِلْأَذَانِ، وَشَهَرَ الْبَاجِيُّ سُنِّيَّةَ الْجُلُوسِ الثَّانِي وَمِقْدَارُ الْجُلُوسِ الْوَسَطِ مِقْدَارُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. وَالْأَصْلُ فِيمَ ذَكَرَ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ مُنْذُ زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَلُمَّ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (وَتُقَامُ الصَّلَاةُ عِنْدَ فَرَاغِهَا) اشْتِرَاطُ اتِّصَالِ الصَّلَاةِ بِالْخُطْبَةِ، وَيَسِيرُ الْفَصْلُ عَفْوٌ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ، وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَطَبَ هُوَ الْإِمَامُ فَإِنْ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ إمَامَتَهُ كَحَدَثٍ أَوْ رُعَافٍ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَعِيدًا فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ اتِّفَاقًا وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ التَّذْكِرَةِ، فَإِنْ أَتَى بِكَلَامٍ نَثْرٍ قَالَ تت: فَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُجْزِئُ بَعْدَهَا اهـ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ أَتَى بِهَا نَظْمًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَوُقُوعُهَا بِغَيْرِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَغْوٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَعْرِفُهَا وَجَبَتْ أَيْضًا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَطِيبُ عَرَبِيَّةً لَمْ تَجِبْ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا جَهْرًا وَسِرُّهَا لَغْوٌ وَتُعَادُ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ كَالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَالِابْتِدَاءِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالدُّعَاءُ لِلصَّحْبِ بِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَذِكْرُ السَّلَاطِينِ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِدْعَةٌ لَكِنْ بَعْدَ إحْدَاثِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ فِي الْخُطَبِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يُخْشَى عَلَى الْخَطِيبِ غَوَائِلُهُ صَارَ رَاجِحًا أَوْ وَاجِبًا مَا لَمْ يَكُنْ مُجَاوَزَةً فِي وَصْفِهِ، وَتَصِحُّ الْخُطْبَةُ مِنْ مَحْضِ قُرْآنٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ كَسُورَةِ قِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ أَقَلَّهُ حَمْدُ اللَّهِ] أَيْ فَلَا تُسَمَّى الْخُطْبَةُ إلَّا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ، وَهُوَ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ فَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ الِاسْتِحْبَابُ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ] زَادَ بَهْرَامُ: وَقُرْآنٌ وَنَسَبَهُ فِي الْجَوَاهِرِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْذِيرِ وَالتَّبْشِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا. [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ غَايَتُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَخْطُبَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ. [قَوْلُهُ: قَوْسٍ] أَيْ قَوْسٍ عَرَبِيٍّ لَا قَوْسِ الْعَجَمِ، وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ فَقِيلَ لِئَلَّا يَعْبَثَ بِيَدِهِ فِي لِحْيَتِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ لِلْخُطْبَةِ، وَقِيلَ: تَخْوِيفُ الْحَاضِرِينَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ لَحْنٍ إلَخْ] فِي تت عَلَى خَلِيلٍ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ لِمَا فِي هَذَا الشَّرْحِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالْعَصَا مَقْصُورٌ وَلَا يُقَالُ عَصَاةٌ الْفَرَّاءُ: أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ هَذِهِ عَصَاتِي اهـ. فَجَعَلَ أَوَّلَ اللَّحْنِ عَصَاتِي لَا عُصَاةِ كَمَا هُنَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْبَصْرَةِ كَمَا هُنَا. [قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِهِمَا وَفِي وَسَطِهَا] وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْخُطَبِ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا. [قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ شَرْطًا] أَيْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْقِيَامِ الْوُجُوبُ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ فَإِنْ خَطَبَ جَالِسًا أَسَاءَ وَصَحَّتْ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا فِي عَزْوِ ابْنُ عَرَفَةَ، فَالْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْقِيَامُ فَقَطْ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْعِبَارَةِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ، فَحَاصِلُ كَلَامِ شَارِحِنَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُلُوسَيْنِ سَنَةٌ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَوْلَانِ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ [قَوْلُهُ: مُنْذُ زَمَانِهِ إلَخْ] مُنْذُ حَرْفُ جَرٍّ وَزَمَانِ مَجْرُورٌ بِمُنْذُ، وَيُشْتَرَطُ فِي مَجْرُورِهَا أَنْ يَكُونَ وَقْتًا وَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لَا مُبْهَمًا مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا لَا مُسْتَقْبَلًا. [قَوْلُهُ: إلَى هَلُمَّ] كَلِمَةٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ إلَى الشَّيْءِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: اسْمُ فِعْلٍ وَقِيلَ: فِعْلُ أَمْرٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَرْفٌ. فَالْوَجْهُ أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ دَاخِلٌ عَلَى مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ إلَى زَمَنٍ يُقَالُ فِيهِ: هَلُمَّ أَيْ تَعَالَ وَهُوَ زَمَنُ الْحَاضِرِ أَيْ زَمَنُ الشَّيْءِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُ قَوْلُهُ: وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي خَطَبَ هُوَ

قَرُبَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَحَيْثُ يَسْتَخْلِفُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ. وَإِذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً بَعْدَ مَا خَطَبَ صَلَّاهَا ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَيُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ) اتِّفَاقًا فَإِنْ زَادَ عَمْدًا بَطَلَتْ وَإِنْ زَادَ سَهْوًا فَعَلَى حُكْمِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَوْ صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْوِي أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ. وَعَلَى الثَّانِي يَنْوِي صَلَاةَ الْجُمُعَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنْ أُخِّرَتْ جَازَ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُهَا بَهْرَامَ: لَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ أَوَّلَهُ زَوَالُ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ امْتِدَادُهُ إلَى الْغُرُوبِ، وَصِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ: (يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) إجْمَاعًا (يَقْرَأُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (بِ) سُورَةِ (الْجُمُعَةِ) ع لَوْ اعْتَرَضَ قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ. (وَ) يَقْرَأُ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ بِ) سُورَةِ ( ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِمَامَ] أَيْ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْعَشْمَاوِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرُبَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ] وَذَهَبَ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ إلَى مُقَابِلِهِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ قَرِيبًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الدَّفَرِيُّ، وَمُفَادُ عِزٍّ وَالْحَطَّابِ تَرْجِيحُهُ أَيْضًا، وَالْقُرْبُ قَدْرُ أَوَّلَتَيْ الرَّبَاعِيَةِ وَقِرَاءَتِهِمَا، حَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ قَرِيبًا يَجِبُ انْتِظَارُهُ، وَإِذَا كَانَ بَعِيدًا فَيَجِبُ الِاسْتِخْلَافُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا هُمْ، فَإِنْ تَقَدَّمَ إمَامٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ صَحَّتْ [قَوْلُهُ: يَسْتَخْلِفُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَإِذَا ذَكَرَ مَنْسِيَّةً] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمَنْسِيَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ يَسِيرِ الْفَصْلِ، وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَا يَسْتَخْلِفُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى حُكْمِ إلَخْ] فَتُبْطِلُ بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا، وَأَمَّا بِزِيَادَةِ أَرْبَعٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ فَلَا. [قَوْلُهُ: هَلْ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ] هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الظُّهْرِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ صَلَاةٌ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا فَرْضُ يَوْمِهَا. وَقَوْلُهُ: يَنْوِي أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَيْ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ نِيَّةُ كَوْنِهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً؛ إذْ لَوْ نَوَى أَنَّهَا جُمُعَةٌ لَصَحَّ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي يَنْوِي صَلَاةَ الْجُمُعَةِ أَيْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ تُجْزِ] بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ الْإِجْزَاءِ، وَقَوْلُهُ: جَازَ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَخْ أَيْ صَحَّ، وَفَسَّرْنَا الْجَوَازَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ غَيْرُ جَائِزَةٍ بِدُونِ الْعُذْرِ مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ امْتِدَادُهُ إلَى الْمَغْرِبِ] وَمُقَابِلُ مَا قِيلَ: إنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَقِيلَ: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسِ وَقِيلَ: حَتَّى يَبْقَى لِلْغُرُوبِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُقَابِلَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَحَيْثُ قُلْنَا يَمْتَدُّ لِلْغُرُوبِ هَلْ مَحَلُّهُ إنْ خَطَبَ وَصَلَّاهَا وَأَدْرَكَ بَعْدَهَا رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا ظُهْرًا. وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ عِيَاضٌ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ إلَى الْغُرُوبِ حَقِيقَةً أَوْ لَا يُشْتَرَطُ إدْرَاكُ رَكْعَةٍ مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ، بَلْ حَيْثُمَا أَدْرَكَ خُطْبَتَهَا وَفَعَلَهَا قَبْلَهُ وَجَبَتْ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَانِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ كَانَتْ الْعَصْرُ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا لَوْ قَدَّمُوا الْعَصْرَ نَاسِينَ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا لِلْغُرُوبِ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: يَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ] أَيْ عَلَى سَبِيلِ السُّنِّيَّةِ، فَإِنْ قَرَأَ فِيهِمَا سِرًّا عَمْدًا كَانَ كَمُتَعَمِّدِ تَرْكِ سُنَّةٍ، وَالنَّاسِي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ إنْ أَسَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ فِي السُّورَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ إلَخْ] قَالَ بَعْضٌ: وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَقْرَأْ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا بِهَا، فَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] » فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَا يُقَالُ: سَبِّحْ لَيْسَتْ نَحْوَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقَصْدُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ نَفَى قِرَاءَةَ غَيْرِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَحْصُلُ بِوُرُودِ مُطْلَقِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ فَاتَتْهُ

{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] وَنَحْوِهَا) وَهُوَ سَبِّحْ وَالْمُنَافِقُونَ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ السَّعْيَ وَاجِبٌ لَهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ فَقَالَ: (وَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا عَلَى مَنْ فِي الْمِصْرِ) اتِّفَاقًا إذَا وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ. (وَ) كَذَا يَجِبُ عَلَى (مَنْ) هُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمِصْرِ إذَا كَانَ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمِصْرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَبْدَأَ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَصَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقِيلَ: مَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ لِأَنَّ التَّحْدِيدَ بِالثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ لِلسَّمَاعِ، وَالسَّمَاعُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَنَارِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (فَأَقَلُّ) أَنَّ الثَّلَاثَةَ أَمْيَالٍ تَحْدِيدٌ فَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قُلْت: الزِّيَادَةُ وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَقْرِيبٌ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَيْهَا زِيَادَةً يَسِيرَةً. ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ) اتِّفَاقًا (وَلَا عَلَى أَهْلِ مِنًى) غَيْرِ سَاكِنِيهَا، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهِمْ وَإِنْ دَخَلُوا فِيمَا قَبْلَهُ لِمَا يُتَوَهَّم مِنْ إقَامَتِهِمْ هُنَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِرَمْيِهِمْ الْجِمَارَ، وَأَمَّا سَاكِنُوهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ فِيهِمْ عَدَدٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَانُوا حُجَّاجًا أَوْ لَا،. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَجِبُ الْجُمُعَةُ (عَلَى عَبْدٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا) عَلَى (صَبِيٍّ) اتِّفَاقًا فِيهِمَا، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مُسَافِرٍ» وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْ الظُّهْرِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ حَضَرَهَا عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ فَلْيُصَلِّهَا) يَعْنِي وَتُجْزِئُهُ عَنْ الظُّهْرِ، أَمَّا الْعَبْدُ فَبِاتِّفَاقٍ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لِيَشْهَدَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَذَلِكَ تُجْزِئُهَا اتِّفَاقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّكْعَةُ الْأُولَى فَيُنْدَبُ لِقِرَاءَتِهَا فِي رَكْعَةِ الْقَضَاءِ، وَظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ قَرَأَهَا. [قَوْلُهُ: وَنَحْوَهَا وَهُوَ سَبِّحْ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] يَحْصُلُ بِقِرَاءَةِ سَبِّحْ وَالْمُنَافِقُونَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي الْأُولَى الْقِرَاءَةُ بِالْجُمُعَةِ، وَالثَّانِيَةُ إمَّا بِهَلْ أَتَاك أَوْ سَبِّحْ أَوْ الْمُنَافِقُونَ هَذِهِ طَرِيقَةٌ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّدْبَ إنَّمَا هُوَ بِخُصُوصِ {هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْأُولَى بِغَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ بِمَ صَلَّى فِيهَا فَلِذَلِكَ جَاءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَبْدَؤُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَاسْتَظْهَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْمَنَارُ أَنْ يُعْتَبَرَ الَّذِي فِي طَرَفِ الْبَلَدِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّمَاعُ] أَيْ وَمُتَعَلِّقُ السَّمَاعِ الَّذِي هُوَ الْأَذَانُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَنَارِ [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: زِيَادَةً يَسِيرَةً] أَيْ بِنَحْوِ الرُّبْعُ أَوْ الثُّلُثُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ مُقِيمًا وَمَنْ كَانَ خَارِجًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا، وَلَكِنْ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِمَنْ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَلَدِ، وَأَمَّا الْخَارِجُ عَنْهَا وَدَاخِلًا لِكَفَرْسَخٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ] الْمُرَادُ بِهِ مَنْ أَتَى مِنْ مَحَلٍّ خَارِجٍ عَنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ كَفَرْسَخٍ وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. وَقَوْلُنَا: مَنْ أَتَى إلَخْ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مُسَافِرٍ مِنْ بَلَدِهِ وَأَدْرَكَهُ النِّدَاءُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، فَهَذَا لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ لَهَا بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ إدْرَاكُهَا، وَلَوْ بِرَكْعَةٍ، وَمِثْلُ إدْرَاكِ النِّدَاءِ تَحَقُّقُهُ الزَّوَالَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْفَرْسَخِ الَّذِي هُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا إمَامُهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ إذَا أَسْقَطَ السَّيِّدُ حَقَّهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ إلَخْ] الظَّاهِرُ إسْقَاطُ بَعْضٍ، وَيَقُولُ لَهَا: كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَتَى بِبَعْضٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرَ فِيمَا بَعْدُ إلَّا الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] ظَاهِرٌ فِي الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُبَعَّضِ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ لَا فِي يَوْمِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ كَالْمُكَاتَبِ فَلَا يَتَوَقَّفُ حُضُورُهُ عَلَى إذْنِ السَّيِّدِ فَيُنْدَبُ لَهُ

وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ لَهَا، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَتُجْزِئُهُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَا تُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا، وَالنَّفَلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ وَرُدَّ بِالِاتِّفَاقِ فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَضَرَتْهَا تُصَلِّيهَا بَيَّنَ مَوْقِفَهَا بِقَوْلِهِ: (وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ) وَلَمَّا أَوْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُطْلَقًا شَابَّةً أَوْ غَيْرَهَا رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَخْرُجُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (الشَّابَّةُ) وَهَذَا النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فَائِقَةً فِي الْجَمَالِ فَيَحْرُمُ خُرُوجُهَا، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَجَالَّةَ تَخْرُجُ إلَيْهَا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شَيْئَيْنِ وَاجِبَيْنِ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُمَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِهَا. أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْصَتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَهُوَ السُّكُوتُ عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ (لِ) أَجْلِ سَمَاعِ (الْإِمَامِ) وَهُوَ (فِي) حَالِ (خُطْبَتِهِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَفِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا سَمِعَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهَا، سَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبَعَّضَ فِي يَوْمِهِ كَالْمُكَاتَبِ سَوَاءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلسَّيِّدِ الْإِذْنُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِذْنِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَالْمُكَاتَبُ يُنْدَبُ حُضُورَهُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ. [قَوْلُهُ: وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ دُعَاءَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حِينَ يَدْعُو يُعَمِّمُ فِي الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَتُجْزِئُهُ إلَخْ] وَيُنْدَبُ لَهُ الْحُضُورُ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا خُيِّرَ كَذَا يَنْبَغِي قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. فَائِدَةٌ: قَالَ عَجَّ: مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ مِنْ ذِي الْعَشْرِ ... عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فَادْرِ وَمَا عَلَى أُنْثَى وَلَا أَهْلِ السَّفَرْ ... وَالْعَبْدِ فِعْلُهَا وَإِنْ لَهَا حَضَرْ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ النِّسَاءُ خَلْفَ إلَخْ] فَلَوْ صَلَّتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْهَا إلَّا أَنْ تَلْتَذَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي صَفِّ النِّسَاءِ كُرِهَ لَهُ إلَّا أَنْ يَلْتَذَّ اهـ تت. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ فَائِقَةً فِي الْجَمَالِ] أَيْ أَوْ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ، أَوْ مُرَادُهُمْ بِفَائِقَةِ الْجَمَالِ مَخْشِيَّةُ الْفِتْنَةِ، وَخَشْيَةُ الْفِتْنَةِ تَحْصُلُ بِالزِّينَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَمُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ، وَحُسْنِ صُورَةِ الشَّابَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخَشْيَةِ الْفِتْنَةِ مَا جُعِلَ قَسِيمًا لِلتَّطَيُّبِ وَنَحْوِهِ. [قَوْلُهُ: الْمُتَجَالَّةَ تَخْرُجُ إلَيْهَا] أَيْ جَوَازًا بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَفْضَلَ عَدَمُ الْخُرُوجِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَخْشِيَّةَ الْفِتْنَةِ خُرُوجُهَا حَرَامٌ، وَخُرُوجُ الْمُتَجَالَّةِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالشَّابَّةُ الَّتِي لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ يُكْرَهُ. فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْمُتَجَالَّةِ، وَجَازَ حُضُورُ الشَّابَّةِ غَيْرِ الْمَخْشِيَّةِ لِغَرَضِ غَيْرِهَا لِكَثْرَةِ مَنْ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَهُوَ مَظِنَّةٌ لِمُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ. [قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ إلَخْ] مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَكَانَ بِالْجَامِعِ أَوْ رِحَابِهِ مَعَ مَنْ هُوَ بِأَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نِسَاءً أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَعَ خَارِجٍ عَنْهُمَا، وَأَمَّا مَا كَانَ بِالطُّرُقِ فَيُبَاحُ لَهُ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا وَلَوْ سَمِعَا الْخُطْبَةَ لَا عَلَى مَنْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ رُحْبَتِهِ فَيَحْرُمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَحَبَتِهِ أَوْ الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْجُمُعَةِ أَوْ لَا كَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ فَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي كُلِّهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِي الطُّرُقِ وَتَكَلَّمَ مَعَ مَنْ كَانَ فِيهَا، وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ خَارِجَ الطُّرُقِ مَعَ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الرِّحَابِ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِمُحَرَّمٍ وَالْوَسِيلَةُ لِلْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ، هَكَذَا ظَهَرَ لِلْفَقِيرِ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ وَانْظُرْهَا [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ سَمَاعِ الْإِمَامِ] يُؤَذِّنُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ السَّمَاعُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ الْإِنْصَاتُ وَالْإِصْغَاءُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَنْ كَانَ فِي عَجُزِ

الْإِمَامُ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ مَدْحُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ الْكَلَامُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا، وَإِذَا عَطَسَ هُوَ حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا وَلَا يُجِبْ مَنْ تَكَلَّمَ وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ لَغَوْت» سُمِّيَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لَغْوًا فَغَيْرُهُ أَوْلَى، وَاللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ بَيْنَ النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ وَالصَّلَاةِ جَائِزٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَجُوزُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ عِنْدَ سَبَبِهِ، وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْجِدِ مَثَلًا وَهُوَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَجُوزُ إلَخْ] بِأَنْ سَبَّ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ سَبُّهُ أَوْ مَدْحَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مَدْحُهُ، أَيْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ كَقِرَاءَتِهِ كِتَابًا غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِالْخُطْبَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ لِمَنْ سَمِعَ رَجُلًا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ يَرْحَمُك اللَّهُ [قَوْلُهُ: هُوَ] أَيْ السَّامِعُ [قَوْلُهُ: حَمِدَ اللَّهَ سِرًّا] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ أَيْ أَنَّ الْحَمْدَ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ، وَكَوْنُهَا سِرًّا مَنْدُوبٌ وَيُكْرَهُ جَهْرًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ] أَيْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّ سَلَامًا] وَلَوْ إشَارَةً كُلُّ ذَلِكَ يَحْرُمُ [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَصِّبُ مَنْ تَكَلَّمَ] أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ بِالْحَصْبَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ] أَيْ: وَلَا يَأْكُلُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ مَا يُنَافِي وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَلَوْ غَيْرَ السَّامِعِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَتَحْرِيكِ شَيْءٍ يَحْصُلُ مِنْهُ تَصْوِيتٌ كَوَرِقٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ سُبْحَةٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فِي كُرَّاسٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ إلَخْ] وَمِنْ أَحَدِ التَّفَاسِيرِ أَنَّ الْآيَةَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، أَيْ فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ الْقُرْآنَ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالسُّكُوتُ تَعْظِيمًا لَهُ. [قَوْلُهُ: لِصَاحِبِكَ] أَيْ الَّذِي تُخَاطِبُهُ إذْ ذَلِكَ أَوْ جَلِيسُك، سُمِّيَ صَاحِبًا؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُهُ فِي الْخِطَابِ أَوْ لِكَوْنِهِ الْأَغْلَبَ. وَقَوْلُهُ: أَنْصِتْ أَيْ اُسْكُتْ مِنْ الْكَلَامِ مُطْلَقًا وَاسْتَمِعْ الْخُطْبَةَ، وَفِعْلُهُ أَنْصَتَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ] جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ مِنْ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ] ظَرْفٌ لَقُلْت، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ جَائِزٌ] أَيْ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ مِنْ حِينِ أَخْذِهِ فِي الْإِقَامَةِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ، وَيَحْرُمُ إذَا أَحْرَمَ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا التَّفْصِيلُ بِالْجُمُعَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْإِنْصَاتَ وَاجِبٌ فِي حَالِ التَّرَضِّي عَلَى الصَّحْبِ وَالتَّرَضِّي عَلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَيْنَ النُّزُولِ إلَخْ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ جَائِزٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] وَنُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ. قَالَ بَهْرَامُ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْكَلَامُ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَيَصْدُقُ بِالْمَنْدُوبِ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا الذِّكْرُ الْقَلِيلُ إلَخْ] بِمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ الذِّكْرُ سِرًّا عِنْدَ السَّبَبِ وَكَذَا غَيْرُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ إذَا قَلَّ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، وَيَمْنَعُ الْكَثِيرَ أَوْ الْجَهْرَ بِالْيَسِيرِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، بَقِيَ أَنَّ فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ أَنَّ هَذَا أَعْنِي الذِّكْرَ الْيَسِيرَ لَيْسَ مِمَّا اسْتَوَى طَرَفَاهُ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَمِثْلُهُ لَتَّتْ فِي كَبِيرِهِ عَلَى خَلِيلٍ وَهُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ كَشَيْخِنَا، وَبَقِيَ الْجَهْرُ بِالْكَثِيرِ وَالْحُكْمُ الْحُرْمَةُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّأْمِينُ عِنْدَ سَمَاعِ الْخَطِيبِ] يَعْنِي: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْمِينُ وَالتَّعَوُّذُ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ سِرًّا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْثِرَ أَوْ يُقِلَّ، وَمُفَادُ عَجَّ تَرْجِيحُ نَدْبِ التَّأْمِينِ

الْخَطِيبِ لِمَغْفِرَةٍ أَوْ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ، وَالتَّعَوُّذُ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِ النَّارِ وَالشَّيْطَانِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَكَرِهِ، كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا عَلَى الصَّحِيحِ، وَالشَّيْءُ الثَّانِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَقْبِلُهُ) أَيْ الْإِمَامَ (النَّاسُ) بِوُجُوهِهِمْ وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ وُجُوبًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ آدَابِ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (وَالْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا لِلْيَوْمِ (وَاجِبٌ) وُجُوبُ السُّنَنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ آخِرَ الْكِتَابِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ يَعْنِي مُؤَكَّدَةً يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَالَ هُنَا: فَهَذِهِ تَفْسِيرٌ لِتِلْكَ وَتِلْكَ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّ سَبَبَهُ الْعَزْمُ عَلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ فَمَعْنَى لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى حُضُورِهَا. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ، وَصُحِّحَ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَوَقْتُهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ مَعَهُ وَصِفَتُهُ كَصِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَ) مِنْ الْآدَابِ (التَّهْجِيرُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ. ع: وَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالتَّهْجِيرُ حَسَنٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: (وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ) وَالْهَاجِرَةُ لَا تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ. وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ التَّهْجِيرُ يُطْلَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعَوُّذِ عِنْدَ السَّبَبِ. [قَوْلُهُ: الْمَغْفِرَةِ] أَيْ لِطَلَبِ مَغْفِرَةٍ أَوْ طَلَبِ نَجَاةٍ مِنْ النَّارِ [قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ إلَخْ] هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ ذِكْرِهِ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ سِرًّا] أَيْ نَدْبًا وَيُكْرَهُ جَهَرًا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجْهَرُ بِذَلِكَ جَهْرًا لَيْسَ بِالْعَالِي أَيْ وَإِلَّا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ] أَيْ عِنْد نُطْقِهِ بِالْخُطْبَةِ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ] أَيْ مَنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، لَكِنْ أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ يُحَوِّلُونَ وُجُوهَهُمْ لِجِهَةِ ذَاتِهِ بِحَيْثُ يَنْظُرُونَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَسْتَقْبِلُونَ جِهَتَهُ وَذَاتَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ] هَذَا عَلَى كَلَامِ الْبَاجِيِّ. [قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ سَبَبَهُ حُضُورُ الصَّلَاةِ أَيْ حُضُورُ وُجُوبِهَا، فَيُؤْمَرُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوهَا، وَإِنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ اغْتَسَلْتُمْ لِهَذَا الْيَوْمَ» . فَجَعَلَ عِلَّةَ الْغُسْلِ الْيَوْمَ قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ [قَوْلُهُ: فَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ] لَمْ يَقُلْ فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِحَيْثُ يَصِيرُ شَامِلًا لِمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ بِالْفِعْلِ فَهُوَ عَازِمٌ بِالْقُوَّةِ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَعْزِمْ] وَأَمَّا إذَا عَزَمَ عَلَى حُضُورِهَا أُمِرَ بِهِ، أَيْ فَتُسَنُّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ كَانَ ذَا رَائِحَةٍ كَالْقَصَّابِ أَيْ اللَّحَّامِ أَمْ لَا، وَقَيَّدَ اللَّخْمِيُّ سُنِّيَّةَ الْغُسْلِ بِمَنْ لَا رَائِحَةَ لَهُ، وَإِلَّا وَجَبَ كَالْقَصَّابِ وَنَحْوِهِ وَاعْتَمَدَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: إلَى نِيَّةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ لِنِيَّةٍ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُجَزِّئُ إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِيعِ وَالْقَبَلِيَّةُ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ [قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ رَوَاحُهُ بِغُسْلِهِ وَالْأَفْضَلُ الِاتِّصَالُ قَالَهُ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرَاخِيَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ] أَيْ كَمَا إذَا تَرَاخَى لِإِصْلَاحِ ثِيَابِهِ وَتَبْخِيرِهَا، فَإِنْ اُشْتُغِلَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ بَعْدَهُ بِغِذَاءٍ أَوْ نَوْمٍ أَعَادَهُ حَيْثُ طَالَ بِهِمَا حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ اخْتِيَارِيًّا، فَإِنْ كَانَ النَّوْمُ غَلَبَهُ أَوْ الْأَكْلُ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ إكْرَاهٍ فَلَا يُبْطِلُ، وَأَمَّا الْأَكْلُ أَوْ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُبْطِلُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ كَثُرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَثَ لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ كَعَرَقٍ أَوْ صُنَانٍ أَوْ جَنَابَةٍ فَيُبْطِلَانِ ثَوَابَهُ، وَلَوْ حَصَلَا فِي الْمَسْجِدِ، وَقَضِيَّةُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْأَكْلَ فِي طَرِيقِهِ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَثُرَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ] هِيَ وَقْتُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ كَمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْهَاجِرَةُ نِصْفُ

عَلَى الْمَشْيِ فِي الْهَاجِرَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّبْكِيرِ الْمُسْتَحَبِّ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَمَكْرُوهٌ اهـ. وَمِنْ الْآدَابِ الطِّيبُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَتَطَيَّبْ) أَيْ يَسْتَعْمِلُ الطِّيبَ (لَهَا) أَيْ لِلْجُمُعَةِ اسْتِحْبَابًا مَنْ يَحْضُرُهَا مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ مِمَّا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتَهُ كَالْمِسْكِ، وَيَقْصِدُ بِهِ امْتِثَالَ السُّنَّةِ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْفَخْرَ وَالرِّيَاءَ، وَمِنْ الْآدَابِ التَّجَمُّلُ بِاللِّبَاسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابَهُ) أَيْ مَا يَعُدُّ النَّاسُ حَسَنًا احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حَسَنَةً وَلَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَالثِّيَابُ الْحَسَنَةُ فِي الشَّرْعِ الْبَيَاضُ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ الطِّيب إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كَتَبَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّهَارِ فِي الْقَيْظِ خَاصَّةً اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْهَاجِرَةُ لَا تَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ] . هَكَذَا الصَّوَابُ بِعَدَمِ وُجُودٍ إلَّا مُوَافِقًا لِمَا فِي تت، وَالتَّحْقِيقُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرهَا وَوَجْهُ التَّنَاقُضِ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُسَلَّطُ إلَّا عَلَى الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِوُجُودِ الشَّيْءِ وَهُوَ هُنَا مُنْتَفٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّهْجِيرِ الْمَشْيُ فِي الْهَاجِرَةِ الَّتِي هِيَ وَقْتُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ. [قَوْلُهُ: وَيُطْلَقُ عَلَى التَّكْبِيرِ الْمُسْتَحَبِّ] أَيْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى التَّهْجِيرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ، وَإِنَّمَا التَّبْكِيرُ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّبْكِيرَ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَيُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ حَيْثُ قَالَ: بَكَّرَ إلَى الشَّيْءِ بُكُورًا مِنْ بَاب قَعَدَ أَسْرَعَ أَيَّ وَقْتَ كَانَ، ثُمَّ قَالَ: وَبَكَّرَ تَبْكِيرًا مِثْلُهُ، بَقِيَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الزَّوَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْأُولَى الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فِي الْحَدِيثِ أَجْزَاءُ السَّابِعَةِ الَّتِي هِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَجْزَاءُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ أَيْ الَّتِي يَعْقُبُهَا الزَّوَالُ، وَالْحَدِيثُ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . فَهَذِهِ السَّاعَاتُ أَجْزَاءُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ الَّتِي قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا السَّابِعَةِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الشَّارِحِ، فَالسَّاعَاتُ الْكَائِنَةُ فِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارِيَّةٌ لَا فَلَكِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَمَكْرُوهٌ] لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَخِيفَةُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةُ. [قَوْلُهُ: لَهَا] أَيْ الْجُمُعَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِالطِّيبِ مَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَهُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ. وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاتَهُ [قَوْلُهُ: مِمَّا خَفِيَ لَوْنُهُ] أَيْ الْأَحْسَنُ لِلرِّجَالِ اسْتِعْمَالُ هَذَا الطِّيبِ لِقَوْلِ التَّحْقِيقِ، وَخَيْرُ طِيبِ الرِّجَالِ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ، وَخَيْرُ طِيبِ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَتْ رَائِحَتُهُ اهـ. أَيْ كَالْوَرْدِ وَنَحْوِهِ، وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَبَعْضٌ أَفَادَهُ صَرِيحًا قَالَ: وَلَوْ مُؤَنَّثًا وَلَكِنْ نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ شَارِحِ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الطِّيبَ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ طِيبُ الرِّجَالِ، وَنَصُّهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَمِنْ طِيبِ النِّسَاءِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ» . وَهُوَ الْمَكْرُوهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ، فَأَبَاحَهُ هُنَا لِلرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ أَيْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ قَالَهُ شَارِحُ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: امْتِثَالُ السُّنَّةِ] أَيْ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ حَسَنًا] الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الشَّرْعِ أَيْ مَا يَعُدُّهُ أَهْلُ الشَّرْعِ حَسَنًا أَيْ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةُ وَهُوَ الْأَبْيَضُ وَإِنْ عَتِيقًا بِخِلَافِ الْعِيدِ، فَيُنْدَبُ فِيهِ الْجَدِيدُ وَهُوَ الْيَوْمُ فَإِنْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ لَبِسَ الْجَدِيدَ غَيْرَ الْأَبْيَضِ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالْأَبْيَضُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ عَتِيقًا كَمَا قَرَّرْنَا. [قَوْلُهُ: مَا كَتَبَ اللَّهُ] أَيْ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَتْبِ الْأَمْرُ أَيْ ثُمَّ صَلَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ [قَوْلُهُ: إذَا خَرَجَ إمَامُهُ]

تَعَالَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» . قَالَ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا. وَمِنْ الْآدَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ يَنْصَرِفَ) مُصَلِّي الْجُمُعَةِ (بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَا يَتَنَفَّلَ فِي الْمَسْجِدِ) ظَاهِرُهُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا. وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّنَفُّلَ إثْرَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ هَذَا حُكْمُ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ دُونَ الْإِمَامِ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيَتَنَفَّلْ) يَعْنِي الْمَأْمُومَ فِي الْمَسْجِدِ (إنْ شَاءَ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَجْلِس الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ التَّنَفُّلِ خَفَّفَ. وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) التَّنَفُّلَ قَبْلَ صَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ إذَا شَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ [قَوْلُهُ: يَفْرُغُ مِنْ صَلَاتِهِ] يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَجُوزُ الْكَلَامُ فِيهَا كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ] أَيْ اجْتِهَادًا مِنْ عِنْدِهِ وَزِيَادَةً: ثَلَاثَةُ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: وَزِيَادَةً] أَيْ وَكَانَتْ كَفَّارَةُ الزِّيَادَةِ هِيَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ: وَيَقُولُ: إنَّ الْحَسَنَةَ أَيْ يَسْتَدِلُّ عَلَى مَا اجْتَهَدَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا، أَيْ فَمَا فَعَلَهُ حَسَنَةٌ وَهِيَ بِعَشْرٍ فَلِذَلِكَ كَفَّرَتْ لَهُ ذُنُوبَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَأَطْلَقَ الْحَسَنَةَ عَلَى التَّكْفِيرِ، وَهُوَ غُفْرَانُ الذَّنْبِ وَلَعَلَّهُ مَجَازٌ فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرُهُ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ الْجُمُعَةَ الَّتِي قَبْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ مَا الْحُكْمُ؟ قُلْت: يُعْطَى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِمَا يُقَابِلُ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورَةَ. تَنْبِيهٌ: الْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَالتَّهْجِيرِ وَالْمَشْيِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ كَتَحْسِينِ الْهَيْئَةِ وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الْحَسَنَةِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرَاغِهَا] أَيْ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ تَسْبِيحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمَسْجِدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَنْصَرِفَ الشَّخْصُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ حَتَّى يُحْدِثَ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ أَكْثَرُ الْمُصَلِّينَ لَا كُلُّهُمْ، وَيَجِيءُ وَقْتُ انْصِرَافِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَنْصَرِفُوا [قَوْلُهُ: إمَامًا كَانَ إلَخْ] لَكِنْ الْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَشَدُّ [قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْمُدَوَّنَةِ] وَقَوْلُهَا الْآخَرُ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ، وَفِعْلُهُ فَيُثَابُ إنْ تَرَكَ أَوْ صَلَّى ذُكِرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ مُبِيحَةٌ لِلنَّفْلِ لِأَنَّهُ مَانِعٌ حَصِينٌ أَوْ لَا تُبِيحُهُ؟ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا تت. [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لِلْمَأْمُومِ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ قَبِلَهَا] أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ الْأَذَانِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ يُكْرَهُ النَّفَلُ لِلْجَالِسِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَلَوْ الْأَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُمُعَةِ، لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ يُخْشَى مِنْهُ اعْتِقَادُ وُجُوبِهَا، وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُهَا مَعَ الْعِلْمِ بِنَدْبِهَا وَلَيْسَ مُقْتَدًى بِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا لَوْ فَعَلَهَا مُقَلِّدًا فِي فِعْلِهَا الْقَائِلَ بِطَلَبِهَا حِينَئِذٍ، وَقُلْنَا: لِلْجَالِسِ احْتِرَازًا مِنْ قَادِمٍ عِنْدَ الْأَذَانِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَمُتَنَفِّلٍ قَبْلَ الْأَذَانِ وَاسْتَمَرَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا التَّنَفُّلُ [قَوْلُهُ: فَإِذَا جَلَسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ] بَلْ إذَا خَرَجَ لِلْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ، وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ، فَلَوْ تَنَفَّلَ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْخُطْبَةِ وَأَحْرَى

الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ (الْإِمَامُ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ شَيْئًا. ع: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ عَامٌّ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ لَا، وَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ عِنْدَ دُخُولِهِ لِلْخُطْبَةِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (وَلْيَرْقَ) أَيْ يَصْعَدُ (الْمِنْبَرَ كَمَا يَدْخُلُ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِهِ: وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجُوزُ لَهُ إذَا أَتَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْطُبَ. وَيُسَلِّمُ عَلَى النَّاسِ حِينَ دُخُولِهِ، وَلَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَمِنْ الْآدَابِ الْمُسْتَحَبَّةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَالِاسْتِحْدَادُ إنْ احْتَاجَ، وَالسِّوَاكُ وَالْمَشْيُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ جَالِسًا أَوْ دَاخِلًا، فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَبْلَ خُرُوجِهِ وَتَنَفَّلَ عِنْدَهُ فَيَقْطَعُ ابْتَدَأَ عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا خُرُوجَهُ أَوْ الْحُكْمَ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا قَطَعَ عَقَدَ رَكْعَةً أَمْ لَا إنْ أَحْرَمَ عَمْدًا لَا سَهْوًا عَنْ خُرُوجِ الْخَطِيبِ أَوْ جَهْلًا بِخُرُوجِهِ أَوْ الْحُكْمِ فَلَا قَطْعَ عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْخُطْبَةِ وَيَشْرَعْ فِي التَّرَضِّي فَإِنَّهُ كَمَا يُبَاحُ الْكَلَامُ يُبَاحُ التَّنَفُّلُ [قَوْلُهُ: خَفَّفَ] أَيْ نَدْبًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَحْرَمَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَيْهِ أَوْ جَهْلًا عَقَدَ رَكْعَةً أَوْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنَفُّلَ الْمَأْمُومِ قَبْلَ الْأَذَانِ مَنْدُوبٌ وَعِنْدَهُ مَكْرُوهٌ لِلْجَالِسِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَعِنْدَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ لِلْخُطْبَةِ حَرَامٌ، وَمِثْلُ خُرُوجِ الْخَطِيبِ دُخُولُهُ ذَاهِبًا لِلْمِنْبَرِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ خُرُوجِهِ أَيْ مِنْ الْخَلْوَةِ لِلْخُطْبَةِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ مُتَوَجِّهًا إلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ كَانَ جَالِسًا قَطَعَ مُطْلَقًا إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: أَيْ وَقْتَ دُخُولِهِ] فِي إشَارَةٍ إلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْكَافُّ زَائِدَةٌ وَأَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلْيَرْقَ الْمِنْبَرَ وَقْتَ دُخُولِهِ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ فِي الْعِبَارَةِ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ وَلْيَرْقَ الْمِنْبَرَ إذَا جَاءَ وَقْتُ دُخُولِهِ وَهَذَا بَعْدَ الزَّوَالِ مُرِيدًا الْخُطْبَةَ لَا إنْ جَاءَ قَبْلَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: [قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَخْطُبَ] بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْجَمَاعَةَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمَ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ وَمِثْلُهُ حِين خُرُوجِهِ مِنْ دَارِ الْخَطَابَةِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ أَيْ يُكْرَهُ [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْدَادُ] هُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ [قَوْلُهُ: إنْ احْتَاجَ] رَاجِعٌ لِقَصِّ الشَّارِبِ وَمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْيُ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَيْ الْمَشْيُ فِي الذَّهَابِ لِلْجَامِعِ لَا فِي الرُّجُوعِ [قَوْلُهُ: الْأَخْبَارِ] أَيْ الْأَحَادِيثِ.

[باب صلاة الخوف]

[15 - بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (بَابٌ) فِي بَيَانِ صِفَةِ (صَلَاةِ الْخَوْفِ) وَهِيَ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ يَحْضُرُ وَقْتُهَا وَالْمُسْلِمُونَ فِي مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ حُكْمَهَا هُنَا وَذَكَرَهُ فِي بَابِ جُمَلٍ فَقَالَ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ وَاجِبَةٌ يَعْنِي وُجُوبَ السُّنَنِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: هِيَ رُخْصَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ لِصِدْقِ الرُّخْصَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ لَوْلَا الْعُذْرُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] وَالسُّنَّةُ فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ صَلَّاهَا بَعْد مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، وَتُفْعَلُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، وَقَدْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى صِفَتِهَا فِي السَّفَرِ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ) أَيْ وَصِفَتُهَا (فِي) حَالِ (السَّفَرِ) أَنَّ الْمُسْلِمِينَ (إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] [قَوْلُهُ: فِي بَيَانِ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ] قَالَ الْبَدْرُ الْقَرَافِيُّ يُمْكِنُ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا فِعْلُ فَرْضٍ مِنْ الْخَمْسَةِ وَلَوْ جُمُعَةً مَقْسُومًا فِيهِ الْمَأْمُومُونَ قِسْمَيْنِ مَعَ الْإِمْكَانِ وَمَعَ عَدَمِهِ لَانْقَسَمَ فِي قِتَالٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَيَدْخُلُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ وَكُلُّ قِتَالٍ جَائِزٍ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ] أَيْ وَكَانُوا بِصَدَدِ الْقِتَالِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ هِيَ رُخْصَةٌ] لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِهَا سُنَّةً وَكَوْنِهَا رُخْصَةً؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمَشْرُوعُ] أَيْ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ إلَخْ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِعُذْرٍ وَهُوَ اضْطِرَارٌ. وَقَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ أَيْ مَعَ وُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْخَبَثُ فِي الْمَيْتَةِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ نَقُولُ هُنَا وَهِيَ الْمَشْرُوعُ لِعُذْرٍ وَهُوَ الْخَوْفُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مَعَ الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ] وَادَّعَى الْمُزَنِيّ نَسْخَهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ. [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّسْخِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ] مِنْهَا مَا رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ بِسَنَدِهِ «أَنَّ طَائِفَةً صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِاَلَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وِجَاهَ الْعَدُوَّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» . [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ الْفِعْلِيُّ [قَوْلُهُ: وَفُرَادَى] هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي صَلَاةِ الِالْتِحَامِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبًا إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ بِدُونِ قَوْلِهِ جَمَاعَةً [قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْخَوْفِ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ خَبَرُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ خَبَرُ صَلَاةٍ وَالتَّقْدِيرُ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ نَقُولُ فِي شَأْنِهَا: إنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ فَالْحُكْمُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ. [قَوْلُهُ: إذَا خَافُوا الْعَدُوَّ] أَيْ اعْتَقَدُوا ضَرَرَ الْعَدُوِّ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ظَنُّوهُمْ أَيْ ظَنُّوا ضَرَرَهُ. وَلَوْ فُسِّرَ الْخَوْفُ بِالظَّنِّ لَكَانَ أَحْسَنَ وَيُفْهَمُ مِنْهُ حُكْمُ الِاعْتِقَادِ بِالطَّرِيقِ الْأُولَى.

أَوْ ظَنُّوهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْكُفَّارُ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ هُوَ مَحَلُّ الرُّخْصَةِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ (أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ وَيَدَعَ طَائِفَةً مُوَاجِهَةً لِلْعَدُوِّ) ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ تَسَاوِيهِمَا. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ يُقَابَلُ بِالنِّصْفِ، وَأَمَّا إذَا قُوبِلَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَوْقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَانْظُرْ ذَلِكَ انْتَهَى. وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَلِّمَ النَّاسَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا فِي الصَّلَاةِ كَيْفِيَّتَهَا خَوْفًا مِنْ التَّخْلِيطِ لِعَدَمِ إلْفِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهَا (فَ) بَعْدَ ذَلِكَ (يُصَلِّي الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا) ثُمَّ يَنْتَظِرُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ اتِّفَاقًا وَهُوَ مُخَيَّرٌ حِينَئِذٍ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ وَالسُّكُوتِ. (وَ) أَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ فَإِنَّهُمْ (يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُونَ فَ) يَذْهَبُونَ (يَقِفُونَ مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ) مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ (ثُمَّ يَأْتِي أَصْحَابُهُمْ فَيُحْرِمُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) الْإِمَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ] وَمِثْلُهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُحَارِبِينَ مَا يَشْمَلُ أَهْلَ الْبَغْيِ وَكَذَا اللُّصُوصُ خَوْفًا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ السِّبَاعُ خَوْفًا عَلَى النَّفْسِ مِنْهَا. فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ رُخْصَةٌ وَمَحَلُّ الرُّخْصَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالْمَحَلُّ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّقْلُ هُوَ قِتَالُ الْكُفَّارِ، فَكَيْفَ قَاسُوا عَلَيْهِ قِتَالَ الْمُحَارِبِينَ وَمَا أَشْبَهَهُ؟ قُلْت: هُوَ مِنْ قِيَاسِ لَا فَارَقَ الَّذِي قَالَ بِهِ بَعْضُ مَنْ خَالَفَ فِي الْقِيَاسِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ سَبَبَ هَذَا الْفِعْلِ الْخَوْفُ وَهُوَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ سَوَاءٌ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ [قَوْلُهُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ] أَيْ لِيُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ [قَوْلُهُ: وَيَدَعَ طَائِفَةً] أَيْ يَتْرُكَ طَائِفَةً [قَوْلُهُ: كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا] وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِهَا صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ جَمِيعًا مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ لِنَظَرِهِمْ لِعَدُوِّهِمْ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ إلَخْ] لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَسَمَهُمْ مُنَاصَفَةً [قَوْلُهُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ] أَيْ قَسْمُهُمْ قِسْمَيْنِ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: بِالنِّصْفِ] أَيْ نِصْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُوقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَيْ لَا يَقْسِمُهُمْ نِصْفَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ إذَا كَانَتْ تُقَابَلُ بِالثُّلُثِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالثُّلُثَيْنِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى، وَيُصَلِّي بِالثُّلُثِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ. [قَوْلُهُ: فَانْظُرْ ذَلِكَ] أَيْ هَلْ مَا قُلْنَا صَحِيحٌ؟ هَذَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تُسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ عِنْدَهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ تَسَاوَيَا أَوْ لَا [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعَلِّمَ إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِعَدَمِ إلَخْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِتَعْلِيمِ الْمَجْمُوعِ وَفِي عِبَارَةٍ عَلَى الْإِمَامِ أَيْ وُجُوبًا عِنْدَ الْجَهْلِ وَنَدْبًا عِنْد عَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي إلَخْ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَيُصَلِّي بِهَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلْإِضْمَارِ لِظُهُورِ أَنَّ فَاعِلَ يُصَلِّي الْإِمَامُ، وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِلطَّائِفَةِ إلَّا أَنَّ عَادَتَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ زِيَادَةُ الْإِيضَاحِ، وَنَكَّرَ طَائِفَةً وَعَبَّرَ بِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تُسَاوِي الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ كَوْنُ كُلِّ طَائِفَةٍ فِيهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ. [قَوْلُهُ: يَثْبُتُ قَائِمًا] أَيْ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مُؤْتَمِّينَ بِهِ إلَى أَنْ يَسْتَقِلَّ ثُمَّ يُفَارِقُونَهُ فَإِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ اسْتِقْلَالِهِ عَمْدًا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ وَسَهْوًا أَوْ غَلَبَةً اسْتَخْلَفَ هُوَ أَوْ هُمْ مَنْ يَقُومُ بِهِمْ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمُسْتَخْلَفُ وَيَؤُمُّ مَنْ خَلْفَهُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْدَثَ وَلَوْ عَمْدًا بَعْدَ تَمَامِ قِيَامِهِ فَصَلَاتُهُمْ تَامَّةٌ فَلَا يَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِمْ لِانْقِطَاعِ تَعَلُّقِهِمْ بِهِ، وَنَظَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي حُكْمِ الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: بَيْنَ الدُّعَاءِ] أَيْ بِمَا عَنَّ لَهُ وَالْأَوْلَى بِالْفَتْحِ وَالنَّصْرُ مِثْلُ الدُّعَاءِ: التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ أَيْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهَا حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً] أَيْ أَفْذَاذًا فَإِنْ أَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجُمُعَةِ فَإِذَا فَارَقَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي الْجُمُعَةِ صَلَّتْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ أَفْذَاذًا فِيمَا يَظْهَرُ بِمَثَابَةِ مُدْرِكِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ إمَامٍ وَرَعْفِ رُعَافٍ بَنَاهُ فِي الثَّانِيَةِ حَتَّى فَاتَ فِعْلُهَا مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَحْدَهُ وَلَا يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً بِإِمَامٍ يَسْتَخْلِفُونَهُ. وَتَوَقَّفَ عَجَّ فِي عَدَدِ الطَّائِفَتَيْنِ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ اثْنَيْ

(وَيُسَلِّمُ) عَلَى الْمَشْهُورِ (ثُمَّ) إنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ (يَقْضُونَ الرَّكْعَةَ) الْأُولَى (الَّتِي فَاتَتْهُمْ) مَعَهُ (وَيَنْصَرِفُونَ) . وَقَوْلُهُ: (وَهَكَذَا يُفْعَلُ فِي صَلَاةِ الْفَرَائِضِ كُلِّهَا) تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: (إلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْإِمَامَ (يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا تَمَّ تَشَهُّدُهُ ثَبَتَ قَائِمًا، عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُشِيرُ إلَى الطَّائِفَةِ الْأُولَى بِالْقِيَامِ، فَإِذَا قَامُوا أَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ فَيَقِفُونَ فِي مَكَانِ أَصْحَابِهِمْ. (ثُمَّ) تَأْتِي الطَّائِفَةُ (الثَّانِيَةُ) فَيُحْرِمُونَ خَلْفَهُ (وَيُصَلِّي بِهِمْ) أَيْ بِالطَّائِفَةِ (رَكْعَةً) ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتْهُمْ بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ فِي حَالِ قِيَامِهِ لِانْتِظَارِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْكُتَ أَوْ يَدْعُوَ وَلَا يَقْرَأَ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ الثُّنَائِيَّةِ دُونَ الثُّلَاثِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ فِي الثُّلَاثِيَّةِ إنَّمَا يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ، فَرُبَّمَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهَا قَبْلَ مَجِيءِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي قِيَامِ الثُّنَائِيَّةِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ بِسُورَةٍ فَيُدْرِكُونَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ. (تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَصَحَّحَ فِعْلَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَهَا شَرْطَانِ: أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ جَائِزًا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَجُزْ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ يُمَكِّنَهُمْ التَّرْكُ، فَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُ الْمُرْصِدُ لَهُ لَمْ يَجُزْ. الثَّانِي: إذَا انْقَطَعَ الْخَوْفُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمُّوا عَلَى صِفَةِ الْأَمْنِ، وَإِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ جَمَاعَةً ثُنَائِيَّةً وَثُلَاثِيَّةً. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَ غَيْرَ الْإِمَامِ وَأَنْ يَحْضُرَ كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ الْخُطْبَةَ [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يُسَلِّمُ بَلْ يُشِيرُ لِلطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَتَقُومُ لِلرَّكْعَةِ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ فَيُصَلُّونَهَا وَيُسَلِّمُ بِهَا فَتُدْرَكُ مَعَهُ الثَّانِيَةُ السَّلَامَ كَمَا أَدْرَكَتْ الْأُولَى الْإِحْرَامَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا تَمَّ تَشَهُّدُهُ ثَبَتَ قَائِمًا إلَخْ] وَقِيلَ جَالِسًا، وَعَلَيْهِ فَمُفَارَقَةِ الْأُولَى بِتَمَامِ تَشَهُّدِهِ كَمَا فِي تت وَيُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ بِإِشَارَةٍ أَوْ جَهْرِهِ بِآخِرِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُشِيرُ إلَخْ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي يَقُولُ بِجُلُوسِهِ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلِّمُونَ] أَيْ عَلَى الْيَمِينِ تَسْلِيمَةَ التَّحْلِيلِ وَعَلَى الْيَسَارِ إنْ كَانَ عَلَى يَسَارِ الْمُسَلِّمِ أَحَدٌ، وَلَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ قَبْلَ سَلَامِهِ فَلَمْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ سَلَامِهِمْ يَذْهَبُونَ إلَى الْعَدُوِّ [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَأُ] فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قَرَأَهَا عَقِبَ قِيَامِهِ وَسَكَتَ أَوْ دَعَا بَعْدَ فَرَاغِهَا وَقَبْلَ رُكُوعِهِ حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، قُلْت: لِمُخَالَفَتِهِ لِلرُّخْصَةِ الْوَارِدَةِ وَلِعَدَمِ وُقُوعِ رُكُوعِهِ فِي ثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ [قَوْلُهُ: دُونَ الثُّلَاثِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الثُّلَاثِيَّةِ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ [قَوْلُهُ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ] وَقَالَ أَشْهَبُ: يَنْصَرِفُونَ قَبْلَ الْإِكْمَالِ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ صَلَاتَهَا وَقَامَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى فَقَضَتْ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ جَائِزًا] أَيْ مَأْذُونًا بِهِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ كَقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبَغْيِ، وَالْمُبَاحَ كَقِتَالِ مُرِيدِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ حَرَامًا إلَخْ أَيْ كَقِتَالِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الَّذِينَ صَلَّوْا إلَخْ] أَيْ وَأَنْ يَخَافَ خُرُوجُ الْوَقْتِ عَلَى أَقْسَامِ التَّيَمُّمِ مِنْ رَاجٍ وَمُتَرَدِّدٍ وَآيِسٍ. قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ لَمْ يَجُزْ حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّفْرِقَةُ وَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ دَهَمَهُمْ الْعَدُوُّ وَانْهَزَمُوا صَلَّوْا عَلَى مَا يُمْكِنُهُمْ رِجَالًا وَرُكْبَانًا. [قَوْلُهُ: فَإِذَا انْقَطَعَ إلَخْ] فَإِنْ حَصَلَ الْأَمْنُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا فَتَدْخُلُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُتِمُّ بِالْجَمِيعِ، وَإِنْ حَصَلَ مَعَ الثَّانِيَةِ وَقَدْ فَارَقَتْهُ الْأُولَى رَجَعَ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَمَنْ أَتَمَّ مِنْهُمْ صَلَاتَهُ أَجْزَأَتْهُ، وَمَنْ

وَأَمَّا صِفَتُهَا فِي الْحَضَرِ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ صَلَّى) الْإِمَامُ (بِهِمْ) أَيْ بِمَنْ مَعَهُ (فِي الْحَضَرِ لِشِدَّةِ خَوْفٍ صَلَّى بِهِمْ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) ك: قَبْلَ هَذَا إذَا كَانُوا مَطْلُوبِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا طَالِبِينَ فَلَا. وَعِبَارَةُ الْجَلَّابِ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ، وَنَصُّهُ إذَا نَزَلَ الْخَوْفُ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ لَمْ يَجُزْ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَجَازَ تَفْرِيقُهُمْ فِيهَا فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِيَامِ لِلْإِتْمَامِ وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَقُومُ إذَا قَضَى تَشَهُّدَهُ فَيَنْتَظِرُ إتْمَامَهُمْ وَانْصِرَافَهُمْ وَمَجِيءَ الْآخَرِينَ قَائِمًا يَعْنِي سَاكِتًا، أَوْ دَاعِيًا لَا قَارِئًا، ثُمَّ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ، وَيَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقَدْ قِيلَ: يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يَقْضُوا مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُسَلِّمُونَ بِسَلَامِهِ اهـ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَلِكُلِّ صَلَاةٍ) مِمَّا تَقَدَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَمَاعَةً (أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ) لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ مُجْتَمِعٌ لَهَا أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ ثُمَّ أَشَارَ إلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فُرَادَى فَقَالَ: (وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (صَلَّوْا وُحْدَانًا) أَيْ فُرَادَى (بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ) فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا إيمَاءً، وَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَّى بَعْضَ الصَّلَاةِ أَيْ عَقَدَ رَكْعَةً انْتَظَرَ الْإِمَامَ حَتَّى يَفْعَلَ مَا فَعَلَهُ ثُمَّ يَقْتَدِي بِهِ فِيمَا بَقِيَ وَلَوْ السَّلَامَ، فَإِنْ خَالَفَ بِأَنْ فَعَلَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ أَوْ سَلَّمَ قَبْلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ خَالَفَ وَأَعَادَ مَعَ الْإِمَامِ مَا فَعَلَهُ حَالَ الْمُفَارَقَةِ حَمَلَهُ الْإِمَامُ عَنْهُ إنْ كَانَ سَهْوًا لَا عَمْدًا أَوْ جَهْلًا، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ الْأَمْنُ بَعْدَ افْتِتَاحِهَا صَلَاةً مُسَايَفَةً فَالْحُكْمُ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا صَلَاةَ أَمْنٍ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَكِنْ فُرَادَى لِأَنَّهُمْ افْتَتَحُوهَا هَكَذَا، فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ لَا تَأْتِي إلَّا بَعْدَ أَنْ تَذْهَبَ الْأُولَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَكَيْفَ يُعْقَلُ مَا ذَكَرَ؟ قُلْت: يُفْرَضُ مَا ذَكَرَ فِي مَسْبُوقِينَ أَدْرَكُوا مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ فَيَأْتِي فِيهِمْ مَا ذَكَرَ بِأَنْ تَذْهَبَ الْجَمَاعَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْبُوقَةٍ تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَتَخَلَّفَ هَذِهِ الْمَسْبُوقَةُ فَيَأْتِيَ فِيهَا مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هَذَا إلَخْ] هَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: ثُمَّ أَشَارَ إلَيْهِمْ بِالْقِيَامِ] وَيَكُونُ فِي جُلُوسِهِ سَاكِنًا أَوْ دَاعِيًا وَإِنْ كَانَ الدُّعَاءُ فِي الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ مَكْرُوهًا فَقَدْ يُتَّفَقُ هُنَا عَلَى جَوَازِهِ [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَقُومُ] هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ بَهْرَامُ: فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَحْكِيَهُ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ [قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَنْصَرِفُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضٌ مُجْتَمَعٌ] فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَفِي الْحَضَرِ إنْ طَلَبَ غَيْرَهَا. تَتِمَّةٌ: لَوْ سَهَا الْإِمَامُ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى سَهْوًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُجُودُ سَجَدَتْ لِلسَّهْوِ بَعْدَ كَمَالِ صَلَاتِهَا لِنَفْسِهَا، الْقَبْلِيُّ قَبْلَ سَلَامِهَا وَالْبَعْدِيُّ بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ تَسْجُدْ الْقَبْلِيَّ وَسَجَدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ تَرَتَّبَ عَنْ نَقْصِ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ، وَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ سُجُودٌ قَبْلِيٌّ وَكَانَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ بَعْدِيًّا فَإِنَّهَا تُغَلِّبُ جَانِبَ النَّقْصِ، وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ مَعَهُ قَبْلَ إتْمَامِ مَا عَلَيْهَا وَالْبَعْدِيَّ بَعْدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهَا وَتَسْجُدُ الْقَبْلِيَّ وَلَوْ تَرَكَهُ إمَامُهُمْ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَقَطْ إنْ تَرَتَّبَ عَنْ ثَلَاثِ سُنَنٍ وَطَالَ، وَلَا يَلْزَمُ الْأُولَى سُجُودٌ لِسَهْوِهِ مَعَ الثَّانِيَةِ لِانْفِصَالِهَا عَنْ إمَامَتِهِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ مُوجِبُ السُّجُودِ مِمَّا لَا يَخْفَى كَالْكَلَامِ أَوْ زِيَادَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ شَبَهِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِإِشَارَتِهِ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى أَشَارَ لَهَا فَإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بِالْإِشَارَةِ سَبَّحَ لَهَا، فَإِنْ لَمْ تَفْهَمْ بِهِ كَلَّمَهَا، إنْ كَانَ النَّقْصُ مِمَّا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا يَنْبَغِي قَرَّرَهُ عَجَّ [قَوْلُهُ: وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ عَنْ ذَلِكَ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الْجَمَاعَةَ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَرَجُوا انْكِشَافَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بِحَيْثُ يُدْرِكُونَ الصَّلَاةَ فِيهِ أَخَّرُوا

إيمَاؤُهُمْ لِلسُّجُودِ أَخَفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ (مُشَاةً) أَيْ غَيْرِ رَاكِبِينَ (أَوْ رُكْبَانًا) عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ حَالَ كَوْنِهِمْ (مَاشِينَ أَوْ سَاعِينَ) أَيْ جَارِينَ (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا) ثُمَّ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ إذَا أَمِنُوا لَا فِي الْوَقْتِ وَلَا بَعْدَهُ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] : وقَوْله تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: 103] فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ تُصَلَّى الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا عَلَى حَسَبِ الْحَالِ، وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ نَافِعُ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِحْبَابًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ صَلَّوْا إيمَاءً [قَوْلُهُ: أَوْ رُكْبَانًا] أَيْ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، فَلَوْ كَانُوا رَاكِبِينَ عَلَى حَمِيرٍ أَوْ بِغَالٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ [قَوْلُهُ: مَاشِينَ] أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَعْنِي حَالَ اشْتِدَادِ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ مَشْيٌ كَثِيرٌ وَرَكْضٌ وَهُوَ تَحْرِيكُ الرِّجْلُ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ الْمَشْيِ وَطَعْنٌ بِرُمْحٍ وَرَمْيُ نَبْلٍ وَكَلَامٌ بِغَيْرِ إصْلَاحِهَا وَلَوْ كَثُرَ إنْ اُحْتِيجَ لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ كَتَحْذِيرِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُرِيدُهُ أَوْ أَمْرُهُ بِقَتْلِهِ، وَكَتَشْجِيعٍ وَافْتِخَارٍ عِنْدَ الرَّمْيِ وَرَجَزٍ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ تَوْهِينُ الْعَدُوِّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحْتَاجِ لَهُ وَإِمْسَاكُ مُلَطَّخٍ بِدَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهِ.

[باب صلاة العيدين]

[16 - بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (بَابٌ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ الْخُرُوجِ إلَيْهَا وَكَيْفِيَّتِهَا، وَبَيَانِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا، وَبَيَانِ مَا يَفْعَلُهُ وَمَا يَقُولُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَيْهَا. (وَ) وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ (التَّكْبِيرِ) فِي (أَيَّامِ مِنًى) وَفِي بَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يُوقَعُ فِيهِ التَّكْبِيرُ مِنْ أَيَّام مِنًى، وَبَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ. وَسُمِّيَ عِيدًا تَفَاؤُلًا لَأَنْ يَعُودَ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ النَّاسِ كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَةُ فِي ابْتِدَاءِ خُرُوجِهَا تَفَاؤُلًا لِقُفُولِهَا سَالِمَةً وَرُجُوعِهَا، وَابْتَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ: (وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ) أَيْ حُكْمُهَا أَنَّهَا (سَنَةٌ وَاجِبَةٌ) وَكَذَا قَالَ فِي بَابِ جُمَلِ أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَوَاظَبَ عَلَيْهَا فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَوْطِنٍ فَلَا تُسَنُّ فِي حَقِّ عَبْدٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] بَابُ الْعِيدَيْنِ [قَوْلُهُ: هُمَا الْيَوْمَانِ الْمَعْرُوفَانِ أَوَّلُ شَوَّالٍ وَعَاشِرُ الْحَجَّةِ] . فَائِدَةٌ: أَوَّلُ عِيدٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِيدُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَشَارَكَهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَأَثَرُ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَخْ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ لَا يَقُولُهُ فَقَطْ وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدُ وَبَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ تَكْرَارًا مَعَهُ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: أَيَّامِ مِنَى] إنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ التَّكْبِيرَ يَقَعُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهَا أَكْثَرُ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهُ فِيهَا يَقَعُ عَقِبَ جَمِيعِهَا، وَأَمَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ فِيهِ مِنْ الظُّهْرِ، بَقِيَ أَنَّ التَّكْبِيرَ عَقِبَ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَ الرَّابِعِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَإِنَّمَا يُكَبِّرُ فِي الصُّبْحِ فَقَطْ، وَيُجَابُ بِالتَّغْلِيبِ [قَوْلُهُ: وَسُمِّيَ عِيدًا إلَخْ] رُدَّ بِمُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ كَعَاشُورَاءَ وَتَاسُوعَاءَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَمِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ عَلَى التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ [قَوْلُهُ: لَأَنْ يَعُودَ] أَيْ بِأَنْ يَعُودَ [قَوْلُهُ: كَمَا سُمِّيَتْ الْقَافِلَةُ] أَيْ بِقَافِلَةٍ، وَرُجُوعُهَا عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ لِقُفُولِهَا، وَفِيهِ أَنَّ التَّفَاؤُلَ بِالْقُفُولِ أَيْ الرُّجُوعِ، وَأَمَّا السَّلَامَةُ فَلَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ الْقُفُولُ الْكَامِلُ. [قَوْلُهُ: أَنَّهَا سُنَّةٌ] أَيْ ثُبُوتُ السُّنِّيَّةِ لَهَا، وَأَقُولُ: وَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ حُكْمٍ وَلَا تَقْدِيرِ أَنَّهَا سُنَّةٌ؛ إذْ الْمَعْنَى صَحِيحٌ وَظَاهِرٌ بِدُونِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] الْمُرَادُ أَنَّ صَلَاةَ كُلِّ عِيدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا أَنَّ مَجْمُوعَهُمَا سُنَّةٌ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ كَمَا ذَكَرَهُ تت، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ عَجَّ أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةُ عَيْنٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُؤَكَّدَةٌ] تَفْسِيرٌ لِ (وَاجِبَةٌ) [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ: سُنَّةُ كِفَايَةٍ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: لَا يَبْعُدُ كَوْنُهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا السُّنِّيَّةُ لَا الْوَصْفُ بِكَوْنِهَا مُؤَكَّدَةً [قَوْلُهُ: مُكَلَّفٌ] أَيْ ذَكَرٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلَا امْرَأَةٍ. [قَوْلُهُ: مُسْتَوْطِنٍ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَا تُسَنُّ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ كَالْمُسَافِرِ الْمُقِيمِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ فَيَشْمَلُ الْخَارِجَ عَنْ الْبَلَدِ دَاخِلٌ كَفَرْسَخٍ، فَلَا تُسَنُّ فِي الْخَارِجِ عَنْ تِلْكَ الْأَمْيَالِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمُسَافِرِ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مُسَافِرًا

صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا مُسَافِرٍ، لَكِنْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا، وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْهَا لَا تَلْبَسُ الْمَشْهُورَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا تَتَطَيَّبُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالْعَجُوزُ وَغَيْرُهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ ثُمَّ بَيَّنَ وَقْتَ الْخُرُوجِ فَقَالَ: (يَخْرُجُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْعِيدِ (الْإِمَامُ وَالنَّاسُ ضَحْوَةً) ع: قِيلَ هِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَهَذَا وَقْتُ الْخُرُوجِ لَا وَقْتُ الصَّلَاةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (قَدْرَ مَا إذَا وَصَلَ) وَفِي رِوَايَةٍ بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ (حَانَتْ) أَيْ حَلَّتْ (الصَّلَاةُ) النَّافِلَةُ، وَحِلُّهَا إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ وَوَصَلَتْ إلَى أَوْطِئَةِ الْأَرْضِ وَلَا تُصَلَّى وَهِيَ عَلَى قُرُونِ الْجِبَالِ خَاصَّةً، وَإِيقَاعُهَا بِالْمُصَلَّى أَفْضَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - دَامَ عَلَيْهَا فِي الْمُصَلَّى وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ فِيهَا إلَى الْمُصَلَّى إلَّا مِنْ عُذْرٍ، إنَّ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُصَلُّونَهَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَيُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ فِي الذَّهَابِ إلَى صَلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَافَةَ الْقَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا سَكْرَانَ] أَيْ بِحَلَالٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا] أَيْ يُصَلِّيَ عَبْدٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَمُسَافِرٌ وَخَارِجٌ عَنْ كَفَرْسَخٍ، فَهَؤُلَاءِ يُنْدَبُ لَهُمْ صَلَاتُهَا، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْحَاجُّ بِمِنَى فَإِنَّهُمْ لَا يُؤْمَرُونَ بِإِقَامَتِهَا لَا نَدَبًا وَلَا سُنَّةً، لِأَنَّ وُقُوفَ الْحَاجِّ بِالْمَشْعَرِ يَقُومُ مَقَامَ صَلَاتِهِمْ لَهَا قَالَ عَجَّ: وَأَمَّا أَهْلُهَا فَصَلَاتُهُمْ لَهَا جَمَاعَةً بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَهَا الرَّجُلُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ إلَخْ] أَيْ فَصَلَاةُ الْعِيدِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى تَقَعَ سُنَّةً، وَأَمَّا مَنْ فَاتَتْهُ فَيُنْدَبُ فَقَطْ. فَائِدَةٌ: صَلَاةُ الْعِيدِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ جَمَاعَتُهَا فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ، وَلَا يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآذَانُ تَكَرُّرُهُ وَإِعْلَامُهُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا خَرَجَتْ إلَخْ] أَيْ تَخْرُجُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَإِذَا لَمْ تَخْرُجْ فَيُنْدَبُ لَهُنَّ أَنْ يُصَلِّينَ أَفْذَاذًا. وَقَوْلُهُ: خَوْفَ الْفِتْنَةِ رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَيْ عَدَمِ اللِّبْسِ وَعَدَمِ التَّطَيُّبِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَشْهُورِ مَا شَأْنُهُ أَنْ تَرْقُبَ النَّاسُ لَهُ وَالنَّهْيُ فِيهِمَا نَهْيُ حُرْمَةٍ إنْ كَانَ الْخَوْفُ ظَنًّا، وَنَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ كَانَ شَكًّا هَكَذَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: قِيلَ: هِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ] أَيْ: قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ إلَخْ. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي حَالَةِ الطُّلُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ وَالنَّاسُ بَعْدَ الطُّلُوعِ هَذَا لِمَنْ قَرُبَ مَكَانُهُ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَ مَكَانُهُ عَنْ مُصَلَّى الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: قَدْرَ مَا إذَا وَصَلَ] أَيْ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ بِمِقْدَارٍ إذَا وَصَلَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّاسَ مُشْتَرِكُونَ فِي الْمَجِيءِ بَعْدَ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يُنْدَبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ خُرُوجِ الْمَأْمُومِينَ بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ حَلَّتْ الصَّلَاةُ. [قَوْلُهُ: قَدْرَ رُمْحٍ مِنْ رِمَاحِ الْعَرَبِ] وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ شِبْرًا بِالْأَشْبَارِ الْمُتَوَسِّطَةِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا التَّقْدِيرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّاظِرِ، وَأَمَّا فِي الْمَعْنَى فَقَدْ قَطَعَتْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ [قَوْلُهُ: وَوَصَلَتْ إلَى أَوْطِئَةِ الْأَرْضِ] أَيْ وَوَصَلَ شُعَاعُهَا إلَى الْمُنْخَفَضِ مِنْ الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُصَلَّى] أَيْ يُكْرَهُ أَنْ تُصَلَّى إلَخْ. وَأَرَادَ بِالْقُرُونِ أَطْرَافَ الْجِبَالِ. وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تُصَلَّى قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ قَدْرَ رُمْحٍ، فَإِنْ صُلِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فِيمَا يُسْتَفَادُ مِنْ نَقْلِ بَعْضِهِمْ، فَمَا يَقَعُ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا حِلُّ النَّافِلَةِ الْمُرَادُ الْوَقْتُ الْكَامِلُ الَّذِي لَا كَرَاهَةَ فِيهِ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. وَقَوْلُهُ: وَعَنْ مَالِكٍ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُصَلُّونَهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] أَيْ لِمُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ وَهِيَ عِبَادَةٌ مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهَا، وَلِخَبَرِ «يَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رَحْمَةً سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرَيْنِ إلَيْهِ» . [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَخْ] وَإِلَّا خَالَفَ الْأَوْلَى فَقَطْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ وَنَحْوِهَا. وَقَوْلُهُ: دُونَ

الْعِيدَيْنِ دُونَ الرُّجُوعِ، وَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الْفِطْرِ دُونَ الْأَضْحَى عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ يَأْكُلهُنَّ وِتْرًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ فِيهَا آذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ) وَلَيْسَ فِيهَا أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ نِدَاءُ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ. قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرٌ أَنَّهُ لَا أَذَانَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَلَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ، وَلَا إقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ، فَإِذَا حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَلَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ وَلَا يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَإِنَّمَا يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ (فَيُصَلِّي بِهِمْ) أَيْ بِالنَّاسِ (رَكْعَتَيْنِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ» (يَقْرَأُ فِيهِمَا جَهْرًا) بِلَا خِلَافٍ (بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَبِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهِمَا) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّجُوعِ أَيْ لِلْفَرَاغِ مِنْ الْقُرْبَةِ. [قَوْلُهُ: دُونَ الْأَضْحَى] أَيْ فَيُنْدَبُ التَّأْخِيرُ لِلْفِطْرِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُضَحِّ لِتَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيلُ تَأْخِيرِهِ بِالْفِطْرِ عَلَى كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ يُفِيدُ عَدَمَ نَدْبِ تَأْخِيرِ مَنْ لَمْ يُضَحِّ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْفِطْرَ لَمَّا تَقَدَّمْهُ الصَّوْمُ شُرِعَ الْأَكْلُ فِيهِ لِإِظْهَارِ التَّمْيِيزِ، وَلِأَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَصَدَقَةَ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: رُطَبَاتٍ وِتْرًا] إشْعَارًا بِالْفَرْدِيَّةِ لِلْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَتَرِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ فِي الرُّطَبَاتِ أَيْضًا بَلْ وَفِي الْحُسْوَاتِ. [قَوْلُهُ: حَسَى حَسَوَاتٍ] الْحُسْوَةُ بِالضَّمِّ مِلْءُ الْفَمِ مِمَّا يُحْسَى، وَالْجَمْعُ حُسًى وَحُسْوَاتٌ مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدًى وَمُدْيَاتٍ، وَالْحَسْوَةُ بِالْفَتْحِ قِيلَ: لُغَةٌ وَقِيلَ: مَصْدَرٌ مِصْبَاحٌ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ] أَيْ يُكْرَهُ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهَا أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ نِدَاءٌ إلَخْ] أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ، وَالْجُزُولِيِّ أَنَّهُ يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. [قَوْلُهُ: قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ إلَخْ] قَالَ ابْنُ عَبْد الْبَرِّ: وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَذَّنْ لَهَا وَلَمْ يُقَمْ فَمَا الْمُحْوِجُ لِلْمُصَنِّفِ إلَى النَّصِّ عَلَى ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ ذَكَرِهِمَا الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَحْدَثَهُمَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ بَنُو أُمَيَّةَ، وَالْمُحَدِّثُ لَهُمَا أَوَّلًا مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ. فَقَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَلِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ فِيهَا نِدَاءٌ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ الْفِطْرِ] أَيْ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَتِمَّ الدَّلِيلُ [قَوْلُهُ: وَلَا بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ] أَيْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِذَا حَانَ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَلَا نِدَاءَ] أَيْ بِالصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُفْعَلُ يُعْلَمُ بِهِ صَلَاةُ الْعِيدِ كَأَنْ يَضْرِبَ دُفًّا مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَلَا يُنَادِي الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ] أَيْ وَلَا غَيْرُهَا لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي بِهِمْ أَيْ بِالنَّاسِ] أَيْ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ الْمُصَلَّى أَوْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ حِلِّ النَّافِلَةِ وَاجْتِمَاعِ النَّاسِ [قَوْلُهُ: بِ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]] أَيْ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ: وَبِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] أَيْ فِي الْأُولَى كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَا ذَكَرَهُ التَّتَّائِيُّ مَتْنًا وَشَرْحًا بِتَقْدِيمِ الشَّمْسِ وَتَأْخِيرِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] إلَخْ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَقْدِيمُ سَبِّحْ عَلَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] وَهِيَ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا] أَيْ فَلَيْسَ الْقَصْدُ خُصُوصَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ. وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَقِرَاءَتُهَا بِكَسَبِّحْ وَالشَّمْسِ قَالَ مَا نَصُّهُ: أَيْ وَنُدِبَ قِرَاءَةُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ بِ " سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى " وَ " الشَّمْسِ " وَنَحْوِهَا مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ مَا يَشْمَلُ الْمُتَوَسِّطَ بِدَلِيلِ أَنَّ سَبِّحْ وَالشَّمْسِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِفِعْلِهِ إلَخْ فِيهِ إجْمَالٌ وَعَدَمِ تَعْيِينِ مَا كَانَ يَقْرَؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي مُسْلِمٍ كَمَا فِي تت «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحْ وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضِيَّتَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا نَعَمْ فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأَضْحَى وَالْفَجْرِ بِ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] » ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ مِنْ الطِّوَالِ، وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(وَيُكَبِّرُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يَعُدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَ) يُكَبِّرُ (فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) بَعْدَ الْقِيَامِ (خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ لَا يَعُدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ) وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّكْبِيرِ لَا فِي الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَاتٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ تَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ التَّكْبِيرُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ فَلَا يَتْبَعُهُ، وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ عَنْ تَكْبِيرِ صَلَاةِ الْعِيدِ رَجَعَ مَا لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُكَبِّرُ وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ وَضَعَهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ تَمَادَى وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَوَجَدَهُ يَقْرَأُ كَبَّرَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي بَعْضِ التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ وَيَدْخُلُ مَعَهُ، وَإِنَّ وَجَدَهُ فِي الرُّكُوعِ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَدْرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَبَّرَ خَمْسًا إذْ تَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَإِذَا قَضَى الْأُولَى كَبَّرَ سَبْعًا يَعُدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةَ الْقِيَامِ لِفَوَاتِ الْإِحْرَامِ وَفِي هَذَا إشْكَالٌ مَذْكُورٌ وَجَوَابُهُ فِي الْكَبِيرِ (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِمَا فَلَعَلَّهُ لَمْ يَصْحَبْ لِقِرَاءَتِهِمَا عَمَلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا إلَخْ] وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِلْوَاحِدَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَلَوْ عَمْدًا حَيْثُ أَتَى بِهَا الْإِمَامُ أَوْ سَجَدَ لِتَرْكِهَا سَهْوًا وَتَبِعَهُ الْمَأْمُومُ، وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ لِكَوْنِ مَذْهَبِهِ لَا يَرَى السُّجُودَ لِتَرْكِهَا كَالشَّافِعِيِّ وَتَكُونُ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَبْلِيَّ يَسْجُدُهُ الْمَأْمُومُ وَلَوْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ طَلَبَ الْمَأْمُومِ بِالسُّجُودِ فَرْعُ طَلَبِ الْإِمَامِ وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ حَتَّى يُكَبِّرَ الْمَأْمُومُ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقِرَاءَةِ] أَيْ يُسَنُّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَعَنْ مَالِكٍ اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ التَّكْبِيرُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ] أَيْ نَدْبًا فِيمَا يَظْهَرُ أَيْ إلَّا بِقَدْرِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ فَيُنْدَبُ لَهُ الْفَصْلُ بِقَدْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى إلَخْ لَمْ يَتْبَعْ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الزَّائِدِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْإِمَامِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ عَجَّ. وَيُكَبِّرُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ التَّأْخِيرَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا ظَوَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ إلَخْ] وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: رَجَعَ مَا لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ] أَيْ مَا لَمْ يَنْحَنِ أَيْ فَإِذَا وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فَلَوْ رَجَعَ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَدَمُ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ رَجَعَ بَعْدَ اسْتِقْلَالِهِ لِلْجُلُوسِ. قُلْت: وَبَعْدُ فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ رُوجِعَ مَنْ تَلَبَّسَ فِي فَرْضٍ إلَى سُنَّةٍ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الِاسْتِقْلَالِ فَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْبُطْلَانِ فِيهَا لِكَوْنِ الرُّكْنِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ لَيْسَ فَرْضًا بِالِاتِّفَاقِ؛ إذْ الْفَاتِحَةُ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ. [قَوْلُهُ: وَيُعِيدُ الْقِرَاءَةَ] فَلَوْ لَمْ يُعِدْهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَذَا اُسْتُظْهِرَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ] وَمُقَابِلُهُ يَرْكَعُ عَقِبَ التَّكْبِيرِ حَكَاهُ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلٌ بِعَدَمِ السُّجُودِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ كَمَا فِي الدَّفَرِيِّ. [قَوْلُهُ: وَوَجَدَهُ يَقْرَأُ كَبَّرَ عَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ. قَالَ: لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا فِي حُكْمِ الْإِمَامِ، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِخِفَّةِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ كَأَجْزَاءِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَدْرَكَهُ فِي بَعْضِ التَّكْبِيرِ إلَخْ] أَيْ فَيُكَبِّرُ مَعَهُ مَا أَدْرَكَهُ فِيهِ ثُمَّ يُكْمِلُ مَا بَقِيَ بَعْدَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ فِي خِلَالِ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ [قَوْلُهُ: كَبَّرَ خَمْسًا] أَيْ غَيْرَ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا إشْكَالٌ] لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَبِيرِ مَا عَدَا هَذَا الْكِتَابَ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي أَيْضًا أَوْ أَنَّ ذِكْرَهُ فِي الْكَبِيرِ لَا يُنَافِي ذِكْرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَنَصُّ التَّحْقِيقِ وَهُنَا إشْكَالٌ وَهُوَ: أَنَّ مَنْ قَامَ لِلْقَضَاءِ وَأَدْرَكَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا لَا يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَدْ قَالَ هُنَا: إنَّهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا يَعُدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ، وَأَجَابَ

هَكَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ سَجْدَتَانِ لِيَكُونَ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ وَيَسْجُدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا خِلَافَ فِيهِ إذْ لَا قَائِلَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَةٍ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ (يَتَشَهَّدُ وَ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ (يُسَلِّمُ) . (ثُمَّ) بَعْدَ سَلَامِهِ (يَرْقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ يَصْعَدُ (الْمِنْبَرَ وَيَخْطُبُ وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ وَوَسَطِهَا) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ حُكْمُ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَهُوَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ» ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ أَعَادَهَا اسْتِحْبَابًا وَأُخِذَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ صِفَتَهَا كَصِفَةِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أُولَى وَثَانِيَةٍ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ أَحْكَامِ الْعِيدِ وَمَا يُشْرَعُ فِيهِ وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ (يَنْصَرِفُ) مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ إنْ شَاءَ وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَكَانَهُ وَيُكْرَهُ لَهُ وَلِلْمَأْمُومِينَ التَّنَفُّلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا إنْ أَوْقَعَهَا فِي الصَّحْرَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَوْلَيْنِ إلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَقُّ إنْ لَمْ يَكُنْ لِابْنِ الْقَاسِم قَوْلَانِ فَمَذْهَبُهُ يُشْكِلُ، وَإِنْ كَانَ فَيَحْتَاجُ الِاقْتِصَارُ هُنَا إلَى تَرْجِيحٍ اهـ. شَيْخُنَا: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ تَرْدِيدِهِ بِأَنَّ الرَّاجِحَ لِلتَّكْبِيرِ هُنَا أَنَّ الْمَقَامَ لَهُ وَالْمَقَامَاتُ تُرَاعَى اهـ كَلَامُ التَّحْقِيقِ. وَبَقِيَ مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى: مَا إذَا أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، فَوَرَدَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ دُونَ رَكْعَةٍ يُكَبِّرُ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ، وَهُنَا اُخْتُلِفَ كَمَا تُقَرِّرَ فَمَا الْفَرْقُ فَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ عَمِلَ بِعَدَمِ التَّكْبِيرِ يَسْتَغْنِي عَنْ تَكْبِيرِهِ الْمَطْلُوبِ بِتَكْبِيرِ الْعِيدِ. الثَّانِيَةُ: مَا إذَا لَمْ يَدْرِ هَلْ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ: قَالَ الْحَطَّابُ: لَا نَصَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ سَبْعًا؛ لِأَنَّ نَقْصَ التَّكْبِيرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْتَضِي السُّجُودَ بِخِلَافِ زِيَادَتِهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: يَتَشَهَّدُ] أَيْ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو أَوْ أَرَادَ بِالتَّشَهُّدِ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ. [قَوْلُهُ: وَيَخْطُبُ] أَيْ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتِي الْجُمُعَةِ فِي كَوْنِهِمَا بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَجَهْرًا لَكِنْ خُطْبَةُ الْعِيدِ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ نَدْبًا، وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا يُنْدَبُ تَخَلُّلُ الْخُطْبَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ بِلَا حَدٍّ فِي الِافْتِتَاحِ بِسَبْعٍ وَالتَّخْلِيلِ بِثَلَاثٍ خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ يَرْقَى الْمِنْبَرَ وَيَخْطُبُ] اُنْظُرْ هَلْ يُنْدَبُ كَوْنُ الْمُصَلِّي هُوَ الْخَاطِبُ إلَّا لِعُذْرٍ أَمْ لَا؟ عَجَّ عَلَى الرِّسَالَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْلِسُ فِي أَوَّلِ خُطْبَتِهِ وَوَسَطِهَا] وَحَدَّ بَعْضُهُمْ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بِقَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَهَلْ يُتَّخَذُ لَهَا مِنْبَرٌ؟ قَوْلَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجُلُوسِ أَوَّلًا وَوَسَطًا مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ] أَيْ اسْتِحْبَابِ الْبَعْدِيَّةِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِ الْخُطْبَةِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا ذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: أَعَادَهَا اسْتِحْبَابًا] قَرَّبَ الْأَمْرَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقُرْبَ هُنَا كَالْقُرْبِ الَّذِي يَبْنِي مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: مُشْتَمِلَةٌ] أَيْ الْخُطْبَةُ الشَّامِلَةُ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ التَّقْيِيدُ بِالثَّانِيَةِ وَنَصُّهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ مِنْ بَيَانِ مَنْ يُطْلَبُ بِإِخْرَاجِهَا. وَالْقَدْرُ الْمُخْرَجُ وَالْمُخْرَجُ مِنْهُ وَزَمَنُ إخْرَاجِهَا، وَفِي عِيدِ النَّحْرِ عَلَى بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالضَّحِيَّةِ وَمَنْ يُؤْمَرُ بِهَا، وَمَا تَكُونُ مِنْهُ. وَالسِّنُّ الْمُجْزِئُ مِنْهَا وَزَمَنُ تَزْكِيَتِهَا انْتَهَى. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الثَّانِيَةَ هِيَ الْمُشْتَمِلَةَ، وَنَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَذْكُرُ فِي خُطْبَةِ الْفِطْرِ إلَخْ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالثَّانِيَةِ وَيَتَمَادَى إذَا أَحْدَثَ فِيهِمَا أَوْ قَبْلَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ. [قَوْلُهُ: عَلَى تَعْلِيمِ] الْأُولَى حَذَفَ تَعْلِيمَ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ وَصَفُّ الْمُعَلَّمِ قَائِمٌ بِهِ. [قَوْلُهُ: أَحْكَامِ الْعِيدِ] أَيْ أَحْكَامِ مَا يَشْرَعُ فِيهِ أَيْ يُفْعَلُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: وَمَا يُشْرَعُ فِيهِ مَعْطُوفٌ عَلَى أَحْكَامِ فَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ الْمَشْرُوعَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ الْمَفْعُولُ وَأَحْكَامُهُ، وَقَوْلُهُ: وَاجِبًا حَالٌ مِنْ مَا وَالْوَاجِبُ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ وَعَدَمِ الْبَيْعِ مِنْ الضَّحِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِيدِ الْأَكْبَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ وَلِلْمَأْمُومِينَ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا إلَخْ] وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بِمَنْزِلَةِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمَ الْأَضْحَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهُمَا وَلَا بَعْدَهُمَا» ، وَأَمَّا إنْ أَوْقَعَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَلَا لِلْمَأْمُومِينَ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ. (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ) الطَّرِيقِ (الَّتِي أَتَى مِنْهَا) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالنَّاسُ كَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الْإِمَامِ فِي اسْتِحْبَابِ الرُّجُوعِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي أَتَوْا مِنْهَا خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً (وَإِنْ كَانَ) خُرُوجُ الْإِمَامِ لِلْمُصَلَّى لِصَلَاةِ الْعِيدِ (فِي) يَوْمِ (الْأَضْحَى خَرَجَ) مَعَهُ (بِأُضْحِيَّتِهِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (إلَى الْمُصَلَّى فَذَبَحَهَا) إنْ كَانَ مِمَّا تُذَبَّحُ (أَوْ نَحَرَهَا) إنْ كَانَتْ مِمَّا تُنْحَرُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِ) أَجْلِ أَنْ (يَعْلَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَيَذْبَحُونَ) أَوْ يَنْحَرُونَ (بَعْدَهُ) لِأَنَّهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الذَّبْحُ قَبْلَهُ، فَإِنْ ذَبَحَ أَحَدٌ قَبْلَهُ أَعَادَ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يَتَحَرَّوْا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ تَحَرَّوْا، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى فَلِيَتَحَرَّ النَّاسُ ذَبَحَهُ بَعْدَ مَا يَرْجِعُ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَذْبَحُونَ، وَتُجْزِئُهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فِي تَحَرِّيهِمْ بِأَنْ ذَبَحُوا قَبْلَهُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ إمَامُ الصَّلَاةِ أَوْ إمَامُ الطَّاعَةِ؟ قَوْلَانِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْأَوَّلُ. (وَلْيَذْكُرْ) أَيْ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ (اللَّهَ) تَعَالَى عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQطُلُوعِ الْفَجْرِ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، فَكَمَا لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ نَافِلَةَ غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَكَذَا لَا يُصَلِّي قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ نَافِلَةً غَيْرَهَا، هَذَا وَجْهُ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بِالْمُصَلَّى قَبْلَهَا. وَأَمَّا وَجْهُ كَرَاهَتِهِ فِيهَا بَعْدَهَا فَخَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِإِعَادَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ لَهَا الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا كَغَيْرِهَا خَلْفِ الْإِمَامِ غَيْرِ الْمَعْصُومِ، وَلَا يُقَالُ: كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَجْرِي فِي التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ إذْ الْمَسْجِدُ يَطْلُبُ تَحِيَّتَهُ وَلَوْ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا جَوَازُهُ بَعْدَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَلِأَنَّهُ يَنْدُرُ حُضُورُ أَهْلِ الْبِدَعِ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَتَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ] هَذَا الدَّلِيلُ لَا يُنْتِجُ خُصُوصَ الْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ] أَيْ بَلْ يُنْدَبُ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُكْرَهُ كَالْمُصَلَّى، وَرَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ يَتَنَفَّلُ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ التَّنَفُّلَ يَوْمَ الْعِيدِ جُمْلَةً إلَى الزَّوَالِ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَخْ] اُخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: لِأَجْلِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ، وَقِيلَ: لِتَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ [قَوْلُهُ: خَرَجَ مَعَهُ] أَيْ مَعَ نَفْسِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَلَدُهُ كَبِيرَةً، وَكَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ احْتِرَازًا عَلَى الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ إخْرَاجُ ضَحِيَّةٍ لِعِلْمِهِمْ غَالِبًا بِذَبْحِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ أُضْحِيَّتَهُ. [قَوْلُهُ: فَيَذْبَحُونَ بَعْدَهُ] أَيْ إذَا عَلِمُوا فَيَذْبَحُونَ فَهُوَ جَوَابُ شَرْطٍ غَيْرِ جَازِمٍ فَلَمْ يَحْذِفْ النُّونَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَبَحَ أَحَدٌ قَبْلَهُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ مَعَهُ. قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي هُنَا الصُّوَرُ التِّسْعُ الَّتِي فِي الْإِحْرَامِ، فَمَتَى ابْتَدَأَ بِالذَّبْحِ قَبْلَهُ لَمْ تَجْزِهِ ضَحِيَّةُ خَتَمَ الْأَوْدَاجَ وَالْحَلْقَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، كَذَا إذَا ابْتَدَأَ مَعَهُ مُطْلَقًا وَكَذَا إنْ ابْتَدَأَ بَعْدَهُ وَخَتَمَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ احْتِيَاطًا لَا إنْ خَتَمَ بَعْدَهُ فَتُجْزِئُ ضَحِيَّةً. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَخْ] أَيْ بَلْ يَرْجِعُ لِيَذْبَحَهَا بِبَيْتِهِ مُرْتَكِبًا الْمَكْرُوهَ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فِي تَحْرِيمِهِمْ] وَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْ لَا إمَامَ لَهُ، وَيَتَحَرَّى مِنْ الْأَئِمَّةِ أَقْرَبَ إمَامٍ إلَيْهِ أَيْ لِكَوْنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحَرِّي أَقْرَبَ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِ فَذَبَحَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَجْزِيه، وَحَدَّ بَعْضُهُمْ الْقُرْبَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي لِصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْهُ، أَيْ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي الْبَلَدِ الَّذِي بِهَا خَطِيبٌ فَقَطْ. وَأَمَّا فِي مِثْلِ مِصْرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى أَقْرَبَ إمَامٍ مِنْ أَقْرَبَ الْحَارَاتِ إلَى حَارَتِهِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا إمَامٌ يُضَحِّي؛ لِأَنَّ كُلَّ حَارَةٍ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ بَلَدٍ [قَوْلُهُ: إمَامُ الصَّلَاةِ] لِلْعِيدِ الْمُسْتَخْلَفِ عَلَيْهَا أَيْ الَّذِي يُصَلَّى خَلْفَهُ الْعِيدُ، وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ إمَامِ حَارَتِهِ السَّاكِنِ بِهَا وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِهَا أَوْ فِيهَا كَمَجِيءِ نَائِبٍ عَنْهُ بِهَا؛ لِأَنَّ إمَامَ الْحَارَةِ مُسْتَخْلَفٌ بِالْفَتْحِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ إمَامُ الطَّاعَةِ] وَهُوَ الْعَبَّاسِيُّ فَيَلْزَمُ

(فِي خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ) أَوْ غَيْرِهِ (فِي) عِيدِ (الْفِطْرِ وَ) فِي عِيدِ (الْأَضْحَى) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ دَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى» وَهُوَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ سَوَاءٌ خَرَجَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَصُحِّحَ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُكَبِّرُ إذَا خَرَجَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَفَهِمَ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ وَشَهَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ شُرِعَ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فَلَا يُؤْتَى بِهِ قَبْلُ وَقْتِهَا قِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ، وَهَذَا الذِّكْرُ غَيْرُ مَحْدُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ حَبِيبٍ تَكْبِيرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ وَسَيَأْتِي وَالتَّكْبِيرُ الْمَذْكُورِ يَكُونُ (جَهَرًا) عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمِنْ يَلِيهِ وَفَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا قَالَ الْقَرَافِيُّ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ» وَهُوَ عَمَلُ السَّلَفِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى الْإِمَامُ) غَايَةٌ لِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ دَلِيلُهُ حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَالنَّاسُ كَذَلِكَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ مِثْلُ الْإِمَامِ فِي ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَصِفَتِهِ، وَأَمَّا فِي الِانْتِهَاءِ فَيُخَالِفُونَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَإِذَا دَخَلَ الْإِمَامُ لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِمَحَلِّهَا وَيُرْوَى فِي الصَّلَاةِ (قَطَعُوا ذَلِكَ) التَّكْبِيرَ. (وَ) السَّامِعُونَ لِلْخُطْبَةِ (يُكَبِّرُونَ) سِرًّا (بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحَرِّي أَهْلَ بِلَادِهِ كُلِّهَا لِذَبْحِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَيْسَ حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْخَلِيفَةُ: أَوْ مَنْ يُقِيمُهُ لِلصَّلَاةِ وَصَاحِبُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَقُولُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ إمَامُ الصَّلَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ اخْتِلَافِهِمَا كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلْيَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى فِي خُرُوجِهِ] يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ قَبْلَ الْخُرُوجِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: يَدْخُلُ زَمَنُ التَّكْبِيرِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَعَلَيْهِ فَعَلَ أَهْلُ الْأَرْيَافِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ خَرَجَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ] بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّذِي لِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ انْصِرَافِ صَلَاةِ الصُّبْحِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَوَّلُ لَا سِيَّمَا فِي الْأَضْحَى تَحْقِيقًا لِلشَّبَهِ بِأَهْلِ الْمَشْعَرِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ إلَخْ] قَالَ عَجَّ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ قَبْلَ حِلِّ النَّافِلَةِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الذِّكْرُ] أَيْ التَّكْبِيرُ [قَوْلُهُ: غَيْرُ مَحْدُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ عِنْدَ مَالِكٍ، فَقَدْ سَأَلَ سَحْنُونٌ ابْنَ قَاسِمٍ هَلْ عَيَّنَ مَالِكٌ التَّكْبِيرَ، فَقَالَ: لَا اهـ. أَيْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ حَيْثُ الصِّفَةُ [قَوْلُهُ: وَاسْتُحِبَّ إلَخْ] مُقَابِلُ قَوْلِهِ: غَيْرُ مَحْدُودٍ عِنْدَ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: تَكْبِيرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ] أَيْ يَذْكُرُ فِي خُرُوجِهِ التَّكْبِيرَ الَّذِي يُفْعَلُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ دُبْرَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَهُ مَيَّارَةُ بِقَوْلِهِ: وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا هُدَانَا اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَك مِنْ الشَّاكِرِينَ اهـ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ جَهْرًا] أَيْ نَدْبًا كَمَا أَنَّ حُكْمَ الْخُرُوجِ النَّدْبُ وَحِكْمَةُ الْجَهْرِيَّةِ إيقَاظُ الْغَافِلِ وَتَعْلِيمُ الْجَاهِلِ. [قَوْلُهُ: فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ مِثْلُ الْإِمَامِ إلَخْ] وَيُكَبِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَفِي الْمُصَلَّى وَلَا يُكَبِّرُونَ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ قَالَ ابْنُ نَاجِي: افْتَرَقَ النَّاسُ بِالْقَيْرَوَانِ فِرْقَتَيْنِ بِمَحْضَرِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا فَرَغَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَسَكَتَتْ أَجَابَتْ الْأُخْرَى فَسُئِلَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا: إنَّهُ لَحَسَنٌ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ النَّاسِ عِنْدَنَا عَلَى ذَلِكَ بِأَفْرِيقِيَّةِ بِمَحْضَرِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِمَحَلِّهَا] وَيُرْوَى فِي الصَّلَاةِ إلَخْ. أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي انْتِهَاءِ تَكْبِيرِهِمْ فَقِيلَ: دُخُولُ الْإِمَامِ فِي الْمُصَلَّى وَقِيلَ فِي الصَّلَاةِ كَذَا ذَكَرَ عَجَّ. [قَوْلُهُ: يُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُخَلِّلَ الْخُطْبَتَيْنِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُمَا بِهِ بِلَا حَدٍّ لَا فِي الِاسْتِفْتَاحِ، وَلَا فِي التَّخْلِيلِ وَيُنْدَبُ لِلْمُسْتَمِعِينَ التَّكْبِيرُ بِتَكْبِيرِهِ. وَقَوْلُهُ: سِرٌّ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] وَقِيلَ: لَا يُكَبِّرُونَ حَكَاهُ تت وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي عَنْ الْغَمِيرَةِ، وَوَجْهُهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَتَّصِلَ ذَلِكَ فَيَمْنَعُ النَّاسُ الْإِنْصَاتَ

(وَيُنْصِتُونَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (فِيمَا سِوَى ذَلِكَ) التَّكْبِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَمِعُوا لَهُ فَأَشْبَهَتْ الْجُمُعَةَ (فَإِنْ كَانَتْ) الْأَيَّامُ (أَيَّامَ النَّحْرِ) وَيَجُوزُ رَفْعُ أَيَّامٍ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ أَيْ فَإِنْ حَضَرَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ (فَلْيُكَبِّرْ النَّاسُ) اسْتِحْبَابًا (دُبُرَ الصَّلَوَاتِ) الْمَفْرُوضَاتِ الْحَاضِرَةِ قَبْلَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَالْفَذَّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَفْرُوضَاتِ مِنْ النَّوَافِلِ وَبِالْحَاضِرَةِ مِنْ الْفَائِتَةِ وَابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ إثْرَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ (مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ) وَانْتِهَاؤُهُ (إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ (وَهُوَ) أَيْ الْيَوْمُ الرَّابِعُ (آخِرُ أَيَّام مِنًى) وَرَفَعَ بِقَوْلِهِ: كَ (يُكَبِّرُ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ) الْإِبْهَامَ فِي قَوْلِهِ: إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إلَى فِيهِ لِلْغَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ. (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (يَقْطَعُ وَالتَّكْبِيرُ) الَّذِي يُكَبِّرُهُ النَّاسُ (دُبُرَ الصَّلَوَاتِ) لَهُ صِفَتَانِ إحْدَاهُمَا (اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) وَالثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ جَمَعَ مَعَ التَّكْبِيرِ تَهْلِيلًا وَتَحْمِيدًا فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ: (يَقُولُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ هَذَا) مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ الْجَلَّابِ. (وَ) رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا (الْأَوَّلُ) مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِمَشْهُورِيَّتِهِ (وَالْكُلُّ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ ع: وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ تَفْضِيلُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى أَمْ لَا؟ وَلِمَ تَقَدَّمَ لَهُ الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ فِي خُرُوجِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ الذِّكْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] وَقَوْلُهُ: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُنْصِتُونَ] أَيْ أَنَّهُ يُطْلَبُ الْإِصْغَاءُ لِلْخُطْبَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُهَا [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَرَوَى أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ الْكَلَامَ فِيهَا لَيْسَ كَالْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ، إذَا عَلِمْت هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَا تَفْهَم أَنَّ بَيْنَهُمَا خِلَافًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ حِكَايَتِهِمَا بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الْإِنْصَاتَ مَنْدُوبٌ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْأَيَّامُ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: رُوِّينَاهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى أَنَّ فِي كَانَ ضَمِيرًا أَيْ فَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَيْ الْأَيَّامُ أَيَّامَ النَّحْرِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَمَامِ كَانَ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي أَيْ فَإِنْ حَضَرَتْ اهـ. [قَوْلُهُ: دُبْرَ الصَّلَوَاتِ] أَيْ أَثْرَ السُّجُودِ الْبَعْدِي، وَإِذَا سَلَّمَ الْمُصَلِّي مِنْ الْفَرِيضَةِ وَنَسِيَ التَّكْبِيرَ أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَعَ الْقُرْبِ، وَالْقُرْبُ هُنَا كَالْقُرْبِ فِي الْبِنَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ سَنَدٌ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ فَالْمَأْمُومُ يُنَبِّهُهُ وَلَوْ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ أَوْ لَمْ يَنْتَبِهْ كَبَّرَ وَلَا يَتْرُكْهُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: فَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي غَيْرِ دُبْرِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ التَّسْبِيحِ] أَيْ وَقَبْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ. [قَوْلُهُ: لِلْغَايَةِ] أَيْ وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ [قَوْلُهُ: اللَّهُ أَكْبَرُ] ثَلَاثًا بِالْإِعْرَابِ إلَّا أَنْ يَقِفَ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ وَالْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ. [قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِمَشْهُورِيَّتِهِ] أَيْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَالْكُلُّ وَاسِعٌ] قَالَ بَعْضٌ: وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ قَالَ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] أَيْ مَأْذُونٌ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ إلَخْ] قُلْت: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الْأُولَى الَّتِي قُلْنَا: إنَّهَا الْمُعْتَمَدَةُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ مُرَادُهُ بِهِ الذِّكْرَ] وَمَعْنَى كَلَامِ شَارِحِنَا أَنَّ الذِّكْرَ الَّذِي يُقَالُ فِي الْخُرُوجِ لِلْعِيدِ هُوَ الذِّكْرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فِي الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي آيَةِ الْحَجِّ. وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَقَالَ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَذِكْرُهُ فِيهَا التَّكْبِيرُ إدْبَارَ الصَّلَوَاتِ وَعِنْدَ الْجِمَارِ، وَسُمِّيَتْ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ النَّاسَ يُشَرِّقُونَ اللَّحْمَ فِيهَا أَيْ

نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْأَيَّامَ الْمَذْكُورَةَ، وَبَيَّنَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ فَقَالَ: (وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فَهِيَ (أَيَّامُ النَّحْرِ الثَّلَاثَةُ) الْأُوَلُ وَتَالِيَاهُ. (وَ) أَمَّا (الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى فَهِيَ (أَيَّامُ مِنًى وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ) ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ وَتَالِيَاهُ، فَأَوَّلُ يَوْمِ النَّحْرِ مَعْلُومٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ، وَرَابِعُهُ مَعْدُودٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَالْيَوْمَانِ الْوَسَطَانِ مَعْلُومَانِ مَعْدُودَانِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مُسْتَحَبَّاتِ الْعِيدِ فَقَالَ: (وَالْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ حَسَنٌ) وَلَفْظُهُ فِي بَابٍ جُمِلَ وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَأَكَّدَ مَا قَالَ هُنَا بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ بِلَازِمٍ) أَيْ لُزُومَ السُّنَنِ، وَقِيلَ: هُوَ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ ك بِمَشْهُورِيَّتِهِ، وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ هَذَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُجْزِئُهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ (وَيُسْتَحَبُّ فِيهِمَا) أَيْ الْعِيدَيْنِ (الطِّيبُ) لِلرِّجَالِ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ لِلصَّلَاةِ وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ لَهَا، وَأَمَّا النِّسَاءُ إذَا خَرَجْنَ لَهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ الطِّيبُ (وَ) يُسْتَحَبُّ فِيهِمَا أَيْضًا لِلرِّجَالِ (الْحَسَنُ) أَيْ لُبْسُ الْحَسَنِ (مِنْ الثِّيَابِ) لِلْقَاعِدِ وَالْخَارِجِ وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ السُّنَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشَرِّحُونَهُ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُصَلَّى فِي أَوَّلِهَا عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ [قَوْلُهُ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ] أَيْ لِلنَّحْرِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيْ لِلرَّمْيِ. [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ إلَخْ] وَصِفَتُهُ كَصِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَيُطْلَبُ مِنْ كُلِّ مُمَيَّزٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا وَلَا مَرِيدًا لِلصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَيُجْزِئُهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] إذْ مَبْدَأُ وَقْتِهِ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ مَنْدُوبٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّصَالُهُ بِالذَّهَابِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّسَاءُ إذَا خَرَجْنَ لَهَا] أَيْ لِلصَّلَاةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِهِنَّ، وَمَفْهُومُ خَرَجْنَ أَنَّهُنَّ إذَا لَمْ يَخْرُجْنَ فَلَا حَرَجَ وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ فِيهِمَا أَيْضًا لِلرِّجَالِ] أَيْ لَا لِلنِّسَاءِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْتِ فَلَا حَرَجَ أَيْضًا [قَوْلُهُ: لُبْسُ الْحَسَنِ] وَالْمُرَادُ بِالْحَسَنِ مِنْهَا فِي الْعِيدِ الْجَدِيدِ وَلَوْ أَسْوَدَ. تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي فِي زَمَانِنَا أَوْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُلْحَقَ بِالنِّسَاءِ مَنْ تَتَشَوَّقُ النُّفُوسُ إلَى رُؤْيَتِهِ مِنْ الذُّكُورِ، فَيَجِبُ عَلَى وَلِي الصَّغِيرِ الْجَمِيلِ وَسَيِّدِ الْمَمْلُوكِ أَنْ يُجَنِّبَهُ اللِّبَاسَ الْحَسَنَ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْعِيدِ. [قَوْلُهُ: وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ السُّنَّةِ] فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَطَيَّبُ وَرَغَّبَ فِيهِ» ، «وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا غَدَوْنَا إلَى الْمُصَلَّى أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَقْدِرُ مِنْ الثِّيَابِ» .

[باب صلاة الخسوف]

[17 - بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (صَلَاةِ الْخُسُوفِ) وَفِي بَيَانِ صِفَتِهَا الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْخُسُوفَ وَالْكُسُوفَ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَهُوَ ذَهَابُ الضَّوْءِ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: الْأَجْوَدُ تَبَايُنُهُمَا فَالْكُسُوفُ التَّغَيُّرُ وَالْخُسُوفُ الذَّهَابُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الْقَمَرُ يَذْهَبُ جُمْلَةُ ضَوْئِهِ كَانَ أَوْلَى بِالْخُسُوفِ مِنْ الْكُسُوفِ، فَيُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَحُكْمُهَا كَمَا قَالَ هُنَا وَفِي بَابٍ جُمِلَ (وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ: وَمُقَابِلُهُ قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَ أَنَّهُ فَضَّلَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ السُّنَّةُ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِقَوْلِهِ: يُصَلِّيهَا أَهْلُ الْقُرَى وَالْحَضَرِ وَالْمُسَافِرُونَ إلَّا أَنْ يَجِدَّ بِنَا السَّيْرُ وَالْمُسَافِرُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ] بَابٌ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ ذَهَابُ الضَّوْءِ] أَيْ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ الذَّاهِبُ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْحَاذِقُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا تُصَلَّى لَهُ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْقَمَرُ يَذْهَبُ جُمْلَةُ ضَوْئِهِ] لَعَلَّ ذَلِكَ حَالَةٌ غَالِبَةٌ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالشَّمْسُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ] مَبْنِيِّينَ لِلْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ وَانْكِسَافًا وَانْخِسَافًا سِتُّ لُغَاتٍ [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ إلَخْ] فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا} [فصلت: 37] إلَخْ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا صَلَاةَ الْخُسُوفِ. وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا عِبَادَةَ اللَّهِ دُونَ عِبَادَتِهِمَا، أَيْ فَالْكِتَابُ دَلِيلٌ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ] كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» . [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] قَالَ الْقَرَافِيُّ: اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا دُونَ صِفَتِهَا [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا كَمَا قَالَ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَحُكْمُهَا السُّنِّيَّةُ كَمَا قَالَ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمَشْهُورُ أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا قَالَهُ عَجَّ [قَوْلُهُ: وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: يُصَلِّيهَا أَهْلُ الْقُرَى إلَخْ] أَيْ وَأَهْلُ الْبَدْوِ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ مُكَلَّفٍ أَوْ صَبِيٍّ مُمَيَّزٍ، فَهِيَ سُنَّةٌ حَتَّى فِي حَقِّهِ أَيْ الصَّبِيِّ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَاسْتُغْرِبَ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْخَمْسِ نَدْبًا وَبِالْكُسُوفِ اسْتِنَانًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ لِصِغَرِهِمْ وَعَدِمِ ارْتِكَابِهِمْ لِلْمُخَالَفَاتِ يُرْجَى قَبُولُ دُعَائِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَالْحَضَرِ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْقُرَى عَطْفَ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْحَضَرُ بِفَتْحَتَيْنِ خِلَافُ الْبَدْوِ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ حَضَرِيٌّ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِمْ] أَيْ لِإِدْرَاكِ أَمْرٍ يُخَافُ فَوَاتُهُ فَلَا تُسَنُّ لَهُ، وَأَمَّا لَوْ جَدَّ السَّيْرُ لِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَتُسَنُّ حَقُّهُ [قَوْلُهُ: وَالْمُسَافِرُ وَحْدَهُ] أَيْ كَمَا يُصَلِّيهَا الْمُسَافِرُونَ يُصَلِّيهَا مَنْ سَافَرَ وَحْدَهُ [قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا) ] هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَجَالَّةٍ، وَإِلَّا فَالْأَحْسَنُ خُرُوجُهَا [قَوْلُهُ: قَالَهُ الْجُمْهُورُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْجُمْهُورَ

الشَّمْسِ تُفْعَلُ جَمَاعَةً وَفُرَادَى، أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلِذَا بَدَأَ بِهِ فَقَالَ: (إذَا خَسَفَتْ الشَّمْسُ) كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا (خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْمَسْجِدِ فَ) إذَا وَصَلَ إلَيْهِ (افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالنَّاسِ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ عَدَدٌ مَحْصُورٌ كَالْجُمُعَةِ (بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّهَا بِأَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ وَلَا يَقُولُ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهَا وَاسْتَحْسَنَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. وَيُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِهِ كَالتَّكْبِيرِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِذَا كَبَّرَ افْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً سِرًّا) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ كَذَلِكَ وَحَدُّهَا أَنْ تَكُونَ (بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) لَفْظَةُ نَحْوِ مَقْحَمَةٌ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِرَاءَتِهَا (يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا نَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي قَرَأَ فِي التَّقْدِيرِ. وَيَذْكُرُ اللَّهَ فِي رُكُوعِهِ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا يَدْعُو (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَرْفَعُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ وَالْحَالُ أَنَّهُ (يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وَالْمَأْمُومُ يَقُولُ رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَقْرَأُ بَعْدَهَا قِرَاءَةً (دُونَ قِرَاءَتِهِ الْأُولَى) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِآلِ عِمْرَانِ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ (يَرْكَعُ نَحْوَ) طُولِ (قِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ) وَيُسَبِّحُ فِي رُكُوعِهِ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا يَدْعُو (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ مَعَ الرُّكُوعِ الْمَذْكُورِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْهُ وَالْمَأْمُومُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ (يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) . وَيَقُولُ الْمَأْمُومُونَ: رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسْجُدُ) هُوَ وَالْمَأْمُومُونَ (سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ) أَيْ بِطُمَأْنِينَةٍ وَهَلْ يُطَوِّلُهُمَا كَالرُّكُوعِ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ (يَقُومُ فَيَقْرَأُ) الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأُ بَعْدَهَا قِرَاءَةً (دُونَ قِرَاءَتِهِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ) أَيْ قِرَاءَتِهِ الَّتِي فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالُوا: يُؤْمَرُ بِهَا كُلُّ مَنْ تَقَدَّمَ، وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِهَا إلَّا مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَفْضَلُ إلَخْ] فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِلرِّجَالِ فِي الْمَسَاجِدِ [قَوْلُهُ: خَرَجَ الْإِمَامُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: إلَى الْمَسْجِدِ] مَخَافَةَ انْجِلَائِهَا قَبْلَ وُصُولِ الْمُصَلِّي [قَوْلُهُ: فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ إلَخْ] يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ حَلَّتْ وَوَقْتُهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ إلَى الزَّوَالِ، فَلَوْ طَلَعَتْ مَكْسُوفَةً اُنْتُظِرَ بِفِعْلِهَا حِلُّ النَّافِلَةِ، وَلَوْ كُسِفَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يُصَلِّهَا [قَوْلُهُ: وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَادَى فِيهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ [قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ عِيَاضٌ] أَيْ عَدَّ قَوْلَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ أَمْرًا حَسَنًا أَيْ مُسْتَحَبًّا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ نَدْبًا إذْ لَا خُطْبَةَ لَهَا. وَعَنْ مَالِكٍ جَهْرًا وَبِهِ قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَتَأَكَّدُ نَدَبَ الْإِسْرَارِ كَتَأَكُّدِ نَدْبِ الْجَهْرِ فِي الْوِتْرِ [قَوْلُهُ: لَفْظَةُ نَحْوَ مُقْحَمَةٌ] أَيْ زَائِدَةٌ فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي ذِكْرِهَا. وَالْجَوَابُ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ أَطْلَقَ النَّحْوَ عَلَى الشَّيْءِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ، وَقَوْلُ الْمُخْتَصَرِ وَقِرَاءَةُ الْبَقَرَةِ إلَخْ يَدُلُّ لِلشَّارِحِ، وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ مَا أَشَارَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: إنَّمَا قَالَ نَحْوَ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّدْبَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ السُّورَةِ بَلْ الْمُرَادُ هِيَ أَوْ قَدْرُهَا [قَوْلُهُ: نَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ فِي الطُّولِ لَا أَنَّهُ مُسَاوِيهِ [قَوْلُهُ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ] عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَقْرَؤُهَا، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَالرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ لَا تُكَرَّرُ فِيهَا الْفَاتِحَةُ مَرَّتَيْنِ، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قِيَامٌ ثَانٍ بَعْدَ رُكُوعٍ اُبْتُدِئَتْ فِيهِ قِرَاءَةٌ، وَكُلُّ قِرَاءَةٍ اُبْتُدِئَتْ فِي قِيَامٍ يَعْقُبُهَا رُكُوعٌ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَاتِحَةِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: يَرْكَعُ نَحْوَ طُولِ إلَخْ] أَيْ تُقَارِبُ قِرَاءَتَهُ الثَّانِيَةَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُطَوِّلُهُمَا كَالرُّكُوعِ] أَيْ الثَّانِي بِحَيْثُ يَقْرَبَانِ مِنْهُ فِي الطُّولِ نَدْبًا لَا أَنَّهُمَا كَهُوَ [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهُمَا الْأَوَّلُ] وَتَكُونُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ أُقْصَرَ مِنْ الْأُولَى [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ] أَيْ أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ أَيْ بَلْ هُوَ عَلَى الْمُعْتَادِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ [قَوْلُهُ: دُونَ] أَيْ أَقْصَرُ زَمَنًا مِنْ زَمَنِ قِرَاءَتِهِ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أَيْ قِرَاءَتِهِ] تَفْسِيرٌ لِقِرَاءَتِهِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ دُونَ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ مَرْجِعِ اسْمِ الْإِشَارَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعُودُ عَلَى الْقِيَامِ

الْأُولَى، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِسُورَةِ النِّسَاءِ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ (يَرْكَعُ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ) فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ وَيُسَبِّحُ فِي رُكُوعِهِ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا يَدْعُو (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (يَرْفَعُ) رَأْسَهُ وَالْمَأْمُومُونَ كَذَلِكَ (كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ وَهُوَ يَقُولُ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمَأْمُومُونَ: رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ. (ثُمَّ) بَعْدَ رَفْعِهِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ ثُمَّ (يَقْرَأُ) قِرَاءَةً (دُونَ قِرَاءَتِهِ هَذِهِ) الَّتِي فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِسُورَةِ الْمَائِدَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْقِيَامِ الرَّابِعِ (يَرْكَعُ نَحْوَ ذَلِكَ) أَيْ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ فِي الْقِيَامِ الرَّابِعِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَرْفَعُ رَأْسَهُ كَمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي وَهُوَ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُ الْمَأْمُومُونَ: رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَسْجُدُ كَمَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ بِطُمَأْنِينَةٍ وَفِيهِمَا الْقَوْلَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ فِي سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ (يَتَشَهَّدُ وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ (يُسَلِّمُ) وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَدَلِيلُهَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهَا. وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى فِعْلِ صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ جَمَاعَةً. وَأَمَّا فِعْلُهَا فُرَادَى فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِمَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّي) صَلَاةَ خُسُوفِ الشَّمْسِ (فِي بَيْتِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (أَنْ يَفْعَلَ) إذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى تَرْكِ إقَامَتِهَا فِي الْجَمَاعَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِسُورَةِ النِّسَاءِ] اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الَّذِي نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقِيَامَ الْأَوَّلَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقْصَرُ مِنْ الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقِرَاءَةُ النِّسَاءِ تُنَافِي ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَقْرُوءِ طُولُ زَمَنِ قِرَاءَتِهِ لِإِمْكَانِ الْإِسْرَاعِ مَعَ التَّرْتِيلِ حَتَّى يَصِيرَ زَمَنُ قِرَاءَةِ النِّسَاءِ أَقْصَرَ مِنْ زَمَنِ قِرَاءَةِ آلِ عِمْرَانَ [قَوْلُهُ: نَحْوَ قِرَاءَتِهِ] أَيْ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ قِرَاءَتِهِ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ [قَوْلُهُ: يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ مَسْلَمَةَ [قَوْلُهُ: يَرْكَعُ نَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ الْقِيَامِ الرَّابِعِ [قَوْلُهُ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ] يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا لَيْسَ بِمَشْهُورٍ، وَعِبَارَةُ الْفَاكِهَانِيُّ تَقْتَضِي أَنَّهُ اتِّفَاقٌ، وَنَصُّهُ قُلْت: وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هِيَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَدَلِيلُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إلَى آخِرِ مَا هُنَا [قَوْلُهُ: وَلِمَنْ شَاءَ إلَخْ] خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ أَنْ يَفْعَلَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يُصَلِّيَ مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ شَاءَ، وَقَوْلُهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَالٌ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَخْ] مُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا بَلْ مَنْدُوبَةً، فَتُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا فَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ ثَوَابَ فِعْلِهَا فِي الْجَمَاعَةِ فَقَدْ ارْتَكَبَ خِلَافَ الْأُولَى، وَقَوْلُ الشَّارِحِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَرْكِ إقَامَتِهَا فِي الْجَمَاعَةِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَهَا فِي بَيْتِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى إذَا أُدِّيَتْ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَفِعْلُهَا مَكْرُوهٌ هَذَا مَا ظَهَرَ. تَتِمَّةٌ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَلَا حُكْمُ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ وَلَا السُّجُودِ وَلَا حُكْمُ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَلَا مَا يُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا حُكْمُ الْفَاتِحَةِ فِي الْأَوَّلِ وَلَا مَا إذَا انْجَلَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَمُلَخَّصُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ النَّدْبُ فَلَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ سَهْوًا وَلَا بُطْلَانَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا وَلَوْ مِنْ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ الْأَوَّلَانِ فَحُكْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا السُّنِّيَّةُ فَمَنْ صَلَّاهَا بِقِيَامٍ وَاحِدٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَتُدْرَكُ رَكْعَتُهَا بِالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرُّكُوعَيْنِ، فَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ. وَيَقْضِي الْأُولَى

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى خُسُوفِ الْقَمَرِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الْجَمْعُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْمَعْ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَاللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَبْيَنُ. وَقَوْلُهُ: (وَلْيُصَلِّ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ (أَفْذَاذًا) بِذَالَيْنِ مُجْتَمِعَتَيْنِ أَيْ فُرَادَى فِي مَنَازِلِهِمْ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا) تَكْرَارٌ وَرَفَعَ بِقَوْلِهِ: (كَسَائِرِ رُكُوعِ النَّوَافِلِ) مَا يُتَوَهَّم فِي قَوْلِهِ: وَلْيُصَلِّ النَّاسُ إلَخْ. لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى هَيْئَةِ النَّوَافِلِ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ نِيَّةٍ تَخُصُّهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ (وَلَيْسَ فِي إثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَفْتَحُهُمَا أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ (صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ وَلَا قَبْلَهَا خُطْبَةٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ (مَرْتَبَةٌ) لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ نَقَلُوا صِفَةَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فِيهَا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَتَى بِكَلَامٍ مَنْظُومٍ فِيهِ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاةٌ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَوْعِظَةٌ عَلَى سَبِيلِ مَا يُؤْتَى بِهِ فِي الْخُطْبَةِ. وَظَاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ. وَظَاهِرُ سَنَدٍ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ فِي الْأَوَّلِ وَفَرْضٌ فِي الثَّانِي، وَظَاهِرُ الْمَوَّاقِ. وَابْنُ نَاجِي فَرْضِيَّتُهَا قَطْعًا فِي أَوَّلِ كُلِّ قِيَامٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْخِلَافُ فِي فَرْضِيَّتِهَا وَسُنِّيَّتِهَا فِي كُلِّ قِيَامٍ ثَانٍ، وَلَوْ انْجَلَتْ كُلُّهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ هَلْ تُصَلَّى عَلَى هَيْئَتِهَا بِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ أَوْ إنَّمَا تُصَلَّى كَالنَّوَافِلِ بِقِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَطْوِيلٍ؟ قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ انْجَلَى بَعْضُهَا أَتَمَّهَا عَلَى سُنِّيَّتِهَا بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَوْ انْجَلَى بَعْضُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ إذَا انْجَلَتْ بَعْدَ تَمَامِ شَطْرِهَا، وَأَمَّا إذَا انْجَلَتْ قَبْلَ تَمَامِ الشَّطْرِ فَإِنَّهُ يُتِمُّهَا كَالنَّوَافِلِ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ بِالْقَطْعِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ابْنِ نَاجِي [قَوْلُهُ: إنَّ النَّهْيَ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَيْ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَكِنْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْجَمْعَ لَهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ [قَوْلُهُ: وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ] مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ تَكْرَارٌ خَبَرٌ [قَوْلُهُ: أَيْ فُرَادَى إلَخْ] وَهُوَ الْأَفْضَلُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا فِي الْمَسْجِدِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَيْ فُرَادَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ مُعَنْوَنًا فِيهِ بِالْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَمَّا الطَّرَفُ الْأَوَّلُ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلْيُصَلِّ فَمُسَلَّمٌ أَنَّهُ تَكْرَارٌ، وَأَمَّا الطَّرَفُ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ: وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا جَهْرًا فَلَا تَكْرَارَ، نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا لَيْلِيَّةً أَنْ تَكُونَ جَهْرًا وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَعْنِي الْقِرَاءَةَ فِيهَا جَهْرًا مِنْ شُرُوحِ تت، وَلَا مِنْ شُرُوحِ التَّحْقِيقِ وَلَعَلَّ نَصْبَ جَهْرًا عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ لَكَانَ مَحْذُوفَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالْقِرَاءَةُ تَكُونُ فِيهَا جَهْرًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ] أَيْ أَنَّ قَوْلَهُ وَلْيُصَلِّ إلَخْ مُحْتَمِلٌ لِأَمْرَيْنِ، أَوَّلُهُمَا مُرَادٌ، وَالثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ، فَأَتَى بِقَوْلِهِ كَسَائِرِ إلَخْ تَنْصِيصًا عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ وَنَفْيًا لِلثَّانِي الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمُرَادِ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ تَخُصُّهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ عَدَمُ افْتِقَارِهَا لِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا كَسَائِرِ النَّوَافِلِ بِخِلَافِ خُسُوفِ الشَّمْسِ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ النَّدْبِ يَحْصُلُ بِرَكْعَتَيْنِ فَقَطْ وَكَذَا يُنْدَبُ أَنْ تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تَنْجَلِيَ. تَتِمَّةٌ: وَقْتُهَا اللَّيْلُ كُلُّهُ فَإِنْ طَلَعَ مَكْسُوفًا بُدِئَ بِالْمَغْرِبِ وَيَفُوتُ فِعْلُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَهُ وَلَوْ مَعَ تَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ، وَأَوْلَى إذَا لَمْ يُخْسَفْ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَذَا لَوْ خُسِفَ لَيْلًا وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى غَابَ فَلَا يُصَلِّي. [قَوْلُهُ: خُطْبَةٌ مُرَتَّبَةٌ] أَيْ بِحَيْثُ يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا [قَوْلُهُ: فَخَطَبَ النَّاسَ] أَيْ لِلنَّاسِ [قَوْلُهُ: بِمَا

قَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ) بِمَا يَأْتِي (وَيُذَكِّرَهُمْ) بِمَا مَضَى يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْخُطْبَةِ إلَّا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ، أُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَعْنِي بِالْخُطْبَةِ الْمَنْفِيَّةِ الَّتِي يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا وَفِي وَسَطِهَا، وَبِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ الْوَعْظَ وَالتَّذْكِيرَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبِ الْخُطْبَةِ، وَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا فِيمَا فَعَلَهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوَعْظِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْتِي] يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْمَصَائِبِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي، أَوْ الْمُرَادُ بِمَا يَأْتِي أَيْ مَا هُوَ مُحَقَّقٌ إتْيَانُهُ مِنْ أَهْوَالِ الْآخِرَةِ، وَالْأَنْسَبُ الْأَوَّلُ وَقَدْ جَعَلَ بَيْنَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ فَرْقًا وَقِيلَ إنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ.

[باب صلاة الاستسقاء]

[18 - بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) وَبَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ، وَبَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ، وَبَيْنَ صِفَتِهَا، وَالِاسْتِسْقَاءُ لُغَةً طَلَبُ السَّقْيِ وَشَرْعًا طَلَبُ السَّقْيِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ أَوْ غَيْرِهِ. (وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) أَيْ حُكْمُهَا أَنَّهَا (سُنَّةٌ تُقَامُ) أَيْ تُفْعَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلَا تُتْرَكُ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَرُبَّمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» (يَخْرُجُ) أَيْ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (الْإِمَامُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ (وَالنَّاسُ) . وَظَاهِرُهَا الْعُمُومُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا مَنْ يَخْرُجُ لَهَا وَمَنْ لَا يَخْرُجُ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْرُجُ لَهَا بِاتِّفَاقٍ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ الْمُكَلَّفُونَ وَالْمُتَجَالَّاتُ الْمُسِنَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] [قَوْلُهُ: حُكْمِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] وَهُوَ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ، قَالَ تت: يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِهَا قَوْلُهُ فِي آخِرَ الْكِتَابِ كَالْعِيدَيْنِ [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ] وَهُوَ مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ] وَهُوَ الصَّحْرَاءُ [قَوْلُهُ: طَلَبُ السَّقْيِ] أَيْ مُطْلَقُ طَلَبِ السَّقْيِ كَانَ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لِقَحْطٍ نَزَلَ بِهِمْ] الْقَحْطُ احْتِبَاسُ الْمَطَرِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ أَيْ كَتَخَلُّفِ نَهْرٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْقَحْطِ الْمَحَلَّ وَالْجَدْبِ فَيَشْمَلُ تَخَلُّفَ النَّهْرِ أَيْضًا وَالْمَحَلُّ لِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْحَاءِ هُوَ اجْتِيَاحُ الزَّرْعِ، وَالْجَدْبُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة ضِدُّ الْخِصْبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَيَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَوْ غَيْرِهِ الْحَاجَةَ إلَى الشُّرْبِ لِأَنْفُسِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ فِي سَفَرٍ فِي صَحْرَاءَ أَوْ فِي سَفِينَةٍ، وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ يَكُونُ لِأَرْبَعٍ هَذَانِ الْقِسْمَانِ، وَالثَّالِثُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ وَلَا حَاجَةٍ إلَى الشُّرْبِ، وَقَدْ أَتَاهُمْ مِنْ الْغَيْثِ مَا إنْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهِ كَانُوا دُونَ السَّعَةِ فَلَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَيَسْأَلُونَ اللَّهَ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ. وَالرَّابِعُ اسْتِسْقَاءُ مَنْ كَانَ فِي خِصْبٍ لِمَنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَجَدْبٍ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ حُكْمُهُمَا السُّنِّيَّةُ، وَالثَّالِثُ الْإِبَاحَةُ وَالرَّابِع النَّدْبُ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ تُقَامُ] أَيْ عَيْنًا أَيْ تَتَأَكَّدُ أَنْ تُصَلَّى، وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ [قَوْلُهُ: خِلَافًا لَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ. أَشَارَ بِقَوْلِهِ سُنَّةٌ تُقَامُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ لَا تُصَلَّى فَلِذَا أَكَّدَ قَوْلَهُ: سُنَّةٌ بِقَوْلِهِ تُقَامُ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّنَنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا نُقِلَ عَنْهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً فَهِيَ بِدْعَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ: وَرُبَّمَا نُقِلَ إلَخْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِدْعَةِ أَنَّهَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ، وَعَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُحَرَّمِ، أَوْ أَنَّ الْمُغَايِرَةَ بِاعْتِبَارِ الْعِنْوَانِ [قَوْلُهُ: فَاسْتَسْقَى إلَخْ] طَلَبَ السُّقْيَا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُخَالِفُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ التَّحْوِيلِ وَبَعْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ الْأَحْرَارُ] اعْلَمْ أَنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ فِي حَقِّ الذَّكَرِ الْبَالِغِ وَلَوْ عَبْدًا فَأَرَادَ بِالْمُسْلِمِينَ الذُّكُورَ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُتَجَالَّاتُ

الْقُرَبَ وَالْعَبِيدُ. وَقِسْمٌ لَا يَخْرُجُ لَهَا بِاتِّفَاقٍ وَهُنَّ الشَّابَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ الْمُفْتِنَاتِ وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ، وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ وَهُمْ الصِّبْيَانُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الْقُرَبَ وَالْبَهَائِمُ وَالشَّابَّاتُ غَيْرُ الْمُفَتَّنَاتِ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَالْمَشْهُورُ فِيمَا عَدَا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَخْرُجُونَ وَأَمَّا هُمْ فَالْمَشْهُورُ يَخْرُجُونَ مَعَ النَّاسِ لَا قَبْلَهُمْ وَلَا بَعْدَهُمْ وَيَكُونُونَ عَلَى جَانِبٍ وَلَا يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ النَّاسَ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَتَحَالُلِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ لِأَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ الْمَصَائِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] وَسَبَبُ مَنْعِ الْإِجَابَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ» . وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَيَخْرُجُونَ فِي ثِيَابِ الذِّلَّةِ وَالْمِهْنَةِ وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: (كَمَا يَخْرُجُ لِلْعِيدَيْنِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِيهِ لِلْمُصَلَّى، أَيْ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ إلَى الْمُصَلَّى كَمَا يَخْرُجُ لِلْعِيدَيْنِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: (ضَحْوَةً) بَيَانًا لِوَقْتِ الْخُرُوجِ لَا تَكْرَارًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي كَمَا ظَرْفَيْهِ أَيْ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ فِي وَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ يَخْرُجْنَ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَالصِّبْيَانُ الَّذِينَ إلَخْ] يَخْرُجُونَ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَالْعَبِيدُ، الْعَبْدُ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَحُكْمُهُ كَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَهُنَّ الشَّابَّاتُ إلَخْ] خُرُوجُهُنَّ حَرَامٌ [قَوْلُهُ: وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ] ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ حُرْمَةُ خُرُوجِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالْمَنْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْكَرَاهَةَ الشَّدِيدَةَ وَالْمُرَادُ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ عَلَيْهِنَّ وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ. عَبْدُ الْحَقِّ: بَلْ هِيَ الْآنَ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ انْتَهَى. وَذَكَرَ عَجَّ أَنَّ الْجُنُبَ يَخْرُجُ إنْ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ أَوْ وَجَدَ مَا يَغْتَسِلُ بِهِ [قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُونَ] الظَّاهِرُ أَنَّ خُرُوجَهُمْ مَكْرُوهٌ بَلْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِكَرَاهَةِ خُرُوجِ الشَّابَّةِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا هُمْ فَالْمَشْهُورُ يَخْرُجُونَ إلَخْ] مُلَخَّصُهُ أَنَّ فِي خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ خُرُوجِهِمْ قَوْلَيْنِ، فَأَبَاحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ خُرُوجَهُمْ وَكَرِهَ مَنَعَهُمْ، وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ أَوْ يَخْرُجُونَ مَعَ النَّاسِ وَيَكُونُونَ أَيْ نَدْبًا عَلَى جَانِبِ خَشْيَةِ أَنْ يَسْبِق قَدْرٌ بِسَقْيِهِمْ فَيُفْتَتَنُ بِذَلِكَ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ، فِيهِ خِلَافٌ أَيْضًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ بِانْفِرَادِهِمْ بِيَوْمٍ وَمَنَعَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُهُ: لَا يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ أَيْ يُكْرَهُ، أَرَادَ بِالْيَوْمِ مُطْلَقَ الزَّمَنِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا يَنْفَرِدُونَ بِزَمَنٍ لَكَانَ أَوْضَحَ [قَوْلُهُ: وَرَدُّ الْمَظَالِمِ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ هَلْ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ [قَوْلُهُ: مِنْ بَعْضِ] أَيْ مِنْ ذُنُوبِ بَعْضٍ [قَوْلُهُ: كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ] بَيَّنَهُ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: «الْعَبْدُ الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمَهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسَهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ» . [قَوْلُهُ: وَيَأْمُرُهُمْ] أَيْ نَدْبًا بِالصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ أَيْ لَعَلَّهُمْ إذَا أَطْعَمُوا فُقَرَاءَهُمْ أَطْعَمَهُمْ اللَّهُ فَإِنَّ الْجَمِيعَ فُقَرَاءُ اللَّهِ، وَعَطْفُ الْإِحْسَانِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُرَادِفٌ وَقَوْلُهُ: بِالصَّدَقَةِ أَرَادَ بِهَا التَّصَدُّقَ أَوْ أَنَّ الْعِبَارَةَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِإِعْطَاءِ الصَّدَقَةِ، وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ رَدٌّ عَلَى خَلِيلٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ. تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاجِبٌ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَلَوْ فِي الْمَكْرُوهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ، أَوْ إنَّمَا تَجِبُ فِي طَاعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ خَبَرِ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ انْتَهَى [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. . . إلَخْ] وَلَا يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِالصِّيَامِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ طَرِيقَتِهَا وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُونَ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَالْمِهْنَةِ] أَيْ مَا يُمْتَهَنُ مِنْ الثِّيَابِ، وَعَطْفُهُ عَلَى الْبِذْلَةِ تَفْسِيرٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْمُمْتَهَنِ لِحَالِ لَابِسِهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ] أَيْ الْمَهَابَةُ وَالرَّزَانَةُ. وَقَوْلُهُ: وَالْوَقَارُ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ رَاجِعْهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْعَزِيَّةَ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُكَبِّرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَيْهَا] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَبِي بَشِيرٍ مِنْ التَّكْبِيرِ [قَوْلُهُ: يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ إلَى الْمُصَلَّى إلَخْ] أَيْ فِي غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ

خُرُوجِهِ لِلْعِيدَيْنِ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ؟ ضَحْوَةً تَكْرَارًا، وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَيْسَ التَّشْبِيهُ فِي الصِّفَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ لِلْعِيدَيْنِ يَكُونُ بِإِظْهَارِ الزِّينَةِ وَهُنَا بِإِظْهَارِ الذِّلَّةِ وَالْفَاقَةِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ؟ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُصَلَّى ضَحْوَةً، زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَى الزَّوَالِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَفْسِيرٌ فَإِذَا وَصَلَ الْإِمَامُ إلَى الْمُصَلَّى (فَ) إنَّهُ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ) فَقَطْ بِاتِّفَاقِ مَنْ يَقُولُ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَيَجُوزُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَيَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) اتِّفَاقًا لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (بِ) أُمِّ الْقُرْآنِ وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَنَحْوِهَا، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ (وَبِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) وَنَحْوِهَا وَرُوِيَ قَوْلُهُ: (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ) بِالْيَاءِ وَالصَّوَابُ سَجْدَتَانِ بِالْأَلِفِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الَّذِي قَبْلَهُ. وَوَجْهُ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ التَّقْدِيرُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ (وَ) رُوِيَ قَوْلُهُ: (رَكْعَةً وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْصُوبٍ، وَبِالرَّفْعِ وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَيَعْنِي بِالرَّكْعَةِ الرُّكُوعَ وَإِنَّمَا أَكَّدَهَا بِوَاحِدَةٍ احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْ سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (يَتَشَهَّدُ وَ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ (يُسَلِّمُ ثُمَّ) إذَا سَلَّمَ فَإِنَّهُ (يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ) وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَرْقَى مِنْبَرًا عَلَى الْمَشْهُورِ (فَ) إذَا اسْتَقْبَلَهُمْ (يَجْلِسُ جَلْسَةً) بِفَتْحِ الْجِيمِ لِيَأْخُذَ النَّاسُ أَمْكِنَتَهُمْ (فَإِذَا اطْمَأَنَّ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنْ شِئْت قُلْت: اطْمِينَ بِالْيَاءِ ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ (النَّاسُ) فِي أَمَاكِنِهِمْ (قَامَ) الْإِمَامُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ) عَرَبِيٍّ (أَوْ عَصًا فَخَطَبَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَنَّ الْخُطْبَةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَسْتَسْقُونَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَا يُصَلُّونَ فِيهِ الْعِيدَ ذَكَرَ ذَلِكَ عَجَّ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُصَلَّى ضَحْوَةً إلَخْ] مُقَابِلُهُ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ، وَقَدْ فُعِلَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَلَيْسَ مِنْ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ، وَحَمَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَلَى الدُّعَاءِ لَا الْبُرُوزِ لِلْمُصَلَّى. [قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَفْسِيرٌ] أَيْ لِلْمَذْهَبِ وَيَكُونُ تَكَلَّمَ عَلَى الِابْتِدَاءِ فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ الْخِلَافُ كَمَا ذَكَرَ تت ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا إلَخْ] وَنَقَلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ كَرَاهَةَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لِفَرْقِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ يُقْصَدُ فِيهِ التَّقَرُّبُ، وَتَكْفِيرُ السَّيِّئَاتِ بِالْحَسَنَاتِ لِتُرْفَعَ الْعُقُوبَاتُ بِخِلَافِ الْعِيدِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا] فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا زَادَ تت وَنَحْوِهَا بَعْدَ سَبِّحْ وَبَعْدَ الشَّمْسِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا خَصَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِهِمَا فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْصُوبٍ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ سَجْدَتَيْنِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِتَقْدِيرٍ وَيَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ وَرَكْعَةً وَاحِدَةً أَيْ رُكُوعًا وَاحِدًا [قَوْلُهُ: وَبِالرَّفْعِ وَلَا وَجْهَ لَهُ] لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: لَا يَرْقَى مِنْبَرًا] فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يُمْنَعُ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ يُطْلَبُ فِيهَا التَّوَاضُعُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَأَجَازَ فِي الْمَجْمُوعَةِ أَنْ يَخْطُبَ وَيَسْتَسْقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ] لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَرَّةُ [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْسٍ] أَيْ أَوْ سَيْفٍ لِئَلَّا يَعْبَثَ بِلِحْيَتِهِ أَوْ لِيَعْتَمِدَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالْقَوْسُ قِيلَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ [قَوْلُهُ: عَرَبِيٍّ] أَيْ لِأَنَّهَا طَوِيلَةٌ لَا الرُّومِيَّةُ لِأَنَّهَا قَصِيرَةٌ [قَوْلُهُ: فَخَطَبَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ] أَيْ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ لَكِنْ يُبَدَّلُ التَّكْبِيرَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ بِكَشْفِ مَا نَزَلَ بِهِمْ، وَلَا يَدْعُو لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ [قَوْلُهُ: أَنَّ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ فَنَاسَبَ التَّقَدُّمُ، وَهُنَا لَوْ أَسْقَطَهَا لَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: لَا يَجْلِسُ فِي أَوَّلِهَا.

مِثْلُ خُطْبَةِ الْعِيدِ يَجْلِسُ فِيهَا أَوَّلًا وَثَانِيًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ وَلَا حَدَّ لِلْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَكِنَّهُ وَسَطٌ. (فَإِذَا فَرَغَ) الْإِمَامُ مِنْ خُطْبَتِهِ (اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) مَكَانَهُ (فَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) تَفَاؤُلًا بِتَحْوِيلِ حَالِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، وَصِفَةُ التَّحْوِيلِ أَنْ (يَجْعَلَ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْسَرِ عَلَى) مَنْكِبِهِ (الْأَيْمَنِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَلَا يَقْلِبُ ذَلِكَ) أَيْ رِدَاءَهُ. سَنَدٌ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلْبُهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهُ. وَفِي الْجَلَّابِ: إنْ شَاءَ قَلَبَهُ فَجَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَأَسْفَلَهُ مِمَّا يَلِي الظَّهْرَ يَعْنِي بَاطِنَهُ، وَأَعْلَاهُ مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَتَأَتَّى جَعْلُ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ ظَاهِرِهِ بَاطِنًا وَبَاطِنِهِ ظَاهِرًا. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ عِنْدَ ابْنِ الْجَلَّابِ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ مِنْهُ وَأَعْلَاهُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ اهـ. (وَلْيَفْعَلْ النَّاسُ) الذُّكُورُ دُونَ النِّسَاءِ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْإِمَامِ إنْ كَانُوا أَصْحَابَ أَرْدِيَةٍ فَيُحَوِّلُونَ أَرْدِيَتَهُمْ وَيَدْعُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُحَوِّلُ (وَهُوَ قَائِمٌ وَهُمْ قُعُودٌ ثُمَّ يَدْعُو كَذَلِكَ) وَهُوَ قَائِمٌ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ جَهْرًا، وَيَكُونُ الدُّعَاءَ بَيْنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ. وَمِنْ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَك وَبَهْمَتَك وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ» وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَرُبَ مِنْهُ أَنْ يُؤَمِّنَ عَلَى دُعَائِهِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ وَبُطُونَهُمَا إلَى الْأَرْضِ، وَرُوِيَ إلَى السَّمَاءِ (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مِنْ الدُّعَاءِ (يَنْصَرِفُ وَيَنْصَرِفُونَ) عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَلَا يُكَبِّرُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَلَا فِي) صَلَاةِ (الْخُسُوفِ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَ) تَكْبِيرَةِ (الْخَفْضِ وَالرَّفْعِ) وَكَذَا لَا يُكَبِّرُ فِي الْخُطْبَةِ، وَلَكِنْ يُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الِاسْتِغْفَارِ بَدَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: اسْتِمَاعُ الْخُطْبَتَيْنِ مَنْدُوبٌ. وَكُلُّ مَنْ حَضَرَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي، وَبَعْدُ الْخُطْبَةِ يُخَيَّرُ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ نَافِلَةً كَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لِلْجُلُوسِ إلَخْ] كَذَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى قَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ هُوَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ بَدَلَ قَوْلِ الْأَقْفَهْسِيِّ [قَوْلُهُ: اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ. وَفِي الطِّرَازِ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ فِي الْعَمَلِ فَيَأْخُذُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيُمِرُّهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَمَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَهِيَ الْأَوْلَى لِاسْتِمْتَاعِهَا بِوَضْعِ الرِّدَاءِ عَلَيْهِمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُقَلِّبُ ذَلِكَ] أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الْحَاشِيَةَ السُّفْلَى مِنْ فَوْقٍ وَالْعُلْيَا مِنْ أَسْفَلَ لَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّشَاؤُمِ نَظَرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر: 74] [قَوْلُهُ: ابْنُ بَشِيرٍ] عَلَى هَذَا لَيْسَ كَلَامُ الْجَلَّابِ مُخَالِفًا لِلْمُصَنَّفِ. [قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَسْفَلُ إلَخْ] الْأَوْلَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ] وَهُوَ الْمُقْعَدَةُ [قَوْلُهُ: دُونَ النِّسَاءِ] فَإِنَّهُنَّ لَا يُحَوِّلْنَ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانُوا أَصْحَابَ أَرِدْيَةً] وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بَرَانِسُ فَلَا تُحَوَّلُ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَدْعُو] صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الدُّعَاءَ مِنْهُمْ وَمِنْهُ بَعْدَ التَّحْوِيلِ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: يَنْصَرِفُ وَيَنْصَرِفُونَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: يَرْجِعُ مُسْتَقْبِلًا لِلنَّاسِ يُذَكِّرُهُمْ وَيَدْعُو وَيُؤْمِنُونَ عَلَى دُعَائِهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَخْ] أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَصَلَاةِ الْعِيدِ. [قَوْلُهُ: وَتَكْبِيرَةِ الْخَفْضِ] أَيْ الَّتِي لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَوْلُهُ: وَالرَّفْعِ أَيْ الرَّفْعِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ مَعْرُودَةٌ بِتَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ، فَالْعِبَارَةُ جَامِعَةٌ لِجَمِيعِ التَّكْبِيرِ. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يُكْثِرُ فِيهَا مِنْ الِاسْتِغْفَارِ] فَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ بَدَلَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيُكَبِّرُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] إلَى قَوْلِهِ {وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 12] .

التَّكْبِيرِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ (وَ) كَذَا (لَا أَذَانَ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ اسْتِسْقَاءٍ (وَلَا إقَامَةَ) وَفِي غَالِبِ النُّسَخِ فِيهِمَا أَيْ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ الْخُسُوفِ وَفِيهَا تَكْرَارٌ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْخُسُوفِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ هُنَاكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَاتِمَةٌ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَلَبِ السَّقْي، وَأَمَّا طَلَبُ الِاسْتِصْحَاءِ إذَا كَثُرَ عَلَى النَّاسِ الشِّتَاءُ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا خُطْبَةٍ. قُلْت: وَمِمَّا وَرَدَ فِي رَفْعِ الْمَطَرِ إذَا كَثُرَ وَخِيفَ مِنْهُ الضَّرَرُ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالْآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» وَقَوْلُهُ: الْآكَامِ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَيُرْوَى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ جَمْعُ أَكَمَةٍ وَهِيَ الرَّابِيَةُ أَيْ التَّلُّ، وَالْآجَامُ مِثْلُهَا. وَالْأَجَمَةُ مِنْ الْقَصَبِ وَالظِّرَابُ بِكَسْرِ الظَّاءِ وَهِيَ الرَّوَابِي الْكِبَارُ وَالْجِبَالُ الصِّغَارُ جَمْعُ ظَرِبٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ.

[باب ما يفعل بالمحتضر والميت]

[19 - بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ] وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى ثُلُثِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ ابْتَدَأَ الثُّلُثَ الثَّانِيَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ: (بَابُ مَا) أَيْ فِي بَيَانِ الَّذِي (يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا، الْمَيِّتِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَجَلَهُ حَضَرَهُ (وَفِي) بَيَانِ كَيْفِيَّةِ (غُسْلِ الْمَيِّتِ) وَمِنْ يُغَسِّلُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) فِي بَيَانِ (كَفَنِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ وَفِي بَيَانِ عَدَدِهَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) فِي بَيَانِ (تَحْنِيطِهِ) وَتَحْنِيطِ كَفَنِهِ (وَ) فِي بَيَانِ (حَمْلِهِ) تَرْجَمَ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَابِ (وَ) بَيَانِ كَيْفِيَّةِ (دَفْنِهِ) أَيْ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ، وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْمُحْتَضَرِ) حِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ وَيُوقَنُ بِمَوْتِهِ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ إشْخَاصُ بَصَرِهِ وَلَا يُسْتَقْبَلُ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَصَدْرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (إغْمَاضُهُ) أَيْ تَغْلِيقُ عَيْنَيْهِ (إذَا قَضَى) نَحْبَهُ، وَيُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ وَالْمَيِّت] بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمُحْتَضَرِ قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْعِلَّةُ تُنَاسِبُ الْفَتْحَ وَفِي زَرُّوقٍ وَالْمِصْبَاحِ: بِفَتْحِ الضَّادِ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْكَسْرَ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَضَرَتْهُ لِنَزْعِ رُوحِهِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، أَوْ لِحُضُورِ أَهْلِهِ غَالِبًا أَوْ لِحُضُورِ الشَّيَاطِينِ لِفِتْنَتِهِ، وَهَذِهِ الْعِلَلُ كُلُّهَا تُنَاسِبُ الْفَتْحَ الَّذِي هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ أَيْ قَامَ بِهِ الِاحْتِضَارُ، وَالْأَجَلُ لَهُ إطْلَاقَانِ مُدَّةُ الْحَيَاةِ وَانْتِهَاءُ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَلَا تَقْدِيرَ، وَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ أَيْ آخِرِ أَجَلِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي غُسْلِ الْمَيِّتِ] لَمْ يُضْمَرْ بِأَنْ يَقُولَ: وَفِي غُسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُغَسَّلُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يُسَمَّى مُحْتَضَرًا إلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْغُسْلِ كَكَوْنِهِ يَعْصِرُ بَطْنَهُ رِفْقًا. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا] فَأَمَّا الْفَتْحُ فَهُوَ مَا يُكَفَّنُ بِهِ الْمَيِّتُ، وَأَمَّا السُّكُونُ فَهُوَ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي الْكَفَنِ أَيْ فِي بَيَانِ حُكْمِ كَفَنِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ وَفِي بَيَانِ عَدَدِ إلَخْ] رَاجِعٌ لِلْفَتْحِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوَ ذَلِكَ] أَيْ مِمَّا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَمَّصَ وَيُعَمَّمَ [قَوْلُهُ: وَتَحْنِيطِهِ إلَخْ] أَيْ حُكْمُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: تَرْجَمَ لَهُ إلَخْ] وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ الْحَمْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَكَتَ عَنْهُ لِأَجْلِ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحَمْلَ. [قَوْلُهُ: كَيْفِيَّةِ دَفْنِهِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَصْدَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الدَّفْنِ لَا نَفْسُ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يُوضَعُ فِيهِ] أَيْ مِنْ اللَّبِنِ. [قَوْلُهُ: حِينَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ] أَيْ حِينَ يَغْلِبُ الْحَالُ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ عَلَامَاتُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ وَيُوقِنُ بِمَوْتِهِ عَطْفٌ لَازِمٌ. [قَوْلُهُ: إشْخَاصُ بَصَرِهِ] يُقَالُ: أَشْخَصَ الرَّجُلُ بَصَرَهُ إذَا فَتْحَ عَيْنَيْهِ لَا يَطُوفُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَقْبَلُ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُجْعَلَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ] كَمَا يُنْدَبُ أَنْ يُوضَعَ فِي قَبْرِهِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى ظَهْرِهِ، وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ وَضْعِهِ لِلْغُسْلِ فَيُسْتَحَبُّ وَضْعُهُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ لِيَبْدَأَ بِغُسْلِ الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ. [قَوْلُهُ: وَصَدْرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ] عِبَارَةُ تت وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَهِيَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: إذَا قَضَى نَحْبَهُ] النَّحْبُ النَّذْرُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ حَيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ فَكَأَنَّهُ نَذْرٌ لَازِمٌ، فَإِذَا مَاتَ قَضَى نَحْبَهُ أَيْ نَذْرَهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَاتَ، بِالْفِعْلِ جَزْمًا وَلِذَلِكَ أَتَى بِإِذَا

وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا شَدُّ لَحْيَيْهِ بِعِصَابَةٍ وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ وَوَضْعُ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَتَلْقِينُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُلَقَّنُ) أَيْ بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ (عِنْدَ الْمَوْتِ) وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ لَا لِلشَّيْطَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَهُ مُتْ عَلَى دِينِ كَذَا فَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ. (وَإِنْ قُدِرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ) جَسَدُهُ (طَاهِرًا وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفِيدَةِ لِلتَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إغْمَاضُهُ لِأَنَّ فَتْحَ عَيْنَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ يُقَبِّحُ مَنْظَرَهُ كَمَا أَنَّ فَتْحَ فِيهِ كَذَلِكَ، وَمِنْ عَلَامَاتِ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ انْقِطَاعُ نَفْسِهِ وَانْفِرَاجُ شَفَتَيْهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَوَلَّى إغْمَاضَهُ مَنْ هُوَ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُغَمَّضْ وَانْفَتَحَتْ عَيْنَاهُ وَشَفَتَاهُ يَجْذِبُ شَخْصٌ عَضُدَيْهِ وَآخَرُ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَنْغَلِقَانِ. [قَوْلُهُ: وَيُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ] أَيْ نَدْبًا أَيْ عِنْدَ الْإِغْمَاضِ. [قَوْلُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ] أَيْ إغْمَاضِي كَائِنٌ بِسْمِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَى سُنَّةِ أَيْ وَكَائِنٌ ذَلِكَ الْإِغْمَاضُ عَلَى سُنَّةِ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ إلَخْ خَتَمَ بِالسَّلَامِ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَحَمْدِ اللَّهَ لِتَعُودَ بَرَكَتُهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ. وَقَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ الَّتِي مِنْهَا التَّوْفِيقُ لَمَا ذَكَرَ أَوْ عَلَى مَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: لِمِثْلِ هَذَا] أَيْ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَوْتُ أَيْ لِهَذَا وَمِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ] أَيْ هَذَا الْمَوْتُ مَوْعُودٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا إلَخْ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَشُدَّ لَحْيَيْهِ الْأَسْفَلَ مَعَ الْأَعْلَى بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ وَيَرْبِطَهَا مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَسْتَرْخِيَ لَحْيَاهُ فَيُفْتَحَ فَاهُ فَيَدْخُلَ الْهَوَامُّ مِنْهُ إلَى جَوْفِهِ وَيَقْبُحَ بِذَلِكَ مَنْظَرُهُ، وَهَذَا أَيْضًا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: وَتَلْيِينِ مَفَاصِلِهِ بِرِفْقٍ] أَيْ عَقِبَ مَوْتِهِ، فَيَرُدُّ ذِرَاعَيْهِ لِعَضُدَيْهِ وَيَمُدُّهُمَا وَيَرُدُّ فَخِذَيْهِ إلَى بَطْنِهِ وَيَمُدُّهُمَا وَرَجُلَيْهِ إلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يَمُدُّهُمَا. [قَوْلُهُ: وَرَفْعُهُ عَنْ الْأَرْضِ] أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى سَرِيرٍ خَوْفَ إسْرَاعِ الْهَوَامِّ فَيَحْصُلَ لَهُ التَّشْوِيهُ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِحِفْظِهِ قَبْلَ الدَّفْنِ. [قَوْلُهُ: وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ] أَيْ وَنُدِبَ سَتْرُهُ بِثَوْبٍ زِيَادَةً عَلَى مَا فِيهِ حَالَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا قَوِيًّا مِنْ الْمَرَضِ فَيَظُنُّ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَوَضْعُ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ] أَيْ مِنْ حَدِيدٍ خَوْفَ انْتِفَاخِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَطِينٌ مَبْلُولٌ كَذَا قَالَهُ بَهْرَامُ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ هَذَا التَّرْتِيبِ قَالَ الشَّيْخُ حُلُولُو: نَدْبُ تَلْيِينِ الْمَفَاصِلِ وَالرَّفْعِ عَنْ الْأَرْضِ وَوَضْعِ الثَّقِيلِ لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَتَلْقِينُهُ] أَيْ الْمُحْتَضَرُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فَهِيَ لِمَنْ مَاتَ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْجَالِسُ عِنْدَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ. [قَوْلُهُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ] أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ أَشْهَدُ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جَمْعِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَعَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؛ إذْ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا إلَّا بِهِمَا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَوْتِ] أَيْ عِنْدَ ظُهُورِ عَلَامَاتِ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ التَّلْقِينُ لِيَتَذَكَّرَهُمَا بِقَلْبِهِ فَيَمُوتَ وَهُوَ مُعْتَرِفٌ بِهِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَهَا مَرَّةً ثُمَّ تَكَلَّمَ أُعِيدَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ تُرِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ أَهْلُ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ غَيْرَ وَارِثِهِ مِمَّنْ لَهُ بِهِ مَحَبَّةٌ وَإِلَّا فَأَرْأَفُهُمْ بِهِ. [قَوْلُهُ: لِلشَّيْطَانِ] لِأَنَّهُ يَأْتِيهِ عَلَى صِفَةِ مَنْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَإِذَا قَالَهَا الْمُحْتَضَرُ لَا تُعَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ فَتُعَادُ عَلَيْهِ لِتَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ. تَنْبِيهٌ: يُلَقَّنُ الْمُحْتَضَرُ وَلَوْ صَبِيًّا مُمَيَّزًا وَمُلَازَمَةُ الْمُحْتَضَرِ تَجِبُ عَلَى أَقَارِبِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَصْحَابِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى جِيرَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَعَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ قُدِرَ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى أَنْ يُنْدَبُ لَنَا أَنْ نَجْعَلَ مَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ وَجَسَدَهُ طَاهِرًا إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: جَسَدُهُ] لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ كَانَ مَحْذُوفٌ بَلْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْمَهَا ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ وَالتَّقْدِيرُ أَيْ جَسَدُهُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى حَسَنٌ] أَيْ وَلَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى

عَلَيْهِ) وَاَلَّذِي تَحْتَهُ (طَاهِرًا فَهُوَ أَحْسَنُ) بِمَعْنَى حَسَنٍ. (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ) بِإِغْمَاضٍ وَلَا غَيْرِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُمَا أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُمَا فَهُمَا كَغَيْرِهِمَا (وَأَرْخَصَ) بِمَعْنَى اسْتَحَبَّ (بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ (فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَ رَأْسِهِ) أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (بِسُورَةِ يس) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُقْرَأُ عِنْدَ رَأْسِهِ سُورَةُ يس إلَّا هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْهِ» (وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ (عِنْدَ مَالِكٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَمْرًا مَعْمُولًا بِهِ) وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ، وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ تَلْقِينُهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِالْبُكَاءِ) بِمَعْنَى يُبَاحُ الْبُكَاءُ (بِالدُّمُوعِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاحْتِضَارِ (وَحَسُنَ التَّعَزِّي) وَهُوَ تَقْوِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ بِمَا نَزَلَ بِهَا (وَالتَّصَبُّرُ) وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَى بَابِهِ لَاقْتَضَى أَنَّ فِي عَدَمِ ذَلِكَ حَسَنًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعِلَّةُ ذَلِكَ حُضُورُ الْمَلَائِكَةِ عِنْدَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِيغَةُ أَفْعَلَ عَلَى بَابِهَا اسْتِعْمَالًا لِلُّغَةِ الشَّاذَّةِ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ: الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ] ع: حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْمُزَاوَلَةِ فِي الْإِغْمَاضِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةُ أَيْدِيهِمَا، أَيْ وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ حَلِّ شَارِحِنَا، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَرْكِ حُضُورِهِمَا لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ حَائِضٌ أَوْ جُنُبٌ» وَكَذَا يُنْدَبُ أَنْ لَا يَقْرَبَهُ كَلْبٌ وَلَا تِمْثَالٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ تَكْرَهُهُ الْمَلَائِكَةُ، وَكَذَا الصَّبِيُّ الَّذِي يَعُبُّ وَلَا يَكُفُّ إذَا نُهِيَ، وَنُدِبَ أَنْ يُحْضَرَ عِنْدَهُ طِيبٌ وَحُضُورُ أَحْسَنِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَلْقًا وَخُلُقًا وَدِينًا، وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ لَهُ وَلِلْحَاضِرَيْنِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ، وَنُدِبَ إبْعَادُ النِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَإِظْهَارُ التَّجَلُّدِ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ الرِّجَالِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى اسْتَحَبَّ] وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِهِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ] وَكَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْكِتَابِ، فَالْمُرَادُ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَجُلَيْهِ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ رَأْسِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: سُورَةِ يَس] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ سُورَةٍ هِيَ يَس. [قَوْلُهُ: يَقْرَأُ عِنْدَ رَأْسِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكُونُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَس» فَهَذَا هُوَ الصَّارِفُ عَنْ ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ قُلْت: يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. [قَوْلُهُ: إلَّا هَوَّنَ اللَّهُ إلَخْ] وَرَدَ «إذَا قُرِئَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ يَس بَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا لِمَلَكِ الْمَوْتِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى عَبْدِي الْمَوْتَ» . [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ] جَوَابُ عَمَّا يُقَالُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولُ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ أَيْ الْقِرَاءَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ] لَا خُصُوصِيَّةَ لَيْسَ بِالذِّكْرِ بَلْ يُكْرَهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ يَس أَوْ غَيْرِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ عَلَى قَبْرِهِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا فُعِلَتْ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ، وَأَمَّا لَوْ فُعِلَتْ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّكِ بِهَا وَرَجَاءَ بَرَكَتِهَا فَلَا أَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالْقُرْآنِ، فَلَا يَنْبَغِي كَرَاهَةُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ حِينَ الِاحْتِضَارِ] أَيْ وَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: أَيْ حِينَ يُحْتَضَرُ الْمَيِّتُ؛ لِأَنَّ التَّنْوِينَ عِوَضٌ مِنْ الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] تَفْسِيرٌ لَحُسْنِ التَّعَزِّي لَا التَّعَزِّي لِأَنَّ التَّعَزِّيَ التَّقَوِّي مُطْلَقًا وَالتَّقَوِّي عَلَى الصَّبْرِ بِمَا نَزَلَ بِالنَّفْسِ أَيْ عَلَى مَا نَزَلَ بِالنَّفْسِ حُسْنٌ فَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ وَحُسْنُ التَّعَزِّي مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ التَّعَزِّي الْحَسَنُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ حَذْفُ حَسَنٍ، وَيَقُولُ: وَالتَّعَزِّي وَالتَّصَبُّرُ أَجْمَلُ أَيْ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ عَلَى عِبَارَتِهِ يَلْغُو الْأَخْبَارَ بِقَوْلِهِ: أَجْمَلُ أَيْ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّصَبُّرُ] عَطْفٌ عَلَى حُسْنِ التَّعَزِّي مِنْ عِطْفِ الْمُغَايِرِ، لِأَنَّ التَّعَزِّيَ هُوَ تَقْوِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ بِحَيْثُ يُرَسَّخُ فِيهَا، وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ

حَمْلُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ (أَجْمَلُ) أَيْ أَحْسَنُ (لِمَنْ اسْتَطَاعَ) وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ عَلَى أَجْرِ الْمَصَائِبِ. (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ الصُّرَاخِ وَالنِّيَاحَةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَصَلَقَ وَخَرَقَ» . الْحَالِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَحْلِقُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالصَّالِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَالْخَارِقَةُ هِيَ: الَّتِي تَخْرِقُ ثَوْبَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQرُسُوخٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَحْسَنُ] أَيْ مِنْ الْبُكَاءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْبُكَاءَ لَا حُسْنَ فِيهِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَعَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ] أَيْ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي شَأْنِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] إلَى آخِرَ الْآيَةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَقَالَ مَعَهُ اللَّهُمَّ أَجُرْنِي عَلَى مُصِيبَتِي وَأَعْقِبْنِي خَيْرًا مِنْهَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ» ، فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ التَّصَبُّرُ أَحْسَنَ فَلِمَ أَهْمَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ بِالنِّسْبَةِ لَنَا لِلتَّشْرِيعِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ إمَّا وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: وَيُنْهَى بِمَعْنَى وَنُهِيَ] لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ سَبَقَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ حَيْثُ اسْتَلْزَمَ أَمْرًا مُحَرَّمًا، وَهُوَ مَا كَانَ بِصَوْتٍ مَعَ قَوْلٍ قَبِيحٍ عِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِصَوْتٍ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ قَبِيحٍ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: الصُّرَاخِ] فِي الصِّحَاحِ بِضَبْطٍ بِالْقَلَمِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ الصُّرَاخُ بِضَمِّ الصَّادُ. [قَوْلُهُ: وَالنِّيَاحَةِ] فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ وَالنِّيَاحَةُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعُ، وَقَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْكَلَامِ الْمُسْجَعِ اهـ. فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنَّا] أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَلَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ بِهَدْيِنَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُرُوجَهُ عَنْ الدِّينِ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا يُكَفَّرُ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ نَعَمْ يُكَفِّرُ بِاعْتِقَادِ حِلِّهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَرِهَ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِهِ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ. [قَوْلُهُ: ضَرَبَ الْخُدُودَ] إنَّمَا خَصَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُدُودَ بِالضَّرْبِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْهُنَّ، وَلِأَنَّ أَشْرَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ الْوَجْهُ فَلَا يَجُوزُ امْتِهَانُهُ وَإِهَانَتُهُ بِضَرْبٍ وَلَا تَشْوِيهٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُشِينُهُ، وَإِنَّمَا جَمَعَ الْخُدُودَ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا خَدَّانِ لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ بَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] وَقَالَتْ الْعَرَبُ: شَابَتْ مَفَارِقُهُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَفْرِقٌ وَاحِدٌ، فَكَأَنَّهُمْ سَمَّوْا كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَفْرِقِ مَفْرِقًا وَهَذَا إذَا جَعَلْنَا مِنْ وَاقِعَةً عَلَى مُفْرَدٍ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا وَاقِعَةً عَلَى جَمْعٍ فَلَا إشْكَالَ، وَالْمُرَادُ بِشَقِّ الْجُيُوبِ إفْسَادُهَا بِالْقَطْعِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ السُّخْطِ وَعَدَمِ إظْهَارِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ مَعَ مَا فِي شَقِّ الْجُيُوبِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَالَ فِي الْعُدَّةِ: وَإِنَّمَا جَمَعَ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا خَدَّانِ فَقَطْ بِاعْتِبَارِ إرَادَةِ الْجَمْعِ، وَالْجُيُوبُ بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جَيْبٍ مِنْ جَابَهُ أَيْ قَطَعَهُ وَهُوَ مَا يُفْتَحُ مِنْ الثَّوْبِ لِتَدْخُلَ فِيهِ الرَّأْسُ لِلُبْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ] هِيَ زَمَانُ الْفَتْرَةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ قَالَ فِي بُكَائِهِ مَا يَقُولُونَ مِمَّا لَا يَجُوزُ شَرْعًا كَوَا جَمَلَاهُ وَاعْضُدَاهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: بِالنَّدْبِ إلَخْ] هُوَ تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. وَقَوْلُهُ: وَالنِّيَاحَةُ تَقَدَّمَ أَنَّهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ، فَيُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُرْتَكَبَ التَّجْرِيدُ فَيُرَادَ مِنْهَا النَّدْبُ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ مُرَادِفًا، وَحَاصِلُ الْمَعْنَى هِيَ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِتَعْدَادِ الْمَحَاسِنِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ مَوْتِهَا] أَيْ قَبْلَ حُضُورِ مَوْتِهَا، وَقَيَّدَ بِهِ إيذَانًا بِأَنَّ شَرْطَ التَّوْبَةِ أَنْ يَتُوبَ وَهُوَ يُؤَمِّلُ الْبَقَاءَ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ ذَكَرَهُ التُّورْبَشْتِيُّ. [قَوْلُهُ: تُقَامُ] أَيْ تُحْشَرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُقَامُ حَقِيقَةً عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَيْنَ أَهْلِ النَّارِ، وَالْمَوْقِفُ جَزَاءٌ عَلَى قِيَامِهَا فِي النِّيَاحَةِ. [قَوْلُهُ: «سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ» ] السِّرْبَالُ الْقَمِيصُ وَالْقَطِرَانُ دُهْنٌ يُدْهَنُ بِهِ الْجَمَلُ الْأَجْرَبُ فَيُحْرَقُ

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْتَضَرِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَيِّتِ وَبَدَأَ بِالْغُسْلِ فَقَالَ: (وَلَيْسَ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ) غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ عِنْدَ مَالِكٍ (حَدٌّ وَلَكِنْ) الْمَقْصُودُ عِنْدَهُ أَنَّهُ (يُنْقَى) اعْتَرَضَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ التَّحْدِيدِ بِقَوْلِهِ: (وَيُغَسَّلُ وِتْرًا) فَإِنَّهُ تَحْدِيدٌ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ التَّحْدِيدَ هُوَ الَّذِي لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، وَالْوِتْرُ يَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا، وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ وَحُكْمُ الْغُسْلِ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلِ السُّنِّيَّةُ وَشُهِرَ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ، وَصُحِّحَ وَهُوَ تَعَبُّدٌ لَا لِلنَّظَافَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاج التَّعَبُّدُ إلَى نِيَّةٍ إذَا كَانَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ (بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُغْسَلُ. ك: مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُذَابَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بَدَنُ الْمَيِّتِ وَيُدَلَّكُ بِهِ. ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ كَذَلِكَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحِدَّتِهِ وَحَرَارَتِهِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى لَذْعِ الْقَطِرَانِ وَحُرْقَتِهِ وَإِسْرَاعِ النَّارِ فِي الْجِلْدِ وَقَوْلُهُ: وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ أَيْ يَصِيرُ جِلْدُهَا أَجْرَبَ حَتَّى يَكُونَ جِلْدُهَا كَقَمِيصٍ عَلَى أَعْضَائِهَا وَالدِّرْعُ قَمِيصُ النِّسَاءِ اهـ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ] الْأَوْلَى، أَنْ يَقُولَ: الَّذِي يَطْلُبُ تَغْسِيلَهُ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ احْتِرَازًا عَنْ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ وَعَنْ الْكَافِرِ وَعَنْ السَّقَطِ وَعَمَّنْ وُجِدَ دُون جَلَّهُ، فَلَا يُغَسَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بَلْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُ الْكَافِرِ وَشَهِيدِ الْحَرْبِ وَيُكْرَهُ تَغْسِيلُ السِّقْطِ وَمَنْ وُجِدَ دُونَ جُلِّهِ، فَمَنْ وُجِدَ نِصْفُهُ وَرَأْسُهُ بَلْ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَدُونَ ثُلُثَيْهِ وَلَوْ مَعَ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْإِسْلَامُ الْحُكْمِيُّ فَيَدْخُلُ الْمَحْكُومُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ أَوْ أَبِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْغُسْلِ شُرُوطًا اسْتِقْرَارُ الْحَيَاةِ، وَعَدَمُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَرْبِ، وَوُجُودُ كُلِّ الْمَيِّتِ أَوْ جُلِّهِ، وَإِسْلَامُهُ وَلَوْ حُكْمًا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ، وَمُقَابِلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثٌ. [قَوْلُهُ: أُجِيبَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُثْبَتَ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ، فَالْمَنْفِيُّ الْحَدُّ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُثْبَتُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ؛ لِأَنَّ الْوِتْرَ يَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ وَالْخَمْسَةَ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ ثَلَاثًا] فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَوْ سَبْعًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِالسَّابِعَةِ فَلَا إيتَارَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْإِنْقَاءَ. [قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْغُسْلِ وِتْرًا مُسْتَحَبٌّ] أَيْ مَا عَدَا الْوَاحِدَ فَلَا نَدْبَ فِيهِ فَالِاثْنَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَاجِبٌ] أَيْ كِفَائِيٌّ وَصُحِّحَ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: لِلنَّظَافَةِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مُسْلِمٌ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَمَعَهُ ذِمِّيٌّ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُغَسِّلُهُ الذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ يُغَسِّلُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ ذَلِكَ الْغُسْلِ كَالْغُسْلِ فِي الْجَنَابَةِ، الْإِجْزَاءُ كَالْإِجْزَاءِ وَالْكَمَالُ كَالْكَمَالِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ مِنْ التَّكْرَارِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْمَاءُ وَجَبَ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِمَاءٍ وَسِدْرٍ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَهُوَ وَرَقُ النَّبْقُ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَاءِ فَيَدْخُلُ مَاءُ زَمْزَمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِهِ مَيِّتٌ، وَطَلَبُ السِّدْرِ تَفَاؤُلًا بِسِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. [قَوْلُهُ: بِالْمَاءِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُذَابُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْحَنُ وَيُذَابُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يُعْرَكُ بِهِ بَدَنُ الْمَيِّتِ أَيْ يُدَلَّكُ بِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيُدَلَّكُ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ يُعْرَكُ بِهِ بَعْدَ خَضْخَضَتِهِ حَتَّى تَبْدُوَ لَهُ رَغْوَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مَسْحُوقًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَابَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَنْ يُخْلَطَ السِّدْرُ الْمَسْحُوقُ بِالْمَاءِ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ غَسْلَةٍ] أَيْ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ أَيْ وَلَا بُدَّ عَلَى كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ مِنْ صَبِّ مَاءِ الْقَرَاحِ بَعْدَ دَلْكِهِ، وَهَذَا إذَا خَلَطَ السِّدْرَ بِالْمَاءِ كَمَا هُوَ نَصُّ كَلَامِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَخْلِطْهُ بِهِ بِأَنْ وَضَعَهُ عَلَى جَسَدِهِ وَعَرَّكَ بِهِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَاءُ. ثَانِيًا لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ عَلَى الْجَسَدِ بَعْدَ وَضْعِ السِّدْرِ عَلَيْهِ، وَحُكْمُهُ لَا يُضِيفُهُ وَإِنَّمَا يُضِيفُهُ خَلْطُهُ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ إذَا وَرَدَ عَلَى الْعُضْوِ طَهُورًا لَا يَضُرُّ إضَافَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ إلَى أَنَّهُ يُغَسَّلُ أَوَّلًا بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ ثُمَّ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ،

(وَيُجْعَلُ فِي) الْغَسْلَةِ (الْأَخِيرَةِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (كَافُورٌ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَامَ غَيْرُهُ مِنْ الطِّيبِ مَقَامَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ السِّدْرِ عِنْدَ عَدَمِهِ الْأُشْنَانُ وَنَحْوُهُ. (وَإِذَا جُرِّدَ) الْمَيِّتُ لِلْغُسْلِ (تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ) وَهِيَ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ وُجُوبًا وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا أَوْ سَيِّدًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «لَا تُبِنْ فَخِذَك وَلَا تَنْظُرُ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ» . (وَلَا تُقَلَّمُ أَظْفَارُهُ وَلَا يُحْلَقُ شَعْرُهُ) فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ وَضُمَّ مَعَهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِذَا لَا يَضُرّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُضَافًا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ حَصَلَ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ وَجُعِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ أَيْ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ لَا فِي ابْتِدَائِهِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ الْغُسْلَ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ يُبْدَأُ بِهِ ثُمَّ يُضَافُ السِّدْرُ إلَى الْمَاءِ فِيمَا بَعْدُ، وَنَسَبَ عَجَّ تِلْكَ الطَّرِيقَةَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالَ: الْغَسْلَةُ الْأُولَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالْمَاءِ الْقِرَاحِ لِلتَّطْهِيرِ، وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِلتَّنْظِيفِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ لِلتَّطَيُّبِ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يَخْلِطَ الْكَافُورَ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلَ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ لِلتَّطْيِيبِ. [قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنْ يُخْلَطَ الْكَافُورُ بِالْمَاءِ وَيَغْسِلُ بِهِ بَدَنَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ غَسْلَةِ السِّدْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَإِنَّهَا صَبُّ الْمَاءِ بَعْدَ عَرَكَ الْمَيِّتِ بِهِ مَخْلُوطًا بِمَاءٍ قَلِيلٍ، أَيْ أَوْ بِلَا مَاءٍ أَصْلًا عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُضِيفُ الْمَاءَ. [قَوْلُهُ: لَأَمْرِهِ إلَخْ] وَلِأَنَّهُ يَشُدُّ جَسَدَ الْمَيِّتِ وَيَحْفَظُهُ عَنْ مُسَارَعَةِ الْفِنَاءِ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَا تَبْلَى أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ قَالَهُ عَجَّ. [قَوْلُهُ: الْأُشْنَانُ] بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ مُعَرَّبٌ، وَيُقَالُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: الْحَرَضُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْغَاسُولُ. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ كَالنَّطْرُونَ كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فَهِمَ اللَّخْمِيُّ الْمُدَوَّنَةَ] أَيْ أَنَّ اللَّخْمِيَّ فَهِمَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَوْرَةِ السَّوْأَتَانِ خَاصَّةً، وَضَعَّفَ ذَلِكَ الْفَهْمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ قَائِلًا، لَيْسَ فِي الْكِتَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ قِيلَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْ الَّذِي هُوَ السَّتْرُ مِنْ السُّرَّةِ لِلرُّكْبَةِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ قَالَ بِأَثَرِهِ: وَيُفْضِي بِيَدَيْهِ إلَى فَرْجِهِ إنْ احْتَاجَ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ نَفْسَ الْفَرْجِ لَمَا ذَكَرَ الْفَرْجَ بِلَفْظٍ آخَرَ اهـ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ مَرَّ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ عَنْ أَشْهَبَ سَتْرَ وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ أَيْ خَشْيَةَ تَغَيُّرِهِمَا فَيُسَاءُ بِهِ الظَّنُّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ قَدْ عَرَفْتهَا وَعَرَفْت الرَّاجِحَ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: وُجُوبًا] أَيْ سَتْرٌ وُجُوبًا. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْغَاسِلُ زَوْجًا إلَخْ. ذَهَبَ ابْنُ نَاجِي إلَى أَنَّ سَتْرَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ مُسْتَحَبٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُعِينٌ فَيَجِبُ اتِّفَاقًا، أَيْ وَمِثْلُ الزَّوْجِ السَّيِّدُ وَكَلَامُ الشَّيْخِ يُفِيدُ تَرْجِيحَ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لَا تُبِنْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ، أَيْ لَا تُظْهِرُهُ لِغَيْرِك. وَقَوْلُهُ: وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ فَإِنَّهُ عَامٌّ حَتَّى فِي الزَّوْجَيْنِ هَذَا مُرَادُهُ. وَأَقُولُ فِي ذَلِكَ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ فَخِذُ حَيٍّ مَخْصُوصٌ قَطْعًا بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، فَلَا مَانِعَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى سُنَنِهِ قَوْلُهُ وَلَا مَيِّتٍ بِأَنْ تَقُولَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ. الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يُفِيدُ سَتْرَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَا خُصُوصَ السَّوْأَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تُبِنْ بِتَاءٍ وَبَاءٍ وَنُونٍ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا تَبْرُزُ بِرَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَةٍ، وَنَسَبَهُ لِابْنِ مَاجَهْ فَرَاجَعْت ابْنَ مَاجَهْ فَوَجَدْته كَمَا قَالَ أَيْ بِرَاءٍ وَزَايٍ، وَاَلَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فُعِلَ بِهِ هَذَا كُرِهَ] وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ فِعْلُ ذَلِكَ إذَا قَصَدَ بِهِ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لَا إنْ قَصْدَ بِهِ الْإِرَاحَةَ بِإِزَالَةِ نَحْوِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ تُنْكَأَ قُرُوحُهُ، وَإِنَّمَا يُزَالُ مَا سَالَ عَنْهَا بِخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَوْ كَانَ السَّائِلُ دُونَ دِرْهَمٍ قَصْدًا لِلنَّظَافَةِ. [قَوْلُهُ: وَضَمَّ مَعَهُ] أَيْ وُجُوبًا. وَقِيلَ نَدْبًا، وَعِبَارَةُ تت هُنَا أَفْيَدُ وَنَصُّهَا.

كَفَنِهِ (وَيُعْصَرُ بَطْنُهُ) اسْتِحْبَابًا قَبْلَ الْغُسْلِ إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ (عَصْرًا رَفِيقًا) مَخَافَةَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ يُلَطِّخُ الْكَفَنَ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ (وَإِنْ وُضِّئَ) الْمَيِّتُ (وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَ) هُوَ (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبُّ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ فِي الْغَيْرِ، وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ مَعَ تَكْرَارِ الْغُسْلِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: فَحَسَنٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ حِينَ أَمَرَ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -» ، وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أُزِيلَتْ وَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ وَلَا وُضُوءُهُ بَلْ يُغْسَلُ الْمَحَلُّ فَقَطْ. (وَيُقْلَبُ الْمَيِّتُ لِجَنْبِهِ فِي الْغُسْلِ أَحْسَنُ) مِنْ جُلُوسِهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ وَأَرْفَقُ بِالْمَيِّتِ، فَيُجْعَلُ أَوَّلًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيُغْسَلُ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ تَفَاؤُلًا، ثُمَّ يُجْعَلُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيُغْسَلُ شِقُّهُ الْأَيْسَرُ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ وَأَنْقَى أَجْزَأَهُ (وَإِنْ أُجْلِسَ) فِي الْغُسْلِ (فَذَلِكَ) الْجُلُوسُ (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدُ الْوَهَّابِ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي مُنَاوَلَةِ غُسْلِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِغُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ) وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إذَا مَاتَ الْحَيُّ مُقَدَّمٌ فِي غُسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ عِنْدَ مُنَازَعَةِ الْأَوْلِيَاءِ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْغُسْلِ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتِمَّةٌ: لَوْ قُصَّتْ أَظْفَارُهُ أَوْ حُلِقَ شَعْرُهُ أَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهِ جُعِلَ مَعَهُ فِي أَكْفَانِهِ. [قَوْلُهُ: إنْ اُحْتِيجَ إلَخْ] بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّ شَيْئًا مُتَهَيِّئٌ لِلْخُرُوجِ. وَقَوْلُهُ: مَخَافَةَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ وُضِّئَ الْمَيِّتُ] أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ الْأَذَى كَالْجُنُبِ وَيَتَعَهَّدُ أَسْنَانَهُ وَأَنْفَهُ بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ لِإِزَالَةِ مَا يُكْرَهُ رِيحُهُ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ قَالَ تت: اُخْتُلِفَ هَلْ هُوَ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ يُغْسَلُ كُلُّ عُضْوٍ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّةً؟ قَوْلَانِ، وَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ وَدَفَعَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ: وُضُوءَ الصَّلَاةِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ مَرَّةً مَرَّةً فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُهُ إلَخْ] الرَّاجِحُ عَدَمُ التَّكْرَارِ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارِ] ذَكَرَ تت أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَالْوُجُوبِ، فَأَشَارَ لِلْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ فَحَسَنٌ وَلِدَفْعِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَيْضًا الْوَاجِبُ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: حِينَ أَمَرَ بِغُسْلِ ابْنَتِهِ] أَيْ أُمِّ كُلْثُومٍ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ بَعْدَ الْغُسْلِ أُزِيلَتْ] وَكَذَا لَوْ وَطِئَ شَخْصٌ مَيِّتَةً بَعْدَ غُسْلِهَا وَوُضُوئِهَا لَا تُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِمَا وَيُلْغَزُ بِذَلِكَ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ وُطِئَتْ بَعْدَ وُضُوئِهَا وَغُسْلِهَا وَلَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَيُقَلِّبُ إلَخْ] أَيْ وَيُحَوَّلُ الْمَيِّتُ لِجَنْبِهِ، وَقَوْلُهُ: أَحْسَنُ خَبَرُ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ أَحْسَنُ أَيْ الْقَلْبُ أَحْسَنُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ أَوَّلًا عَلَى شِقِّهِ] وَلَا يُقَلِّبُهُ عَلَى ظُهْرِهِ وَلَا بَطْنِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَشْوِيهٌ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْلَبُ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَلَا يُجْلَسُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْجَنَابَةِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ الشِّقُّ الْأَيْمَنُ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِلشِّقِّ الْأَيْسَرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ يُكْمِلُ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ ثُمَّ يُكْمِلُ الْأَيْسَرَ فَلْيَفْعَلْ هُنَا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَجْلَسَ] هَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: أَحْسَنُ أَيْ مِنْ إجْلَاسِهِ أَوْ قَلْبِهِ عَلَى ظَهْرِهِ. وَقَوْلُهُ الشَّارِحِ: أَيْ جَائِزٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْغَاسِلُ مِنْ وُقُوفِهِ عَلَى الدِّكَّةِ وَيَجْعَلُ الْمَيِّتَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بَلْ الْمَطْلُوبُ وُقُوفُهُ بِالْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ عَبْدِ الْوَهَّابِ] أَيْ فَعِنْدَهُ الْإِجْلَاسُ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: فِي مُنَاوَلَةِ] أَيْ تَحْصِيلِ غُسْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَخْ] أَيْ فَيُنْدَبُ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَيُّ مُحْرِمًا فَيُنْهَى عَنْ التَّغْسِيلِ كَرَاهَةً، فَإِنْ فَعَلَ أَهْدَى إنْ أَمْدَى، وَالْمُرَادُ الزَّوْجَانِ الصَّحِيحَا النِّكَاحِ وَلَوْ بِفَوَاتِ الْفَاسِدِ، وَيَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ تَزَوَّجَتْ هِيَ غَيْرَهُ أَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ يُوجِبُ خِيَارَهُ. [قَوْلُهُ: مُقَدَّمٌ فِي غُسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ] بَلْ وَعَلَى مَنْ أَوْصَاهُ الْمَيِّتُ أَيْضًا وَيُنْدَبُ لَهُ الْأَخْذُ بِحَقِّهِ كَمَا قَرَّرْنَا. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْغُسْلِ] أَيْ بِخِلَافِ الْمَوْلَى مِنْهَا وَالْمَظَاهِرُ مِنْهَا

غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ. وَفِي حُكْمِ الزَّوْجَيْنِ السَّيِّدُ وَأَمَتُهُ وَمُدَبَّرَتُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ اتِّفَاقًا. (وَالْمَرْأَةُ) الْمُسْلِمَةُ (تَمُوتُ فِي السَّفَرِ لَا نِسَاءَ) مُسْلِمَاتٍ (مَعَهَا وَلَا مَحْرَمَ) لَهَا (مِنْ الرِّجَالِ) وَإِنَّمَا مَعَهَا رِجَالٌ أَجَانِبُ (فَلْيُيَمِّمْ رَجُلٌ) مِنْهُمْ (وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) إلَى الْكُوعَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَيُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بِخِلَافِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِفَقَطْ احْتِرَازًا مِمَّا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ فَعَوْرَةٌ لَا يَجُوزُ كَشْفُهُ وَلَا لَمْسُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَقَيَّدْنَا النِّسَاءَ بِالْمُسْلِمَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: تُعَلَّمُ الْغُسْلَ وَيُحْتَاطُ لَهَا بِالتَّيَمُّمِ (وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا يَمَّمَ النِّسَاءُ) الْأَجَانِبُ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ لِمِرْفَقَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ) مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ (يُغَسِّلُهُ وَلَا امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ فَإِنْ كَانَتْ) مَعَ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَهُمَا التَّغْسِيلُ بِالْقَضَاءِ، وَالْكِتَابِيَّةُ تُغَسِّلُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ بِحَضْرَةِ مُسْلِمٍ عَارِفٍ بِصِفَةِ الْغُسْلِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ عَلِيًّا إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَسَّلَتْهُ زَوْجَتُهُ] وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَلَوْ مَاتَ الزَّوْجُ وَتَعَدَّدَتْ زَوْجَاتُهُ وَطَلَبْنَ التَّغْسِيلَ اسْتَظْهَرَ عَجَّ الْقُرْعَةَ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ اشْتَرَاك الْجَمِيعِ فِي الْمُبَاشَرَةِ لَاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْقُرْعَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْفِعْلِ قُلْت: وَبِقَوْلِ الشَّيْخِ أَقُولُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَتُهُ] أَيْ الْقَنِّ أَفَادَ اقْتِصَارُ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ وَالْمُبَعَّضَةَ وَالْمُعْتَقَةَ لِأَجَلٍ وَالْمُشْتَرَكَةَ لَا يَحِلُّ لِلْحَيِّ مِنْهُنَّ تَغْسِيلُهُ لِحُرْمَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَكَذَا أَمَةُ الْمَدْيُونِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، لَكِنْ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي مَنْعِهَا مِنْ تَغْسِيلِهِ نَظَرٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إبَاحَةَ الْوَطْءِ لِلْمَوْتِ بِرِقٍّ تُبِيحُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَيُقَدَّمُ السَّيِّدُ عَلَى أَوْلِيَاءِ أَمَتِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَلَا يُقْضَى لَهَا بِالتَّقَدُّمِ عَلَى أَوْلِيَاءِ سَيِّدِهَا، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا يُقْضَى لِهَؤُلَاءِ أَيْ الْأَمَةِ وَالْمُدَبِّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُ يُقْضَى لَهُ كَمَا قُرِّرَ. [قَوْلُهُ: تَمُوتُ فِي السَّفَرِ] أَيْ وَفِي الْحَضَرِ، وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ وَإِنَّمَا خَصَّ السَّفَرَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ شَأْنَهُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ. [قَوْلُهُ: لَا نِسَاءَ مَعَهَا] لَا أَقَارِبَ وَلَا أُجَانِبَ [قَوْلُهُ: مُسْلِمَاتٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَيَّدْنَا النِّسَاءَ بِالْمُسْلِمَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا كِتَابِيَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تُغَسِّلُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: تُعَلَّمُ الْغُسْلَ وَتُغَسِّلُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَحْرَمَ لَهَا مِنْ الرِّجَالِ] لَا بِالنَّسَبِ وَلَا بِالرَّضَاعِ وَلَا بِالصِّهْرِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُيَمَّمْ رَجُلٌ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ الزَّرْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا جَازَ مَسُّهُمَا لِلْأَجْنَبِيِّ دُون الْحَيَاةِ لِنُدُورِ اللَّذَّةِ هُنَا، وَلَا يُتَمِّمُ الْمُصَلِّي إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ تَيَمُّمِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ دُخُولِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا لَمْسُهُ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لَمْسُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الزَّرْقَانِيِّ وَلِمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا إلَخْ] فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ حَيْثُ جَازَ لَهَا أَنْ تُيَمِّمَ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ إلَى مِرْفَقَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُيَمِّمَهَا إلَى مِرْفَقَيْهَا مَعَ شِدَّةِ مَيْلِ النِّسَاءِ إلَى الرَّجُلِ؟ فَالْجَوَابُ شِدَّةُ حَيَاءِ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَيَضْعُفُ مَيْلُ النِّسَاءِ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ أَوْ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْأَطْرَافَ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلًّا إذَا يَمَّمَ غَيْرَهُ يَمَسُّ وَجْهَهُ. وَتَوَقَّفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ: وَانْظُرْ كَيْفَ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَمْسَ وَجْهِ الْآخَرِ بِيَدِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَقَدْ عَلِمْت الْجَوَابَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ. [قَوْلُهُ: وَيَدَيْهِ لِمِرْفَقَيْهِ] قَالَ عَجَّ: وَيَنْبَغِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْمِرْفَقَيْنِ وَاجِبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ، وَرَدَّ عَلَى ابْنِ فُجْلَةَ فِي جَعْلِهِ مِنْ الْكُوعَيْنِ إلَيْهِمَا سُنَّةً. تَنْبِيهٌ: إذَا يَمَّمَتْهُ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ رَجُلٌ يُغَسِّلُهُ لَمْ يَعُدْ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا، فَإِنْ كَانَ قَبْلُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أُعِيدَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ بَلْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْإِعَادَةِ إذَا جَاءَ الرَّجُلُ حَالَ صَلَاتِهِ.

(امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ) نَسَبًا أَوْ صِهْرًا (غَسَّلَتْهُ وَسَتَرَتْ عَوْرَتَهُ) فَقَطْ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَصُحِّحَ لِأَنَّ جَسَدَهُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ، وَالتَّأْوِيلُ الْآخَرُ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ (وَإِنْ كَانَ مَعَ) الْمَرْأَةِ (الْمَيِّتَةِ) فِي السَّفَرِ (ذُو مُحْرِمٍ) مِنْ مَحَارِمِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ (غَسَّلَهَا) مَحْرَمُهَا عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهَا) وَصُورَةُ غُسْلِهَا أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ صَبًّا وَلَا يُبَاشِرُ جَسَدهَا بِيَدِهِ مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ وَلَا مِنْ تَحْتِهِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْغُسْلِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى التَّكْفِينِ فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الْمَيِّتُ) غَيْرُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ (فِي وِتْرٍ) (ثَلَاثَةَ أَثْوَابٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: امْرَأَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ] وَلَوْ كَافِرَةً [قَوْلُهُ: نَسَبًا أَوْ صِهْرًا] أَيْ أَوْ رَضَاعًا، وَيُقَدَّمُ مُحَرَّمُ النَّسَبِ عَلَى مُحَرَّمِ الرِّضَاعِ، ثُمَّ مُحَرَّمُ الرَّضَاعِ عَلَى مُحَرَّمِ الصُّهَارَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ. [قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ] أَيْ فَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ جَسَدَهُ عَلَيْهِنَّ غَيْرُ مَمْنُوعٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الرُّؤْيَةُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرَى مِنْ مُحْرِمِهَا مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْمَسِّ لَا فِي الرُّؤْيَةِ فَقَطْ، وَالْجَوَابُ كَمَا تَقَدَّمَ فَجُوِّزَ هُنَا لِلضَّرُورَةِ فَقِيسَ الْمَسُّ عَلَى النَّظَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالتَّأْوِيلُ الْآخَرُ تَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَعَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُلْصِقَ الثَّوْبَ بِالْجَسَدِ وَتُحَرِّكَهُ فَتُغَسِّلَ مَا بِهِ اهـ. وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهَا فَقَطْ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا عَدَاهَا مِنْ جَسَدِهِ. [قَوْلُهُ: ذُو مَحْرَمٍ] وَلَوْ لِصِهْرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: إنَّ الْمَحْرَمَ لَا يُغَسِّلُهَا بَلْ يُيَمِّمُهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ يَسْتُرُ] بِأَنْ يَجْعَلَ الْغَاسِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ مِنْ السَّقْفِ إلَى أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَصِيرُ نَظَرُهُ إلَى الثَّوْبِ لَا إلَى جَسَدِهَا، وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ تَحْتِ ذَلِكَ الثَّوْبِ وَيَجْعَلُ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ غَلِيظَةً، فَكَمَا لَا يَنْظُرُ إلَى جَسَدِهَا لَا يُبَاشِرُ بِيَدِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِ الْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ بَعْدَ تَعْلِيقِ الثَّوْبِ الْمَانِعِ مِنْ نَظَرِهِ إلَى جَسَدِهَا وَبَعْدَ خِرْقَةٍ غَلِيظَةٍ عَلَى يَدِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا غَسَّلَتْ مَحْرَمَهَا الذَّكَرَ مُبَاشَرَةُ جَمِيعِ جَسَدِهِ حَيْثُ لَفَّتْ عَلَى يَدِهَا خِرْقَةً كَثِيفَةً، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ خِرْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِتْرُهُ وَهُوَ الْعَوْرَةُ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْجَسَدِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَحُكْمُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الَّذِي لَا مَحْرَمَ لَهُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا سَيِّدًا ذَكَرًا أَنَّهُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ تَرْجِعُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا تُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوَّلًا وُصُولٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُيَمَّمُ وَيُدْفَنُ، وَيَنْبَغِي إذَا يَمَّمَهُ رَجُلٌ أَنْ يُيَمِّمَهُ إلَى كُوعَيْهِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ يَمَّمَتْهُ امْرَأَةٌ يَمَّمَتْهُ إلَى مِرْفَقَيْهِ بِالْأَوْلَى مِنْ الرَّجُلِ، وَلَوْ يَمَّمَتْ النِّسَاءُ الْمَيِّتَ الذَّكَرَ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ غَسَّلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ قَالَهُ عَجَّ. وَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ غُسِّلَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَ الطِّخِّيخِيُّ. قَالَ الشَّيْخُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ مَعَ النِّسْيَانِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ خَلِيلٍ لَا فِيهَا إلَّا نَاسِيَهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ أَمْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ طَلَبِ الْإِسْرَاعِ بِدَفْنِ الْأَمْوَاتِ، وَلَوْ تَعَذَّرَ التَّغْسِيلُ وَالتَّيَمُّمُ لِدَفْنٍ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ عَجَّ. وَصُلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَ اللَّقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ] أَيْ وَلَا يُبَاشِرُ بِيَدِهِ لَا مِنْ فَوْقِ الثَّوْبِ، وَلَا مِنْ تَحْتِهِ أَمَّا مِنْ تَحْتِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مِنْ فَوْقِهِ فَيُفْرَضُ فِي ثَوْبٍ مَرْفُوعٍ يُمْكِنُ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ فَوْقِهِ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ] قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ لِلرَّجُلِ وَخِمَارٌ لِلْمَرْأَةِ، وَالْأُزْرَةُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ، وَلَا فَضْلَ فِي الْوَاحِدَةِ فَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْوِتْرِ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاحِدِ، وَإِنْ كَانَ شَفْعًا لِزِيَادَةِ السَّتْرِ، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لِمَا فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ السَّتْرِ وَالْوِتْرِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ خَمْسَةٌ وَهِيَ الْقَمِيصُ وَالْعِمَامَةُ لِلرَّجُلِ أَوْ الْخِمَارُ لِلْمَرْأَةِ، وَالْأُزْرَةُ وَلِفَافَتَانِ يُدْرِجُ فِيهِمَا الْمَيِّتَ، وَتُجْعَلُ الْعُلْيَا أَوْسَعَ مِنْ السُّفْلَى، وَالْخَمْسَةُ أَفْضَلُ مِنْ السِّتَّةِ وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ عَلَى خَمْسَةٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ سَبْعَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَيُزَادُ لَهُمَا عَلَى الْخَمْسَةِ

خَمْسَةَ أَوْ سَبْعَةَ) تَكَلَّمَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَسَكَتَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ جَسَدِهِ، وَقِيلَ: الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَشُهِرَ وَظَاهِرُ مَا قَالَ الشَّيْخُ: أَنَّ اسْتِحْبَابَ السَّبْعَةِ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِ التَّسْبِيعِ بِالْمَرْأَةِ وَكَرَاهَةِ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ لِلرِّجَالِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْكَفَنِ الْوِتْرُ خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّم أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى مَا يُلَفُّ فِيهِ دَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ فَقَالَ: (وَمَا جُعِلَ لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ (مِنْ وَزْرَةٍ) صَوَابُهُ مِنْ أُزْرَةٍ (وَقَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ فَذَلِكَ مَحْسُوبٌ فِي عَدَدِ الْأَثْوَابِ الْوِتْرِ) الْمُسْتَحَبِّ. ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ «كُفِّنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» بِفَتْحِ السِّينِ يَعْنِي: بَيْضَاءَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَحَلْت الشَّيْءَ إذَا قَصَّرْته نِسْبَةً إلَى سَحُولٍ قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ (أُدْرِجَ) أَيْ لُفَّ (فِيهَا إدْرَاجًا) أَيْ لَفًّا (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَمَّصَ الْمَيِّتُ وَيُعَمَّمَ) اسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا فِيمَا فَعَلَهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ، فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَالْعِمَامَةُ إنَّمَا تُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ وَيُتْرَكُ مِنْهَا قَدْرُ الذِّرَاعِ ذُؤَابَةٌ تُطْرَحُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُعَمَّمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّابِقَةِ لِفَافَتَانِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَوْبٌ سَاتِرٌ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجِبُ سَتْرُ جَمِيعِ جَسَدِهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَأَمَّا التَّكْفِينُ وَهُوَ إدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي الْكَفَنِ فَوَاجِبٌ اتِّفَاقًا كَمُوَارَاتِهِ فِي التُّرَابِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْوَاجِبُ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ مِنْ أُزْرَةٍ] بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَا يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَهِيَ تَحْتَ الْقَمِيصِ أَوْ سِرْوَالٌ بَدَلَهَا وَهُوَ أَسْتَرُ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الثَّلَاثِ مَحْسُوبٌ إلَخْ. قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْخِرَقَ وَالْعَصَائِبَ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى الْوَسَطِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُحْسَبُ شَيْءٌ مِنْهَا لَا مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: الْمُسْتَحَبُّ] أَيْ التَّكْفِينُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ كُفِّنَ إلَخْ] الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَّ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ» اهـ. وَقَوْلُهُ: يَمَانِيَةٌ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى الْيُمْنِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ كُرْسُفٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ أَيْ قُطْنٌ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَثَوْبُ الْقُطْنِ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهِنَّ أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَثْوَابِ قَمِيصٌ إلَخْ. أَيْ لَيْسَ مَوْجُودًا أَصْلًا بَلْ هِيَ الثَّلَاثَةُ فَقَطْ. كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ إمَامُنَا: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَثْوَابِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ خَمْسَةً. وَقَوْلُهُ: بِيضٌ جَمْعُ أَبْيَضُ وَزْنُهُ فُعُلٌ بِضَمِّ الْفَاءِ كَأَحْمَر وَحُمْرٌ، أُبْدِلَتْ الضَّمَّةُ كَسْرَةً لِتَسْلَمَ الْيَاءُ مِنْ قَلْبِهَا وَاوًا لِوُقُوعِهَا بَعْدِ ضَمَّةٍ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي كُفِّنَّ فِيهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَزْرَةُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ يُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ مَنْسُوبٌ إلَى السَّحُولِ وَهُوَ الْقِصَارُ؛ لِأَنَّهُ يَسْحَلُهَا أَيْ يَغْسِلُهَا أَوْ إلَى سُحُولٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْيُمْنِ، وَالضَّمُّ جَمْعُ سَحْلٍ وَهُوَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْفَتْحَ بِوَجْهَيْهِ إذَا انْتَقَشَ فِي ذِهْنِك هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ سَحَلْت الشَّيْءَ أَيْ قَصَّرْته يُنَاسِبُ الْفَتْحَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْلَى فِيهِ. فَقَوْلُهُ: بَعْدَ نِسْبَةٍ إلَخْ لَا يُلَائِمُهُ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْوَجْهِ الثَّانِي فِيهِ. وَقَوْلُهُ: بِيضًا لَا يُنَاسِبُ إلَّا الضَّمَّ فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَقٌ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا وَأَيْضًا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ سَحُولِيَّةٌ تَأْكِيدٌ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ بِيضٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِفَتْحِ السِّينِ نِسْبَةً إمَّا إلَى السَّحُولِ الَّذِي هُوَ الْقِصَارُ أَوْ إلَى سُحُولٌ الَّتِي هِيَ قَرْيَةٌ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقِصَرَ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْبَيَاضُ عُرْفًا وَيَكُونُ تَفْسِيرًا بِلَازِمِ نِسْبَتِهَا إلَى الْقِصَارِ، وَأَنَّ شَأْنَ تِلْكَ الثِّيَابِ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الْبَيَاضُ. [قَوْلُهُ: أُدْرِجَ فِيهِ إدْرَاجًا] وَصِفَةُ الْإِدْرَاجِ أَنْ يُبْسَطَ الْوَافِيَةُ أَوَّلًا وَيُجْعَلَ عَلَيْهَا الْحَنُوطُ، ثُمَّ تُجْعَلُ الَّتِي تَلِيهَا فِي الْقَصْرِ عَلَيْهَا، وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا الْحَنُوطُ ثُمَّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ عَلَيْهَا بَعْدَمَا يُجَفَّفُ بِخِرْقَةٍ، وَيُلْبَسُ الْوَزْرَةُ وَالْقَمِيصُ. [قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ هُنَا فِيمَا فَعَلَهُ إلَخْ] بِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَوَّلًا أَنَّهُمَا مَحْسُوبَانِ فِي الْعَدِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُكْمَ. وَأَفَادَ الْحُكْمَ هُنَا بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ] أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَمِيصِ

وَإِنَّمَا يُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهَا خِمَارٌ يُتْرَكُ مِنْهُ ذُؤَابَةٌ تُطْرَحُ عَلَى وَجْهِهَا، وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْأَبْيَضُ وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ وَنَحْوُهُ إذَا أَمْكَن غَيْرُهُ، وَالْكَفَنُ وَالْحَنُوطُ وَمَؤُونَةُ الدَّفْنِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهَنِ وَالْوَصِيَّةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَنُوطِ فَقَالَ: (وَيَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ يُحَنَّطَ) الْمَيِّتُ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ مُعْتَدَّةً، وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُحْرِمٍ وَمُعْتَدَّةٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَشَّفَ جَسَدُهُ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ قَبْلَ أَنْ يُحَنَّطَ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ تُجَمَّرَ ثِيَابُهُ وِتْرًا. ثُمَّ بَيَّنَ مَوْضِعَ الْحَنُوطِ فَقَالَ: (وَيُجْعَلُ الْحَنُوطُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ (بَيْنَ أَكْفَانِهِ وَفِي جَسَدِهِ وَمَوَاضِعِ السُّجُودِ مِنْهُ) الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ شَيْءٌ مِنْ الْحَنُوطِ فَوْقَ الْأَثْوَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ سَرَفٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّعْمِيمِ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَبٌّ لَا أَنَّهُمَا مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ. وَأَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَامَةِ خَلِيلٍ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ عَذْبَةٌ فِي الْعِمَامَةِ وَلَا يَخْتَصُّ اسْتِحْبَابُ الْعَذْبَةِ بِالْمَيِّتِ؛ إذْ الْحَيُّ كَذَلِكَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: صَارَتْ الْعَذْبَةُ الْيَوْمَ شِعَارَ قَوْمٍ يُسَمَّوْنَ الصُّوفِيَّةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهَا الْآنَ إلَّا مَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا قَالَ الْخَرَشِيُّ: وَهَلْ يُخَيَّطُ الْقَمِيصُ وَيُجْعَلُ لَهُ أَكْمَامٌ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ السُّنَّةِ اهـ. [قَوْلُهُ: ذُؤَابَةٌ] بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَالْهَمْزِ، وَالْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ كَالْخِمَارِ مُتَّسَعًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ وَجْهَهَا كَمَا يَسْتُرُ رَأْسَهَا وَرَقَبَتَهَا. [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الْكَفَنِ الْأَبْيَضُ] مِنْ الْقُطْنِ أَوْ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْكَتَّانِ؛ لِأَنَّهُ أَسْتُرُ وَكُفِّنَّ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. [قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ] أَيْ نَحْوَ الْمُعَصْفَرِ مِنْ الْأَخْضَرِ وَكُلِّ لَوْنٍ خَالَفَ الْبَيَاضَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ إمْكَانِ الْغَيْرِ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُنَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ طِيبٌ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا كَانَ فِي صَبْغِهِ طِيبٌ كَالْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ نَبْتٌ بِالْيُمْنِ أَصْفَرُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. [قَوْلُهُ: وَمَئُونَةُ الدَّفْنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهِ كَغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَحَمْلِهِ وَإِقْبَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: يُقَدَّمُ إلَخْ، فَإِذَا أُخْرِجَتْ مُؤَنُ التَّجْهِيزِ تُخْرَجُ الدُّيُونُ كَانَتْ بِضَامِنٍ أَمْ لَا لِأَنَّهَا تَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَضْمُونِ، فَإِذَا أَخْرَجَ الدُّيُونَ تَخْرُجُ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ بَاقِي مَالِهِ، وَمَحَلُّ تَقَدُّمِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ عَلَى الدُّيُونِ مَا لَمْ تَكُنْ بِرَهْنٍ قَدْ حَازَهُ الْمُرْتَهِنُ وَإِلَّا قُدِّمَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ فِي ذَلِكَ الرَّهْنِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ مَحْرَمًا إلَخْ] أَيْ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِمَا بِالْمَوْتِ وَلِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَلِي ذَلِكَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَحْرَمٍ وَمُعْتَدَّةٍ] لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ أَيْ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهُمَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ وَإِلَّا تَوَلَّيَاهُ وَاحْتَالَا فِي عَدَمِ مَسِّهِ. [قَوْلُهُ: تُجَمَّرَ ثِيَابُهُ وِتْرًا] أَيْ تُبَخَّرُ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا بِالْعُودِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عُبُوقُ الرَّائِحَةِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَصْلِ] وَمُقَابِلُهُ الضَّمُّ [قَوْلُهُ: مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ وَكَافُورٍ] أَيْ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَيْ وَلَكِنَّ الْكَافُورَ أَفْضَلُ، فَكَوْنُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مَنْدُوبٌ، وَبِالْكَافُورِ مَنْدُوبٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ طِيبًا يَشُدُّ الْأَعْضَاءَ وَيَمْنَعُ مِنْ سُرْعَةِ التَّغَيُّرِ كَمَا ذَكَرَهُ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ أَكْفَانِهِ] أَيْ فَوْقَ كُلِّ لِفَافَةٍ مَا عَدَا الْعُلْيَا. [قَوْلُهُ: وَفِي جَسَدِهِ] كَعَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَفَمِهِ وَمَخْرَجَيْهِ بِأَنْ يَذَرَ مِنْهُ عَلَى بِقُطْنٍ وَيُصْلِقَ عَلَى عَيْنَيْهِ وَفِي أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَمَخْرَجِهِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ] أَيْ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ قُطْنٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَنُوطَ يُجْعَلُ فِي مَسَاجِدِهِ وَمَرَافِقِهِ مِنْ غَيْرِ قُطْنٍ وَبِقُطْنٍ فِي حَوَاسِّهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ مَنَافِذِهِ، أَيْ مَا عَدَا حَاسَّةَ اللَّمْسِ فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً هُنَا، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَطْفَ وَمَوَاضِعُ السُّجُودِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا مَوَاضِعَ السُّجُودِ، وَإِنْ شِئْت جَعَلْته مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِ. تَنْبِيهٌ: بَعْدَ جَعْلِهِ فِي الْكَفَنِ يُلَفُّ الْكَفَنُ عَلَيْهِ وَيُرْبَطُ الْكَفَنُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقِيلَ: يُخَاطُ وَيُحَلُّ عِنْدَ الدَّفْنِ.

(وَلَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ فِي الْمُعْتَرَكِ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلْ نَائِمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ نَائِمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ جُنُبًا، وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَالْمَشْهُورُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَّا مَا يَكُونُ مِنْ غَمْرَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ (وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ (يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ قَصُرَتْ ثِيَابُهُ عَنْ السِّتْرِ زِيدَ عَلَيْهَا مَا يَسْتُرُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ غُطِّيَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُغَسَّلْ الشَّهِيدُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَمِّلُوهُمْ بِثِيَابِهِمْ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» وَإِنَّمَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا قِيلَ لِمَالِكٍ أَبَلَغَك «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ فَكَبَّرَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً» قَالَ: لَا وَلَا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّهَدَاءِ. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْمُعْتَرَكِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّهَدَاءِ كَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْحَرِيقِ فَإِنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُكَفَّنُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُغَسَّلُ إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ تَغْسِيلُهُ سَوَاءٌ قَاتَلَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ لِلْغَنِيمَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَيْفِ الْقِتَالِ] أَيْ الْمُهَيَّأِ بِالْفِعْلِ لِلْقِتَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ قِتَالٍ بِالْفِعْلِ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِقَوْلِهِ: فِي وَقْتِ قِيَامِ الْقِتَالِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ الْكُفَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْقِتَالُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِسَيْفِ إلَخْ إذْ مِثْلُهُ مَنْ دَاسَتْهُ الْخَيْلُ أَوْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ أَوْ حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ قَتَلَهُ الْعَدُوُّ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ دَرَجَتَهُ انْحَطَّتْ عَنْ الشَّهِيدِ الَّذِي دَخَلَ بِلَادَ الْعَدُوِّ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ جُنُبًا] وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ إذَا كَانَ جُنُبًا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ رُفِعَ مِنْ الْمُعْتَرَكِ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ] أَيْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي أَيْدِي الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ الرَّفْعِ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ إلَخْ] أَيْ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ مَغْمُورًا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أُنْفِذَتْ مُقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَمَتَى رُفِعَ حَيًّا غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ مَنْفُوذَ الْمُقَاتِلِ أَمْ لَا. هَذَا مُحَصَّلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ مَنْفُوذَهَا لَا يُغَسَّلُ رُفِعَ مَغْمُورًا أَمْ لَا وَكَذَا غَيْرُ مَنْفُوذِهَا وَهُوَ مَغْمُورٌ. تَنْبِيهٌ: سُمِّيَ الشَّهِيدُ شَهِيدًا لِأَنَّ رُوحَهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وَدَخَلَهَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ رُوحِ غَيْرِهِ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ صَاحِبِهَا وَهُوَ بَعْدَ الْقِيَامَةِ. [قَوْلُهُ: يُدْفَنُ بِثِيَابِهِ] أَيْ مَصْحُوبَةً بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَهِيَ الطَّرْبُوشُ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَأَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً، وَخَاتَمٌ قَلَّ ثَمَنُ فَصِّهِ إلَّا الدِّرْعَ وَالسِّلَاحَ وَالْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ فِي نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ] مُرُورٌ عَلَى الرَّاجِحِ إذَا اُخْتُلِفَ هَلْ تُمْنَعُ الزِّيَادَةُ أَوْ لَا بَأْسَ بِهَا؟ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الطِّرَازِ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ، وَجَزَمَ اللَّقَانِيُّ بِحُرْمَةِ الزِّيَادَةِ حَيْثُ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: زِيدَ عَلَيْهَا] أَيْ وُجُوبًا كَمَا أَنَّهُ يُكَفَّنُ إذَا وُجِدَ عُرْيَانًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا دُونَ ذَلِكَ] أَيْ دُونَ مَا يَسْتُرُهُ أَيْ أَنَّنَا لَمْ نَجِدْ مَا يَسْتُرُهُ فَنَسْتُرُهُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ، هَذَا إذَا وَجَدْنَا مَا يَسْتُرُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ، فَلَوْ وَجَدْنَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ غَطَّى مَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَى صَدْرِهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: زَمِّلُوهُمْ] أَيْ لُفُّوهُمْ [قَوْلُهُ: «اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ» ] كَانَ فِي الْجَسَدِ أَوْ فِي الثَّوْبِ. وَقَوْلُهُ: وَالرِّيحُ أَيْ وَرَائِحَةُ الدَّمِ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ رِيحِ الْمِسْكِ فِي الرِّضَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُزَالُ ذَلِكَ، [قَوْلُهُ: وَلَا أَنَّهُ] أَيْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ وَهُوَ شَهِيدُ الْآخِرَةِ.

(فَائِدَةٌ) فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ أَفْذَاذًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ» . قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا أَمْرٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الَّذِي يَعْسُرُ تَعَقُّلُ مَعْنَاهُ، وَقِيلَ: لِيُبَاشِرَ كُلُّ وَاحِدٍ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مِنْهُ إلَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: صَلَّى النَّاسُ إلَخْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَادَةُ وَإِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ فَيَدْعُونَ وَيَتَرَحَّمُونَ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ شَهِيدٍ وَالشَّهِيدُ يُغْنِيهِ فَضْلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى قَالَ: وَإِنَّمَا فَارَقَ الشَّهِيدَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّهِيدَ حُذِرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ إزَالَةُ الدَّمِ عَنْهُ وَهُوَ مَطْلُوبٌ بَقَاؤُهُ وَتَطَيُّبُهُ وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ شَهَادَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تُكْرَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ فَافْتَرَقَا انْتَهَى. (وَيُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسَهُ) زَادَ فِي الْكِتَابِ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. (وَ) كَذَلِكَ (يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ) وَجَبَ عَلَيْهِ فِيهِ الْقَتْلُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالْمُحَارِبِ وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (أَوْ) قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي (قَوَدٍ) كَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ (وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ فِي حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ (الْإِمَامُ) وَلَا أَهْلُ الْفَضْلِ، وَهَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنَى بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ» وَإِنَّمَا نُهُوا عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ رَدْعًا لِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ إذَا رَأَوْا الْأَئِمَّةَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ امْتَنَعُوا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةٌ: نَقَلَ نُورُ الدِّينِ الزِّيَادِيُّ أَنَّ السُّؤَالَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ وَلَوْ شَهِيدَ الْحَرْبِ، وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ عَدَمِ سُؤَالِ الشُّهَدَاءِ وَنَحْوِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْفِتْنَةِ فِي الْقَبْرِ خِلَافًا لِلسُّيُوطِيِّ. [قَوْلُهُ: جَلَالُ الدِّينِ] أَيْ السُّيُوطِيّ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ نَاشِئَةً مِنْ الْمُصَلِّي مُنْتَهِيَةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُبَاشِرُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا فَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ، فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ: الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ صَلَاةً حَقِيقَةً لَا مُجَرَّدَ الدُّعَاءِ فَقَطْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الدُّعَاءِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ وَيَتَرَحَّمُونَ أَيْ بِالدُّعَاءِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ لَا بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَوْدُ التَّشْرِيفُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ يَقْبَلُ زِيَادَةَ التَّكَمُّلِ. [قَوْلُهُ: حُذِّرَ مِنْ تَغْسِيلِهِ] أَيْ مُنِعَ مِنْ تَغْسِيلِهِ. وَقَوْلُهُ: إزَالَةُ أَيْ: كَرَاهَةُ إزَالَةِ، وَهُوَ إمَّا فَاعِلُ حُذِّرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَيَكُونُ حُذِّرَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: وَتَطَيُّبُهُ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ لِطِيبِهِ وَهِيَ أَصْوَبُ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ عِنْوَانُ] أَيْ عَلَامَةُ شَهَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْآخِرَةِ مُتَعَلِّقٌ بِعَلَامَةُ. [قَوْلُهُ: كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً] أَيْ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ فِي الْخَطَأِ لَا الْعَمْدِ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ تت، وَظَاهِرُ مَا لِلشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: كَتَارِكِ الصَّلَاةِ] أَيْ كَسَلًا. وَقَوْلُهُ: وَالْمُحَارِبُ أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ أَيْ كَلَائِطٍ وَزَانِ مُحْصَنَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَاعِزٍ] اعْتَرَفَ بِالزِّنَا [قَوْلُهُ: وَعَنَّا بِهِ] أَيْ وَرَضِيَ عَنَّا بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَنْهَ] أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ لَا يُنْتِجُ كَوْنَهُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا نُهُوا] أَيْ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ. تَنْبِيهٌ: مُقْتَضَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ قُتِلَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ فِي حَدٍّ غَيْرِ الْقَتْلِ لَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَلَا مَنْ فِي حُكْمِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِالْمَعَاصِي، وَإِلَّا كُرِهَ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مِنْ الْإِمَامِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ

الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ لَمْ تَدْخُلَا تَحْتَ التَّرْجَمَةِ عَلَى مَا قِيلَ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَا يُتْبَعُ الْمَيِّتُ بِمِجْمَرٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِهَا اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ، فَيُقَالُ: أَجْمَرْت النَّارَ مِجْمَرًا وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ: لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا مِجْمَرًا أَرِجًا ... قَدْ كَسَّرَتْ مِنْ يَلَنْجُوجٍ لَهُ وَقَصَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، فَمُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُتْبَعُ بِمِجْمَرٍ فِيهَا نَارٌ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ: (وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ) لِلرِّجَالِ (أَفْضَلُ) مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا وَإِذَا رَكِبُوا فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا خَلْفَهَا، وَدَلِيلُ هَذَا التَّفْصِيلِ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَقَيَّدْنَا بِالرِّجَالِ احْتِرَازًا مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ. ، ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَلَاتِهِ تَرْكُ الصَّلَاةِ جُمْلَةً عَلَى مَنْ ذَكَرَ، وَإِلَّا وَجَبَتْ صَلَاةُ مَنْ ذَكَرَ لِوُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى كُلِّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ] فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْمِجْمَرَ بِالْكَسْرِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْجَمْرُ وَالْعُودُ نَفْسُهُ، وَكَذَا الْمُجْمَرُ بِالضَّمِّ فِيهِمَا فَقَدْ حُكِيَ الضَّمُّ وَلَمْ يَحْكِ الْفَتْحَ. [قَوْلُهُ: أَجْمَرْتُ النَّارَ] بِضَمِّ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَالنَّارَ مَفْعُولٌ. وَقَوْلُهُ: مِجْمَرًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ أَجْمَرْت النَّارَ فِي مِجْمَرٍ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْآلَةِ الَّتِي لِلْجَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتَ بِالْوَجْهَيْنِ] أَيْ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ هَذَا مَدْلُولُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي الصِّحَاحِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمِجْمَرُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَبِالضَّمِّ الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْجَمْرُ، وَيُنْشَدُ هَذَا الْبَيْتُ بِالْوَجْهَيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، فَالْوَجْهَانِ الْكَسْرُ وَالضَّمُّ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَ، وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَسْتَدْفِئُ الْمَحْبُوبَةُ بِالنَّارِ إلَّا فِي مِجْمَرٍ عَلَى الْكَسْرِ. وَقَوْلُهُ: أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ عُودِ الْبَخُورِ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَرِجَ الْمَكَانُ أَرَجًا فَهُوَ أَرِجٌ مِثْلُ تَعِبَ تَعَبًا فَهُوَ تَعِبٌ إذَا فَاحَتْ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ أَوْ لَا تَصْطَلِي النَّارَ إلَّا إذَا كَانَتْ مُجْمَرًا أَيْ ذَاتَ مُجْمَرٍ أَيْ ذَاتَ عُودِ بَخُورٍ أَرِجًا أَيْ فَاحَتْ رَائِحَتُهُ عَلَى الضَّمِّ. وَقَوْلُهُ: قَدْ كَسَرَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ كَمَا رَأَيْته مَضْبُوطًا بِشَكْلِ الْقَلَمِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ وَفِي خَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَيَكُونُ الْفَاعِلُ ضَمِيرًا يَعُودُ عَلَى الْمَحْبُوبَةِ. وَقَوْلُهُ: وَقْصًا مَفْعُولُهُ، وَالْيَلَنْجُوجُ عُودُ الْبَخُورِ، وَالْوَقْصُ كِسَارُ الْعُودِ يُلْقَى عَلَى النَّارِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، أَيْ قَدْ كَسَرَتْ تِلْكَ الْمَحْبُوبَةُ مِنْ الْيَلَنْجُوجِ وَقْصًا أَيْ كِسَارًا لَهُ أَيْ لِعُودِ الْبَخُورِ، فَلَهُ حَالٌ مِنْ: وَقَصًا مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ كِسَارًا مَنْسُوبَةً لَهُ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ أَوْ اللَّامِ بِمَعْنَى مِنْ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ قُلْت عَلَى قِرَاءَةِ مُجْمَرًا بِالضَّمِّ مُرَادًا مِنْهُ الْعُودُ نَفْسُهُ يَكُون الْأَصْلُ قَدْ كَسَرَتْ مِنْهُ فَلِمَ عَدَلَ عَنْهُ؟ قُلْت: إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا يُسَمَّى مُجْمَرًا يُسَمَّى يَلَنْجُوجًا هَذَا مَا ظَهَرَ لَلذِّهْنِ الْفَاتِرِ وَالْفَهْمِ الْقَاصِرِ. [قَوْلُهُ: فَمُرَادُ الشَّيْخِ إلَخْ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهَا الَّتِي هِيَ آلَةُ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الْجَمْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمْرٌ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاؤُلِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ فَكَرَاهَةٌ ثَانِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ] أَيْ فِي حَالِ الذَّهَابِ إلَى الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ خَلْفَهَا، وَإِذَا رَكِبُوا أَيْ لَوْ وَقَعَ وَنَزَلَ أَنَّهُمْ رَكِبُوا إلَخْ أَيْ ارْتَكَبُوا الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْمَشْيُ فَالْمَاشِي الْمُتَقَدِّمُ مُحَصِّلٌ لِفَضِيلَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ إلَخْ] قَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: أَقُولُ: نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ فِي الْجِنَازَةِ فَضِيلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَوْنُهُ أَمَامَهَا فَضِيلَةٌ أُخْرَى، دَلِيلُ الْأَوَّلِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَرَأَى نَاسًا رُكْبَانًا فَقَالَ: أَلَّا تَسْتَحْيُونَ إنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَنْتُمْ عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ» . وَدَلِيلُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ

انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى صِفَةِ الدَّفْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى حُكْمِهِ هُنَا، وَنَصَّ آخِرَ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ فَقَالَ: (وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ) سَوَاءٌ كَانَ لَحْدًا أَوْ شَقًّا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَتُمَدُّ يَدُهُ الْيُمْنَى عَلَى جَسَدِهِ وَيُعْدَلُ رَأْسَهُ بِالتُّرَابِ وَرِجْلَاهُ بِرِفْقٍ وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبَ، وَيَحُلُّ عُقَدَ كَفَنِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَعْلِهِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَعَلَى ظُهْرِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَعَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِذَا خُولِفَ بِهِ الْوَجْهُ الْمَطْلُوبُ فِي دَفْنِهِ كَمَا إذَا جُعِلَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَطُلْ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ وَيُحَوَّلُ عَنْ حَالِهِ، وَالطُّولُ يَكُونُ بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ فَإِنْ لَمْ يُوَارُوهُ أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ فَلْيُحَوَّلْ إلَى مَا يَنْبَغِي. (وَ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ وَضِعَ الْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ (يُنْصَبُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ جَمْعُ لَبِنَةٍ وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَتِبْنٍ، وَرُبَّمَا عُمِلَ بِدُونِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْحَدَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ وَنَصَبَ اللَّبِنَ عَلَى لَحْدِهِ» ، وَيُسْتَحَبُّ سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فِي ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَيَقُولُ) وَاضِعُ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ أَوْ مَنْ حَضَرَ دَفْنَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ نَصْبِ اللَّبِنِ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إنَّ صَاحِبَنَا) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا جِنْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» ، ثُمَّ قَالَ: وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرَّاكِبِ التَّأَخُّرُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ» . [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّهِنَّ التَّأَخُّرُ خَلْفَ الرُّكْبَانِ] أَطْلَقَ فِي النِّسَاءِ، وَالْحُكْمُ فِي خُرُوجِهِنَّ أَنَّ الْمُتَجَالَّاتِ كَالرِّجَالِ يُطْلَبُ مِنْهُنَّ الْخُرُوجُ لِتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالصَّلَاةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ قَرِيبٍ وَأَجْنَبِيٍّ، وَأَمَّا النِّسَاءُ الْمُفَتِّنَاتُ فَلَا يَحِلُّ خُرُوجُهُنَّ، وَلَوْ لِجِنَازَةِ ابْنٍ أَوْ زَوْجٍ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُفْتِنَةٍ فَتَخْرُجُ لِجِنَازَةِ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهَا فَقْدُهُ كَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَخِيهَا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إلَخْ] وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَيِّتِ إلَّا النِّسَاءُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مَيِّتُ الْبَحْرِ إنْ لَمْ يَرْجُ الْبَرَّ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَهَلْ يُثْقَلُ بِشَيْءٍ فِي رَجُلَيْهِ أَوْ لَا قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إلَخْ] يُفْهِمُ أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَعْلِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ مَعَ كَوْنِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مُسْتَحَبٌّ وَاحِدٌ، وَكَذَا ظَاهِرُ خَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَضَجَعَ فِيهِ عَلَى أَيْمَنَ مُقْبِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَحَرَّرَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْقِبْلَةَ أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجَالِسَ جَمْعُ مَجْلِسٍ وَهُوَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ جَالِسًا فِيهَا بَلْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا فَجَعْلُهُ جَالِسًا فِيهَا تَسَامُحٌ. [قَوْلُهُ: وَتُمَدُّ يَدُهُ] أَيْ نَدْبًا. وَقَوْلُهُ: عَلَى جَسَدِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجْعَلُهَا فَوْقَ الْجَسَدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إلَى جَسَدِهِ أَيْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مَضْمُومَةٌ إلَى جَسَدِهِ، فَعَلَى بِمَعْنَى إلَى. وَقَوْلُهُ: وَيَعْدِلُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ آخَرُ. وَقَوْلُهُ: وَرِجْلَاهُ أَيْ بِالتُّرَابِ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ التُّرَابُ خَلْفَهُ وَأَمَامَهُ لِئَلَّا يَنْقَلِبُ] شَامِلٌ لِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مَا ضَرَّهُ. [قَوْلُهُ: وَيُحَلُّ عُقَدُ كَفَنِهِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: بِالْفَرَاغِ مِنْ دَفْنِهِ] أَيْ أَوْ بِوَضْعِ كَثِيرٍ بِحَيْثُ يَعْسُرُ إزَالَتُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَلْقَوْا عَلَيْهِ يَسِيرًا مِنْ التُّرَابِ] لَعَلَّ الْيَسِيرَ مَا لَا مَشَقَّةَ فِي إزَالَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ] وَمُقَابِلُهُ كَسْرُ اللَّامِ وَفَتْحُ الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا عَمِلَ بِدُونِهِ] أَيْ التِّبْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مَا يُسَدُّ بِهِ] أَيْ مِنْ لَوْحٍ وَقُرْمُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ سَدُّهُ بِاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالْأَلْوَاحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِقُرْمُودٍ وَهُوَ شَيْءٌ يُجْعَلُ مِنْ الطِّينِ عَلَى هَيْئَةِ وُجُوهِ الْخَيْلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَآجُرُّ الطُّوبِ الْمُحَرَّقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَجَرٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَصَبٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيُسَدُّ اللَّحْدُ بِالتُّرَابِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ بِالتَّابُوتِ أَيْ فِي الْخَشَبَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسِّحْلِيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَلْحَدَ إلَخْ] لَعَلَّ الْمَعْنَى أَيْ أَمَرَ بِذَلِكَ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ أَيْ سَدِّ الْخَلَلِ الَّذِي بَيْنَ اللَّبِنِ، وَيُكْرَهُ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرْشِيِّ جَعَلَ مُضْرِبَةً تَحْتَ أَوْ مِخَدَّةٍ تَحْتَ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ، وَمَا رُوِيَ

الْمَيِّتِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا أَبًا أَوْ ابْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا (قَدْ نَزَلَ بِك) أَيْ اسْتَضَافَك (وَخَلَّفَ) أَيْ نَبَذَ (الدُّنْيَا) الْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَوَلَدُهُ (وَرَاءَ ظَهْرِهِ) وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ (وَافْتَقَرَ إلَى مَا عِنْدَكَ) وَهِيَ رَحْمَتُك وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ افْتِقَارًا إلَيْهَا (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ) أَيْ كَلَامَهُ (وَلَا تَبْتَلِهِ) أَيْ لَا تَخْتَبِرْهُ (فِي قَبْرِهِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَأَلْحِقْهُ بِنَبِيِّهِ) أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ نَبِيِّهِ (مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . (وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (تَجْصِيصُهَا) أَيْ تَبْيِيضُهَا بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ» . (وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ) لِأَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إلَّا مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي غُسْلِهِ. (وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُهُ (لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ) لِأَنَّ بِالْمَوْتِ سَقَطَ بِرُّهُ اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ) إذَا تَرَكَهُ (فَلِيُوَارِهِ) أَيْ يَلُفُّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنُهُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جَعْلِ قَطِيفَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْأَثْبَتُ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: اسْتَضَافَك] أَيْ طَلَبَ مِنْك أَنْ تُضِيفَهُ أَيْ تُنْزِلَهُ وَتُقَرِّبَهُ، هَذَا إذَا جَعَلْنَا السِّينَ وَالتَّاءَ لِلطَّلَبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّزُولَ حَاصِلٌ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ مُتَوَجِّهًا إلَى التَّقْرِيبِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مَا ذُكِرَ لِلطَّلَبِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَك ضَيْفًا. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ] لَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادُ بِهَا مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْفَرَاغِ الَّذِي بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخِرَةِ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْآنَ أَشَدُّ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يُفَسِّرَ افْتَقَرَ بِأَشَدَّ افْتِقَارًا. [قَوْلُهُ: أَيْ كَلَامُهُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَنْطِقِ الْمَنْطُوقَ بِهِ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ أَيْ ثَبَتَ كَلَامُهُ أَيْ بِحَيْثُ يُجِيبُ حِينَ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ: رَبِّي اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ إلَخْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَحَلَّ النُّطْقِ بِحَيْثُ يُجِيبُ بِمَا ذَكَرَ فَالْمَآلُ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: لَا تَخْتَبِرْهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاخْتِبَارَ هُوَ الِامْتِحَانُ، وَالْوَارِدُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السُّؤَالُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دُعَاءً بِأَنْ يُلَطِّفَ بِهِ فِي السُّؤَالِ أَيْ بِحَيْثُ يُسْأَلُ بِرِفْقٍ، فَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ السُّؤَالُ الَّذِي بِعُنْفٍ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاخْتِبَارِ لَازِمَهُ مِنْ الْمَشَقَّاتِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اجْعَلْهُ فِي جِوَارِ] أَيْ فِي الْبَرْزَخِ بِأَنْ تَكُونَ رُوحُهُ مُجَاوِرَةً لِرُوحِهِ، وَفِي الْجَنَّةِ بِأَنْ تَكُونَ بِجِوَارِهِ بِذَاتِهِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ دُونَ غَيْرِهِ إذْ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ تَقَبَّلْهُ بِأَحْسَنِ قَبُولٍ. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ] أَيْ كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ سَقْفٍ وَكَذَا حَوَالَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْضِيلِ عَلَى النَّاسِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا] أَيْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. وَقَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ خُلَاصَتُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ بِأَرْضِ مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ حَيْثُ لَا يَأْوِي إلَيْهِ أَهْل الْفَسَادُ، وَجُرِّدَ عَنْ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا حُرِّمَ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَجَازَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا يُحَرَّمُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْبَسَةِ مُطْلَقًا كَالْقَرَافَةِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِهَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ تَجْصِيصُهَا] مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّمْيِيزُ وَإِلَّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ وَضْعُ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ عُودٍ عَلَى الْقَبْرِ لِيُعْرَفَ بِهِ إذَا لَمْ يُنْقَشْ فِي ذَلِكَ اسْمٌ أَوْ تَارِيخُ مَوْتٍ، وَإِلَّا كُرِهَ وَإِنْ بُوهِيَ بِهِ حَرُمَ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ كَمَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ] أَيْ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ لِأَنَّ ذَلِكَ امْتِهَانٌ لِصَاحِبِهِ. قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ أَوْ غَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ الْكَافِرَ] النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَوْلَى غَيْرُ أَبِيهِ. [قَوْلُهُ: لَا يُدْخِلُهُ قَبْرَهُ] أَيْ بَلْ يُوكِلُهُ إلَى أَهْلِ دِينِهِ يَلُونَهُ وَالْإِدْخَالُ مَكْرُوهٌ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَضِيعَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَدْفِنُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَلْيَلُفَّهُ بِثَوْبِهِ وَيَدْفِنْهُ. [قَوْلُهُ: فَلِيُوَارِهِ] أَيْ وُجُوبًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَبِ بَلْ وُجُوبُ الْمُوَارَاةِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيْعَةِ عَامٌّ حَتَّى فِي الْأَجْنَبِيِّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُوَارَاتِهِ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ إلَخْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّهُ

يَسْتَقْبِلُ بِهِ قِبْلَتَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَلَا قِبْلَتَهُمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهَا وَإِنَّمَا أُمِرَ بِمُوَارَاتِهِ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُهُ فِي تَرْكِهِ بِغَيْرِ دَفْنٍ. (وَاللَّحْدُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا مَعَ إسْكَانِ الْحَاءِ (أَحَبُّ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ الشَّقِّ بِفَتْحِ الشِّينِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّحْدُ (أَنْ يُحْفَرَ لِلْمَيِّتِ تَحْتَ الْجَرْفِ فِي حَائِطِ قِبْلَةِ الْقَبْرِ وَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ اللَّحْدِ أَفْضَلَ (إذَا كَانَتْ) حَائِطُ قِبْلَةِ الْقَبْرِ (تُرْبَةً صُلْبَةً لَا تَتَهَيَّلُ) أَيْ لَا تَسِيلُ كَأَرْضِ الرَّمَلِ. (وَ) لَا (تَتَقَطَّعُ) أَيْ لَا تَسْقُطُ جَذْوَةً جَذْوَةً، أَمَّا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ (وَكَذَلِكَ) أَيْ الْإِلْحَادُ الْمَفْهُومُ. وَمِنْ السِّيَاقِ (فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَفَسَّرَ اللَّحْدَ وَلَمْ يُفَسِّرْ الشَّقَّ وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ حُفْرَةً كَالنَّهْرِ وَيُبْنَى جَانِبَاهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا شَقٌّ يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ، وَيُجْعَلُ فِي شُقُوقِهِ قِطَعُ اللَّبِنِ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ التُّرَابُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا خَافَ الضَّيْعَةَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَجِبُ مُوَارَاتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ] أَيْ يُحَرَّمُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: أَحَبُّ] أَيْ فَالشَّقُّ مَحْبُوبٌ جَائِزٌ أَيْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ، وَقِيلَ: الشَّقُّ مَكْرُوهٌ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلُ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْدُ أَحَبَّ لِخَبَرِ «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَهُ لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ أَقُولُ: وَأَيُّ دَاعٍ إلَى قَوْلِهِ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: جَذْوَةً جَذْوَةً] أَيْ قِطْعَةً قِطْعَةً. [قَوْلُهُ: فَالشَّقُّ أَفْضَلُ] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِلْحَادُ إلَخْ] وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَفُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ، وَالْفِعْلُ الْمُمَاثِلُ لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ إلْحَادٌ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَأُلْحِدَ بِرَسُولِ اللَّهِ إلْحَادًا مُمَاثِلًا لِلْإِلْحَادِ السَّابِقِ فَالْمُغَايَرَةُ بِالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْفَرُ فِي أَسْفَلِ الْقَبْرِ أَضْيَقَ مِنْ أَعْلَاهُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ. [قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا شَقٌّ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الشَّقَّ هُوَ عَيْنُ الْحُفْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: يُحْفَرُ حُفْرَةً كَالنَّهْرِ، وَالنَّهْرُ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ لَا الْمَاءُ.

[باب في الصلاة على الجنازة]

[20 - بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ صِفَةِ (الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ) جَمْعُ جِنَازَةٍ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمَذْهَبُ الْخَلِيلِ أَنَّ الْجِنَازَةَ بِالْكَسْرِ خَشَبُ سَرِيرِ الْمَوْتَى، وَبِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَعَكَسَ الْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُمَا لُغَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمَيِّتُ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَالْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ النَّعْشُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَلَا يُقَالُ دُونَ مَيِّتٍ جِنَازَةٌ وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ جَنَزَ إذَا ثَقُلَ. (وَ) فِي بَيَانِ (الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ) وَحُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُصَلَّى عَلَيْهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا فَإِنَّهَا تُكْرَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَى الْمَيِّتِ التَّغَيُّرُ فَلَا يُكْرَهُ. وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ حَاضِرٍ تَقَدَّمَ اسْتِقْرَارُ حَيَاتِهِ لَيْسَ بِشَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ فُقِدَ أَكْثَرُهُ، فَإِذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْغُسْلُ فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ. وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالصَّلَاةِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْخَيْرِ تُرْجَى بَرَكَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ] ِ [قَوْلُهُ: جَمْعُ جِنَازَةٍ] أَيْ الْمَيِّتِ لَا الصَّلَاةِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَعَكَسَ الْأَصْمَعِيُّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ نِسْبَةً لِجَدِّهِ أَصْمَعَ الْبَاهِلِيِّ ثُمَّ الْبَصْرِيِّ، هُوَ الْإِمَامُ فِي اللُّغَةِ وَالْأَخْبَارِ رَوَى عَنْ الْكِبَارِ، أَجْمَعُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ اهـ. ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إلَخْ] هُوَ يَرْجِعُ لِكَلَامِ الْأَصْمَعِيِّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَنُصَّ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ الْفَتْحِ فَتَحْتَمِلُ الْمُخَالَفَةَ وَالْمُوَافَقَةَ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ مُغَايِرٌ إذْ قَدْ اشْتَرَطَ قَيْدًا وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا كَانَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَاشْتِقَاقُهَا] وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: جَنَزْت الشَّيْءَ أَجْنِزُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ سَتَرْته، وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْجِنَازَةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ يُنَاسِبُ كَوْنَهُ اسْمًا لِلْمَيِّتِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ الدُّعَاءِ] مِنْ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَهُوَ جَائِزٌ، وَأَبْرَزَ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَنَائِزِ الْمَيِّتُ وَأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمَيِّتِ وَحْدَهُ، وَأَفْرَدَ الْمَيِّتَ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَلْ فِي الْجَنَائِزِ لِلْجِنْسِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تُكْرَهُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ] الْحَقُّ أَنَّهَا تُمْنَعُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَتُكْرَهُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَتُعَادُ فِي الْأُولَى مَا لَمْ تُدْفَنْ، وَلَا إعَادَةَ فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا التَّغَيُّرُ وَإِلَّا جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: مُسْلِمٍ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا [قَوْلُهُ: حَاضِرٍ] أَيْ لَا غَائِبٍ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ اسْتِقْرَارُ حَيَاتِهِ] خَرَجَ السِّقْطُ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَيْ يُكْرَهُ، وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ عَطَسَ أَوْ بَالَ أَوْ رَضَعَ إلَّا أَنْ يُكْثِرَ الرَّضَاعَ بِحَيْثُ يَقُولُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ: إنَّهُ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ إلَّا مِمَّنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَهِيدِ مَعْرَكَةٍ] وَأَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ تَغْسِيلُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ] أَيْ يُكْرَهُ [قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ فُقِدَ أَكْثَرُهُ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ نِصْفُهُ يُغَسَّلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَمَا دُونَ ثُلُثَيْ الْجَسَدِ لَا يُغَسَّلُ، وَالْجَسَدُ مَا عَدَا الرَّأْسِ فَإِذَا وُجِدَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثَيْنِ وَزَادَ عَلَى النِّصْفِ وَمَعَهُ الرَّأْسُ فَلَا يُغَسَّلُ، وَأَوْلَى إذَا وُجِدَ النِّصْفُ وَمَعَهُ الرَّأْسُ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ] أَيْ وَالْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ إمَامًا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ

دُعَائِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمَيِّتِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلِيِّ فَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ. وَأَرْكَانُ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ خَمْسَةٌ: الْقِيَامُ فَإِنْ صَلَّوْا قُعُودًا لَمْ تَجُزْ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا، الثَّانِي وَالثَّالِثُ: التَّحْرِيمُ وَالسَّلَامُ. الرَّابِعُ: الدُّعَاءُ، وَالْخَامِسُ: التَّكْبِيرُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالتَّكْبِيرُ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ نَاسِيًا وَذَكَرَ بِالْقُرْبِ رَجَعَ بِنِيَّةٍ فَقَطْ وَلَا يُكَبِّرُ، وَإِنْ زَادَ الْإِمَامُ خَامِسَةً سَلَّمَ الْمَأْمُومُ وَلَا يَنْتَظِرُهُ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ هَارُونَ بِمَا إذَا قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ سَهْوًا فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يُسَلِّمُوا بِسَلَامِهِ وَإِذَا ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ فَإِنَّهُ (يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أُولَاهُنَّ وَإِنْ رَفَعَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فَلَا بَأْسَ) مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ أَرْبَعَةٍ وَهُوَ لِأَشْهَبَ، قَالَ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْأُولَى وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْبَاقِي إنْ شَاءَ رَفَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرْفَعْ. ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَهُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. ثَالِثُهَا: فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. يَرْفَعُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَاخْتَارَهُ التُّونِسِيُّ. رَابِعُهَا: لَا يَرْفَعُ فِي الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا. التَّوْضِيحُ: وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ الرَّفْعِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِيِّهِ وَصِيٌّ أَوْصَاهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ هُنَاكَ أَيْ وَيُقْضَى لَهُ بِهِ. [قَوْلُهُ: تُرْجَى بَرَكَةُ دُعَائِهِ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ صَرَّحَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، أَيْ أَوْصَاهُ لِرَجَاءِ بَرَكَةِ دُعَائِهِ فَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ الْمَيِّتِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا] وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مَفْهُومٌ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمَفْهُومُ ضِدُّ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَا نَقِيضُ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَهُوَ عَدَمُ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. [قَوْلُهُ: التَّحْرِيمُ] الْمُرَادُ الْإِحْرَامُ بِمَعْنَى النِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ «آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ فِيهَا أَرْبَعًا» . [قَوْلُهُ: وَذَكَرَ بِالْقُرْبِ] وَأَمَّا لَوْ طَالَ الْأَمْرُ فَتَبْطُلُ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يُدْفَنْ، فَإِنْ دُفِنَ فَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُكَبِّرُ] لِئَلَّا يَلْزَمَ الزِّيَادَةَ فِي عَدَدِهِ، فَإِنْ كَبَّرَ حَسِبَهُ مِنْ الْأَرْبَعِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ زَادَ الْإِمَامُ خَامِسَةً إلَخْ] زَادَهَا عَمْدًا أَوْ يَرَاهَا مَذْهَبًا أَوْ سَهْوًا فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ قَبْلَهُ وَلَا يَنْتَظِرُهُ، وَصَلَاتُهُمْ كَصَلَاتِهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ فِيهَا لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الرَّكَعَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَيْضًا الْخَامِسَةُ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ زَائِدَةٌ إجْمَاعًا وَالزِّيَادَةُ هُنَا قِيلَ بِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَكْبِيرَاتِهَا مِنْ ثَلَاثٍ إلَى تِسْعٍ، وَإِنْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ زَمَنَ الْفَارُوقِ عَلَى أَرْبَعٍ، فَإِنْ انْتَظَرَ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَذَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِرُهُ إلَخْ وَأَمَّا لَوْ نَقَصَ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ حَيْثُ كَانَ سَهْوًا وَلَا يُكَلِّمُونَهُ بَلْ يُسَبِّحُونَ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ، فَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ بِتَكْبِيرَةٍ وَصَلَاتُهُمْ صَحِيحَةٌ دُونَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ يُكَلِّمُونَهُ فَإِنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ وَتَرَكَهُمْ كَبَّرُوا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ إنْ تَنَبَّهَ عَنْ قُرْبٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ تَبَعًا لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ رَادًّا عَلَى عِبَارَةِ عَبْدِ الْبَاقِي. فَإِنْ نَقَصَ عَمْدًا وَهُوَ يَرَاهُ مَذْهَبًا لَمْ يَتْبَعُوهُ وَأَتَوْا بِتَمَامِ الْأَرْبَعِ، وَانْظُرْ إذَا نَقَصَ عَمْدًا دُونَ تَقْلِيدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَبْطُلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ أَتَوْا بِرَابِعَةٍ لِبُطْلَانِهَا عَلَى الْإِمَامِ وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ نَقَصَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى مَا إذَا نَقَصَ سَهْوًا [قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] وَقَالَ أَشْهَبُ: يَسْكُتُ فَإِذَا كَبَّرَ الْخَامِسَةَ سَلَّمَ بِسَلَامِهِ [قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ هَارُونَ إلَخْ] مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هَارُونَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَالَ الْمَوَّاقُ: سُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مِمَّنْ يُكَبِّرُ خَمْسًا فَلْيَقْطَعْ الْمَأْمُومُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَلَا يَتْبَعْهُ فِي الْخَامِسَةِ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُكَبِّرُ خَمْسًا لَكِنَّهُ سَهَا فَكَبَّرَ خَمْسًا أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقْطَعُ وَلَكِنَّهُ يَسْكُتُ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَلَّمَ بِسَلَامِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَأَشْهَبُ: وَبِهَذَا يَحْسُنُ الْجَمْعُ بَيْنَ إطْلَاقَاتِهِمْ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَعَلَى هَذَا فَلَا اعْتِرَاضَ. [قَوْلُهُ: يَرْفَعُ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَقَطْ إلَخْ] وَأَمَّا الرَّفْعُ فِي غَيْرِهَا فَهُوَ خِلَافُ الْأُولَى كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ. وَسَكَتَ عَنْ الرَّابِعِ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ عَنْ

الْجَمِيعِ وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الدُّعَاءَ أَحَدُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَتُعَادُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَأَثْبَتَهُ سَحْنُونٌ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ. ج: هَذَا الَّذِي أَعْرِفُهُ فِي الْمَذْهَبِ يَعْنِي مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ التَّخْيِيرُ حَيْثُ قَالَ: (وَإِنْ شَاءَ دَعَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ مَكَانَهُ) فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ. (وَيَقِفُ الْإِمَامُ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (فِي) الصَّلَاةِ عَلَى (الرَّجُلِ عِنْدَ وَسَطِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ (وَ) يَقِفُ الْإِمَامُ (فِي) الصَّلَاةِ عَلَى (الْمَرْأَةِ) (عِنْدَ مَنْكِبَيْهَا) تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَهُوَ مَجْمَعُ عَظْمِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَأَجَابُوا عَمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ فَقَامَ عَلَى وَسَطِهَا» بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَوَهَّمُ فِي غَيْرِهِ. (وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ (خَفِيَّةٌ) وَفِي نُسْخَةٍ خَفِيفَةٌ بِفَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ، وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ أَصْلًا لَا فِي الْأُولَى وَلَا فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ] وَلِذَا شَهَّرَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَ عج الْقَوْلِ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ فَجَعَلَهُ رُكْنًا عَلَى الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ] أَيْ مَجْمُوعَهَا أَيْ الْهَيْئَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعِ مَعَ مَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ بِمَنْزِلَةِ رَكَعَاتٍ أَرْبَعٍ، وَلَا قِرَاءَةَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ فَلَا دُعَاءَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ رَكْعَةٍ لُوحِظَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الدُّعَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ الدُّعَاءِ بَعْدَ غَيْرِ الرَّابِعَةِ، وَفِي الثَّانِي الدُّعَاءُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ، وَلِأَجْلِ الِالْتِفَاتِ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَدَلَ الشَّارِحُ عَنْ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ بِمَنْزِلَةِ كُلِّ رَكْعَةٍ إلَى مَا قَالَ، وَخُلَاصَةُ مَذْهَبِ سَائِرِ الْأَصْحَابِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْوَارِدِ نَظَرًا لِتِلْكَ الْعِلَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ وَصِفَتُهَا أَنْ يَقْصِدَ بِقَلْبِهِ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ مَعَ اسْتِحْضَارِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَا يَضُرُّ إنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا الْأَخِيرِ وَتَصِحُّ، كَمَا تَصِحُّ لَوْ صَلَّى عَلَيْهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا أُنْثَى فَوُجِدَتْ ذَكَرًا وَبِالْعَكْسِ، أَوْ أَنَّهَا فُلَانٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا غَيْرُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الشَّخْصُ الْحَاضِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي النَّعْشِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَاعْتَقَدَ أَنَّ مَا فِيهِ وَاحِدٌ، فَإِنَّهَا تُعَادُ عَلَى الْجَمِيعِ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِلَّا أُعِيدَتْ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي نَوَاهُ. وَلَوْ نَوَى وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَيْسَ فِيهِمَا أَوْ فِيهِمْ مَنْ عَيَّنَهُ فَإِنَّهَا تُعَادُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ فِي النَّعْشِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَقِفُ الْإِمَامُ] وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَقِفُ الرَّجُلُ عِنْدَ مَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ أَيْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَنْ لَوْ وَقَفَ عِنْدَ وَسَطِهَا وَعِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إمَامًا أَوْ فَذًّا، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ عَلَى امْرَأَةٍ فَتَقِفُ حَيْثُ شَاءَتْ وَأَمَّا عَلَى الرَّجُلِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَذَلِكَ، وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَقِفُ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ، وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا صَلَّى عَلَى مِثْلِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ مَنْكِبَيْهِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى ذَكَرٍ مُحَقَّقٍ أَوْ أُنْثَى مُحَقَّقَةٍ وَصَلَّى عَلَيْهِ ذَكَرٌ مُحَقَّقٌ أَوْ أُنْثَى مُحَقَّقَةٌ وَحُرِّرَ. [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ] وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ مَا رَوَاهُ ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقِفُ أَيْضًا عِنْدَ وَسَطِ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: حَيْثُ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَازَ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى امْرَأَةٍ إلَخْ] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لِأَنَّهُ يَسْتُرُهَا عَنْ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَسَطِهَا] أَيْ عِنْدَ وَسَطِهَا [قَوْلُهُ: تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَى أَشْهَبُ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَرَوَى ابْنُ غَانِمٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ يَرُدُّ

يُمَطِّطُ وَلَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُسَلِّمُ إمَامُ الْجِنَازَةِ وَاحِدَةً يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه، وَيُسَلِّمُ الْمَأْمُومُ وَاحِدَةً يُسْمِعُ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَإِنْ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيه فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. (وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) الْمُسْلِمِ (قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ وَقِيرَاطٌ فِي حُضُورِ دَفْنِهِ وَذَلِكَ) الْقِيرَاطُ (فِي التَّمْثِيلِ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ثَوَابًا) الْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْجَبَلُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ ثَوَابُهُ مِثْلَ ثَوَابِ هَذَا الْقِيرَاطِ، أَرَادَ بِذَلِكَ بَيَانَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: «مَنْ اتَّبَعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ» . ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قِيرَاطَ الصَّلَاةِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِتَمَامِ الصَّلَاةِ، وَقِيرَاطُ الدَّفْنِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِتَمَامِ الدَّفْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْصُلُ بِوَضْعِهِ فِي قَبْرِهِ، وَانْظُرْ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَوْتَى فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهَا هَلْ يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ بِتَعَدُّدِهِمْ أَمْ لَا؟ الْجُزُولِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يَتَعَدَّدُ الْجُزُولِيُّ لَا أَدْرِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالثَّانِيَةِ عَلَى الْإِمَامِ، وَفِي الْوَاضِحَةِ لَا يَرُدُّ عَلَى الْإِمَامِ إلَّا مَنْ سَمِعَهُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَمْطُطْ] مُحْتَرَزُ خَفِيفَةٍ، وَقَوْلُهُ: لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ مُحْتَرَزُ خَفِيَّةٍ أَيْ فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا خَفِيَّةً أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ. وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُ إلَخْ وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ حَكَمَتْ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه، وَالْمَتْنُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: خَفِيَّةٌ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ خَفِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ كُلَّ الْجَهْرِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجْهَرُ وَهُوَ يُصَدَّقُ بِسَمَاعِ نَفْسِهِ وَمَنْ يَلِيه فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةً، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِجَوَابٍ آخَرَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ رَاجِعٌ لِوَاحِدَةٍ لَا لِقَوْلِهِ خَفِيَّةً، وَقَوْلُهُ: خَفِيفَةٌ عَائِدٌ عَلَى الْمَأْمُومِ فَقَطْ وَلَكِنْ لَا قَرِينَةَ فِي اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسْمَعَ مَنْ يَلِيه فَلَا بَأْسَ] بِمَعْنَى خِلَافِ الْأُولَى فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: وَمَشَى إلَخْ] أَيْ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَمَنْ يَلِيه. [قَوْلُهُ: الْمَعْنَى إلَخْ] وَقِيلَ مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ لَوْ جُعِلَ هَذَا الْجَبَلُ فِي كِفَّةٍ وَجُعِلَ الْقِيرَاطُ فِي كِفَّةٍ مُقَابِلَةٍ لَهَا لَسَاوَاهَا، وَأُحُدٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ هَذَا الْجَبَلَ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» . وَخَصَّهُ بِالتَّمْثِيلِ إمَّا لِذَلِكَ وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ الْجِبَالِ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَتَتَّصِلُ بِهِ الْجِبَالُ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ] أَيْ أَوْ فِضَّةٍ [قَوْلُهُ: «مَنْ اتَّبَعَ» ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: بِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةٍ «تَبِعَ» بِغَيْرِ أَلِفٍ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ. وَقَوْلُهُ: «إيمَانًا وَاحْتِسَابًا» أَيْ مُؤْمِنًا أَيْ مُصَدِّقًا بِالْأَجْرِ مُحْتَسِبًا أَيْ لَا مُكَافَأَةً وَلَا مَخَافَةً. وَقَوْلُهُ: حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا بِفَتْحِ اللَّامِ فِي الْيُونِينِيَّةِ وَفِي هَامِشِهَا بِكَسْرِهَا، وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فِي الْفِعْلَيْنِ أَوْ الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالْجَارُ وَالْمَجْرُورُ فِيهِمَا نَائِبٌ عَنْ الْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: بِقِيرَاطَيْنِ] مُثَنَّى قِيرَاطٍ وَهُوَ اسْمٌ لِمِقْدَارٍ مِنْ الثَّوَابِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ «كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ» بِضَمَّتَيْنِ، سُمِّيَ بِهِ لِتَوَحُّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخْرَى هُنَاكَ اهـ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ حُصُولُ ثَوَابِ قِيرَاطِ الصَّلَاةِ وَقِيرَاطِ الدَّفْنِ وَلَوْ لَمْ يَتَّبِعْهَا فِي الطَّرِيقِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الثَّانِي لِقَوْلِهَا: وَجَائِزٌ أَنْ يَسْبِقَ وَيَنْتَظِرَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَى الِاتِّبَاعِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَثَوَابُ مَنْ اتَّبَعَهَا وَلَازَمَهَا أَعْظَمُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَوَابَ كُلٍّ مِنْ الدَّفْنِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا] لَعَلَّ هَذَا فِي بَعْضِ تَقَايِيدِهِ وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَالَ: هَلْ يَحْصُلُ بِهِ لِلْمُصَلِّي مِنْ الْقَرَارِيطِ بِعَدَدِهِمْ؟ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عِمْرَانَ: يَحْصُلُ لَهُ بِكُلِّ مَيِّتٍ قِيرَاطٌ وَاحِدٌ اهـ. أَعْنِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ انْتَفَعَ بِدُعَائِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ هَذَا فِيمَا إذَا حَضَرَ دَفْنَ جَمَاعَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي عج. تَتِمَّةٌ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَهْبَةً أَوْ مُكَافَأَةً أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ

أَيْنَ أَخَذَهُ مِنْ الرِّسَالَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. (وَيُقَالُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ غَيْرُ شَيْءٍ مَحْدُودٍ) أَيْ مُعَيَّنٌ مُؤَقَّتٌ؛ لِأَنَّ الْأَدْعِيَةَ الْمَرْوِيَّةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ دُعَاءٌ مُعَيَّنٌ، وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ مَالِكًا فِي الْمُوَطَّأِ اسْتَحَبَّ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ: اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ: (وَذَلِكَ) أَيْ مَا وَرَدَ مِنْ الدُّعَاءِ (كُلُّهُ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ فَقُلْ مَا شِئْت مِنْهُ (وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الدُّعَاءِ (أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَمَاتَ وَأَحْيَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى لَهُ الْعَظَمَةُ وَالْكِبْرِيَاءُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (وَالْمُلْكُ) عِبَارَةٌ عَنْ الْخَلْقِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ (وَالْقُدْرَةُ) قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْمُلْكِ (وَالسَّنَاءُ) بِالْمَدِّ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ فِي الْمَنْزِلَةِ لَا فِي الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الضِّيَاءِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ذَاتُهُ وَصِفَاتُهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ. وَنُبِّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ قُدْرَتَهُ لَيْسَتْ فِيمَا ظَهَرَ خَاصَّةً بَلْ فِيمَا ظَهَرَ وَبَطَنَ وَمَا وُجِدَ وَمَا لَمْ يُوجَدْ (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ: حُضُورُ الْجِنَازَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ رَغْبَةٌ وَرَهْبَةٌ وَمُكَافَأَةٌ الْأَجْرُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ، وَلِلْبَرْزَلِيِّ فِي الْمُكَافَأَةِ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي نَقْصِ الْأَجْرِ مِنْ الْقِيرَاطِ كَوْنُ الْإِنْسَانِ إنَّمَا يَتَّبِعُ الْجِنَازَةَ لِأَجْلِ أَقَارِبِهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَفِيهِ صِلَةُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا بَلْ فِيهِ أَجْرَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يُنَافِي إيمَانًا وَاحْتِسَابًا الْوَاقِعُ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ صِلَةَ الْحَيِّ تَكُونُ احْتِسَابًا أَوْ مُدَارَاةً لَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُ وَكِلَاهُمَا مِنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُعَيَّنٍ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: مُؤَقَّتٍ أَيْ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ لَكِنَّ الْمُتَوَهَّمَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ] أُجِيبَ عَنْ التَّخَالُفِ الْحَاصِلِ بَيْنَ قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ إلَخْ. وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ بَشِيرٍ بِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَالْمُسْتَحْسَنَ مَا أُخِذَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] أَيْ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَدْعِيَةِ أَحْسَنَ مِنْ بَعْضٍ، فَلَا يُخَالِفَ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ. [قَوْلَهُ: مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إضَافَةُ مُسْتَحْسَنٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً فَيُفِيدُ أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا لَيْسَ مُسْتَحْسَنًا. [قَوْلُهُ: أَنْ يُكَبِّرَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ مُسْتَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْسَانَ خَاصٌّ بِمَا يَقُولُهُ فِي الدُّعَاءِ لَا بِالتَّكْبِيرِ إذْ التَّكْبِيرُ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَقُولَ] الْأَوْلَى الْفَاءُ بَدَلَ ثُمَّ. [قَوْلُهُ: أَمَاتَ وَأَحْيَا] أَمَاتَ مَنْ أَرَادَ إمَاتَتَهُ وَأَحْيَا مَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى] فِي الْآخِرَةِ [قَوْلُهُ: وَالتَّصَرُّفِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَلْقَ وَالْإِضْلَالَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا ذَكَرَ مِنْ أَفْرَادِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُوَسِّطَهُ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَالْهِدَايَةِ] أَيْ خَلَقَ الِاهْتِدَاءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْإِضْلَالِ. [قَوْلُهُ: وَالثَّوَابِ] أَيْ الْإِثَابَةُ لِأَجْلِ مُنَاسَبَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَالْعِقَابِ أَيْ الْمُعَاقَبَةِ. [قَوْلُهُ: هِيَ بِمَعْنَى الْمُلْكِ] غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْأَوْلَى إبْقَاؤُهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا الَّتِي هِيَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِكُلِّ مُمْكِنٍ إيجَادًا وَإِعْدَامًا. [قَوْلُهُ: وَالرِّفْعَةُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: فِي الْمَنْزِلَةِ] أَيْ الرُّتْبَةِ وَعَطْفُ الْمَكَانِ عَلَى الْجِهَةِ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الْفَرَاغُ الَّذِي يَحُلُّ فِيهِ الشَّخْصُ وَالْجِهَةَ الْفَرَاغُ الَّذِي حَوْلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا عَامٌّ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِشَيْءٍ مَشِيءٌ بِمَعْنَى مُرَادٍ. [قَوْلُهُ: فِيمَا ظَهَرَ] أَيْ لَنَا: وَقَوْلُهُ: وَبَطَنَ أَيْ خَفِيَ عَنَّا كَاَلَّذِي فَوْقَ السَّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يُوجَدْ] الْآنَ وَيُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى.

مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت وَرَحِمْت وَبَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) أَيْ مَحْمُودٌ مَجِيدٌ أَيْ كَرِيمٌ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إنَّهُ) أَيْ هَذَا الْمَيِّتُ (عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك أَنْتَ خَلَقْته) أَيْ أَخْرَجْته مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (وَرَزَقْته) مِنْ يَوْمِ خَلَقْته إلَى يَوْمِ أَمَتَّهُ (وَأَنْتَ أَمَتَّهُ) الْآنَ فِي الدُّنْيَا (وَأَنْتَ تُحْيِيهِ) فِي الْآخِرَةِ (وَأَنْتَ أَعْلَمُ) أَيْ عَالِمٌ (بِسِرِّهِ) مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَعَلَانِيَتِهِ) وَهِيَ أَحْرَى (جِئْنَاك شُفَعَاءَ) أَيْ نَطْلُبُ (لَهُ) الشَّفَاعَةَ (فَشَفِّعْنَا) أَيْ اقْبَلْ شَفَاعَتَنَا (فِيهِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَجِيرُ) أَيْ نَطْلُبُ مِنْك الْإِجَارَةَ لَهُ وَالْأَمْنَ مِنْ عَذَابِك (بِحَبْلِ) أَيْ بِعَهْدِ (جِوَارِك) بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْأَفْصَحِ أَيْ أَمَانِك (لَهُ إنَّك ذُو وَفَاءٍ وَذِمَّةٍ) أَيْ صَاحِبُ عَهْدٍ وَوَفَاءٍ (اللَّهُمَّ قِه) أَيْ نَجِّهِ (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) أَيْ مِمَّا يَنْشَأُ عَنْ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ وَهُوَ عَدَمُ الثَّبَاتِ (وَ) قِه (مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ) أَيْ اُسْتُرْ ذُنُوبَهُ وَلَا تُؤَاخِذْهُ بِهَا (وَارْحَمْهُ) أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِ (وَاعْفُ عَنْهُ) أَيْ ضَعْ عَنْهُ ذُنُوبَهُ (وَعَافِهِ) أَيْ أَذْهِبْ عَنْهُ مَا يَكْرَهُ (وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ) . ك: رُوِّينَاهُ بِسُكُونِ الزَّايِ وَهُوَ مَا يُهَيَّأُ لِلنَّزِيلِ. وَقَالَ ق: نُزُلَهُ أَيْ حُلُولُهُ فِي قَبْرِهِ بِأَنْ يَرَى مَا يَرْضَاهُ وَيَسُرُّهُ مِنْ الْعَمَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا إلَخْ] يُشِيرُ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ اخْتِصَارًا اسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ عَنْ ذِكْرِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدُ وَرَحِمْت وَبَارَكْت فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَرَحِمْت إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِإِسْقَاطِ وَرَحِمْت وَإِسْقَاطِ فِي الْعَالَمِينَ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ اهـ. قَالَ تت: هَذَا وَلَمْ يَأْتِ فِي طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَيُفِيدُ أَنَّ وَرَحِمْت وَارِدٌ فِي طَرِيقٍ صَحِيحٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إنَّهُ عَبْدُك إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنًا، وَقِيلَ: يُقْتَصَرُ فِي وَلَدِ الزِّنَا عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ عَبْدُك، وَاخْتُلِفَ فِي نِدَائِهِ فِي الْآخِرَةِ فَقِيلَ: يُنَادَى بِاسْمِ أَبِيهِ وَقِيلَ بِاسْمِ أُمِّهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ يَوْمِ خَلَقْته] أَيْ أَتْمَمْت خَلْقَهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ عَالِمٌ] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ مِنْهُ، وَالتَّأْوِيلُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: اقْبَلْ شَفَاعَتَنَا] ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أَدْنَى مِنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي. وَقِيلَ: إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي مُسَاوِيًا أَوْ أَرْفَعَ رُتْبَةً، وَأَمَّا الْأَدْنَى فَإِنَّمَا يَقُولُ: جِئْنَا مَعَ الشُّفَعَاءِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَمْنَ] الْمُنَاسِبُ وَالْأَمَانَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ بِالْفَتْحِ وَالْمَطْلُوبُ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ بِالْكَسْرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِعَهْدِ إلَخْ] فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَيْ نَطْلُبُ الْإِجَارَةَ فِي حَالِ كَوْنِنَا مُتَمَسِّكِينَ بِوَعْدِ أَمَانِك أَيْ بِوَعْدِك لَهُ بِالْأَمَانِ أَيْ بِالْمَغْفِرَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَفْصَحِ] وَمُقَابِلُهُ الضَّمُّ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَمَانِك] تَفْسِيرٌ لِجِوَارِك. [قَوْلُهُ: أَيْ صَاحِبُ عَهْدٍ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ ذِمَّةً وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي هِيَ الْعَهْدُ سَابِقَةٌ عَلَى الْوَفَاءِ، أَيْ وَقَدْ وَعَدَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ وَلَمْ يُشْرِكْ بِالرَّحْمَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ الَّتِي هُوَ قَوْلُهُ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَحَيْثُ عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ فَيَظْهَرُ السُّؤَالُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا يَنْشَأُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْفِتْنَةَ نَفْسُ السُّؤَالِ وَالسُّؤَالُ لَا بُدَّ مِنْهُ، فَيَكُونُ طَلَبُ النَّجَاةِ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِمَّا يَنْشَأُ عَنْهُ وَهُوَ عَدَمُ الثَّبَاتِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُؤَاخِذْهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهُوَ مُرُورٌ عَلَى غَيْرِ الرَّاجِحِ، إذْ الرَّاجِحُ أَنَّ الْغُفْرَانَ مَعْنَاهُ الْمَحْوُ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِ] أَيْ بِنِعَمٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْغُفْرَانِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّحْلِيَةِ وَالْغُفْرَانِ مِنْ بَابِ التَّخْلِيَةِ بِالْخَاءِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ بِالْحَاءِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ: وَاعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَارْحَمْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى اغْفِرْ لَهُ. [قَوْلُهُ: لِلنَّزِيلِ] أَيْ لِلضَّيْفِ ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى التَّجَوُّزُ فِي الْعِبَارَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَالْمُرَادُ أَكْرِمْهُ فِي نُزُلِهِ فِيمَا يُهَيَّأُ لَهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ. [قَوْلُهُ: وَيَسِّرْهُ] عَطْفٌ لَازِمٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ أَيْ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ قَوْلِهِ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الدُّعَاءُ بِالْإِكْرَامِ تَفَضُّلًا مِنْهُ

الصَّالِحِ (وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا فَبِالْفَتْحِ الدُّخُولُ وَمَوْضِعُ الدُّخُولِ، وَبِالضَّمِّ الْإِدْخَالُ (وَاغْسِلْهُ بِمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغُسْلِ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ لِلطَّهَارَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الذُّنُوبِ (وَ) كَأَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ (نَقِّهِ) أَيْ طَهِّرْهُ تَنْقِيَةً عَظِيمَةً (مِنْ الْخَطَايَا) أَيْ الذُّنُوبِ (كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ) أَيْ الْأَوْسَاخِ (وَأَبْدِلْهُ) أَيْ عَوِّضْهُ (دَارًا) وَهِيَ الْجَنَّةُ (خَيْرًا مِنْ دَارِهِ) وَهِيَ الدُّنْيَا (وَ) وَأَبْدِلْهُ (أَهْلًا) أَيْ قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ يُوَالُونَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ (خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ قَرَابَتِهِ (وَ) أَبْدِلْهُ (زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا) أَيْ ذَا إحْسَانٍ (فَزِدْ) أَيْ فَضَاعِفْ لَهُ فِي ثَوَابِ (إحْسَانِهِ) اللَّهُمَّ (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ) أَيْ اُعْفُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ. (اللَّهُمَّ إنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِك) اسْتَضَافَك. (وَ) الْحَالُ أَنَّك (أَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ) وَإِنَّهُ (فَقِيرٌ) أَيْ أَشَدُّ افْتِقَارًا (إلَى رَحْمَتِك) الْآنَ (وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ) أَيْ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ (مَنْطِقَهُ) أَيْ كَلَامَهُ (وَلَا تَبْتَلِهِ) أَيْ لَا تَخْتَبِرْهُ (فِي قَبْرِهِ بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (وَلَا تَفْتِنَّا) أَيْ لَا تُشْغِلْنَا بِسِوَاك (بَعْدَهُ) فَإِنَّ كُلَّ مَا يُشْغِلُ عَنْك فَهُوَ فِتْنَةٌ (تَقُولُ هَذَا) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ. [قَوْلُهُ: فَبِالْفَتْحِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ فِي الْمُصَنَّفِ، وَتَقْدِيرِ " وَوَسِّعْ " بِمُلَاصِقٍ مَوْضِعَ الدُّخُولِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُلَاصِقَ لِمَوْضِعِ الدُّخُولِ مَوْضِعُ الِاسْتِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ تَوْسِعَتُهُ وَكَذَا يُقَالُ عَلَى الضَّمِّ. وَقَوْلُهُ: وَمَوْضِعُ الدُّخُولِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرٍ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ وَوَسِّعْ مُلَاصِقُ مَوْضِعٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِالْغُسْلِ] الْمُنَاسِبُ الْإِغْسَالُ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَغَسَلَهُ، وَقَوْلُهُ: بَلْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ لِلطَّهَارَةِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَلْ هُوَ اسْتِعَارَةٌ لِلتَّطْهِيرِ، فَشَبَّهَ التَّطْهِيرَ بِالْإِغْسَالِ وَاسْتَعَارَ اسْمَهُ لَهُ وَاشْتَقَّ مِنْهُ اغْسِلْ بِمَعْنَى طَهِّرْ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءٍ وَثَلْجٍ تَرْشِيحٌ. فَائِدَةٌ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: الثَّلْجُ أَنْقَى مِنْ الْمَاءِ، وَالْبَرَدُ أَنْقَى مِنْ الثَّلْجِ فَارْتَكَبَ طَرِيقَ التَّرَقِّي. [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ يَقُولُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا بِيَدِي وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا إلَخْ. وَحِينَئِذٍ فَالْوَاوُ الدَّاخِلَةُ عَلَى كَأَنَّهُ وَاوُ الْمُصَنِّفِ الَّتِي مَدْخُولُهَا نَقِّهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ يَقُولُ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ عَطْفَ وَنَقِّهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: تَنْقِيَةً عَظِيمَةً] اُسْتُفِيدَ هَذَا مِنْ كَوْنِهَا أَيْ الطَّهَارَةِ بِتِلْكَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي الْإِنْقَاءِ. [قَوْلُهُ: كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ] إنَّمَا مَثَّلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الْغُسْلِ وَهَذَا تَمْثِيلٌ بِالنَّظَرِ لِحَالِ الْمَخْلُوقِ، وَإِلَّا فَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَلَوْلَا وُرُودُ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ لَمَا جَازَتْ. [قَوْلُهُ: أَيْ قَرَابَةً] أَيْ صَحَابَةً، فَقَوْلُهُ: يُوَالُونَهُ: أَيْ يُصَاحِبُونَهُ وَصْفٌ كَاشِفٌ. [قَوْلُهُ: وَأَبْدِلْهُ زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ. . . إلَخْ] أَرَادَ بِالزَّوْجِ الْجِنْسَ الصَّادِقَ بِمُتَعَدَّدٍ أَيْ عَوِّضْهُ الْآنَ زَوْجَاتٍ مِنْ الْحُورِ أَوْ مِمَّنْ مَضَى مِنْ الْآدَمِيَّاتِ الصَّالِحَاتِ أَحْسَنَ مِنْ زَوْجِهِ الَّذِي تَرَكَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا أَوْ بِصَدَدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعِ لَهُ زَوْجَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَتَّعُ بِهِنَّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ. وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا قَدْ تَكُونُ لَهُ. [قَوْلُهُ: إحْسَانٍ] أَيْ طَاعَةٍ [قَوْلُهُ: وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ] الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى مَوْصُوفِ أَيْ وَأَنْتَ خَيْرُ مُضِيفٍ أَوْ كَرِيمٍ مَنْزُولٍ بِهِ، أَيْ أَنْتَ خَيْرُ مَنْ يُنْزَلُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الضَّمِيرِ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَنْتَ يَا اللَّهُ خَيْرٌ مِنْ اللَّهِ هَكَذَا كُنْت قُلْته وَنَازَعَنِي بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ بَعْضِ أَئِمَّتِهِمْ بِكَوْنِ الضَّمِيرِ عَائِدًا عَلَى لِلَّهِ. فَقُلْت: هَذَا لَا يَصِحُّ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَدْت عج صَرَّحَ بِمَا قُلْته فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. [قَوْلُهُ: إلَى رَحْمَتِك] أَرَادَ بِهَا الْغُفْرَانَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ. [قَوْلُهُ: بِمَا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ] أَيْ لَا تَجْعَلْ نِهَايَةَ الِاخْتِبَارِ بِالسُّؤَالِ شَيْئًا لَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَابِ، بَلْ اجْعَلْ لَهُ قُدْرَةً عَلَى الْجَوَابِ أَوْ أَنَّ مَصْدُوقَ الشَّيْءِ كَوْنُ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ بِعُنْفٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ

وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قَوْلِهِ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ (بِإِثْرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ) بَعْضُهُمْ هَذَا عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، إذْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَإِنَّمَا يَقُولُ بَعْدَهَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْآنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَامٌّ يَقُولُهُ بِإِثْرِ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ حَتَّى الرَّابِعَةِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) يُرِيدُ إنْ شِئْت يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ دَعَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا) أَيْ اُسْتُرْ ذُنُوبَ مَنْ عَاشَ مِنَّا وَمَنْ مَاتَ أَيْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (وَحَاضِرِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا إنَّك تَعْلَمُ مُتَقَلَّبَنَا) أَيْ تَصَرُّفَاتِنَا فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا (وَ) تَعْلَمُ (مَثْوَانَا) أَيْ إقَامَتَنَا فِي أَحَدِ الدَّارَيْنِ (وَ) اغْفِرْ (لِوَالِدَيْنَا وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ وَ) اغْفِرْ (لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته) أَيْ أَبْقَيْته (مِنَّا فَأَحْيِهِ) أَيْ أَبْقِهِ (عَلَى الْإِيمَانِ) أَيْ الْكَامِلِ حَتَّى تُمِيتَهُ عَلَيْهِ (وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَانْظُرْ لِمَ خَصَّ الْأَحْيَاءَ بِالْإِيمَانِ وَالْإِمَاتَةَ بِالْإِسْلَامِ (وَأَسْعِدْنَا بِلِقَائِك) أَيْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (وَطَيَّبْنَا) أَيْ طَهِّرْنَا (لِلْمَوْتِ) بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ (وَطَيِّبْهُ لَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّنَاءِ] الثَّنَاءُ وَالصَّلَاةُ مَنْدُوبَانِ وَالدُّعَاءُ وَاجِبٌ وَلَوْ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَحْدَهُ، وَإِلَّا لَقَالَ وَيَزِيدُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ] كَذَا فِيمَا بِيَدِي مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظَةِ قَوْلِهِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ لَفْظَةِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْيِيرِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: صَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا إلَخْ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَعْنِي بِالصَّغِيرِ صَغِيرَ الْمُكَلَّفِينَ وَبِالْكَبِيرِ أَكْبَرَ الْمُكَلَّفِينَ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ صَحِيحًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَادَ الصِّغَارَ لَا تُكْتَبُ عَلَيْهِمْ السَّيِّئَاتُ. [قَوْلُهُ: إنَّك تَعْلَمُ إلَخْ] أَيْ وَحَيْثُ كُنْت الْعَالِمَ بِذَلِكَ فَأَنْتَ الَّذِي لَك الْغُفْرَانُ فَنَسْأَلُك إيَّاهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَصَرُّفَاتِنَا] إشَارَةً إلَى أَنَّ مُتَقَلَّبَ بِمَعْنَى التَّقَلُّبِ أَيْ التَّصَرُّفِ. [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَتَنَا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَثْوَى الْمَنْزِلُ الَّذِي هُوَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ لَا الْإِقَامَةَ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا حَذْفُ الْمَفْعُولِ، وَأَنَّ مَثْوَى مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْعِلْمِ بِالْإِقَامَةِ أَيْ بِزَمَنِهَا أَوْ بِكَمِّيَّتِهَا أَبْلَغُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِنَفْسِ الْمَثْوَى. [قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ الدَّارَيْنِ] الْمُرَادُ أَحَدٌ مُعَيَّنٌ الَّذِي هُوَ الدُّنْيَا لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ مُتَقَلَّبَنَا الَّذِي هُوَ التَّصَرُّفُ فِيهَا. وَقَالَ تت: وَمَثْوَانَا أَيْ إقَامَتُنَا فِي كِلْتَا الدَّارَيْنِ. وَفِي تَفْسِيرِهِ بِأَحَدِهِمَا نَظَرٌ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَلِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ] الْمُرَادُ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ. [قَوْلُهُ: وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَاحِدٌ وَهُمْ الْأَشْخَاصُ الْمُوَحِّدُونَ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي تَرَادُفِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَعَدَمِهِ، أَمَّا التَّرَادُفُ فَظَاهِرٌ عَدَمُهُ، فَبِأَنْ يُرَادَ مِنْ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ الْقَلْبِيُّ وَمِنْ الْإِسْلَامِ الِامْتِثَالُ الظَّاهِرِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ. [قَوْلُهُ: فَأَحْيِهِ] مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْيَاءُ. [قَوْلُهُ: فَتَوَفَّهُ] بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْأَلِفُ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لِمَ خَصَّ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ إنَّهُ حَيْثُ أُرِيدَ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الْمُحْتَوِي عَلَى التَّصْدِيقِ وَالْقَوْلِ وَالْأَعْمَالِ، وَقَدْ طَلَبَ الشَّارِعُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الشَّخْصُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ نَاسَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الدُّعَاءُ فِيهَا، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِسْلَامِ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» نَاسَبَ الدُّعَاءَ بِالْوَفَاةِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ] لَمَّا كَانَ اللُّقِيُّ لَا يَلِيقُ بِالْبَارِي؛ لِأَنَّهُ الِاسْتِقْبَالُ أَوْ الْمُصَادَفَةُ وَالْجَنَّةُ دَارُ الرَّبِّ وَدُخُولُ الدَّارِ يَسْتَلْزِمُ عُرْفًا فِي الْجُمْلَةِ لُقِيَّ رَبِّهَا فَسَّرَ اللُّقِيَّ بِمَلْزُومِهِ، وَهُوَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِرُؤْيَتِهِ. [قَوْلُهُ: بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ] أَيْ الصَّادِقَةِ وَرَدَ مَرْفُوعًا وَهِيَ أَنْ

وَاجْعَلْ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَوْتِ (رَاحَتَنَا وَمَسَرَّتَنَا) بِحُصُولِ مَا يُرْضِي وَيَسُرُّ (ثُمَّ تُسَلِّمُ) كَمَا تُسَلِّمُ مِنْ الصَّلَاةِ (وَإِنْ كَانَتْ) الْجِنَازَةُ (امْرَأَةً قُلْت اللَّهُمَّ إنَّهَا أَمَتُك ثُمَّ تَتَمَادَى بِذِكْرِهَا عَلَى التَّأْنِيثِ) فَتَقُولُ وَبِنْتُ أَمَتِك وَبِنْتُ عَبْدِك أَنْتَ خَلَقَتْهَا وَرَزَقَتْهَا إلَخْ (غَيْرَ أَنَّك لَا تَقُولُ وَأَبْدِلْهَا زَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَوْجًا فِي الْجَنَّةِ لِزَوْجِهَا فِي الدُّنْيَا) وَإِنَّمَا أَتَى بِقَدْ الدَّالَّةِ عَلَى التَّوَقُّعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ فِي الدُّنْيَا وَتَكُونَ لِغَيْرِهِ. (وَنِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ) أَيْ مَحْبُوسَاتٌ (عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا وَالرَّجُلُ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَوْجَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْجَنَّةِ) ق: وَانْظُرْ هَلْ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ أَوْ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ؟ قُلْت: رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ أَيِّمٍ وَمِائَةَ حَوْرَاءَ» الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَلَا يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ أَزْوَاجٌ) فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَنَصُوحٌ فَعُولٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ. [قَوْلُهُ: وَيَسُرُّ] عَطْفُ لَازِمٍ [قَوْلُهُ: ثُمَّ تُسَلِّمُ] أَيْ وُجُوبًا وَقَوْلُهُ: كَمَا تُسَلِّمُ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الدُّعَاءِ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ لِطُولِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي، بَلْ الْعَمَلُ وَالْأَحْسَنُ مَا اسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ مِنْ دُعَاءِ أَبِي هُرَيْرَةَ. [قَوْلُهُ: قُلْت اللَّهُمَّ] أَيْ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: الدَّالَّةِ عَلَى التَّوَقُّعِ] أَيْ عَلَى شَيْءٍ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ لَا مَجْزُومٌ بِحُصُولِهِ، فَصَحَّ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهَا زَوْجٌ إلَخْ. فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إذَا كَانَ لَهَا أَزْوَاجٌ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ تَكُونُ لَهُ فَقِيلَ لِلَّذِي افْتَضَّهَا. وَقِيلَ لِلْأَخِيرِ وَقِيلَ لِأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا، وَقِيلَ تُخَيَّرُ وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِيهَا. وَهَذَا إنْ مَاتَتْ وَلَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا قَالَ عج. تَنْبِيهٌ: لَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْمَيِّتَ هَلْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَتَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ حَضَرَ كَمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ وَيَقُولُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى اثْنَيْنِ: اللَّهُمَّ إنَّهُمَا عَبْدَاك أَوْ أَمَتَاك إلَى آخِرِهِ. وَفِي الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ: اللَّهُمَّ إنَّهُمْ عَبِيدُك وَأَبْنَاءُ عَبِيدِك إلَخْ. وَفِي الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ: اللَّهُمَّ إنَّهُنَّ إمَاؤُك وَبَنَاتُ إمَائِك وَبَنَاتُ عَبِيدِك إلَخْ. وَإِذَا اجْتَمَعَ مُذَكَّرٌ وَمُؤَنَّثٌ غُلِّبَ الْمُذَكَّرُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَحْبُوسَاتٌ] أَيْ بِحَيْثُ لَا تُفَارِقُ زَوْجَةٌ زَوْجَهَا وَتُعْطَى لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا] أَيْ لَا يَرْضَيْنَ بِهِمْ بَدَلًا فَأَفْضَلُ خِصَالِ الْمَرْأَةِ حُبُّهَا لِزَوْجِهَا وَهِيَ صِفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ مَا حَاصِلُهُ: وَأَتَى الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَبْسَ إكْرَاهٌ أَيْ لَا يُحْبِبْنَ غَيْرَهُمْ مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ وَلَا إكْرَاهٍ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا هَمَّ فِيهَا وَلَا إكْرَاهَ وَلَا حَزَنَ، إلَّا الْفَرَحُ الدَّائِمُ. [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ إلَخْ] لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ نِسَاءَ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ كَانَ مَظِنَّةَ سُؤَالِ تَقْدِيرِهِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَهَلْ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هَلْ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ أَوْ مِنْ الْحُورِ إلَخْ] أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى الْأَقْفَهْسِيِّ بِأَنَّهُ بَقِيَ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ بِأَنْ يَكُنْ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ] أَيْ قُلْت وَرَدَ أَنَّ الزَّوْجَاتِ الْكَثِيرَاتِ مِنْهُمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَخْ] صِفَةٌ لِقَوْلِهِ كُلُّ رَجُلٍ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ مَعْنًى بِقَوْلِهِ يُزَوَّجُ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعَةَ آلَافِ بِكْرٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَكْثَرِيَّةِ نِسَاءِ الدُّنْيَا فِي الْجَنَّةِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ: «اطَّلَعْت عَلَى الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الرِّجَالَ، وَاطَّلَعْت عَلَى النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» . وَأُجِيبَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ يُزَوَّجُ كُلُّ رَجُلٍ عَلَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ أَيْ بَعْضِ الرِّجَالِ. [قَوْلُهُ: أَيِّمٍ] أَيْ ثَيِّبٍ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَيِّمُ كَكَيِّسٍ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ] يُفِيدُ أَنَّ لَهُ بَقِيَّةً وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبَقِيَّتُهُ فَيَجْتَمِعْنَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَيَقُلْنَ

اجْتِمَاعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى فَرْجٍ وَاحِدٍ فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَنْفِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ، وَأُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنًى وَيَجُوزُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ (أَنْ تُجْمَعَ الْجَنَائِزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا لَا تُجْمَعُ وَيُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى هَيْئَةِ وَضْعِ الْجَنَائِزِ إذَا اجْتَمَعَتْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا. وَذَكَرَ لِذَلِكَ هَيْئَتَيْنِ أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَيَلِي الْإِمَامَ) بِالنَّصْبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمَوْتَى (الرِّجَالُ) بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ، وَرَفْعُ الْإِمَامِ (إنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْجَنَائِزُ (رِجَالًا جُعِلَ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَجُعِلَ مِنْ دُونِهِ النِّسَاءُ وَ) جُعِلَ (الصِّبْيَانُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ إلَى الْقِبْلَةِ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الصِّبْيَانِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَنَّ الذُّكُورَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ يَكُونُونَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ ثُمَّ الذُّكُورُ الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الذُّكُورُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْأَحْرَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ ثُمَّ أَرِقَّاؤُهُنَّ، وَالْهَيْئَةُ الثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْعَلُوا) أَيْ الْجَنَائِزُ (صَفًّا وَاحِدًا وَيُقَرَّبُ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ) هَذَا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَرِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ صِبْيَانٍ، وَأَمَّا إنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَصِبْيَانًا فَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ صَفُّ الرِّجَالِ ثُمَّ صَفُّ الصِّبْيَانِ ثُمَّ صَفُّ النِّسَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ الْهَيْئَةِ الْأُولَى لِابْتِدَائِهِ بِهَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَصْوَاتٍ حِسَانٍ لَمْ تَسْمَعْ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِنَّ نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَيْبَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ] كَأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إشَارَةً إلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِصِحَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ هَذَا إلَخْ] أَيْ مِنْ التَّعْلِيلِ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ تَكْلِيفٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَارَ تَكْلِيفٍ فَهِيَ دَارُ تَشْرِيفٍ، فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ بِنَحْوِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ لِكَرَاهَةِ النُّفُوسِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى وَيَجُوزُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يُسْتَحَبُّ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْحَسَنِ] وَهَلْ الصَّلَاةُ بَاطِلَةٌ عَلَى كَلَامِ الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ] أَيْ فَقَطْ أَيْ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَصِبْيَانًا فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْأَرِقَّاءُ الذُّكُورُ مُقَدَّمُونَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَاتِبَ عِشْرُونَ وَالشَّارِحُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا وَلَمْ يَمْشِ عَلَى الْمَرْضِيِّ مِنْهَا فِيمَا قَالَهُ وَالْمَرْضِيُّ مَا سَنَذْكُرُهُ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ: يَلِي الْإِمَامَ الْأَحْرَارُ الذُّكُورُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الذُّكُورُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْخَصِيُّ الْحُرُّ الْبَالِغُ، ثُمَّ الْخَصِيُّ الْحُرُّ الصَّغِيرُ، ثُمَّ الْخَصِيُّ الْعَبْدُ الْكَبِيرُ، ثُمَّ الْخَصِيُّ الْعَبْدُ الصَّغِيرُ، ثُمَّ الْمَجْبُوبُ الْحُرُّ الرَّجُلُ، فَمَجْبُوبٌ حُرٌّ طِفْلٌ، فَمَجْبُوبٌ عَبْدٌ رَجُلٌ، فَمَجْبُوبٌ عَبْدٌ طِفْلٌ، ثُمَّ الْخَنَاثَى الْأَحْرَارُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الْكِبَارُ، ثُمَّ الْخَنَاثَى الْعَبِيدُ الصِّغَارُ، ثُمَّ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ، ثُمَّ الصَّغِيرَةُ، ثُمَّ الْأَمَةُ الْبَالِغَةُ، ثُمَّ الصَّغِيرَةُ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ] كَرِجَالٍ فَقَطْ تَفَاوَتُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ أَوْ بِالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالسِّنِّ، وَفِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ بَهْرَامَ تَبَعًا لِلتَّوْضِيحِ وَهِيَ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْفَاضِلُ أَمَامَ الْإِمَامِ ثُمَّ يُجْعَلُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ مَفْضُولُ الْأَفْضَلِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ يُجْعَلُ عَنْ يَسَارِهِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَرْجَحُ أَنْ يُصَفُّوا صَفًّا وَاحِدًا مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْإِمَامِ وَشِمَالِهِ، فَيُجْعَلُ الْأَفْضَلُ أَمَامَ الْإِمَامِ وَمَفْضُولُهُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَمَفْضُولُ الْمَفْضُولِ عَنْ يَسَارِهِ، وَهَكَذَا وِفَاقًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ. [قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ صَفُّ الرِّجَالِ إلَخْ] أَيْ فَيُجْعَلُ الرِّجَالُ صَفًّا مِنْ جِهَةِ يَمِينِ الْإِمَامِ وَجِهَةِ أَمَامِهِ وَجِهَةِ شِمَالِهِ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ كَذَلِكَ، ثُمَّ النِّسَاءُ كَذَلِكَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ أُخْرَيَانِ الْأُولَى: أَنْ يُجْعَلَ صَفُّ الرِّجَالِ مِنْ الْإِمَامِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُجْعَلَ أَمَامَ الْإِمَامِ صَفُّ الصِّبْيَانِ كَذَلِكَ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ، وَصَفُّ النِّسَاءِ كَذَلِكَ عَلَى يَسَارِهِ.

وَلِقَوْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهَا تُشْعِرُ فِي الْغَالِبِ بِالتَّمْرِيضِ. وَلَمَّا كَانَ وَضْعُ الْجَنَائِزِ إذَا اجْتَمَعَتْ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا مُخَالِفًا لِوَضْعِهَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِذَلِكَ أَتَى الشَّيْخُ بِأَدَاةِ الْفَضْلِ فَقَالَ: (وَأَمَّا دَفْنُ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَيُجْعَلُ أَفْضَلُهُمْ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ جَوَازُ دَفْنِ الْجَمَاعَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَيَجُوزُ إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ مِثْلُ ضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ تَعَذُّرِ مَنْ يَحْفِرُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمْ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ. (وَمَنْ دُفِنَ) مِنْ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَوُرِيَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِحَدِيثِ الْمِسْكِينَةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْمِسْكِينَةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِيَةُ: أَنْ يُجْعَلَ الْأَصْنَافُ صَفًّا وَاحِدًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ وَتَأْتِي الطَّرِيقَتَانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ فِي الصَّفِّ الْوَاحِدِ طَرِيقَةُ بَهْرَامَ الْمَرْجُوحَةُ وَالثَّانِيَةُ الرَّاجِحَةُ. تَتِمَّةٌ: يُقَدَّمُ لِلْإِمَامِ الْأَعْلَمُ ثُمَّ الْأَفْضَلُ ثُمَّ الْأَسَنُّ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ خَلِيلٍ تَقْدِيمُ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ مَنْ بَعْدَهُ أَعْلَمَ مِنْهُ وَأَعْبَدَ وَأَسَنَّ أَوْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ ذَلِكَ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الطِّفْلِ وَالْعَبْدِ. وَيُقَدَّمُ عَالِمٌ عَلَى شَرِيفٍ عَامِّيٍّ لِظُهُورِ مَزِيَّةِ الْعِلْمِ وَقُدِّمَ حَافِظُ قُرْآنٍ عَلَى شَرِيفٍ عَامِّيٍّ وَمُحَدِّثٌ عَلَى فَقِيهٍ وَمُفَسِّرٌ عَلَى مُحَدِّثٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِشَرَفِ كُلِّ عَالِمٍ بِشَرَفِ مَعْلُومِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَإِنْ وَقَعَ التَّسَاوِي فَالْقُرْعَةُ، وَيُقَدَّمُ مِنْ الصِّبْيَانِ عَلَى غَيْرِهِ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَشَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، ثُمَّ مَنْ يُحَافِظُ مِنْهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ اهـ. [قَوْلُهُ: إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ] أَيْ فَيُكْرَهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِنْ كَانُوا مَحَارِمَ، وَكَمَا يَجُوزُ جَمْعُ الْأَمْوَاتِ فِي الْقَبْرِ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ أَجَانِبَ يَجُوزُ جَمْعُهُمْ فِي كَفَنٍ لِلضَّرُورَةِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ جَمْعِ الْأَمْوَاتِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِضَرُورَةٍ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا، مَحَلُّهُ إذَا كَانَ حَصَلَ دَفْنُهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ أَرَدْنَا دَفْنَ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ بَعْدَ تَمَامِ دَفْنِهِ فَيَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْرَ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَلَا يَحْرُمُ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ] أَيْ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيَّ وَابْنِ مَاجَهْ. [قَوْلُهُ: «احْفِرُوا» ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ. وَقَوْلُهُ: «وَأَوْسِعُوا» مِنْ أَوْسَعَ فَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ. وَقَوْلُهُ: «وَأَعْمِقُوا» مِنْ أَعْمَقَ فَهَمْزَتُهُ هَمْزُهُ قَطْعٍ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ بِهِ بِقَدْرِ مَا يَحْرُسُهُ مِنْ السِّبَاعِ. قَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ الْحُفْرَةُ مُقْتَصِدَةً لَا عَمِيقَةً جِدًّا وَلَا قَرِيبَةً مِنْ أَعْلَى الْأَرْضِ جِدًّا. وَقَوْلُهُ: «وَأَحْسِنُوا» مِنْ أَحْسَنَ فَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْإِتْقَانُ أَيْ أَتْقِنُوا فِيمَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالْعُمْقِ فَلَا تُوَسِّعُوا كَثِيرًا وَلَا تُعَمِّقُوا كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ: «وَادْفِنُوا» مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ. وَقَوْلُهُ: «الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ» الظَّاهِرُ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «وَقَدِّمُوا» ، سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي التَّقْدِيمِ مِنْ حَيْثُ الْإِيلَاءُ لِلْقِبْلَةِ، وَكَذَا يُنْدَبُ التَّقْدِيمُ فِي الْإِقْبَارِ، وَالْحَدِيثُ شَامِلٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: «أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» ] فَمَنْ يَحْفَظُ الْكُلَّ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ أَيْ الْكُلَّ، وَاَلَّذِي يَحْفَظُ النِّصْفَ يُقَدَّمُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ أَقَلَّ مِنْهُ وَهَكَذَا. [قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ كَتَعَذُّرِ آلَةِ الْحَفْرِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: فَيَجْعَلُ بَيْنَهُمْ حَاجِزًا] أَيْ يُنْدَبُ مُتَأَكِّدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ دُفِنَ] أَيْ بَعْدَ الْغُسْلِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دُفِنَ قَبْلَ غُسْلِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ وَيَجِبُ إخْرَاجُهُ لِلْغُسْلِ إلَّا أَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ فَيَسْقُطُ لِتَلَازُمِهِمَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ الصَّلَاةِ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْمِسْكِينَةِ] هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ قَدْ

فَذَلِكَ خَاصٌّ بِهَا أَوْ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَهَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فَقِيلَ: يُصَلَّى مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ وَتَمَزَّقَ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُجَاوِزْ شَهْرَيْنِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: وُورِيَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَارَ يُخْرَجْ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ. (وَيُصَلَّى عَلَى أَكْثَرِ الْجَسَدِ) كَالثُّلُثَيْنِ فَأَكْثَرَ بَعْدَ تَغْسِيلِهِ وَتَكْفِينِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجُلِّ حُكْمُ الْكُلِّ، وَيَنْوِي بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمَيِّتَ، وَلَا يُصَلَّى عَلَى نِصْفِ الْجَسَدِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ (وَاخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مِثْلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ) أَطْلَقَ الْمِثْلَ عَلَى الشَّيْءِ نَفْسِهِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهَا حَيًّا. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: يُصَلَّى عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَيَنْوِي بِذَلِكَ الْمَيِّتَ، وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْأَطْرَافِ مِثْلُ الْأُصْبُعِ وَالظُّفْرِ وَالشَّعْرِ قَالَهُ ع، وَفِي ك: أَنَّ الْأُصْبُعَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَتْ قَالَ: فَهَلَّا آذَنْتُمُونِي فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهِ» اهـ. كَلَامُ ابْنِ مَاجَهْ. وَقَوْلُهُ: تَقُمُّ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ أَيْ تَجْمَعُ الْقُمَامَةَ وَهِيَ الْكُنَاسَةُ، وَتِلْكَ الْمَرْأَةُ هِيَ أُمُّ مِحْجَنٍ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ وَتَمَزَّقَ] مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ وَتَمَزَّقَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ ظَنِّ الْبَقَاءِ أَوْ الشَّكِّ فِيهِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَتَى ظُنَّ الْبَقَاءُ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ أَيْ عِنْدَ خَشْيَةِ التَّغَيُّرِ، وَأَمَّا لَوْ تُيُقِّنَ ذَهَابُهُ وَلَوْ بِأَكْلِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَفِي نَصِّ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُوَارَ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّهُ مَتَى وَوُرِيَ لَا يُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ وَلَوْ تَمَّ دَفْنُهُ إلَّا أَنْ يُخْشَى تَغَيُّرُهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْفَوَاتُ الَّذِي يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْرِهِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ خَشْيَةَ تَغَيُّرِهِ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ وَعِيسَى. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ إلَخْ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُرِيدُ الصَّلَاةِ ثَانِيًا هُوَ الَّذِي صَلَّى أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ صُوَرٍ تِسْعٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ أَوَّلًا إمَّا فَذٌّ أَوْ مُتَعَدِّدٌ بِغَيْرِ إمَامٍ. أَوْ بِهِ، وَالْمُصَلِّي ثَانِيًا كَذَلِكَ فَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَوَّلًا بِإِمَامٍ كُرِهَتْ إعَادَتُهَا لِفَذٍّ وَمُتَعَدِّدٍ بِإِمَامٍ وَغَيْرِهِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَمَتَى صَلَّى عَلَيْهَا فَذًّا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِغَيْرِ إمَامٍ كُرِهَتْ إعَادَتُهَا لِفَذٍّ وَمُتَعَدِّدٍ بِغَيْرِ إمَامٍ لَا بِإِمَامٍ فَيُنْدَبُ، وَهَذِهِ سِتَّةٌ مُضَافَةٌ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ لَا يُصَلَّى عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مُفَادُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ نُسِبَ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى مَنْ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ. [قَوْلُهُ: وَيَنْوِي بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمَيِّتَ] أَيْ جَمِيعَهُ مَا حَضَرَ مِنْهُ وَمَا غَابَ كَمَا حَقَّقَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى نِصْفِ الْجَسَدِ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ ضَعِيفٌ، بَلْ وَلَوْ زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَكَانَ دُونَ الثُّلُثَيْنِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الرَّأْسِ أَيْ لِأَدَائِهِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ، وَاغْتُفِرَ غَيْبَةُ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ. [قَوْلُهُ: فَذَكَرَ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى أَطْلَقَ. [قَوْلُهُ: لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَيَنْوِي بِذَلِكَ الْمَيِّتَ] أَيْ وَيَنْوِي بِالصَّلَاةِ الْمَيِّتَ لَا خُصُوصَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، أَيْ وَيُغَلِّبُ كَوْنَ صَاحِبِهَا مَيِّتًا، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا حَيٌّ لَا يُصَلِّي قَطْعًا. [قَوْلُهُ: وَالشَّعْرِ إلَخْ] جَعْلُهُ مِنْ الْأَطْرَافِ تَسْمَحُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهَا الْأَعْضَاءُ.

[باب في الدعاء للطفل]

[21 - بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ] (بَابٌ فِي الدُّعَاءِ) أَيْ فِي بَيَانِ مَا يُدْعَى بِهِ (لِلطِّفْلِ) أَرَادَ بِهِ الْعُمُومَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: يُقَالُ لِلذَّكَرِ طِفْلٌ وَالْأُنْثَى طِفْلَةٌ وَحَدُّهُ سَنَةٌ فَأَقَلُّ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ (وَ) فِي بَيَانِ (الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) أَرَادَ مَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مِنْ الْأَطْفَالِ (وَ) فِي بَيَانِ (غُسْلِهِ) أَرَادَ بِهِ بَيَانَ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَمَنْ لَا يُغَسِّلُهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا هَذَا وَمَا قَبْلَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَحْكَامًا تَخْتَصُّ بِالطِّفْلِ مِنْ الِاسْتِهْلَالِ وَغُسْلِ الصَّغِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ ابْتَدَأَ الدُّعَاءَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (تُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ثُمَّ تَقُولُ: اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (إنَّهُ) أَيْ الطِّفْلَ أَوْ الْمَيِّتَ (عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك وَابْنُ أَمَتِك) وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُهُ وَمَا قَبْلَهُ وَابْنُ عَبْدَيْك (أَنْتَ خَلَقْته) أَيْ أَنْشَأْته (وَرَزَقْته وَأَنْتَ أَمَتَّهُ) فِي الدُّنْيَا (وَأَنْتَ تُحْيِيهِ) فِي الْآخِرَةِ (اللَّهُمَّ فَاجْعَلْهُ لِوَالِدِيهِ) ك: رُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الدَّالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ، وَلِذَا قِيلَ: وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ بِالْفَتْحِ لَقَالَ مَوَازِينَهُمَا إلَخْ. (سَلَفًا) أَيْ مُتَقَدِّمًا (وَذُخْرًا) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ مُدَّخَرًا فِي الْآخِرَةِ وَالِادِّخَارُ فِي الدُّنْيَا بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ (وَفَرَطًا) بِمَعْنَى سَلَفًا (وَأَجْرًا) عَظِيمًا (وَثَقِّلْ بِهِ) أَيْ بِأَجْرِ مُصِيبَتِهِ (مَوَازِينَهُمْ) أَيْ مَوْزُونَاتِهِمْ (وَأَعْظِمْ) أَيْ كَثِّرْ (بِهِ) أَيْ بِأَجْرِ مُصِيبَتِهِ (أُجُورَهُمْ وَلَا تَحْرِمْنَا وَإِيَّاهُمْ أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ شُهُودِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (وَلَا تَفْتِنَّا وَإِيَّاهُمْ بَعْدَهُ) بِمَا يُشْغِلُنَا عَنْك (اللَّهُمَّ أَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ] [بَابٌ فِي الدُّعَاءِ لِلطِّفْلِ] [قَوْلُهُ: وَحَدُّهُ سَنَةٌ] أَيْ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ [قَوْلُهُ: عَلَى دُونِ الْبُلُوغِ] أَيْ مَجَازًا لِلْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: وَغُسْلِ الصَّغِيرِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الَّذِي يُبَاشِرُ تَغْسِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي قَصَدَهُ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ نَحْوِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى مَنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: تُثْنِي عَلَى اللَّهِ] أَيْ تَحْمَدُ بِأَنْ تَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَمَعْنَى تَبَارَكَ تَزَايَدَ خَيْرُهُ، وَمَعْنَى تَعَالَى تَعَاظَمَ. [قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِك] ظَاهِرُهُ عَامٌّ فِي وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعِنَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: إنَّمَا يُقَالُ هَذَا فِي الثَّابِتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُقَالُ فِيهِ إنَّهُ عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك. [قَوْلُهُ: بَدَلُهُ] أَيْ بَدَلُ وَابْنُ أَمَتِك وَقَوْلُهُ: وَمَا قَبْلَهُ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَابْنُ عَبْدِك. [قَوْلُهُ: وَرَزَقْته] تَقُولُ وَلَوْ مَاتَ عَقِبَ الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ رَزَقَهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ. [قَوْلُهُ: فَاجْعَلْهُ إلَخْ] الْفَاءُ زَائِدَةٌ. [قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِيهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ سَلَفًا إلَخْ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَالِدَيْنِ دِنْيّة، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ. [قَوْلُهُ: وَذُخْرًا] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ سَلَفًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى سَلَفًا مُتَقَدِّمًا، وَمَعْنَى ذُخْرًا مُتَقَدِّمًا، وَقَوْلُهُ أَجْرًا عَظِيمًا أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ مَوْتِهِ مُصِيبَةً. [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْزُونَاتِهِمْ] لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالثِّقَلِ الْمَوْزُونُ أَيْ بِحَيْثُ تُرَجَّحُ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَأَعْظِمْ إلَخْ] لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكْثِيرِ التَّثْقِيلُ وَلَا مِنْ التَّثْقِيلِ التَّكْثِيرُ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَجْرَ شُهُودِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَالِدَانِ حَيَّيْنِ وَصَلَّيَا وَيَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَجْرَ مُصِيبَتِهِ. [قَوْلُهُ: بِصَالِحِ] أَيْ بِالصَّالِحِ مِنْ سَلَفٍ إلَخْ. فَهُوَ دُعَاءٌ بِرِفْعَةِ الْمَرْتَبَةِ بِأَنْ يُلْحِقَهُ بِالصَّالِحِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الصَّالِحُ وَغَيْرُ الصَّالِحِ فِي كَفَالَةِ

أَوْلَادِ (الْمُؤْمِنِينَ فِي كَفَالَةِ) أَيْ حَضَانَةِ (أَبِينَا إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (وَأَبْدِلْهُ دَارًا) أَيْ فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ دَارِهِ) أَيْ فِي الدُّنْيَا. (وَ) أَبْدِلْهُ (أَهْلًا) أَيْ: قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ (خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ قَرَابَتِهِ فِي الدُّنْيَا بِجِوَارِهِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ يُؤَانِسُونَهُ، (وَعَافِهِ) أَيْ نَجِّهِ (مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ) وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ لِسُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَضَمَّةِ الْقَبْرِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهَا لِكُلِّ أَحَدٍ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا مُؤْمِنًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لَكِنَّ ضَمَّهَا لِلْمُؤْمِنِ ضَمُّ شَفَقَةٍ كَضَمَّةِ الْوَالِدَةِ الشَّفُوقَةِ لِوَلَدِهَا وَتَقُولُ: مَرْحَبًا بِمَنْ كُنْت أُحِبُّهُ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ الْآنَ وَهُوَ فِي بَطْنِي، وَضَمَّةُ الْكَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإبْرَاهِيمَ. [قَوْلُهُ: سَلَفِ أَوْلَادِ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ بِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ السَّالِفِينَ أَيْ الَّذِينَ مَاتُوا، وَهَلْ أَرَادَ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ مُؤْمِنِي كُلِّ أُمَّةٍ. [قَوْلُهُ: فِي كَفَالَةِ أَيْ حَضَانَةِ إلَخْ] . وَذَلِكَ لِأَنَّ «نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ شَيْخًا فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ وَحَوْلَهُ صِبْيَانٌ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُوك إبْرَاهِيمُ وَهَؤُلَاءِ أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ» ، وَالتَّقْيِيدُ بِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُمْ فِي كَفَالَتِهِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ غَيْرِهِمْ الْجَنَّةَ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: يُمْكِنُ أَنَّ أَوْلَادَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا مُسَاوِينَ لِأَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَعَلَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ. [قَوْلُهُ: أَبِينَا إبْرَاهِيمَ] قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: مَعْنَى إبْرَاهِيمَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَبٌ رَحِيمٌ وَذَلِكَ لِرَحْمَتِهِ بِالْأَطْفَالِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ كَافِلَيْنِ لِأَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ صِغَارًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأُبُوَّةِ الَّتِي أَشَارَ لَهَا شَارِحُنَا بِقَوْلِهِ أَبِينَا تِلْكَ الْأُبُوَّةُ مِنْ حَيْثُ الشَّفَقَةُ إذْ كُنَّ صِغَارًا؛ لِأَنَّهُ جَدٌّ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ كُلِّهِمْ. تَنْبِيهٌ: يَقُولُ ذَلِكَ الدُّعَاءَ وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أَبًا أَوْ أُمًّا لِلطِّفْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ هُوَ الْمَأْثُورُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَاجْعَلْهُ لِوَالِدَيْهِ سَلَفًا فَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ، وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ أَوْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلسَّابِي فَلَا يَقُولُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَيُسْقِطُ أَبَاهُمْ. [قَوْلُهُ: وَأَبْدِلْهُ دَارًا أَيْ فِي الْآخِرَةِ] أَيْ وَهِيَ الْجَنَّةُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا دُعَاءٌ بِمَا هُوَ حَاصِلٌ، فَالدُّعَاءُ بِهِ مَحْضُ تَعَبُّدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَدْعُوُّ بِهِ مَوْضِعٌ مُرْتَفِعٌ فِي الْجَنَّةِ. وَقَوْلُهُ: خَيْرًا مِنْ دَارِهِ فِي الدُّنْيَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَنَّةَ أَوْ الْمَوْضِعَ الْمُرْتَفِعَ خَيْرٌ مِنْ دَارِهِ فِي الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: وَأَبْدِلْهُ أَهْلًا] أَيْ قَرَابَةً فِي الْآخِرَةِ إلَخْ. لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي كَفَالَةِ إبْرَاهِيمَ فَقَدْ أُبْدِلَ أَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ. وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَرَابَةٌ أُخْرَى زِيَادَةٌ عَنْ تِلْكَ الْقَرَابَةِ، وَتِلْكَ الْقَرَابَةُ الزَّائِدَةُ الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ. [قَوْلُهُ: بِجِوَارِهِ] أَيْ تِلْكَ الْقَرَابَةُ بِجِوَارِهِ. وَقَوْلُهُ: بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ تِلْكَ الْقَرَابَةُ مُصَوَّرَةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ عَدَمُ الثَّبَاتِ] تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ السُّؤَالُ، وَيَتَسَبَّبُ عَنْهُ عَدَمُ الثَّبَاتِ وَقَوْلُهُ: لِلسُّؤَالِ أَيْ لِأَجْلِ السُّؤَالِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ وَأَنَّهُ قَابِلٌ لِلِافْتِتَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي السُّؤَالِ. وَأَمَّا الِافْتِتَانُ فَمُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَابِلٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ نَظَرًا لِكَوْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ أَنْ يُعَذِّبَ الطِّفْلَ عَقْلًا وَإِنْ امْتَنَعَ شَرْعًا. وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَعَافِهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ. [قَوْلُهُ: وَضَمَّةِ الْقَبْرِ] مَعْطُوفٌ عَلَى عَدَمِ الثَّبَاتِ، وَالْمُرَادُ ضَمَّةٌ عَلَى وَجْهِ مُنْكَرٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّ ضَمَّتَهَا لِلْمُؤْمِنِ إلَخْ] أَيْ الْمُؤْمِنِ الطَّائِعِ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤْمِنِ غَيْرِهِ. تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَيْ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ دُعَاءُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنْ كَانَ يَكْفِي مُطْلَقُ الدُّعَاءِ بَلْ لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اُعْفُ عَنْهُ كَفَى وَإِنْ صَغِيرًا. وَالْحُكْمُ فِي اجْتِمَاعِ الْكِبَارِ وَالْأَطْفَالِ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْكِبَارِ عَلَى الْأَطْفَالِ أَوْ يَجْمَعُهُمْ فِي دُعَاءٍ وَاحِدٍ وَيَقُولُ عَقِبَ ذَلِكَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَوْلَادَ سَلَفًا لِوَالِدَيْهِمْ وَفَرَطًا وَأَجْرًا فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: مَرْحَبًا] أَيْ نَزَلْت مَكَانًا رَحْبًا أَيْ وَاسِعًا. [قَوْلُهُ: بِمَنْ كُنْت أُحِبُّهُ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ الْحَيَاةِ مَوْجُودٌ فِيهَا أَيْ كَغَيْرِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

ضَمَّةُ عَذَابٍ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ وَتَقُولُ: لَا مَرْحَبًا بِمَنْ كُنْت أُبْغِضُهُ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِي فَكَيْفَ الْآنَ وَهُوَ فِي بَطْنِي (وَ) عَافِهِ (مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ تَقُولُ ذَلِكَ) أَيْ كُلَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى هُنَا (فِي كُلِّ) أَيْ بَعْدَ كُلِّ (تَكْبِيرَةٍ) مَا عَدَا الرَّابِعَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَبَعْدَهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ (وَتَقُولُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) إنْ شِئْت (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَسْلَافِنَا وَأَفْرَاطِنَا) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (وَ) اغْفِرْ (لِمَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ) الْكَامِلِ (وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ) يَعْنِي شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَاغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ تَفْرُغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ (تُسَلِّمُ) كَتَسْلِيمِك مِنْ الصَّلَاةِ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَى مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ صَارِخًا) وَلَا يُغَسَّلُ وَلَوْ تَحَرَّكَ أَوْ بَالَ أَوْ عَطَسَ أَوْ رَضَعَ يَسِيرًا، وَهَذَا النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، أَمَّا مَنْ اسْتَهَلَّ فَلَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ وَإِنْ مَاتَ بِالْفَوْرِ بِلَا خِلَافٍ (وَ) مِنْ أَحْكَامِ مَنْ لَا يَسْتَهِلُّ أَنَّهُ (لَا يَرِثُ) مَنْ تَقَدَّمَهُ بِالْمَوْتِ (وَلَا يُورَثُ) مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ وُهِبَ لَهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْحَيَاةِ (وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْفَنَ السِّقْطُ) بِتَثْلِيثِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا تُسْقِطُهُ الْمَرْأَةُ قَبْلَ تَمَامِ خَلْقِهِ (فِي الدُّورِ) خَوْفًا مِنْ أَنْ تُهْدَمَ الدَّارُ فَتُنْبَشَ عِظَامُهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهَا فَيَدْخُلُ الْحَبْسُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَيْبًا فِي الدَّارِ بِخِلَافِ دَفْنِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ عَيْبٌ بِهَا. (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنًى وَيُبَاحُ (أَنْ يُغَسِّلَ النِّسَاءُ) الْأَجَانِبُ (الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ) أَيْ سَبْعِ سِنِينَ وَثَمَانِ سِنِينَ وَلَا يُغَسِّلْنَهُ إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُغَسِّلْنَهُ بِحُضُورِ الرِّجَالِ وَلَا يَسْتُرْنَ عَوْرَتَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُنَّ أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى بَدَنِهِ. (وَلَا يُغَسِّلُ الرِّجَالُ الصَّبِيَّةَ) وَهَذَا النَّهْيُ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى تَخْتَلِفَ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالِاخْتِلَافِ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا. [قَوْلُهُ: اغْفِرْ لِأَسْلَافِنَا إلَخْ] أَيْ مَنْ سَبَقَنَا بِالْمَوْتِ مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَقَارِبِنَا. وَقَوْلُهُ: مَنْ سَبَقَنَا بِالْإِيمَانِ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَضَعَ يَسِيرًا] أَيْ لَا كَثِيرًا فَهُوَ عَلَامَةُ الْحَيَاةِ وَغُسِلَ دَمُ السِّقْطِ نَدْبًا وَلُفَّ بِخِرْقَةٍ وُورِيَ وُجُوبًا فِيهِمَا وَلَا يُسْأَلُ وَلَا يُبْعَثُ وَلَا يَشْفَعُ إنْ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ حُكْمُ الْحَيَاةِ] الْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ فَلَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ. [قَوْلُهُ: مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَخْ] التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لِإِخْرَاجِ الْغُرَّةِ فَتُورَثُ عَنْهُ، وَإِنْ نَزَلَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ عَنْ ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُورَثُ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مُتَصَدِّقِهِ أَوْ وَاهِبِهِ. [قَوْلُهُ: مَا تُسْقِطُهُ الْمَرْأَةُ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَلَوْ تَمَّتْ خِلْقَتُهُ. [قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْحَبْسُ إلَخْ] ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ قَبْرَ السِّقْطِ لَيْسَ بِحَبْسٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَهِلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ فَقَبْرُهُ حَبْسٌ. [قَوْلُهُ: النِّسَاءُ] الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ: الْأَجَانِبُ أَيْ وَالْمَحَارِمُ أَحْرَى. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلْنَهُ أَيْ لَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: بِحُضُورِ الرِّجَالِ] أَيْ جِنْسِ الرِّجَالِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى وَلَوْ مَعَ حُضُورِ الرِّجَالِ أَوْ تَبْقَى الْعِبَارَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَيُفْرَضُ فِي نِسَاءٍ غَيْرِ عَارِفَاتٍ بِحُكْمِ الْغُسْلِ إذْ لَوْ كُنَّ عَارِفَاتٍ لَمْ يُحْتَجْ لِحُضُورِ الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتُرْنَ] أَيْ وَلَا يُكَلَّفْنَ بِسَتْرِ عَوْرَتِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ] عِلَّةٌ لَهُ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الِاحْتِيَاجِ لِتِلْكَ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ تَغْسِيلِهِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ مَسِّ عَوْرَتِهِ فَالنَّظَرُ أَوْلَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ النَّظَرِ التَّغْسِيلُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِ وَلَمْ يُرَاهِقْ لَا يَجُوزُ تَغْسِيلُهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ النَّظَرُ لَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَاهِقَ لَا تَنْظُرُ لَهُ وَلَا تُغَسِّلُهُ وَالْمُجَاوِزُ لِلثَّمَانِ وَدُونَ الْمُرَاهِقِ تَنْظُرُ لِعَوْرَتِهِ وَلَا تُغَسِّلُهُ؛ لِأَنَّ التَّغْسِيلَ فِيهِ جَسٌّ، وَابْنُ ثَمَانٍ فَأَقَلُّ تَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ وَتُغَسِّلُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُغَسِّلُ الرِّجَالُ الصَّبِيَّةَ] كَمَا لَا يَجُوزُ نَظَرُهُمْ لَهَا فَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ إلَى حَدٍّ تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ وَتُشْتَهَى سُتِرَتْ عَوْرَتُهَا انْتَهَى. وَمَثَلُ الْبَالِغِ فِي ذَلِكَ الْمُرَاهِقُ فَقَدْ قَالَ عج: وَأَمَّا نَظَرُ الْمُرَاهِقِ لِعَوْرَةِ غَيْرِ الْبَالِغَةِ فَيَجْرِي

تُشْتَهَى كَبِنْتِ سِتِّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ، وَيُغَسِّلُونَهَا إنْ كَانَتْ رَضِيعَةً اتِّفَاقًا (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي غُسْلِهَا (إنْ كَانَتْ) غَيْرَ رَضِيعَةٍ وَكَانَتْ (مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْ أَنْ تُشْتَهَى) كَبِنْتِ ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ قِيَاسًا عَلَى غُسْلِ النِّسَاءِ ابْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَرْبَعٍ وَخَمْسٍ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْأُنُوثَةِ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالْأَوَّلُ) أَيْ تَرْكُ الْغُسْلِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُغَسَّلُ إلَخْ (أَحَبُّ إلَيْنَا) ع: ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَامٌّ فِي الْمَحْرَمِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلٌ، وَقِيلَ: هَذَا فِي الْأَجَانِبِ وَأَمَّا ذُو الْمَحْرَمِ فَيَجُوزُ لَهُ غَسْلُهَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ سِتْرُهَا، وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهَاوَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَيْضًا وَهُوَ الصَّوْمُ فَقَالَ:. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَظَرِ الْبَالِغِ لِعَوْرَةِ غَيْرِ الْبَالِغَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ رَضِيعَةً] أَيْ أَوْ مَا قَارَبَهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ: كَبِنْتِ ثَلَاثِ سِنِينَ. [قَوْلُهُ: فَأَجَازَهُ أَشْهَبُ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أَحَبُّ إلَيْنَا لِلْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا قَوْلٌ] ظَاهِرُ خَلِيلٍ وَمَنْ شَرَحَهُ اعْتِمَادُ هَذَا الْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ سِتْرُهَا] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَلُفَّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَهَا أَيْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الرُّؤْيَةُ مِنْ غَيْرِ تَغْسِيلٍ فَيَجُوزُ قَطْعًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَأَوْلَى الْمُرَاهِقُ أَنْ يَنْظُرَ لِعَوْرَةِ مَنْ لَمْ تُشْتَهَ وكَانَتْ بِنْتَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّغْسِيلُ.

[باب في الصيام]

[22 - بَابٌ فِي الصِّيَامِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (الصِّيَامِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَهُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَالتَّرْكُ، فَمَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ مَا وَتَرَكَهُ قِيلَ لَهُ صَائِمٌ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ صَمْتًا وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْكَلَامِ، وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَيَّامِ الْأَعْيَادِ، وَالصَّوْمُ بِاعْتِبَارِ حُكْمِهِ يَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ الْوَاجِبِ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) أَخْبَرَ بِالْمُؤَنَّثِ عَنْ الْمُذَكَّرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَصْدَرٌ يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ. وَلِوُجُوبِهِ شُرُوطٌ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَهُوَ كَافِرٌ إجْمَاعًا يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ صَوْمِهِ فَهُوَ عَاصٍ يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا كَالصَّلَاةِ. وَيَثْبُتُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا بِإِتْمَامِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَإِمَّا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (يُصَامُ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الصِّيَامِ] بَابُ الصِّيَامِ فَإِنْ قُلْت الَّذِي فِي حَدِيثِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّوْمِ فَلِمَ خَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ؟ قُلْت: لَعَلَّهُ رَأَى عُمُومَ الصَّوْمِ وَشُمُولَهُ لِغَالِبِ الْمُكَلَّفِينَ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ الصِّيَامِ] أَيْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصِّيَامِ. وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِالصِّيَامِ أَيْ يَرْتَبِطُ بِهِ أَيْ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّرْكُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ إلَخْ] أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا فَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْبَطْنِ الْحَلْقُ وَيَقُومُ مَقَامَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ الْقُبْلَةُ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ] الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ رَمَضَانَ غَيْرَ مُضَافٍ لِلشَّهْرِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةً عَلَى الشَّهْرِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ، وَسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ يَرْمَضُ الذُّنُوبَ أَيْ يَحْرِقُهَا. [قَوْلُهُ: يُخْبَرُ عَنْهُ بِالْمُذَكَّرِ إلَخْ] إنْ كَانَ مَسْمُوعًا مَنْقُولًا فَمُسَلَّمٌ وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِالْمُؤَنَّثِ، إنَّمَا يَظْهَرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ عِبَادَةً لَا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَصْدَرًا. [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . وَأَمَّا السُّنَّةُ فَحَدِيثُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» . وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ. [قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا] أَيْ بَعْدَ أَنْ يُؤَخَّرَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ قَدْرُ مَا يَسَعُهَا. وَقَوْلُنَا مِنْ وَقْتِ نِيَّتِهِ يَدْخُلُ فِيهِ مُصَاحَبَةُ الْفَجْرِ فَإِنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَمَعَهُ أَيْضًا، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْفَجْرِ وَطُلِبَ مِنْهُ وَلَمْ يَنْوِ مَعَهُ قُتِلَ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ الصَّلَاةُ قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ، وَكَتَبَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَلَيَّ وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَخْ. ظَاهِرُهُ بَقِيَّةُ النَّهَارِ فَإِنْ مَضَى النَّهَارُ فَهَلْ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْفَائِتَةِ أَوْ يُقْتَلُ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ

بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) كَمَا يُصَامُ لِرُؤْيَتِهِ (يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ) أَيْ لِرُؤْيَةِ شَوَّالٍ سَوَاءٌ (كَانَ) الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَ الشَّهْرِ الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ (ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَإِنْ غُمَّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (الْهِلَالُ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ غَيْمٌ (فَيُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ غُرَّةِ) يَعْنِي مِنْ أَوَّلِ (الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ) وَهُوَ شَعْبَانُ (ثُمَّ يُصَامُ وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ) يُفْعَلُ فِيهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ يُعَدُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ رَمَضَانُ ثُمَّ يُفْطَرُ، وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» . وَشُرُوطُ الصَّوْمِ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ يَنْوِي بِقَلْبِهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ مَنْ اسْتَغْرَقَ طَرْفَيْ النَّهَارِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ (وَ) بَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ فَ (لَيْسَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا (الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ) أَيْ بَقِيَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ. وَعَنْ مَالِكٍ يَجِبُ التَّبْيِيتُ كُلَّ لَيْلَةٍ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ عِبَادَاتٌ يَنْفَرِدُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَلَا يَفْسُدُ بَعْضُهَا بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لَيْلًا فَصَارَتْ الْأَيَّامُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي الْيَوْمِ فَيَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ بِنِيَّةٍ كَمَا تَنْفَرِدُ كُلُّ صَلَاةٍ بِنِيَّةٍ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَتَنَاوَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَفِيضَةً] بِأَنْ وَقَعَتْ مِنْ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ. [قَوْلُهُ: مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ] أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَمِثْلُ الْعَدْلَيْنِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ الْمَوْثُوقُ بِخَبَرِهِ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَحَلُّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فِي حَقِّ أَهْلِ الرَّائِي وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ فَلَا يَثْبُتُ بِرُؤْيَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ فِي حَقِّ أَهْلِهِ وَلَوْ صَدَّقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْحَاكِمِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ كَفَّرَ وَلَوْ مُتَأَوِّلًا؛ لِأَنَّ تَأْوِيلَهُ بَعِيدٌ. وَأَفْهَمَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُؤْيَةً أَنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ إنَّهُ مَوْجُودٌ وَلَا يُرَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ إنَّمَا عَوَّلَ عَلَى الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى الْوُجُودِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: يُفْطَرُ لِرُؤْيَتِهِ] كَانَتْ الرُّؤْيَةُ مُسْتَفِيضَةً أَوْ بِشَاهِدَيْنِ فَقَطْ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لَا بِرُؤْيَةِ مُنْفَرِدٍ. وَلَوْ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْتَنَى فِيهِ بِأَمْرِ الْهِلَالِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ الْعَدْلِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ] فَالضَّمِيرُ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هِلَالُ رَمَضَانَ، وَالثَّانِي هِلَالُ شَوَّالٍ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا] أَيْ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَأْتِي كَامِلًا وَنَاقِصًا. [قَوْلُهُ: الَّذِي تَثْبُتُ رُؤْيَتُهُ] الثَّابِتُ رُؤْيَتُهُ إمَّا شَوَّالٌ أَوْ رَمَضَانُ، وَالشَّهْرُ الْأَوَّلُ إمَّا رَمَضَانُ فِي هَذِهِ أَوْ شَعْبَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. [قَوْلُهُ: فَيَعُدُّ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ عِدَّةَ ثَلَاثِينَ مِنْ عِدَّةِ مَا قَبْلَهُ وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا كَامِلَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَوَاقِصَ وَلَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَوَامِلَ كَذَا أَفَادَهُ عج. وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ ثَلَاثِينَ مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ. وَيَعُدُّ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْمُكَلِّفُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ غُمَّ هِلَالُ شَوَّالٍ إلَخْ] تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ. [قَوْلُهُ: وَأَصْلُ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» . الْبَاجِيُّ: تَقْدِيرُهُ إتْمَامُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ثَلَاثِينَ، وَالتَّقْدِيرُ يَأْتِي بِمَعْنَى التَّمَامِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ طُلُوعِهِ] أَيْ يَنْوِي مُقَارِنًا لِطُلُوعِهِ. [قَوْلُهُ: الْقُرْبَةَ إلَى اللَّهِ] أَيْ التَّقَرُّبَ أَقُولُ: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ الْفِعْلَ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ أَنْ يُبَيِّتَ الصِّيَامَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ] قَالَ تت: فُهِمَ مِنْ يُبَيِّتُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ تُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَيَاتُ فِي بَقِيَّتِهِ] أَيْ وَكَذَلِكَ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ تَتَابُعُهُ يَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَالظِّهَارِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ مَا نَذَرَهُ مُتَتَابِعًا وَلَا تَكْفِي فِي صَوْمٍ مَسْرُودٍ وَلَا فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَنْفِيَّ

هَذَا الْأَمْرُ صَوْمًا وَاحِدًا وَهُوَ صَوْمُ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مُبَيَّتَةً لِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ الْفَجْرِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّيَّةِ أَنْ تُقَارِنَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ تَقْدِيمُهَا فِي الصَّوْمِ لِلْمَشَقَّةِ. تَنْبِيهٌ: ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ لِمَنْ انْقَطَعَ صَوْمُهُ كَالْحَائِضِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ تَجْدِيدُهَا. ثَانِيهَا: الْإِسْلَامُ. ثَالِثُهَا: الْعَقْلُ. رَابِعُهَا: النَّقَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. خَامِسُهَا: الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ. سَادِسُهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الصَّوْمِ. سَابِعُهَا: الْبُلُوغُ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ غَايَتَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُتِمُّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ) لِلْآيَةِ. وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحِ: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» . أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ. تَنْبِيهٌ: ج: قَالَ الْبَاجِيُّ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ إلَى اللَّيْلِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ. (وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا هُوَ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَبْيِيتُهَا كُلَّ لَيْلَةٍ. [قَوْلُهُ: أَصْحَابُ السُّنَنِ] الظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ لِلْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} [البقرة: 187] إلَخْ] لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى ظُهُورِ الْفَجْرِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَكْلَ فِي حَالِ الطُّلُوعِ غَيْرُ مُضِرٍّ فَلْتَكُنْ النِّيَّةُ مِثْلَهُ. [قَوْلُهُ: لِمَنْ انْقَطَعَ صَوْمُهُ إلَخْ] بَقِيَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ إذَا تَمَادَيَا عَلَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا النِّيَّةُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي حَقِّهِمَا وَعِنْدَ صِحَّةِ الْمَرِيضِ وَقُدُومِ الْمُسَافِرِ يَكْفِيهِمَا نِيَّةٌ لِمَا بَقِيَ كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ. [قَوْلُهُ: ثَانِيهَا الْإِسْلَامُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ شُرُوطَ صِحَّةٍ وَشُرُوطَ وُجُوبٍ وَشُرُوطَ وُجُوبٍ وَصِحَّةٍ، فَالنِّيَّةُ شَرْطُ صِحَّةٍ كَالْإِسْلَامِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ. وَبَقِيَ وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّمَنُ الْقَابِلُ لِلصَّوْمِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ زَمَنٌ مُعَيَّنٌ. وَالْوُجُوبُ اثْنَانِ الْبُلُوغُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الصَّوْمِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا، وَالْوُجُوبُ وَالصِّحَّةُ وَالْعَقْلُ وَالنَّقَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَدُخُولُ وَقْتِ الصَّوْمِ فِيمَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَكَلَّمَ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَقِيَ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: سَابِعُهَا الْبُلُوغُ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا ثَوَابَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْأَمْرَ. [قَوْلُهُ: أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ وَتَمَّ] أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِفْطَارُ بِالْفِعْلِ أَيْ فَفِي الْمُصَنِّفِ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ. وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ يَعْنِي ظُلْمَتُهُ مِنْ هَاهُنَا يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَأَدْبَرَ النَّهَارُ أَيْ ضَوْءُهُ مِنْ هَاهُنَا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ انْقَضَى صَوْمُهُ شَرْعًا أَوْ تَمَّ صَوْمُهُ شَرْعًا أَوْ أَفْطَرَ حُكْمًا أَوْ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِخْبَارِ عَلَى الْإِنْشَاءِ إظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْ إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ فَلْيُفْطِرْ الصَّائِمُ؛ لِأَنَّ الْخَبَرِيَّةَ مَنُوطَةٌ بِتَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ وَحَصَلَ وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمُوَاصِلِينَ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ اهـ. [قَوْلُهُ: يَقْتَضِي وُجُوبَهُ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ] أَيْ فَيُمْسِكُ حَتَّى يَمْضِيَ جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي وُجُوبِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، أَيْ فَقَوْلُهُ: إلَى اللَّيْلِ أَيْ إلَى تَحَقُّقِهِ وَتَحَقُّقُهُ يَكُونُ بِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ أَنَّ الْغَايَةَ خَارِجَةٌ. تَنْبِيهٌ: الْوِصَالُ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مُبَاحٌ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ. [قَوْلُهُ: تَعْجِيلُ الْفِطْرِ إلَخْ] أَيْ وَلَوْ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ حَيْثُ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ رُطَبَاتٍ مِنْ كُلِّ مَا خَفَّ وَإِلَّا قُدِّمَتْ

الْفِطْرِ) بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَقَالَ: بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ كَمَا يَحْرُمُ يَوْمَ الْعِيدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَجْرُ الصِّيَامِ. ع: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «يُعْتِقُ اللَّهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبْعِينَ أَلْفَ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ إلَّا مُفْطِرًا عَلَى مُسْكِرٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ مَنْ آذَى مُسْلِمًا» انْتَهَى. اُنْظُرْ مَنْ خَرَّجَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَأَيْت مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ (وَ) مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا (تَأْخِيرُ السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا، فَالْفَتْحُ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُصْطَلَحَ عَلَيْهَا أَوْ الْمُسْتَحَبَّ وَقَدْ عَدَّهَا صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» . تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ مِنْ حُكْمِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ حُكْمُ السُّحُورِ الظَّاهِرِ؟ لَا فَإِنَّهَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَالْحُكْمُ فِيهَا الِاسْتِحْبَابُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» . قَالَ بَعْضُهُمْ: بَرَكَتُهُ التَّقَوِّي عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مَضِيقٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَالطَّعَامُ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ إلَى تَقْدِيمِ الطَّعَامِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ دُخُولِ اللَّيْلِ] وَتَحَقُّقُ دُخُولِ اللَّيْلِ يَكُونُ بِتَحَقُّقِ غُرُوبِ جَمِيعِ قُرْصِ الشَّمْسِ لِمَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ دُخُولِ الظُّلْمَةِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْغُرُوبِ لِمَنْ لَمْ يَنْظُرْ قُرْصَ الشَّمْسِ كَمَحْبُوسٍ بِحُفْرَةٍ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَا مُخْبِرَ لَهُ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ إلَخْ] قَالَ عج: بَعْدَ مَا نَقَلَ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ إلَيَّ فَقَوْلُهُ وَلَهُ أَجْرُ الصَّائِمِ إلَخْ. قُلْت: إمْسَاكُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ يَحْرُمُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَهُ أَجْرَ الصَّائِمِ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ لَا وَجْهَ لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عج: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفِطْرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَكْرُوهٌ اهـ. [قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى طَعَامٍ حَلَالٍ] أَيْ يَتَأَكَّدُ الْوُجُوبَ وَإِلَّا فَتَنَاوُلُ الطَّعَامِ الْحَلَالِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا إفْطَارًا أَوْ غَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: يُعْتِقُ] بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ أَعْتَقَ. [قَوْلُهُ: وَالضَّمُّ اسْمٌ لِلْفِعْلِ] أَيْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا. [قَوْلُهُ: بَعْدَ تَحَقُّقِ بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ] وَقَدْرُ التَّأْخِيرِ الْأَكْمَلِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْقَارِئُ الْمُتَمَهِّلُ فِي قِرَاءَتِهِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَوَقْتُ تَأْخِيرِ السُّحُورِ يَدْخُلُ ابْتِدَاؤُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ، وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ أَفْضَلَ. [قَوْلُهُ: هَلْ أَرَادَ إلَخْ] أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ السُّنَّةِ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، يُقَالُ: بَلْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الْمُسْتَحَبَّ حَتَّى لَا يُخَالِفَ قَوْلَ الْمُخْتَصَرِ وَنُدِبَ تَعْجِيلُ فِطْرٍ وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ. [قَوْلُهُ: فَتَمَرَاتٌ] بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ وَالْمُرَادُ بِهِ تَمْرُ النَّخْلِ إنَّمَا نُدِبَ الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْحَلَوِيَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا زَاغَ مِنْ الْبَصَرِ بِالصَّوْمِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ] وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ الْفِطْرُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ. وَاسْتَحَبَّ أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَوْنَ التَّمْرِ ثَلَاثًا وَلَعَلَّ الرُّطَبَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ عِنْدَنَا خِلَافُهُ فِي عِلْمِي قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ عِنْدَ الْفِطْرِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت، أَوْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ السُّحُورَ بَرَكَةٌ] بِضَمِّ السِّينِ اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْعِبَادَةِ أَيْ الَّتِي هِيَ الصَّوْمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ

الْعِبَادَةِ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» . (وَإِنْ شَكَّ) صَائِمُ رَمَضَانَ (فِي) طُلُوعِ (الْفَجْرِ فَلَا يَأْكُلُ) وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يُجَامِعُ وَهَذَا النَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَيَحْرُمُ الْأَكْلُ وَنَحْوُهُ اتِّفَاقًا. (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ لِيُحْتَاطَ بِهِ مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَيَوْمُ الشَّكِّ الْمَنْهِيُّ عَنْ صِيَامِهِ عِنْدَنَا أَنْ تَكُونَ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَثْبُتْ الرُّؤْيَةُ فَصَبِيحَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ هُوَ يَوْمُ الشَّكِّ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ يَوْمُ الشَّكِّ أَنْ يَشِيعَ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ رَأَوْا الْهِلَالَ، وَلَمْ يُثْبِتْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي؛ لِأَنَّا فِي الْغَيْمِ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. ابْنُ بَشِيرٍ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ لِوُصُولِ أَخْبَارِ الْمُسَافِرِينَ. ابْنُ عَرَفَةَ: فَإِنْ ثَبَتَ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفُّ وَلَوْ أَكَلَ وَفِيهَا مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ بِعِلْمِهِ مَا يَجِبُ عَلَى مُتَعَمِّدِهِ فِطْرُهُ (وَمَنْ صَامَهُ) يَعْنِي يَوْمَ الشَّكِّ (كَذَلِكَ) يَعْنِي احْتِيَاطًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ وَافَقَ مِنْ رَمَضَانَ) لِعَدَمِ جَزْمِ النِّيَّةِ. د: قَوْلُهُ وَإِنَّ الرِّوَايَةَ كَذَا بِالْوَاوِ وَهِيَ تُفْهَمُ بِالْمُبَالَغَةِ وَالصَّوَابُ إنْ وَافَقَهُ إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ، وَيُبَاحُ صَوْمُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي: «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: قَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْبَرَكَةُ مَا يَتَّفِقُ لِلْمُتَسَحِّرِ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ اسْتِغْفَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَوْلَا الْقِيَامُ لِلسُّحُورِ لَكَانَ الْإِنْسَانُ نَائِمًا عَنْهَا وَتَارِكًا. [قَوْلُهُ: بِطَعَامٍ فِي السَّحَرِ] بِسِينٍ وَحَاءٍ وَرَاءٍ لَا سُحُورَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ إذْ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ مُضَافٌ أَيْ يَأْكُلُ طَعَامَ السَّحَرِ بِفَتْحَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالشَّكِّ هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ لَا التَّرَدُّدَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجَامِعُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ الْمُفْطِرَاتِ. [قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ] أَيْ وَهُمَا قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ إلَخْ] وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ، وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ النَّهَارِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ] أَيْ كَالشُّرْبِ. تَنْبِيهٌ: يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ مَعَ الشَّكِّ الْقَضَاءُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْأَكْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ الْمُنْتَهِكَ لِلْحُرْمَةِ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا أَكَلَ عَلَى يَقِينٍ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي الْفَجْرِ وَالْغُرُوبِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى شَكِّهِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَالَ:] مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ. [قَوْلُهُ: «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ] وَالْأَوَّلُ يَقُولُ إنَّ الْعِصْيَانَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّشْدِيدِ لَا أَنَّهُ عِصْيَانٌ حَقِيقَةً. [قَوْلُهُ: فَلَا شَكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ] قَالَ عج فِي حَاشِيَةِ عبق: هَذَا فَإِنْ قُلْت وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَحْنُ مَأْمُورُونَ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ فَلَا شَكَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُثِيرَ الشَّكِّ فِيمَا اخْتَرْنَاهُ حَاصِلٌ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ مِنْ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ فَالشَّكُّ مَوْجُودٌ سَبَبُهُ وَلَا سَبَبَ لِلشَّكِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى سِوَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَذَلِكَ لَا يُثِيرُ شَكًّا؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: يَنْبَغِي إمْسَاكُهُ] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ بِارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَخَبَرِ السُّفَّارِ وَنَحْوِهِمْ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِفِطْرِهِ] لِعِلْمِهِ مَا عَلَى مُتَعَمِّدِ فِطْرِهِ أَيْ مِنْ الْحُرْمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَحُرْمَةِ الْفِطْرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا مَحَلَّ لِغَيْرِهِ] أَيْ لِغَيْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الَّتِي هِيَ إنْ وَافَقَهُ وَغَيْرُهَا هُوَ

أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا أَنْ يَفْعَلَ) وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ فَيُوَافِقُ ذَلِكَ (وَمَنْ أَصْبَحَ) يَوْمَ الشَّكِّ (فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ) لِفَقْدِ النِّيَّةِ (وَلْيُمْسِكْ) وُجُوبًا (عَنْ الْأَكْلِ) وَالشُّرْبِ وَعَنْ كُلِّ مَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ (فِي بَقِيَّتِهِ) وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: (وَيَقْضِهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: لَمْ يُجْزِهِ. (وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ) مِنْ سَفَرِهِ نَهَارًا حَالَةَ كَوْنِهِ (مُفْطِرًا أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ نَهَارًا ف) يُبَاحُ (لَهُمَا الْأَكْلُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمَا) وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْإِمْسَاكُ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ وَالْمَجْنُونُ يُفِيقُ وَالْمَرِيضُ يُصْبِحُ مُفْطِرًا لِعُذْرِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَصِحُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ. تَنْبِيهٌ: لَا خُصُوصِيَّةَ لِقَوْلِهِ: فَلَهُمَا الْأَكْلُ بَلْ وَكَذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً إذَا وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ. (مَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ عَامِدًا) مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ (أَوْ سَافَرَ فِيهِ) أَيْ أَحْدَثَ سَفَرًا حَالَةَ كَوْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ وَافَقَهُ. [قَوْلُهُ: وَلِمَنْ شَاءَ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا] أَيْ بِدُونِ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ سَرْدَ الصَّوْمِ أَوْ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إلَخْ] وَمِنْهَا أَنْ يَصُومَهُ قَضَاءً عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَفَّارَةً عَنْ هَدْيٍ وَفِدْيَةٍ وَنَذْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَضَى مَا فِي ذِمَّتِهِ وَيَوْمًا عَنْ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَيَجِبُ صَوْمُهُ لِنَذْرٍ صَادَفَ كَمَنْ نَذَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ الشَّكِّ، فَيَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ وَيُجْزِئُهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ رَمَضَانَ الْحَاضِرِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِلنَّذْرِ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَفَاتَ، وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ صِيَامَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ الشَّكِّ فَلَهُ الْفِطْرُ لَا إنْ نَذَرَهُ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ لِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِهِ فَيَلْزَمُ. [قَوْلُهُ: وَيَقْضِهِ] أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ إذَا كَانَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُتَأَوِّلًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ مِنْ سَفَرِهِ] أَيْ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْفِطْرُ. [قَوْله: نَهَارًا] ظَرْفٌ لِقَدِمَ وَطَهُرَتْ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ يَبْلُغُ] أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بَيَّتَ الصَّوْمَ أَوْ بَيَّتَهُ وَأَفْطَرَ عَمْدًا قَبْلَ بُلُوغِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ وَاسْتَمَرَّ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ أَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ أَمْسَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي هَاتَيْنِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا كَالصُّوَرِ الثَّلَاثِ السَّابِقَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَجْنُونُ يُفِيقُ إلَخْ] وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ وَالْمُضْطَرُّ لِضَرُورَةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ وَالْمُرْضِعُ يَمُوتُ وَلَدُهَا نَهَارًا وَكَذَا الْكَافِرُ يُسْلِمُ أَيْ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِمْسَاكُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا أَوْ لِكَوْنِ الْيَوْمِ يَوْمَ شَكٍّ أَوْ أَفْطَرَ مُكْرَهًا فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُمْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ، وَإِذَا أَفْطَرَ الْمُكْرَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَالْكَفَّارَةِ إلَّا أَنْ يَتَأَوَّلَ كَمَا اسْتَظْهَرَ عج. [قَوْلُهُ: بَيْنَ هَؤُلَاءِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ وَالْحَائِضِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمَا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ أَوَّلَ يَوْمِ رَمَضَانَ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَازَ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي الظَّاهِرِ فَصَارَ هَذَا الْيَوْمُ فِي حَقِّهِمْ كَيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَمَّا مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالرُّؤْيَةِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ فِي الظَّاهِرِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا ظَهَرَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَوَجَبَ الْإِمْسَاكُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: بَلْ وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ] أَيْ الَّذِي قَدِمَ مُفْطِرًا. [قَوْلُهُ: إذَا وَجَدَهَا قَدْ طَهُرَتْ إلَخْ] هَذَا الْقَيْدُ ظَاهِرٌ فِي زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ. وَقَوْلُهُ: قَدْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ أَيْ نَهَارًا، وَتُحْمَلُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً حَيْثُ لَا يُفْسِدُ الْوَطْءُ صَوْمَهَا فِي دِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إكْرَاهُهَا عَلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهَا فِي دِينِهَا كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ التَّوَجُّهِ إلَى نَحْوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ وَالْمَجْنُونَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ] أَيْ وَلَمْ يُحْدِثْ سَفَرًا لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ سَافَرَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ خَوْفِ تَجَدُّدِ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتِهِ.

مُتَلَبِّسًا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ (فَأَفْطَرَ لِ) أَجْلِ (سَفَرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فِي الصُّورَتَيْنِ وُجُوبًا. ع: وَاخْتُلِفَ إذَا أَفْطَرَ عَامِدًا هَلْ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَقَالَ ق: سَكَتَ عَنْ الْجَاهِلِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ (وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي تَطَوُّعِهِ (سَاهِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وُجُوبًا بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ اسْتِحْبَابًا عَلَى قَوْلَيْنِ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْهُمَا الِاسْتِحْبَابَ وَهَذَا (بِخِلَافِ الْفَرِيضَةِ) إذَا أَفْطَرَ فِيهَا سَاهِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. د: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ. (وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ) وَكَذَا عَبَّرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ بِلَا بَأْسٍ وَهِيَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَالسِّوَاكُ مُبَاحٌ كُلَّ النَّهَارِ بِمَا لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُرِهَ بِالرَّطْبِ لِمَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: كُلَّ النَّهَارِ الْمُوَافِقِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ (فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ) إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُكْرَهُ بَعْدَهُ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» وَلَنَا مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» فَعَمَّ الصَّائِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا عُذْرٍ] أَيْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أَمَرَهُ أَحَدُ وَالِدَيْهِ دِنْيّة لَا الْجَدُّ أَوْ الْجَدَّةُ أَوْ شَيْخُهُ أَوْ شَيْخُ طَرِيقَةٍ أَوْ عِلْمٍ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْوَالِدُ أَوْ الشَّيْخُ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَالظَّاهِرُ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ آلَتَهُ كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا أَمَرَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ بِالْفِطْرِ إذَا تَطَوَّعَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا ذَكَرَ قَضَاءٌ وَلَا كَفٌّ بِخِلَافِ الْعَمْدِ الْحَرَامِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ. [قَوْلُهُ: هَلْ يُسْتَحَبُّ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ] أَيْ الْيَوْمِ. وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ عج. [قَوْلُهُ: سَاهِيًا] أَيْ أَوْ مُكْرَهًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي قَضَائِهِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ وَعَدَمِ قَضَائِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ مِنْ نَحْوِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ إلَّا لِمُعَيَّنٍ يَفُوتُ صَوْمُهُ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: سَاهِيًا أَوْلَى إذَا كَانَ عَامِدًا، وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْفِطْرِ الْعَمْدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا إذَا كَانَ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا كَرَمَضَانَ الْحَاضِرِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ، وَمَا عَدَا هَذَيْنِ لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ بَعْدَ الْفِطْرِ الْعَمْدِ كَصَوْمِ النَّفْلِ أَوْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْيَمِينِ أَوْ صَوْمِ الْفِدْيَةِ أَوْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَأَمَّا لَوْ أَفْطَرَ سَهْوًا فَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَذَلِكَ كَقَضَاءِ النَّذْرِ الْمَضْمُونِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْفِدْيَةِ وَالْجَزَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِوَضُ فِي الْجَمِيعِ وَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى قَطْعِ النِّسْيَانِ التَّتَابُعَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ رَمَضَانُ الْحَاضِرُ فَفِطْرُهُ سَهْوًا يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْأَيَّامُ الْمُعَيَّنَةُ الْمَنْذُورَةُ يُفْطِرُ فِيهَا سَهْوًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ بَعْدَ الْفِطْرِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَذَلِكَ كَالنَّفْلِ اتِّفَاقًا وَكَذَا مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَكَانَ الْفِطْرُ فِي الْأَثْنَاءِ لَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ] لَكِنَّ الْإِبَاحَةَ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَيْ وَلَوْ لِصَلَاةٍ وَوُضُوءٍ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي عِبَارَةِ بَعْضٍ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ يُفِيدُ أَنَّ مَحَلَّ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لِغَيْرِ مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ، وَأَمَّا لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي الشَّارِحِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ» إلَخْ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيُنْدَبُ وَيَتَأَكَّدُ نَدْبُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَوَقْتِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ يَجِبُ إذَا تَوَقَّفَ زَوَالُ مَا يُبِيحُ التَّخَلُّفَ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ رَائِحَةِ بَصَلٍ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَاسْتِيَاكٍ بِالْجَوْزَاءِ وَلَوْ فِي حَقِّ الصَّائِمِ بِغَيْرِ رَمَضَانَ وَلَوْ لِغَيْرِ صَائِمٍ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ بِالرَّطْبِ إلَخْ] هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: «لَخُلُوفُ] » بِضَمِّ الْخَاءِ رِيحٌ مُتَغَيِّرٌ كَرِيهُ الشَّمِّ يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ. [قَوْلُهُ: «أَطْيَبُ» إلَخْ] الْمُرَادُ بِطِيبِهِ عِنْدَ اللَّهِ رِضَاهُ بِهِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الصَّائِمِ بِسَبَبِهِ، وَهَلْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ خِلَافٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَطْيَبُ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: «لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ» ]

وَغَيْرَهُ، وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ. (وَلَا تُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلصَّائِمِ (الْحِجَامَةُ إلَّا خِيفَةَ التَّغْرِيرِ) أَيْ الْمَرَضِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ، قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. (وَمَنْ ذَرَعَهُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ سَبَقَهُ وَغَلَبَهُ (الْقَيْءُ فِي) صَوْمِ شَهْرِ (رَمَضَانَ) وَغَيْرِهِ (فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا سَوَاءٌ كَانَ لِعِلَّةٍ أَوْ امْتِلَاءٍ، وَسَوَاءٌ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ أَمْ لَا هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى حَلْقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فَمِهِ، أَمَّا إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَى فَمِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (وَإِنْ اسْتِقَاءَ) الصَّائِمُ أَيْ طَلَبَ الْقَيْءَ (فَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ شَهَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ ابْنُ الْجَلَالِ الثَّانِيَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ اسْتِقَاءَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهَا. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ: مَنْ اسْتِقَاءَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيُّ: لَوْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ لَأَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَقْضِي خَاصَّةً انْتَهَى. وَهُوَ كَذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ نَقَلْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ أَمْرُ إيجَابٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَهْرَامُ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ إلَخْ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَالْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّا بِهِ أَنَّ مَدْحَ الْخُلُوفِ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِ لَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَتْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَجْرِ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَقَالَ تت: أُجِيبَ بِأَنَّ السِّوَاكَ لَا يُزِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ لِصُعُودِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ. [قَوْلُهُ: الْحِجَامَةُ] أَيْ وَلَا الْفَصَادَةُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمَرَضِ] قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَرَّرَ بِنَفْسِهِ تَغْرِيرًا أَيْ عَرَّضَهَا لِلْهَلَكَةِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّيْءِ بِمُتَعَلَّقِهِ وَيُرَادُ بِالْهَلَاكِ مَا يَشْمَلُ الْمَرَضَ أَيْ لَا يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْحِجَامَةُ إلَّا لِخَوْفِ الْمَرَضِ بِأَنْ شَكَّ فِي السَّلَامَةِ وَعَدَمِهَا، وَهَذَا فِي الصَّحِيحِ أَيْ لِقَوْلِهِ: خِيفَةَ وَكَذَا الْمَرِيضُ إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ، وَأَمَّا إذَا عُلِمَتْ السَّلَامَةُ فَيُكْرَهُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ دُونَ الصَّحِيحِ، وَكَأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْجَزْمُ بِالسَّلَامَةِ. [قَوْلُهُ: الْبُنَانِيَّ] بِضَمِّ الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: أَكُنْتُمْ] أَيْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ فِي حَيَاتِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَإِنْ قُلْت: هَلَّا قَالَ أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قُلْت: لَعَلَّ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى الِاخْتِصَارِ فِي السُّؤَالِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُمْ الْحِجَامَةَ إمَّا لِكَوْنِ الرَّسُولِ كَانَ يَكْرَهُهَا أَوْ مِنْ اجْتِهَادِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الرَّسُولُ حَكَمَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَلَوْ قَالَ: مَا ذَكَرَ لَجَازَ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَيَقَعُ تَطْوِيلٌ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ خِيفَةِ الضَّعْفِ فَيَكُونُ دَلِيلًا بِالصَّرَاحَةِ، وَيُحْتَمَلُ إلَّا مِنْ الضَّعْفِ الْحَاصِلِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا شَكَّ فِي السَّلَامَةِ فَيَكُونُ دَلِيلًا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ عَلِمَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ إلَخْ] هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ وَإِلَّا كَفَّرَ وَكَذَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا شَكَّ فِي الْوُصُولِ وَالْقَلْسِ كَالْقَيْءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِ الْمَعِدَةِ عَنْ امْتِلَائِهَا وَأَمَّا الْبَلْغَمُ يَصِلُ إلَى طَرَفِ اللِّسَانِ وَتَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَا الرِّيقُ يَتَعَمَّدُ جَمْعَهُ فِي فِيهِ وَيَبْتَلِعُهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [قَوْلُهُ: شَهَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْأَوَّلَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: فِي الْكَفَّارَةِ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ إلَخْ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اسْتِقَاءَ لِأَجْلِ مَرَضٍ بَعَثَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَذَا كَلَامُ أَبِي الْفَرَجِ، وَانْظُرْ النَّعْتَ بِقَوْلِهِ الْمَالِكِيِّ: فَهَلْ هُوَ لِلتَّخْصِيصِ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمُشَارُ لَهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ قُوَّةُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثِلَ لِلْقَوِيِّ قَوِيٌّ، فَقَدْ أَطْلَقَ هُنَا اللَّفْظَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ إنْ ذَرَعَهُ

فِي الْأَصْلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ فِي مَسَائِلَ وَيُبَاحُ فِي بَعْضِهَا، فَمِنْ الْأَوَّلِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ نَهَارًا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا (وَ) مِنْهُ (إذَا خَافَتْ) الْمَرْأَةُ (الْحَامِلُ) وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا) أَوْ عَلَى نَفْسِهَا هَلَاكًا أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ (أَفْطَرَتْ) وُجُوبًا (وَلَمْ تُطْعِمْ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَقْضِي (وَقَدْ قِيلَ تُطْعِمُ) رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَخَفْ لَا تُفْطِرُ وَلَوْ جَهَدَهَا الصَّوْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَمِنْ الثَّانِي الْمَرَضُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالسَّفَرُ بِشَرْطِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُرْضِعِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ (إنْ خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا) أَوْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ الصَّوْمِ (وَلَمْ تَجِدْ مَا) وَيُرْوَى مَنْ (تُسْتَأْجَرُ لَهُ أَوْ) وَجَدَتْ وَلَكِنَّهُ أَيْ الْوَلَدَ (لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا أَنْ تُفْطِرَ وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ أَنْ (تُطْعِمَ) وَقِيلَ اللَّامُ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ، وَعَلَى الْمُرْضِعِ وُجُوبًا إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ نَفْسِهَا أَنْ تُفْطِرَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَيْءُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. [قَوْلُهُ: وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ] أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ» . رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ. [قَوْلُهُ: وَيُبَاحُ فِي بَعْضِهَا] فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بَعْضِهَا عَائِدٌ عَلَى مُطْلَقِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَيْسَتْ هِيَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَسَائِلَ، إذْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَسَائِلُ الْوُجُوبِ خَاصَّةً. [قَوْلُهُ: فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْفِطْرُ إلَخْ] أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الرَّفْضَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] أَيْ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ وَمِنْهُ مَا إذَا خَافَ الْمَرِيضُ هَلَاكًا. [قَوْلُهُ: الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ] أَيْ وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ حَمْلُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنَّفِ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَهِيَ صَائِمَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ] إنَّمَا خَصَّ رَمَضَانَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي الْوُجُوبِ لِكَوْنِ مَجْمُوعِ الْأَحْكَامِ إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى نَفْسِهَا] لَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَرِيضِ الْآتِي. [قَوْلُهُ: هَلَاكًا] أَيْ وَمِثْلُهُ شِدَّةُ الْأَذَى فِي وُجُوبِ الْفِطْرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ حُدُوثَ عِلَّةٍ] أَيْ مَرَضٍ ضَعِيفٍ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الْفِطْرُ حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ بَلْ إذَا جَهَدَهَا الصَّوْمُ تُخَيَّرُ فِي الْفِطْرِ، وَحَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْحَامِلَ وَمِثْلَهَا الْمُرْضِعَ وَالْمَرِيضَ يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ حَيْثُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَخَافُوا حُدُوثَ مَرَضٍ وَلَا زِيَادَتَهُ، وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ لِحُصُولِ مَشَقَّةِ الصَّوْمِ وَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ لِخَوْفِ الْمَرَضِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَظَاهِرُهُ خَوْفُ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي تُبِيحُ لَهُمْ الْفِطْرَ الْمَشَقَّةُ الزَّائِدَةُ عَلَى مَا تَحْصُلُ لَهُ أَنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا. [قَوْلُهُ: فِي بَعْضِ الصُّوَرِ] هُوَ مَا إذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ تَمَادِيهِ، وَأَمَّا إذَا خَافَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى فَيَجِبُ وَالْخَوْفُ الْمُجَوِّزُ لِلْفِطْرِ هُوَ الْمُسْتَنِدُ صَاحِبُهُ إلَى قَوْلِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَخْبَرَ مَنْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فِي الْمِزَاجِ. [قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ] أَيْ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ هَذَا مِنْ الثَّانِي إذَا جُعِلَتْ اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى نَفْسِهَا] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ تَجِدْ مَا] التَّعْبِيرُ بِمَا نَظَرًا لِلْوَصْفِ. [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُطْعِمَ إلَخْ] الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَامِلِ أَنَّ الْحَامِلَ مُلْحَقَةٌ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلرَّضَاعِ حَيْثُ احْتَاجَتْ لِلْأُجْرَةِ أَوْ لِكَوْنِ الْوَلَدِ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ وَعَلَى الْمُرْضِعِ وُجُوبًا] أَيْ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَشِدَّةِ الْأَذَى وَالنَّدْبُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَذَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ مَنْ جَعَلَ اللَّامَ لِلْإِبَاحَةِ وَمَنْ جَعَلَهَا لِلْوُجُوبِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَنْ جَعَلَهَا لِلْإِبَاحَةِ عَلَى مَا إذَا خَافَتْ مَرَضًا وَيَحْمِلَ مَنْ جَعَلَهَا لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا إذَا خَافَتْ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا] أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَالَ لَهُمَا تَسْتَأْجِرُ وَلَا تُفْطِرُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَفْطَرَتْ وَأَطْعَمَتْ، وَإِذَا لَمْ تُفْطِرْ الْأُمُّ مَعَ الْخَوْفِ بِقَوْلِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ

لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ مَالٌ، وَلَا تَرْجِعُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ وَمِنْهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُسْتَحَبُّ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ (إذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِمَ) وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] . وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْإِطْعَامِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ (وَالْإِطْعَامُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ (فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِي نَظَرِ الْحَامِلِ الْخَائِفَةِ عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا وَالْمُرْضِعِ الْخَائِفَةِ عَلَى وَلَدِهَا وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ (مُدٌّ) بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّهَارَةِ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْخَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ أَصْلًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. ع: وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: (وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ) رَاجِعٌ إلَى الْقَدْرِ لَا إلَى الْحُكْمِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الشَّيْخِ كَمَا تَقَدَّمَ مُسْتَحَبٌّ وَإِطْعَامَ الْمُرْضِعِ وَاجِبٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَعَنْ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْفَوْرِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَعْبَانَ إذَا كَانَ فِيهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ، وَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أَوْ سَافَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَعَلَى الثَّانِي إنَّمَا يُرَاعَى تَفْرِيطُهُ فِي شَوَّالٍ فَإِنْ لَمْ يَمْرَضْ فِيهِ وَلَا سَافَرَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ. وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ يُسْقِطُ عَنْهُ الْإِطْعَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِتَجْرِبَةٍ وَمَاتَ الْوَلَدُ فَالدِّيَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِهِ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَخْ] أَيْ فَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَالْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ، وَالْأَبُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأَبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الْأُمِّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ، وَالْخِلَافُ فِي مَالِ الْأُمِّ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى تَقْدِيمِ مَالِ الْأَبِ عَلَى مَالِ الْأُمِّ. [قَوْلُهُ: لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ] وَمِثْلُهُ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَةُ أَيْ الْعَجُوزُ وَكُلُّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ] أَيْ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ لَا فِدْيَةَ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ حَمَلَتْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ. [قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ] أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيهِ أَيْ إنْ كَانَ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَلَا يُرَدُّ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُمَا يُطْعِمَانِ وَلَا يَقْضِيَانِ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُطْعِمُ مَنْ فَرَّطَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إلَى أَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ يَقْضِيه يَدْفَعُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَعْطَى الْمُدَّ لِاثْنَيْنِ كَمَّلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَعْطَى مُدَّيْنِ لِوَاحِدٍ انْتَزَعَ وَاحِدًا إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ] أَيْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ] أَيْ فَإِنَّهَا قَالَتْ: إنْ كَانَ لِيَكُونَ عَلَيَّ الصِّيَامُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصُومَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ لِلشُّغْلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ شَعْبَانَ لَأَخَّرْته وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرْته، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا. [قَوْلُهُ: وَعَنْ مَالِكٍ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: إنَّمَا يُرَاعَى] أَيْ إذَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَلَيْهِ صَحِيحًا مُقِيمًا فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَتُعْتَبَرُ الْإِقَامَةُ وَالصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ وَهَكَذَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ] أَيْ مَرِضَ أَوْ سَافَرَ فِي الزَّمَنِ الْمُسَاوِي لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الثَّانِي إلَخْ] فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ فَتُعْتَبَرُ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ شَوَّالٍ عَلَى قِيَاسِ مَا قُلْنَا فِي شَعْبَانَ، وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ هَلْ النِّسْيَانُ عُذْرٌ إلَخْ] لَا نَظَرَ فَإِنَّ الْبُرْزُلِيَّ قَالَ: ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِطْعَامَ. وَقَالَ السُّيُورِيُّ حِينَ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ أَيْ بِخِلَافِ التَّأْخِيرِ لِإِكْرَاهٍ أَوْ جَهْلٍ فَلَا كَفَّارَةَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلَ أَوْلَى مِنْ النَّاسِي.

أَوْ لَا؟ انْتَهَى. وَفِي ج: لَا يَجِبُ قَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْفَوْرِ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ. وَقَالَ ق: يَجِبُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ التَّتَابُعُ وَالْفَوْرُ وَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَصَامَ شَهْرًا قَضَاءً عَنْهُ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَّلَ ثَلَاثِينَ، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ فِيهِ التَّطَوُّعُ بِالصَّوْمِ وَلَا يَقْضِي فِي الْأَيَّامِ الْمَمْنُوعِ فِيهَا الصَّوْمُ انْتَهَى. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الْمَوْعُودِ بِمَجِيئِهِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا صِيَامَ عَلَى الصِّبْيَانِ) لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا (حَتَّى يَحْتَلِمَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ) لَوْ قَالَ حَتَّى يَبْلُغَا لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ أَيْ الْإِنْزَالِ أَوْ السِّنِّ وَهُوَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَزِيدُ الْأُنْثَى بِالْحَيْضِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُمْ يُؤْمَرُونَ بِهَا اسْتِحْبَابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَأُمِرُوا بِهَا لِيَتَمَرَّنُوا عَلَيْهَا لِئَلَّا تَثْقُلَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ فِي الْعَامِ مَرَّةً فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَمْرِينٌ. (وَبِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ أَعْمَالُ الْأَبْدَانِ) مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَغَزْوٍ (فَرِيضَةً) وَكَذَلِكَ بِالْبُلُوغِ لَزِمَتْهُمْ أَعْمَالُ الْقُلُوبِ كَوُجُوبِ النِّيَّاتِ وَأَحْكَامِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ مَذْكُورٌ وَجَوَابُهُ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الصِّبْيَانِ الْفَرَائِضَ بِالْبُلُوغِ بِقَوْلِهِ: (قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْرِيطَ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا يُنْظَرُ فِيهِ لِشَعْبَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ خَاصَّةً، فَمَنْ اتَّصَلَ مَرَضُهُ بِرَمَضَانَ الْوَالِي لِعَامِ الْقَضَاءِ وَفَرَّطَ فِي الْعَامِ الثَّانِي حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ق يَجِبُ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ رَمَضَانُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ. [قَوْلُهُ: كَمَّلَ ثَلَاثِينَ] أَيْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَقْضِيه؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ فِي شَعْبَانَ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَيَّامِ الْمَمْنُوعِ إلَخْ] أَيْ وَهِيَ رَابِعُ النَّحْرِ وَسَابِقَاهُ وَمَا وَجَبَ صَوْمُهُ وَلَوْ بِنَذْرٍ، وَيَصِحُّ فِي يَوْمِ الشَّكِّ كَمَا أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ. [قَوْلُهُ: لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا] أَيْ فَلَا ثَوَابَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ فِي فِعْلِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْفَاعِلُ قَالَهُ عج. قَالَ: وَيُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ «أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» أَنَّهُ يُنْدَبُ حَجُّ الصَّغِيرِ وَتَلْتَفِتُ النَّفْسُ لِلْفَرْقِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ: وَأَقُولُ لَعَلَّ الْفَرْقَ مَا مَرَّ مِنْ مَشَقَّةِ الصِّيَامِ دُونَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ وَإِنْ عَظُمَتْ مَشَقَّتُهُ إنَّمَا هُوَ لِغَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَحْمِلُهُ الْوَلِيُّ فِيمَا لَا يُطِيقُ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ بِالِاحْتِلَامِ] أَيْ وَيَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَإِنْبَاتِ الْعَانَةِ وَحَمْلِ الْجَارِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً إلَخْ] وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ. [قَوْلُهُ: تَوْجِيهُ الْفَرْقِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ تَوْجِيهٌ هُوَ الْفَرْقُ. [قَوْلُهُ: عَلَى إلَخْ] أَيْ الْفَرْقِ حَالَةَ كَوْنِ الْفَرْقِ كَائِنًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فِي صَدْرِ الْكِتَابِ أَيْ مِنْ كَيْنُونَةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ أَيْ تَحَقُّقِهِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ الصَّلَاةَ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِنْ بَيَانًا لِمَا. [قَوْلُهُ: وَبِالْبُلُوغِ] هُوَ قُوَّةٌ تَحْدُثُ فِي الصَّغِيرِ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ حَالِ الطُّفُولِيَّةِ إلَى حَالِ الرُّجُولِيَّةِ، أَيْ وَالْعَقْلُ وَلَوْ قَالَ وَبِالتَّكْلِيفِ لَزِمَهُمْ لَكَانَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاةٍ] أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبُلُوغِ فَلَا يَرُدُّ لُزُومَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ لِلصَّغِيرَةِ وَلُزُومَ نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْوَلِيُّ. [قَوْلُهُ: وَصِيَامٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّوْمُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ احْتَلَمَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَاضَتْ أَثْنَاءَ النَّهَارِ لَمْ يَلْزَمْهَا صَوْمُ بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ وَلَا قَضَاءُ مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةً] بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ لِعَامِلِهَا؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ وَالْفَرْضَ مُتَرَادِفَانِ. [قَوْلُهُ: كَوُجُوبِ النِّيَّاتِ] مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ النِّيَّاتِ الْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ النِّيَّةُ لَا وُجُوبُهَا. وَقَوْلُهُ: وَأَحْكَامِ الِاعْتِقَادَاتِ أَيْ أَحْكَامٌ هِيَ الِاعْتِقَادَاتُ كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ مَثَلًا فَمُرَادُهُ بِالْأَحْكَامِ مَا حَكَمَ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ إلَخْ] مُحَصِّلُ الْإِشْكَالِ هُوَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا: فَلَا يَرُدُّ لُزُومَ الْعِدَّةِ وَالْإِحْدَادِ، وَالْجَوَابُ هُوَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بِقَوْلِنَا: أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أَوْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ

لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ وَعَلَّقَهُ بِالْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْمَالِ الْأَبْدَانِ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْبُلُوغِ. (وَمَنْ أَصْبَحَ) بِمَعْنَى طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ (جُنُبًا) كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ وَطْءٍ أَوْ احْتِلَامٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فِي فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ (وَلَمْ يَتَطَهَّرْ) بِالْمَاءِ (أَوْ امْرَأَةٌ حَائِضٌ طَهُرَتْ) بِمَعْنَى انْقَطَعَ عَنْهَا دَمُ الْحَيْضِ وَرَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ (قَبْلَ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ) الصَّادِقِ (فَلَمْ يَغْتَسِلَا) أَيْ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الْمَذْكُورَانِ (إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ) سَوَاءٌ أَمْكَنَهُمَا الْغُسْلُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ لَا (أَجْزَأَهُمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، أَمَّا صِحَّةُ صَوْمِ الْجُنُبِ فَلِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» ، وَأَمَّا صِحَّةُ صَوْمِ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إذَا كَانَ طُهْرُهَا قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَدْرِ مَا تَغْتَسِلُ فِيهِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي مِقْدَارٍ لَا يَسَعُ غُسْلَهَا فِيهِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا. (وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الْفِطْرِ وَلَا) صِيَامُ (يَوْمِ النَّحْرِ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ صِيَامِهِمَا وَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا (وَلَا يُصَامُ الْيَوْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي لَا يَجِدُ هَدْيًا) كَذَا الرِّوَايَةُ يُصَامُ بِالْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالرَّفْعِ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَصُومُ الْيَوْمَيْنِ إلَخْ وَوُجِّهَتْ الرِّوَايَةُ بِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ إلَّا أَنْ يَصُومَهُمَا الْمُتَمَتِّعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَصُومُهُمَا غَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ مِثْلُهُ يَصُومُهُمَا. ق: وَالنَّهْيُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ لَا التَّحْرِيمِ، وَقَالَ ع: وَاخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِهِمَا تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُمَا وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ (وَالْيَوْمُ الرَّابِعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلِيُّ. [قَوْلُهُ: {فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]] أَيْ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] وَهُمْ الْكِبَارُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ سَائِرُ إلَخْ] قَالَ تت: فَدَلَّ عَلَى لُزُومِ الْأَحْكَامِ لَهُمْ بِالْبُلُوغِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُكْمٍ وَحُكْمٍ، وَبِهَذَا يَرُدُّ إيرَادَ مَنْ قَالَ: إنَّ شَرْطَ الدَّلِيلِ مُطَابَقَتُهُ لِلْمَدْلُولِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ، فَلِذَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى لُزُومِ الْفَرَائِضِ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا] أَيْ أَصْبَحَ عَامِدًا لِذَلِكَ أَوْ نَاسِيًا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ] أَيْ أَوْ مَعَ الْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا] أَيْ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاغْتِسَالُ لَيْلًا وَتَأْخِيرُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ إمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ لَا يُجَامِعُ إلَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُهُ الْغُسْلُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَإِذَا شَكَّتْ هَلْ طَهُرَتْ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ طُهْرِهَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ صِيَامُ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ. وَاخْتُلِفَ هَلْ الْمَنْعُ تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِضِيَافَةِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ فَاعِلٌ فَفِعْلُهُ يَكُونُ بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ لَا بِصِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مَعَ أَنَّهُ هُنَا بِتِلْكَ الصِّيغَةِ، وَأَيْضًا فَقَدْ اسْتَوْفَى عُمْدَتَهُ أَيْ الَّذِي هُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ نُصَّ فِي الْحَجِّ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ مِثْلُهُ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ عج وَغَيْرُ الْمُتَمَتِّعِ وَمِنْ الْقَارِنِ وَالْمُفْتَدِي وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ لِنَقْصٍ فِي الْحَجِّ غَيْرُ مَا ذَكَرَ كَالْمُتَمَتِّعِ إلَى أَنْ قَالَ: قُلْت وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ الصَّوْمَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي الْحَجِّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِيهِ اهـ. وَكَتَبَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ نَقَصَ فِي الْحَجِّ لَعَلَّهُ نَقَصَ فِي مُتَعَلِّقَاتِ الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: لِنَقْصٍ فِي الْحَجِّ أَيْ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَعَجْزٍ عَنْ الْهَدْيِ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ يَعْنِي مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ إلَى عَرَفَةَ أَيْ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ صَامَ أَيَّامَ مِنًى وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنْ الشَّبِيبِيِّ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ]

مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ (لَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعٌ وَيَصُومُهُ مَنْ نَذَرَ أَوْ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ مُتَتَابِعٍ قَبْلَ ذَلِكَ) كَمَنْ صَامَ شَوَّالًا وَذَا الْقِعْدَةِ ثُمَّ مَرِضَ فِيهِ، ثُمَّ صَحَّ فِي الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: مَنْ نَذَرَهُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ قَصَدَهُ بِالنَّذْرِ أَوْ وَافَقَ نَذْرَهُ مِثْلُ أَنْ يَنْذِرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُوَافِقَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ نَذْرِهِ عَلَى التَّعْيِينِ مَكْرُوهٌ وَيَلْزَمُهُ صَوْمُهُ. (وَمَنْ أَفْطَرَ) بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) حَالَ كَوْنِهِ (نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ) وُجُوبًا احْتَرَزَ بِنَهَارِ رَمَضَانَ عَمَّا إذَا أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَبْلُ أَوْ أَفْطَرَ فِي وَاجِبٍ غَيْرِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَاحْتُرِزَ بِنَاسِيًا عَمَّا إذَا أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ بَعْدُ وَبِفَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ إذَا كَانَ فِطْرُهُ بِجِمَاعٍ لِحَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَضْرِبُ صَدْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ، وَيَقُولُ: هَلَكْت وَأَهْلَكْت فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: جَامَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ» أَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ مِنْ الضَّرْبِ وَالنَّتْفِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ كَانَ عَمْدًا. (وَكَذَلِكَ) يَجِبُ عَلَى (مَنْ أَفْطَرَ فِيهِ) أَيْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (لِ) أَجْلِ (ضَرُورَةٍ مِنْ مَرَضٍ) يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ أَوْ لَا يَشُقُّ لَكِنْ يَخَافُ مَعَهُ طُولَ الْمَرَضِ أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرُ عَلَيْهِمَا مَعًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لَا يَصُومُهُ مُتَطَوِّعٌ] أَيْ يُكْرَهُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّ التَّعْجِيلَ يُسْقِطُ رَمْيَهُ فَهُوَ أَضْعَفُ رُتْبَةً مِنْهُمَا. قَالَ تت: وَلَا يَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ وَلَا النَّذْرَ الْمَضْمُونَ وَلَا يَبْتَدِئُ فِيهِ صَوْمَ كَفَّارَةٍ وَالْيَوْمَانِ اللَّذَانِ قَبْلَهُ أَحْرَى اهـ. [قَوْلُهُ: وَيَصُومُهُ مَنْ نَذَرَهُ] أَيْ يَلْزَمُ النَّاذِرَ صَوْمُهُ مَعَ كَرَاهَتِهِ، وَالنَّذْرُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ مَنْدُوبًا أَوْ مَسْنُونًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ عِبَادَةً. [قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ إلَخْ] أَيْ وَكَذَا يَصُومُهُ مَنْ كَانَ فِي صِيَامٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ لَكِنْ مُتَتَابِعٌ وُجُوبًا قَبْلَ ذَلِكَ، أَيْ قَبْلَ مَجِيءِ الرَّابِعِ كَمَنْ صَامَ شَوَّالًا وَذَا الْقِعْدَةِ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ ثُمَّ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ فِي لَيْلَةِ الرَّابِعِ فَإِنَّهُ يَصُومُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ وَافَقَ نَذْرَهُ إلَخْ] أَيْ وَشَمِلَ مَنْ نَذَرَهُ فِي ضِمْنِ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنَّفِ جَوَازُ صَوْمِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَذَرَهُ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ النَّذْرُ ابْتِدَاءً مَكْرُوهًا. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ] وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ لِحُرْمَةِ الزَّمَنِ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الْفِطْرِ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَأَمَّا لَوْ تَمَادَى مُتَأَوِّلًا بِأَنْ ظَنَّ إبَاحَةَ الْأَكْلِ كَمَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ] أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَفْطَرَ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فَهُوَ كَرَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ مَرَضٍ] يَدْخُلُ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَمِنْ الْعُذْرِ أَيْضًا الْإِكْرَاهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلنِّسْيَانِ أَيْ أَنَّ النَّاسِيَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ هَذَا مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ. [قَوْلُهُ: وَبِفَقَطْ] أَيْ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ، فَقَطْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَالْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مَحْذُوفٌ كَمَا تَقَرَّرَ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالشَّافِعِيِّ] مَا نَسَبَهُ الشَّارِحُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالْجِمَاعِ إذَا أَفْطَرَ نَاسِيًا خِلَافُ مَا فِي الْبَهْجَةِ وَشَرْحِهَا لِلشَّيْخِ وَلِيِّ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ، وَخِلَافُ مَا فِي الْمَنْهَجِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ مِنْ كَوْنِ الْكَفَّارَةِ لَا تَجِبُ بِالْجِمَاعِ إلَّا إذَا كَانَ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: يَنْتِفُ] بِكَسْرِ التَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: «هَلَكَتْ وَأَهْلَكْت» ] أَيْ فَعَلْت مَا هُوَ سَبَبٌ لِهَلَاكِي وَهَلَاكِ غَيْرِي وَهُوَ زَوْجَتُهُ الَّتِي وَطِئَهَا. [قَوْلُهُ: «وَمَا ذَاكَ» ] أَيْ أَيُّ شَيْءٍ سَبَبُ ذَاكَ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ. [قَوْلُهُ: قَرِينَةَ الْحَالِ] أَيْ قَرِينَةٌ هِيَ الْحَالُ أَيْ حَالُهُ. [قَوْلُهُ: يَشُقُّ مَعَهُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ أَقْسَامَ الْمَرَضِ أَرْبَعَةٌ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الرَّابِعَ. [قَوْلُهُ: يَشُقُّ مَعَهُ الصَّوْمُ إلَخْ] وَيَجُوزُ الْفِطْرُ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى وَإِلَّا وَجَبَ الْإِفْطَارُ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ يَخَافُ مَعَهُ طُولَ الْمَرَضِ] أَيْ وَاسْتَنَدَ

تَأَخُّرَ بُرْءٍ الْقَضَاءُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَرَضُ لَا يَشُقُّ مَعَهُ صَوْمٌ وَلَا يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَلَا تَأَخُّرَ الْبُرْءِ وَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. (وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا) أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ (تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَأَكْثَرُ ذَاهِبًا أَوْ رَاجِعًا وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ (فَ) يُبَاحُ (لَهُ أَنْ يُفْطِرَ) بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ ضَرُورَةٌ) غَيْرُ ضَرُورَةِ السَّفَرِ فَمَعَ الضَّرُورَةِ أَحْرَى (وَ) مَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) إذَا أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] (وَالصَّوْمُ) فِي السَّفَرِ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَيُبَيِّتُ الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ. (وَمَنْ سَافَرَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَظَنَّ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى تَيَقَّنَ (أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ لَهُ فَأَفْطَرَ) لِذَلِكَ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ وَلَمْ يَقْصِدْ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الشَّهْرِ (وَ) إنَّمَا يَجِبُ (عَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فَقَطْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَوْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَأَوِّلًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، إذْ الْمَشْهُورُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ لِتَجْرِبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ أَوْ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمِزَاجِ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَلَبَّسَ بِسَفَرٍ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ] بِأَنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْعِقَادِ النِّيَّةِ هُوَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ، وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ ابْتَدَأَ سَفَرَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَيْ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ ثَانِيَ يَوْمٍ. وَقَوْلُهُ: وَبَاتَ عَلَى الْفِطْرِ فَإِنْ وَصَلَ إلَى مَحَلِّ بَدْءِ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَ وَبَيَّتَ الصَّوْمَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ، فَإِنْ أَفْطَرَ اخْتِيَارًا كَفَّرَ تَأَوَّلَ أَمْ لَا، وَحَاصِلُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ مَتَى نَوَاهُ بِسَفَرٍ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ مُتَأَوِّلًا أَوْ لَا وَكَذَا مَنْ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَيَّتَ الْفِطْرَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مُتَأَوِّلًا أَوْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ أَفْطَرَ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ تُضَمُّ لِلْأُولَيَيْنِ فَالْجُمْلَةُ عَشْرَةٌ، وَكَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ شَرَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَفْطَرَ قَبْلَ عَزْمِهِ وَشُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ مُتَأَوِّلًا أَمْ لَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضَمُّ لِلْعَشْرَةِ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ. وَكَذَا تَجِبُ إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ وَأَفْطَرَ بَعْدَ عَزْمِهِ وَقَبْلَ شُرُوعِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ أَوْ مُتَأَوِّلًا وَلَمْ يُسَافِرْ يَوْمَهُ، فَإِنْ تَأَوَّلَ وَسَافَرَ يَوْمَهُ فَلَا كَفَّارَةَ كَمَا إذَا بَيَّتَ الصَّوْمَ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَمْ لَا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ تَأَوَّلَ بِفِطْرِهِ أَمْ لَا، حَصَلَ عَزْمٌ عَلَى السَّفَرِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْ لَا، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ تُضَمُّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ صُورَةً. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ إلَخْ] وَمِنْ غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ الْمَكْرُوهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: فَيُبَاحُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ] أَيْ بِالْفِعْلِ بِأَكْلٍ إلَخْ، وَلَوْ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فَلَهُ أَنْ يُبَيِّتَ الْفِطْرَ لَكَانَ أَخْصَرَ. وَقَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَيْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَمَعَ إبَاحَةِ الْفِطْرِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَمَلَ الْفِطْرَ عَلَى الْفِطْرِ بِالْفِعْلِ، فَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْطِرْ بِالْفِعْلِ وَالْفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّتْ الْفِطْرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. [قَوْلُهُ: لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ قَالَهُ تت. فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ فِي الْقَصْرِ أَدَاءَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا بِخِلَافِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ، وَأَيْضًا الْإِتْمَامُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا يُجْزِئُ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبِرُونَ عَلَى إجْزَاءِ الصَّوْمِ فَكَانَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]] أَيْ الْمُرَخَّصُونَ فِي الْإِفْطَارِ مِنْ الْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، وَفُسِّرَتْ الْآيَةُ وَأَنْ تَصُومُوا أَيْ الْمُطِيقُونَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْفِدْيَةِ، وَلَعَلَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ يُفَسَّرُ بِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى تَيَقَّنْ] أَيْ اعْتَقِدْ وَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ إلَخْ] لَازِمٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ. [قَوْلُهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا أَمْ بَعِيدًا.

كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا وَهُوَ مَا يَقَعُ سَبَبُهُ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ سِتَّةَ صُوَرٍ، إحْدَاهَا: الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ بَعِيدًا وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ فَالْكَفَّارَةُ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ لِذَلِكَ خَمْسَ صُوَرٍ مِنْهَا: مَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَصْبَحَ مُفْطِرًا. (وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ) بِفَمٍ (أَوْ جِمَاعٍ) مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ بَعِيدٍ وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ قَرِيبٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَعَمِّدِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَا يَقَعُ سَبَبُهُ] أَيْ مَا يُوجَدُ سَبَبُهُ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ فِي الْبَعِيدِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقَعْ سَبَبُهُ أَيْ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ، هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ إلَّا أَنَّ فِي الْقَرِيبِ السَّبَبِيَّةَ قَوِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَعِيدِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ] أَيْ قَوِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَبَاقِيهَا نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] ثَانِيهَا مَنْ أَفْطَرَ نَاسِيًا ثُمَّ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا ظَانًّا الْإِبَاحَةَ فَهَذَا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، ثَالِثُهَا: مَنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. رَابِعُهَا: مَنْ تَسَحَّرَ فِي الْفَجْرِ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ تَسَحَّرَ قُرْبَهُ فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَهُوَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، خَامِسُهَا: مَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ صَوْمٌ وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ لُزُومِ الصَّوْمِ أَنْ يَقْدَمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. سَادِسُهَا: مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ نَهَارًا صَبِيحَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ نَهَارِ رَمَضَانَ فَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ فِطْرٍ لِظَنِّهِ أَنَّ الْهِلَالَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ فَأَفْطَرَ عَمْدًا فَلَا كَفَّارَةَ سَوَاءٌ رَآهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ مَعَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ ظَنُّوا الْإِبَاحَةَ وَأَمَّا لَوْ عَلِمُوا الْحُرْمَةَ أَوْ ظَنُّوهَا أَوْ شَكُّوهَا كَفَّرُوا وَكَانُوا آثِمِينَ بِخِلَافِ مَنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ نَقَلْنَاهَا أَنَّثَ وَمُقْتَضَى الظَّاهِرِ نَقَلْنَاهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْبَاقِي صُوَرًا. [قَوْلُهُ: فَظَنَّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُهُ إلَخْ] ثَانِيهَا مِنْ عَادَتِهِ أَنْ تَأْتِيَهُ الْحُمَّى فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَصْبَحَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَأْتِي فِيهِ مُفْطِرًا ثُمَّ إنَّ الْحُمَّى أَتَتْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى إنْ لَمْ تَأْتِهِ. ثَالِثُهَا: مَنْ عَادَتُهَا الْحَيْضُ فِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَأَصْبَحَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَفْطَرَتْهُ ثُمَّ جَاءَهَا الْحَيْضُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ: رَابِعُهَا: مَنْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ فَأَفْطَرَ ظَانًّا الْإِبَاحَةَ لِأَجْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ. وَلَكِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ وَالتَّعَمُّدُ أَنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى حَاجِمٍ وَلَا مُحْتَجِمٍ. خَامِسُهَا: مَنْ اغْتَابَ شَخْصًا فِي رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ أَبْطَلَ صَوْمَهُ لِأَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ صَاحِبِهِ فَأَفْطَرَ عَامِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَأَوْلَى الْقَضَاءُ. [قَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] فَلَوْ عَزَمَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الْجِمَاعِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا قَضَاءٌ كَمَنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَ وُضُوءُهُ بِرِيحٍ مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ جِمَاعٍ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ مَنْ تَعَمَّدَ إنْزَالَ الْمَنِيِّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ بِالْجِمَاعِ الْجِمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ فَوَطْءُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَا مَذْيٌ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِانْتِهَاكِ] أَيْ ظَاهِرًا وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي يَوْمٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ أَوْ أَفْطَرَتْ الْمَرْأَةُ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَائِضٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَنْ أَفْطَرَتْ مُتَعَمِّدَةً ثُمَّ يَأْتِيهَا بَعْدَ فِطْرِهَا الْحَيْضُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ، وَالِانْتِهَاكُ يَتَضَمَّنُ كَوْنَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا بِحُرْمَةِ الْمُوجِبِ الَّذِي فَعَلَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ فَيَخْرُجُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْكَفَّارَةِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ غَلَبَةً إلَّا مَنْ اسْتَاكَ بِجَوْزَاءَ نَهَارًا عَمْدًا وَابْتَلَعَهَا غَلَبَةً

النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقَيَّدْنَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِفَمٍ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ أَوْ الْمَعِدَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَمِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مَعَ الْقَضَاءِ) إلَى أَنَّ الْقَضَاءَ لَازِمٌ لِلْكَفَّارَةِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ يَلْزَمُ فِيهِ الْقَضَاءُ. تَنْبِيهٌ: ق: أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ وَسَكَتَ عَنْ الْجَاهِلِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ. وَقَالَ ج: لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ إذَا لَمْ يَأْتِ تَائِبًا، وَأَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا فَالْمُخْتَارُ الْعَفْوُ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ اسْتَشْعَرَ سُؤَالَ سَائِلٍ قَالَ لَهُ وَمَا هِيَ فَقَالَ: (وَالْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ عَمْدًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِانْتِهَاكِ أَوْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ أَحَدُهَا: (إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهُوَ وَزْنُ رَطْلٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ. ابْنُ بَشِيرٍ: وَهَلْ يَكُونُ مِنْ عَيْشِ الْمُكَفِّرِ أَوْ مِنْ غَالِبِ عَيْشِ النَّاسِ إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ. اللَّخْمِيُّ: يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْلَى عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ابْتَلَعَهَا نِسْيَانًا فَلَا، وَكَذَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إذَا تَعَمَّدَ اسْتِيَاكَهُ بِهَا لَيْلًا وَابْتَلَعَهَا نَهَارًا عَمْدًا فَقَطْ لَا غَلَبَةً أَوْ نِسْيَانًا فَيَقْضِي فَقَطْ. [قَوْلُهُ: مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ] أَيْ نَاسِي الْحُرْمَةِ وَجَاهِلُهَا وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَنِدْ لِشَيْءٍ كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَظُنُّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُحَرِّمُ الْجِمَاعَ مَثَلًا وَجَامَعَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا جَهِلَ رَمَضَانَ وَكَمَا إذَا أَفْطَرَ يَوْمَ الشَّكِّ قَبْلَ ثُبُوتِ الصَّوْمِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَخْ] أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، وَإِذَا أَكَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا إبَاحَةَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى الْمُتَعَارَفِ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إنَّمَا يَكُونَانِ بِالْفَمِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: احْتِرَازًا عَنْ الْوَاصِلِ إلَى الْحَلْقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ شَيْءٌ إلَى الْحَلْقِ مِنْ الْفَمِ وَرَدَّهُ أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِمَا وَصَلَ الْجَوْفَ مِنْ الْفَمِ، وَأَمَّا مَا وَصَلَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْحَلْقِ وَرَدَّهُ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْقَضَاءُ فَقَطْ. وَقُلْنَا: مِنْ الْمَائِعَاتِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَصَلَ نَحْوُ دِرْهَمٍ لِلْحَلْقِ وَرَدَّهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ عَلَيْهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ] أَيْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَعَمِّدِ مِنْ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهِ قَوْلَانِ، شَهَّرَ الْأَقْفَهْسِيُّ أَنَّهُ كَالْعَامِدِ وَاَلَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْعَامِدِ وَهَذَا صَرِيحٌ. تت: وَالْمُعْتَمَدُ مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُؤَدَّبُ] أَيْ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ سَجْنٍ أَوْ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ نَظَرُهُ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَالْحَدُّ وَالْأَدَبُ فَإِذَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا قُدِّمَ الْأَدَبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا سَقَطَ الْأَدَبُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ] لَا يَخْفَى أَنَّ جَمِيعَ يَقْتَضِي مُتَعَدِّدًا مَعَ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْإِنْزَالُ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَكَذَا فِي جَمِيعِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ حَالَةَ كَوْنِهَا كَائِنًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ. وَقَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ إلَخْ إضَافَةُ وَجْهٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ] هَذَا فِي حَقِّ الْحُرِّ الرَّشِيدِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ إلَّا أَنْ يَعْجَزَ عَنْهُ أَوْ يَمْنَعَهُ سَيِّدُهُ لِإِضْرَارِهِ بِخِدْمَتِهِ، فَيَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْإِطْعَامِ، وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ السَّفِيهِ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَأْمُرُهُ بِالصَّوْمِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَوْ أَبَى كَفَّرَ عَنْهُ بِأَدْنَى النَّوْعَيْنِ أَيْ قِيمَةُ الْإِطْعَامِ أَوْ الرِّقِّيَّةِ، وَهَذَا فِي تَكْفِيرِ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ عَنْهُ بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ حُرًّا بِالْإِطْعَامِ فَقَطْ إنْ كَانَ رَقِيقًا كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا؛ لِأَنَّ طَوْعَهَا إكْرَاهٌ لِأَجْلِ الرِّقِّ، أَمَّا زَوْجَتُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهَا إلَّا إذَا أَكْرَهَهَا. [قَوْلُهُ: سِتِّينَ مِسْكِينًا] أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ: مُدٌّ فَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ وَزْنُ رَطْلٍ وَثُلُثٍ بِالْبَغْدَادِيِّ] وَهُوَ مِلْءُ الْيَدَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ لَا مَقْبُوضَتَيْنِ وَلَا مَبْسُوطَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: إنْ اخْتَلَفَ ذَلِكَ] أَيْ عَيْشُ الْمُكَفِّرِ وَعَيْشُ

الْخِلَافِ فِي الْكَفَّارَةِ وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ كَالْمُدَوَّنَةِ سِتِّينَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ فَإِنْ أَعْطَى لِدُونِ سِتِّينَ اسْتَرْجَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا زَادَ عَلَى الْمُدِّ إنْ كَانَ بِيَدِهِ وَكَمَّلَ السِّتِّينَ، فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمِسْكَيْنِ هُنَا مَا يُرَادُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ بَلْ الْمُحْتَاجُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ كَفَّارَةَ رَمَضَانَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّخَيُّرِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ اُخْتُلِفَ فِي أَيِّ أَنْوَاعِهَا الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْإِطْعَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (فَذَلِكَ) أَيْ الْإِطْعَامُ الْمَذْكُورُ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا. وَثَانِيهَا: الْعِتْقُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ) وَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً مَحْرُورَةً وَتَحْرِيرُهَا أَنْ يَبْتَدِئَ إعْتَاقَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِوَجْهٍ. وَثَالِثُهَا: الصَّوْمُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) . تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ الْعِتْقُ أَفْضَلُ أَوْ الصَّوْمُ، قَوْلَانِ: لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ مُحْتَمِلٌ لَهُمَا وَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَيَّامِ وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا اتِّفَاقًا وَلَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا كَفَّارَةٌ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ خَصَائِصِ رَمَضَانَ، وَمَا ذَكَرَهُ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسِ [قَوْلُهُ: فِي الْكَفَّارَةِ] أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: وَفِي كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَيْشُ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ الْمُكَفِّرِ غَيْرِ الْبَخِيلِ. ثَالِثُهَا الْأَرْفَعُ إنْ قَدَرَ فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ عَيْشَ أَهْلِ الْبَلَدِ يُخَالِفُ ظَاهِرَ قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِ بَلَدِكُمْ، وَالْمُرَادُ بِأَوْسَطَ حِينَئِذٍ الْغَالِبُ وَقَدْ يُبْعِدُ ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ. قَوْلُهُ: تُطْعِمُونَ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ مِنْ أَوْسَطِ طَعَامِ بَلَدِكُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ الزَّرْقَانِيُّ [قَوْلُهُ: فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ] أَيْ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلَعَلَّهُ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ بِقَوْلِهِ: قُوتُ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ الْمُزَكَّى انْتَهَى. وَالرَّاجِحُ قُوتُ أَهْلِ الْبَلَدِ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِيَدِهِ] أَيْ وَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَفَّارَةٌ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ لَوْ أَعْطَى السِّتِّينَ مُدًّا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ، وَيُكْمِلُ السِّتِّينَ مِنْهُمْ وَيَنْزِعُ مِنْ الْبَقِيَّةِ بِالْقُرْعَةِ. [قَوْلُهُ: مَا يُرَادُ بِهِ فِي الزَّكَاةِ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ قُوبِلَ بِالْفَقِيرِ هُنَاكَ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بَلْ الْمُحْتَاجُ أَيْ الشَّامِلُ لَهُ وَلِلْفَقِيرِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ قُوتَ عَامِهِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ: عَلَى التَّرْتِيبِ الْعِتْقُ فَالصَّوْمُ فَالْإِطْعَامُ، وَقِيلَ: الْعِتْقُ وَالصَّوْمُ لِلْجِمَاعِ وَالْإِطْعَامُ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْإِطْعَامُ] وَقِيلَ: الْعِتْقُ أَفْضَلُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْهُمْ] أَيْ الْمُصَنِّفُ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْمُخْتَارِينَ لِذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَيْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً] أَيْ لَا إنْ عَتَقَ بَعْضُهَا. وَقَوْلُهُ: مُؤْمِنَةً أَيْ لَا كَافِرَةً. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُلَفَّقَةٍ أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ تِلْكَ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا تَكُونَ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً مِنْ رَقَبَتَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ يُعْتِقُ مِنْ رَقَبَةٍ نِصْفًا وَمِنْ أُخْرَى النِّصْفَ الْآخَرَ إذْ الْمَجْمُوعُ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّهَا مُلَفَّقَةٌ. [قَوْلُهُ: سَلِيمَةً] أَيْ عَنْ قَطْعِ إصْبَعٍ وَعَمًى وَبَكَمٍ وَجُنُونٍ وَإِنْ قَلَّ وَمَرَضٍ مُشْرِفٍ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً بِوَجْهٍ] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً لِلْعِتْقِ بِوَجْهٍ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّتْ لِلْعِتْقِ كَمَا لَوْ كَانَتْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ كَقَوْلِهِ: إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ. [قَوْلُهُ: هَلْ الْعِتْقُ أَفْضَلُ] وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْغَيْرِ. قَالَ عج: اُخْتُلِفَ هَلْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ] هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِهِ فَتَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ أَكْرَهَ زَوْجَاتِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَطْءِ وَوَطِئَ الْجَمِيعَ فَيَجِبُ لِكُلٍّ كَفَّارَةٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] أَيْ

خِلَافَ فِيهِ عَلَى مَا قَالَ: ابْنُ نَاجِي: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَقْضِي يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ يَوْمَيْنِ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ. (وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) أَيْ ذَهَبَ عَقْلُهُ (لَيْلًا فَأَفَاقَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّوْمِ) ق: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إمَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالْأَوَّلُ إنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِكَثِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالثَّانِي إنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِمُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ عِنْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ وَحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَلَا يَقْضِي) مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لَيْلًا وَأَفَاقَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (مِنْ الصَّلَوَاتِ) الْمَفْرُوضَةِ (إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي بَابِ جَامِعِ الصَّلَاةِ أَعَادَهُ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُخَالِفُ الصَّلَاةَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ: إنَّهَا تَتَعَدَّدُ إذَا حَصَلَ الْمُوجِبُ بَعْدَ التَّكْفِيرِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي] قَالَ تت: قَالَ ابْنُ نَاجِي اتِّفَاقًا. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ عَلَى الْمَشْهُورِ انْتَهَى. فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي أَيْ لَا عَلَى مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إلَخْ] هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَفْطَرَ عَمْدًا لَا إنْ أَفْطَرَ سَهْوًا. فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدٌ بِاتِّفَاقٍ خِلَافًا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَأَجْرَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصْلُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا فَإِنْ قُلْت: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الْقَضَاءِ فِيمَنْ تَعَمَّدَ فِطْرَهُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَائِهِ بِفِطْرِهِ نَاسِيًا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِنَا يَجِبُ الْقَضَاءُ فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا قُلْنَا: لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الْأَصْلِ بِغَيْرِهِ وَأُلْغِيَ اعْتِبَارُهُ لِحُصُولِ الْفِطْرِ فِيهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا فِي كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ الْأَصْلِ أَوْ نَائِبًا عَنْهُ لَمْ يُطْلَبْ قَضَاؤُهُ، وَفَارَقَ النَّفَلَ فِي وُجُوبِ قَضَائِهِ بِالْفِطْرِ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَائِبًا عَنْ شَيْءٍ وَإِنَّمَا قُصِدَ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ فِطْرِهِ عَمْدًا فِي الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ مَقْصُودٌ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِلنِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ إلَخْ] كَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ قَضَاءُ رَمَضَانَ مُتَفَرِّقًا وَمُتَتَابِعًا وَالتَّتَابُعُ أَحْسَنُ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، وَالْإِغْمَاءُ زَوَالُ الْعَقْلِ بِمَرَضٍ يُصِيبُهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْفَجْرِ أَيْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ كَانَ كُلَّ النَّهَارِ أَوْ جُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْفَجْرِ غَيْرَ مُغْمًى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا طَرَأَ لَهُ الْإِغْمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، إنْ أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَابَلَ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ بِبَعْدِ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ مَا قَابَلَ ذَلِكَ، فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا أَفَاقَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِخَمْسِ دَرَجٍ مَثَلًا وَعِنْدَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَاَلَّذِي عِنْدَ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ سَلِمَ أَوَّلُهُ أَوْ لَا، وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلُّ مِنْ الْجُلِّ الشَّامِلِ لِلنِّصْفِ فَإِنْ سَلِمَ أَوَّلُهُ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا. وَقَوْلُنَا: سَلِمَ أَوَّلُهُ أَيْ سَلِمَ مِنْ الْإِغْمَاءِ وَقْتَ النِّيَّةِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَهَا مُغْمًى عَلَيْهِ لِبَقَائِهَا حَيْثُ سَلِمَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ إيقَاعِهَا وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ حَيْثُ تَقَدَّمَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَهُ أَوْ بِانْدِرَاجِهَا فِي نِيَّةِ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ بِدُونِ نِيَّةٍ، وَالسَّكْرَانُ بِحَلَالٍ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، وَمَنْ سَكِرَ بِحَرَامٍ لَيْلًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى سُكْرِهِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَسَبُّبِهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالُ الْمُفْطِرِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَالنَّائِمُ يَنْوِي فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ يَنَامُ جَمِيعَ الشَّهْرِ صَحَّ صَوْمُهُ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَلَيْسَ مِثْلَهُ السَّكْرَانُ بِحَلَالٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ أَشْهَبُ: يَصِحُّ صَوْمُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ] أَيْ وَلَوْ الضَّرُورِيَّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يُطْلَبُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ الْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِتْيَانِ بِمَا خَرَجَ وَقْتُهُ

الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِمَشَقَّةِ التَّكْرَارِ. (وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ) قِيلَ يَنْبَغِي فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْوُجُوبِ. وَقَوْلُهُ: (وَجَوَارِحَهُ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَجَوَارِحُهُ سَبْعَةٌ: السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِاللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُهَا آفَةً، قِيلَ: مَا مِنْ صَبَاحٍ إلَّا وَالْجَوَارِحُ تَشْكُو اللِّسَانَ نَاشَدْنَاك اللَّهَ إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ انْعَوَجْت انْعَوَجْنَا وَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَوَجَدَهُ يَجْذِبُ لِسَانَهُ فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: دَعْنِي فَإِنَّهُ أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ. فَإِذَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ هَذَا فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ. ع: وَخَصَّ الشَّيْخُ الصَّائِمَ بِالذِّكْرِ هُنَا تَأْكِيدًا لَهُ، فَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَنْ يُقِلُّوا مِنْ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي (وَ) يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَيْضًا أَنْ (يُعَظِّمَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ) مِنْ زَائِدِ الْمَعْنَى، وَيُعَظِّمَ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي عَظَّمَهُ اللَّهُ (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ وَأَدَّاهُ فِيهِ أَدَاءً لَا قَضَاءً. [قَوْلُهُ: قِيلَ يَنْبَغِي إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: قِيلَ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ، وَقِيلَ بِمَعْنَى يَجِبُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَيُحْمَلُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ الْمُحَرَّمِ، وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ عَلَى الْكَفِّ عَنْ غَيْرِ الْمُحَرَّمِ كَالْإِكْثَارِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ. [قَوْلُهُ: مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ [قَوْلُهُ: السَّمْعُ إلَخْ] أَرَادَ بِالسَّمْعِ الْأُذُنَ وَبِالْبَصَرِ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ مِنْ الْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِاللِّسَانِ إلَخْ] أَيْ إنَّمَا لَمْ يَخْتَصِرْ بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْجَوَارِحِ [قَوْلُهُ: قِيلَ مَا مِنْ صَبَاحٍ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَدِيثًا. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ التَّضْعِيفَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّكْوَى عِنْدَ الصَّبَاحِ فَقَطْ، وَهَلْ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا وَالْجَوَارِحُ] أَيْ مَا عَدَا اللِّسَانِ [قَوْلُهُ: تَشْكُو اللِّسَانَ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهَا شَكْوَى إنَّمَا هُوَ سُؤَالٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ شَكْوَى حَالِيَّةٌ لَا شَكْوَى مَقَالِيَّةً، وَقَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: مَا مِنْ صَبَاحٍ أَنَّ سُؤَالَهَا الْمَذْكُورَ بِلِسَانِ الْمَقَالِ لَا بِلِسَانِ الْحَالِ. [قَوْلُهُ: نَاشَدْنَاك اللَّهَ] أَيْ سَأَلْنَاك مُقْسِمِينَ عَلَيْك بِاَللَّهِ الِاسْتِقَامَةَ وَعَدَمَ الِاعْوِجَاجِ؛ لِأَنَّك إذَا اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا. [قَوْلُهُ: يَجْذِبُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: مَهْ يَا أَبَا بَكْرٍ] أَيْ كُفَّ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ [قَوْلُهُ: دَعْنِي] أَيْ اُتْرُكْنِي [قَوْلُهُ: أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ] جَمْعُ مَوْرِدٍ مَحَلُّ وُرُودِ الْمَاءِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ، فَشَبَّهَ الْهَلَاكَ بِالْمَاءِ بِجَامِعِ الْإِلْجَاءِ فِي كُلٍّ، فَكَمَا أَنَّ الشَّخْصَ يَلْجَأُ لِلْمَاءِ بِسَبَبِ شِدَّةِ الْعَطَشِ كَذَلِكَ يَلْجَأُ لِلْهَلَاكِ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ، وَالْمَوَارِدُ تَخْيِيلٌ وَأَوْرَدَنِي تَرْشِيحٌ أَوْ أَنَّ الْمَوَارِدَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْمَعَاصِي وَالْعَلَاقَةُ ظَاهِرَةٌ، وَأَوْرَدَنِي تَرْشِيحٌ أَوْ أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ فَشَبَّهَ إيقَاعَهَا فِي الْمَعَاصِي بِإِيرَادِ الْمَوَارِدِ، وَالْمَعَاصِي اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاشْتَقَّ مِنْ الْإِيرَادِ أَوْرَدَنِي بِمَعْنَى أَوْقَعَنِي فَهُوَ تَرْشِيحٌ لَفْظًا عَلَى هَذَا. [قَوْلُهُ: فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ] أَيْ أَيُّ شَيْءٍ ظَنُّك بِغَيْرِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ. وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ تَفْخِيمُ هَذَا الظَّنِّ مِنْ الظَّنِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ مُتَعَلَّقَهُ لَيْسَ إلَّا الْهَلَاكُ. [قَوْلُهُ: تَأْكِيدًا لَهُ] أَيْ قُوَّةَ حَثٍّ لَا لِلتَّخْصِيصِ. [قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي] أَيْ فَيَتَأَكَّدُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ أَنْ يَقُولُوا: وَوَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّ الصَّائِمَ مِنْ حَيْثُ صِيَامُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ. [قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْفَضْلِ] أَيْ الْفَضِيلَةِ وَالصَّلَاحُ هُوَ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِثْلَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِي مِنْهُمْ أَقْبَحُ وَأَفْظَعُ. [قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَعْنِي] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَا يَعْنِي يَشْمَلُ الْمُحَرَّمَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْمَقَامِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا لِلتَّعْبِيرِ بِالْقِلَّةِ. [قَوْلُهُ: الْمَعْنَى إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا اسْمٌ مَوْصُولٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيَانِيَّةً أَيْ وَيُعَظَّمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهَا بِمَعْنَى فِي، وَالْمَعْنَى وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَظِّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مَا عَظَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ، وَتَعْظِيمُهَا بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا مَعَ التَّأَدُّبِ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185]] أَيْ وَأُنْزِلَ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ

الْآيَةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَيُكْرَهُ تَعْظِيمُهُ بِالتَّزْوِيقِ وَالْوَقُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَلَا يَقْرَبُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَفْصَحُ (الصَّائِمُ) فَاعِلُهُ (النِّسَاءَ) مَفْعُولُهُ (بِوَطْءٍ لَا مُبَاشَرَةَ وَلَا قُبْلَةَ لِلَّذَّةِ) أَمَّا الْوَطْءُ فَحَرَامٌ إجْمَاعًا، وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ فَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ حَرَامٌ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ لِعَطْفِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ إجْمَاعًا وَلِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَسَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ لِلَّذَّةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِ اللَّذَّةِ قَائِلًا وَقَدْ تُحْدِثُ اللَّذَّةَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا، وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ لِشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ قَالَهُ ع، وَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ: (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) يَرُدُّهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ هَذَا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَطْءِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ لِلَّذَّةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّائِمِ (فِي لَيْلَةٍ) أَيْ لَيْلِ رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَإِنَّمَا يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُحْرِمِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصْبِحَ) الصَّائِمُ (جُنُبًا مِنْ الْوَطْءِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ، قِيلَ: وَمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا وَلَمْ يَتَطَهَّرْ إلَخْ. (وَمَنْ الْتَذَّ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ فَأَمْذَى لِذَلِكَ) أَيْ لِلْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْقُبْلَةِ (فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وُجُوبًا مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْذِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْعَظَ وَهُوَ قَوْلُ: ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا حَرَّكَ ذَلِكَ مِنْهُ لَذَّةً وَأَنْعَظَ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُبَاشَرَةَ وَالْقُبْلَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزَّبُورُ وَخَصَّ الْقُرْآنَ لِأَعْظَمِيَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْرَبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَفْصَحُ] أَيْ لِكَوْنِهَا لُغَةَ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ تت. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ حَرَامٌ] يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا تُنَافِي فَتُحْمَلُ الْحُرْمَةُ إذْ لَمْ تُعْلَمْ السَّلَامَةُ وَالْكَرَاهَةُ حَيْثُ عُلِمَتْ، وَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَنْ يُقَبِّلَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ أَوْ يُبَاشِرَ أَوْ يُلَاعِبَ، وَكَذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ أَوْ يَذْكُرَ إذَا عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ السَّلَامَةَ مِنْ مَنِيٍّ وَمَذْيٍ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ السَّلَامَةِ أَوْ شَكَّ فِيهَا حَرُمَتْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي لَيْلِهِ] إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَكِفًا أَوْ مُحْرِمًا أَوْ صَائِمًا فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ فَيَسْتَوِي عِنْدَهُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. [قَوْلُهُ: قَائِلًا] حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بَعْضُهُمْ أَيْ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ اللَّذَّةَ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِلًا. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَعْلِيلٌ مِنْ الشَّارِحِ بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاعْتِرَاضِ. [قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا] أَرَادَ بِالْمَنْعِ النَّهْيَ الشَّامِلَ لِنَهْيِ الْكَرَاهَةِ وَنَهْيِ الْحُرْمَةِ، أَيْ أَنَّ الصَّوَابَ النَّهْيُ وُجِدَتْ لَذَّةٌ أَمْ لَا. وَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلَّذَّةِ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ مِمَّا لَا الْتِذَاذَ بِهِ عَادَةً. [قَوْلُهُ: مَنْهِيٌّ عَنْهَا] أَيْ نَهْيُ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ] بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ] أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلتَّعْمِيمَيْنِ إذْ رَوَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُبَاحُ لِلشَّيْخِ وَتُكْرَهُ لِلشَّابِّ. وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا وَتُمْنَعُ فِي فَرْضٍ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَكَاهَا عِيَاضٌ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ] الْحُكْمُ مُسَلَّمٌ وَالنَّظَرُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْعِبَارَةِ لَهُ. [قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُحْرِمِ] أَيْ وَالْمُظَاهِرُ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] قَدْ يُقَالُ لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ مَا قَسَّمَهُ لِبَيَانِ كَوْنِ الصَّوْمِ صَحِيحًا، وَمَا هُنَا لِبَيَانِ جَوَازِ الْإِصْبَاحِ بِالْجَنَابَةِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِلَا بَأْسٍ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَالْجَوَازُ الَّذِي قُلْنَاهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: بِمُبَاشَرَةٍ] أَيْ وَلَوْ بِبَعْضِ أَعْضَائِهِ كَرِجْلٍ [قَوْلُهُ: أَيْ لِلْمُبَاشَرَةِ أَوْ الْقُبْلَةِ] وَمِثْلُهُمَا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْمَذْيِ النَّاشِئِ عَنْهُمَا أَوَّلًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَذْيِ الْقَضَاءَ فَقَطْ نَشَأَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ اسْتَدَامَ مَا ذَكَرَ أَوْ لَا. قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ الْتَذَّ إلَخْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَقِيلَ: لَا قَضَاءَ عَلَى النَّاسِي اهـ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ] أَيْ وَلَوْ نَسِيَ كَوْنَهُ فِي رَمَضَانَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ] بَلْ

[قيام رمضان]

(حَتَّى أَمْنَى فَعَلَيْهِ) مَعَ الْقَضَاءِ (الْكَفَّارَةُ) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَسَكَتَ عَنْ النَّظَرِ وَالتَّذَكُّرِ. ك: إنْ تَابَعَ النَّظَرَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ الْقَابِسِيُّ: إذَا نَظَرَ نَظْرَةً وَاحِدَةً مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَصَحَّحَهُ الْبَاجِيُّ وَحُكْمُ التَّذَكُّرِ حُكْمُ النَّظَرِ فَإِنْ تَابَعَ التَّذْكِرَةَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ. (وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِالْأَجْرِ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ (وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى يَدَّخِرُهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَلِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهِيَ الرَّاجِحَةُ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ لَفْظَةَ حَتَّى تُشْعِرُ بِدَوَامِ الْمُبَاشَرَةِ وَالْقُبْلَةِ، فَيَقْتَضِي قَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ حَالَةَ الدَّوَامِ مَحَلُّ خِلَافٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْخِلَافُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّوَامِ، فَقَدْ رَأَيْتَ أَنْ ابْنَ الْقَاسِمِ يَحْكُمُ بِالْكَفَّارَةِ مَعَ الْمَنِيِّ الْخَارِجِ بِالْقُبْلَةِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ كَرَّرَهَا أَوْ لَا. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُتَابِعَ الْقُبْلَةَ أَوْ الْمُبَاشَرَةَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْمَنِيِّ الْخَارِجِ عَنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ الْمُسْتَدِيمَيْنِ إذَا كَانَتْ عَادَتُهُ الْإِنْزَالَ أَوْ اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ السَّلَامَةَ مَعَ إدَامَتِهِمَا فَتَخَلَّفَ وَأَمْنَى فَقَوْلَانِ، وَاسْتَظْهَرَ اللَّخْمِيُّ مِنْهُمَا عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ، وَنَقَلَ بَعْضَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ أَظْهَرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ بِالنَّظَرِ أَوْ الْفِكْرِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِشَرْطِ الِاسْتِدَامَةِ، إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ السَّلَامَةَ مَعَ الِاسْتِدَامَةِ. فَتَخَلَّفَ وَأَمْنَى فَلَا كَفَّارَةَ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَ اللَّخْمِيُّ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ اسْتِدَامَةٌ فَالْقَضَاءُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يُعْسَرَ فَلَا قَضَاءَ لِلْمَشَقَّةِ وَأَنَّ خُرُوجَهُ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُخَالِفَ عَادَتَهُ، وَأَنَّ خُرُوجَ الْمَذْيِ مُوجِبٌ لِلْقَضَاءِ مُطْلَقًا نَشَأَ عَنْ قُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ فِكْرٍ اسْتَدَامَ أَمْ لَا. [قِيَام رَمَضَان] [قَوْلُهُ: أَيْ تَصْدِيقًا] أَيْ مُصَدِّقًا. وَقَوْلُهُ: بِالْأَجْرِ أَيْ وَهُوَ غُفْرَانُ الذَّنْبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْتَسِبًا إلَخْ] أَيْ جَاعِلًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ: رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً قَالَ اللَّقَانِيُّ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ النَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُوهُ بِإِحْسَانٍ أَوْ مَدْحٍ أَوْ تَعْظِيمِ جَاهِهِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ وَقَوْلُهُ: لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ أَيْ مُحْتَسِبًا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ الْأَجْرُ الْمَعْهُودُ أَيْ الْمَوْعُودُ بِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: يَدَّخِرُهُ لَهُ إلَخْ لَازِمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ جِنْسُ الْأَجْرِ فَيَكُونُ وَصْفًا مُخَصَّصًا؛ لِأَنَّ الْمُدَّخَرَ فِي الْآخِرَةِ هُوَ الْبَاقِي. [قَوْلُهُ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» ] أَيْ صَلَّى فِيهِ التَّرَاوِيحَ كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ [قَوْلُهُ: «غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» إلَخْ] زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ قُتَيْبَةَ «وَمَا تَأَخَّرَ» ، وَاسْتُشْكِلَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ ذَنْبٍ وَالْمُتَأَخِّرُ مِنْ الذُّنُوبِ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ فَكَيْفَ يُغْفَرُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ تَقَعُ مَغْفُورَةً وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ] قَضِيَّةُ عِبَارَتِهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ عَلَى الْقِيَامِ. ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَيْ بِحَيْثُ لَا يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَغَّبَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِعَزِيمَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ وُحْدَانًا مِنْهُمْ فِي بَيْتِهِ وَمِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ فَمَاتَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ذَلِكَ، وَفِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، ثُمَّ رَأَى عُمَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَهُمْ عَلَى إمَامٍ فَأَمَرَ أُبَيًّا وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يُصَلِّيَا بِهِمْ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوَتْرِ وَكَانُوا يَقْرَءُونَ بِالْمِئِينَ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَخُفِّفَ فِي الْقِيَامِ وَزِيدَ فِي الرُّكُوعِ، فَكَانُوا

مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَالْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ الَّتِي يُكَفِّرُهَا الْقِيَامُ الصَّغَائِرُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَحُكْمُ قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ آخِرَ الْكِتَابِ أَنَّهُ نَافِلَةٌ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ثَوَابَهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِاللَّيْلِ كُلِّهِ بَلْ يَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ قَامَ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ قُمْت فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ (بِمَا تَيَسَّرَ فَذَلِكَ) الْقِيَامُ (مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ وَ) مَرْجُوٌّ (تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِهِ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ يُرْجَى بِهَا التَّكْفِيرُ. (وَالْقِيَامُ فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ يَجُوزُ فِعْلُهُ (فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ) وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كَأَهْلِ الْعَمُودِ وَيَكُونُ (بِإِمَامٍ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبِهِ، وَمِنْ سُنَّةِ الْقِيَامِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُومُونَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً بِالْوَتْرِ، وَكَانَ يَقْرَأُ بِالْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَرُبَّمَا قَرَأَ بِهَا فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. الْأَقْفَهْسِيُّ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ الرَّابِعَةَ، فَلَمَّا كَانَ صَدْرٌ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ أَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَهُمْ يُصَلُّونَ أَفْذَاذًا فَجَمَعَ الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالنِّسَاءَ عَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ لِأَنَّهُ أَمِنَ أَنْ تُفْرَضَ اهـ. وَمِنْ عِبَارَةِ الْأَقْفَهْسِيِّ تَعْرِفُ مِقْدَارَ الصَّدْرِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِنَ أَنْ تُفْرَضَ يُنَافِيهِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ فَرْضِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. قُلْت: لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فِي رَمَضَانَ وَفُرِضَ الْخَمْسُ فِي جَمِيعِ الْعَامِ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: الصَّغَائِرُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ] مُحْتَرَزُهُ شَيْئَانِ كَمَا أَفَادَهُ عج الْكَبَائِرُ وَالصَّغَائِرُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، أَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ عَفْوُ اللَّهِ كَمَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْأَوَّلِ وَالصَّغَائِرُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاسْتِحْلَالِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ نَافِلَةٌ] أَيْ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ثَوَابَهُ] أَرَادَ بِهِ غُفْرَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الذَّنْبِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرِ حَالِهِ] أَيْ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ [قَوْلُهُ: بِمَا تَيَسَّرَ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ [قَوْلُهُ: مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ] أَيْ ثَوَابُهُ كَمَا فِي تت لِاشْتِمَالِ كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى قِيَامٍ وَسُجُودٍ وَقِرَاءَةٍ، وَرَجَاءُ الْفَضْلِ مِنْ الْقِيَامِ الْقَلِيلِ لَا يُنَافِي أَنَّ الْكَثِيرَ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَإِنَّمَا قَالَ: مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ وَلَمْ يَجْزِمْ بِحُصُولِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِثَابَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا إذْ الْإِثَابَةُ عَلَيْهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالْقَبُولِ، فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَجْعَلَ عَمَلَهُ دَائِمًا فِي حَضِيضِ النُّقْصَانِ [قَوْلُهُ: وَمَرْجُوٌّ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِهِ] ظَاهِرُهُ كُلُّ الذُّنُوبِ أَيْ الصَّغَائِرُ، فَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي تَكْفِيرِ كُلِّ الذُّنُوبِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الشَّارِحِ سَابِقًا، وَهَذَا لَا يُسْتَبْعَدُ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الثَّوَابَ مِنْ بَابِ التَّحْلِيَةِ وَتَكْفِيرَ الذُّنُوبِ مِنْ بَابِ التَّخْلِيَةِ، وَالتَّخْلِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّحْلِيَةِ، فَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ: وَمَرْجُوٌّ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ عَلَى قَوْلِهِ مَرْجُوٌّ فَضْلُهُ عَلَى أَنَّهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ. وَأَمَّا الثَّوَابُ فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ وَتَكْفِيرُ الذُّنُوبِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ فَضْلُهُ، وَقَدْ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَفْضَلِ إلَخْ. عَبَّرَ بِمِنْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا صَلَاةُ النَّفْلِ وَقَدْ يَكُونُ غَيْرُهَا مِنْ الْقُرْبِ أَفْضَلَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْفَرْضُ فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. [قَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَاتِ خَبَرٌ أَيْ وَلَوْ مَسَاجِدَ خُطَبٍ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ الْكَوْنَ خَاصًّا بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اتَّكَلَ عَلَى الشَّارِحِ، وَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَكُونُ إمَامٍ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ يَكُونُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِعَقْلِهِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ فِعْلُهُ الَّذِي قَدَّرَهُ قَبْلُ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرَهُ يُورِثُ قَلَقًا فِي الْعِبَارَةِ، وَجَوَازُ فِعْلِ التَّرَاوِيحِ بِإِمَامٍ مُسْتَثْنًى مِنْ كَرَاهَةِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ عَطْفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ. وَجَمْعٌ كَثِيرٌ بِنَفْلٍ أَوْ بِمَكَانٍ مُشْتَهَرٌ لِاسْتِمْرَارِ الْعَمَلِ عَلَى الْجَمِيعِ فِيهَا مِنْ زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. [قَوْلُهُ: يَجْتَمِعُونَ فِيهِ] أَيْ يُصَلُّونَ فِيهِ جَمَاعَةً [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ] الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ أَيْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إلَخْ. ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ

شَاءَ قَامَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ) أَيْ أَفْضَلُ (لَمَّا قَوِيَتْ نِيَّتُهُ) يَعْنِي نَشِطَتْ نَفْسُهُ (وَحْدَهُ) وَلَمْ يَكْسَلْ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ لَا تُعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَفْعَلُ فِيهِ شَرَعَ يُبَيِّنُ عَدَدَهُ فَقَالَ: (وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (يَقُومُونَ فِيهِ) أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (فِي الْمَسَاجِدِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً) وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْعَمَلُ الْآنَ عَلَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ قِيَامِهِمْ بِالْعِشْرِينَ رَكْعَةً (يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ (وَيَفْصِلُونَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِسَلَامٍ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُفْصَلُ وَخَيَّرَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ (ثُمَّ صَلَّوْا) أَيْ السَّلَفُ غَيْرُ السَّلَفِ الْأَوَّلِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً غَيْرَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) . وَهَذَا اخْتِيَارُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَعَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدَارَ عَلَى كَوْنِ الْإِمَامِ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ عَلَى ظَهْرِ قَلْبٍ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ بِتَمَامِهِ فِي التَّرَاوِيحِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت وَنَصُّهَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْخَتْمُ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي التَّرَاوِيحِ، أَيْ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ إنْ رَضُوا بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ سُنَّةِ الْقِيَامِ] أَيْ مِنْ طَرِيقَتِهِ أَيْ أَنَّ وَقْتَ الْقِيَامِ بَعْدَ عِشَاءٍ صَحِيحَةٍ وَشَفَقٍ لِلْفَجْرِ فَوَقْتُهُ وَقْتُ الْوَتْرِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ شَاءَ قَامَ فِي بَيْتِهِ] أَيْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَقِيلَ مُنْفَرِدًا وَلَوْ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حَكَاهُمَا تت. [قَوْلُهُ: أَيْ أَفْضَلُ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ مَعَ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ مَسْجِدَ مَكَّةَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي نَشِطَتْ نَفْسُهُ] نَشِطَ مِنْ بَابِ تَعِبَ خَفَّ وَأَسْرَعَ نَشَاطًا وَلَا يَظْهَرُ دَاعٍ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَّا كَوْنُهُ أَوْضَحَ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَنْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ وَحْدَهُ وَلَمْ تَقْوَ النِّيَّةُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكْسَلْ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَسِلَ كَسَلًا فَهُوَ كَسِلٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَكَسْلَانُ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ لَا تُعَطَّلَ إلَخْ] وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ آفَاقًا بِالْمَدِينَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ فَإِنْ لَمْ يَنْشَطْ وَحْدَهُ فَفِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ، وَكَذَا إذَا تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْ كَانَ آفَاقِيًّا بِالْمَدِينَةِ، وَالْمُرَادُ بِتَعْطِيلِهَا تَعْطِيلُهَا عَنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِيهَا وَلَوْ فُرَادَى كَمَا اسْتَقَرَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّعْطِيلِ التَّعْطِيلُ بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا لِابْنِ عِمْرَانَ قَالَهُ عج. ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ قَائِمًا وَفِي الْبَيْتِ جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: يَقُومُونَ فِيهِ أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ] أَيْ عَلَى إمَامِ جَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ] سَيَأْتِي اخْتِيَارُ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ] مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْأَشْرَفِ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَتْرٌ لِأَنَّ الْوَتْرَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ [قَوْلُهُ: وَيَفْصِلُونَ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ] أَيْ اسْتِحْبَابًا وَيُكْرَهُ الْوَصْلُ أَيْ إلَّا لِاقْتِدَاءٍ بِوَاصِلِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ السَّلَفُ غَيْرُ السَّلَفِ الْأَوَّلِ] أَيْ فَهُمْ سَلَفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ الْأَوَّلَ الصَّحَابَةُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذَا السَّلَفِ التَّابِعِينَ. [قَوْلُهُ: فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ] أَيْ وَاَلَّذِي أَمَرَهُمْ بِصَلَاتِهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ فِي الْقِرَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِلَلِ وَالسَّآمَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِتَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ وَزِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ، وَالسُّلْطَانُ إذَا نَهَجَ مَنْهَجًا، لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ [قَوْلُهُ: وَعَنْهُ] أَيْ وَعَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَأْخُذُ بِنَفْسِي فِي ذَلِكَ أَيْ الْقِيَامُ الْمَعْنِيُّ الْحَقِيقِيُّ لِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي يَأْخُذُ نَفْسِي وَيَتَنَاوَلُهَا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ ذَلِكَ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ التَّمَكُّنِ فَأَطْلَقَ اللَّفْظَ، وَأَرَادَ لَازِمَهُ الْمَذْكُورَ أَيْ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِي نَفْسِي وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلُ: يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فِي الْمَسَاجِدِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً، وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْإِحْدَى عَشْرَةَ كَانَتْ مَبْدَأَ الْأَمْرِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْعِشْرِينَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: رَجَعَ عُمَرُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً [قَوْلُهُ:

[باب في الاعتكاف]

الَّذِي يَأْخُذُ بِنَفْسِي فِي ذَلِكَ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُمَرُ النَّاسَ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوَتْرُ وَهِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكُلُّ ذَلِكَ) أَيْ الْقِيَامِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً أَوْ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً (وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) وَلَمَّا بَيَّنَ قِيَامَ السَّلَفِ اسْتَشْعَرَ سُؤَالَ سَائِلٍ قَالَ لَهُ: هَذَا قِيَامُ السَّلَفِ فَمَا قِيَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَعْدَهَا الْوَتْرُ» مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهَا، «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» . وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى الصِّيَامِ وَعَقَّبَهُ بِمَا هُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQإحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً] بَدَلٌ مِنْ الَّذِي جَمَعَ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. [قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ] أَيْ جَائِزٌ لَا تَتَعَيَّنُ طَرِيقَتُهُ [قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ] أَيْ يُنْدَبُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّلَامِ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأَفْضَلُ لَهُ السَّلَامُ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفٌ إلَخْ] أَيْ وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْهَا مِنْ أَنَّ قِيَامَهُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ عَشْرَةَ، وَرَوَى غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَجَعَ إلَى تِسْعٍ ثُمَّ إلَى سَبْعٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلُ مَا يَبْدَأُ إذَا دَخَلَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا قَامَ يَتَهَجَّدُ افْتَتَحَ وِرْدَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ لِيَنْشَطَ، وَإِذَا خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ رَكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَتَارَةً عُدَّتْ مَا يَفْعَلُهُ فِي لَيْلَةٍ بِتَمَامِهِ وَهُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ بِتَسَمُّحٍ فِي عَدِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَتَارَةً أَسْقَطْت رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ اللَّيْلِ. فَعُدَّتْ خَمْسَ عَشْرَةَ وَتَارَةً أَسْقَطْت تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَعُدَّتْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَتَارَةً أَسْقَطْت الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فَعُدَّتْ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً هَكَذَا جَمَعَ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: أَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرَاتِبُ بِحَسْبِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ وَضِيقِهِ أَوْ عُذْرٍ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ كِبَرِ سِنِّهِ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ تِسْعًا فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعًا» . [بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ] بَابُ الِاعْتِكَافِ [قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ مُلَازِمٌ لَهُ] يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَازِمٌ لِلصَّوْمِ مَتَى وُجِدَ الصَّوْمُ وُجِدَ الِاعْتِكَافُ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْوَاقِعُ إنَّمَا هُوَ الْعَكْسُ.

بَابٌ فِي الِاعْتِكَافِ] وَإِنَّمَا عَقَّبَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ عَقِبَهُ لِالْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إذْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ وَبَدَأَ بِحُكْمِهِ فَقَالَ: (وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ) الْمُرَغَّبِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَفْضَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَاهُ لُغَةً بِقَوْلِهِ: (وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ) عَلَى الشَّيْءِ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَهُوَ لُزُومُ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ الْمَسْجِدَ لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ صَائِمًا كَافًّا عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ يَوْمًا فَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: إذْ هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ] أَيْ بِرَمَضَانَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ، وَقِيلَ: وَلَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِهِ. [قَوْلُهُ: الْمُرَغَّبِ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ، وَقِيلَ مَكْرُوهٌ. وَهُمَا ضَعِيفَانِ، إلَّا أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الَّتِي أَفَادَهَا الشَّارِحُ تَقْتَضِي السُّنِّيَّةَ فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ وَإِنْ فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَعْتَكِفُ وَتَارَةً يَتْرُكُ فَلَا يَصْدُقُ ضَابِطُ السُّنَّةِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ] أَيْ وَأَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ الْكَائِنُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ فِي رَمَضَانَ لِكَوْنِهِ سَيِّدَ الشُّهُورِ وَتُضَاعَفُ فِيهِ الْحَسَنَاتُ، وَيَتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابُ بِالْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ الْغَالِبَةِ الْوُجُودِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمُوَاظَبَتِهِ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ خِلَافُ مَا حَلَّيْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا، إلَّا أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ لَيْسَ فِي الْمُصَنَّفِ تَعْيِينُ الْحُكْمِ هَلْ هُوَ النَّدْبُ أَوْ السُّنِّيَّةُ بَلْ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ تَقْتَضِي السُّنِّيَّةَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ [قَوْلُهُ: وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ] أَيْ طَاعَةً كَانَ أَوْ مَعْصِيَةً. قَالَ تَعَالَى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً، وَلَمَّا كَانَ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ جُنُوحٌ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى مَنْعِهِ حَوَّلَهُ الشَّارِحُ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَكِنْ فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ دَأْبُ الْمُصَنِّفِ التَّكَلُّمَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. الثَّانِي: أَنَّ ذِكْرَهُ التَّعْرِيفَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُلَازَمَةُ عَلَى الْقُرْبَةِ أَيْ الْقَاصِرَةِ الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ الشَّرْعِيُّ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ، فَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُهُ: وَالِاعْتِكَافُ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالتَّصَوُّرُ هُوَ قَوْلُهُ وَالْعُكُوفُ الْمُلَازَمَةُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ لِلْغَيْرِ لَا التَّصَوُّرِ فَلَا إيرَادَ [قَوْلُهُ: وَحَبْسُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ عَطْفَ مُرَادِفٍ [قَوْلُهُ: لُزُومُ] يُشْعِرُ بِطُولِ الْمُكْثِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ اللُّزُومُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الضَّرُورِيِّ [قَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ] قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ. وَإِلَّا فَالْكَافِرُ مُخَاطَبٌ بِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ [قَوْلُهُ: الْمُمَيِّزِ] أَيْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ عَبْدًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ. وَالْمُمَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِفَهْمِ الْخِطَابِ وَبِرَدِّ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ إذَا دُعِيَ أَجَابَ. [قَوْلُهُ:

فَوْقَهُ بِنِيَّةٍ، وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا عَلَى أَرْكَانِهِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَحَدِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُفْطِرٍ وَلَوْ لِعُذْرٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَسَحْنُونٌ: لَا بُدَّ مِنْ صَوْمٍ يَخُصُّهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي رَمَضَانَ وَيَرُدُّهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ فِي رَمَضَانَ. (وَ) مِنْ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ (أَنْ لَا يَكُونَ إلَّا مُتَتَابِعًا) مَا لَمْ يَنْذِرْهُ مُتَفَرِّقًا فَإِنْ نَذَرَهُ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّتَابُعُ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى رُكْنٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَكُونُ) الِاعْتِكَافُ (إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ) فَلَا يَصِحُّ فِي الْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَنَحْوِهَا (كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ (فَإِنْ كَانَ بَلَدٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ اسْمُهَا ضَمِيرٌ فِيهَا تَقْدِيرُهُ كَانَ هُوَ أَيْ اعْتِكَافُهُ فِي بَلَدٍ (فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْجِدَ] أَيْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مَسْجِدَ جُمُعَةٍ إلَّا أَنْ يُنْذِرَ أَيَّامًا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي مَسَاجِدِ الْبُيُوتِ وَلَا فِي الْكَعْبَةِ وَإِنْ جَازَ لَهُ دُخُولُهَا. [قَوْلُهُ: لِلذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ] أَيْ مِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ قَاصِرَةٍ خَرَجَتْ الْقُرْبَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ كَالِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ الْغَيْرِ الْعَيْنِيِّ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ كِتَابَةُ الْمُعْتَكِفِ وَإِنْ مُصْحَفًا إنْ كَثُرَ لَا إنْ قَلَّ، فَخِلَافُ الْأَوْلَى فَقَطْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَيُبَاحَ لَهُ لِتَعَيُّشِهِ. [قَوْلُهُ: يَوْمًا فَمَا فَوْقَهُ] الْفَاءُ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ يَوْمًا فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى قَوْلٍ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: مَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُهُ. وَأَقُولُ: بَلْ يُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ دَخَلَ مَعَ الْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ اشْتَمَلَ هَذَا عَلَى أَرْكَانِهِ إلَخْ] أَيْ الَّتِي هِيَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَكَوْنُهُ فِي مَسْجِدٍ وَكَوْنُ الْمَذْكُورِ ذِكْرًا وَصَلَاةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْكَفُّ عَنْ الْجِمَاعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَأَرَادَ بِالْأَرْكَانِ مَا تَتَوَقَّفُ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ اللُّزُومُ الْمُقَيَّدُ بِتِلْكَ الْقُيُودِ [قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي: [قَوْلُهُ: وَلَوْ لِعُذْرٍ] أَيْ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: يَصِحُّ اعْتِكَافُ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ وَضَعِيفِ الْبِنْيَةِ وَنَحْوِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ] أَيْ فَيَصِحُّ وَلَوْ فِي رَمَضَانَ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْذِرْهُ مُتَفَرِّقًا] أَفَادَ أَنَّ الْمَتْنَ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَتَيْنِ أَنْ يُنْذِرَ التَّتَابُعَ أَوْ يُطْلِقَ بِأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ شَهْرٍ مَثَلًا [قَوْلُهُ: فَإِنْ نَذَرَهُ كَذَلِكَ] أَيْ مُتَفَرِّقًا فَلَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعُهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَهُ مُتَفَرِّقًا وَأَطْلَقَ وَكَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ بِلَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، وَانْظُرْ هَلْ يَلْزَمُهُ التَّفْرِيقُ؟ وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِكَافٍ وَأَطْلَقَ لَا يَلْزَمُهُ تَتَابُعُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّوْمِ أَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا يُفْعَلُ بِالنَّهَارِ، فَكَيْفَمَا أُتِيَ بِهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، فَرَّقَهُ أَوْ تَابَعَهُ بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ يَسْتَغْرِقُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَكَانَ حُكْمُهُ يَقْتَضِي التَّتَابُعَ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمَسَاجِدِ] أَيْ الْمُبَاحَةِ فَلَا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَلَا فِي مَسْجِدٍ مُحَجَّرٍ وَلَا فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي بَيْتِ قَنَادِيلِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَكِفُ امْرَأَةً. [قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ] وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ] خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَعَطَاءٍ فَقَدْ قَالَ الْأَوَّلُ: لَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ. [قَوْلُهُ: فِي أَيِّ بَلَدٍ كَانَ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَدَّ قَوْلٍ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: أَيْ اعْتِكَافُهُ فِي بَلَدٍ] فِي هَذَا التَّقْدِيرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ النَّصْبَ مَعَ حَذْفِ فِي وَهُوَ لَا يَنْقَاسُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَوْ جُعِلَ الِاسْمُ عَائِدًا عَلَى الْبَلَدِ وَلَفْظُ بَلَدٍ خَبَرًا مَوْصُوفًا بِقَوْلِهِ فِيهِ الْجُمُعَةُ فَيَكُونُ خَبَرًا مَوْطِئًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَحْوِ: أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ مَا بَعُدَ فَإِنْ قُلْت: جُعِلَ الِاسْمُ عَائِدًا عَلَى الْبَلَدِ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَّا ذِكْرُ الِاعْتِكَافِ لَا الْبَلَدِ قُلْت: يُفْهَمُ مِنْ الْمَعْنَى أَيْ فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي فِيهِ الِاعْتِكَافُ بَلَدًا فِيهِ

الْجُمُعَةُ) وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَنَذَرَ أَيَّامًا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ (فَلَا يَكُونُ) بِمَعْنًى لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ (إلَّا فِي) الْمَسْجِدِ (الْجَامِعِ) فِي الْمَكَانِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِي بَيْتِ الْخَطَابَةِ وَلَا السِّقَايَةِ، وَلَا بَيْتِ قَنَادِيلِهِ لِكَوْنِهَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا، فَأَشْبَهَتْ بِذَلِكَ الْحَوَانِيتَ وَالْبُيُوتَ الَّتِي لَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِذْنٍ، وَالْمُسْتَحَبُّ عَجْزُ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ أَخْفَى لِلْعِبَادَةِ وَلِلْبُعْدِ مِمَّنْ قَدْ يَتَشَاغَلُ بِالْحَدِيثِ مَعَهُ. (إلَّا أَنْ يَنْذِرَ أَيَّامًا لَا تَأْخُذُهُ فِيهَا الْجُمُعَةُ) مِثْلَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَأَقَلُّ مَا هُوَ أَحَبُّ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ عَلَى رَأْيٍ (مِنْ الِاعْتِكَافِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) وَأَكْمَلُهُ شَهْرٌ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى رَأْيٍ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْمَلُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. (وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ) مَا نَوَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ يَوْمًا لَا يَلْزَمُهُ لَيْلَتُهُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ (وَإِنْ نَذَرَ لَيْلَةً لَزِمَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمُعَةُ، وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَعْنَى جَائِزٌ مُصَرَّحٌ بِهِ كَذَا كَتَبَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ بِحَذْفِ شَيْءٍ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إلَخْ] هَذَانِ الْقَيْدَانِ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِمَا [قَوْلُهُ: وَنَذَرَ أَيَّامًا] أَيْ أَوْ نَوَى أَيَّامًا [قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجَامِعِ] أَيْ لِأَجْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ لَا خُطْبَةَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ تَرْكَ الْجُمُعَةِ صَغِيرَةٌ وَالِاعْتِكَافُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالْكَبِيرَةِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ، وَإِلَّا جَرَى الْخِلَافُ فِي بُطْلَانِهِ بِالْكَبِيرَةِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ] أَيْ اخْتِيَارًا فَلَا تَصِحُّ بِرَحْبَتِهِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ، وَأَمَّا رَحْبَتُهُ الدَّاخِلَةُ فِيهِ وَهِيَ الصَّحْنُ فَتَصِحُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ فِي الطُّرُقِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ. [قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مَحْجُورًا عَلَيْهَا] أَيْ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الْكَعْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْجِيرِ، وَلَا يَصِحُّ فِي زَمْزَمَ وَلَا فِي سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَسَاجِدِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ عَجُزُ الْمَسْجِدِ] بِسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ آخِرُهُ قَالَهُ تت فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَخْفَى إلَخْ] فَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] قَدْ عَرَفْت مُقَابِلَهُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمُتَقَدِّمُ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ مَا هُوَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ، وَعَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ عَشْرَةٌ لَوْ اقْتَصَرَ فِي الِاعْتِكَافِ عَلَى مَا دُونَ الْعَشَرَةِ هَلْ يَكُونُ فَاعِلًا مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى. وَفِي ظَنِّي أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ ذَكَرَ فِيهِ الْكَرَاهَةَ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عِيسَى ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَكْرُوهٌ] أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى هُمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ وَذَكَرَ ذَلِكَ تت، وَلَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ هَلْ هُمَا قَوْلَانِ أَوْ مَحَلُّ نَظَرٍ. تَنْبِيهٌ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَقَلِّ فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَدَخَلَ فِيهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا، فَعَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْمُسْتَحَبِّ، وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِأَنَّهُمَا أَقَلُّ الْمُسْتَحَبِّ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ] أَيْ إذَا نَذَرَ يَوْمًا تَلْزَمُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُهُ مُشْكِلٌ إذْ كَيْفَ يَلْزَمُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَوَّنَةَ صَرَّحَتْ بِكَرَاهَةِ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَقَلَّ مُسْتَحَبِّهِ عَشْرَةٌ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا قِيلَ فِي نَاذِرِ رَابِعِ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ عج. وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْأَقَلِّ شَائِبَتَيْنِ شَائِبَةُ كَوْنِهِ عِبَادَةً وَشَائِبَةُ التَّحْدِيدِ لِهَذَا الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ، فَلَزِمَ النَّاذِرَ الْوَفَاءُ بِهِ لِلشَّائِبَةِ الْأُولَى وَمِثْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ لَوْ نَذَرَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْبَرِ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ نَذَرَ إلَخْ] إنَّمَا لَزِمَهُ الْأَمْرَانِ بِنَذْرِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ يَوْمِهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] فَالْمُرَادُ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيِهَا، وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ

[مفسدات الاعتكاف]

سَحْنُونَ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ لَيْلًا فَقَدْ نَوَاهُ بِغَيْرِ شَرْطِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَرَأَى فِي الْمَشْهُورِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْإِعْمَالُ دُونَ الْإِهْمَالِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أُمُورٍ مُفْسِدَاتٍ لِلِاعْتِكَافِ فَقَالَ: (وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ) أَيْ فِي اعْتِكَافِهِ بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ (مُتَعَمِّدًا فَلْيَبْتَدِئْ اعْتِكَافَهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَكَذَلِكَ) يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ (مَنْ جَامَعَ فِيهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا أَوْ مُتَعَمِّدًا) زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ. ج: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ لَذَّةٌ وَقَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ إذَا وَجَدَ لَذَّةً أَوْ قَصَدَهَا وَلَمْ يَجِدْهَا. (وَإِنْ مَرِضَ) الْمُعْتَكِفُ مَرَضًا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ الصَّوْمِ خَاصَّةً دُونَ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ (خَرَجَ) مِنْهُ (إلَى بَيْتِهِ فَإِذَا صَحَّ) مِنْ مَرَضِهِ رَجَعَ إلَى الْمَسْجِدِ (وَيَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الِاعْتِكَافِ (وَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (إنْ حَاضَتْ الْمُعْتَكِفَةُ) أَوْ نَفِسَتْ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ وَتَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَحُرْمَةُ الِاعْتِكَافِ) مُسْتَمِرَّةٌ (عَلَيْهِمَا) فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَفْعَلَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ مَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ غَيْرَ الصَّوْمِ، وَقَوْلُهُ: (فِي الْمَرَضِ) عَائِدٌ عَلَى الْمَرِيضِ، وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى الْحَائِضِ فِي الْحَيْضِ) عَائِدٌ عَلَى الْحَيْضِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَسْلَمَ مِنْ التَّكْرَارِ. (فَإِذَا طَهُرَتْ الْحَائِضُ) بِمَعْنَى أَنَّهَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ وَاغْتَسَلَتْ (أَوْ أَفَاقَ الْمَرِيضُ) مِنْ مَرَضِهِ سَوَاءٌ حَصَلَ لَهُمَا ذَلِكَ (فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ رَجَعَا) وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْوِيَ الْجَوَازَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ. [قَوْلُهُ: وَرَأَى فِي الْمَشْهُورِ] أَيْ فِي سَنَدِهِ بِمَعْنَى ظَهَرَ لَهُ سَنَدُهُ أَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ. [مُفْسِدَات الِاعْتِكَافِ] [قَوْلُهُ: بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ] إنَّمَا قَيَّدَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ احْتِرَازًا مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَعَمْدُهَا وَسَهْوُهَا سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ إلَخْ] وَمِثْلُ الْفِطْرِ نَاسِيًا الْمَرَضُ وَالْحَيْضُ، أَيْ فَإِنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ مَرِضَ أَوْ حَاضَتْ فَلَا يَبْتَدِئُهُ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ وَيَقْضِيه بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الْفِطْرُ وَاصِلًا لَهُ بِاعْتِكَافِهِ حَيْثُ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا بِحَسْبِ الْأَصْلِ كَرَمَضَانَ أَوْ مَنْذُورًا وَلَوْ مُعَيَّنًا، فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْبِنَاءِ فَنَسِيَ ابْتِدَاءً اعْتِكَافَهُ وَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ الثَّانِي، وَأَنْ لَوْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ تَطَوُّعًا فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ نِسْيَانًا فَكَذَلِكَ يَقْضِيه لِمَا مَعَهُ مِنْ التَّفْرِيطِ وَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: مَنْ جَامَعَ] قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: فَإِنْ وَطِئَ لَيْلًا بَطَلَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ مُطِيقَةٍ هُنَا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَدْنَاهُ أَنْ يَكُونَ كَقُبْلَةِ الشَّهْوَةِ وَاللَّمْسِ. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهَا أَبُو الْحَسَنِ إلَخْ] قَيْدُ أَبِي الْحَسَنِ مُعْتَمَدٌ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَلْمُوسُ أَوْ الْمُقَبَّلُ مِمَّنْ يُسْتَلَذُّ بِهِ عَادَةً، لَا إنْ قَبَّلَ مَنْ لَا تُشْتَهَى أَوْ لِوَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ لَذَّةً، وَوَطْءُ الْمُكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةُ كَغَيْرِهِمَا فِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِمَا بِخِلَافِ الِاحْتِلَامِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ مَرِضَ الْمُعْتَكِفُ مَرَضًا] أَيْ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْهُ إلَى بَيْتِهِ] أَيْ وُجُوبًا مَعَ الْمَرَضِ الْمَانِعِ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَجَوَازًا مَعَ الْمَانِعِ مِنْ الصَّوْمِ فَقَطْ. وَفِي الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: وَيَبْنِي إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْبِنَاءِ فِي كَلَامِهِ الْإِتْيَانُ بِبَدَلِ مَا فَاتَ بِالْعُذْرِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً وَفَاتَتْ أَوْ لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ كَانَتْ الْأَيَّامُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مَضْمُومَةً. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَخْرُجُ] أَيْ وُجُوبًا وَتَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ الصَّوْمِ] لَعَلَّ الصَّوَابَ إلَّا الْفِطْرَ. [قَوْلُهُ: لِيَسْلَمَ مِنْ التَّكْرَارِ] أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى الْحَائِضِ مُكَرَّرٌ بِاعْتِبَارِ دُخُولِهَا فِي عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْحَائِضِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا تَكْرَارَ بِأَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمَا لِلْمَرِيضِ وَالْمَرِيضَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمَرِيضَةِ ذِكْرٌ اهـ. [قَوْلُهُ: رَجَعَا إلَخْ] أَيْ وُجُوبًا، وَلَا تَكْرَارَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إعَادَتِهِ ثَانِيًا الْإِشَارَةُ إلَى وُجُوبِ رُجُوعِهِ سَرِيعًا إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ قَوْلِهِ: أَوَّلًا إذَا صَحَّ بِنَاءُ وُجُوبِ الرُّجُوعِ سُرْعَةً فَنَبَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا. [قَوْلُهُ: أَيْ

[الوقت الذي يبتدئ منه الاعتكاف]

نُسْخَةٍ رَجَعَ أَيْ كُلٌّ مِنْ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ (سَاعَتَئِذٍ) أَيْ سَاعَةَ طَهُرَتْ الْحَائِضُ مِنْ الْحَيْضِ بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ أَفَاقَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ (إلَى الْمَسْجِدِ) وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا حِينَئِذٍ ابْتَدَآ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا رَجَعَا نَهَارًا لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ لِتَعَذُّرِ الصَّوْمِ فِيهِ. (وَلَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَّخِذَ لِذَلِكَ مَوْضِعًا قَرِيبًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَنْزِلِ، وَفِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ إنْ كَانَ مَسْكُونًا وَفِيهِ أَهْلُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ غَرِيبًا فَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ وَانْظُرْ مَا مَعْنَى الْحَصْرِ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِغَيْرِ مَا ذَكَرَ كَخُرُوجِهِ لِغَيْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَوُضُوءٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ وَجَنَابَةٍ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ فَقَالَ: (وَلْيَدْخُلْ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَبْتَدِئَ فِيهَا اعْتِكَافَهُ) وَهَذَا الْأَمْرُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَاعَةَ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ سَاعَةَ إذْ طَهُرَتْ؛ لِأَنَّ إذْ تُضَافُ لِلْجُمَلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ لَغْوًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ نَظَرَ لِحَاصِلِ الْمَعْنَى بِجَعْلِ إضَافَةِ سَاعَةٍ لَإِذْ لِلْبَيَانِ، وَإِرَادَةُ الْمَصْدَرِ مِنْ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا حِينَئِذٍ ابْتَدَآ] أَيْ وَلَوْ لِعُذْرٍ مِنْ نِسْيَانٍ أَوْ إكْرَاهٍ، وَيَسْتَأْنِفُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ كَمَا لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إذَا صَادَفَ زَوَالَ الْعُذْرِ لَيْلَةَ الْعِيدِ أَوْ يَوْمَهُ فَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ، وَلَوْ أَخَّرَ الرُّجُوعَ حَتَّى مَضَى الْعِيدُ وَتَالِيَاهُ فِي الْأَضْحَى لِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الزَّمَنِ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الِاعْتِكَافُ بِصَوْمِ فَرْضٍ كَرَمَضَانَ أَوْ بِنَذْرِ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ الْعُذْرِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلَا يَجِبُ الْبِنَاءُ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعُذْرُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَوَّلُهُمَا: أَنْ يَرْجِعَا وَإِنْ لَمْ يَرْجِعَا لَمْ يَبْتَدِئَا. ثَانِيهِمَا: لَا يَرْجِعَانِ حِينَئِذٍ بَلْ إلَى اللَّيْلِ لِفِقْدَانِ الصَّوْمِ. [قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ] وَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ عِنْدَ الْعَوْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكْثُرَ الْخُرُوجُ لَهَا أَوْ يَقِلَّ وَلَا بَيْنَ بُعْدِ الْمَكَانِ وَقُرْبِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ أَقْرَبَ مِنْهُ. قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلَوْ قَضَى حَاجَةَ الْإِنْسَانِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ أَوْ لَا؟ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الصَّغَائِرِ لَا يَفْسُدُ، وَعَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَنْزِلِ] أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلِّ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَسْكُونًا وَفِيهِ أَهْلُهُ] أَيْ زَوْجَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا أَوْ مَسْكُونًا وَلَيْسَ فِيهِ زَوْجَتُهُ وَمِثْلُهَا أَمَتُهُ فَلْيَذْهَبْ إلَى مَحَلِّهِ بِدُونِ كَرَاهَةٍ، وَمِثْلُهُ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ أَهْلُهُ بِالْعُلُوِّ وَدَخَلَ الْأَسْفَلَ وَقَضَى حَاجَتَهُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي بِهِ أَهْلٌ وَلَيْسُوا فِي عُلُوٍّ مَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ كَانَ غَرِيبًا فَيَذْهَبُ إلَخْ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ مَحَلًّا قَرِيبًا، وَمَعْنَى حَيْثُ شَاءَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَمَا مُنِعَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْ دُخُولِهِ مَنْزِلَهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ بِحَاجَتِهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْخُرُوجِ فَشَمِلَ الْخَارِجَ لِمَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ: وَغُسْلِ جُمُعَةٍ أَيْ وَعِيدٍ أَوْ لِتَبَرُّدٍ لِحَرٍّ أَصَابَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ قَرِيبًا يُمْكِنُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَكَذَا لَا يَقِفُ مَعَ أَحَدٍ يُحَدِّثُهُ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِحَدِيثٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَإِذَا تَعَدَّى الْقَرِيبَ فَسَدَ أَيْضًا. [الْوَقْتَ الَّذِي يَبْتَدِئُ مِنْهُ الِاعْتِكَافَ] [قَوْلُهُ: وَهَذَا الْأَمْرُ إلَخْ] أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَنْذُورًا فَيَجِبُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ أَخَّرَ دُخُولَهُ وَدَخَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَجْزَاهُ، بَلْ وَلَوْ دَخَلَ مَعَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النِّيَّةِ مَعَ الْفَجْرِ لَكِنْ مَعَ الْإِثْمِ عَلَى التَّأْخِيرِ فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الْوَاجِبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْهُ مَعَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ

[مسائل نهي المعتكف عنها]

عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ فِي مُعْتَكَفِهِ» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا فَقَالَ: (وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا) وَلَوْ كَانَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ (وَلَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَاصَقَتْ، وَالنَّهْيُ عَنْهُمَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، فَإِنْ عَادَ مَرِيضًا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ صَلَّى فِيهِ عَلَى جِنَازَةٍ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ. ع: وَانْظُرْ قَوْلَهُ: (وَلَا يَخْرُجُ لِتِجَارَةٍ) هَلْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ وَقَالَ ق: إنْ عَقَدَ عَلَى سِلْعَةٍ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَتَّجِرُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا خَرَجَ كَلَامُهُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسِمْسَارٍ مُنِعَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سِمْسَارٍ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا جَازَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كُرِهَ وَلَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَا يُفْسَخُ الْبَيْع مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَا شَرْطَ فِي الِاعْتِكَافِ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَعْتَكِفُ كَذَا فَإِنْ بَدَا لِي فِي الْخُرُوجِ خَرَجْت، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] . قُلْت أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَلَكِنْ إنَّمَا تَخَلَّى بِنَفْسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِاعْتِكَافِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَقَوْلُهُ: «صَلَّى الْفَجْرَ» مُرَادُهُ الصُّبْحُ. [قَوْلُهُ: فِي مُعْتَكَفِهِ] الْمُرَادُ بِهِ خِبَاءٌ تَضْرِبُهُ لَهُ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. [مَسَائِلَ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ عَنْهَا] [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ عِيَادَةُ أَحَدِهِمَا وَهُمَا مَعًا إذَا كَانَا مَرِيضَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَخْرُجَ لِبِرِّهِمَا لِوُجُوبِهِ بِالشَّرْعِ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ. وَظَاهِرُ بَعْضِ النُّصُوصِ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا وَالْمَرَضُ خَفِيفًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِجِنَازَةِ أَبَوَيْهِ مَعًا فَإِنْ خَرَجَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَأَمَّا لِجِنَازَةِ أَحَدِهِمَا فَيَخْرُجُ وُجُوبًا لِمَا فِي عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ عُقُوقِ الْحَيِّ أَيْ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَوْتِهِمَا مَعًا، وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي، الْأَبَوَيْنِ دِنْيّة وَلَوْ كَافِرَيْنِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ إلَخْ] لَكِنْ إنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَالنَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ لَاصَقَتْ] أَيْ وَلَوْ جِنَازَةُ جَارٍ أَوْ صَالِحٍ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْهُمَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ] أَيْ إنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَالنَّهْيُ عَلَى الْمَنْعِ وَمَحَلِّ الْكَرَاهَةِ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ فَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِتَجْهِيزِهَا إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَلَا يَخْرُجُ إلَخْ] حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَيُنْهَى عَنْ التِّجَارَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجِهِ أَوْ نَقُولُ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ اللَّذَانِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ التِّجَارَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَالرَّاجِحُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: دَاخِلَ الْمَسْجِدِ] أَيْ وَكَذَا خَارِجَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَفْسُدْ] بَلْ وَلَمْ يُكْرَهْ حَيْثُ كَانَ مُجَرَّدَ عَقْدِ سِلْعَةٍ فِيهِ بِدُونِ سِمْسَارٍ وَكَثْرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَتَّجِرُ] أَيْ بِحَيْثُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَغَايَرَ قَوْلَهُ إنْ عَقَدَ وَقَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ بِسِمْسَارٍ] أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْعَقْدِ وَالتِّجَارَةِ وَقَوْلُهُ مُنِعَ أَيْ حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَفْسُدُ الِاعْتِكَافُ فِي الْوَجْهَيْنِ] أَيْ كَانَ بِسِمْسَارٍ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي قِسْمِ الْحُرْمَةِ أَوْ الْكَرَاهَةِ، وَصُورَةُ الْجَوَازِ لَا تُتَوَهَّمُ وَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ وَلَوْ خَارِجَهُ بِبُعْدٍ بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُ مَحَلًّا قَرِيبًا يُمْكِنُ الشِّرَاءُ مِنْهُ؛ وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي لَهُ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ] أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، أَوْ يَقُولَ أَعْتَكِفُ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ أَوْ الْعَكْسُ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ إنْ عَرَضَ أَمْرٌ يُوجِبُ الْقَضَاءَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يُفِدْهُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْمُعْتَكَفِ أَوْ بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ بَدَا لِي فِي الْخُرُوجِ] أَيْ فَإِنْ بَدَا لِي رَأْيٌ

[الوقت الذي يخرج فيه من الاعتكاف]

الِاعْتِكَافُ. ق: وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْمَسْجِدِ) أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ أَوْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَنْ يَقُولُ: لَا يَكُونُ إمَامَ الْمَسْجِدِ أَوْ إنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: إنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ انْتَهَى. وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ كَوْنِهِ إمَامًا رَاتِبًا. وَانْظُرْ هَذَا مَعَ مَا صَحَّ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ وَهُوَ الْإِمَامُ» . (وَلَهُ) أَيْ وَيُبَاحُ لِلْمُعْتَكِفِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ) بِمَعْنَى يَعْقِدَ لِنَفْسِهِ (أَوْ يَعْقِدَ نِكَاحَ غَيْرِهِ) وَقَيَّدَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنْ يَغْشَاهُ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِأَنْ لَا يُطَوِّلَ التَّشَاغُلَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ وَلِيًّا، فَإِنْ قِيلَ: الْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْتَكِفِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِي عِبَادَةٍ يُمْنَعُ فِيهَا الْوَطْءُ؟ أُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ عَقْدِ النِّكَاحِ لِكُلِّ أَحَدٍ خَرَجَ الْمُحْرِمِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنْكِحُ» وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِبَيَانِ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ مِنْ اعْتِكَافِهِ فَقَالَ: (وَمَنْ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ) يَعْنِي أَوَّلَ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ غَيْرَ رَمَضَانَ أَوْ وَسَطَهُ (خَرَجَ) بِمَعْنَى جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ (مِنْ اعْتِكَافِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهِ) أَيْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ اعْتِكَافِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ مُكْثَ اللَّيْلَةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْخُرُوجِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ تَرْكَهُ أَحْسَنُ] أَيْ فَيُكْرَهُ كَوْنُهُ إمَامًا لِلْمَسْجِدِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِلْمُخْتَصَرِ النَّاصِّ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِيَكُونُ، وَإِضَافَةُ إمَامِ الْمَسْجِدِ يُفِيدُ أَنَّهُ رَاتِبٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ إلَخْ] أَيْ أَشَارَ بِهِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يَكُونُ إمَامَ الْمَسْجِدِ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُعْتَكِفِ الْإِمَامَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، أَيْ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامَ الْمَسْجِدِ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ نَاجِي حَيْثُ قَالَ: لَا بَأْسَ هُنَا لِمَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَاتِبًا فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْجَوَازِ أَيْ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ الرَّدَّ فَغَايَرَ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ إنْ حُمِلَ الْجَوَازُ عَلَى الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَافَقَ ابْنَ نَاجِي، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَافَقَ الْمُعْتَمَدَ. وَقَوْلُهُ: قَالَ أَبُو عِمْرَانَ إلَخْ تَأْيِيدٌ لِلِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ. [قَوْلُهُ: انْتَهَى] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ انْتَهَى كَلَامُ ق. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْمُوَافِقُ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ. [قَوْلُهُ: «كَانَ يَعْتَكِفُ وَهُوَ الْإِمَامُ» ] قَدْ عَلِمْت ضَعْفَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ اسْتِحْبَابُ كَوْنِهِ رَاتِبًا الْمُوَافِقَ لِلْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ يُبَاحُ لَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَأَمَّا عِبَارَتُهُ فَهِيَ قَاصِرَةٌ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَغْشَاهُ] بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَتَلَبَّسُ بِهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ مَجْلِسِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَهُ حَرُمَ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُطَوِّلَ التَّشَاغُلَ بِهِ] وَإِلَّا كُرِهَ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ عَقْدِ النِّكَاحِ لِكُلِّ أَحَدٍ] وَمِنْهَا أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مُنْعَزِلٌ عَنْ النِّسَاءِ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ أَوْ أَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الِاعْتِكَافِ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ إلَخْ] بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُنْكِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [الْوَقْت الَّذِي يَخْرَج فِيهِ مِنْ الِاعْتِكَاف] [قَوْلُهُ: وَمَنْ اعْتَكَفَ أَوَّلَ الشَّهْرِ إلَخْ] يَعْنِي أَوَّلَ شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ غَيْرَ رَمَضَانَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يُرِيدُ أَنْ يَعْتَكِفَ كُلَّ الشَّهْرِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغَرَضُ اعْتِكَافَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَهَذَا يَجْرِي أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَوْ وَسَطَهُ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ] أَيْ لِانْقِضَاءِ اعْتِكَافِهِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ يَوْمٍ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ] أَيْ اسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ مُكْثَهُ اللَّيْلَةَ الَّتِي هِيَ تَلِي آخِرَ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ إلَخْ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَوَاسِطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إذَا كَانَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ صَبِيحَتَهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ

كَانَتْ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ الَّتِي يَخْرُجُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ» ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الشَّهْرَ فِي كَلَامِهِ بِغَيْرِ رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ اعْتَكَفَ بِمَا يَتَّصِلُ فِيهِ اعْتِكَافُهُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلْيَبِتْ لَيْلَةَ الْفِطْرِ) عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمَا ذَكَرَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ يَبِيتُ لَيْلَةَ يَوْمِ النَّحْرِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الِاعْتِكَافِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ إحْدَى دَعَائِمِهِ أَيْضًا، فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ وَقَدْ أُرِيت هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتهَا وَقَدْ رَأَيْتنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَكَفَ بِمَا] أَيْ بِزَمَنٍ [قَوْلُهُ: بِمَا يَتَّصِلُ فِيهِ اعْتِكَافُهُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ] الْمُرَادُ يَكُونُ آخِرُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ يَجِبُ الْبَيَاتُ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: فِي الْمَسْجِدِ] أَيْ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ فَأَلْ لِلْعَهْدِ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ وَلْيَصِلْ عِبَادَةً بِعِبَادَةٍ. [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ] أَيْ مِنْ اخْتِصَاصِ الِاعْتِكَافِ بِيَوْمِ الْفِطْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ يَوْمَ النَّحْرِ.

[باب في الزكاة]

[24 - بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ] بَابٌ: (فِي) بَيَانِ حُكْمِ (زَكَاةِ الْعَيْنِ) وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ، (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْحَرْثِ) وَبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْمَاشِيَةِ وَ) بَيَانِ (مَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِمَّا (يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ) وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ، (وَ) فِي بَيَانِ (ذِكْرِ الْجِزْيَةِ) أَيْ ذِكْرِ مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَمَنْ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهَا (وَ) فِي بَيَانِ (مَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي (يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارٍ) بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ جَمْعُ تَاجِرٍ كَفَاجِرٍ وَفُجَّارٍ، وَبِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ كَصَاحِبٍ وَصَاحِبِ. (أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيِّينَ) وَتَبَرَّعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْكَلَامِ عَلَى شَيْئَيْنِ الرِّكَازِ وَزَكَاةِ الْعُرُوضِ، أَمَّا الزَّكَاةُ فَلَهَا مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَهُوَ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ يُقَالُ: زَكَا الزَّرْعُ وَزَكَا الْمَالُ إذَا كَثُرَ، وَشَرْعِيٌّ وَهُوَ مَالٌ مَخْصُوصٌ يُؤْخَذُ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ يُصْرَفُ فِي جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ زَكَاةً أَنَّ فَاعِلَهَا يَزْكُو بِفِعْلِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ يُرْفَعُ حَالُهُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] وَقَدْ بَدَأَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْحُكْمِ فَقَالَ: (وَزَكَاةُ الْعَيْنِ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِشَرَفِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ وَيُسَمَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب فِي الزَّكَاة] [بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ] بَابٌ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ إلَخْ] لَوْ حَمَلَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْحُكْمَ وَبَيَانَ الْقَدْرَيْنِ لَكَانَ أَحْسَنَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَحْدَهُ لِقُصُورِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْقَدْرِ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْمَاشِيَةِ] أَيْ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ وَالْقَدْرِ الْمُخْرَجِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانُ مَا أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ] . أَيْ وَبَيَانُ الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ [قَوْلُهُ: وَذِكْرِ الْجِزْيَةِ] زَادَ لَفْظَ ذِكْرِ إذْ لَوْ أَسْقَطَهَا لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُزَكَّى وَلَا قَائِلَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ الْقَدْرِ. . . إلَخْ] الْأَوْلَى حَذْفُ بَيَانِ لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى ذِكْرِ، أَيْ ذِكْرِ مَنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَذِكْرِ الْقَدْرِ فَيَكُونُ مَشْمُولًا لِلْمُصَنِّفِ لَا خَارِجًا عَنْهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ حَمْلُهُ. [قَوْلُهُ: وَتَبَرَّعَ] أَيْ ذَكَرَ هَذَيْنِ وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ: النُّمُوُّ، وَأَرَادَ بِالزِّيَادَةِ الْمَعْنَى لَا الذَّاتَ الزَّائِدَةَ [قَوْلُهُ: إذَا كَثُرَ] وَالْكَثْرَةُ نُمُوٌّ وَزِيَادَةٌ [قَوْلُهُ: مَالٌ مَخْصُوصٌ] رُبْعُ الْعُشْرِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: يُؤْخَذُ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ] وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا. وَقَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَقَوْلُهُ: يُصْرَفُ فِي جِهَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهِ] أَيْ تَسْمِيَةِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ زَكَاةً. [قَوْلُهُ: أَنَّ فَاعِلَهَا] مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فَاعِلَهُ أَيْ مُخْرِجَهُ أَيْ مُخْرِجَ الْمَالِ الْمَخْصُوصِ، وَأَنَّثَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسَمَّى زَكَاةً وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ يَزْكُو بِفِعْلِهَا. [قَوْلُهُ: بِفِعْلِهَا] أَيْ بِإِخْرَاجِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ يُرْفَعُ حَالُهُ] أَيْ مَرْتَبَتُهُ. [قَوْلُهُ: تُطَهِّرُهُمْ] أَيْ مِنْ الذُّنُوبِ وَقَوْلُهُ وَتُزَكِّيهِمْ أَيْ تَرْفَعُ قَدْرَهُمْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الذَّهَبُ] أَيْ الْعَيْنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ] أَيْ سُمِّيَ مَا ذُكِرَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِذَلِكَ أَيْ بِالْعَيْنِ أَيْ بِاسْمِ الْعَيْنِ وَهُوَ لَفْظُ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِشَرَفِهِ] أَيْ مَا ذُكِرَ أَيْ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ شَرِيفَةٌ. [قَوْلُهُ:

نَقْدًا أَيْضًا (وَالْحَرْثُ) وَهُوَ الْمُقْتَاتُ الْمُتَّخَذُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا (وَالْمَاشِيَةُ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (فَرِيضَةٌ) بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا ضُرِبَ وَأُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا وَتُجْزِئُهُ وَلَا يُكَفَّرُ. وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ يُكَفَّرُ وَاسْتُبْعِدَ وَلَهَا شُرُوطُ وُجُوبٍ وَشُرُوطُ إجْزَاءِ، أَمَّا الْأُولَى فَسَبْعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ: الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنِّصَابُ وَالْمِلْكُ، وَالْحَوْلُ فِي غَيْرِ الْمَعَادِنِ وَالْمُعْشِرَاتِ، وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ وَمَجِيءُ السَّاعِي فِي الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ سُعَاةٌ وَأَمْكَنَهُمْ الْوُصُولُ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَأَرْبَعَةٌ: النِّيَّةُ، وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ وُجُوبِهَا وَإِخْرَاجُهَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَأْخُوذٌ مِنْ الْعَيْنِ] أَيْ الِاسْمُ مَنْقُولٌ مِنْ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ، أَيْ مِنْ اسْمِ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى نَقْدًا أَيْضًا] أَيْ يُسَمَّى مَا ذُكِرَ نَقْدًا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُقْتَاتُ] أَيْ الَّذِي يُقْتَاتُ أَيْ يُؤْكَلُ لِقِيَامِ الْبِنْيَةِ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِالْمَحْرُوثِ، وَهُوَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] فُرِضَتْ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ الْهِجْرَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ شَرْطُ وُجُوبِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ بُلُوغُ الْمَالِ نِصَابًا، وَبِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ إخْرَاجُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ كَمَا أَفَادَهُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فَرِيضَةٌ خَبَرٌ عَنْ الزَّكَاةِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالْفَرِيضَةِ. [قَوْلُهُ: ضُرِبَ] أَيْ لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا. [قَوْلُهُ: وَتُجْزِئُهُ] إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا وَإِنْ بِتَقَالٍّ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ نَائِبَةٌ عَنْ نِيَّتِهِ وَيُؤَدَّبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفَّرُ] أَيْ لَا يُكَفَّرُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَائِهَا. [قَوْلُهُ: إجْزَاءٍ] أَيْ صِحَّةٍ [قَوْلُهُ: فَسَبْعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ] إنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ عَدَّ الْإِسْلَامِ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، وَالْأَصَحُّ خِطَابُهُمْ بِهَا فَيَكُونُ الْإِسْلَامُ شَرْطَ صِحَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ] فَلَا تَجِبُ عَلَى رِقٍّ وَلَوْ كَانَ فِي شَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ مِنْ مُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْمِلْكُ] أَيْ التَّامُّ فَاحْتُرِزَ بِالْمِلْكِ مِمَّا لَا يَمْلِكُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ، وَبِقَوْلِنَا: التَّامُّ احْتِرَازًا عَنْ الْمِلْكِ لِلْقِيمَةِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهَا، وَعَنْ مِلْكِ الْعَبْدِ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ لِعَدَمِ تَمَامِ تَصَرُّفِهِ، وَاحْتُرِزَ بِالْحَوْلِ عَنْ عَدَمِ كَمَالِهِ فَلَا تَجِبُ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَعَادِنِ] وَأَمَّا الْمَعَادِنُ فَفِيهَا خِلَافٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِمُجَرَّدِ إخْرَاجِهِ مِنْ الْمَعْدِنِ وَيَتَوَقَّفُ إخْرَاجُهُ الزَّكَاةَ عَلَى التَّصْفِيَةِ. وَقَالَ بَعْضٌ: إنَّمَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّصْفِيَةِ مِنْ تُرَابِهِ لَا قَبْلَهُ، وَفَائِدَةُ هَذَا التَّرَدُّدِ لَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَقَبْلَ التَّصْفِيَةِ هَلْ يُحْسَبُ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْسَبُ لَا عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَالْمُعْشِرَاتِ] أَيْ مَا فِيهِ الْعُشْرُ. [قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُسْقِطُ زَكَاةَ الْعَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْمَعْدِنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْحَرْثُ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا فَلَا يُسْقِطُهَا الدَّيْنُ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ثَمَّ سُعَاةٌ وَأَمْكَنَهُمْ الْوُصُولُ] وَعَدَّ وَأَخَذَ أَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَى قَوْمٍ فَالزَّكَاةُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ اتِّفَاقًا أَوْ وَصَلَ وَلَمْ يَعُدَّ أَوْ عَدَّ وَلَمْ يَأْخُذْ فَزَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بِمَوْتٍ أَوْ ذَبْحٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْفِرَارَ فَالْمُعْتَبَرُ مَا وُجِدَ. [قَوْلُهُ: النِّيَّةُ] أَيْ عِنْدَ عَزْلِهَا أَوْ تَفْرِقَتِهَا فَأَحَدُهُمَا كَافٍ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَتَمُّ سَنَدٍ يَنْوِي إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَنْوِي عَنْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ وَكَذَا الصَّغِيرُ. [قَوْلُهُ: وَتَفْرِقَتُهَا بِمَوْضِعِ وُجُوبِهَا] أَيْ أَوْ قَرَّبَهُ أَيْ إنَّ تَفْرِقَتَهَا عَلَى نَوْعَيْنِ، نَوْعٌ هُوَ مَوْضِعُ الْوُجُوبِ وَنَوْعٌ هُوَ قُرْبُهُ، وَالْمُرَادُ بِقُرْبِهِ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِ الْوُجُوبِ مُسْتَحِقٌّ أَوْ كَانَ، وَفَضَلَ عَنْهُ أَوْ أُعْدِمَ أَوْ مِثْلٌ أَوْ دُونَ لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَيْهِ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قَرَّبَهُ مُسْتَحِقٌّ أَوْ كَانَ أُعْدِمَ فَيُنْقَلُ أَكْثَرُهَا وُجُوبًا، فَإِنْ نَقَلَ كُلَّهَا لَهُ أَوْ فَرَّقَ الْكُلَّ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْإِجْزَاءُ، فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ دُونًا لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْهُ لَكِنْ فِي الْمُسَاوِي يُجْزِئُ وَفِي دُونٍ لَا يُجْزِئُ، وَالنَّقْلُ بِأُجْرَةٍ مِنْ الْفَيْءِ أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا مِنْ عِنْدِ

وُجُوبِهَا، وَدَفْعُهَا لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ فِي أَخْذِهَا، وَصَرْفُهَا إنْ كَانَ أَوْ لِأَرْبَابِهَا، وَشَرْحُ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا مَبْسُوطٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ بَيَّنَ وَقْتَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْحَرْثِ بِقَوْلِهِ: (فَأَمَّا زَكَاةُ الْحَرْثِ فَيَوْمَ حَصَادِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ أَقْرَبُ لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] إنْ صَحَّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَيْ الْوَصْفَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ الطَّيِّبُ وَطَيِّبُ كُلِّ نَوْعٍ مَعْلُومٌ فِيهِ. وَفِي ك: الْوُجُوبُ يَتَعَلَّقُ بِيَوْمِ الْحَصَادِ وَالْإِخْرَاجُ بِيَوْمِ التَّنْقِيَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. (وَ) أَمَّا (الْعَيْنُ) غَيْرُ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (وَالْمَاشِيَةُ) فَتَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهَا (فِي كُلِّ حَوْلٍ مَرَّةً) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَشَرْطُ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مَجِيءُ السَّاعِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ كَانَ وَيَصِلُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِالْحَوْلِ اتِّفَاقًا، وَعَلَى الْمَشْهُورِ لَوْ أُخْرِجَتْ قَبْلَ مَجِيئِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَمْ تَجُزْ. ثُمَّ بَيَّنَ قَدْرَ النِّصَابِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْحَرْثِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْرِجِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيْءٌ أَوْ كَانَ وَلَا أَمْكَنَ نَقْلُهَا فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي بَلَدِ الْوُجُوبِ، وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهَا مِثْلُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُنْقَلُ إلَيْهِ إنْ كَانَ خَيْرًا وَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ ثَمَنَهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ مَوْضِعُ الْمَالِكِ وَهَذَا فِي الْعَيْنِ كَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاعٍ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِهِمَا أَيْ الَّذِي جُبِيَتَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَإِخْرَاجُهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا] وَكَذَا إذَا أُخْرِجَتْ زَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَاعٍ قَبْلَ الْحَوْلِ لِلْفُقَرَاءِ بِشَهْرٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ مَا لَهَا سَاعٍ فَكَالْحَرْثِ لَا تُجْزِئُ إذَا قُدِّمَتْ قَبْلَ الْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: فِي أَخْذِهَا] أَيْ عَدَلَ فِي أَخْذِهَا وَعَدَلَ فِي صَرْفِهَا، وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِهِمَا أَيْ الْمُتَحَقِّقُ عَدَالَتُهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ مَاشِيَةً أَوْ حَرْثًا. [قَوْلُهُ: أَوْ لِأَرْبَابِهَا] هُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الْمُشَارُ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] إلَخْ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّمْرِ، وَأَمَّا الزَّرْعُ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَقَطْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَا يُظْهِرُ قَوْلُ الشَّارِحِ مَا ذَكَرَهُ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْحُبُوبِ قَوْلَيْنِ وَفِي الثِّمَارِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ قَالَ: إذَا أَزْهَتْ النَّخْلُ وَطَابَ الْكَرْمُ وَاسْوَدَّ الزَّيْتُونُ أَوْ قَارَبَ وَأَفْرَكَ الزَّرْعُ وَاسْتَغْنَى عَنْ الْمَاءِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ؛ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الزَّرْعِ إلَّا بِالْحَصَادِ وَلَا تَجِبُ فِي التَّمْرِ إلَّا بِالْجُذَاذِ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِيلَ بِالْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ. وَالثَّالِثُ خَاصٌّ بِالتَّمْرِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْخَرْصِ لِلْمُغِيرَةِ وَتَرْتِيبُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ أَنَّ الطَّيِّبَ أَوَّلًا ثُمَّ الْخَرْصَ ثُمَّ الْجُذَاذَ. وَأَنَّ الْإِفْرَاكَ أَوَّلًا ثُمَّ الْحَصَادَ اهـ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ بِالْإِفْرَاكِ فَكُلُّ مَا أُكِلَ مِنْهُ فَرِيكًا فَإِنَّهُ يَحْسُبُهُ وَيَتَحَرَّى زَكَاتَهُ، وَإِنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ مِنْهُ إذْ ذَاكَ أَجْزَأَهُ وَيُزَكِّي عَمَّا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ تَطَوُّعًا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ صَحَّ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ وَالْآيَةَ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ: السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ مَا كَانَ يُتَصَدَّقُ بِهِ يَوْمَ الْحَصَادِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ لَا الزَّكَاةُ الْمُقَدَّرَةُ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ] هُوَ مُخَالِفٌ الْمَشْهُورَ إلَّا أَنَّ شُرَّاحَ خَلِيلٍ جَعَلُوا الْإِفْرَاكَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى الْيُبْسِ، فَقَدْ اعْتَمَدُوا هَذَا الْقَوْلَ أَعْنِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْحَصَادِ أَيْ اسْتِحْقَاقِ الْحَصَادِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي. [قَوْلُهُ: مَجِيءُ السَّاعِي عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنَّ زَكَاتَهُ تَجِبُ بِمُرُورِ الْحَوْلِ سَوَاءٌ جَاءَ السَّاعِي أَوْ لَمْ يَجِئْ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ بَشِيرٍ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ وَيَصِلُ] أَيْ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فَإِنْ تَخَلَّفَ وَأُخْرِجَتْ أَجْزَأَ تَخَلَّفَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَحَلُّ الْإِجْزَاءِ إنْ أَثْبَتَ

مِنْ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ فِي حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ» . ع: اُنْظُرْ هَلْ تَدْخُلُ الْقَطَانِيُّ فِي الْحَبِّ وَالزَّبِيبِ وَالزَّيْتُونِ فِي التَّمْرِ أَمْ لَا؟ فَيَظْهَرُ مِمَّا قَالَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ الْقَطَانِيَّ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ، فَنَقُولُ: إنَّمَا تَعَرَّضَ هُنَا لِلنِّصَابِ وَذَلِكَ يَعُمُّ الْجَمِيعَ، وَذَكَرُوا لِلْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ ضَابِطَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْكَيْلِ، وَالْآخَرُ بِالْوَزْنِ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَبَيَّنَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَذَلِكَ) أَيْ الْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ (سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ وَرُبْعُ قَفِيزٍ) بِقَفِيزِ إفْرِيقِيَّةَ فِي زَمَنِهِ (وَالْوَسْقُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَحَدُ أَوْسُقٍ وَهُوَ لُغَةً ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: 17] أَيْ ضَمَّ وَجَمَعَ، وَاصْطِلَاحًا (سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ) أَيْ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقَدْ حُرِّرَ النِّصَابُ بِمُدٍّ مُعَبَّرٍ عَلَى مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوُجِدَ سِتَّةَ أَرَادِبَ وَنِصْفًا وَنِصْفَ وَيْبَةٍ بِأَرَادِبِ الْقَاهِرَةِ، وَأَمَّا ضَابِطُهُ وَزْنًا فَفِي الْجَلَّابِ الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَالْوَسْقُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ رَطْلًا، فَمَبْلَغُ النِّصَابِ وَزْنًا أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَالرَّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مَكِّيًّا كُلُّ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ مُطْلَقِ الشَّعِيرِ، أَيْ تَكُونُ الْحَبَّةُ مُتَوَسِّطَةً غَيْرَ مَقْشُورَةٍ وَقَدْ قُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا امْتَدَّ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الشَّيْخُ عَلَى النِّصَابِ وَسَكَتَ عَنْ الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ سُقِيَ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخْرِجُ الْإِخْرَاجَ بِالْبَيِّنَةِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ] خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ تَدْخُلُ إلَخْ] بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَدْخَلَهَا فِي الْحَبِّ وَجَعَلَ الْحَبَّ شَامِلًا لِمَا عَدَا التَّمْرَ الَّذِي هُوَ تِسْعَةَ عَشَرَ نَوْعًا وَهِيَ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالْأُرْزُ وَالدُّخْنُ وَالذُّرَةُ وَالْعَلَسُ، وَالْقَطَانِيُّ السَّبْعَةُ الَّتِي هِيَ الْعَدَسُ وَاللُّوبْيَا وَالْفُولُ وَالْحِمَّصُ وَالتُّرْمُسُ وَالْبِسِلَّةُ وَالْجُلْبَانُ، وَذَوَاتُ الزُّيُوتِ وَهِيَ حَبُّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ، وَالسِّمْسِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُلْجُلَانِ وَالْقُرْطُمُ وَالزَّيْتُونُ وَالزَّبِيبُ فَهِيَ بِالتَّمْرِ عِشْرُونَ نَوْعًا فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ بَذْرِ الْكَتَّانِ أَوْ سَلْجَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَيَظْهَرُ مِمَّا قَالَ فِي الْبُيُوعِ إلَخْ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَتَمُّ وَنَصُّهُ فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْبُيُوعِ وَالطَّعَامِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ أَنَّ الْقَطَّانِيَّ خِلَافُ الْحُبُوبِ، وَالزَّبِيبَ وَالزَّيْتُونَ خِلَافُ التَّمْرِ، فَالْجَوَابُ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ هُنَا وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَنَقُولُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا لَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: إنَّمَا تَعَرَّضَ هُنَا لِلنِّصَابِ] أَيْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا الْتَفَتَ هُنَا لِذِكْرِ النِّصَابِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنْ الْحَبِّ وَالتَّمْرِ فَلَيْسَ الْمَقْصُودَ. [قَوْلُهُ: سِتَّةُ أَقْفِزَةٍ] جَمْعُ قَفِيزٍ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَاعًا. [قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَاحِدُ أَوْسُقٍ] كَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ وَالثَّانِي وَاحِدُ أَوْسَاقٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: أَيْ ضَمَّ وَجَمَعَ] أَيْ مِنْ الظُّلْمَةِ وَالنَّجْمِ أَوْ لِمَا عَمِلَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] وَالْمُدُّ مِلْءُ الْيَدَيْنِ جَمِيعًا الْمُتَوَسِّطَتَيْنِ لَا مَبْسُوطَتَيْنِ وَلَا مَقْبُوضَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ حُرِّرَ النِّصَابُ] أَيْ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَوَقَعَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ. [قَوْلُهُ: سِتَّةَ أَرَادِبَ] وَالْإِرْدَبُّ سِتُّ وَيْبَاتٍ وَالْوَيْبَةُ سِتَّةَ عَشَرَ قَدَحًا وَقَدْ حَرَّرَهُ عج فِي زَمَنِهِ فَوَجَدَهُ بِالْأَقْدَاحِ أَرْبَعَمِائَةِ قَدَحٍ، وَبِالْأَرَادِبِ أَرْبَعَةَ أَرَادِبَ وَوَيْبَةً لِكِبَرِ الْكَيْلِ فِي زَمَنِهِ عَمَّا كَانَ فِي الْأَزْمِنَةِ السَّابِقَةِ. وَعِبَارَةُ عج قَدْ حَرَّرَتْ الْمُدَّ فَوَجَدْته ثُلُثَ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ فَيَكُونُ الصَّاعُ قَدَحًا وَثُلُثَا، فَالْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَرْبَعُمِائَةِ قَدَحٍ بِالْمِصْرِيِّ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَرَادِبَ وَوَيْبَةٌ، وَالْإِرْدَبُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ. وَقَالَ عِيَاضٌ بِالْفَتْحِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِكْيَالٌ لِأَهْلِ مِصْرَ، وَظَاهِرُ الْقَامُوسِ أَنَّ فِيهِ لُغَةً بِالضَّمِّ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ:

مَشَقَّةٍ كَمَاءِ السَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ كَالدَّوَالِيبِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ كَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّانِي: تُعْتَبَرُ الْأَوْسُقُ بَعْدَ وَضْعِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشَفِ وَالرُّطُوبَاتِ. الثَّالِثُ: تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ يُؤْخَذُ لَهَا أَجْرٌ أَمْ لَا. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَنْوَاعَ تُضَمُّ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ مَجْمُوعِهَا نِصَابٌ زُكِّيَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَأَنَّ الْأَجْنَاسَ لَا تُضَمُّ فَإِذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ نِصَابٌ لَا يُزَكَّى فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (وَيُجْمَعُ الْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ) بِضَمِّ السِّينِ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَأَنَّهُ حِنْطَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: (فِي الزَّكَاةِ) لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا جِنْسٌ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَمْعِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ زِرَاعَتُهَا؛ وَحَصَادُهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَا فِي عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ مَا نَبَتَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَيُضَافُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَلَا يُضَافُ مَا نَبَتَ فِي زَمَانٍ إلَى مَا نَبَتَ فِي زَمَانٍ آخَرَ، وَقِيلَ: الْمُعْتَبَرُ الزِّرَاعَةُ فَإِنْ زُرِعَ الثَّانِي قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَاءِ السَّمَاءِ] وَمِثْلُهُ الْمَاءُ الْجَارِي أَوْ مَا يُسْقَى بِقَلِيلِ مَاءٍ كَالذُّرَةِ الصَّيْفِيِّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَإِنَّهُ يُصَبُّ عَلَيْهِ قَلِيلُ مَاءٍ عِنْدَ وَضْعِ حَبِّهِ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ لَا يُسْقَى بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَالدَّوَالِيبِ] أَيْ وَالدِّلَاءُ وَإِنْ سُقِيَ بِهِمَا فَعَلَى حُكْمَيْهِمَا حَيْثُ تَسَاوَيَا أَوْ تَقَارَبَا وَهُوَ مَا دُونَ الثُّلُثَيْنِ فَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ ذِي السَّيْحِ وَنِصْفُهُ مِنْ ذِي الْآلَةِ وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ فَقِيلَ: الْحُكْمُ لِلْأَكْثَرِ وَيُلْغَى الْأَقَلُّ. وَقِيلَ: كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا عَلَى حُكْمَيْهِمَا أَنْ تُقَسِّمَ الْحَرْثَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ مَثَلًا فَثُلُثَاهُ يَخْرُجُ عُشْرُهُمَا وَثُلُثُهُ يَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِهِ إنْ كَانَ السَّقْيُ بِالسَّيْحِ الثُّلُثَيْنِ، وَبِالْآلَةِ الثُّلُثَ وَبِالْعَكْسِ الْعَكْسَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْثَرِ مُدَّةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّهُ الرَّاجِحُ، وَلَوْ كَانَ السَّقْيُ فِيهَا كَالسَّقْيِ فِي الْأَقَلِّ أَوْ دُونَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُدَّةُ السَّقْيِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مِنْهَا شَهْرَانِ بِالسَّيْحِ وَأَرْبَعَةٌ بِالْآلَةِ، لَكِنَّ سَقْيَهُ بِالسَّيْحِ مَرَّتَيْنِ وَسَقْيَهُ بِالْآلَةِ مَرَّةً فَإِنَّهُ يُغَلَّبُ الْأَكْثَرُ مُدَّةً عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِ الْكُلِّ وَعَلَى الثَّانِي يُقْسَمُ الْحَبُّ أَقْسَامًا ثَلَاثَةً فَثُلُثَاهُ يَخْرُجُ نِصْفُ عُشْرِهِمَا وَثُلُثُهُ عُشْرُهُ وَمُقَابِلُ الرَّاجِحِ اعْتِبَارُ الْأَكْثَرِ سَقْيًا لَا مُدَّةً. [قَوْلُهُ: كَذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ] مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» انْتَهَى. [قَوْلُهُ: بَعْدَ وَضْعِ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشَفِ وَالرُّطُوبَاتِ إلَخْ] أَيْ فَالْخَارِصُ يُسْقِطُ بِاجْتِهَادِهِ مَا يَعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ إذَا جَفَّ التَّمْرُ أَوْ الزَّبِيبُ يَنْقُصُ مِنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ نَخْلَةٍ، يَقُولُ: مَثَلًا قَدْرُ مَا عَلَى هَذِهِ كَذَا وَإِذَا جَفَّ يَنْقُصُ كَذَا فَيُعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا مَا يَرْمِيهِ الْهَوَاءُ أَوْ يَأْكُلُهُ الطَّيْرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ، وَإِذَا لَمْ يُسْقِطْ هَذَا فَالْعَلَفُ وَالْأَكْلُ وَالْهَدَايَا مِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْإِسْقَاطِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ اعْتِبَارُ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً مِنْ التِّبْنِ الَّذِي لَا يُخْتَزَنُ بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ مَزْرُوعَةً. وَأَمَّا مَا وُجِدَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ نَابِتًا فِي الْجِبَالِ وَالْأَرَاضِي الْمُبَاحَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا تَكُونُ أَهْلُ قَرْيَةِ ذَلِكَ الْجَبَلِ أَحَقَّ بِهِ، وَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ فَإِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلَّهِ. [قَوْلُهُ: أَجْرٌ] أَيْ خَرَاجٌ لِأَنَّ الْخَرَاجَ كِرَاءٌ. [قَوْلُهُ: ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ] أَيْ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِشَعِيرِ النَّبِيِّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ] تَعْبِيرُهُ بِهَذَا يُفِيدُ أَنَّ شَيْئًا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ، وَقَدْ أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ فَقَالَ: وَقَوْلُ السُّيُورِيِّ وَتِلْمِيذِهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ فِي الْبُيُوعِ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ ضَمِّهِ هُنَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا] فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: فِي عَامٍ وَاحِدٍ] أَيْ فَصْلٍ وَاحِدٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: الْمُعْتَبَرُ مَا نَبَتَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ] أَيْ فَصْلٍ وَاحِدٍ [قَوْلُهُ: فَإِنْ زُرِعَ الثَّانِي إلَخْ] أَيْ وَإِنْ بِبَلَدَانِ، فَإِذَا زُرِعَ فِي ثَلَاثَةِ أَمَاكِنَ وَزُرِعَ

حَصَادِ الْآخَرِ ضُمَّ إلَيْهِ، وَإِنْ زَرَعَهُ بَعْدَ حَصَادِهِ لَا يُضَمُّ إلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ، وَالثَّانِي لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَةَ الضَّمِّ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا) أَيْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ (خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَلْيُزَكِّ ذَلِكَ) ع: فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مَا يَنُوبُهُ فَيُخْرِجُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى عَنْ الْأَدْنَى وَالْأَوْسَطَ عَنْ الْأَوْسَطِ، فَإِذَا أَخْرَجَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَخْرَجَ الْأَدْنَى عَنْ الْأَعْلَى لَمْ يَجْزِهِ، فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْحُبُوبِ أَنَّهُ يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَنُوبُهُ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَوَاشِي أَنَّهُ يُخْرِجُ الْوَسَطَ. وَاخْتُلِفَ فِي التَّمْرِ قِيلَ: هُوَ مِثْلُ الْمَوَاشِي، وَقِيلَ: مِثْلُ الْحُبُوبِ وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يُجْمَعُ أَصْنَافُ الْقُطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، وَأَصْلُهَا مِنْ قَطَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهَا فِيهِ أَجْنَاسٌ وَهِيَ الْبَسِيلَةُ وَالْحِمَّصُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِهَا، وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ وَالْفُولُ وَالتُّرْمُسُ وَاللُّوبْيَاءُ وَالْجُلْجُلَانُ وَحَبُّ الْفُجْلِ. وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يُجْمَعُ أَصْنَافُ التَّمْرِ) فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا (وَكَذَلِكَ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ) تُجْمَعُ فَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهَا. (وَ) مِنْ الثَّانِي (الْأُرْزُ) فِيهِ سِتُّ لُغَاتٍ أَحَدُهَا ضَمُّ الْهَمْزِ وَالرَّاءِ (وَالدُّخْنُ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّانِي قَبْلَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَزُرِعَ الثَّالِثُ بَعْدَ حَصَادِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ حَصَادِ الثَّانِي فَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ وَسْقَانِ كَالثَّالِثِ وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُزَكَّى الْجَمِيعُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْ حَبِّ الْأَوَّلِ إلَى حَصَادِ الثَّانِي مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ، أَيْ فَلَا بُدَّ فِي زَكَاةِ الْجَمِيعِ عَنْ ضَمِّ الْوَسَطِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَبْقَى حَبُّ السَّابِقِ لِحَصْدِ اللَّاحِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَسَطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ نِصَابٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ وَسْقَانِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَكْمُلُ النِّصَابُ مِنْ الْوَسَطِ وَمِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَسَطِ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَفِي الْأَوَّلِ اثْنَانِ وَفِي الثَّالِثِ وَاحِدٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْقَاصِرِ وَلِابْنِ عَرَفَةَ اسْتِظْهَارٌ اُنْظُرْهُ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَوَاشِي] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهَا الْوَسَطُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا خِيَارًا كَأَكُولَةٍ أَوْ شِرَارًا كُلُّهَا كَسَخْلَةٍ أَيْ صَغِيرَةٍ وَتَيْسٍ وَهُوَ الذَّكَرُ الَّذِي لَيْسَ مُعَدًّا لِلضِّرَابِ فَإِنَّ السَّاعِيَ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَالِكُ دَفْعَ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يَرَى السَّاعِي أَخْذَ الْمَعِيبَةِ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِكَوْنِهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا [قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِثْلُ الْمَوَاشِي إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَيَأْتِي [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] أَيْ وَمِنْ الْأَوَّلِ [قَوْلُهُ: أَصْنَافُ الْقُطْنِيَّةِ] أَيْ بِشَرْطِ زَرْعِ الْمَضْمُومِ قَبْلَ حَصَادِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ إلَخْ] كَذَا فِي الْكَبِيرِ أَيْضًا وَقَالَ فِي لُغَاتِ الْمُخْتَصَرِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْقَافِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَأَصْلُهَا] أَيْ وَأَخْذُهَا مِنْ قَطَنَ وَذَلِكَ لِإِقَامَتِهَا بِالْمَكَانِ، وَعِلَّةُ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الْحُبُوبِ قَائِمٌ بِالْمَكَانِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ] مُقَابِلُهُ مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَوْلًا بِعَدَمِ الضَّمِّ فَيُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ. [قَوْلُهُ: الْبَسِيلَةُ] بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالْيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَسُ] بِفَتْحِ الدَّالِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُلْبَانُ] بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا مُشَدَّدَةً قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَالتُّرْمُسُ] بِالضَّمِّ قَامُوسٌ. [قَوْلُهُ: وَاللُّوبْيَاءُ] نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ مُذَكَّرٌ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُلْجُلَانُ] بِجِيمَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ بَعْدَ كُلِّ جِيمٍ لَامٌ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: وَحَبُّ الْفُجْلِ] بِضَمِّ الْفَاءِ وَفِي عَدِّهِمَا مِنْ الْقَطَانِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ ذَوَاتِ الزُّيُوتِ. [قَوْلُهُ: سِتُّ لُغَاتٍ إلَخْ] أَرُزٌّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَأُرْزٌّ بِضَمِّهِمَا وَالزَّايُ مُشَدَّدَةٌ فِيهِمَا وَأُرْزٌ بِضَمِّهِمَا وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَالزَّايُ مُخَفَّفَةٌ فِيهِمَا

(وَالذُّرَةُ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا صِنْفٌ) عَلَى حِدَتِهِ (لَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِتَبَايُنِ مَقَاصِدِهَا وَاخْتِلَافِ صُوَرِهَا فِي الْخِلْقَةِ. وَقَوْلُهُ: (فِي الزَّكَاةِ) إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الرِّبَا (وَإِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ أَصْنَافٌ) ثَلَاثَةٌ (مِنْ التَّمْرِ) جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ (أَدَّى الزَّكَاةَ عَنْ الْجَمِيعِ مِنْ وَسَطِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ أُخِذَتْ مِنْهُ جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَسَطِ وَلَا بِالْأَفْضَلِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعَانِ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ أُخِذَ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبُهُ بِحِصَّتِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّدِيءُ قَلِيلًا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةُ كُلِّ عَيْنٍ مِنْ أَصْلِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَكَاةُ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ» فَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِالْمَاشِيَةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ الْوَسَطِ وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ قَالَهُ ك. (وَيُزَكَّى الزَّيْتُونُ إذَا بَلَغَ حُبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَعُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا فِي كُلِّ مَا لَهُ زَيْتٌ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقْتَاتٍ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ بِتَزْكِيَتِهِ إذَا بَلَغَ النِّصَابَ أُخْرِجَتْ زَكَاتُهُ مِنْ زَيْتِهِ لَا مِنْ حَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْعُشْرُ إنْ سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّيْتِ بُلُوغُهُ نِصَابًا بِالْوَزْنِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ بُلُوغُ الْحَبِّ نِصَابًا كَمَا صَرَّحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرُسُلٍ وَرَسْلٍ وَرُزٍّ وَتَرْزٍ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ أَحَدُهَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ إمَّا مَعَ تَشْدِيدِ الزَّايِ أَوْ تَخْفِيفِهَا فَيَكُونُ الْبَاقِي خَمْسَةً. [قَوْلُهُ: وَالذُّرَةُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: حَبٌّ مَعْرُوفٌ وَمِنْهُ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ. [قَوْلُهُ: لَا يُضَمُّ إلَى الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ] وَقِيلَ: هِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لِتَبَايُنِ مَقَاصِدِهَا] هَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ الْقَطَانِيِّ كَالتُّرْمُسِ وَالْجُلْبَانِ. [قَوْلُهُ: إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الرِّبَا] أَيْ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهَا أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ وَهْبٍ مَشْهُورٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَصْنَافٌ إلَخْ] فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعَةٌ أَعْلَى وَدُونَ وَدُونَ وَدُونَ كَانَ الْوَسَطُ صِنْفَيْنِ إذْ الطَّرَفَانِ أَعْلَاهَا وَأَدْنَاهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا كَانَتْ خَمْسَةً مُتَفَاوِتَةً فَهَلْ الْوَسَطُ الثَّالِثُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ التَّمْرُ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ التَّمْرِ مَا يَنُوبُهُ لَشَقَّ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَا فِي الْحَائِطِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِحِسَابِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إخْرَاجُ زَكَاةِ كُلِّ مَالٍ مِنْهُ اسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنْهُ أَخْذَ الرَّدِيءِ مِنْ الْمَاشِيَةِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِهِ. قَالَهُ تت. وَمِثْلُ أَصْنَافِ التَّمْرِ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ الْوَسَطِ أَصْنَافُ الزَّبِيبِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ ذَلِكَ رِفْقًا بِالْمُزَكِّي وَبِالْفُقَرَاءِ إذْ لَوْ أُخِذَ مِنْ الْأَعْلَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ رَبَّ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْأَدْنَى عَنْ الْجَمِيعِ لَأَضَرَّ بِالْفُقَرَاءِ فَكَانَ الْعَدْلُ الْوَسَطَ، وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ أُخْرِجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَسَطِهَا لِوُضُوحِ أَمْرِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. [قَوْلُهُ: بِحِصَّتِهِ] لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ أَصْلِهِ] الْأَوْلَى مِنْ أَصْلِهَا. [قَوْلُهُ: فَخَصَّتْهُ السُّنَّةُ] أَيْ فَأَخْرَجَتْ السُّنَّةُ مِنْ عُمُومِهِ الْمَاشِيَةَ بِسَبَبِ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ الْوَسَطِ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَ مَا سِوَاهُ] الْأَوْلَى مَا سِوَاهَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت: وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ ثَلَاثَةً جَيِّدًا وَرَدِيئًا وَوَسَطًا، وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَخْذِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ] أَيْ مُقَدَّرَةُ الْجَفَافِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ] أَيْ صِحَّةٌ جَارِيَةٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُقْتَاتُ لَا زَكَاةَ فِيهِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يُقْتَتْ فَلَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ إذْ هُوَ مُصْلَحٌ لِلْقُوتِ. [قَوْلُهُ: بِتَزْكِيَتِهِ] أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَزْكِيَتِهِ. الْمَشْهُورُ وَقَوْلُهُ إذَا بَلَغَ مُتَعَلِّقٌ بِتَزْكِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الصَّوَابُ قَوْلُ

بِهِ الشَّيْخُ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ فَلَوْ أَخْرَجَ مِنْ حَبِّهِ لَمْ يَجْزِهِ (وَ) كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (يُخْرِجُ مِنْ الْجُلْجُلَانِ) وَهُوَ السِّمْسِمُ. (وَ) فِي (حَبِّ الْفُجْلِ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُعْصَرُ (مِنْ زَيْتِهِ) إذَا بَلَغَ حَبُّهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ الْعُشْرُ إنْ سُقِيَ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَشَقَّةٍ وَنَفْضُهُ وَعَصْرُهُ عَلَى رَبِّهِ. وَإِنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمَسَاكِينُ مُصَفًّى كَالْحَبِّ ج: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ زَيْتِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ الْحَبِّ لَمَا أَجْزَأَهُ (فَإِنْ بَاعَ ذَلِكَ) أَيْ الزَّيْتُونَ وَمَا بَعْدَهُ (أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ) كَانَ الثَّمَنُ نِصَابًا أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى نِصَابُ الْحَبِّ خَاصَّةً لَا نِصَابُ الثَّمَنِ بَعْضُهُمْ إنَّمَا قَالَ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) لِضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الزَّيْتُونَ وَنَحْوَهُ إنْ كَانَ لَهُ زَيْتٌ أَخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَيْتٌ كَزَيْتُونِ مِصْرَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَا يَجِفُّ كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا، وَالْفُولُ الْأَخْضَرُ يُزَكَّى مِنْ ثَمَنِهِ وَإِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ إذَا كَانَ خَرْصُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْهَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ إنْ بِيعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِأَضْعَافِ ذَلِكَ (وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَخْرُجُ مِنْ حَبِّهِ، وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ زَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ مِنْ أَنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: وَفِي حَبِّ] بِمَعْنَى مِنْ [قَوْلُهُ: وَالْفُجْلِ] بِضَمِّ الْفَاءِ. وَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ الْقُرْطُمُ إذَا بَلَغَ حَبُّ كُلٍّ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَقَوْلُهُ: مِنْ زَيْتِهِ بَدَلٌ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ زَيْتِهِ إلَخْ] لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِخْرَاجُ مِنْ حَبِّهِمَا وَحَبِّ الْقُرْطُمِ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِغَيْرِ الْعَصْرِ كَثِيرًا فَلَيْسَتْ كَالزَّيْتُونِ الَّذِي لَهُ زَيْتٌ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْ زَيْتِهِ. [قَوْلُهُ: وَشَرْحِهِ] أَيْ شَرْحِ بَهْرَامَ أَيْ جِنْسِ شَرْحِهِ فَيَشْمَلُ الثَّلَاثَةَ شُرُوحٍ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِيهَا. [قَوْلُهُ: أُخْرِجَ مِنْ زَيْتِهِ] عِبَارَةٌ مُجْمَلَةٌ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الزَّيْتُونَ لَهُ أَقْسَامٌ: عَصْرُهُ وَأَكْلُهُ قَبْلَ عَصْرِهِ وَبَيْعُهُ لِمَنْ يَعْصِرُهُ وَيَأْكُلُهُ، وَالْهِبَةُ لِثَوَابٍ كَبَيْعِهِ وَلِغَيْرِهِ كَأَكْلِهِ، فَإِنْ عَصَرَهُ الْمُزَكِّي أَخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ زَيْتِهِ، وَإِنْ أَكَلَهُ حَبًّا تَحَرَّى مَا يُخْرَجُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ بِحَبِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحَرِّيهِ سَأَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْرَجَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنْ يَعْصِرُهُ سَأَلَ الْمُشْتَرِيَ إنْ وَثِقَ بِهِ أَيْ وَزَكَّى مِنْ الزَّيْتِ وَإِلَّا فَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ سُؤَالُهُمْ زَكَّى مِنْ ثَمَنِهِ، وَظَاهِرُ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِتَحَرِّيهِ وَذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عج أَنَّهُ يُعْمَلُ بِتَحَرِّيهِ بَلْ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمُشْتَرِي، الرَّابِعَةُ. أَنْ يَبِيعَهُ لِمَنْ لَا يَعْصِرُهُ يَحْتَمِلُ إخْرَاجَهُ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ مِنْ حَبِّهِ، اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ مِنْ ثَمَنِهِ. [قَوْلُهُ: كَزَيْتُونِ مِصْرَ أَخْرَجَ مِنْ ثَمَنِهِ] أَيْ إنْ بَاعَهُ وَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ مَثَلًا يَوْمَ طِيبِهِ أَوْ إزْهَائِهِ إنْ لَمْ يَبِعْ. [قَوْلُهُ: كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا وَالْفُولُ الْأَخْضَرُ] لَا يَخْفَى أَيْضًا مَا فِيهَا مِنْ الْإِجْمَالِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ رُطَبَ مِصْرَ وَعِنَبَهَا يُخْرِجُ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بَاعَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَإِذَا أَكَلَهُ أَخْرَجَ مِنْ قِيمَتِهِ نِصْفَ الْعُشْرِ أَوْ الْعُشْرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ مِنْ حَبِّهِ بِأَنْ يُخْرِجَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا وَأَوْلَى رُطَبًا وَعِنَبًا. وَأَمَّا الْفُولُ الْأَخْضَرُ الْمَسْقَاوِيُّ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ ثَمَنِهِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قِيمَتِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ يَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ لَا يَجِفَّانِ حَيْثُ حُكِمَ بِتَعَيُّنِ الْإِخْرَاجِ مِنْ ثَمَنِهِمَا أَوْ قِيمَتِهِ دُونَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ فِيهِ الْيُبْسُ جَازَ النَّظَرُ لَهُ بِخِلَافِهِمَا، فَإِنْ تُرِكَ الْمَسْقَاوِيُّ حَتَّى يَبِسَ أُخْرِجَ مِنْ حَبِّهِ فَإِنْ قُلْت: وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْفُولِ الْأَخْضَرِ وَالْفَرِيكِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ بِالْيُبْسِ. قُلْنَا: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بِإِفْرَاكِ الْحَبِّ. وَقَوْلُهُ: كَرُطَبِ مِصْرَ وَعِنَبِهَا وَأَمَّا رُطَبُ وَعِنَبُ غَيْرِ مِصْرَ مِمَّا يَجِفُّ فَلَا يُخْرَجُ مِنْ ثَمَنِهِ بَلْ مِنْ حَبِّهِ إنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ لِمَنْ يُجَفِّفُهُ لَا لِمَنْ لَا يُجَفِّفُهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ. وَقَوْلُنَا: أَيْ الْمَسْقَاوِيُّ احْتِرَازًا مِنْ النِّيلِيِّ مَثَلًا فَيُخْرِجُ مِنْ حَبِّهِ أَبْقَاهُ أَوْ أَكَلَهُ أَوْ بِيعَ أَخْضَرَ فَيَشْتَرِي يَابِسًا مِنْ جِنْسِهِ وَيُخْرِجُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: بِأَضْعَافِ ذَلِكَ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَكْثَرَ

زَكَاةَ فِي الْفَوَاكِهِ) الْخَضِرَةِ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ (وَ) لَا فِي (الْخُضَرِ) لِمَا صَحَّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْبَعْلُ وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» . وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ، وَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَصَبُ فَمَعْفُوٌّ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الذَّهَبِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِذَا بَلَغَتْ) الدَّنَانِيرُ (عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ) وَقَوْلُهُ: (رُبْعُ الْعُشْرِ) تَفْسِيرٌ لِنِصْفِ الدِّينَارِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ (فَمَا زَادَ) عَلَى الْعِشْرِينَ دِينَارًا (فَ) يُخْرِجُ مِنْهُ (بِحِسَابِ ذَلِكَ) أَيْ مَا زَادَ (وَإِنْ قَلَّ) وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ فِي الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَفِي الْفِضَّةِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْفِضَّةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ) أَيْ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ (خَمْسَةُ أَوَاقٍ) بِحَذْفِ الْهَاءِ وَثُبُوتِهَا مُخَفَّفَةً وَمُشَدَّدَةً جَمْعُ أُوقِيَّةٍ. (وَالْأُوقِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُشَارُ لَهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: الْخَضِرَةِ] هَذَا لِزَرُّوقٍ فَإِنَّهُ قَالَ: يَعْنِي الْخَضِرَةَ كَالتُّفَّاحِ وَالْمِشْمِشِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يُدَّخَرُ وَلَا يُقْتَاتُ، وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ: يُرِيدُ أَيْ الْمُصَنِّفُ كَانَتْ الْفَاكِهَةُ مِمَّا تُيَبَّسُ وَتُدَّخَرُ أَمْ لَا، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْفَاكِهَةِ الَّتِي تُيَبَّسُ مِثْلَ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ عَنْ مُعَاذٍ إلَخْ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ الْمُصَحِّحُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَعْلُ] هُوَ مَا شَرِبَ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ بِمَاءٍ وَبِآلَةٍ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا يَنْبُتُ مِنْ النَّخْلِ فِي أَرْضٍ يَقْرَبُ مَاؤُهَا فَرَسَخَتْ عُرُوقُهَا فِي الْمَاءِ وَاسْتَغْنَتْ عَنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا اهـ مِنْ النِّهَايَةِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّيْلِ] غَلَبَ السَّيْلُ فِي الْمُجْتَمِعِ مِنْ الْمَطَرِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَعَطْفُهُ عَلَى السَّمَاءِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَانْظُرْ النُّكْتَةَ فِي تَوَسُّطِ الْبَعْلِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: بِالنَّضْحِ] أَيْ بِالْمَاءِ الَّذِي يَنْضَحُهُ النَّاضِحُ أَيْ يَحْمِلُهُ الْبَعِيرُ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ لِسَقْيِ الزَّرْعِ فَهُوَ نَاضِحٌ، وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ بِالْهَاءِ سُمِّيَ نَاضِحًا لِأَنَّهُ يَنْضَحُ الْعَطِشَ أَيْ يَبُلُّهُ بِالْمَاءِ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَا سُقِيَ بِآلَةٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ] أَيْ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. [قَوْلُهُ: وَالْحُبُوبِ] أَيْ مَا عَدَا الْحِنْطَةَ. [قَوْلُهُ: وَالْبِطِّيخُ] بِكَسْرِ الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: فَمَعْفُوٌّ] أَيْ فَشَيْءٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ فَاعْتَبَرَهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَإِلَّا لَقَالَ فَمَعْفُوٌّ عَنْهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِنْ الذَّهَبِ] بِمَعْنَى فِي وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا] وَوَزْنُ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِيرَاطًا، وَالْقِيرَاطُ ثَلَاثُ حَبَّاتٍ مِنْ وَسَطِ الشَّعِيرِ فَوَزْنُهُ مِنْ الْحَبَّاتِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً مِنْ مُتَوَسِّطِ الشَّعِيرِ، وَأَمَّا الدَّنَانِيرُ الْمِصْرِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي زَمَانِنَا مِنْ سِكَّةِ مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ فَقَدْ صَغُرَتْ عَنْ الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى صَارَ النِّصَابُ مِنْهَا ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَنِصْفَ دِينَارٍ وَخَرُّوبَةً وَسُبُعَيْ خَرُّوبَةٍ. [قَوْلُهُ: زِيَادَةُ إيضَاحٍ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّهُ عِنْدَ أَدْنَى تَأَمُّلٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ وَهُوَ مَرْفُوعٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَعُبِّرَ بِزِيَادَةٍ نَظَرًا لِكَوْنِهِ فِي ذَاتِهِ وَاضِحًا يُعْلَمُ كَوْنُهُ رُبْعَ الْعُشْرِ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ] أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا شَيْءَ فِي الزَّائِدَةِ عَلَى النِّصَابِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فِي الذَّهَبِ وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي الْوَرِقِ إذَا بَلَغَ زَكَاةً انْتَهَى. [قَوْلُهُ: مِائَتَيْ دِرْهَمٍ] شَرْعِيَّةٍ وَوَزْنُ الْمِائَتَيْنِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمِصْرِيَّةِ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا حَرَّرَهُ عج مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَنِصْفُ دِرْهَمٍ وَثُمُنُ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ لِنَقْصِ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ الدِّرْهَمِ الْمِصْرِيِّ خَرُّوبَةً وَعُشْرَ خَرُّوبَةٍ وَنِصْفَ عُشْرِ خَرُّوبَةٍ، وَالتَّعْوِيلُ فِي النِّصَابِ مِنْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ عَلَى مَا يُسَاوِي الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَرْعِيَّةٍ وَزْنًا، لِأَنَّ الْأَنْصَافَ لَا ضَابِطَ لَهَا لِاخْتِلَافِهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، فَكُلُّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْوَزْنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا مِقْدَارُهُ مِنْ الْقُرُوشِ، فَيَنْضَبِطُ لِانْضِبَاطِهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِاخْتِلَافِ نَوْعِهَا فَالْكِلَابُ وَالرِّيَالُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَرُبْعٌ لِاتِّفَاقِهِمَا وَزْنًا، وَأَمَّا النَّادِقَةُ فَالنِّصَابُ مِنْهَا عِشْرُونَ وَأَبُو طَاقَةٍ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمِائَتَيْ] ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ الْحِكَايَةِ وَإِلَّا لَقَالَ أَيْ الْمِائَتَا.

زِنَتُهَا (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) بِالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْمَكِّيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ زِنَتَهُ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ إلَى آخِرِهِ، وَيُقَالُ لَهُ دِرْهَمُ الْكَيْلِ ثُمَّ فَسَّرَ الْأُوقِيَّةَ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ بِقَوْلِهِ: (مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ أَعْنِي أَنَّ سَبْعَةَ دَنَانِيرَ) شَرْعِيَّةٍ (وَزْنُهَا عَشَرَةُ) أَيْ وَزْنُ عَشَرَةِ (دَرَاهِمَ) شَرْعِيَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّك إذَا اعْتَبَرْت مَا فِي سَبْعَةِ دَنَانِيرَ وَمَا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ دِرْهَمِ الْكَيْلِ وَدَنَانِيرِ الْكَيْلِ وَجَدْتهمَا وَاحِدًا لِأَنَّ وَزْنَ الدِّرْهَمِ كَمَا تَقَدَّمَ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ الشَّعِيرِ الْمُتَوَسِّطِ، وَكُلُّ دِينَارٍ وَزْنُهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً، فَإِذَا ضَرَبْت عَشَرَةً فِي خَمْسِينَ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَتَبْقَى الْأَخْمَاسُ وَهِيَ عِشْرُونَ خُمُسًا بِأَرْبَعِ حُبُوبٍ، فَهَذِهِ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُ حُبُوبٍ وَإِذَا ضَرَبْت سَبْعَةً فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُ حُبُوبٍ، فَاتَّفَقَ السَّبْعُ دَنَانِيرَ وَالْعَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي عَدَدِ الْحُبُوبِ وَكَرَّرَ قَوْلَهُ: (فَإِذَا بَلَغَتْ) الدَّرَاهِمُ مِنْ (هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مِائَتَا دِرْهَمٍ) صَوَابُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (فَفِيهَا رُبْعُ عُشْرِهَا) وَهُوَ (خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ) عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ (فَبِحِسَابِ ذَلِكَ وَيُجْمَعُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فِي الزَّكَاةِ) لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ. . ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْجَمْعِ فَقَالَ: (فَمَنْ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَلْيُخْرِجْ مِنْ كُلِّ مَالٍ رُبْعَ عُشْرِهِ) فَالْجَمْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْأُوقِيَّةُ] الَّتِي هِيَ مُفْرَدُ أَوَاقٍ بِالْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَنْكَرَ الْجُمْهُورُ وُقِيَّةً. تَنْبِيهٌ: أَوَاقٍ عَلَى وَزْنِ جَوَارٍ. [قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ دِرْهَمُ الْكَيْلِ] أَيْ لِأَنَّ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْمَكَايِيلُ الشَّرْعِيَّةُ إذَا تَرَكَّبَ مِنْهَا الْأُوقِيَّةُ وَالرَّطْلُ وَالْمُدُّ وَالصَّاعُ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ] تَعَقَّبَ ابْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ فَأَحَالَ مَجْهُولًا عَلَى مَجْهُولٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَزْنَ الذَّهَبِ. وَالثَّانِي: قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحَالَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الدَّنَانِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَعْنِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الدَّنَانِيرَ يُفَسِّرُهَا بِالدَّرَاهِمِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ ثُمَّ فَسَّرَ الْأُوقِيَّةَ لَا يَظْهَرُ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ تَفْسِيرًا لِلْأُوقِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: وَدَنَانِيرُ الْكَيْلِ] اُنْظُرْهُ فَإِنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ الدِّرْهَمَ يُسَمَّى دِرْهَمَ الْكَيْلِ لِأَنَّ بِهِ عُرِفَتْ الْمَكَايِيلُ الشَّرْعِيَّةُ، فَمَا وَجْهُ تَسْمِيَةِ الدِّينَارِ بِكَوْنِهِ يُسَمَّى دِينَارَ الْكَيْلِ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ قَوْلَهُ] التَّكْرَارُ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْفِضَّةِ فِي أَقَلَّ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِيهَا الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْ الدَّرَاهِمُ] أَيْ الْمُطْلَقَةُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَيْ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَضِيَّةُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا لَوْ نَقَصَتْ عَنْ ذَلِكَ لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ نَقَصَهَا وَزْنًا مَعَ كَوْنِهَا تُرَوَّجُ كَالْكَامِلَةِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَرْجُ كَالْكَامِلَةِ فَلَا وَأَمَّا إذَا كَمُلَتْ حِسًّا وَنَقَصَتْ مَعْنًى كَأَنْ تَكُونَ مَغْشُوشَةً أَوْ رَدِيئَةَ الْأَصْلِ فَالْأَوْلَى إنْ رَاجَتْ كَكَامِلَةٍ زَكَّى وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِيَةُ يُزَكِّيهَا مُطْلَقًا رَاجَتْ كَكَامِلَةٍ أَمْ لَا لِأَنَّ رَدِيئَةَ الْأَصْلِ شَأْنُهَا أَنْ لَا تَنْقُصَ فِي التَّصْفِيَةِ فَيُزَكِّيَهَا مُطْلَقًا كَمَا قَرَّرْنَا، فَإِنْ قِيلَ: زَكَاةُ النَّاقِصَةِ الَّتِي تُرَوَّجُ كَالْكَامِلَةِ مُنَافٍ لِلْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ النِّصَابَ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ أَوْ أَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ الَّذِي تُرَوَّجُ مَعَهُ بِرَوَاجِ الْكَامِلَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْفُلُوسُ الْجُدُدُ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا عَدَدًا. [قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ] هَذَا فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ، وَمَا لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِهِ يُشْتَرَى بِهِ نَحْوُ طَعَامٍ مِمَّا يُمْكِنُ قَسْمُهُ عَلَى أَرْبَعِينَ جُزْءًا. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ إلَخْ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ضَمَّ الذَّهَبَ إلَى الْفِضَّةِ

بِالْأَجْزَاءِ لَا بِالْقِيمَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَهَا، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَوْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَخَمْسَةُ دَنَانِيرَ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَلَا يُخْرِجُ شَيْئًا، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ زَكَاةِ الْعَيْنِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْعُرُوضِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ) الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ الرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالرِّبَاعُ وَالثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْحَيَوَانِ إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ، وَهِيَ إمَّا لِلْقُنْيَةِ وَلَا زَكَاةَ فِيهَا اتِّفَاقًا، وَإِمَّا لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ اتِّفَاقًا وَهِيَ إمَّا لِلْإِدَارَةِ وَسَتَأْتِي وَإِمَّا لِلِاحْتِكَارِ وَهِيَ الَّتِي يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ لِرِبْحٍ وَافِرٍ، وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا النِّيَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (حَتَّى) أَيْ إلَّا أَنْ (تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) أَيْ يَنْوِي بِهَا التِّجَارَةَ فَقَطْ أَوْ التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ أَوْ الْغَلَّةِ احْتِرَازًا مِنْ عَدَمِ النِّيَّةِ كَأَنْ يُعَاوِضَ بِهَا وَلَا نِيَّةَ لَهُ، أَوْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَالْقُنْيَةِ فَقَطْ أَوْ الْغَلَّةِ فَقَطْ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي هَذَا. ثَانِيهَا: أَنَّهُ يَتَرَصَّدُ بِهَا الْأَسْوَاقَ أَيْ يُمْسِكُهَا إلَى أَنْ يَجِدَ فِيهَا رِبْحًا جَيِّدًا، وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ) ثَالِثُهَا: أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته) احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ قَبَضْت ثَمَنَهَا. رَابِعُهَا: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (فَفِي ثَمَنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفِضَّةَ إلَى الذَّهَبِ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا. [قَوْلُهُ: فَالْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ] أَيْ بِالتَّجْزِئَةِ وَالْمُقَابَلَةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ] أَيْ فَصَرْفُ دِينَارِ الزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ كَدَنَانِير الْجِزْيَةِ بِخِلَافِ دَنَانِيرِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ] وَإِخْرَاجُ الْجُدُدِ عَنْهُمَا فَيُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْرَاجِ لِلْقِيمَةِ. الثَّانِي: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْقَوْلُ الْمَشْهُورُ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي بَهْرَامَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْبَابِ] احْتِرَازًا عَنْ الْعَرْضِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْمِثْلِيَّ وَمَا قَابَلَ الْحَيَوَانَ فِي الْجُمْلَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ] أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ الْقَمْحُ إلَخْ. وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا قَصَرَتْ أَوْ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهَا الْحَوْلُ أَوْ زَكَّى عَنْهَا فَلَا يُزَكِّيهَا مَرَّةً أُخْرَى. [قَوْلُهُ: وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا] أَيْ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي لِلتِّجَارَةِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرُوطِ عَامٌّ فِي الِاحْتِكَارِ وَالْإِدَارَةِ كَقَوْلِهِ مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته، وَالْبَعْضُ خَاصٌّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ فَأَكْثَرَ خَاصٌّ بِالِاحْتِكَارِ، وَأَمَّا النَّضُوضُ وَلَوْ دِرْهَمًا فَخَاصٌّ بِالْإِدَارَةِ. [قَوْلُهُ: التِّجَارَةَ مَعَ الْقُنْيَةِ] أَيْ أَوْ التِّجَارَةَ وَالْقُنْيَةَ وَالْغَلَّةَ. [قَوْلُهُ: كَأَنْ يُعَاوِضُ بِهَا] الظَّاهِرُ قِرَاءَتُهُ بِالْفَتْحِ أَيْ كَأَنْ تَدْفَعَ عِوَضًا لَهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُعْطِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا نِيَّةَ لَهُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ سُقُوطُ الزَّكَاةِ فِي الْعَرْضِ، فَانْصَرَفَ عَدَمُ النِّيَّةِ إلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَعَ النِّيَّةِ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ فَأَحْرَى. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ] لِأَنَّ شَأْنَ مَا يُبَاعُ بِالرُّخْصِ أَنْ لَا يَمْكُثَ حَوْلًا. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَمْلِكَهَا بِمُعَاوَضَةٍ] أَيْ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا بِإِرْثٍ مُحْتَرَزٍ. قَوْلُهُ مُعَاوَضَةٌ وَقَوْلُهُ مَالِيَّةٌ احْتِرَازًا عَنْ الْمُعَاوَضَةِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالْمَأْخُوذِ عَنْ خُلْعٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ] وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ هُرُوبًا مِنْ الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَبِيعَهَا بِعَيْنٍ] لَا إنْ لَمْ يَبِعْهَا أَصْلًا أَوْ بَاعَهَا بِغَيْرِ الْعَيْنِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِبَيْعِهِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ الْهُرُوبَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ مَجَازًا بِأَنْ يَسْتَهْلِكَهُ شَخْصٌ وَيَأْخُذَ التَّاجِرُ قِيمَتَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُبَاعُ بِهِ نِصَابًا لِأَنَّ عُرُوضَ الِاحْتِكَارِ لَا تَقُومُ بِخِلَافِ الْمُدِيرِ فَيَكْفِي فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ مُطْلَقُ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَنُ مَا بَاعَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْوِيمُ بَقِيَّةِ عُرُوضِهِ.

الزَّكَاةُ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ) احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَبِيعَهَا بِعَرْضٍ، فَإِنَّهُ لَا يُزَكِّي. خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا قَبْلَ الْبَيْعِ حَوْلًا فَمَا فَوْقَهُ وَيُمْكِنُ أَخْذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (قَامَتْ قَبْلَ الْبَيْعِ حَوْلًا أَوْ أَكْثَرَ) وَمِنْ قَوْلِهِ: قَبْلُ: فَإِذَا بِعْتهَا بَعْدَ حَوْلٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَبِيعَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُرُوضِ الْإِدَارَةِ وَهِيَ الَّتِي تُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ وَتُبَاعُ بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ، وَلَا يُنْتَظَرُ بِهَا سُوقُ نِفَاقِ الْبَيْعِ، وَلَا سُوقُ كَسَادِ الشِّرَاءِ كَسَائِرِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ لِلسِّلَعِ، فَقَالَ مُسْتَثْنِيًا مِنْ قَوْلِهِ فَفِي ثَمَنِهَا الزَّكَاةُ لِحَوْلٍ وَاحِدٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا لَا يَسْتَقِرُّ) أَيْ لَا يَثْبُتُ (بِيَدِك عَيْنٌ وَلَا عَرْضٌ) بَلْ تَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْحَاضِرِ وَتُحْلِفُهَا وَلَا تَنْتَظِرُ سُوقَ نِفَاقِ الْبَيْعِ وَلَا سُوقَ كَسَادِ الشِّرَاءِ (فَإِنَّك تُقَوِّمُ عُرُوضَك كُلَّ عَامٍ) كُلُّ جِنْسٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ غَالِبًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قِيمَةُ عَدْلٍ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ الْبَيْعِ الضَّرُورَةِ، فَالدِّيبَاجُ وَشَبَهُهُ وَالرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ يُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ وَالثِّيَابُ الْغَلِيظَةُ وَاللَّبِيسَةُ وَشَبَهُهَا تُقَوَّمُ بِالْفِضَّةِ، وَابْتِدَاءُ التَّقْوِيمِ عِنْدَ أَشْهَبَ مِنْ يَوْمِ أَخَذَ فِي الْإِدَارَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: مِنْ يَوْمِ زَكَّى الثَّمَنَ أَوْ مِنْ يَوْمِ إفَادَتِهِ وَاسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ مِنْ يَوْمِ أَخَذْت ثَمَنَهَا أَوْ زَكَّيْته ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَفِي ثَمَنِهَا] وَنَحْوُهُ فِي تت وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الثَّمَنُ كَمَا يَكُونُ عَيْنًا يَكُونُ غَيْرَ عَيْنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ النَّظَرَ لِلْأَغْلَبِ. [قَوْلُهُ: لِحَوْلٍ وَاحِدٍ] سُمِّيَ الْحَوْلُ حَوْلًا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَحُولُ فِيهِ كَمَا سُمِّيَتْ السَّنَةُ سَنَةً وَالسَّنَةُ التَّغْيِيرُ، وَسُمِّيَ الْعَامُ عَامًا لِأَنَّ الشَّمْسَ عَامَتْ فِيهِ حَتَّى قَطَعَتْ جُمْلَةَ الْفَلَكِ. [قَوْلُهُ: خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ مَقَامُهَا إلَخْ] لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُضِيِّ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ زَكَّى الْأَصْلَ أَوْ مَلَكَهُ، وَسَكَتَ عَنْ شَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ ذَلِكَ الْعَرْضِ عَيْنًا اشْتَرَاهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ عَرْضٍ مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ وَلَوْ لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ بَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ ذَلِكَ الْعَرْضَ لِقَصْدِ التِّجَارَةِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ الِاحْتِكَارُ وَلَوْ فِي الْأَطْعِمَةِ لَكِنْ يُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ جَمِيعَ مَا فِي السُّوقِ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ لِغَيْرِهِ شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فَيُمْنَعُ وَلَا يُمَكَّنُ إلَّا مِنْ شِرَاءِ قَدْرِ حَاجَتِهِ [قَوْلُهُ: وَيُمْكِنُ أَخْذُهَا إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّعْبِيرِ بِيُمْكِنُ بَلْ هَذَا أَصْرَحُ مِمَّا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَتُبَاعُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الْمُدِيرُ لَا يَرْصُدُ الْأَسْوَاقَ بَلْ يَكْتَفِي بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَرُبَّمَا بَاعَ بِغَيْرِ رِبْحٍ وَبِأَقَلَّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ خَوْفًا مِنْ كَسَادِهَا. [قَوْلُهُ: سُوقُ نِفَاقِ الْبَيْعِ] أَيْ كَثْرَةُ طُلَّابِ الْبَيْعِ أَيْ الْمَبِيعِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: بَلْ تَبِيعُ إلَخْ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا عَرْضَ. وَقَوْلُهُ: وَلَا سُوقَ كَسَادِ الشِّرَاءِ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ عَيْنٌ. [قَوْلُهُ: كُلَّ جِنْسٍ بِمَا يُبَاعُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. [قَوْلُهُ: دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ] لِأَنَّ بَيْعَ الضَّرُورَةِ يَكُونُ بِالرُّخْصِ الْفَاحِشِ. [قَوْلُهُ: فَالدِّيبَاجُ إلَخْ] الدِّيبَاجُ مَا رَقَّ مِنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي بَابِ اللِّبَاسِ. [قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ] أَيْ كَالثِّيَابِ الْقُطْنِ الرَّفِيعَةِ، وَقَوْلُهُ: وَاللَّبِيسَةِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلَةٍ أَيْ الْمَلْبُوسَةِ أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا كَثْرَةُ اللُّبْسِ. [قَوْلُهُ: وَابْتِدَاءُ التَّقْوِيمِ إلَخْ] أَيْ ابْتِدَاءُ حَوْلِ التَّقْوِيمِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لِلَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَجْعَلُ لِنَفْسِهِ حَوْلًا وَسَطًا كَائِنًا بَيْنَ مِلْكِ الْأَصْلِ وَبَيْنَ شَهْرِ الْإِدَارَةِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا أَوْ يُزَكِّيَهُ عِنْدَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ يُدِيرُ بِهِ فِي رَجَبٍ، فَعَلَى فَهْمِ الْبَاجِيِّ تَجْعَلُ حَوْلَك الْمُحَرَّمَ فَتُقَوِّمُ عُرُوضَك وَتُزَكِّي عِنْدَ الْمُحَرَّمِ. الثَّانِي: وَعَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ تُقَوِّمُ عِنْدَ رَجَبٍ وَعَلَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ رَبِيعُ الْأَوَّلُ مَثَلًا قَالَ خَلِيلٌ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَلْ حَوْلُهُ لِلْأَصْلِ أَوْ وَسَطٍ مِنْهُ، وَمِنْ الْإِدَارَةِ تَأْوِيلَانِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا تَرْجِيحُهُمَا وَإِنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ يُسَوِّغُ الْعَمَلَ بِأَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَوْلِ الَّذِي يَقُومُ عِنْدَ تَمَامِهِ وَأَمَّا حَوْلُ نَاضِّهِ إذَا بَلَغَ نِصَابًا فَإِنَّهُ

(وَ) بَعْدَ أَنْ تَفْرُغَ مِنْ التَّقْوِيمِ (تُزَكِّي ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي قَوَّمْته مِنْ الْعُرُوضِ بِشَرْطِ أَنْ يَنِضَّ مِنْ أَثْمَانِهَا أَيْ: الْعُرُوضِ الْمُدَارَةِ شَيْءٌ مَا وَلَوْ دِرْهَمًا، وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ أَوْ فِي آخِرِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ أَوْ نُضَّ لَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِشَهْرٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ حِينَئِذٍ وَيَنْتَقِلُ حَوْلُهُ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ وَيُلْغَى الزَّائِدُ عَلَى الْحَوْلِ، وَكَذَلِكَ يُزَكِّي الْمُدِيرُ النَّقْدَ إنْ كَانَ مَعَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مَعَ مَا بِيَدِك مِنْ الْعَيْنِ) وَكَذَلِكَ يُزَكِّي عَنْ دَيْنِهِ النَّقْدَ الْحَالَّ الْمَرْجُوَّ (وَحَوْلُ رِبْحِ الْمَالِ حَوْلُ أَصْلِهِ) ظَاهِرُهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَقَامَ عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً بَاعَهَا بَعْدَ شَهْرٍ بِعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْآنَ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُقَدَّرُ كَامِنًا فِي أَصْلِهِ (وَكَذَلِكَ حَوْلُ نَسْلِ الْأَنْعَامِ حَوْلُ الْأُمَّهَاتِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عُدَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَوْلُ الْأَصْلِ قَطْعًا. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنِضَّ إلَخْ] قَضِيَّةُ جَعْلِ الْمُبَالَغَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ أَنَّ دُونَهُ لَيْسَ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَلَوْ دِرْهَمًا لَا أَقَلَّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمًا يَخْرُجُ عَمَّا قَوَّمَهُ مِنْ الْعُرُوضِ ثَمَنًا عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عَرْضًا بِقِيمَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَنْ يَنِضَّ أَوَّلَ الْحَوْلِ] وَقِيلَ: يُرَاعَى النَّضُوضُ آخِرَ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ وَقْتُ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الدِّرْهَمُ الَّذِي نَضَّ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ إلَخْ] هَذَا جَوَابُ أَمَّا ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْطُوفِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: يُزَكِّي عَنْ دَيْنِهِ إلَخْ] أَيْ عَنْ عَدَدِهِ أَيْ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ، وَأَمَّا دَيْنُ الْقَرْضِ النَّقْدِ مُطْلَقًا فَيُزَكِّيهِ لِسَنَةٍ مِنْ أَصْلٍ وَلَوْ مَكَثَ أَعْوَامًا عَلَى الْمَدِينِ. وَقَوْلُهُ: النَّقْدُ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَرْضًا مَرْجُوًّا حَالًّا أَوْ لَا فَيُقَوَّمُ بِعَيْنٍ أَيْ وَهُوَ مِنْ بَيْعٍ، وَأَمَّا مِنْ قَرْضٍ فَلَا، وَقَوْلُهُ: الْحَالُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَالْحَالُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْعٍ فَإِذَا كَانَ مَرْجُوًّا قَوَّمَهُ بِعَرْضٍ ثُمَّ قَوَّمَ الْعَرْضَ بِعَيْنٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجُوًّا فَلَا تَقْوِيمَ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ نَقْدًا حَالًّا لَيْسَ مَرْجُوًّا فَلَا تَقْوِيمَ وَلَا زَكَاةَ. تَنْبِيهٌ: لَوْ بَاعَ الْعُرُوضَ بَعْدَ التَّقْوِيمِ فَزَادَ ثَمَنُهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهَا فِي الزِّيَادَةِ كَمَا أَنَّهَا لَوْ بِيعَتْ بِبَخْسٍ فَلَا تُسْتَرَدُّ الزِّيَادَةُ مِنْ الْفَقِيرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ إلَخْ] وَقِيلَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ يَسْتَأْنِفُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْآنَ] أَيْ حِينَ بَيْعِهِ بَعْدَ شَهْرٍ مُضَافٍ إلَى إقَامَتِهَا عِنْدَهُ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَيَصِيرُ حَوْلُهُ ثَانِيَ عَامٍ مِنْ يَوْمِ التَّمَامِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ شَهْرٍ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ وَلَوْ بِمُدَّةٍ أَيْ أَوْ حِينَ تَمَامِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُزَكِّي حِينَ الْبَيْعِ عِنْدَ تَمَامِ الْعَامِ أَوْ بَعْدَهُ بِمَا يُوفِي النِّصَابَ، ثُمَّ يُزَكِّي ثَانِيَ عَامٍ لِحَوْلِ التَّزْكِيَةِ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهَا بِعِشْرِينَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْمُتَمِّمِ لِلْعَامِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي الْعِشْرِينَ عِنْدَ تَمَامِ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمُتَمِّمِ لِأَنَّهُ حَوْلُ الْأَصْلِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَحَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ أَمْسِ مِمَّا حَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الشَّارِحُ، وَقَدْ حَمَلَ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَذِهِ الَّتِي أَمْسِ بِقَوْلِهِ حَوْلُ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ حَوْلَ أَصْلِهِ إنَّمَا تَمَّ بَعْدَ الرِّبْحِ، وَأَمَّا إنْ تَمَّ قَبْلَ الرِّبْحِ فَيُزَكِّي أَيْضًا سَاعَةَ تَمَامِ النِّصَابِ وَيَصِيرُ حَوْلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ يَوْمِ التَّزْكِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ التَّزْكِيَةُ مَنْظُورًا فِيهَا لِحَوْلِ الْأَصْلِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَوْلَ أَصْلِهِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا تَسَلَّفَهَا أَوْ عَرْضًا تَسَلَّفَهُ أَوْ عَرْضًا اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ عَرْضًا اشْتَرَاهُ لِلْقُنْيَةِ وَبَدَا لَهُ التَّجْرِبَةُ، فَالْحَوْلُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ يَوْمِ الْقَرْضِ، وَفِي الثَّانِي: مِنْ يَوْمِ التَّجْرِ، وَفِي الثَّالِثِ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ، وَفِي الرَّابِعِ مِنْ يَوْمِ الْمَبِيعِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ] أَيْ مِثْلُ رِبْحِ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: حَوْلُ نَسْلِ الْأَنْعَامِ إلَخْ] وَلَوْ كَانَتْ الْأُمَّهَاتُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَوَلَدَتْ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ أَوْ كَانَ

عَلَيْهِمْ: السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَالرِّبْحُ كَالسِّخَالِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْمِدْيَانِ فَقَالَ: (وَمَنْ لَهُ مَالٌ) يَعْنِي مِنْ الْعَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ إلَخْ (تَجِبُ الزَّكَاةُ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا (وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) بِعِوَضٍ سَوَاءٌ كَانَ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الَّذِي لَهُ وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا (أَوْ) عَلَيْهِ دَيْنٌ (يَنْقُصُهُ) أَيْ يُنْقِصُ الْمَالَ الَّذِي مَعَهُ (عَنْ مِقْدَارِ مَالِ الزَّكَاةِ) أَيْ الْقَدْرَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِشْرُونَ وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ مَثَلًا (فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) فِي الصُّورَتَيْنِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ مَهْرَ امْرَأَتِهِ الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ، وَعَلَى التَّشْهِيرِ الْآخَرِ لَا يُسْقِطُهَا وَظَاهِرٌ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ دَيْنَ زَكَاةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدْنَا قَوْلَهُ: وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَوْلِنَا بِعِوَضٍ احْتِرَازًا مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ قَالَهُ ع: ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ سُقُوطِ زَكَاةِ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ مَنْ لَهُ مَالٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ أَوْ دَيْنٌ يَنْقُصُهُ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ شَيْءٌ (مِمَّا لَا يُزَكَّى مِنْ عُرُوضٍ مُقْتَنَاةٍ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الرَّقِيقُ وَالْعَقَارُ وَالرِّبَاعُ وَالثِّيَابُ وَالْقَمْحُ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالْحَيَوَانِ الْقَاصِرَةِ عَنْ النِّصَابِ فَقَوْلُهُ: (أَوْ رَقِيقٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُقْتَنَاةٍ أَوْ عَقَارٍ) بِالْفَتْحِ مُخَفَّفًا وَهِيَ الْأُصُولُ الثَّابِتَةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَتَبَةٌ (أَوْ رَبْعٍ) وَهُوَ مَا لَهُ عَتَبَةٌ كَالدُّورِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (مَا) اسْمُ يَكُونُ بِمَعْنَى شَيْءٍ وَخَبَرُهَا الظَّرْفُ الْمُتَقَدِّمُ، وَمِمَّا لَا يُزَكَّى إلَخْ بَيَانٌ فَفِي كَلَامِهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعَلَيْهِ دِينٌ مِثْلُهُ أَوْ يُنْقِصُهُ عَنْ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ (فِيهِ وَفَاءٌ لِدَيْنِهِ) مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ عُرُوضِ الْقُنْيَةِ (فَلْ) يَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْنِ فَوَلَدَتْ تَمَامَ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ لِأَنَّ نَسْلَ الْحَيَوَانِ كَرِبْحِ الْمَالِ يُضَمُّ لِأَصْلِهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ النَّسْلُ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمَّهَاتِ لَوْ نَتَجَتْ الْإِبِلُ غَنَمًا أَوْ الْبَقَرُ إبِلًا نِصَابًا لَكَانَ حَوْلُ النَّسْلِ حَوْلَ الْأُمَّهَاتِ، لَكِنْ يُرَاعَى النِّصَابُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَتِهِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَكْمِيلِ النِّصَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّسْلُ مِنْ نَوْعِ الْأَصْلِ فَلَا يَضُمُّ الْإِبِلَ لِلْبَقَرِ. [قَوْلُهُ: السَّخْلَةُ] تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ سَاعَةَ تُولَدُ وَالْجَمْعُ سِخَالٍ، وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى سَخْلٍ مِثْلَ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ إلَّا أَنَّ مُرَادَهُ أَيْ الْمُصَنِّفِ بِالسَّخْلَةِ الصَّغِيرَةُ، وَسِخَالٌ بِكَسْرِ السِّينِ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ. [قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ كَالسِّخَالِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ النَّسْلِ أَصْلٌ وَالرِّبْحَ فَرْعٌ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لَنَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَقِيسُ الْأَصْلَ عَلَى الْفَرْعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْأَنْعَامُ، وَالْفَرْعَ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْعَيْنَ اُخْتُلِفَ فِي رِبْحِهَا، وَالْأُمَّهَاتِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا عِنْدَنَا. وَلَمْ يُفَرِّقْ مَالِكٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: الَّتِي فِي عِصْمَتِهِ] وَأَحْرَى إذَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ التَّشْهِيرَيْنِ] وَعَلَى الرَّاجِحِ فَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيل عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ دَيْنَ زَكَاةٍ أَوْ كَمَهْرٍ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ إلَخْ] وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ وَتُؤْخَذُ وَلَوْ كَرْهًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ. [قَوْلُهُ: الْقَاصِرَةُ عَنْ النِّصَابِ] صِفَةٌ لِقَوْلِهِ الْقَمْحُ إلَخْ، ثُمَّ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ حُبُوبٌ أَوْ ثِمَارٌ أَوْ حَيَوَانٌ زُكِّيَتْ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُزَكِّي. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَتَبَةٌ] أَيْ كَالْأَرْضِ السَّاحَةِ أَقُولُ: وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ أَوْ رَبْعٌ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَهُوَ لَا يَكُونُ كَعَكْسِهِ بِأَوْ، وَيُجَابُ بِأَنْ يُرَادَ الْعَامُّ مَا عَدَا الْخَاصَّ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَلْيَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] قَالَ بَهْرَامُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الدَّيْنَ يُجْعَلُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْعُرُوضِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ خَاصَّةً اهـ. [قَوْلُهُ:

بِشَرْطِ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ عِنْدَ رَبِّهَا وَأَنْ تَكُونَ مِمَّا يُبَاعُ. مِثْلُهُ فِي الدَّيْنِ (يُزَكِّ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ) مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ الْعَيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ ذَلِكَ، أَوْ يُنْقِصُهُ عَنْ مِقْدَارِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يُوفِي دَيْنَهُ فَإِنَّهُ يُقَوِّمُ الْعُرُوضَ وَقْتَ الْوُجُوبِ آخِرَ الْحَوْلِ وَيَجْعَلُهَا فِي الدَّيْنِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَيُزَكِّي الْعَيْنَ هَذَا إذَا وَقَّتَ عُرُوضَهُ بِدَيْنِهِ. (فَإِنْ لَمْ تُوَفِّ عُرُوضُهُ بِدَيْنِهِ حَسَبَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ فِيمَا) أَيْ الَّذِي (بِيَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَحْسِبَ بَقِيَّةَ دَيْنِهِ مِمَّا بِيَدِهِ (مَا) أَيْ شَيْءٌ (فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَاةٌ) مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا وَعَلَيْهِ وَعِشْرُونَ دِينَارًا وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي تُبَاعُ فِي الدَّيْنِ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ مَا يَفِي بِعَشَرَةٍ تَبْقَى عَشَرَةٌ مِنْ الثَّلَاثِينَ، وَيُعْطِيهَا فَتَبْقَى عِشْرُونَ فَيُزَكِّيهَا. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ نِصَابٌ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْده عِشْرُونَ وَعَلَيْهِ عِشْرُونَ، وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ مَا يُوفِي بِعَشَرَةٍ فَتَبْقَى عَشَرَةٌ يُعْطِيهَا مِنْ الْعِشْرِينَ تَبْقَى عَشَرَةٌ لَا زَكَاةَ فِيهَا. وَلَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الْعَيْنِ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ مَا عَدَاهُ فَقَالَ. (وَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ وَلَا مَاشِيَةٍ) وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ زَكَاةَ مَعْدِنٍ وَلَا رِكَازٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَا عِنْدَهُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُسْقِطُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْعَيْنِ أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا جَاءَتْ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ، وَأَمَّا الْمَاشِيَةُ وَالثِّمَارُ فَقَدْ بَعَثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ الْخُرَّاصَ وَالسُّعَاةَ فَخَرَصُوا عَلَى النَّاسِ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ زَكَاةَ مَوَاشِيهِمْ وَلَمْ يَسْأَلُوهُمْ هَلْ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَيُسْقِطُهَا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ لَهُ مَالٌ (فِي دَيْنٍ) أَصْلُهُ عَيْنٌ عِنْدَهُ أَوْ بِيَدِهِ عَرْضُ تِجَارَةٍ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) يُرِيدُ بِالدَّيْنِ دَيْنَ الْقَرْضِ وَدَيْنَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَالٌ فَيُسَلِّفَهُ لِرَجُلٍ أَوْ يَشْتَرِيَ بِهِ سِلْعَةً ثُمَّ يَبِيعَهَا بِدَيْنٍ. (وَإِنْ أَقَامَ) الدَّيْنَ (أَعْوَامًا) عِنْدَ الْمَدِينِ (فَإِنَّمَا يُزَكِّيهِ) رَبُّهُ (لِعَامٍ وَاحِدٍ) لِمَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ (بَعْدَ قَبْضِهِ) إذَا كَانَ نِصَابًا أَوْ مُضَافًا إلَى مَالٍ عِنْدَهُ قَدْ جَمَعَهُ وَإِيَّاهُ الْحَوْلُ فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ] وَحَوْلُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَحَوْلُ الْمُعْشِرِ طِيبُهُ وَالْمَعْدِنِ خُرُوجُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهَا] لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِعْطَاءَ بِالْفِعْلِ لِجَوَازِ تَأَخُّرِ أَجَلِ الدَّيْنِ بَلْ الْمُرَادُ يُلَاحِظُ أَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ وَكَأَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَخَذَهَا بِالْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ أَخْذُهَا الْآنَ لِعَدَمِ حُلُولِ الْأَجَلِ. [قَوْلُهُ: الْخُرَّاصَ] هُمْ الَّذِينَ يُقَدِّرُونَ مَا عَلَى النَّخِيلِ مِنْ الْأَوْسُقِ. وَقَوْلُهُ: فَخَرَصُوا نَاظِرٌ لِلْخُرَّاصِ الَّذِينَ هُمْ لِلثِّمَارِ. وَقَوْلُهُ: وَأَخَذُوا نَاظِرٌ لِلسُّعَاةِ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَوَاشِي، فَفِي الْعِبَارَةِ تَوْزِيعٌ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَيْ النَّاسِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ، وَالسُّعَاةُ لَيْسُوا قَاصِرِينَ عَلَى الْمَاشِيَةِ بَلْ كَمَا يَكُونُونَ لَهَا يَكُونُ لِمَا نَبَتَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِنْدَ أَشْهَبَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ قَبْضِهِ] أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ حُكْمًا كَأَنْ وَهَبَهُ الْمُحْتَكِرُ لِغَيْرِ الْمَدِينِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَإِنَّ الْمُحْتَكِرَ يُزَكِّيهِ لَكِنْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاهِبُ أَرَدْت أَنَّ الزَّكَاةَ مِنْهُ، وَأَوْلَى لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهُ لِلْمَدِينِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. [قَوْلُهُ: فَيَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ] أَيْ فَيَكْمُلُ بِالْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إنَّمَا يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ وَإِنْ كَانَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَرَكَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ زَكَّى مَا مَضَى مِنْ السِّنِينَ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَوْلَهُ فِي دَيْنٍ بِقَوْلِنَا أَصْلُهُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضُ تِجَارَةٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مِنْ مِيرَاثٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ، وَقَيَّدْنَا دَيْنَ الْبَيْعِ بِمَا إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ مُدَبَّرًا فَإِنَّ حُكْمَ دَيْنِهِ حُكْمُ عُرُوضِهِ يُقَوَّمُ. (وَكَذَلِكَ الْعَرْضُ) يَعْنِي عَرْضَ تِجَارَةِ الِاحْتِكَارِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُزَكِّي لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ أَقَامَ أَحْوَالًا كَثِيرَةً. (حَتَّى يَبِيعَهُ) وَهَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلُ: فَإِذَا بِعْته بَعْدَ حَوْلٍ إلَى آخِرِهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ) أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (فَلْيَسْتَقْبِلْ حَوْلًا بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ) يُعَبِّرُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ ثَمَنِ الْعَرْضِ سَوَاءٌ تَرَكَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا. (وَعَلَى الْأَصَاغِرِ الزَّكَاةُ فِي أَمْوَالِهِمْ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة: 103] وَلِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَلِينِي أَنَا وَأَخًا لِي يَتِيمَيْنِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصَابُ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ] نَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ فِي دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ وَلَوْ أَخَّرَهُ أَيْ الْمُحْتَكِرُ فِرَارًا زَكَاةً لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِكُلِّ عَامٍ، وَذَكَرَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلْمُدَبَّرِ إذَا كَانَ قَرْضًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِعَامٍ وَاحِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَيُزَكِّيه لِكُلِّ سَنَةٍ اتِّفَاقًا اهـ. فَلْيُحْمَلْ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ عَلَى دَيْنِ الْمُحْتَكِرِ وَتَعَقَّبَ الشُّيُوخُ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] أَيْ لَيْسَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ وَلَا عَرْضَ تِجَارَةٍ، أَيْ بِأَنْ كَانَ أَصْلُهُ مَثَلًا عَرْضًا مَأْخُوذًا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ مَثَلًا أَوْ كَانَ نَفْسُ الدَّيْنِ عَيْنًا وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مِيرَاثٍ مَثَلًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ مَثَلًا وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: عَرْضَ تِجَارَةِ الِاحْتِكَارِ] أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ حُكْمِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الدَّيْنِ أَيْ الدَّيْنُ الْمُتَقَدِّمُ دَيْنُ الْقَرْضِ وَدَيْنُ الْمُحْتَكِرِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا] أَيْ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَالدَّيْنِ إذَا كَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا بِيَدِهِ أَوْ كَانَ أَصْلُهُ عَرْضًا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ سَوَاءٌ كَانَ عَرْضَ قُنْيَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرْضُ قُنْيَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ أَيْ أَصْلُهُ الثَّانِي لَا أَصْلُهُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: مِنْ مِيرَاثٍ] أَيْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ مِيرَاثٍ أَيْ أُتِيَ لَهُ مِنْ مِيرَاثٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ، أَوْ كَانَ الْعَرْضُ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ مِيرَاثٍ أَيْ أَتَى لَهُ عَرْضٌ مِنْ مِيرَاثٍ ثُمَّ بَاعَهُ بِثَمَنٍ وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ أَعْوَامٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ] أَيْ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَلَى دَمٍ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ عَمَلِ يَدٍ سَوَاءٌ كَانَ تَرْكُهُ فِرَارًا أَمْ لَا، حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً بِيَدِ وَاهِبِهَا أَوْ مُتَصَدِّقِهَا أَوْ صَدَاقًا بِيَدِ زَوْجٍ أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ بِيَدِ دَافِعِهِ أَوْ أَرْشَ جِنَايَةٍ بِيَدِ جَانِيهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ قَبْضِهِ وَلَوْ أَخَّرَهُ فِرَارًا، وَلَوْ بَقِيَتْ الْعَطِيَّةُ بِيَدِ مُعْطِيهَا قَبْلَ الْقَبُولِ وَالْقَبْضِ سِنِينَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا لِمَاضِي الْأَعْوَامِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا عَلَى الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلَا عَلَى الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ عِنْدَ سَحْنُونَ لِأَنَّ بِقَبُولِ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ مِنْ يَوْمِ الصَّدَقَةِ، وَلِذَا تَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ مِنْ يَوْمِ الْعَطِيَّةِ، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ عَرْضٍ أَتَاهُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا، بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ عَرْضِ قُنْيَةٍ اشْتَرَاهُ بِنَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَوْ أَخَّرَ قَبْضَهُ فِرَارًا. [قَوْلُهُ: لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى إلَخْ] فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ: {تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] مَعْنَاهُ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْأَصَاغِرُ خَالِيَةٌ مِنْ الذُّنُوبِ. [قَوْلُهُ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ] هَذَا أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ابْنَ الْقَاسِمِ تِلْمِيذَ الْإِمَامِ.

حِجْرِهَا فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ، وَفِيهِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لِئَلَّا تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُفْعَلُ وَلَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَلَا يُخْرِجُ وَلِيُّ الْأَيْتَامِ الزَّكَاةَ عَنْهُمْ إلَّا بَعْدَمَا يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِلْإِمَامِ، وَمِثْلُ الْأَصَاغِرِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الْمَجَانِينُ وَقَوْلُهُ: (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ) رُوِيَ بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ لِخَبَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. (وَلَا زَكَاةَ عَلَى عَبْدٍ) قِنٍّ (وَلَا عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ) كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى سَادَاتِهِمْ عَنْهُمْ، مَا عُدِمَ وُجُوبُهَا عَلَى الْعَبْدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى السَّيِّدِ فَلِأَنَّ الْمَالَ بِيَدِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ عِنْدِي تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِمَالِ الْعَبْدِ إمَّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ لِأَحَدِهِمَا قَطْعًا لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُهُ، وَلِلْعَبْدِ اسْتِمْرَارُهُ وَالْإِشَارَةُ (فِي) قَوْلِهِ (ذَلِكَ كُلِّهِ) عَائِدَةٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ. (فَإِذَا أُعْتِقَ) الْعَبْدُ أَوْ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ (فَلْيَأْنَفْ) أَيْ يَسْتَأْنِفْ (حَوْلًا) أَيْ عَامًا (مِنْ يَوْمِئِذٍ) أَيْ مِنْ يَوْمِ عِتْقِهِ (بِمَا يَمْلِكُ) وَرُوِيَ بِمَا مَلَكَ (مِنْ مَالِهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ الْحُبُوبُ وَالثِّمَارُ وَعَتَقَ قَبْلَ الطِّيبِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا إنْ عَتَقَ بَعْدَ الطِّيبِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ (وَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي عَبْدِهِ وَخَادِمِهِ) ع: الْعَبْدُ تَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ دُونَ الْأُنْثَى وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا وَلَا زَكَاةَ عَلَى عَبْدٍ (وَ) كَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ فِي (فَرَسِهِ وَدَارِهِ) (وَلَا) فِي (مَا يَتَّخِذُ لِلْقُنْيَةِ مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعُرُوضِ) وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَا زَكَاةَ إلَى آخِرِهِ لَا يَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: اتَّجِرُوا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَمَا يُرْفَعُ أَمْرُهُ لِلْإِمَامِ] أَيْ أَوْ الْقَاضِي. حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْوَصِيِّ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَنُوطٌ بِهِ لَا بِمَذْهَبِ أَبِي الطِّفْلِ لِمَوْتِهِ وَانْتِقَالِ الْمَالِ عَنْهُ، وَلَا بِمَذْهَبِ الطِّفْلِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهَا فَلَا يُزَكِّيهَا الْوَصِيُّ إنْ كَانَ مَذْهَبُهُ سُقُوطَهَا عَنْ الطِّفْلِ وَإِلَّا أَخْرَجَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَوْ كَانَ مَالِكِيٌّ فَقَطْ أَوْ مَالِكِيٌّ وَحَنَفِيٌّ، وَخَفِيَ أَمْرُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ إلَّا رَفْعَ الْمَالِكِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَنَفِيٌّ أَخْرَجَهَا الْوَصِيُّ الْمَالِكِيُّ إنْ خَفِيَ أَمْرُ الصَّبِيِّ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَإِلَّا تُرِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَعَلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ] لَكِنَّ الْمُطَالَبَ بِالْإِخْرَاجِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَبِالْجَرِّ] فِي الْجَرِّ رِكَّةٌ إذْ يَصِيرُ تَقْدِيرُهُ حِينَئِذٍ، وَعَلَى الْأَصَاغِرِ الزَّكَاةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ] أَيْ لَا يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ] مُتَعَلِّقُ كَلَامِهِ مَنْقُوضٌ بِالْمُكَاتَبِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ قَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ. [قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ] خَبَرُ لَا النَّافِيَةِ مُتَعَلِّقٌ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ] أَيْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ سَيِّدُهُ أَخْذَ مَالِهِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَكُونُ لَهُ فِي الْعِتْقِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ السَّيِّدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَبْقَى لِسَيِّدِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: وَرُوِيَ بِمَا مَلَكَ] وَنُسْخَةُ الْمُضَارِعِ مُتَّحِدَةٌ مَعَهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا يَمْلِكُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَالِ الْكَائِنِ بِيَدِهِ. [قَوْلُهُ: يُطْلَقُ] أَيْ يُطْلِقُ الْمُصَنِّفُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا ذُكِرَ هُنَا] أَيْ لِأَجْلِ قَوْلِهِ وَخَادِمِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأُنْثَى، وَلَوْ قَالَ فِي رَقِيقٍ لَشَمِلَهُمَا، وَالْمُرَادُ رَقِيقٌ اُتُّخِذَ لِلْقُنْيَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إلَخْ مُرَادُهُ بِهِ الذَّكَرُ لِأَنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَا الْأَمَةُ أَيْ عَلَيْهَا فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً. [قَوْلُهُ: فِي فَرَسِهِ وَدَارِهِ] أَيْ الْمُتَّخَذَيْنِ لِلْقُنْيَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَا يُتَّخَذُ لِلْقُنْيَةِ مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعُرُوضِ] احْتِرَازًا عَنْ الْمُتَّخَذِ لِلتِّجَارَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَالزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ] عَبَّرَ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا مَحْضًا لِأَنَّهُ تَفْصِيلُ مَا أُجْمِلَ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: أَنَّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ

زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ بَعْضُهُمْ، كَرَّرَهُ إشَارَةً لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ» وَزَادَ عَلَيْهِ مَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُقْتَنَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ. قَوْلَهُ: (وَلَا فِيمَا يُتَّخَذُ لِلِّبَاسِ) لِلنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ مِلْكًا لِرَجُلٍ (مِنْ الْحَلْيِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَاحِدُ حُلِيٍّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَزَكَاةُ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَرِيضَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَلْيَ إذَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلْكِرَاءِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الزَّكَاةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ وَرِثَ عَرْضًا أَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ زَرْعًا فَزَكَّاهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُبَاعَ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ حَوْلًا مِنْ يَوْمِ قَبْضِ ثَمَنِهِ بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ) اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ. وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ إلَى آخِرِهِ مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الزَّرْعِ، وَمَا ذَكَرَهُ يُسَمَّى مَسْأَلَةَ زَكَاةِ الْفَوَائِدِ، وَالْفَائِدَةُ مَا تَجَدَّدَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ كَالْمَوْرُوثِ وَالْمَوْهُوبِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: حَتَّى يُبَاعَ بَاعَ بِالنَّقْدِ أَوْ إلَى أَجَلٍ، وَظَاهِرٌ أَيْضًا تَرْكُهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ زَرْعًا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَإِنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ إذَا رَفَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَرْضِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَزَكَّاهُ أَيْ الزَّرْعَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَيْضًا فَإِنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُزَكِّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَلٌ مِنْ حَدِيثٍ. وَقَوْلُهُ: وَزَادَ جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَيْ إشَارَةً لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ عَلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَيْ عَلَى مَا فِيهِ مَا يُقَاسُ عَلَى الْحَدِيثِ أَيْ عَلَى مَا فِيهِ [قَوْلُهُ: لِيُرَتِّبَ إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِلذِّكْرِ لِأَجْلِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا زَكَاةَ فِيمَا يُتَّخَذُ لِلِّبَاسِ. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَإِنَّمَا رُتِّبَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ. [قَوْلُهُ: لِلنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ إلَخْ] الْأَوْلَى عَدَمُ التَّخْصِيصِ، فَيَشْمَلُ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ الْمَرْأَةِ مِنْ كُلِّ حُلِيٍّ مُبَاحٍ سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ أَوْ تَكَسَّرَ، أَيْ إنْ نَوَى إصْلَاحَهُ فَإِنْ نَوَى عَدَمَ إصْلَاحِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ تَهَشَّمَ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ إصْلَاحَهُ إلَّا بِسَكْبِهِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ مُطْلَقًا مِثَالُ مَا كَانَ مُبَاحًا لِلرَّجُلِ خَاتَمٌ وَأَنْفٌ وَأَسْنَانٌ وَحِلْيَةُ مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِالنَّصْلِ كَالْقَبْضَةِ أَوْ لَا كَالْغِمْدِ، وَأَمَّا مُحَرَّمُ الِاسْتِعْمَالِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَالْمِرْوَدِ وَالْمُكْحُلَةِ وَآلَةٍ نَحْوُ الْأَكْلِ مِنْ كُلِّ غَيْرِ مَلْمُوسٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ عَلَى الْمَرْأَةِ وَكَخَاتَمِ الذَّهَبِ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مِنْ الْحُلِيِّ مَا تَجْعَلُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ الْقُرُوشِ أَوْ الْفِضَّةِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الْمَسْكُوكِ فَإِنَّ عَلَيْهَا فِيهِ الزَّكَاةَ. [قَوْلُهُ: كَثَدْيٍ وَثُدِيٍّ] وَقَدْ تُكْسَرُ الْحَاءُ مِثْلَ عِصِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الزَّكَاةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُتَّخَذِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ بِإِجْمَاعٍ سَوَاءٌ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَلَوْ كَانَ أَوَّلًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ وَيُزَكِّيهِ لِعَامٍ مِنْ حِينِ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ أَيْ يُزَكِّي وَزْنَهُ كُلَّ عَامٍ إذَا كَانَ فِيهِ نِصَابٌ أَوْ عِنْدَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ، وَكَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُتَّخَذًا لِلْعَاقِبَةِ كَانَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِلِبَاسِهَا فَلَمَّا كَبِرَتْ اتَّخَذَتْهُ لِعَاقِبَتِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ إلَخْ] يُحْتَرَزُ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكْتَرِيَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ مَرَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَكَاةُ النِّصَابِ وَالْأُخْرَى زَكَاةُ الثَّمَنِ، إذَا كَانَ نِصَابًا إذَا بَاعَ بَعْدَ الْحَوْلِ إذَا كَانَ مُحْتَكِرًا أَوْ يُقَوِّمُ إذَا كَانَ مُدِيرًا، وَإِنَّمَا يُزَكِّي مَرَّتَيْنِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكْرِيَهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ وَالْبَذْرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ وَيَزْرَعُ فِيهَا بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ. [قَوْلُهُ: بِمَا يَقْبِضُ مِنْهُ] بَدَلٌ مِنْ بِهِ أَيْ يَسْتَقْبِلُ بِمَا يَقْبِضُ مِنْ ثَمَنِهِ أَيْ بِمَا يَقْبِضُهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ ثَمَنِهِ بَيَانٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ: اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ أَوْ الْعَرْضُ مِنْ مِيرَاثٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ أَيْ مَا عَدَا قَوْلَهُ أَوْ رَفَعَ مِنْ أَرْضِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَائِدَةُ مَا تَجَدَّدَ إلَخْ] فِي كَلَامِهِ قُصُورٌ إذْ الْفَائِدَةُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرَهُ وَثَانِيهِمَا مَا تَجَدَّدَ عَنْ مَالٍ غَيْرِ مُزَكًّى كَثَمَنِ عَرْضِ الْقُنْيَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا رَفَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَرْضِهِ إلَخْ] كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: إذَا أَقَامَ

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ، فَقَالَ: (وَفِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ عَدَنَ بِفَتْحِ الدَّالِ فِي الْمَاضِي يَعْدِنُ بِكَسْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُدُونًا إذَا أَقَامَ بِهِ، وَمِنْهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ أَيْ إقَامَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ فِيهِ إنْ كَانَ اسْمُ مَكَانِ الْفَتْحِ (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) بَيَانٌ لِمَا يُخْرَجُ (الزَّكَاةُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ نَدْرَةً بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ مَا يُوجَدُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِغَيْرِ عَمَلٍ أَوْ عَمَلٍ يَسِيرٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ لَا الزَّكَاةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا تَخْصِيصُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا زَكَاةَ فِي مَعَادِنِ الرَّصَاصِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالزِّرْنِيخِ وَشَبَهِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (إذَا بَلَغَ) الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ (وَزْنَ عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ) بَلَغَ الْخَارِجُ مِنْ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ وَزْنَ (خَمْسَةِ أَوَاقٍ فِضَّةً) وَانْظُرْ لِمَ أَثْبَتَ التَّاءَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ إذْ الْأُوقِيَّةُ مُؤَنَّثَةٌ (فَ) حِينَئِذٍ يَكُونُ (فِي ذَلِكَ) الْخَارِجِ (رُبْعُ الْعُشْرِ) لَا الْخُمُسِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ اقْتِصَارِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْمَعْدِنِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهَا الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ وَالْكَافِرَ كَالْمُسْلِمِ وَالشُّرَكَاءَ كَالْوَاحِدِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا زَكَاةَ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْكَافِرِ وَالشُّرَكَاءُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ يُرَاعِي النِّصَابَ فِي حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْمَعْدِنَ شَبِيهٌ بِالزَّرْعِ وَالزَّرْعُ لَا يُزَكِّيهِ عَبْدٌ وَلَا نَصْرَانِيٌّ حَتَّى يَصِيرَ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (يَوْمَ خُرُوجِهِ) أَيْ يَوْمَ خَلَاصِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ وَهُوَ كَذَلِكَ. ق: يُرِيدُ يَعْنِي الشَّيْخُ أَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا رَفَعَ شَيْئًا مِنْ الْمَعْدِنِ فَلَمْ يُصَفِّهِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ مِنْ يَوْمِ خُرُوجِهِ فَمَنْ قَالَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ قَالَ بِزَكَاتِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَنْ قَالَ تَجِبُ يَوْمَ خُرُوجِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ قَالَ يُزَكِّيهِ زَكَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا مَكَثَ أَحَوْلًا بِغَيْرِ تَصْفِيَةٍ انْتَهَى. (وَكَذَلِكَ فِيمَا يَخْرُجُ) مِنْ مَعْدِنِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ رُبْعَ عُشْرِهِ حَالَةَ كَوْنِهِ (مُتَّصِلًا بِهِ) أَيْ بِالنِّصَابِ الْمُخْرَجِ أَوَّلًا (وَإِنْ قَلَّ) وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ] أَيْ بِالْمَكَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةً] سُمِّيَ بِذَلِكَ لِطُولِ إقَامَةِ النَّاسِ فِيهِ صَيْفًا وَشِتَاءً. [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّ الْقِيَاسَ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْمَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِنْ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعِلٍ مَكْسُورِ الْعَيْنِ كَالْمَجْلِسِ، وَمِنْ يَفْعَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ عَلَى مَفْعَلٍ مَفْتُوحِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِيهَا الْخُمُسَ] وَيُدْفَعُ ذَلِكَ الْخُمُسُ لِلْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَإِلَّا فُرِّقَ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ] قَالَ تت: لَا نَظَرَ لِأَنَّ التَّاءَ لَا تَلْزَمُ فِي الْمُؤَنَّثِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّك تَقُولُ طَلَعَ الشَّمْسُ وَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَتَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ] أَيْ حِينَ قُلْنَا فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةُ. [قَوْلُهُ: لِعُمُومِ] أَيْ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ، أَيْ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ خَمْسَةُ أَوَاقٍ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَعْدِنِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَصِيرَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَحَتَّى يَصِيرَ بِالْوَاوِ. [قَوْلُهُ: خَلَاصِهِ] أَيْ خُرُوجِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْفِيَتِهِ. وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا لِإِخْرَاجِ الْفُقَرَاءِ وَقِيلَ بِتَصْفِيَتِهِ مِنْ تُرَابِهِ وَسَبْكِهِ لِإِزَالَةِ التُّرَابِ عَنْهُ فَقَطْ. وَالْمَشْهُورُ الْقَوْلُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِتَصْفِيَتِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ] أَيْ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: الزَّكَاةُ] بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الزَّكَاةُ أَوْ أَنَّ الزَّكَاةَ مَجْرُورَةٌ بِإِضَافَةِ نِصَابٍ إلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: رُبْعُ عُشْرِهِ مُبْتَدَأٌ

الِاتِّصَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمَا مَعًا، وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ. (فَإِنْ انْقَطَعَ نَيْلُهُ) أَيْ عَرَقُهُ الَّذِي فِي الْمَعْدِنِ (بِيَدِهِ) أَيْ بِعَمَلِهِ بِأَنْ تَبِعَهُ حَتَّى انْقَضَى فَأَطْلَقَ الْيَدَ هُنَا عَلَى الْعَمَلِ (وَابْتَدَأَ) آخَرُ (غَيْرُهُ لَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ) الْخَارِجُ بَعْدَ النِّصَابِ الَّذِي خَرَجَ أَوَّلًا (مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آخِرِ مَا خَتَمَ بِهِ التَّرْجَمَةَ وَهِيَ الْجِزْيَةُ فَقَالَ: (وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا) مِنْ (صِبْيَانِهِمْ وَلَا) مِنْ (عَبِيدِهِمْ) إنَّمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ قَاتَلَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوهُمْ} [التوبة: 14] يَسْتَدْعِي مُقَاتِلِينَ وَهُمْ فِي الْغَالِبِ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَأَمَّا الْعَبِيدُ فَإِنَّهُمْ مَالٌ تَبَعٌ لِمَالِكِيهِمْ. وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ لِأَخْذِ الْجِزْيَةِ: الذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْكُفْرُ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قُرَشِيٍّ وَأَنْ يُقَرَّ عَلَى كُفْرٍ، فَالْقُرَشِيُّ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ إجْمَاعًا لِمَكَانَتِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذْ لَا يُقَرُّ عَلَى كُفْرِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطَانِ الْعَقْلُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى أَدَائِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عِنْدَهُ (وَتُؤْخَذُ مِنْ الْمَجُوسِ) جَمْعُ مَجُوسِيٍّ مَنْسُوبٌ إلَى مَجُوسَةِ نِحْلَةٍ (وَ) تُؤْخَذُ (مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَالْعَجَمُ وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQخَبَرُهُ مَا تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا يُخْرَجُ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ ثَلَاثَةٌ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا، فَقَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي النَّيْلِ أَيْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْعَمَلُ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ انْقَطَعَ النَّيْلُ أَيْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْعَمَلُ أَمْ لَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلُ أَنْ يَتَّصِلَ الْعَمَلُ وَالنَّيْلُ وَيُخْرِجَ نِصَابَ الزَّكَاةِ حَتَّى فِي الْخَارِجِ بَعْدَ النِّصَابِ. ثَانِيًا أَنْ يَنْقَطِعَ النَّيْلُ وَيَتَّصِلَ الْعَمَلُ فَالْمَذْهَبُ لَا زَكَاةَ فِي الثَّانِي حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا لَا أَقَلَّ لَا أَنَّهُ لَا يُضَمُّ نَيْلٌ لِغَيْرِهِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَنْقَطِعَا مَعًا فَلَا زَكَاةَ فِي الثَّانِي حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابًا اتِّفَاقًا، وَإِنْ انْقَطَعَ الْعَمَلُ دُونَ النَّيْلِ فَقِيلَ: يَضُمُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَبْتَدِئُ. [قَوْلُهُ: وَتُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ] عَرَّفَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ: مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ جَزَاءً عَلَى تَأْمِينِهِمْ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ مَعَ إقْرَارِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْمُقَابَلَةُ لِأَنَّهُمْ قَابَلُوا الْأَمَانَ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ الْمَالِ فَقَابَلْنَاهُمْ بِالْأَمَانِ وَقَابَلُونَا بِالْمَالِ. [قَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ] وَصَفَهُمْ بِالْبَالِغِينَ لِيُخْرِجَ غَيْرَهُمْ وَهُوَ إمَّا تَأْكِيدٌ لِلرِّجَالِ وَإِمَّا لِأَنَّ الرَّجُلَ يُطْلَقُ عَلَى الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ. تت: وَعِبَارَةٌ أُخْرَى الْبَالِغِينَ زِيَادَةٌ مُسْتَغْنًى عَنْهَا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ إلَّا عَلَى الْبَالِغِ إلَى أَنْ قَالَ نَعَمْ لَوْ قَالَ الْعُقَلَاءُ لِيُحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمَجَانِينِ لَكَانَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ مَالٌ تَبَعٌ لِمَالِكِيهِمْ] أَيْ فَشَأْنُهُمْ الشُّغْلُ بِخِدْمَةِ مُلَّاكِهِمْ. [قَوْلُهُ: فَالْقُرَشِيُّ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ] أَيْ لِمَكَانَتِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ قَالَ تت: وَحِكَايَةُ بَعْضِهِمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ أَخْذِهَا مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ طَرِيقَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمُرْتَدُّ] وَكَذَا الْمُعَاهَدُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَرْطَانِ إلَخْ] وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا لِأَهْلِ دِينِهِ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ الْمُنْعَزِلِ بِدَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ كَالرُّهْبَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَهُّبُهُمْ طَرَأَ بَعْدَ ضَرْبِهَا فَلَا تُمْنَعُ لِاتِّهَامِهِمْ عَلَى قَوْلِ الْأَخَوَيْنِ، وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَسْقُطُ بِالتَّرْهِيبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُنَا الْمُنْعَزِلُ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْمُنْعَزِلِ كَرُهْبَانِ الْكَنَائِسِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ سِبَاؤُهُ احْتِرَازًا مِنْ الْمُعَاهَدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَهْدِهِ. [قَوْلُهُ: الْعَقْلُ] احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْنُونِ، فَلَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَإِنَّهُمْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ سَرِيعًا وَلَا يُنْتَظَرُ مِنْهُمْ مُرُورُ الْحَوْلِ. [قَوْلُهُ: مَنْسُوبٌ إلَى مَجُوسَةِ نِحْلَةٍ] النِّحْلَةُ الدَّعْوَى كَمَا فِي الصِّحَاحِ. وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ أَيْ مِلَّةٌ مُدَّعَاةٌ وَهِيَ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ لَا بِالْمِيمِ. [قَوْلُهُ: عَبْدُ الْوَهَّابِ]

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وَلِأَنَّ الشِّرْكَ قَدْ شَمِلَهُمْ فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ. ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ فَقَالَ: (وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) هَذَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ فُتِحَتْ بِلَادُهُمْ قَهْرًا وَغَلَبَةً، وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ الْكُفَّارِ حَمُوا بِلَادَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى شَيْءٍ يُعْطُونَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إنْ أُطْلِقَ وَلَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، أَمَّا إنْ قُدِّرَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ أُخِذَ مِنْهُمْ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (وَ) إذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ (يُخَفَّفُ عَنْ الْفَقِيرِ) بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْفَقِيرِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ (وَتُؤْخَذُ مِمَّنْ تَجَرَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي مَعُونَتِهِ. وَقَوْلُهُ: الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ إلَخْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّعْمِيمِ رَدُّ الْمُخَالِفِ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْعَرَبِ وَلَيْسَ إلَّا الْقَتْلُ أَوْ الْإِسْلَامُ لِرَدِّهِ بِقَوْلِهِ وَالْعَرَبُ وَالْعَجَمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِب وَإِنَّمَا الَّذِي تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً فَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: فَلَا اعْتِبَارَ بِأَنْسَابِهِمْ لَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَبَنُو تَغْلِب وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ. تَنْبِيهٌ: نَصَارَى بَنِي تَغْلِب فِرْقَةٌ مِنْ الْعَرَبِ فَالنَّصْرَانِيَّة لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِيهِمْ لِأَنَّ الْمُتَأَصِّلَ فِيهَا مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْإِنْجِيلُ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ حَقِيقَةَ الْجِزْيَةِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَاقِدَ لَهَا الْإِمَامُ فَلَوْ عَقَدَهَا مُسْلِمٌ غَيْرُ الْإِمَامِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَلَا أَسْرُهُ، وَيُفْعَلُ بِهِ غَيْرُهُمَا وَيَسْتَمِرُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ لِنُزُولِ سَيِّدِنَا عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِشُبْهَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لِتَعَلُّقِهِمْ بِزَعْمِهِمْ بِشَرْعٍ قَدِيمٍ فَإِذَا نَزَلَ عِيسَى انْقَطَعَتْ شُبْهَتُهُمْ لِحُصُولِ مُعَايَنَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْمَوَاشِي فَعَلَيْهِمْ مَا رَاضَاهُمْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ. وَظَاهِرُ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مُرَاضَاةٌ فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِبِلِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَكَذَا أَهْلُ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَغَيْرُهُمْ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ] أَيْ شَرْعِيَّةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا أَيْ شَرْعِيَّةً فَإِنْ كَانُوا أَهْلَهُمَا رُوعِيَ الْأَغْلَبُ إنْ كَانَ وَإِلَّا خَيَّرَ الْإِمَامُ وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلَ ذَهَبٍ، وَإِنْ تُعُومِلَ فِيهَا بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: وَغَلَبَةً] مُرَادِفٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: وَكَذَا أَهْلُ الصُّلْحِ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا [قَوْلُهُ: حَمَوْا بِلَادَهُمْ] أَيْ فَكَانَ فِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أَهْلِ الصُّلْحِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ إلَخْ] أَيْ فَالتَّنْقِيصُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ إرَادَةِ الْأَخْذِ لَا عِنْدَ الضَّرْبِ لِأَنَّهَا تُضْرَبُ عَلَيْهِ كَامِلَةً كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. تَنْبِيهٌ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مُطْلَقًا آخِرَ الْحَوْلِ قَالَ بَعْضٌ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ فِيهِ الْيَسَارُ فَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لَهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إذْ ذَاكَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِهَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ أَخْذِهَا الْإِهَانَةُ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي دَفْعِهَا، فَإِذَا أَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُصْفَعُ فِي قَفَاهُ وَيَبْسُطُ الْكَافِرُ كَفَّهُ فَيَأْخُذُهَا الْمُسْلِمُ مِنْ كَفِّهِ لِتَكُونَ يَدُ الْمُسْلِمِ الْعُلْيَا. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى شَيْءٍ سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا تَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ صُلْحِيَّةً أَوْ عَنْوِيَّةً، وَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ التَّحَيُّلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِتَرَهُّبِهِ فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ التَّحَيُّلَ عَلَى إسْقَاطِهَا فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: مِمَّنْ تَجَرَ] بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُضَارِعِ [قَوْلُهُ: لَا عِمَالَتِهِ] إتْيَانُهُ بِلَا تَوْكِيدٍ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَعَطْفُ الْعِمَالَةِ عَلَى مَحَلِّ الْجِزْيَةِ تَفْسِيرٌ وَمُرَادُهُ مِنْ إقْلِيمٍ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ، وَالْأَقَالِيمُ خَمْسَةٌ مِصْرُ وَالشَّامُ وَالْعِرَاقُ وَالْأَنْدَلُسُ وَالْمَغْرِبُ فَالِاعْتِبَارُ بِهَذَا لَا بِالسَّلَاطِينِ إذْ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ السُّلْطَانِ قَالَهُ تت

رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا بَالِغِينَ كَانُوا أَوْ صِبْيَانًا (مِنْ أُفُقٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَسُكُونِهَا (إلَى أُفُقٍ) أَيْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ جِزْيَتِهِ وَلَا عِمَالَتِهِ (عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: عُشْرُ مَا يَدْخُلُونَ بِهِ كَالْحَرْبِيِّينَ، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ أَرَادُوا الرُّجُوعَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوا أَوْ يَشْتَرُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ لِحَقِّ الِانْتِفَاعِ أَوْ لِحَقِّ الْوُصُولِ إلَى الْقُطْرِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ إذَا اتَّجَرُوا فِي بِلَادِهِمْ وَهُمْ كَذَلِكَ ثُمَّ بَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرِ الثَّمَنِ فَقَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ تَرَدَّدُوا (فِي السَّنَةِ مِرَارًا) وَقَالَ الْإِمَامَانِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لَنَا مَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِتَكَرُّرِ الِانْتِفَاعِ وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ (وَإِنْ حَمَلُوا) أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (الطَّعَامَ) الْمُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالزَّيْتُ (خَاصَّةً) وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ وَالْقَطَانِيُّ وَالزَّيْتُونُ وَالْأَدْهَانُ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ (إلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ خَاصَّةً أُخِذَ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ ثَمَنِهِ) وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ التَّنْصِيفِ، فَقِيلَ: لِيَكْثُرَ الْجَلْبُ إلَيْهِمَا لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا لِذَلِكَ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ لِفَضْلِهِمَا. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ قُرَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَيْسَتْ كَهُمَا، وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا. الثَّانِي: ع: تَكَلَّمَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نِصْفِ الْعُشْرِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْجَمْعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْقِيقُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ عِنْدَ تَنَائِي الْأَقْطَارِ وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ الْحِجَازَ إقْلِيمٌ وَالرُّومَ إقْلِيمٌ فَانْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ تت وَالتَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: عُشْرُ ثَمَنِ مَا يَبِيعُونَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ أَوْ مِنْ الطَّعَامِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهِمَا مِنْ قُرَاهُمَا [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا فِي كَلَامِ تت وعج: وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إجْمَالًا تَفْصِيلُهُ أَنَّهُمْ إنْ قَدِمُوا مِنْ أُفُقٍ إلَى أُفُقٍ بِعَرْضٍ وَبَاعُوهُ بِعَيْنٍ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرُ الثَّمَنِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَيْنٍ وَاشْتَرَوْا بِهَا عَرْضًا أُخِذَ عُشْرُ الْعَرْضِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عُشْرُ قِيمَتِهِ، وَإِنْ قَدِمُوا بِعَرْضٍ وَاشْتَرَوْا بِهِ عَرْضًا آخَرَ فَعَلَيْهِمْ عُشْرُ قِيمَةِ مَا اشْتَرَوْا لَا عُشْرُ عَيْنِ مَا قَدِمُوا بِهِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِتَكَرُّرِ بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ مَا دَامُوا بِأُفُقٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ بَاعُوا بِأُفُقٍ كَالشَّامِ أَوْ الْعِرَاقِ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ كَمِصْرِ أُخِذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ فِي الْأَوَّلِ وَعُشْرٌ فِي الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ إنْ قَدِمُوا بَعْدَ ذَهَابِهِمْ لِبَلَدِهِمْ وَلَوْ مِرَارًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ بَالَغَ عَلَى أَخْذِ عُشْرٍ إلَخْ [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَبِيعُوا] أَيْ إذَا قَدِمُوا بِعُرُوضٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَشْتَرُوا إذَا قَدِمُوا بِعَيْنٍ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ الْحِنْطَةُ وَالزَّيْتُ خَاصَّةً] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَا يُقْتَاتُ وَأَمَّا غَيْرُ الطَّعَامِ كَالْعَرْضِ وَاللَّبَنِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ثَمَنِهِ جَمِيعُ الْعُشْرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ] أَيْ مِنْ أَدَمٍ وَمُصْلَحٍ. وَقَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحُبُوبُ أَيْ مَا عَدَا الْقَطَانِيَّ لِأَنَّ الْقَطَانِيَّ مِنْهَا [قَوْلُهُ: الْحُبُوبُ وَالْقَطَانِيُّ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: كُلُّ مَا يُقْتَاتُ بِهِ وَقَوْلُهُ: وَالزَّيْتُونُ إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ يَجْرِي مَجْرَاهُ. وَقَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ الْمَذْكُورِ مِنْ الزَّيْتُونِ وَالْأَدْهَانِ أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُدْمِ. وَمِنْ الْمُصْلَحِ كَجُبْنٍ وَعَسَلٍ وَمِلْحٍ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ لِيَكْثُرَ إلَخْ] أَيْ فَقِيلَ فِي التَّعْدِيلِ لِيَكْثُرَ، وَلَوْ قَالَ: فَقِيلَ كَثْرَةُ الْجَلْبِ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَهَا ابْنُ الْجَلَّابِ بِهِمَا] وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فَهُوَ يُفِيدُ اعْتِمَادَهُ وَتَرْجِيحَهُ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ الْحَرْبِيُّونَ مِثْلُ ذَلِكَ] مُفَادُ كَلَامِهِ أَنَّهُ تَرَدُّدٌ مِنْهُ لَا إفَادَةُ خِلَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ [قَوْلُهُ: فَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْعِلَّةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ كَثْرَةُ الْجَلْبِ إلَيْهِمَا لِشِدَّةِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ بَاعُوا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ

(وَيُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ الْعُشْرُ) أَيْ عُشْرُ مَا قَدِمُوا بِهِ ظَاهِرُهُ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا، وَسَوَاءٌ بَاعُوا فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ قَدْ حَصَلَ لَهُمْ الْأَمَانُ مَا دَامُوا فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَجَمِيعُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لِانْتِفَاعِهِمْ وَهُمْ غَيْرُ مَمْنُوعِينَ مِنْ بِلَادٍ، فَلَمَّا تَكَرَّرَ نَفْعُهُمْ تَكَرَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُمْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ الْعُشْرِ وَإِنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ. وَكَذَلِكَ لَا يُزَادُ عَلَى الْعُشْرِ شَيْءٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَخَلُوا بِأَمَانٍ مُطْلَقٍ، وَأَمَّا إذَا شَارَطُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ عَقْدِ الْأَمَانِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْعُشْرِ فَيَجُوزُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ بِحَسَبِ مَا شَارَطُوا عَلَيْهِ. ج: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ لِمُسْلِمٍ بِاتِّفَاقٍ، وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ لِغَيْرِهِ إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ لَا إلَى أَنْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا ذِمَّةَ لَهُمْ فِيهَا، ثُمَّ خَتَمَ الْبَابَ بِمَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ وَهُوَ قَوْلٌ. (وَفِي الرِّكَازِ وَهُوَ) لُغَةً عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ يُقَالُ: لِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَعْدِنِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] هَذَا التَّعْمِيمُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ فَقَطْ بِوُصُولِهِمْ، وَلَوْ بَاعُوا بِأُفُقٍ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا بَاعُوا بِأُفُقٍ وَاشْتَرَوْا بِآخَرَ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ. وَهُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ فَرْقَ الشَّارِحِ الَّذِي ذَكَرَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ الْأَخْذُ سَوَاءٌ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا كَالذِّمِّيِّينَ. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَخْ] قَدْ أَفَدْنَاك أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَا يُنَاسِبُ إلَّا مَا قُلْنَاهُ وَلَا يُنَاسِبُ كَوْنَهُ فَرْقًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْحَرْبِيِّينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَاعُوا أَوْ لَمْ يَبِيعُوا، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلَّا إذَا بَاعُوا. [قَوْلُهُ: لِانْتِفَاعِهِمْ] أَيْ لَا لِأَمْنِهِمْ وَقَوْلُهُ: وَهُمْ الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ لِذَلِكَ الْمَحْذُوفِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لِأَشْهَبَ أَيْضًا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ النُّزُولِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ إلَّا الْعُشْرُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقُولُ لِأَحَدٍ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ الْعُشْرِ سَوَاءٌ قَبْلَ النُّزُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَذَلِكَ عَلَى مَا يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مَعَ الْإِمَامِ دَلَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ] وَكَذَا صَرَّحَ تت بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: هَذَا] أَيْ قَوْلُ وَكَذَا لَا يُزَادُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَمَّا إذَا شَارَطُوا إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ كُلٍّ [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَا شَارَطُوا عَلَيْهِ] أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْعُشْرِ قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ لِغَيْرِهِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يُمَكَّنُونَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَمْ لَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: إذَا حَمَلُوهُ إلَخْ] الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَنَصُّهُ: وَإِنْ قَدِمُوا بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ مِنْهُمْ ذَلِكَ تُرِكُوا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَبْتَاعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ رُدُّوا بِهِ وَلَمْ يُتْرَكُوا يَدْخُلُونَ بِهِ، وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ لَهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: إذَا بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى وَالْمَشْهُورُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ الْقُدُومِ بِهِ إذَا حَمَلُوهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ] بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مَا فِي قَوْلِهِ بِمَا فِي إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَفِي الرِّكَازِ] مِنْ رَكَزَ فِي الْأَرْضِ إذَا ثَبَتَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى هَذَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: هِيَ كُنُوزُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: هِيَ الْمَعَادِنُ، وَوَافَقَ صَاحِبُ الْعَيْنِ الْأَنْبَارِيَّ وَالْخَلِيلَ حَيْثُ قَالَ: الرِّكَازُ الْكَنْزُ يُوجَدُ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الْمَعْدِنِ اهـ. [قَوْلُهُ: يُقَالُ لِمَا يُوضَعُ فِي الْأَرْضِ] أَيْ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُونِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَلِمَا يَخْرُجُ مِنْ

قِطَعِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرَقِ، وَاصْطِلَاحًا (دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ) زَادَ فِي الْوَاضِحَةِ خَاصَّةً، وَالْكَنْزُ يَقَعُ عَلَى دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَدِفْنِ الْإِسْلَامِ، وَالدِّفْنُ: بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَى الْمَدْفُونِ كَالذِّبْحِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] أَيْ مَذْبُوحٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُفْتَحَ دَالُهُ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ نَحْوَ: الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ مَضْرُوبُهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِجِنْسِ النَّقْدَيْنِ أَوْ عَامٌّ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ كَاللُّؤْلُؤِ وَالطِّيبِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِي وَبَالَغَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ رِكَازٌ، وَلَوْ شَكَّ أَهُوَ جَاهِلِيٌّ أَمْ لَا لِالْتِبَاسِ الْأَمَارَاتِ أَوْ لِعَدَمِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ. وَقَالَ ك: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ تَخْصِيصُهُ بِالنَّقْدَيْنِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ: (الْخُمُسُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» . عَامٌّ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي وَاجِدِهِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ وَلَوْ وُجِدَ بِنَفَقَةٍ كَثِيرَةٍ أَوْ عَمِلَ فِي تَخْلِيصِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ مُطْلَقًا وَقَرَّرَهُ ع بِذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ وَجَدَهُ فِي الْفَيَافِيِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ لِوَاجِدِهِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لَهُ اتِّفَاقًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْدِنِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِهِمَا لَا يُقَالُ لَهُ رِكَازٌ لُغَةً. [قَوْلُهُ: دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ] الْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ اصْطِلَاحُهُمْ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ أَهْلُ الْفَتْرَةِ وَمَنْ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا يُقَالُ لَهُمْ جَاهِلِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ مَالٌ جَاهِلِيٌّ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمَدْفُونَ وَغَيْرَهُ لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. [قَوْلُهُ: كَالذِّبْحِ فِي قَوْلِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الذِّبْحَ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ فِي الْآيَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُفْتَحَ دَالُهُ] إنَّمَا أَتَى بِهِ عَلَى احْتِمَالٍ يُشْعِرُ بِقُوَّةِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْكَسْرُ لِأَشْهَرِيَّتِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالزَّرْكَشِيُّ: وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا اهـ. [قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الثَّانِي] أَوْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَسَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَدَنِيًّا [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ لِقَوْلِهِ: إنَّ الْغَالِبَ إلَخْ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمَدْفُونِ لَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّكِّ رِكَازٌ [قَوْلُهُ: لِالْتِبَاسِ الْإِمَارَاتِ] عِلَّةٌ لِلشَّكِّ وَيَدْخُلُ فِي الِالْتِبَاسِ صُورَتَانِ مَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ وَانْطَمَسَتْ أَوْ عَلَيْهِ الْعَلَامَاتُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْغَالِبَ إلَخْ] عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ عِنْدَ الشَّكِّ رِكَازًا [قَوْلُهُ: مِنْ فِعْلِهِمْ] أَيْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: الْمَعْرُوفُ إلَخْ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ إلَخْ] بَلْ رَجَعَ إلَى عَدَمِ تَخْصِيصِهِ بِالنَّقْدَيْنِ، وَنَصَّ الدَّفَرِيُّ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ مَالِكٌ: مَرَّةً فِيهِ الْخُمُسُ ثُمَّ قَالَ: لَا خُمُسَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ الْخُمُسُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبِهِ أَقُولُ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ لَا خُمُسَ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ نِصَابًا، وَقَدْ وَجَّهَ الشَّارِحُ الْمَشْهُورَ وَوَجْهُ الْمُقَابِلِ أَنَّهُ عَيْنٌ فَوَجْهُ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ بِنَفَقَةٍ كَثِيرَةٍ] أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ عَمَلٍ] . أَيْ كَثِيرٍ أَيْ بِأَنْ عَمِلَ بِنَفْسِهِ وَعَبِيدِهِ، فَإِنْ قُلْت النَّقْلُ يُفِيدُ أَنَّ مَا طُلِبَ بِنَفَقَةٍ وَلَوْ قُلْت فِيهِ الزَّكَاةُ وَالشَّارِحُ اعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ شَأْنَ النَّفَقَةِ الَّتِي تُصْرَفُ فِي تَحْصِيلِ الرِّكَازِ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ] إنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ فِيهِ الْخُمُسَ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ إنْ وَجَدَهُ فِي الْفَيَافِيِ] أَيْ مَوَاتِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ: الرِّكَازُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مَا وُجِدَ مِنْهُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَفَيَافِيِ الْأَرْضِ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الصُّلْحِ فَهُوَ لِلَّذِينَ صَالَحُوا عَلَى أَرْضِهِمْ وَلَا يُخَمَّسُ، وَمَا

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: يُعْطَى الْخُمُسُ لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ يَصْرِفُهُ فِي مَحَلِّهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ تَصَدَّقَ وَاجِدُهُ بِهِ. الثَّانِي: مَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ دِفْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِعَلَامَةٍ فَهُوَ لُقَطَةٌ يُعَرَّفُ كُلَّ سَنَةٍ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ، وَمَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الْإِسْلَامِ أَوْ أَمَارَةُ الْكُفْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الدِّفْنَ وَالْكَنْزَ مِنْ شَأْنِهِمْ. الثَّالِثُ: مَا لَفَظَهُ أَيْ طَرَحَهُ الْبَحْرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى شَاطِئِهِ كَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَسَائِرِ الْحِلْيَةِ الَّتِي يُلْقِيهَا فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَلَا يُخَمَّسُ. ك: إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكُ مَعْصُومٍ فَقَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ مَا تَرَكَ بِمَضْيَعَةٍ عَجْزًا عَنْهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوُجِدَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَهُوَ لِجَمِيعِ. الْجَيْشِ وَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الْعَنْوَةِ فَهُوَ لِجَمِيعِ مَنْ افْتَتَحَهَا. زَادَ الْبَاجِيُّ وَجْهًا خَامِسًا وَهُوَ إذَا كَانَ بِأَرْضٍ مَجْهُولَةٍ قَالَ هُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَعَلَيْهِ فِيهِ الْخُمُسُ اهـ. فَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ لَهُ أَيْ وَلَوْ جَيْشًا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَالِكُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ جَيْشًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنَّهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَهُوَ مَالٌ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ فَمَوْضِعُهُ بَيْتُ الْمَالِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَمَا وُجِدَ بِأَرْضِ الصُّلْحِ إلَخْ أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ دَفَنُوهُ أَوْ دَفَنَهُ غَيْرُهُمْ، فَإِنْ وَجَدَهُ أَحَدُ الْمُصَالِحِينَ فِي دَارِهِ فَهُوَ لَهُ بِمُفْرَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُمْ لَا لَهُ [قَوْلُهُ: يَصْرِفُهُ فِي مَحَلِّهِ] الْمُرَادُ يَضَعُهُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهِ بِاجْتِهَادِهِ فَيَبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِ النَّبِيِّ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، ثُمَّ يَصْرِفُهُ لِلْمَصَالِحِ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَقُضَاةِ الدُّيُونِ وَتَزْوِيجِ الْأَعْزَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: تَصَدَّقَ وَاجِدُهُ بِهِ] قَضِيَّةُ كَوْنِ مَصْرِفِهِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ وَاجِدَهُ يَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لَا خُصُوصِ التَّصَدُّقِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ إلَخْ] لَوْ قَالَ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِعَلَامَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الْمَدْفُونَ وَغَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: يُعَرَّفُ سَنَةً] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ دِفْنِ الْمُسْلِمِينَ وَدِفْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ هَذِهِ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ مَا فَوْقَهُ التَّافِهُ، وَدُونَ الْكَثِيرِ كَالدَّلْوِ وَالدُّرَيْهِمَاتِ وَالدِّينَارِ يُعَرَّفُ أَيَّامًا هِيَ مَظِنَّةُ طَلَبِهَا وَلَا يُعَرَّفُ سَنَةً، وَأَمَّا التَّافِهُ وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ لَا يُعَرَّفُ أَصْلًا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ التَّعْرِيفِ مَا لَمْ يَتَقَادَمْ الزَّمَنُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَهْلَهَا انْقَرَضُوا وَإِلَّا فَيَكُونُ مِنْ الْمَالِ الْمَجْهُولِ رَبُّهُ وَلَا يُعَرَّفُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَمَارَةُ الْكُفْرِ] أَيْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ دِفْنِ الْكُفَّارِ] أَيْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْكَنْزَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: لَفَظَهُ] بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: أَيْ طَرَحَهُ إلَخْ] أَيْ مِنْ الَّذِي لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ كَحَرْبِيٍّ فَلَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فَبَادَرَ إلَيْهِ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ كَالصَّيْدِ يَمْلِكُهُ الْمُبَادِرُ لَهُ لَا الرَّائِي لَهُ، وَالْعَنْبَرُ رَوْثُ دَوَابِّ الْبَحْرِ أَوْ نَبْعُ عَيْنٍ فِيهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكُ مَعْصُومٍ] أَيْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْصُومِ. وَخَرَجَ بِهِ الْحَرْبِيُّ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ طَرَحَ مَتَاعَهُ خَوْفَ غَرَقِهِ أَخَذَهُ مِمَّنْ غَاصَ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ يَغْرَمُ أَجْرَهُمَا، وَقِيلَ: لَا وَيَكُونُ لِوَاجِدِهِ وَالظَّاهِرُ تَخْمِيسُهُ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَا تُرِكَ بِمَضْيَعَةٍ] أَيْ الْمَفَازَةِ الْمُنْقَطِعَةِ سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ أَسْلَمَ دَابَّتَهُ فِي سَفَرٍ آيِسًا مِنْهَا أَخَذَهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَعَاشَتْ وَعَلَى رَبِّهَا دَفْعُ كُلْفَةِ الَّذِي أَخَذَهَا كَأُجْرَةِ قِيَامِهِ عَلَيْهَا إنْ قَامَ عَلَيْهَا لِرَبِّهَا، وَقِيلَ لَا. ابْنُ رُشْدٍ مُقَيِّدًا لِلْأَوَّلِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَخَذَهُ حِفْظًا لِرَبِّهِ أَوْ تَمَلُّكًا بِظَنِّهِ تَرْكَهُ رَبُّهُ وَلَوْ أَخَذَهُ اغْتِيَالًا فَلَا حِلَّ لَهُ، وَعِبَارَةُ بَهْرَامَ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مِلْكٌ فَقِيلَ هُوَ لِمَالِكِهِ إذَا لَمْ يَتْرُكْهُ اخْتِيَارًا، وَقِيلَ لِوَاجِدِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ، وَالْخِلَافُ كَذَلِكَ فِيمَا تَرَكَهُ رَبُّهُ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ عَاجِزًا عَنْهُ فِي مَحَلِّ مَضْيَعَةٍ اهـ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا صِحَّةَ

اخْتِيَارِهِ كَعَطَبِ الْبَحْرِ أَوْ السَّلَبِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَئُونَتِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَعَطَبِ الْبَحْرِ] هُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ مُقْتَصِرًا فِيهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَيُفِيدُ تَرْجِيحَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لِرَبِّهِ لَا لِوَاجِدِهِ كَمَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: أَوْ السَّلَبِ] مَا سَلَبَهُ إنْسَانٌ مِنْهُ فَهُوَ لِرَبِّهِ وَلَيْسَ مَحَلَّ خِلَافٍ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَئُونَتِهِ] لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي عَطَبِ الْبَحْرِ لَا فِيمَا سَلَبَهُ إنْسَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ.

[باب في زكاة الماشية]

[25 - بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ] (بَابٌ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ) وَبَيَانِ نِصَابِهَا وَبَيَانِ مَا تُزَكَّى بِهِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِبَابٍ لِأَنَّهَا كَذَلِكَ وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مُخْتَلِفٌ فِيهَا، وَبَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ: (وَزَكَاةُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ وَشُرُوطُ وُجُوبِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَقُوَّةُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ مَحْصُورَةٌ فِيمَا ذَكَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ» . وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ النَّعَمِ وَالْوَحْشِ فِيهِ الزَّكَاةُ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ سُقُوطُ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُوفَةً أَوْ عَامِلَةً فِيهَا الزَّكَاةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لَا زَكَاةَ فِي الْعَامِلَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِمَنْعِ كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ فَقَدْ عَارَضَهُ عُمُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ] بَابُ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ نِصَابِهَا إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي التَّرْجَمَةِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُشِيرَ إلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ فِيهَا كَأَنْ يَقُولَ بَابٌ فِي بَيَانِ الْمَاشِيَةِ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهَا وَنِصَابُهَا وَمَا تُزَكَّى بِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَذَلِكَ وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ] أَيْ مُفْرَدَةً هَذَا مُرَادُهُ لَا مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ أَنَّهَا وَرَدَتْ مُفْرَدَةً بِبَابٍ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَدِيثِ كُتُبَهُ [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا مُخْتَلِفٌ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا ضَابِطَ مُعَيَّنٌ بِعُشْرٍ أَوْ نِصْفِهِ وَرُبْعِ عُشْرٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا] وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: تَجِبُ فِي الْخَيْلِ إذَا كَانَتْ سَائِمَةً أَوْ رَاعِيَةً ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَقَطْ مُتَّخَذَةً لِلنَّسْلِ دِينَارٌ فِي كُلِّ فَرَسٍ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ عَنْ كُلِّ مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ] قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ: رَقِيقُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَقَوْلُهُ: وَلَا فِي فَرَسِهِ الشَّامِلِ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمْعُهُ الْخَيْلُ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْفَرَسِ اسْمُ الْجِنْسِ فَلَا زَكَاةَ فِي الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا، وَخُصَّ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ تَكْلِيفَ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ لِأَنَّهُ مَا دَامَ كَافِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يُسْلِمَ، وَإِذَا أَسْلَمَ سَقَطَتْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ اهـ. [قَوْلُهُ: فِيهِ الزَّكَاةُ] ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ النَّعَمِ أَوْ لَا، وَهَذَا لِابْنِ الْقَصَّارِ وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ النَّعَمِ فَالزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ] أَيْ مَذْهَبُنَا أَيْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، فَإِنْ قُلْت فَهَلَّا فَسَّرْته بِالرَّاجِحِ إذْ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، قُلْت: الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِالْمُخَالِفِ، وَلَوْ أَرَادَ مَا ذَكَرْته لَقَابَلَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لَا زَكَاةَ فِي الْعَامِلَةِ] أَيْ وَالْمَعْلُوفَةِ وَلَعَلَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَوْلَى لَمْ يَذْكُرْهَا [قَوْلُهُ: سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ فَقَدْ عَارَضَهُ إلَخْ] لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيمِ الْمَنْطُوقِ عَلَى الْمَفْهُومِ فِي الِاحْتِجَاجِ، وَأُجِيبَ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ أَنَّ التَّقَيُّدَ بِالسَّائِمَةِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا لِلِاحْتِرَازِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَنْعَامِ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ السَّوْمُ وَالتَّقَيُّدُ إذَا كَانَ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً

«فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ، وَبَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ فُرُوضِ زَكَاةِ الْإِبِلِ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ وَفُرُوضُ زَكَاتِهَا إحْدَى عَشَرَةَ فَرِيضَةً أَرْبَعَةٌ مِنْهَا الْمَأْخُوذُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَهُوَ الْغَنَمُ، وَيُسَمَّى الْمُزَكَّى بِهَا شَنَقًا بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ، وَسَبْعَةٌ الزَّكَاةُ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا. وَقَدْ أَشَارَ إلَى أُولَى الْأَرْبَعَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْإِبِلِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ فِي آخِرِهِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا. (وَهِيَ) أَيْ الْخَمْسُ ذَوْدٍ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْعَدَدَ (فَ) الْوَاجِبُ (فِيهَا شَاةٌ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ) وَهُمَا مَا أَوْفَى سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ (مِنْ جُلِّ غَنَمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ) فَإِنْ كَانَ جُلُّ غَنَمِهَا الضَّأْنَ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْزَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاةِ الْمَأْخُوذَةِ أَنْ تَكُونَ أُنْثَى، وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ ظَاهِرَ قَوْلِ الشَّيْخِ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ، وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْخَمْسِ بَعِيرًا بَدَلًا مِنْ الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ بِأَكْثَرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَغَايَةُ أَخْذِ الشَّاةِ (إلَى تِسْعٍ) فَالْخَمْسُ فَرْضٌ وَالْأَرْبَعَةُ وَقَصٌ وَهِيَ أَقَلُّ أَوْقَاصِ الْإِبِلِ. ك: اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّاةِ هَلْ هِيَ مَأْخُوذَةٌ عَنْ الْخَمْسِ خَاصَّةً وَالْأَرْبَعَةُ الزَّائِدَةُ لَا شَيْءَ فِيهَا أَوْ هِيَ. مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَمِيعِ وَأَنَّ الْأَوْقَاصَ مُزَكَّاةٌ أَيْضًا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ انْتَهَى. وَقَالَ ع: وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ إلَى تِسْعٍ أَنَّ الْأَوْقَاصَ تُزَكَّى بَلْ الشَّاةُ وَجَبَتْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْإِجْمَاعِ [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً إلَخْ] كَذَا فِي بَهْرَامَ. وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ كُلِّ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. [قَوْلُهُ: اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ] أَيْ إذْ فُعِلَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ الْمَكْتُوبِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ [قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى الْمُزَكَّى بِهَا شَنَقًا] أَيْ يُسَمَّى الْمُزَكَّى مِنْ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ شَنَقًا. قَالَ عِيَاضٌ: الشَّنَقُ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِمَا يُزَكَّى مِنْ الْإِبِلِ بِالْغَنَمِ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِمَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ كَالْأَوْقَاصِ اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ: يُسَمَّى شَنَقًا لِكَوْنِهِ أُشْنِقَ إلَى غَيْرِهِ أَيْ أُضِيفَ أَيْ أُضِيفَتْ الْإِبِلُ إلَى الْغَنَمِ فَزُكِّيَتْ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: إنَّمَا سُمِّيَ شَنَقًا لِأَنَّ السَّاعِيَ يُكَلِّفُ رَبَّ الْمَالِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَيُشَدِّدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ اهـ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَبِالنُّونِ عَطْفٌ عَلَى بِفَتْحِ الشِّينِ فَلَا يُفِيدُ فَتْحَ النُّونِ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا] وَرِوَايَةُ الْإِضَافَةِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ وَنَقَلَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْقَاضِي عَنْ الْجُمْهُورِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: تَقُولُ ثَلَاثُ ذَوْدٍ مَحْذُوفُ التَّاءِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الذَّوْدَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا مُفْرَدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ اهـ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الذَّوْدُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى عَشَرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهُمَا مَا أَوْفَى سَنَةً إلَخْ] إلَّا أَنَّ الشَّاةَ الْجَذَعَةَ مَا أَوْفَتْ سَنَةً وَشَرَعَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَالثَّنِيَّةُ مَا أَوْفَتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا، وَالتَّاءُ فِيهِمَا لِلْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِجْزَاءِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ جُلُّ غَنَمِهَا الضَّأْنَ أُخِذَتْ مِنْهُ] وَلَا نَظَرَ لِغَنَمِ الْمَالِكِ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمَعْزَ أُخِذَتْ مِنْهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ وَأَخْرَجَ ضَائِنَةً فَيُجْزِئُ لِأَنَّ الضَّائِنَةَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا طُلِبَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ تَسَاوَيَا أُخْرِجَتْ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنْ عُدِمَ بِمَحَلِّهِ الصِّنْفَانِ طُولِبَ بِكَسْبِ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَاشْتَرَطَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ إلَخْ] تَقَدَّمَ أَنَّ التَّاءَ فِيهِمَا لِلْوَحْدَةِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْخَمْسِ إلَخْ] هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ الْقَرَوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، وَمَحَلُّ الْقَوْلِ بِالْإِجْزَاءِ حَيْثُ سَاوَتْ قِيمَتُهُ قِيمَةَ الشَّاةِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ الْبَعِيرُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ شَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ] أَيْ إعَانَةٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَمِيعِ] وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي خَلِيطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ. [قَوْلُهُ: إنَّ ظَاهِرَ إلَخْ] أَمَّا كَوْنُهُ ظَاهِرًا لَاغِيًا فَمُسَلَّمٌ فَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إلَخْ. غَيْرُ ظَاهِرٍ نَعَمْ لَوْ

خَمْسٍ وَلَا شَيْءَ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا إلَى الْعَشَرَةِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَوْقَاصِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَقِيَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَرَائِضَ الْمَأْخُوذِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ فِي الْعَشَرِ شَاتَانِ إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ شِيَاهٍ إلَى تِسْعَةَ عَشَرَ فَإِذَا كَانَتْ عِشْرُونَ فَأَرْبَعُ شِيَاهٍ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ) فَالْوَقَصُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوضِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، ثُمَّ شَرَعَ فِي السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَقَالَ: (ثُمَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَهِيَ بِنْتُ سَنَتَيْنِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَمَّلَتْ سَنَتَيْنِ وَالْمَنْصُوصُ لِغَيْرِهِ مَا أَوْفَتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ، وَسُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ لِأَنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ أَيْ حَامِلٌ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَحْمِلُ سَنَةً وَتُرَبِّي سَنَةً (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) بِنْتُ مَخَاضٍ مَوْجُودَةً (فِيهَا) أَيْ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ خَالِصَةً (فَ) الْمَأْخُوذُ حِينَئِذٍ (ابْنُ لَبُونٍ) وَهُوَ مَا أَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ. وَقَوْلُهُ: (ذَكَرٌ) تَأْكِيدٌ (فَإِنْ عُدِمَا) أَيْ بِنْتُ مَخَاضٍ وَابْنُ لَبُونٍ (كَلَّفَهُ السَّاعِي بِنْتَ مَخَاضٍ) وَغَايَةُ أَخْذِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ ابْنِ لَبُونٍ (إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ) مِنْهَا فَالْوَقَصُ فِي هَذِهِ عَشَرَةٌ (ثُمَّ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ) مِنْهَا (بِنْتُ لَبُونٍ وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِ سِنِينَ) لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهُ مَا أَوْفَتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا ذَاتُ لَبَنٍ وَغَايَةُ أَخْذِهَا (إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ) فَالْوَقَصُ تِسْعَةٌ (ثُمَّ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ عَلَى ظَهْرِهَا الْحَمْلُ وَيَطْرُقُهَا الْفَحْلُ) أَيْ اُسْتُحِقَّ أَنْ تُرْكَبَ وَيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْفَحْلُ، وَالْحَمْلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ فِي الِاسْمِ وَبِفَتْحِهَا فِي الْمَصْدَرِ قَالَ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] . (وَهِيَ) أَيْ الْحِقَّةُ (بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ) مُرَادُهُ مَا أَكْمَلَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ، وَغَايَةُ أَخْذِهَا (إلَى سِتِّينَ) فَالْوَقَصُ فِي هَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (فِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةً وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ) مُرَادُهُ أَيْضًا مَا أَكْمَلَتْ أَرْبَعَةً وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَجْذَعُ سِنَّهَا أَيْ تُسْقِطُهُ وَهِيَ آخِرُ أَسْنَانِ مَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْإِبِلِ، وَغَايَةُ أَخْذِهَا (إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ) فَالْوَقَصُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا (ثُمَّ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ) فَالْوَقَصُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا (ثُمَّ فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ) فَالْوَقَصُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ، فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ أَوْقَاصَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنَّفِ إلَّا أَنَّ الْفِقْهَ خِلَافُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ عِشْرُونَ] هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَامَّةٌ، وَفِي نُسْخَةٍ عِشْرِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ [قَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ بِنْتَ مَخَاضٍ. . . إلَخْ] وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتَ مَخَاضٍ أَيْ أَوْ وُجِدَتْ لَكِنْ مَعِيبَةً [قَوْلُهُ: وَالْمَأْخُوذُ حِينَئِذٍ] أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ] أَيْ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ ابْنٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّخْصِيصُ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يُطْلَقُ ابْنٌ عَلَى ذَكَرِهِ وَأُنْثَاهُ كَابْنِ عِرْسٍ وَابْنِ آوَى لِضَرْبٍ مِنْ الْحَيَّاتِ. [قَوْلُهُ: كَلَّفَهُ السَّاعِي بِنْتَ مَخَاضٍ] أَيْ أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ فَجُعِلَ حُكْمُ عَدَمِ الصِّنْفَيْنِ كَحُكْمِ وُجُودِهِمَا، فَإِنْ أَتَاهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِابْنٍ لَبُونٍ ذَكَرٍ فَذَلِكَ إلَى السَّاعِي إنْ رَأَى أَخْذَهُ نَظَرًا جَازَ وَإِلَّا لَزِمَهُ بِنْتُ الْمَخَاضِ، وَلَوْ لَمْ يُلْزِمْ السَّاعِي صَاحِبَ الْإِبِلِ بِنْتَ الْمَخَاضِ حَتَّى أَتَاهُ بِابْنِ اللَّبُونِ أُجْبِرَ عَلَى قَبُولِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهَا ابْتِدَاءً [قَوْلُهُ: بِنْتُ لَبُونٍ] فَلَوْ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ أَوْ وُجِدَتْ مَعِيبَةً لَمْ يُؤْخَذْ عَنْهَا حَقٌّ بِخِلَافِ ابْنِ اللَّبُونِ فَيُؤْخَذُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ يَمْتَنِعُ عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ وَيَرِدُ الْمَاءَ وَيَرْعَى الشَّجَرَ فَعَادَلَتْ هَذِهِ الْفَصِيلَةُ فَصِيلَةَ بِنْتِ الْمَخَاضِ. وَالْحَقُّ لَا يَخْتَصُّ بِمَنْفَعَةٍ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا حَقٌّ هَذَا مَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الَّتِي يَصْلُحُ عَلَى ظَهْرِهَا الْحَمْلُ] فَلَوْ دَفَعَ عَنْهَا بِنْتَيْ لَبُونٍ لَمْ يَجْزِيَا عَنْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَلَوْ عَادَلَتْ قِيمَتُهُمَا قِيمَتَهَا [قَوْلُهُ: أَيْ اُسْتُحِقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يَصْلُحَ عَلَى ظَهْرِهَا الْحَمْلُ، وَلَا دَاعِيَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إذْ إبْقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ صَحِيحٌ. [قَوْلُهُ: وَبِفَتْحِهَا فِي الْمَصْدَرِ] أَيْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: أَيْ تَسْقُطُ سِنُّهَا] وَتَنْبُتُ غَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى خَمْسِ

الْإِبِلِ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ (فَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ (فَ) الْوَاجِبُ (فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) . ثُمَّ ثَنَّى بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْبَقَرَةِ وَنِصَابُهَا ثَلَاثُونَ وَأَرْبَعُونَ وَمَا زَادَ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ وَمَا يُزَكَّى بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ مِنْ الْبَقَرِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ) بَقَرَةً (فَإِذَا بَلَغَتْهَا) أَيْ الثَّلَاثِينَ (فَفِيهَا تَبِيعٌ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ، وَقِيلَ: يَتْبَعُ قَرْنَاهُ أُذُنَيْهِ وَتَسَاوَى بِهِمَا (عِجْلٌ جَذَعٌ) ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الذَّكَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي سِنِّهِ مِنْ أَنَّهُ مَا (قَدْ أَوْفَى سَنَتَيْنِ) هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ مَا أَوْفَى سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ (ثُمَّ كَذَلِكَ) يَسْتَمِرُّ أَخْذُ التَّبِيعِ (حَتَّى تَبْلُغَ) الْبَقَرُ عِنْدَ الْمُزَكِّي (أَرْبَعِينَ) بَقَرَةً فَإِذَا بَلَغَتْهَا أَيْ الْأَرْبَعِينَ فَحِينَئِذٍ يَنْقَطِعُ تَزْكِيَتُهَا بِالتَّبِيعِ وَ (يَكُونُ فِيهَا مُسِنَّةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، ثُمَّ بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ فَعَلَى هَذَا الْغَايَةُ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي الْمُغَيَّا، وَقَوْلُهُ: (وَلَا تُؤْخَذُ إلَّا أُنْثَى) زِيَادَةُ بَيَانٍ، فَإِنْ فُقِدَتْ الْمُسِنَّةُ مِنْ الْبَقَرِ أُجْبِرَ رَبُّهَا عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا إلَّا أَنْ يُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْهَا (وَهِيَ) أَيْ الْمُسِنَّةُ (بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا مَا أَوْفَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ كَلَامَهُ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا أَوْفَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا وَابْنِ شَعْبَانَ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَاتِبَ] أَرْبَعَةٌ وَهُوَ أَقَلُّهَا وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ فُرُوضٍ، وَتِسْعَةٌ، وَذَلِكَ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَشَرَةٌ، وَذَلِكَ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ أَيْضًا، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَةَ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ فُرُوضٍ، وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ أَكْثَرُهَا وَذَلِكَ فِي فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ تَحْقِيقٌ. [قَوْلُهُ: فَمَا زَادَ] أَيْ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ وَاحِدَةً عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ يَتَغَيَّرُ بِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ وَاحِدَةً هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَجِبُ عِنْدَهُ فِي الْمِائَةِ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِلسَّاعِي، وَاَلَّذِي ارْتَضَاهُ مَالِكٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الْوَاجِبُ هِيَ زِيَادَةُ الْعَشْرَاتِ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَأَمَّا زِيَادَةُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَالسَّاعِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ أَوْجَبَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ حِقَّتَيْنِ فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُطْلَقِ الزِّيَادَةِ فَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ بِزِيَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُؤْخَذُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ تَبَعًا لِابْنِ شِهَابٍ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ لِلسَّاعِي أَوْ زِيَادَةِ الْعَشَرَاتِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فَلَا يَنْتَقِلُ الْفَرْضُ حَتَّى يَصِيرَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ، فَالْوَاجِبُ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، الْحِقَّةُ فِي خَمْسِينَ وَبِنْتَا لَبُونٍ فِي الثَّمَانِينَ، ثُمَّ إذَا زَادَتْ عَشَرَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ. فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَسِتِّينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَسَبْعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَةً وَثَمَانِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَهَكَذَا فَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى حِقَّتَيْنِ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَعَلَى حِقَّةٍ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ فِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ فَلَا يُنَافِي وُجُودَ تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَتَسَاوَى بِهِمَا] الْمُنَاسِبُ وَتُسَاوِيهِمَا وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطِ الذَّكَرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْمَشْهُورُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ صَرَّحَ بِهِ الْجَلَّابُ وَالتَّلْقِينُ وَالْمَوَّاقُ وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَخْذُ التَّبِيعَةِ الْأُنْثَى كَرْهًا وُجِدَا عِنْدَ الْمُزَكِّي أَوْ وُجِدَتْ التَّبِيعَةُ عِنْدَهُ فَقَطْ لِمَا وَرَدَ مِنْ الرِّفْقِ بِأَرْبَابِ الْمَوَاشِي. [قَوْلُهُ: وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْهَا] وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا] فَيَكُونُ لِابْنِ حَبِيبٍ قَوْلَانِ [قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: زَالَتْ ثَنَايَاهَا] خَبَرٌ عَنْ مَعْنًى إلَخْ وَهُمَا السِّنْتَانِ

(وَهِيَ ثَنِيَّةٌ) زَالَتْ ثَنَايَاهَا وَالنِّصَابُ الثَّالِثُ وَمَا يُزَكَّى بِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَمَا زَادَ) أَيْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بَقَرَةً (فَ) الْوَاجِبُ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ) بَقَرَةٌ (مُسِنَّةٌ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ) بَقَرَةٌ (تَبِيعٌ) ع: يُرِيدُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنْ زَادَتْ خَمْسَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِيهَا ثَمَنُ مُسِنَّةٍ وَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ فَلَا شَيْءَ فِي الْعَشَرَةِ عِنْدَنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِيهَا مُسِنَّةٌ وَرُبْعُ مُسِنَّةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ، وَإِنْ بَلَغَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْ ثَمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ فَعَلَى هَذَا يَجْرِي قَوْلُهُ فَمَا زَادَ إلَخْ. ثُمَّ ثَلَّثَ بِالْكَلَامِ عَلَى زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَفُرُوضُهَا أَرْبَعَةٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَى أُولَاهَا وَمَا تَزَكَّى بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ حَتَّى تَبْلُغَ) أَيْ تُكَمِّلَ (أَرْبَعِينَ شَاةً فَإِذَا بَلَغَتْهَا) أَيْ كَمَّلَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً (فَ) الْوَاجِبُ (فِيهَا) حِينَئِذٍ (شَاةٌ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمَا فِي زَكَاةِ نِصَابِ الْإِبِلِ، وَيَسْتَمِرُّ أَخْذُ الشَّاةِ (إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ) فَالْوَقَصُ ثَمَانُونَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ وَغَايَتُهَا وَمَا تُزَكَّى بِهِ، فَقَالَ: (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَيْ كَمَلَتْ الْغَنَمُ عِنْدَ الْمُزَكِّي (إحْدَى وَعِشْرِينَ) شَاةً (وَمِائَةً) أَيْ مِائَةَ شَاةٍ (فَ) الْوَاجِبُ (فِيهَا) حِينَئِذٍ (شَاتَانِ) يَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إلَى مِائَتَيْ شَاةٍ) فَالْوَقَصُ هُنَا تِسْعَةٌ وَسَبْعُونَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرِيضَةِ الثَّالِثَةِ وَغَايَتِهَا وَمَا تُزَكَّى بِهِ فَقَالَ: (فَإِذَا زَادَتْ) عَلَى الْمِائَتَيْنِ (وَاحِدَةً) فَأَكْثَرَ (فَ) الْوَاجِبُ (فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) وَالْوَقَصُ فِيهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْفَرِيضَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ زَادَ) عَدَدُ الْغَنَمِ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْمِئِينَ (فَ) الْوَاجِبُ (فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ) قَالَ فِي الْجَلَّابِ: فَمَا زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْنِي بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَفِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْأَرْبَعِمِائَةِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي الْخَمْسِمِائَةِ خَمْسُ شِيَاهٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ الْعِبْرَةُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمِئَاتِ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ: كَذَا فِي ك وَفِي ع بَدَّلَ الْحَسَنُ النَّخَعِيُّ مَبْدَأَ الْمِائَةِ إذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّتَانِ مِنْ الْمُقَدَّمِ فَوْقُ وَتَحْتُ. وَاَلَّتِي بِجِوَارِهِمَا فَوْقُ وَتَحْتُ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ يُقَالُ لَهَا رُبَاعِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ] وَذَلِكَ نَحْوُ سَبْعِينَ فَإِنَّ فِيهَا مُسِنَّةً وَتَبِيعًا فَإِنْ زَادَتْ عَشْرَةً فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغَتْ إلَخْ] فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةً فَفِيهَا تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةً فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَشْرَةً بِأَنْ صَارَتْ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَيُخَيَّرُ السَّاعِي بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثِ مُسِنَّاتٍ إنْ وُجِدَا أَوْ فُقِدَا، وَتَعَيَّنَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا كَمَا يُخَيَّرُ فِي مِائَتَيْ الْإِبِلِ فِي أَخْذِ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا] هَذَا جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَالتَّقْدِيرُ إذَا قَرَّرْت لَك مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ السَّبْعِينَ فِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ وَالثَّمَانِينَ فِيهَا مُسِنَّتَانِ وَهَكَذَا كَمَا قَرَّرْته لَك سَابِقًا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ فَمَا زَادَ إلَخْ يَجْرِي عَلَيْهِ أَيْ هُوَ ضَابِطٌ لَهُ وَهَذَا آخِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ] وَلَوْ مَعْزًا وَالشَّاةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ. فَقَوْلُهُ: جَذَعَةٌ أَيْ سِنُّهَا سِنُّ الْجَذَعَةِ أَوْ الثَّنِيَّةِ لَا خُصُوصِ الْأُنْثَى قَالَهُ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ] الْغَايَةُ دَاخِلَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِذَا زَادَ إلَخْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ أَخْذِ الثَّلَاثِ شِيَاهٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ [قَوْلُهُ: وَالْوَقَصُ فِيهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ إلَخْ] ضَعِيفٌ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَقَصَ مِائَتَانِ غَيْرَ شَاتَيْنِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ كَذَلِكَ] خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ: الْعِبْرَةُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمِئَاتِ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَالتَّقْدِيرُ ثُمَّ الْعِبْرَةُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمِئَاتِ كَذَلِكَ أَيْ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْجَلَّابِ تَحْقِيقًا كَمَا رَأَيْته. [قَوْلُهُ: مَبْدَأُ الْمِائَةِ] كَذَا فِي نُسَخٍ وَقَفْنَا عَلَيْهَا مِنْ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَمْ أَجِدْ تِلْكَ اللَّفْظَةَ فِي كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ وَهُوَ مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ مَبْدَأُ الْوُجُوبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمِائَةِ الرَّابِعَةِ كَائِنٌ إذَا زَادَتْ الْغَنَمُ

شِيَاهٍ. ك: نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ وَمَا قَالَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ، وَفِيهِ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ، وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ فُرُوضِ الْمَاشِيَةِ الثَّلَاثِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حُكْمَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فَقَالَ: (وَلَا زَكَاةَ فِي الْأَوْقَاصِ) جَمْعُ وَقَصٍ بِتَسْكِينِ الْقَافِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا قَالَ سَنَدٌ. وَقَالَ ق: وَقَصٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَمَنْ رَوَاهُ بِالسُّكُونِ فَهُوَ خَطَأٌ (وَهُوَ) لُغَةً مِنْ وَقْصِ الْعُنُقِ الَّذِي هُوَ الْقَصْرُ لِقُصُورِهِ عَنْ النِّصَابِ وَاصْطِلَاحًا هُوَ (مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ) فِي كَلَامِهِ مُشَاحَّةٌ لَفْظِيَّةٌ تُعْرَفُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَمَا ذَكَرَهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ وَالْمَشْهُورُ الْآخَرُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْخُلْطَةِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِوَاحِدٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْآخَرِ تِسْعَةٌ فَيُخْلَطَانِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ زَكَاةِ الْأَوْقَاصِ يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ التِّسْعَةِ شَاةٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِزَكَاتِهَا يَكُونُ عَلَيْهِمَا شَاتَانِ يَقْسِمَانِهِمَا عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءًا عَلَى صَاحِبِ التِّسْعَةِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةُ أَجْزَاءٍ. تَنْبِيهٌ: أُورِدَ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَكُلُّ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَوْقَاصَ تُزَكَّى أُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا زَكَاةَ فِي الْأَوْقَاصِ يَعْنِي عَلَى الِانْفِرَادِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ عَلَى الِاجْتِمَاعِ. (وَيُجْمَعُ الضَّأْنُ) بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ وَاحِدَةُ ضَائِنٍ وَيُقَالُ أَيْضًا فِي الْجَمْعِ ضَئِينٌ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ وَجَمْعُهَا ضَوَائِنُ وَهِيَ ذَاتُ الصُّوفِ. (وَالْمَعْزُ) وَهِيَ ذَاتُ الشَّعْرِ (فِي الزَّكَاةِ) إجْمَاعًا عَلَى مَا نَقَلَ بَعْضُهُمْ وَعَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى مَا نَقَلَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ جَمَعَهُمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ شَاةٌ» . (وَ) كَذَلِكَ تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ (الْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ) اتِّفَاقًا لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ جَمَعَهُمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ» . (وَ) كَذَلِكَ تُجْمَعُ فِي الزَّكَاةِ اتِّفَاقًا. (الْبُخْتُ) وَهِيَ إبِلُ خُرَاسَانَ ضَخْمَةٌ مَائِلَةٌ إلَى الْقِصَرِ لَهَا سَنَامَانِ (وَالْعِرَابُ) وَهِيَ إبِلُ الْعَرَبِ الْمَعْهُودَةِ إذْ لَفْظُ الْإِبِلِ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِي كُلِّ خَمْسٍ أَيْ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةً عَلَى الثَّلَاثِمِائَةِ فَيَكُونُ فِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: ك نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ] عِبَارَةُ الْفَاكِهَانِيِّ هَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ بِهِ، وَقَدْ شَذَّ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ فَقَالَ: إذَا زَادَتْ الْغَنَمُ وَاحِدَةً عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ مَا ذُكِرَ عَنْهُ هُنَا. [قَوْلُهُ: انْتَهَى] أَيْ كَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ رَوَاهُ بِالسُّكُونِ فَهُوَ خَطَأٌ] يَرُدُّهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: الْوَقَصُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْقَافُ قَوْلُهُ: مِنْ وَقْصِ الْعُنُقِ أَيْ مَنْقُولٌ اسْمُهُ مِنْ اسْمِ وَقْصِ الْعُنُقِ [قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ إلَخْ] لِلِاحْتِرَازِ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِمَّا يُزَكَّى كَالْحَرْثِ وَالْعَيْنِ لَا وَقَصَ فِيهَا. [قَوْلُهُ: فِي كَلَامِهِ مُشَاحَّةٌ] لِأَنَّ الْأَنْسَبَ أَنْ يَقُولَ: وَهِيَ أَيْ الْأَوْقَاصُ، وَأَجَابَ تت بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُفْرَدِ لَا لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: إنَّ عُدُولَ الْمُصَنِّفِ لِتَفْسِيرِ الْمُفْرَدِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ وَقَصٌ لَا أَوْقَاصٌ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ الْآخَرُ فِيهِ الزَّكَاةُ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الضَّادِ] أَيْ فَهُوَ عَلَى وَزْنِ كَرِيمٍ [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا عَلَى مَا نَقَلَ بَعْضُهُمْ] أَيْ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُجْمَعُ فَشَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ كَذَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَقُولُ: فَحِينَئِذٍ مَنْ عَبَّرَ بِالْمَشْهُورِ الْتَفَتَ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: ضَخْمَةٌ] أَيْ عَظِيمَةُ الْجُنَّةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: ضَخُمَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ ضَخْمًا وَزَانُ عِنَبٍ وَضَخَامَةِ عَظْمٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَامْرَأَةٌ ضَخْمَةٌ وَالْجَمْعُ ضَخْمَاتٌ بِالسُّكُونِ [قَوْلُهُ: الْمَعْهُودَةُ] صِفَةٌ لِإِبِلِ أَيْ الْمَعْلُومَةُ [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ بَقِيَّةَ

تَنْبِيهٌ: لَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ صِفَةَ الْأَخْذِ حَالَةَ الْجَمْعِ، فَنَقُولُ: إنْ وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ وَتَسَاوَى النَّوْعَانِ كَعِشْرِينَ ضَائِنَةً وَمِثْلِهَا مَعْزًا خُيِّرَ السَّاعِي فِي أَخْذِ وَاحِدَةٍ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ، وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا كَعِشْرِينَ ضَائِنَةً وَثَلَاثِينَ مَعْزًا أَوْ الْعَكْسِ أَخَذَ الشَّاةَ مِنْ الْأَكْثَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَانْظُرْ بَقِيَّةَ الْأَقْسَامِ وَهِيَ مَا إذَا وَجَبَتْ اثْنَتَانِ فَأَكْثَرُ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْخُلْطَةِ وَهِيَ جَعْلُ مَالَيْنِ لِاثْنَيْنِ مَثَلًا مَالًا وَاحِدًا بَعْدَ حُصُولِ النِّصَابِ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. فَقَالَ: (وَكُلُّ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) عَلَى عَدَدِ الْمَاشِيَةِ، فَاَلَّذِي تُوجِبُهُ الْخُلْطَةُ الْمُجْتَمَعُ فِيهَا الشُّرُوطُ الْآتِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِكَيْنِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَالِكِ الْوَاحِدِ فِي الْقَدْرِ وَالسِّنِّ وَالصِّنْفِ مِثَالُ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا، وَمِثَالُ الثَّانِي اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمَا جَذَعَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا، وَمِثَالُ الثَّالِثِ اثْنَانِ لِوَاحِدٍ ثَمَانُونَ مِنْ الضَّأْنِ وَلِآخَرَ أَرْبَعُونَ مِنْ الْمَعْزِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ مِنْ الضَّأْنِ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَاهَا وَعَلَى الْآخَرِ الثُّلُثُ. وَفَائِدَةُ الْخُلْطَةِ التَّخْفِيفُ وَقَدْ تُفِيدُ التَّثْقِيلَ وَقَدْ لَا تُفِيدُهُمَا، وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْمَالِكَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْسَامِ إلَخْ] فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ ضَائِنَةً وَمِثْلُهَا مَعْزًا أُخِذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ شَاةٌ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا حَيْثُ كَانَ الْأَقَلُّ نِصَابًا وَهُوَ غَيْرُ وَقَصٍ كَمِائَةِ ضَائِنَةٍ وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا أَوْ بِالْعَكْسِ، فَلَوْ كَانَ الْأَقَلُّ نِصَابًا وَلَكِنَّهُ وَقَصٌ كَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ضَائِنَةً وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا أَوْ بِالْعَكْسِ أُخِذَتْ الشَّاتَانِ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَأَوْلَى لَوْ كَانَ الْأَقَلُّ دُونَ نِصَابٍ وَهُوَ وَقَصٌ. وَأَمَّا لَوْ وَجَبَتْ ثَلَاثٌ فَإِنْ تَسَاوَى الصِّنْفَانِ كَمِائَةٍ وَشَاةٍ مِنْ الضَّأْنِ وَمِثْلُهَا مِنْ الْمَعْزِ أُخِذَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ شَاةٌ وَخُيِّرَ السَّاعِي فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا، فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ نِصَابًا وَهُوَ غَيْرُ وَقَصٍ كَمِائَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مَعْزًا وَأَرْبَعِينَ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ أُخِذَتْ شَاةٌ مِنْهُ، وَالْبَاقِي مِنْ الْأَكْثَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَدَدُ الزَّكَاةِ كَمِائَتَيْنِ وَشَاةً ضَأْنًا وَثَلَاثِينَ مَعْزًا، أَوْ كَانَ فِيهِ عَدَدُ الزَّكَاةِ وَهُوَ وَقَصٌ كَمِائَتَيْنِ وَشَاةً ضَائِنَةً وَأَرْبَعِينَ مَعْزًا أَوْ بِالْعَكْسِ أُخِذَ الثَّلَاثُ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَإِنْ وَجَبَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ شَاةً وَالْمِائَةُ الْمُلَفَّقَةُ مِنْ الصِّنْفَيْنِ يَأْخُذُ وَاجِبَهَا مِنْ أَيِّهِمَا عِنْدَ التَّسَاوِي وَمِنْ أَكْثَرِهِمَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ حُصُولِ النِّصَابِ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا] لَا يَخْفَى أَنَّ حُصُولَ النِّصَابِ فِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ تَزْكِيَتُهُمَا عَلَى مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُتَمَّمَ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ] أَيْ يَتَرَاجَعَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» اهـ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى عَدَدِ الْمَاشِيَةِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: بِالسَّوِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الْمَاشِيَةِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ كَزَيْدٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ عَمْرٍو، وَإِذَا أَخَذَ مِنْ عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَلِلْآخَرِ سِتٌّ فَيُقَسِّمُ الثَّلَاثَ شِيَاهٍ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ خَمْسٌ، فَعَلَى صَاحِبِ التِّسْعَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثَّلَاثَةِ وَعَلَى صَاحِبِ السِّتَّةِ خُمُسَاهَا، وَكَمَا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا تِسْعٌ وَلِلْآخَرِ خَمْسٌ فَإِنْ أَخَذَ الشَّاتَيْنِ مِنْ صَاحِبِ التِّسْعَةِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِخَمْسَةِ أَسْبَاعٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ سُبُعًا مِنْ قِيمَةِ الشَّاتَيْنِ، أَوْ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِتِسْعَةِ أَسْبَاعٍ مِنْ قِيمَةِ الشَّاتَيْنِ بَعْدَ جَعْلِهِمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ سُبُعًا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً رَجَعَ صَاحِبُ الْخَمْسَةِ عَلَى صَاحِبِهِ بِسَبْعِينَ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ الَّتِي أَخَذَهَا السَّاعِي، وَكُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَزْكِيَةِ الْأَوْقَاصِ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ، وَفِي التَّقْوِيمِ يَوْمَ أَخَذَ السَّاعِي أَيْ يَوْمَ الْوَفَاءِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَاسْتُظْهِرَ فِي التَّوْضِيحِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ أَنَّ الْقِيمَةَ تَعْتَبِرُ أَخْذَ السَّاعِي. [قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ الْخُلْطَةِ التَّخْفِيفُ] كَمَا إذَا كَانَ لِكُلٍّ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَالَةَ الِانْفِرَادِ شَاةً وَعَلَيْهِمَا مَعًا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ.

كَالْمَالِكِ الْوَاحِدِ شُرُوطٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَك وَاحِدٌ نِصَابٌ فَأَكْثَرُ حَالَ حَوْلُهُ. وَإِلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا زَكَاةَ عَلَى مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حِصَّتُهُ عَدَدَ الزَّكَاةِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَا مُخَاطَبَيْنِ بِالزَّكَاةِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا زَكَّى زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ، وَمِنْهَا أَنْ يَتَّحِدَ الْفَحْلُ وَالرَّاعِي وَالْمُرَاحُ وَالْمَرْعَى وَالدَّلْوُ وَالْمَبِيتُ وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا بَلْ يَكْفِي أَكْثَرُهَا. وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ خُلْطَتُهُمَا لِلِارْتِفَاقِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ) الزِّيَادَةِ فِي (الصَّدَقَةِ) وَلَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَدْ تُفِيدُ التَّثْقِيلَ إلَخْ] أَيْ كَمَا إذَا كَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ، فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ شَاةً فَقَطْ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِمَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ لَا تُفِيدُهُمَا أَيْ كَمَا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَالَةَ الِانْفِرَادِ وَاحِدَةً وَكَذَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصَابٌ فَأَكْثَرُ حَالَ حَوْلُهُ] أَيْ وَلَوْ وَقَعَتْ الْخُلْطَةُ أَثْنَاءَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا زَكَاةٌ، وَلَوْ حَلَّ حَوْلُ مَاشِيَةِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ زَكَّى مَنْ حَلَّ حَوْلُ مَاشِيَتِهِ زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لَا عَلَى الْخُلْطَةِ، فَمَا نَابَهُ أَدَّاهُ وَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَا مُخَاطَبَيْنِ إلَخْ] وَمِنْهَا النِّيَّةُ أَيْ نِيَّةُ الْخُلْطَةِ لِأَنَّهَا تُوجِبُ تَغْيِيرَ الْحُكْمِ فَتَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ، وَمِنْهَا اتِّحَادُ نَوْعِهَا بِأَنْ يَجُوزَ جَمْعُهُمَا فِي الزَّكَاةِ لَا بَقَرَ مَعَ غَنَمٍ أَوْ إبِلٍ، وَإِنْ كَانَ الْفَحْلُ وَاحِدًا اُشْتُرِطَ اتِّحَادُ الصِّنْفِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا] كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا حُرًّا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا أَنْ يَتَّحِدَ إلَخْ] قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمُوجِبُهَا أَيْ بِكَسْرِ الْجِيمِ خَمْسَةٌ الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالدَّلْوُ وَالْمُرَاحُ وَالْمَبِيتُ، وَعَبَّرَ عَنْ الدَّلْوِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمَاءٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَخَلِيلًا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَعَدَّهَا الشَّارِحُ سِتَّةً بِزِيَادَةِ الْمَرْعَى تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ وَنَحْنُ خَلِيلِيُّونَ فَنَتْبَعُ الْعَلَّامَةَ خَلِيلًا وَابْنَ الْحَاجِبِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَتَّحِدَ الْفَحْلُ] أَيْ بِأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مُشْتَرَكًا أَوْ مُخْتَصًّا بِأَحَدِهِمَا. يُضْرَبُ فِي الْجَمِيعِ أَيْ أَوْ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ فَحْلُهَا، وَيُضْرَبُ فِي الْجَمِيعِ أَيْضًا لِحُصُولِ الِاجْتِمَاعِ فِيهِ بِرِفْقِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَقَوْلُهُ: وَالرَّاعِي أَيْ بِأَنْ يَكُونَ وَاحِدٌ يَرْعَى الْجَمِيعَ أَيْ أَوْ لِكُلِّ مَاشِيَةٍ رَاعٍ، وَيَتَعَاوَنَانِ بِالنَّهَارِ عَلَى جَمِيعِهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِينَ لَهُمَا أَوْ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْمَدَارُ عَلَى التَّعَاوُنِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَاحُ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ الْمَاشِيَةِ بِالْقَائِلَةِ اتَّحَدَ أَيْ أَوْ تَعَدَّدَ وَاحْتَاجَتْ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَالدَّلْوُ] أَيْ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي الْمَاءِ بِمِلْكٍ لَهُمَا أَوْ مَنْفَعَةٍ وَمَعْنَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْمَاءِ بِالْمَنْفَعَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَا بِئْرًا عَلَى أَخْذِ قَدْرٍ مَعْلُومٍ كَكُلِّ يَوْمٍ مِائَةُ دَلْوٍ مَثَلًا أَوْ اسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ فَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: يَكْفِي اثْنَانِ [قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي أَكْثَرُهَا] وَهُوَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْخَمْسَةِ عَلَى مَا فِي خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْفَحْلَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَاشِيَةُ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ كَضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِنْفَيْنِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا الْفَحْلَ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِنْفَيْنِ كَضَأْنٍ وَمَعْزٍ أَوْ جَامُوسٍ وَبَقَرٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرَّقُ إلَخْ] قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَعْنَى الْجَمْعِ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِذَا أَظَلَّهُمْ السَّاعِي جَمَعَاهَا لِيُؤَدِّيَا شَاةً وَاحِدَةً وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ أَنْ يُخْلَطَا وَلِأَحَدِهِمَا مِائَةُ شَاةٍ، وَلِآخَرَ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا افْتَرَقَا أَدَّيَا شَاتَيْنِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: خَشْيَةَ الزِّيَادَةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْخَشْيَةُ مِنْ جَانِبِ الْمُزَكِّينَ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ نَقْصٌ بَعْدَ خَشْيَةٍ أَيْ خَشْيَةِ نَقْصِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ قَبْلَهُ، أَمَّا خَشْيَةُ نَقْصِهَا بِسَبَبِ الِافْتِرَاقِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ فَفِيمَا إذَا كَانَتْ تُوجِبُ تَثْقِيلًا فَلَا يُفَرَّقُ خَشْيَةَ نَقْصِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا خَشْيَةُ نَقْصِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ عِنْدَ الِافْتِرَاقِ فَفِيمَا إذَا كَانَتْ تُوجِبُ تَخْفِيفًا فَلَا يُجْمَعُ

وَكُلُّ خَلِيطَيْنِ. . . إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مُرَتَّبًا كَذَلِكَ (وَذَلِكَ) أَيْ النَّهْيُ عَنْ التَّفْرِيقِ وَالْجَمْعِ الْمَذْكُورَيْنِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ) ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ: إذَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِشَهْرَيْنِ فَأَقَلَّ فَهُمْ خُلَطَاءُ، وَأَنَا أَرَى أَنَّهُمْ خُلَطَاءُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ الْحَوْلُ جِدًّا وَيَهْرُبَا فِيهِ إلَى أَنْ يَكُونَا خَلِيطَيْنِ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ، ابْنُ شَاسٍ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مَا وُجِدَ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعٍ أَوْ افْتِرَاقٍ مُنْقِصًا مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْقِصًا فَلَا يُتَّهَمَانِ عَلَيْهِ بَلْ يُزَكَّى الْمَالُ عَلَى مَا يُوجَدُ عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا كَانَ) أَيْ التَّفْرِيقُ أَوْ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ قُرْبِ الْحَوْلِ (يَنْقُصُ أَدَاؤُهُمَا بِافْتِرَاقِهِمَا أَوْ بِاجْتِمَاعِهِمَا بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ) الِافْتِرَاقِ أَوْ الِاجْتِمَاعِ مِثَالُ التَّفْرِيقِ خَوْفُ الزِّيَادَةِ فِي الصَّدَقَةِ: رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَفْتَرِقَانِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاتَانِ، وَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا ثَلَاثًا وَمِثَالُ الْجَمْعِ لِذَلِكَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ فَيَجْمَعُونَهَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِتَجِبَ عَلَيْهِمْ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَ شِيَاهٍ. . ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا لَا يُؤْخَذُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ الْأَنْعَامِ فَقَالَ: (وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ السَّخْلَةُ) وَهِيَ الصَّغِيرَةُ مِنْ الْغَنَمِ ضَأْنًا كَانَتْ أَوْ مَعْزًا ذَكَرًا كَانَتْ أَوْ أُنْثَى. (وَ) مَعَ ذَلِكَ (تُعَدُّ عَلَى أَرْبَابِ الْغَنَمِ) كَانَ فِي الْأَصْلِ نِصَابٌ أَمْ لَا لِقَوْلِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تُؤْخَذُ (الْعَجَاجِيلُ فِي) صَدَقَةِ (الْبَقَرِ) جَمْعُ عِجْلٍ وَهُوَ مَا كَانَ دُونَ السِّنِّ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ التَّبِيعُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تُؤْخَذُ (الْفُصْلَانُ فِي) صَدَقَةِ (الْإِبِلِ) جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ مَا دُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ. (وَ) مَعَ كَوْنِ الْعَجَاجِيلِ وَالْفُصْلَانِ لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (تُعَدُّ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَرْبَابِهَا لِتُؤْخَذَ زَكَاتُهَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا يُؤْخَذُ) فِي الصَّدَقَةِ (تَيْسٌ) ع: وَهُوَ ذَكَرُ الْمَعْزِ الصَّغِيرُ وَقِيلَ ذَكَرُهُ مُطْلَقًا لِدَنَاءَتِهِ وَكَذَلِكَ (لَا) تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (هَرِمَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَهُمَا خَشْيَةَ نَقْصِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْخَشْيَةُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ مُتَعَلِّقُهَا النَّقْصُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهِيَ مِنْ جَانِبِ الشَّارِعِ لِأَجْلِ الْفُقَرَاءِ، وَمَفْهُومُ خَشْيَةِ الصَّدَقَةِ أَنَّهُمْ لَوْ فُرِّقُوا أَوْ اجْتَمَعُوا لِعُذْرٍ لَا حُرْمَةٍ وَيُصَدَّقُونَ فِي الْعُذْرِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ إذَا كَانُوا مَأْمُونِينَ ظَاهِرِي الصَّلَاحِ وَإِلَّا فَيَمِينٌ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ مُرَتَّبًا إلَخْ] وَالْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ» . [قَوْلُهُ: نَهْيُ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] قَالَ تت: وَهَلْ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فَإِذَا فَعَلُوا مَا نُهُوا عَنْهُ أُخِذُوا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَإِذَا فَعَلُوا أُخِذُوا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ الْآنَ قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ذَلِكَ إلَخْ] مُحَصِّلُهُ كَمَا أَخَذْته مِنْ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي رَأَيْته أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيهَا: إذَا كَانَ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَهُمْ خُلَطَاءُ، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَرُبَ الْحَوْلُ جِدًّا فَرَأَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ جِدًّا يُؤْخَذَانِ بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ، وَإِنَّ الْقُرْبَ جِدًّا هُوَ عَيْنُ قَرِينَةِ الْهُرُوبِ فَقَوْلُهُ: وَيَهْرُبَا الْمُرَادُ أَنَّ الْقُرْبَ جِدًّا هُوَ عَيْنُ الْهُرُوبِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ أُخْرَى. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ نُقُولُ الْأَئِمَّةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي قُرْبِ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ أَوْ إقْرَارٌ بِقَصْدِ الْهُرُوبِ، وَإِلَّا فَلَا يُلْتَفَتُ لِقُرْبِ الزَّمَانِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا نَصُّهُ، وَيَثْبُتُ الْفِرَارُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْقَرِينَةِ أَوْ الْقُرْبِ الْمُوجِبِ تُهْمَتُهُمَا. [قَوْلُهُ: أَيْ التَّفْرِيقُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنْ تُجْعَلَ كَانَ شَأْنِيَّةً وَلَا يُجْعَلُ اسْمُهَا التَّفْرِيقَ وَالِاجْتِمَاعَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ بَعْدُ بِافْتِرَاقِهِمَا إلَخْ وَأَنَّ أَدَاؤُهُمَا فَاعِلُ يَنْقُصُ. [قَوْلُهُ: السَّخْلَةُ] بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَهِيَ الصَّغِيرَةُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَالْجَمْعُ سِخَالٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَسَخْلٌ مِثْلُ تَمْرَةٍ وَتَمْرٍ وَسَخْلَانِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ تَيْسٌ إلَخْ]

وَهِيَ الْكَبِيرَةُ الْهَزِيلَةُ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (الْمَاخِضُ) وَهِيَ الْحَامِلُ الَّتِي ضَرَبَهَا الطَّلْقُ قَالَهُ ك. وَقَالَ ق: الْمَاخِضُ هِيَ الْحَامِلُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤْخَذْ لِأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ أَمْوَالِ النَّاسِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (فَحْلُ الْغَنَمِ) وَهُوَ الَّذِي أُعِدَّ لِلطَّرْقِ ضَأْنًا كَانَ أَوْ مَعْزًا لِأَنَّهُ مِنْ خِيَارِ أَمْوَالِ النَّاسِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (شَاةُ الْعَلَفِ) وَهِيَ الْمُعَدَّةُ لِلتَّسْمِينِ لِلْأَكْلِ لَا لِلنَّسْلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ أَمْوَالِ النَّاسِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (الَّتِي تُرَبِّي وَلَدَهَا) وَتُسَمَّى الرُّبَّى بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ مَقْصُورَةً وَلَوْ قُدِّمَ قَوْلُهُ: (وَلَا) أَيْ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ (خِيَارُ أَمْوَالِ النَّاسِ) يُرِيدُ وَلَا شِرَارُهَا، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ضَابِطٌ لَهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ شِرَارٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَسَاكِينِ وَلَا خِيَارَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ أَعْطَى وَاحِدَةً مِنْ الْخِيَارِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَعْطَى مِنْ الشِّرَارِ فَلَا تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا خِيَارًا أَوْ شِرَارًا كُلِّفَ رَبُّهَا الْوَسَطَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ. (وَلَا يُؤْخَذُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ (عَرْضٌ وَلَا ثَمَنٌ) أَيْ عَيْنٌ بَدَلُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حَبٍّ أَوْ ثَمَرٍ أَوْ مَاشِيَةٍ. (فَإِنْ أَجْبَرَهُ الْمُصَدِّقُ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَهُوَ السَّاعِي (عَلَى أَخْذِ الثَّمَنِ فِي الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا) كَالْحُبُوبِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ (أَجْزَأَهُ) مَفْهُومُ الشَّرْطِ، لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا لَمْ يَجْزِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ السَّخْلَةُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ ذَكَرُهُ مُطْلَقًا] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: ضَرَبَهَا الطَّلْقُ] بِفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً أَيْ تَعَلَّقَ بِهَا الطَّلْقُ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ الْفَاكِهَانِيُّ مُوَافِقٌ لِلْمِصْبَاحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ مَخِضَتْ الْمَرْأَةُ وَكُلُّ حَامِلٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ دَنَا وِلَادُهَا وَأَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ مَاخِضٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَا دَنَا وِلَادَتُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، فَالْمَقَالَاتُ ثَلَاثَةٌ أَظْهَرُهَا مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: لِلتَّسْمِينِ لِلْأَكْلِ] أَكْلُهُ هُوَ أَوْ أَكْلُ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى الرُّبَى] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُرَبِّي وَلَدَهَا انْتَهَى. [قَوْلُهُ: كُلِّفَ رَبُّهَا الْوَسَطَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَى ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا مُطْلَقًا خِيَارًا أَوْ شِرَارًا ذَكَرَهُ بَهْرَامُ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يُكَلَّفُ الْوَسَطَ إلَّا أَنْ يَرَى السَّاعِي أَخْذَ الْمَعِيبَةِ أَحَظَّ لِلْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُهَا لِبُلُوغِهَا سِنِّ الْإِجْزَاءِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِنَقْصِهَا عَنْ السِّنِّ [قَوْلُهُ: وَلَا ثَمَنٌ إلَخْ] ع: جَعَلَ الْعَرْضَ هُنَا مَا عَدَا الْعَيْنَ وَالثَّمَنَ وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ. وَقَالَ ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ كَقَوْلِهِ فَإِنْ أَجْبَرَهُ الْمُصَدِّقُ إلَخْ [قَوْلُهُ: بِتَخْفِيفِ الصَّادِ] اُحْتُرِزَ عَنْ الْمُصَّدِّقِ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ فَإِنَّهُ الْمُزَكِّي [قَوْلُهُ: عَلَى أَخْذِ الثَّمَنِ] مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالثَّمَنِ الْقِيمَةُ. تت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجْبَرَهُ عَلَى دَفْعِ الْعَرْضِ عَنْ الْعَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ مُفَادُ الْفَاكِهَانِيِّ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْإِجْزَاءَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ أَجَازُوا ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إذَا وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ مَضَى وَلَمْ يَرُدَّ. وَقَالَ: أَمَّا الْعَرْضُ فَلَا أَعْلَمُ فِي عَدَمِ إجْزَائِهِ خِلَافًا، وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَمُفَادُ قَوْلِ الشَّارِحِ آخِرًا فَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَرْضِ عَنْ الْعَيْنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْإِجْزَاءَ لِأَنَّهُ أَفَادَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَعْدِنِ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَعْدِنَ الَّذِي يُزَكَّى هُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَقَطْ. وَأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْعَيْنُ فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً وَالْعَكْسُ اخْتِيَارًا لَا يُجْزِئُ، وَالْمَشْهُورُ الْإِجْزَاءُ نَعَمْ يَتَأَتَّى فِي الرِّكَازِ فَإِنَّ الرِّكَازَ لَا يَتَوَقَّفُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَيْنًا، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ الْغَيْرُ بِالْحُبُوبِ فَقَطْ، ثُمَّ رَأَيْت تت قَالَ مَا نَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَغَيْرِهَا: وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالْحُبُوبِ وَقِيلَ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ اهـ. فَأَنْتَ تَرَاهُ حَكَاهُ بِقِيلِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا] أَيْ فِي الطَّوْعِ وَالْإِكْرَاهِ، وَنَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِخْرَاجُ الْقِيمَةِ طَوْعًا

عَلَى مَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ شِرَاءِ الصَّدَقَةِ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْرُمُ، وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَ مَرَّةً: يُجْزِئُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ذَكَرَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَشَرَطَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ الْإِكْرَاهَ وَقَالَ مَرَّةً: إذَا كَانُوا يَضَعُونَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَفَرَّقَ مَرَّةً بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْحَبِّ عَيْنًا فَيُجْزِئَهُ. وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الْعَيْنِ حَبًّا فَلَا يُجْزِئُهُ انْتَهَى. وَقَالَ د: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إخْرَاجِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ وَعَكْسِهِ وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَرْضِ عَنْ الْعَيْنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَأَمَّا عَكْسُهُ فَيُكْرَهُ وَقَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) إشَارَةٌ إلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ حَبٍّ وَلَا ثَمَرٍ وَلَا مَاشِيَةٍ) تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِتَكْرَارِهِ مَعْنًى. . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُجْزِئُ وَكَرْهًا يُجْزِئُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا اهـ لَفْظُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَحْرُمُ] أَيْ فَأَخْذُ الْعَيْنِ عَنْ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ إلَخْ مُفَادُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ الْحُرْمَةُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: هَلْ هَذَا الْخِلَافُ فِي الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا أَوْ لَا؟ قُلْت: قَدْ أَتَى الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ بِالْمَسْأَلَةِ عَلَى جَمِيعِ أَوْجُهِهَا، فَقَالَ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوَاضِعَ أَحَدُهَا النَّهْيُ هَلْ هُوَ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ الْكَرَاهَةِ. وَهَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالتَّطَوُّعِ أَوْ عَامٌّ فِي التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبِ، وَهَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالرِّقَابِ أَوْ عَامٌّ فِي الرِّقَابِ وَالْمَنَافِعِ، وَهَلْ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ] أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ بِجُمْلَةِ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ] أَيْ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ الْمُرَادِ مِنْهُ الْقِيمَةُ كَمَا هُوَ نَصُّ تت. وَمُفَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ قَوْلُهُ فَقَالَ مَرَّةً: تُجْزِئُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَشَرَطَ] أَيْ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا يَضَعُونَهَا] أَيْ الْقِيمَةَ كَمَا هُوَ مُفَادُ التَّوْضِيحِ، أَيْ يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ إذَا كَانُوا يَضَعُونَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعِهَا بِأَنْ دُفِعَتْ لِلْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طَوْعًا وَأَقُولُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ خَاصًّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ أَرْبَابَهَا لَوْ دَفَعُوا غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُهُمْ إلَّا إذَا كَانُوا هُمْ أَوْ السُّعَاةُ يَضَعُونَهُ فِي مَوَاضِعِهِ. [قَوْلُهُ: وَفَرَّقَ مَرَّةً] أَيْ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ عَامٌّ فِي دَفْعِ الْعَيْنِ عَنْ غَيْرِهَا، وَالْعَكْسُ وَسِبَاقُ الْكَلَامِ السَّابِقِ بِقَصْرِهِ عَلَى دَفْعِ الْعَيْنِ عَنْ غَيْرِهَا، وَسَكَتَ فِي هَذِهِ عَنْ دَفْعِ الْعَيْنِ عَنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَكْسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاشِيَةَ مِثْلُ الْحَبِّ فَتَكُونُ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ. [قَوْلُهُ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إلَخْ] أَيْ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ فَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ إخْرَاجُ الْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ أَيْ سَوَاءٌ أَخْرَجَ الْوَرِقَ عَنْ الذَّهَبِ أَوْ الذَّهَبَ عَنْ الْوَرِقِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ فَيُمْنَعُ أَوْ لَا فَيَجُوزُ، وَرَأَى فِي الْمُفَصَّلِ أَنَّ الْوَرِقَ أَيْسَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْقَوْلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: فَأَمَّا إخْرَاجُ الْعَرْضِ إلَخْ] وَالْعَرْضُ شَامِلٌ لِلْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ كَمَا نَقَلَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمُقَابِلُهُ الْإِجْزَاءُ إذَا لَمْ يُحَابَّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ إذَا أَخْرَجَ عَرْضًا عَمَّا لَزِمَهُ مِنْ زَكَاةِ مَاشِيَةٍ أَوْ حَبٍّ، وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْعَرْضِ عَيْنًا فَإِنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْإِجْزَاءِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ابْتِدَاءً، فَإِنْ أَخْرَجَ عَرْضًا أَوْ طَعَامًا رُجِعَ عَلَى الْفَقِيرِ بِهِ، وَدُفِعَ لَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ بِيَدِهِ الْفَقِيرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إذًا عَرْضًا أَوْ طَعَامًا رُجِعَ عَلَى الْفَقِيرِ بِهِ، وَدُفِعَ لَهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ زَكَاةٌ وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ، أَفَادَ هَذَا الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي عج عَلَى

(تَتْمِيمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ) الْأُولَى: أَنْ يُخْرِجَهَا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا. الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَنْ يُعْطِيهَا لَهُ فَيَنْقُلُهَا إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُخْرِجَهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَجْزَأَهُ وَارْتَكَبَ مُحَرَّمًا. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ فَقَالَ:. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلِيلٍ أَنَّ إخْرَاجَ الْعَيْنِ عَنْ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِيهِمَا. وَأَمَّا إذَا أَخْرَجَ الْعَرْضَ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ الْعَيْنِ فَلَا يُجْزِئُ وَكَذَا إخْرَاجُ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ عَنْ الْعَيْنِ، وَمِثْلُهُ إخْرَاجُ الْحَرْثِ عَنْ الْمَاشِيَةِ وَعَكْسُهُ اهـ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُخْرِجَهَا] أَيْ الذَّاتَ الَّتِي وَجَبَ إخْرَاجُهَا عَيْنًا أَوْ غَيْرَهَا [قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ] أَيْ عَنْ دَفْعِهَا أَوْ عَزْلِهَا وَصِفَتُهَا أَنْ يَنْوِيَ إخْرَاجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَلَوْ دَفَعَ مَالًا لِفَقِيرٍ غَيْرَ نَاوٍ بِهِ الزَّكَاةَ، ثُمَّ لَمَّا طُلِبَ بِالزَّكَاةِ أَرَادَ جَعْلَ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ زَكَاةٍ لَمْ يَجْزِهِ، وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْفَقِيرِ وَيَنْوِي عَنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَلِيُّهُمَا [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا إلَخْ] أَيْ وَنِيَّةُ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ كَافِيَةٌ [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَنْقُلَهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ] وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِثْلَ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ قُرْبُهُ وَهُوَ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ فِي مَوْضِعِ الْوُجُوبِ مُسْتَحِقٌّ أَوْ كَانَ، وَفَضَلَ عَنْهُ أَوْ أُعْدِمَ أَوْ مِثْلُ أَوْ دُونَ فَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَنْ لَا يَنْقُلَهَا أَيْ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مِنْ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُهَا عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ أَوْ قُرْبِهِ مُسْتَحِقٌّ. أَيْ أَوْ كَانَ مُسْتَحِقٌّ إلَّا أَنَّ الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أُعْدِمَ فَيُنْقَلُ أَكْثَرُهَا وُجُوبًا، فَإِنْ نَقَلَهَا كُلَّهَا لَهُ أَوْ فَرَّقَ الْكُلَّ بِمَوْضِعِ الْوُجُوبِ فَيُجْزِئُ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُسَاوِيًا أَوْ دُونَ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا لَهُ: لَكِنْ فِي الْمُسَاوِي يُجْزِئُ وَفِي الدُّونِ لَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: فَيَنْقُلُهَا إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا تُصْرَفُ فِي كَفَنٍ وَمَيِّتٍ وَلَا بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: إلَى أَقْرَبِ] الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا لِأَعْدَمَ فَيُنْقَلُ أَكْثَرُهَا لَهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ اهـ. أَيْ مِمَّا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لِمَا تَقَدَّمَ أَمْ مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَوْضِعِ الْوُجُوبِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ الْأَقْرَبُ وَدَفَعَهُ لِغَيْرِهِ لَا يُجْزِئُ وَحُرِّرَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ أَجْزَأَهُ إلَخْ] أَيْ إذَا أَخَّرَهَا أَيَّامًا أَمَّا إنْ أَخَّرَهَا يَوْمًا وَنَحْوَهُ فَلَا حُرْمَةَ أَخَذْت هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ. أَنَّهُ إذَا تَلِفَ مَا عَزَلَهُ مِنْ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطٍ فِي حِفْظِهِ ضَمِنَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُ مَعَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ ضَمِنَ أَيْضًا لَكِنْ فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ أَيَّامًا لَا فِيمَا إذَا أَخَّرَهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ اهـ. أَيْ إلَّا الْإِمَامَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُعَلِّمِ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إلَى الْحَوْلِ الثَّانِي إذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مَصَارِفِهَا الثَّمَانِيَةِ] أَوَّلُهَا: الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَهُ بُلْغَةٌ لَا تَكْفِيهِ لِعَيْشٍ عَامَّةً ثَانِيهَا: الْمِسْكِينُ وَهُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا يَرِدُ قَوْله تَعَالَى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَسَاكِينُ الذُّلِّ وَالْقَهْرِ أَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا أُجَرَاءَ فِي السَّفِينَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حُرًّا فَلَا يُعْطَى كَافِرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَاسُوسًا أَوْ مُؤَلَّفًا، وَلَا يُعْطَى عَبْدٌ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِسَيِّدِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ ابْنًا لِهَاشِمٍ فَإِذَا كَانَ ابْنًا لَهُ فَلَا يُعْطَى، وَمَحَلُّهُ إذَا أُعْطِيَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُعْطِ وَأَضْرَبَهُ الْفَقْرُ أُعْطِيَ. الثَّالِثُ: الْعَامِلُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْجَابِي وَالْمُفَرِّقُ، وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَعَدَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَالْمُفَرِّقُ فِي تَفْرِقَتِهَا وَالْجَابِي فِي جِبَايَتِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا كَافِرًا، وَيُعْطَى وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا. الرَّابِعُ: الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَهُمْ كُفَّارٌ يُعْطُونَ لِيَتَأَلَّفُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أُعْطِيَ وَلَمْ يُسْلِمْ نُزِعَتْ مِنْهُ. الْخَامِسُ: رَقِيقٌ مُؤْمِنٌ يُشْتَرَى مِنْ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةِ لِأَجْلِ الْعِتْقِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ. بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ مِنْهَا وَلَوْ مَعِيبًا عَيْبًا ثَقِيلًا كَالزِّمَانَةِ وَالْعَمَى، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَالِيًا عَنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ، وَيَكُونُ وَلَاءُ ذَلِكَ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِلْمُسْلِمِينَ. السَّادِسُ: الْمَدِينُ وَلَوْ مَلِيًّا عَلَيْهِ دَيْنٌ لِلْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنْ كَانَ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا يُعْطِي شَيْئًا وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَدَانَهُ فِي فَسَادٍ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَيْنٌ تُقَابِلُ دَيْنَهُ وَلَا غَيْرُهَا مِمَّا فَضَلَ عَنْ حَالِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ دَارٌ تُسَاوِي خَمْسِينَ دِينَارًا وَيُنَاسِبُهُ دَارٌ بِثَلَاثِينَ وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ تِسْعُونَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ سَبْعِينَ فَقَطْ. السَّابِعُ: الْمُجَاهِدُ أَيْ التَّلَبُّسُ بِهِ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ غَنِيًّا، وَالتَّلَبُّسُ بِهِ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ أَوْ فِي السَّفَرِ لَهُ، وَيُعْطَى أَيْضًا لِأَجْلِ آلَةِ الْجِهَادِ مِنْ سِلَاحٍ وَرُمْحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حُرًّا ذَكَرًا مُسْلِمًا مُكَلَّفًا قَادِرًا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُرَابِطُ الْمُتَلَبِّسُ بِالرِّبَاطِ، وَيُعْطَى الْجَاسُوسُ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَافِرًا وَهُوَ شَخْصٌ يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ لِيَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِ الْعَدُوِّ. وَيَعْلَمَ ثُمَّ يُعْلِمَنَا بِذَلِكَ لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ. الثَّامِنُ: الْغَرِيبُ الْمُنْقَطِعُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا بِبَلَدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِابْنِ السَّبِيلِ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ بِهِ إلَى مَا يُوَصِّلُهُ إلَى وَطَنِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ. الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَجِدَ مُسَلِّفًا بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَاشْتِرَاطُ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْغَنِيِّ بِبَلَدِهِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ بِبَلَدِهِ فَيُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ وَجَدَ مُسَلِّفًا، فَلَوْ جَلَسَ وَلَمْ يُسَافِرْ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا مَثَلًا مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ بِوَصْفِ الْفَقْرِ أَوْ غَيْرِهِ.

[باب في بيان حكم زكاة الفطر]

بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ [26 - بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] وَيُقَالُ لِلْمُخْرَجِ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ لِأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ الَّتِي هِيَ الْخِلْقَةُ أَيْ: زَكَاةُ الْخِلْقَةِ، وَفِي بَيَانِ مَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ وَالْمُؤَدِّي وَبَيَانِ جِنْسِهَا وَصِفَتِهَا وَقَدْرِهَا شُرِعَتْ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. وَبَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ: (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ مَا ذُكِرَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ نَقَلَ ك عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ. قَالَ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ وَصَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فَقِيلَ: مَعْنَاهُ قَدَّرَهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَوْجَبَهَا وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّةٍ وَقَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) بَيَانٌ لِكُلِّ كَبِيرٍ وَمَا بَعْدَهُ، وَاعْتَرَضَ ع قَوْلَهُ: أَوْ عَبْدٍ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ وُجُوبُهَا عَلَى الْعَبْدِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ زَكَاةِ الْفِطْرِ] بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ [قَوْلُهُ: حُكْمُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] أَيْ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ وَهِيَ مَصْدَرًا إعْطَاءُ مُسْلِمٍ فَقِيرٍ لِقُوتِ يَوْمِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْأَهُ، وَاسْمَا صَاعٍ مِنْ الْغَالِبِ الْقُوتِ أَوْ جُزْؤُهُ يُعْطِي مُسْلِمًا فَقِيرَ الْقُوتِ يَوْمَ الْفِطْرِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْفَاءِ] أَيْ فِطْرَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْفَاكِهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مِنْ الْفِطْرَةِ] أَيْ لِأَنَّ فِطْرَةَ أَيْ اسْمَهَا وَهُوَ لَفْظُ فِطْرَةٍ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْخِلْقَةُ، أَيْ وَلَفْظُ فِطْرَةٍ الَّذِي هُوَ اسْمُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِكَسْرِ الْفَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ زَكَاةُ الْخِلْقَةِ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ، فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ لِأَنَّ لَفْظَ زَكَاةٍ لَمْ يُضَفْ لِلْفِطْرَةِ لَمْ يَقُلْ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ مَنْ تُؤَدَّى عَنْهُ] وَهُوَ كُلُّ مُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ: وَالْمُؤَدِّي بِكَسْرِ الدَّالِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمُؤَدِّيَ تَارَةً يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ وَتَارَةً عَنْ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانِ جِنْسِهَا] أَيْ أَنَّهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ التِّسْعَةِ. [قَوْلُهُ: وَصِفَتِهَا] أَيْ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ الْأَغْلَبِ. [قَوْلُهُ: طُهْرَةً إلَخْ] أَنَّ تَطْهِيرًا لِلصَّائِمِ أَيْ لِأَجْلِ تَطْهِيرِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّغْوِ] اللَّغْوُ الْكَلَامُ اللَّاغِي أَيْ السَّاقِطُ الَّذِي لَا ثَمَرَةَ فِيهِ، وَالرَّفَثُ هُوَ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمِصْبَاحِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ تَأَمَّلْ [قَوْلُهُ: وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ] الطُّعْمَةُ الْمَأْكَلَةُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَأَرَادَ بِهَا الْإِطْعَامَ أَيْ شُرِعَتْ لِأَجْلِ إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ: بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قُوتٌ لَهُمْ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لِيَكُونَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مُتَسَاوِيَيْنِ يَوْمَ الْعِيدِ فِي وِجْدَانِ الْقُوتِ. [قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ مَعْنَاهُ قَدْرُهَا] أَيْ فَيَكُونُ مَارًّا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ كَبِيرٍ وَعَلَى الْأَصَاغِرِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ يَسْتَعْمِلُ عَلَى فِيمَا دُونَ الْوَاجِبِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَدَقَةُ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ صَاعًا هَكَذَا رُوِيَ بِالنَّصْبِ حَالًا. وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهِيَ صَاعٌ وَلَيْسَ خَبَرًا لِصَدَقَةٍ وَإِنَّمَا خَبَرُهَا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِسُنَّةٍ] أَيْ أَوْ بِفَرْضٍ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ] أَيْ وَإِنَّمَا قَالَ بِذَلِكَ أَهْلُ الظَّاهِرِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ]

وَأَوْفَى كَلَامَهُ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ سُنِّيَّتُهَا أَوْ وُجُوبُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِمَنْ فَضَلَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ مَعَ صَاعٍ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ مَعَ صَاعٍ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَاعٍ بَلْ عَلَى بَعْضِهِ أَخْرَجَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَاعٌ وَلَا جُزْؤُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ وَوَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ تَسَلَّفَ وَأَخْرَجَ، وَالصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صَاعٌ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهَا قَدْرُهَا صَاعٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَاعًا بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ فَرَضَ وَالصَّاعُ الْمَفْرُوضُ مُخْرَجٌ (عَنْ كُلِّ نَفْسٍ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ إنَّمَا (تُؤَدَّى مِنْ جُلِّ) أَيْ غَالِبِ (عَيْشِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ) الَّذِي الْمُزَكِّي مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ قُوتُهُمْ مِثْلَ قُوتِهِ أَوْ أَدْنَى أَوْ أَعْلَى، فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ أَعْلَى مِنْ قُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ قُوتِهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِفَقْرٍ أَوْ عَادَةٍ كَأَهْلِ الْبَادِيَةِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ أَكْلُ الشَّعِيرِ بِالْحَاضِرَةِ مَلِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ شُحًّا فَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ فَسَّرَ الْجُلَّ الَّذِي تُؤَدَّى مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ بُرٍّ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ (أَوْ شَعِيرٍ أَوْ سُلْتٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَالْحِنْطَةِ (أَوْ تَمْرٍ أَوْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَعَلَّقُ وَمُقَابِلُهُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا، فَإِنْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. [قَوْلُهُ: بِمَنْ فَضَلَ إلَى آخِرِهِ] الْمُنَاسِبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: بِمَنْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ فِي يَوْمِهِ صَاعٌ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَهُ صَاعٌ إنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: تَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ دَارٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ كُتُبٌ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ فَيَبِيعُهُ لِأَدَائِهَا. [قَوْلُهُ: وَوَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ] أَيْ حَيْثُ كَانَ يَرْجُو الْوَفَاءَ أَوْ يَعْلَمُ مَنْ يَتَسَلَّفُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: صَاعٌ إلَخْ] وَالصَّاعُ الَّذِي لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ يَكْفِي الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ بِعَظِيمِ السَّكْفِينِ وَلَا غَيْرِهِمَا، وَقَدْرُ الصَّاعِ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ قَدَحٌ وَثُلُثٌ كَمَا قَرَّرَهُ عج، فَعَلَى تَحْرِيرِهِ الرُّبْعُ الْمِصْرِيُّ يُجْزِئُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الصَّاعِ إذَا كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَقُصِدَ بِهَا الِاسْتِظْهَارُ عَلَى الشَّارِعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ لَا عَلَى أَنَّ الْأَجْزَاءَ يُتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: أَيْ غَالِبِ إلَخْ] هَلْ الْمُرَادُ عَيْشُ الْبَلَدِ فِي جَمِيعِ الْعَامِ أَوْ فِي خُصُوصِ رَمَضَانَ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَكَانَ شَيْخُنَا يُعْجِبُهُ اعْتِبَارُهُ فِي خُصُوصِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِينَ فَيُعْتَبَرُ مَا يُؤْكَلُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْعَادَةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَا إذَا اقْتَاتَ الْأَدْوَنَ لِفَقْرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُجْزِئُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ، وَذَكَرَ عج أَنَّهُ إذَا اقْتَاتَ الْأَدْنَى لِكَسْرِ نَفْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْأَعْلَى فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ بُرٍّ] اعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسٌ أَحَدُهَا: وُجُودُ التِّسْعَةِ مَعَ اقْتِيَاتِ جَمِيعِهَا سَوِيَّةً فَيُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ أَيّهَا شَاءَ. ثَانِيهَا: وُجُودُهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ. ثَالِثُهَا: وُجُودُهَا أَوْ بَعْضِهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا فَيَجِبُ مِنْهَا تَخْيِيرًا إنْ تَعَدَّدَ، وَلَا يُنْظَرُ لِمَا كَانَ غَلَبًا قَبْلَ تَرْكِهَا وَوَاجِبًا إنْ انْفَرَدَ وَلَوْ اُقْتِيتَ نَادِرًا. رَابِعُهَا: فَقْدُ جَمِيعِهَا مَعَ غَلَبَةِ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا فَمِمَّا غَلَبَ. خَامِسُهَا: فَقْدُ جَمِيعِهَا مَعَ اقْتِيَاتِ غَيْرِهَا مِنْ مُتَعَدِّدٍ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةِ شَيْءٍ مِنْهُ فَيُخَيَّرُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا فَيَتَعَيَّنُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْأَغْلَبِ أَيْ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ الْأَغْلَبِ إنْ كَانَ أَدْنَى، وَأَمَّا إنْ كَانَ أَعْلَى أَوْ مُسَاوِيًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وَأَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْ اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَشَبَهِهِمَا مِقْدَارُ عَيْشِ الصَّاعِ مِنْ الْقَمْحِ كَذَا كَانَ يُفْتِي

الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ، وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ لَبَنٌ يَابِسٌ غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ (أَوْ زَبِيبٍ أَوْ دُخْنٍ) بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ. (أَوْ ذُرَةٍ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ حَبٌّ مَعْرُوفٌ (أَوْ أُرْزٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ عَلَى أَحَدِ لُغَاتِهِ حَبٌّ مَعْرُوفٌ، وَإِذَا أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ التِّسْعَةِ لَا تُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَزَادَ ابْنُ حَبِيبٍ عَاشِرًا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَقِيلَ إنْ كَانَ الْعَلَسُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ. (قُوتُ قَوْمٍ أُخْرِجَتْ مِنْهُ) الزَّكَاةُ (وَهُوَ) أَيْ الْعَلَسُ (حَبٌّ صَغِيرٌ يَقْرُبُ مِنْ خِلْقَةِ الْبُرِّ) . وَلَمَّا بَيَّنَ الْمُخْرَجَ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَنْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ فَقَالَ: (وَيُخْرِجُ عَنْ الْعَبْدِ سَيِّدُهُ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْلَمًا لِلْقُنْيَةِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ أَخْرَجَ عَنْهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ آبِقًا مَرْجُوًّا، أَمَّا غَيْرُ الْمَرْجُوِّ فَلَا يُخْرَجُ عَنْهُ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ يُخْرِجُ السَّيِّدُ عَنْ حِصَّتِهِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْعَبْدِ الْجُزْءُ الْمُعْتَقُ مِنْهُ، وَالْعَبْدُ الْمُشْتَرَكُ يُخْرِجُ كُلٌّ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ. (وَ) كَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمُسْلِمُ (الصَّغِيرُ) الَّذِي (لَا مَالَ لَهُ يُخْرِجُ عَنْهُ وَالِدُهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ الْكَبِيرَ لَا يُخْرَجُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَبَلَغَ صَحِيحًا لَا يُخْرَجُ عَنْهُ، وَإِنْ بَلَغَ زَمِنًا أُخْرِجَ عَنْهُ وَالْأُنْثَى يُخْرَجُ عَنْهَا وَإِنْ بَلَغَتْ حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَمَفْهُومُ لَا مَالَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يُخْرَجُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا الْوَلَدَ بِالْمُسْلِمِ احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرَجُ عَنْهُ. وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: (وَيُخْرِجُ الرَّجُلُ) يَعْنِي أَوْ غَيْرُهُ (زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّبِيبِيُّ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ: مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤْذَنُ وَلَمْ يَرْتَضِ فَتْوَى الشَّبِيبِيِّ [قَوْلُهُ: غَيْرُ مَنْزُوعِ الزُّبْدِ] نَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ أَنَّهُ خَثْرُ اللَّبَنِ الْمُخْرَجِ زُبْدُهُ وَيُوَافِقُهُ الْمِصْبَاحُ فَإِنَّهُ قَالَ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْأَقِطُ يُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ الْمَخِيضِ يُطْبَخُ ثُمَّ يُتْرَكُ حَتَّى يُمْصَلَ اهـ. فَقَوْلُ شَارِحِنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَمَعْنَى خَثْرِ اللَّيِّنِ جَامِدُهُ وَجَمْعُ الْأَقِطِ أَقْطَانُ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. [قَوْلُهُ: لَا يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] هَذَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً أَوْ بَعْضُهَا سَوَاءٌ اُقْتِيتَتْ أَوْ لَمْ تُقْتَتْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ وَلَا بَعْضُهَا وَاقْتِيتَ غَيْرُهَا فَيُخْرَجُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: حَبٌّ صَغِيرٌ] وَهُوَ طَعَامُ أَهْلِ صَنْعَاءَ وَنُدِبَ غَرْبَلَةُ الطَّعَامِ إنْ كَانَ غَلِثًا إلَّا أَنْ يَزِيدَ غَلَثُهُ عَلَى الثُّلُثِ فَتَجِبُ غَرْبَلَتُهُ، وَلَا يُجْزِئُ الْمُسَوِّسُ الْفَارِغُ بِخِلَافِ الْقَدِيمِ الْمُتَغَيِّرِ الطَّعْمُ فَيُجْزِي وَلَا يُجْزِي خُبْزٌ وَلَا دَقِيقٌ إلَّا أَنْ يُعْتَبَرَ مَا فِي الصَّاعِ الْحَبُّ مِنْ الدَّقِيقِ، وَيُخْرَجَ رُبْعُهُ مِنْ الصَّاعِ الدَّقِيقُ أَوْ الْخُبْزُ. [قَوْلُهُ: عَنْهُ] أَيْ عَنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَيُخْرِجُ عَنْ الْعَبْدِ سَيِّدُهُ] وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَبِيعًا بِالْخِيَارِ أَوْ أَمَةً مَبِيعَةً فِي زَمَنِ مُوَاضَعَتِهَا لِأَنَّ ضَمَانَهَا مِنْ بَائِعِهَا أَوْ مُخْدِمًا تَرْجِعُ لَهُ رَقَبَتُهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ رَقَبَتُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ لِحُرِّيَّةٍ فَعَلَى الْمُخْدَمِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَأَمَّا عَبِيدُ الْعَبِيدِ فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْأَعْلَى وَلَا الْأَسْفَلَ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ الْإِخْرَاجُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. [قَوْلُهُ: لِلْقُنْيَةِ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْكِرَاءَ [قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَ آبِقًا مَرْجُوًّا] وَحُكْمُ الْمَغْصُوبِ كَذَلِكَ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ مَنْ يُرْجَى وَمَنْ لَا يُرْجَى، وَإِذَا قُبِضَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ أَعْوَامٍ فَيُخْرِجُ زَكَاةَ فِطْرِهِمَا فِيمَا يَظْهَرُ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ [قَوْلُهُ: فَلَا يُخْرِجُ عَنْهُ] أَيْ وَإِنْ أَخْرَجَ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الزَّكَاةِ مِنْ النِّيَّةِ وَإِعْلَامُهُ قَائِمٌ مَقَامَهَا بِخِلَافِ الصَّغِيرِ، أَوْ مَنْ فِي حُكْمِهِ فَيُخْرِجُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَتَزَوَّجَ] أَيْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ الْبَالِغُ الْمُوسِرُ أَوْ تَطْلُبَهُ لِلدُّخُولِ بِهَا مَعَ بُلُوغِهِ وَإِطَاقَتِهَا. [قَوْلُهُ: عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ] اُحْتُرِزَ بِالْمُسْلِمِ عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ عَبِيدٍ كُفَّارٍ، وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا مُسْلِمًا فَيُهِلُّ شَوَّالُ قَبْلَ نَزْعِهِ مِنْهُ أَوْ تُسْلِمُ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ يَكُونُ لَهُ قَرَابَةٌ مُسْلِمُونَ فِي نَفَقَتِهِ كَأَبَوَيْهِ. قَالَ سَنَدٌ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْكَافِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَحْمَدُ: تَجِبُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ

تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) بِقَرَابَةٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ نِكَاحٍ أَغْنَى عَمَّا قَبْلَهُ (وَ) كَذَلِكَ يُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ (عَنْ مُكَاتَبِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ عَجْزِهِ. (وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا) أَيْ زَكَاةُ الْفِطْرِ (إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الْمُصَلَّى» وَتَعَرَّضَ لِوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَالْآخَرُ: بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ وُلِدَ أَوْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يَأْثَمُ مَا دَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَاقِيًا فَإِنْ أَخَّرَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إخْرَاجِهَا أَثِمَ، وَتُدْفَعُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ مِسْكِينٍ أَوْ فَقِيرٍ فَلَا تُدْفَعُ لِعَبْدٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَلَا لِكَافِرٍ وَلَا لِغَنِيٍّ. (وَيُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى تَمْرٍ وِتْرًا لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ (وَلَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْبَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوَافَقَةُ أَحْمَدَ [قَوْلُهُ: بِقَرَابَةٍ] دَخَلَ الْأَبَوَانِ وَالْأَوْلَادُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا. [قَوْلُهُ: أَوْ نِكَاحٍ] أَيْ زَوْجِيَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً أَوْ غَنِيَّةً فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَا مُطَلَّقَةً طَلَاقًا بَائِنًا، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا، وَفِطْرَةُ زَوْجَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَلَوْ حُرَّةً لِوُجُوبِ إنْفَاقِهِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ وَكَمَا يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ عَنْ أَبِيهِ الْفَقِيرِ يَلْزَمُهُ الْإِخْرَاجُ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَكَمَا تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَمَّنْ ذُكِرَ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ خَادِمِ الْقَرَابَةِ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ وَلَدٍ أَوْ خَادِمِ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَةِ أَبِيهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْخَادِمُ رَقِيقًا لَا بِأُجْرَةٍ، وَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ وَلَا تَتَعَدَّدُ نَفَقَةُ خَادِمِ الزَّوْجَةِ وَكَذَا فِطْرَتُهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ قَدْرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَعَنْ مَالِكٍ سُقُوطُهَا عَنْهُمَا وَقِيلَ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ فَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَبْدٌ إلَخْ] أَوْ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ أَوْ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ حَطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْكِتَابَةِ فِي نَظِيرِ النَّفَقَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ إلَخْ] أَيْ إذَا وُجِدَ مَنْ يُعْطِيهَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُوجَدْ فَيَحْصُلُ الْمُسْتَحَبُّ بِعَزْلِهَا. [قَوْلُهُ: أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ إلَخْ] أَيْ وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَبْلِ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى وَحَكَى عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ] كَمَا إذَا بِيعَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ وَرِثَ أَوْ وُهِبَ أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطَلَّقَهَا أَوْ أَيْسَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ قَارَنَتْ وِلَادَتُهُ الْغُرُوبَ أَوْ طُلُوعَ الْفَجْرِ أَوْ مَاتَ أَوْ فُقِدَ وَقْتُهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُلِدَ قَبْلَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ فُقِدَ قَبْلَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ] كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي الْجَلَّابِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَعَلَيْهِ مَشَى خَلِيلٌ فَفِي اقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ مَيْلٌ لِتَرْجِيحِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْجَوَازُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا لِمُفَرِّقٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ زَمَنِهَا] أَيْ لَا يَسْقُطُ طَلَبُهَا وُجُوبًا فِيمَا تَجِبُ، وَنَدْبًا فِيمَا تُنْدَبُ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ زَالَ فَقْرُهُ أَوْ رِقُّهُ يَوْمَ الْعِيدِ أَنْ يُخْرِجَ الْفِطْرَةَ، وَأَمَّا لَوْ مَضَى زَمَنُ طَلَبِهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ فَلَا يُخَاطَبُ بِهَا بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِطْرَةَ لِسَدِّ الْخَلَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ كُلَّ وَقْتٍ، وَالْأُضْحِيَّةُ لِلتَّضَافُرِ عَلَى إظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَقَدْ فَاتَتْ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَقِيرٍ] فَتُدْفَعُ لِمَالِكِ نِصَابٍ لَا يَكْفِيهِ لِعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَقِيرٌ وَلَا مِسْكِينٌ بِبَلَدِهَا نُقِلَتْ لِأَقْرَبِ بَلَدٍ فِيهَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِأُجْرَةٍ مِنْ غَيْرِهَا لَا مِنْهَا لِئَلَّا يَنْقُصَ الصَّاعُ، هَذَا إنْ أَخْرَجَهَا الْمُزَكِّي فَإِنْ دَفَعَهَا لِلْإِمَامِ الْعَدْلِ كَمَا هُوَ الْمَنْدُوبُ فَفِي نَقْلِهَا حِينَ فَقْدِهِمَا بِالْبَلَدِ الْأَقْرَبِ لَهَا بِأُجْرَةٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ الْفَيْءِ قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا لِكَافِرٍ] وَلَوْ مُؤَلَّفًا أَوْ جَاسُوسًا، وَكَذَا لَا تُدْفَعُ لِبَنِي هَاشِمٍ الْفُقَرَاءِ كَزَكَاةِ الْأَمْوَالِ، وَكَذَا لَا تُدْفَعُ لِمَنْ يَلِيهَا وَلَا لِمَنْ يَحْرُسُهَا وَلَا لِمُجَاهِدٍ وَلَا يُشْتَرَى بِهَا آلَتُهُ وَلَا لِلْمُؤَلَّفَةِ وَلَا لِابْنِ السَّبِيلِ إلَّا بِوَصْفِ الْفَقْرِ، وَيَدْفَعُهَا لِأَقَارِبِهِ الَّذِينَ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ وَلِلْمَرْأَةِ دَفْعُهَا لِزَوْجِهَا الْفَقِيرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ دَفْعُهَا لَهَا وَلَوْ فَقِيرَةً لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ إلَخْ] أَيْ لِيُفَرَّقَ بَيْنَ زَمَانِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ [قَوْلُهُ: فَيَأْكُلُ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ]

الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إلَى الْمُصَلَّى (فِي) عِيدِ (الْأَضْحَى) بَلْ الْمُسْتَحَبُّ فِيهِ الْإِمْسَاكُ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ أُخْرَى) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْرَجَ؛ الدَّارَقُطْنِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يُفْطِرُ يَوْمَ النَّحْرِ حَتَّى يَرْجِعَ لِيَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ» لِأَنَّ الْكَبِدَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ هَيِّنُ الِاسْتِوَاءِ أَوْ تَفَاؤُلًا لِمَا جَاءَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَأْكُلُ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ عِنْدَ دُخُولِهَا كَبِدَ الْحُوتِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَرْضُ، فَيَذْهَبُ بِذَلِكَ عَنْهُمْ مَرَارَةُ الْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] قِيلَ: إنَّمَا كَرَّرَ لِلتَّصْرِيحِ بِمُغَايَرَةِ مَسْأَلَةِ الْفِطْرِ لِمَسْأَلَةِ الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَمَّا الْمُضِيُّ وَالرُّجُوعُ فَالْعِيدَانِ فِي حُكْمِهِمَا سَوَاءٌ، أَيْ أَنَّهُ فِي الْعِيدَيْنِ يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ مِنْ أُخْرَى.

[باب في الحج]

[27 - بَابٌ فِي الْحَجِّ] لَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسِ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى خَامِسِهَا وَهُوَ الْحَجُّ فَقَالَ: (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (الْحَجِّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا (وَ) فِي بَيَانِ (الْعُمْرَةِ) وَصِفَتِهِمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ. أَمَّا الْحَجُّ فَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَقِيلَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ مِنْ قَوْلِك: حَجَّ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ وَاصْطِلَاحًا فَهُوَ الْقَصْدُ إلَى التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ فَرْضًا وَسُنَّةً، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ لُغَةً فَهِيَ الزِّيَارَةُ وَاصْطِلَاحًا فَهِيَ زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ. وَبَدَأَ بِحُكْمِ الْحَجِّ فَقَالَ: (وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الَّذِي بِبَكَّةِ) بِالْبَاءِ لُغَةً فِي مَكَّةَ (فَرِيضَةٌ) بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (عَلَى كُلِّ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْحَجِّ] [حُكْم الْحَجّ وَالْعُمْرَة] [قَالُوا: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا إلَخْ] الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ سَمَاعًا وَكَذَا اللُّغَتَانِ فِي الْحَجَّةِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ] أَيْ قَصْدِ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْعِبَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ، قَوْلُهُ: إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ فَإِنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ فِي الْفِعْلِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْقَصْدِ وَآخِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْرَارَ فِي الْفِعْلِ، ثُمَّ رَأَيْت تت قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهَلْ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ فِعْلِ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِقَيْدِ التَّكْرَارِ أَوْ مُجَرَّدِ الْقَصْدِ أَقْوَالٌ انْتَهَى. الْمُرَادُ مِنْهُ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ تت أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مِنْ قَوْلِك حَجَّ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا كَرَّرَ زِيَارَتَهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً فِعْلُ الشَّيْءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَيْ لِتَكْرَارِ النَّاسِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَثَابَةً لِلنَّاسِ} [البقرة: 125] أَيْ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ كُلَّ عَامٍ. [قَوْلُهُ: الْقَصْدُ إلَى التَّوَجُّهِ] فِيهِ أَنَّ الْحَجَّ عِبَارَةٌ عَنْ عِبَادَةٍ ذَاتِ أَرْكَانٍ مَخْصُوصَةٍ لَا نَفْسَ الْقَصْدِ إلَى التَّوَجُّهِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْقَصْدُ لَيْسَ مُتَعَلَّقُهَا التَّوَجُّهَ، كَمَا قَالَ بَلْ مُتَعَلَّقُهَا الْأَعْمَالُ الْمَخْصُوصَةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: عِبَادَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَوُقُوفٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ هَذَا إنْ أَرَدْت الْمَاهِيَّةَ الْغَيْرَ الْكَامِلَةِ وَإِلَّا زِدْت بَعْدَ مَا قُلْنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: ضَمَّنَ الْقَصْدَ مَعْنَى الْمَيْلِ فَعَدَّاهُ بِإِلَى. [قَوْلُهُ: بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُتَوَجِّهِ مُتَلَبِّسًا بِالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوعَةِ مِنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَرْضًا وَسُنَّةً] أَرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا يَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّ، أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ فَرْضًا وَسُنَّةً وَمُسْتَحَبًّا، وَأَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ لِأَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ فِي الْحَجِّ مُتَغَايِرَانِ، فَالْفَرْضُ لَا يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَالْوَاجِبُ يَنْجَبِرُ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَهِيَ الزِّيَارَةُ إلَخْ] أَيْ يُقَالُ: اعْتَمَرَ فُلَانٌ فُلَانًا إذَا زَارَهُ. [قَوْلُهُ: زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ] أَيْ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَقَوْلُهُ: الْأَفْعَالُ مَخْصُوصَةٌ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَفْعَالَ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مَاهِيَّةِ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: عِبَادَةٌ ذَاتُ طَوَافٍ وَسَعْيٍ وَإِحْرَامٍ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: بَيْتُ اللَّهِ] إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ إضَافَةُ تَشْرِيفٍ، وَمِنْ شَرَفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلُوهُ طَيْرٌ إلَّا لِعِلَّةٍ بِهِ، وَإِذَا عَلَاهُ ذُو عِلَّةٍ شَفَى اللَّهُ عِلَّتَهُ، وَإِذَا عَمّ الشِّتَاءُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ عَمَّ ذَلِكَ، الْبَلَدَ الَّذِي يُوَالِيهِ، وَإِذَا عَمَّ الشِّتَاءُ جَمِيعَ أَرْكَانِهِ عَمَّ الشِّتَاءُ جَمِيعَ الْبِلَادِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي بِبَكَّةِ] وَصْفٌ كَاشِفٌ لِأَنَّ

إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ (سَبِيلًا) وَإِلَى الثَّانِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطُ وُجُوبٍ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُفْرُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهِ، وَعَلَى الثَّانِي مَانِعٌ مِنْ صِحَّتِهِ، وَإِلَى الثَّالِثِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الْأَحْرَارِ) لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْحُرِّيَّةِ شَرْطَ وُجُوبٍ، فَالْعَبْدُ الْقِنُّ، وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَّ بِأَزْوَاجِهِ وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ، وَإِلَى الرَّابِعِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (الْبَالِغِينَ) وَلَا يَخْتَصُّ اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ بِالْحَجِّ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ، وَالْخَامِسُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّيْخُ وَهُوَ الْعَقْلُ وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ شَرْطَا وُجُوبٍ، فَلَوْ حَجَّ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ أَوْ الْعَبْدِ صَحَّ حَجُّهُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ. دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] وَصَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ إنَّمَا هُوَ فِي مَكَّةَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ لُغَةً فِي مَكَّةَ] أَيْ لُغَةً فِي الْبَلَدِ الْمُسَمَّاةِ بِمَكَّةَ أَيْ أَنَّ الْبَلَدَ فِيهَا لُغَتَانِ أَيْ لَهَا لُغَتَانِ أَيْ اسْمَانِ، أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلٍ لِأَنَّهُ الْبَاءُ وَالْمِيمُ يَتَعَاقَبَانِ وَهُوَ لُغَةُ مَازِنٍ وَغَيْرِهِمْ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ وَتُخْضِعُهَا مَا دَخَلَهَا مُتَجَبِّرٌ إلَّا وَخَضَعَ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ] وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْحَجِّ كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: {سَبِيلا} [آل عمران: 97]] مَعْمُولُ اسْتَطَاعَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ سُلُوكِ سَبِيلٍ أَيْ طَرِيقٍ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُسْتَطِيعِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحُجَّ بِأُمِّ وَلَدِهِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْحَجِّ فَوْرًا، إذْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يَتِمَّ الْمُدَّعِي أَوْ يُقَالُ: إنَّ عَدَمَ حَجِّهِ بِأُمِّ وَلَدِهِ لِعُذْرٍ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى، فَانْطَبَقَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُدَّعِي. [قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي سَائِرِ الطَّاعَاتِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَلِذَلِكَ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْإِسْلَامِ وَلَا الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْحَجِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ؟ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَقْلُ] فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعَقْلُ وَمَا قَبْلَهُ أَيْ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ شَرْطَا وُجُوبٍ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُكَلَّفِ] أَيْ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ أَيْ لَا مُغْمًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ رَضِيعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَمُطْبِقٍ لَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ إحْرَامُ غَيْرِهِ فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَجْنُونِ خَاصَّةً الْفَوَاتُ فَكَالْمُطْبِقِ، وَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ أَحَدٌ وَلَوْ خِيفَ الْفَوَاتُ، وَلَا يَصِحُّ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ مَرَضٌ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْقُرْبِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِالصِّبَا لِدَوَامِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَهُوَ مَنْ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ فَإِنَّهُ الَّذِي يُحْرِمُ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْإِسْلَامُ فَقَطْ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ فَقَطْ الِاسْتِطَاعَةُ وَإِذْنُ وَلِيِّ السَّفِيهِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ مَعَ وُقُوعِهِ فَرْضًا الْحُرِّيَّةُ وَالتَّكْلِيفُ وَقْتَ الْإِحْرَامِ، وَشَرْطُ وُقُوعِهِ فَرْضًا فَقَطْ عَدَمُ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي] أَيْ التَّرَاخِي لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ بِظَنِّ الْعَجْزِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لِكَثْرَةِ الْمَرَضِ وَقِلَّتِهِ. وَقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِالْفَوْرِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي بِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ فَتَحَ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَوَلَّى عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحَجِّ بِالنَّاسِ، وَهُوَ أَوَّلُ أُمَرَاءِ الْحَجِّ ثُمَّ فِي التَّاسِعَةِ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ فَحَجَّ بِهِمْ وَلَمْ يَحُجَّ إلَّا فِي الْعَاشِرِ مَعَ تَمَكُّنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ أَوَّلَ سَنَةٍ [قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]] مَنْ اسْتَطَاعَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى

الْحَجَّ فَحُجُّوا» . الْحَدِيثَ وَالْإِجْمَاعُ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهِ تُرِكَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ، وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ أَيْ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ ، وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وُجُودُ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ بَلْ تَخْرُجُ إذَا وَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً سَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا، وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ الرِّجَالُ الصَّالِحُونَ وَقِيلَ: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً وَإِنَّمَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ (مَرَّةً) وَاحِدَةً (فِي عُمْرِهِ) إجْمَاعًا وَمَا حُكِيَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَالسَّبِيلُ) الْمَذْكُورِ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا: (الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ) أَيْ الْمَأْمُونَةُ فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ خَافَ عَلَى بَعْضِ مَالِهِ وَكَانَ يُجْحِفُ بِهِ سَقَطَ وَإِنْ لَمْ يُجْحَفْ بِهِ فَقَوْلَانِ (وَ) ثَانِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُبْدَلِ مِنْهُ أَيْ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا مِنْهُمْ فَيَكُونُ فِي الْجُمْلَةِ ضَمِيرٌ يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ إلَيْهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إمَّا لِلْبَيْتِ أَوْ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: أَيُّهَا النَّاسُ] أَيْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ] وَتَمَامُهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ: «لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» . [قَوْلُهُ: فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ] أَيْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى تَرَاخِيهِ أَوْ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ قَدْ لَا تَكُونُ مَوْجُودَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا بِالْحَقِيقَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَالتَّفْسِيرُ الْحَقِيقِيُّ أَيْ مُحَاسِبُهُ أَيْ وَحَيْثُ كَانَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُحَاسِبُ لَهُ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ. [قَوْلُهُ: بَلْ تَخْرُجُ إذَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَسُوغُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ وَإِنْ وَجَدَتْ مَحْرَمًا أَوْ زَوْجًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمُحَصَّلُ مَا فِيهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجِ أَوْ الْمَحْرَمِ أَوْ امْتِنَاعُهُمَا أَوْ عَجْزُهُمَا، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مَأْمُونَةً فِي نَفْسِهَا وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْفَرْضِ، فَلَوْ امْتَنَعَ الْمَحْرَمُ أَوْ الزَّوْجُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهَا إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا وَحَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَا بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ طَلَبَا مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ خَرَجَتْ مَعَ الرُّفْقَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُمَا إذَا طَلَبَا مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ وَلَوْ كَثُرَ مَطْلُوبُهُمَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْقِلَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ بَلْ يَكْفِي التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الزَّوْجِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَحْرَمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمَ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَاخْتُلِفَ فِي عَبْدِهَا هَلْ هُوَ مَحْرَمٌ مُطْلَقًا أَوْ لَا مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ وَغْدًا فَمَحْرَمٌ فَتُسَافِرُ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَالرُّفْقَةُ الْمَأْمُونَةُ الرِّجَالُ الصَّالِحُونَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يَخُصُّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ بِأَنْ يَكُونُوا رِجَالًا صَالِحِينَ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ الرُّفْقَةَ الْمَأْمُونَةَ إمَّا الرِّجَالُ فَقَطْ أَوْ النِّسَاءُ فَقَطْ، وَأَوْلَى لَوْ اجْتَمَعَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا. [قَوْلُهُ: بَعْضُهُمْ] أَيْ الرُّفْقَةُ [قَوْلُهُ: مَرَّةً وَاحِدَةً] مَرَّةً وَاحِدَةً مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلْعَدَدِ عَامِلُهُ فَرِيضَةٌ أَيْ: وَحَجُّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ مَرَّةً وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ حَصَلَ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَانَ نَافِلَةً مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ سُنَّةَ الْعُمْرَةِ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَقَعُ نَافِلَةً حَيْثُ حَصَلَتْ فِي عَامٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ إلَّا لِعَارِضٍ كَمَا لَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ الْحَرَمَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْإِحْرَامُ وَدَخَلَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَقَدْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ وَإِلَّا دَخَلَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَهُ الْحَطَّابُ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كَرَاهَةَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ أَشَدُّ مِنْ كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْعُمْرَةِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّبِيلُ الْمَذْكُورُ] أَيْ لَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِطَاعَةِ، فَفِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الشَّكَّ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُجْحِفْ بِهِ فَقَوْلَانِ] عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ مُكْسٍ فَإِنْ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَوْ مُعَيَّنًا مُجْحِفًا

(الزَّادُ الْمُبَلِّغُ) أَيْ الْمُوَصِّلُ (إلَى مَكَّةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مَا يُوَصِّلُهُ فَقَطْ وَهُوَ نَصُّ اللَّخْمِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ هُنَاكَ ضَاعَ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُرَاعِي مَا يُبَلِّغُهُ، وَيَرْجِعُ بِهِ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ مِمَّا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ فَلَا يَلْزَمُهُ (وَ) ثَالِثُهَا (الْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى مَكَّةَ إمَّا رَاجِلًا) أَيْ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) فَالْأَعْمَى إذَا وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ فَادِحَةٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَإِنْ حَصَلَ لَهُمَا مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَقَطَ الْوُجُوبُ وَفِي غَيْرِ الْمُجْحِفِ قَوْلَانِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا كَانَ لَا يُجْحِفُ بِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا يَنْكُثُ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَنْكُثُ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ سَقَطَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الشَّكِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ الْإِجْحَافُ بِهِ فَقَطْ نَظَرَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لَا لِذَاتِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ: وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ، وَأَمَّا السَّارِقُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِالْحِرَاسَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: الزَّادُ الْمُبَلِّغُ إلَخْ] وَيَقُومُ مَقَامَهُ حِرْفَةٌ تَقُومُ بِهِ لَا تُزْرِي وَيَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ عَدَمَ كَسَادِهَا. [قَوْلُهُ: وَخَشِيَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْخَشْيَةُ الشَّامِلَةُ لِلشَّكِّ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَعَيَّشَ فِيهِ] أَيْ بِمَا لَا يُزْرِي بِهِ مِنْ الْحِرَفِ كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ فِي زَادِهِ دَارِهِ] أَيْ الَّتِي تُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَغَيْرَهَا مِمَّا بَاعَ عَلَيْهِ مِنْ مَاشِيَةٍ وَثِيَابٍ وَلَوْ لِجُمُعَتِهِ إنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهَا وَخَادِمَهُ وَكُتُبَ الْعِلْمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهَا وَمُصْحَفًا وَآلَةَ الصَّانِعِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَا مَالَ لَهُمْ] أَيْ فَلَا يُرَاعِي مَا يَؤُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا أَوْ يَتْرُكُ أَوْلَادَهُ وَنَحْوَهُمْ لِلصَّدَقَةِ إنْ لَمْ يَخْشَ هَلَاكًا فِيمَا ذَكَرَ أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَهَذَا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَخْشَى عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ، فَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالضَّيَاعِ مَا يَشْمَلُ شِدَّةَ الْأَذَى. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ كَانَ يَتْرُكُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ وَلَوْ خَشِيَ التَّطْلِيقَ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ مِنْ فِرَاقِهَا فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا أَوْ كَانَتْ مَضَرَّةُ فِرَاقِهَا تَزِيدُ عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَزَبًا وَمَعَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَحُجُّ بِهِ أَوْ يَتَزَوَّجُ بِهِ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَيَأْثَمُ إنْ تَزَوَّجَ وَلَا يَفْسَخُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَاشِيًا] أَيْ فَإِذَا كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَشْيِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَائِمًا مَقَامَ الرَّاحِلَةِ. وَظَاهِرُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ كَاللَّخْمِيِّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ مُعْتَادًا لَهُ وَاشْتَرَطَ الْبَاجِيُّ اعْتِيَادَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَاكِبًا] اعْلَمْ أَنَّ الرُّكُوبَ يَشْمَلُ رُكُوبَ السَّفِينَةِ فَالْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ عَطَبُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَذَا الشَّأْنِ أَوْ يَخَافُ أَنْ يَضِيعَ رُكْنُ صَلَاةٍ بِأَنْ يَخْشَى إذَا قَامَ أَدْرَكَهُ الْمَيْدُ أَيْ الدَّوْخَةُ فَلَا يَرْكَبُهُ، وَكَذَا إذَا خَافَ تَضْيِيعَ شَرْطٍ كَصَلَاتِهِ بِالنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَأَمَّا إذَا اسْتَوَى عَطَبُهُ وَسَلَامَتُهُ فَاَلَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ مِثْلُ مَا إذَا غَلَبَ عَطَبُهُ فَيَسْقُطُ الْحَجُّ بِهِ، وَاسْتَظْهَرَهُ عج أَيْ فَإِذَا نَدَرَ عَطَبُهُ فَيَجِبُ الْحَجُّ. [قَوْلُهُ: فَالْأَعْمَى إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْأَعْمَى الْقَادِرَ عَلَى الْمَشْيِ إذَا وَجَدَ قَائِدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ يُوَصِّلُهُ، وَلَوْ كَانَ يُعْطِي ذَلِكَ الْقَائِدَ أُجْرَةً وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ تَقْيِيدُ الْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ لَا تُجْحِفَ بِهِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْأَعْمَى بِالذَّكَرِ قَائِلًا: كَأَعْمَى أَيْ ذَكَرٍ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَشَقَّةٌ] قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَادِحَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِفَاؤُهَا جُمْلَةً وَإِلَّا سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ غَالِبِ النَّاسِ الْمُسْتَطِيعِينَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَصْلِ الْمَشَقَّةِ، فَلَوْ تَكَلَّفَهُ مَنْ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَيْثُ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا.

[فرائض الحج وسننه وفضائله]

سَقَطَ عَنْهُمَا. وَرَابِعُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ) فَالْمَرِيضُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَجِدُ مَا يَرْكَبُ ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ فَرَائِضَ وَسُنَنًا وَفَضَائِلَ وَقَدْ بَيَّنَ الشَّيْخُ بَعْضَهَا فِي بَابِ جُمَلٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا هُنَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ صِفَةَ الْحَجِّ عَلَى التَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا، وَنَحْنُ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَنَقُولُ: مِنْ الْفَرَائِضِ الْإِحْرَامُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَلَهُ مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِتَمَامِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ كُرِهَ وَانْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالثَّانِي: شَرَعَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمِيقَاتِ) فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ كُرِهَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ وَهُوَ يَتَنَوَّعُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُحْرِمِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَكِّيًّا أَوْ آفَاقِيًّا وَالْمَكِّيُّ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ الْمُقِيمُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ لَا فَمِيقَاتُهُ لِلْحَجِّ مَكَّةُ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ وَمِيقَاتُهُ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ لِأَنَّ كُلَّ إحْرَامٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَصَدَ بِقَوْلِهِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ احْتِرَازًا مِمَّنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ طَيَرَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ فَعَلَهُ. [قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ] أَيْ مِثْلُ الْأَعْمَى أَيْ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إلَّا بِقَائِدٍ مِثْلُ الْأَعْمَى فِيمَا ذَكَرَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ حَصَلَ لَهُمَا مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُعْتَادَةٍ] هِيَ مَعْنَى الْفَادِحَةِ. [قَوْلُهُ: مَعَ صِحَّةِ الْبَدَنِ] قَالَ تت: قِيلَ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَالْقُوَّةُ عَلَى الْوُصُولِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شَرْطٌ رَابِعٌ، فَالْمَرِيضُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَوْ وَجَدَ مَا يَرْكَبُ بِهِ انْتَهَى. وَكَلَامُ شَارِحِنَا مُنَزَّلٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فِي كَلَامِ تت. [فَرَائِض الْحَجِّ وَسُنَنه وَفَضَائِله] [قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِلْحَجِّ فَرَائِضَ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ لِمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: فَنَقُولُ مِنْ الْفَرَائِضِ الْإِحْرَامُ] فَرَائِضُهُ الَّتِي لَا تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ أَرْبَعَةٌ إحْرَامٌ وَوُقُوفٌ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَسَعْيٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. [قَوْلُهُ: وَذُو الْحِجَّةِ بِتَمَامِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْهُ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي تَأْخِيرِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إلَّا بِتَأْخِيرِهِ لِلْمُحْرِمِ، وَعَلَى مُقَابِلِهِ إذَا أَخَّرَهُ إلَى حَادِي عَشَرِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الزَّمَنَ الْمُحَدَّدَ بِمَا ذُكِرَ وَقْتٌ لِلْحَجِّ تَحَلُّلًا وَإِحْرَامًا لَا إحْرَامًا فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِهِ. [قَوْلُهُ: كُرِهَ وَانْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَحَكَى اللَّخْمِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَلَمْ يَعْزُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى أَوْ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ كُرِهَ] أَيْ وَيَصِحُّ. [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ] أَيْ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَرِيدِ الْإِحْرَامِ مِنْ أَيِّ مِيقَاتٍ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِآخِرِهِ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لِلطَّاعَةِ أَوْلَى لَكِنْ يُسْتَثْنَى ذُو الْحُلَيْفَةِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ مِنْ مَسْجِدِهَا أَوْ فِنَائِهِ لَا مِنْ أَوَّلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ لَا] إلَّا أَنَّ غَيْرَ أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْآفَاقِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا إلَى مِيقَاتِهِمْ لِيُحْرِمُوا مِنْهُ حَيْثُ كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ. وَحَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ آفَاقِيًّا مُقِيمًا بِهَا لَيْسَ عَلَيْهِ سَعَةٌ مِنْ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِالْحَرَمِ كَأَهْلِ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ أَوْ كَانَ مُقِيمًا بِتِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ تَرَكُوهَا وَأَحْرَمُوا مِنْ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَخِلَافُ الْأُولَى وَلَا إثْمَ فَلَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَكَّةَ. [قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ] قَالَ بَعْضٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَوْفِهِ مَا قَابَلَ الْبَابَ بِدَلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ بَابِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ وَيُلَبِّي وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ وَلَا أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى جِهَةِ الْبَيْتِ أَيْ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ. [قَوْلُهُ: وَمِيقَاتُهُ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْقِرَانِ الْحِلُّ] أَيْ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يُحْرِمُ بِهَا الْمَكِّيُّ وَالْمُقِيمُ بِهَا إلَّا مِنْ الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحَرَمِ، وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ إنْ وَقَعَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِلِّ مَا جَاوَزَ الْحَرَمَ وَمِثْلُ الْعُمْرَةِ الْقِرَانُ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمْرَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِعَرَفَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْحَجِّ فَقَطْ بِخِلَافِ إحْرَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ وَهِيَ فِي الْحِلِّ، فَقَدْ

لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالْآفَاقِيُّ يَتَنَوَّعُ مِيقَاتُهُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ بِاخْتِلَافِ أُفُقِهِ (فَ) أَمَّا (مِيقَاتُ أَهْلِ الشَّامِ) بِالْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْأَفْصَحِ (وَ) أَهْلِ (مِصْرَ وَ) أَهْلِ (الْمَغْرِبِ) فَهُوَ (الْجُحْفَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ عَلَى نَحْوِ سَبْعِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَثَلَاثٍ وَنَحْوِهَا مِنْ مَكَّةَ، (فَإِنْ مَرُّوا) أَيْ أَهْلُ هَذِهِ الْآفَاقِ الثَّلَاثَةِ (بِالْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (فَالْأَفْضَلُ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا) وَهُوَ (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ اسْمُ مَاءٍ فِي الْأَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَشْرُ مَرَاحِلَ (وَ) أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمَعَ فِي إحْرَامِهِ لِلْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ لَكِنَّ الْقِرَانَ لَا يُطْلَبُ لَهُ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْحِلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَى وَلَا غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ إذَا خَرَجَ لِلْحِلِّ لِيُحْرِمَ مِنْهُ بِهَا فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ثُمَّ التَّنْعِيمُ، وَهِيَ مَسَاجِدُ عَائِشَةَ وَتُطْلِقُ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ الْعُمْرَةَ تَلِي الْجِعْرَانَةَ فِي الْفَضْلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْجِعْرَانَةُ أَفْضَلُ مِنْ التَّنْعِيمِ لِبُعْدِهَا عَنْ مَكَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَلِاعْتِمَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا. وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ اعْتَمَرَ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ نَبِيٍّ فَإِذَا أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ، فَإِنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحِلِّ لِأَنَّهُمَا وَقَعَا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا وَهُوَ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ، فَلَوْ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ وَسَعَى حَلَقَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُعِيدُ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ أَيْضًا بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْحِلِّ وَيَفْتَدِي لِأَنَّهُ كَمَنْ حَلَقَ فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ قَارِنًا مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ لِلْحِلِّ لَكِنَّهُ لَا يَطُوفُ وَلَا يَسْعَى بَعْدَ خُرُوجِهِ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ يَنْدَرِجُ فِيهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ حَتَّى خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَسَعَى فَالظَّاهِرُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَمَعَ فِي إحْرَامَاتِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ [قَوْلُهُ: وَالْآفَاقِيُّ يَتَنَوَّعُ مِيقَاتُهُ إلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْآفَاقِيُّ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ [قَوْلُهُ: بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ عَلَى الْأَفْصَحِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالشَّأْمُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا، وَالنِّسْبَةُ شَامِيٌّ عَلَى الْأَصْلِ وَيَجُوزُ شَآمٌ بِالْمَدِّ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ مِثْلُ يَمَنِيٍّ وَيَمَانٍ اهـ. فَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَشَارَ بِالْأَفْصَحِ إلَى أَنَّ خِلَافَهُ مِنْ التَّخْفِيفِ وَالْمَدِّ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ خِلَافُ الْأَفْصَحِ. [قَوْلُهُ: وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ] أَيْ وَمَنْ خَلَفَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ وَأَهْلِ الرُّومِ وَالتَّكْرُورِ. [قَوْلُهُ: عَلَى نَحْوِ سَبْعِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ] أَرَادَ بِالنَّحْوِ الْمَرْحَلَةَ الْوَاحِدَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: ثَمَانٍ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَقَوْلُهُ: وَثَلَاثٌ وَنَحْوُهَا مِنْ مَكَّةَ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ عَلَى نَحْوِ خَمْسِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فَانْظُرْ الْأَصَحَّ مِنْهُمَا، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَهَا. [قَوْلُهُ: فَالْأَفْضَلُ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إلَخْ] لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا نُدِبَ الْإِحْرَامُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مِيقَاتَهُمْ أَمَامَهُمْ، وَلِهَذَا لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَذْهَبُوا إلَى مَكَّةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، بِحَيْثُ لَا يَمُرُّونَ عَلَى مِيقَاتِهِمْ وَلَا يُحَاذُونَهُ لَوَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَمَا يَجِبُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ ذِي إلَخْ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُ مِنْ لِأَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِهَا ذُو الْحُلَيْفَةِ. [قَوْلُهُ: الْحُلَيْفَةُ] تَصْغِيرُ حَلْفَةٍ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: اسْمُ مَاءٍ فِي الْأَصْلِ] أَيْ لِبَنِي جُشَمَ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا الْآنَ لَيْسَ اسْمًا لِلْمَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ لِقَرْيَةٍ وَلِذَلِكَ قَالَ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ: وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مِائَةُ مِيلٍ قَالَهُ ابْنُ حَزْمٍ. [قَوْلُهُ: عَشْرُ مَرَاحِلَ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمَرْحَلَةُ الْمَسَافَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْمُسَافِرُ فِي نَحْوِ يَوْمٍ وَالْجَمْعُ الْمَرَاحِلُ اهـ. فَائِدَةٌ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهَا أَبْعَدَ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ: أَنْ يَعْظُمَ أُجُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي بُعْدِهَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَتَلَبَّسُونَ بِالْإِحْرَامِ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَيَخْرُجُونَ مُحْرِمِينَ مِنْ حَرَمٍ إلَى حَرَمٍ فَيَتَمَيَّزُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمَدِينَةِ بِحُصُولِ شَرَفِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ وَالْحَاصِلُ لِغَيْرِهِ شَرَفُ الِانْتِهَاءِ اهـ.

(مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ) زَادَ فِي الْجَلَّابِ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ فَ (ذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ قِيلَ: هُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. (وَ) أَمَّا مِيقَاتُ (أَهْلِ الْيَمَنِ) فَ (يَلَمْلَمُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَاللَّامَيْنِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ، وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ. (وَ) أَمَّا مِيقَاتُ (أَهْلِ نَجْدٍ) فَ (مِنْ قَرْنٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ الْجِبَالِ تِلْقَاءَ مَكَّةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْهَا، وَقِيلَ: هُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ (وَمِنْ مَرَّ مِنْ هَؤُلَاءِ) الْمَذْكُورِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَنَجْدٍ (بِالْمَدِينَةِ) الشَّرِيفَةِ (فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ) مَنْ مَرَّ مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ (إلَى مِيقَاتٍ لَهُ) بَعْدُ فَيُحْرِمُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذْ يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ بَعْدُ فَيُحْرِمُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ الْأَفْضَلَ فَقَطْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ بِمُجَاوَزَةِ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ بَيْنَهَا فَمِيقَاتُهُ مِنْ بَيْتِهِ، وَمَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَشِبْهِهِمْ فَلْيُحْرِمْ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ. ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الصِّفَةِ فَقَالَ: (وَيُحْرِمُ الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ بِإِثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِهِمَا (صَلَاةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ) أَيْ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ وَقِيلَ إخْلَاصًا لَك (لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: أَهْلُ الْعِرَاقِ] أَيْ كَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَقَوْلُهُ: زَادَ فِي الْجَلَّابِ إلَخْ مُفَادُهُ أَنَّ فَارِسَ وَخُرَاسَانَ خَارِجَانِ عَنْ الْعِرَاقِ، وَمُرَادُهُ فَارِسُ وَخُرَاسَانُ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هُوَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ] ذَكَرَهُ بِصِيغَةٍ قِيلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ الْقَوْلُ، وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ قَرْيَةٌ خَرِبَتْ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَلَمْ يَذْكُرْ صِيغَةَ التَّضْعِيفِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِيقَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ] أَيْ وَالْهِنْدِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ إلَخْ] وَيُقَالُ: أَلَمْلَم بِهَمْزَةٍ بَدَلَ الْيَاءِ، وَيُقَالُ يَرَمْرَم بِرَاءَيْنِ بَدَلَ اللَّامَيْنِ. [قَوْلُهُ: جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ] بِكَسْرِ التَّاءِ. [قَوْلُهُ: أَهْلُ نَجْدٍ] أَيْ نَجْدِ الْيَمَنِ وَنَجْدِ الْحِجَازِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ] فَعَلَيْهِ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا خَالَفَ الْأَفْضَلَ] أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُحْرِمَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: فَمِيقَاتُهُ مِنْ بَيْتِهِ] وَيُنْدَبُ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْأَبْعَدِ لِمَكَّةَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ مِنْ مَنْزِلِهِ وَيَلْزَمُ مَنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ حَتَّى جَاوَزَ مَنْزِلَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهُ الدَّمُ. فَائِدَةٌ: يُرْوَى أَنَّ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ كَانَ لَوْ نَوَّرَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَصِلُ آخِرُهُ لِهَذِهِ الْحُدُودِ فَمَنَعَ الشَّارِعُ مُجَاوَزَتَهَا لِمُرِيدِ الْحَجِّ بِلَا إحْرَامٍ تَعْظِيمًا لِتِلْكَ الْآيَاتِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُحْرِمْ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ] هَذَا خَاصٌّ بِمَنْ حَجَّ فِي بَحْرِ الْقُلْزُمِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ فَجَعَلَهُ يَجِبُ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى الْجُحْفَةَ، فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ إلَى الْبَرِّ لَزِمَهُ هَدْيٌ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ فِي بَحْرِ عَيْذَابٍ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْهِنْدِ أَوْ الْيَمَنِ فَلَا يَلْزَمُ الْإِحْرَامَ فِيهِ بِمُحَاذَاتِهِ الْمِيقَاتَ لِأَنَّ فِيهِ خَوْفًا وَخَطَرًا مِنْ أَنْ تَرُدَّهُ الرِّيحُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ مِثْلُهُ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِ الْإِحْرَامَ إلَى الْبَرِّ فِي هَذَا قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: بِإِثْرِ صَلَاةٍ] لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ إحْرَامِهِ بَعْدَ السَّلَامِ بَلْ حَتَّى يَسْتَوِي عَلَى رَاحِلَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ رَاحِلَةٌ يَرْكَبُهَا، أَوْ حَتَّى يُسْرِعَ فِي مَشْيِهِ حَالَ كَوْنِهِ يَقُولُ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ إذْ لَوْ أَحْرَمَ الرَّاكِبُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ وَأَحْرَمَ الْمَاشِي قَبْلَ مَشْيِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: يَقُولُ لَبَّيْكَ إلَخْ] أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِلًا أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي نَفْسِهَا وَاجِبَةٌ وَيُسَنُّ مُقَارَنَتُهَا لِلْإِحْرَامِ وَيُنْدَبُ تَجْدِيدُهَا أَوْ يُسَنُّ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَصْلُ طَوِيلًا فَدَمٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، وَلَوْ رَجَعَ وَلَبَّى لَا يَسْقُطُ عَنْهُ: وَمِثْلُ الطُّولِ مَا إذَا تَرَكَهَا جُمْلَةً فَلَوْ أَتَى بِهَا أَوَّلَهُ وَلَوْ مَرَّةً ثُمَّ تَرَكَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ إذَا قَالَهَا مَرَّةً، كَمَا إذَا قَلَّ الْفَصْلُ وَيُلَبِّي الْأَعْجَمِيُّ بِلِسَانِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْعَرَبِيَّةَ، وَيُلَبِّي الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ كَذَاكِرِ اللَّهِ وَمَنْ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يُلَبَّى عَنْهُ، وَلَوْ أَتَى عِوَضَهَا بِتَسْبِيحٍ أَوْ

إنَّ الْحَمْدَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِكَسْرِهَا وَاخْتَارَهُ الْجُمْهُورُ (وَالنِّعْمَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَشْهَرِ (لَك وَالْمُلْكَ) اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْوَقْفَ عَلَيْهِ وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: (لَا شَرِيكَ لَك وَيَنْوِي عَمَّا أَرَادَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) اشْتَمَلَ كَلَامُهُ هَذَا عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَعَلَى سُنَّتَيْنِ وَمُسْتَحَبٍّ أَمَّا حَقِيقَةً فَقَالَ ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فِي مَنَاسِكِ خَلِيلٍ حَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ فِي أَحَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَهْلِيلٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ، أَمَّا إنْ أَتَى عِوَضَهَا بِمَعْنَاهَا كَإِجَابَةٍ إلَخْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ أَجْنَبِيٍّ. [قَوْلُهُ: أَيْ إجَابَةٌ] أَيْ أَنَّ لَبَّيْكَ وَكَذَلِكَ أَخَوَاتُهُ مِنْ سَعْدَيْكَ وَدَوَالَيْكَ مَصَادِرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ مُثَنَّاةٌ لَفْظًا، مَعْنَاهَا التَّكَثُّرُ وَالتَّكْرِيرُ الدَّائِمُ عَامِلُهَا مُقَدَّرٌ مِنْ مَعْنَاهَا أَيْ أَجَبْتُك إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ. قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ أَيْ أَجَبْت إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ اهـ. إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُ بَعْضٍ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إجَابَةً بَعْدَ إجَابَةٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] فَهَذِهِ الْإِجَابَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ أَيْ الَّتِي أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ: أَيْ إجَابَةٌ إجَابَةٌ قَوْله تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] يُقَالُ: إنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ فَبَنَاهُ فَلَمَّا أَتَمَّهُ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فَقَالَ: يَا رَبِّ وَأَيْنَ يَبْلُغُ صَوْتِي فَقَالَ: عَلَيْك النِّدَاءُ وَعَلَيْنَا الْبَلَاغُ، فَقِيلَ: إنَّهُ صَعِدَ عَلَى الْمَقَامِ وَقِيلَ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَى أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ لِلَّهِ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَكَانُوا يُجِيبُونَهُ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَمِنْ بُطُونِ النِّسَاءِ وَأَصْلَابِ الرِّجَالِ. فَائِدَةٌ: أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ أَهْلُ الْيَمَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَفِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّلْبِيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى إكْرَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ بِأَنَّ وُفُودَهُمْ عَلَى بَيْتِهِ إنَّمَا كَانَ بِاسْتِدْعَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إخْلَاصًا لَك] أَيْ أَخْلَصْت إخْلَاصًا أَيْ فَالتَّنْبِيهُ مِنْ اللُّبِّ وَهُوَ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَفَادَهُ زَرُّوقٌ ق شَرْحُ الْإِرْشَادِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ] أَيْ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ وَكَسْرُهَا أَيْ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ إشَارَةً إلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَتَّى قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنَّ الْفَتْحَ رِوَايَةُ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ لِخُصُوصِ هَذَا السَّبَبِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْبَارِيَ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ لِذَاتِهِ وَبُحِثَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ الْكَسْرِ لِلتَّعْلِيلِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِئْنَافٌ جَوَابًا عَنْ السُّؤَالِ عَنْ الْعِلَّةِ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي الْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَشْهَرِ] أَيْ لِعَطْفِهِ عَلَى مَنْصُوبِ " إنَّ " قَبْلَ الِاسْتِكْمَالِ، وَمُقَابِلُ الْأَشْهَرِ جَوَازُ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ لَك الْمُصَرَّحُ بِهَا فِي الْمُصَنَّفِ، وَخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ أَوْ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ خَبَرُ إنَّ، وَمَعْنَى: النِّعْمَةُ لَك أَنَّهَا ثَابِتَةٌ لَك لِأَنَّك الْمُنْعِمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُلْكَ] بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ، وَأَفْرَدَ الْمُلْكَ لِأَنَّ الْحَمْدَ مُتَعَلِّقُ النِّعْمَةِ وَلِهَذَا يُقَالُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ: لَا مَجْدَ إلَّا لَك، وَأَمَّا الْمُلْكُ فَهُوَ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ ذُكِرَ لِتَحْقِيقِ أَنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا لِلَّهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمُلْكِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالْمُلْكَ لَك وَالتَّصَرُّفُ التَّامُّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ لَك. [قَوْلُهُ: اخْتَارَ بَعْضُهُمْ إلَخْ] لَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ عَدَمَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا شَرِيكَ لَك أَيْ فِي الْمُلْكِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَيْ لَا شَرِيكَ لَك فِي الذَّاتِ وَلَا فِي الصِّفَاتِ وَلَا فِي الْمُلْكِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْمُلْكِ وَالِابْتِدَاءَ بِقَوْلِهِ: لَا شَرِيكَ لَك يُفِيدُ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِحْرَامُ] أَيْ الَّذِي أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْوِي أَيْ فَالْإِحْرَامُ النِّيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَبَيَانُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى رُكْنٍ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَيَنْوِي إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ وَيُحْرِمُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ] أَيْ التَّلْبِيَةُ. [قَوْلُهُ: الدُّخُولُ بِالنِّيَّةِ] فِي الْعِبَارَةِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ النِّيَّةُ مَعَ الْغَيْرِ. [قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ

النُّسُكَيْنِ مَعَ قَوْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَالتَّلْبِيَةِ أَوْ فِعْلٍ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَالتَّوَجُّهِ عَلَى الطَّرِيقِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَيْسَتْ التَّلْبِيَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي جَعْلِهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٌ وَسَنَدٌ وَغَيْرُهُمْ: يَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا، وَأَمَّا السُّنَّتَانِ فَإِحْدَاهُمَا الْإِحْرَامُ إثْرَ صَلَاةٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَابِ جُمَلٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا اسْتِوَاءُ الْإِحْرَامِ عَقِبَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ وَفِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ كَوْنُ الْإِحْرَامِ عَقِبَ صَلَاةٍ مُطْلَقًا سُنَّةٌ، وَكَوْنُهُ عَقِبَ نَافِلَةٍ مُسْتَحَبٌّ وَسَبَبُ الْخِلَافِ الِاخْتِلَافُ فِي إحْرَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَلْ كَانَ عَقِبَ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَلْيُؤَخِّرْهُ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتًا فَيُحْرِمُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالسُّنَّةُ الثَّانِيَةُ التَّلْبِيَةُ وَالْمُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا تَلْبِيَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَيُؤْمَرُ) مَرِيدُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي جُمَلٍ (أَنْ يَغْتَسِلَ عِنْدَ) إرَادَةِ (الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ) لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِلْإِحْرَامِ وَاغْتَسَلَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْغُسْلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ] أَيْ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَبِعْتُ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلٌ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَالتَّوَجُّهِ] احْتِرَازًا عَنْ الْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ أَيْضًا] أَيْ الشَّيْخُ خَلِيلٌ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ] أَيْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ التَّلْبِيَةُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ] أَيْ بَلْ يَكْفِي الْفِعْلُ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّلْبِيَةِ أَوْ الْفِعْلِ كَافٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَحْصِيلِ إلَخْ] هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ، بَلْ الْأَنْسَبُ عَلَى خِلَافِ الْمَشْهُورِ أَنَّ إحْرَامَهُ عَقِبَ فَرْضِ سُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَعَقِبَ نَفْلِ سُنَّةٍ فَقَطْ كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَشْهُورَ كَوْنُهُ إلَخْ] وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ الْفَرْضَ الْعَيْنِيَّ أَصَالَةً أَوْ وَلَوْ بِالْعُرُوضِ كَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَتْ وَنَذْرِ نَفْلٍ، وَانْظُرْ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ هَلْ كَرَكْعَتَيْهِ أَوْ الْفَرْضُ الْأَصْلِيُّ. [قَوْلُهُ: هَلْ كَانَ عَقِبَ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ] اُنْظُرْ مَا تِلْكَ الْفَرِيضَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ كَمَا أَشَرْنَا أَنَّ قَضِيَّةَ كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ فَرِيضَةٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَوْنَهُ عَقِبَ صَلَاةٍ مُطْلَقًا سُنَّةٌ، وَكَوْنَهُ عَقِبَ فَرْضٍ فِيهِ نَدْبٌ زَائِدٌ عَلَى السُّنَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا قِيلَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْإِحْرَامَ عَقِبَ صَلَاةٍ مُطْلَقًا سُنَّةٌ، وَعَقِبَ نَفْلٍ مُسْتَحَبٌّ زِيَادَةً عَلَى السُّنَّةِ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ أَنَّ إحْرَامَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نَفْلٍ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ] أَيْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ. [قَوْلُهُ: فَلْيُؤَخِّرْهُ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ السُّنِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتًا] أَيْ فَوْتَ أَصْحَابِهِ أَوْ يُرَاهِقُ، وَكَذَا غَيْرُ الْخَائِفِ وَالْمُرَاهِقِ لَا يَرْكَعُهُمَا بِوَقْتِ نَهْيٍ حَالَ إحْرَامِهِ بِهِ. [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ] أَيْ فِي وَقْتِ نَهْيٍ وَكَذَا فِي وَقْتِ غَيْرِ نَهْيٍ إذْ لَيْسَتَا وَاجِبَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: الِاقْتِصَارُ إلَخْ] لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَادَ: لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحُسْنِ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْك وَمَرْغُوبًا إلَيْك. وَابْنُهُ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْك. [قَوْلُهُ: وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ] كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ] قَدْرَ إرَادَةٍ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْغُسْلَ مُقْتَرِنٌ بِالْإِحْرَامِ لَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْغُسْلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِحْرَامِ] فَلَوْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ لَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْغُسْلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْإِحْرَامِ] فَلَوْ اغْتَسَلَ غَدْوَةً وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الظُّهْرِ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ غُسْلِهِ بِشَدِّ رَحْلِهِ وَإِصْلَاحِ جِهَازِهِ أَجْزَأَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْغُسْلَ نَفْسَهُ سُنَّةٌ وَاتِّصَالُهُ سُنَّةٌ أُخْرَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْبِهُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ] أَيْ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ. [قَوْلُهُ: كَغُسْلِ

لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلَا يَتَيَمَّمُ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا أَوْ نَسِيَانَا دَمٌ، وَكَذَلِكَ بَاقِي اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى سُنِّيَّتِهِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْ فَذَكَر أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهَا فَلْتَغْتَسِلْ ثُمَّ لِتُهِلَّ» بَهْرَامُ: وَإِذَا جَهِلَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ الْغُسْلَ حَتَّى أَحْرَمَتْ فَقَالَ مَالِكٌ: تَغْتَسِلُ إذَا عَلِمَتْ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَيُسْتَحَبُّ لِمَرِيدِ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَأَنْ لَا يَحْلِقَ رَأْسَهُ طَلَبًا لِلشُّعْثِ. (وَ) يُؤْمَرُ أَيْضًا إنْ كَانَ رَجُلًا عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ أَنْ (يَتَجَرَّدَ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ) وَيَلْبَسَ إزَارًا وَرِدَاءً وَنَعْلَيْنِ (وَيُسْتَحَبُّ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ إنْ كَانَ غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ (أَنْ يَغْتَسِلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ هَذَا الْغُسْلِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ جُمَلٍ أَيْضًا، وَنَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ، وَنَصَّ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ سُنَّةٌ آكَدُهَا غُسْلُ الْإِحْرَامِ وَيَتَدَلَّك فِيهِ دُونَ غُسْلِ مَكَّةَ وَعَرَفَةَ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ غُسْلَ مَكَّةَ بِذِي طَوَى بِفَتْحِ الطَّاءِ مَقْصُورٌ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى ذِي طَوَى اغْتَسَلَ مِنْ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَشَارَ إلَى سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ تَجْدِيدُ التَّلْبِيَةِ فَقَالَ (وَلَا يَزَالُ) الْمُحْرِمُ (يُلَبِّي دُبُرَ الصَّلَوَاتِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمُعَةِ] أَيْ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا] أَيْ أَوْ جَهْلًا. [قَوْلُهُ: أَسْمَاءُ] بِنْتُ عُمَيْسٍ وَكَانَتْ نُفَسَاءَ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. [قَوْلُهُ: لِتُهِلَّ] أَيْ تُحْرِمَ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا] قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ النَّاسِي وَالْمُتَعَمِّدُ لِتَرْكِهِ كَذَلِكَ أَمْ لَا، ثُمَّ إنَّهُ إذَا فَعَلَهُ الْجَاهِلُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ فَإِنَّهُ يُخَفِّفُ فِي الدَّلْكِ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ فِي تَقْرِيرِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَحْلِقَ رَأْسَهُ] أَيْ فَالْأَفْضَلُ إبْقَاؤُهُ وَتَلْبِيدُهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ لِيَلْتَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ زَمَنَ الْإِحْرَامِ سَتْرُهُ بِأَيِّ سَاتِرٍ وَلَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ أَوْ مَخِيطٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّجَرُّدُ مِنْ مَخِيطِ الثِّيَابِ وَمِنْ مُحِيطِهَا وَإِنْ بِعُضْوٍ أَوْ نَسْجٍ أَوْ زِرٍّ أَوْ عَقْدٍ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ السُّنِّيَّةُ مُنَصَّبَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَتَجَرَّدُ وَيَلْبَسُ إزَارًا وَرِدَاءً وَنَعْلَيْنِ، أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ أَوْرَدَ الْبَحْثَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي فَقَالَ: اُنْظُرْ قَوْلَهُمْ التَّجَرُّدُ مِنْ الْمَخِيطِ سُنَّةٌ مَعَ قَوْلِهِمْ لُبْسُهُ حَرَامٌ. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تُفْعَلُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ التَّجَرُّدُ أَوَّلًا مِنْ الْمَخِيطِ ثُمَّ الْغُسْلُ ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الْإِحْرَامُ، وَيَلْبَسُ الْإِزَارَ فِي وَسَطِهِ وَنَعْلَيْنِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: إزَارًا] يَأْتَزِرُ بِهِ فِي وَسَطِهِ إمَّا بِأَنْ يَرْشُقَ طَرَفَ الْإِزَارِ مِنْ نَاحِيَةِ لَحْمِهِ أَوْ يَلُفَّ طَرَفَيْهِ فِي بَعْضِهِمَا وَيَشُدَّهُمَا عَلَى لَحْمِهِ وَلَا يَرْبِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلَا بِحِزَامٍ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ افْتَدَى. [قَوْلُهُ: وَنَعْلَيْنِ] أَيْ الْمَعْرُوفَيْنِ بِالْخُدْوَةِ كَنِعَالِ التَّكْرُورِ لَا مَا سَيْرُهُ عَرِيضٌ كَالتَّاسُومَةِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَجَرَّدُ عِنْدَ إحْرَامِهَا بَلْ تَكْشِفُ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ غَيْرَ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ] أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ فَلِذَا لَا يُطْلَبُ مِمَّا ذُكِرَ لِمَنْعِهِمَا مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِدُخُولِ مَكَّةَ أَوْ مَا فِي حُكْمِ الْمُتَّصِلِ، فَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ بَاتَ خَارِجَهَا لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَنَصَّ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ سُنَّةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ سُنَّةٌ فِيهِ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ مُحْتَمَلٌ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّ الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ مَنْدُوبٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ مُتَّصِلًا بِوُقُوفِهِ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ مُقَدَّمًا عَلَى الصَّلَاةِ، وَيُطْلَبُ بِهِ كُلُّ وَاقِفٍ وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ سَنَدٌ وَلَوْ اغْتَسَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ لَمْ يُجْزِهِ. [قَوْلُهُ: وَيَتَدَلَّك فِيهِ دُونَ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الدَّلْكُ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُخَفِّفُهُ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ إلَخْ] فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الطَّاءِ مَقْصُورٌ] عِبَارَةُ غَيْرِ مُثَلَّثِ الطَّاءِ. [قَوْلُهُ: مِنْ مِقْدَارِ مَا بَيْنَهُمَا] أَيْ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَذِي طَوًى. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ يُلَبِّي إلَخْ] حُكْمُ ذَلِكَ النَّدْبُ وَقِيلَ السُّنِّيَّةُ. [قَوْلُهُ: الْمَفْرُوضَاتُ] ظَاهِرُ الشَّارِحِ كَالْمُصَنَّفِ وَلَوْ

الْمَفْرُوضَاتِ وَالنَّوَافِلِ (وَعِنْدَ كُلِّ شَرَفٍ) أَيْ مَكَان عَالٍ وَفِي بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ (وَعِنْدَ مُلَاقَاةِ الرِّفَاقِ) جَمْعُ رُفْقَةٍ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا الْجَمَاعَةُ يَرْتَفِقُونَ فَيَنْزِلُونَ مَعًا وَيَرْتَحِلُونَ مَعًا، وَيَرْتَفِقُ بَعْضُهُمْ بِمَؤُونَةِ بَعْضٍ وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ مِنْ النَّوْمِ وَفِي الْمَنَازِلِ، وَلَا يَرُدُّ الْمُلَبِّي سَلَامًا حَتَّى يَفْرُغَ، وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ لِلرِّجَالِ وَلَا يُعْلِي صَوْتَهُ جِدًّا لِئَلَّا يَعْقِرَ حَلْقَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُسْمِعُ نَفْسَهَا وَلَا تُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ لِلْجُنُبِ وَلَا لِلْحَائِضِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُحْرِمِ (كَثْرَةُ الْإِلْحَاحِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّلْبِيَةِ لَا وُجُوبًا وَلَا اسْتِحْبَابًا بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِلْحَاحَ وَالْإِكْثَارَ وَهُوَ مُلَازَمَةُ التَّلْبِيَةِ حَتَّى لَا يَفْتُرَ عَنْ ذَلِكَ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُلِحُّ لَا يَسْكُتُ حَتَّى تَفُوتَهُ الشَّعِيرَةُ. ثُمَّ بَيَّنَ غَايَةَ التَّلْبِيَةِ بِقَوْلِهِ: (فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ أَمْسَكَ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَتَّى يَطُوفَ وَيَسْعَى) عَلَى مَا شَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ، وَالْكَفُّ عَنْ التَّلْبِيَةِ حَالَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ مَقْضِيَّةً. وَانْظُرْهُ وَهَلْ يُلَبِّي عَقِبَ الصَّلَوَاتِ قَبْلَ الْمُعَقِّبَاتِ أَوْ بَعْدَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَحُرِّرَ. [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ كُلِّ شَرَفٍ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَالَةِ الصُّعُودِ عَلَى الْمَكَانِ الْعَالِي وَفِي الْمُرُورِ عَلَيْهِ لَا إنْ أَرَادَ الْمُكْثَ فِيهِ فَيَسْقُطُ الطَّلَبُ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَفِي بُطُونٍ إلَخْ، أَيْ يُلَبِّي فِي حَالِ الْهُبُوطِ وَفِيهَا وَفِي الْمُرُورِ فِيهَا لَا إنْ أَرَادَ الْمُكْثَ فِيهَا فَيَسْقُطُ الطَّلَبُ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ: لَا يَخْفَى أَنَّ تَجْدِيدَ التَّلْبِيَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الذَّاهِبِ مُحْرِمًا، وَأَمَّا لَوْ نَسِيَ حَاجَةً وَرَجَعَ إلَيْهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُلَبِّي وَلَكِنَّ هَذَا السَّعْيَ لَيْسَ مِنْ سَعْيِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا] ظَاهِرُهُ مُسَاوَاةُ الْكَسْرِ لِلضَّمِّ، وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ وتت بِضَمِّ الرَّاءِ وَقَدْ تُكْسَرُ انْتَهَى. فَهَذَا يُفِيدُ قِلَّةَ الْكَسْرِ [قَوْلُهُ: فَيُنْزِلُونَهُ إلَخْ] تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ يَرْتَفِقُونَ إلَخْ [قَوْلُهُ: بِمَؤُونَةِ بَعْضٍ] أَيْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ] أَيْ وَيُلَبِّي عِنْدَ الْيَقَظَةِ [قَوْلُهُ: وَفِي الْمَنَازِلِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَفِي النُّزُولِ فِي الْمَنَازِلِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ] أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَفْرُغَ] وَإِذَا فَرَغَ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ بَاقِيًا أَوْ ذَهَبَ، وَمِثْلُهُ الْمُؤَذِّنُ وَأَمَّا قَاضِيَ الْحَاجَةِ فَلَا يَرُدُّ لَا فِي حَالَةِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ مُتَلَبِّسٌ بِفِعْلٍ يَمْنَعُ مِنْ الذِّكْرِ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُلَبِّي فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَلَبِّسٌ بِذِكْرٍ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ] أَيْ لَا سُنَّةً وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى لِأَنَّهُمَا بُنِيَا لِلْحَجِّ، وَقِيلَ لِلْأَمْنِ فِيهِمَا مِنْ الرِّيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعْلِي صَوْتَهُ جِدًّا] أَيْ يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: لِئَلَّا يَعْقِرَ حَلْقَهُ أَيْ يُضْعِفَهُ. [قَوْلُهُ: تُسْمِعُ نَفْسَهَا] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَلَا تُكْرَهُ التَّلْبِيَةُ لِلْجُنُبِ وَلَا لِلْحَائِضِ] أَيْ بَلْ يُطْلَبَانِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حِينَ حَاضَتْ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنَّك لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» انْتَهَى. [قَوْلُهُ: بَلْ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَخْ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ بِاسْتِحْبَابِ الْكَثِيرِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُعْتَادِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُلِحُّ لَا يَسْكُتُ حَتَّى تَفُوتَهُ الشَّعِيرَةُ] أَيْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُتَوَسَّطَ فِي التَّلْبِيَةِ فَلَا يَكْسِرُهَا جِدًّا حَتَّى يَلْحَقَهُ الضَّجَرُ، وَلَا يَتْرُكُ جِدًّا حَتَّى يَفُوتَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهُوَ الشَّعِيرَةُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالشَّعَائِرُ أَعْلَامُ الْحَجِّ وَأَفْعَالُهُ الْوَاحِدَةُ شَعِيرَةٌ اهـ. وَعَطْفُ الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَعْلَامِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا دَخَلَ إلَخْ] دَخَلَ الْمَحْرَمَ بِحَجٍّ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا. [قَوْلُهُ: أَمْسَكَ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا يَقْطَعُهَا حَتَّى يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ قَوْلَيْنِ فَقَالَ: وَهَلْ لِمَكَّةَ أَوْ لِلطَّوَافِ خِلَافٌ أَيْ حَتَّى يَبْتَدِئَ الطَّوَافَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ احْتِرَازًا مِنْ الْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ فَقَطْ مِنْ الْمِيقَاتِ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ أَحْرَمَ بِهَا

مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ يُسْتَحَبُّ فِيهَا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّضَرُّعِ، وَإِخْلَاصِ الْقَلْبِ فَيُكْرَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (يُعَاوِدُهَا) أَيْ التَّلْبِيَةَ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا) مَا ذَكَرَهُ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّلْبِيَةِ بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَمَشَى عَلَيْهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِهِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَالرَّوَاحُ إلَى مُصَلَّاهَا هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَصَدَرَ بِهَا ابْنُ الْحَاجِبِ، وَرُوِيَ يَقْطَعُهَا عِنْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ اللَّخْمِيُّ لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْحَاجِّ أَوْ الْمُعْتَمِرِ، (أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءِ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَا وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا الدُّخُولِ أَنَّ نِسْبَةَ بَابِ الْبَيْتِ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ وَجْهِ الْإِنْسَانِ إلَيْهِ، وَأَمَاثِلُ النَّاسِ إنَّمَا يُقْصَدُونَ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ لَا مِنْ جِهَةِ ظُهُورِهِمْ، وَمَنْ أَتَى مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَأْتِ مِنْ قُبَالَةِ الْبَابِ، وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا يَطُوفُ فَإِنْ طَافَ فَلَا يَرْكَعُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَدِمَتْ نَهَارًا أَنْ تُؤَخِّرَ الطَّوَافَ إلَى اللَّيْلِ (وَ) كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ (إذَا خَرَجَ) مِنْ مَكَّةَ أَنْ (يَرْجِعَ مِنْ كُدًى) وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِفَوَاتِ الْحَجِّ، أَيْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَتَمَادَ عَلَيْهِ بَلْ فَاتَهُ بِحَصْرٍ أَوْ مَرَضٍ وَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُلَبِّي لِحَرَمِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ مِنْ الْجِعْرَانَةِ وَالتَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي إلَى دُخُولِ مَكَّةَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُحْرِمَ مَكَّةَ بِالْحَجِّ يُلَبِّي بِالْمَسْجِدِ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَيَنْتَهِي إلَى رَوَاحِ مُصَلَّى عَرَفَةَ كَالْمُحْرِمِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ تَارَةً يُحْرِمُ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَارَةً قَبْلُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ يُلَبِّي لِلزَّوَالِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَتَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَبَّى لَهَا ثُمَّ قَطَعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّهَا تَوَجُّهُهُ لِلْوُقُوفِ لَكِنَّ ظَاهِرَ النَّقْلِ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِالتَّلْبِيَةِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً تَكْفِي. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ فِيهَا كَثْرَةُ الدُّعَاءِ] الْمُرَادُ زِيَادَةُ تَأَكُّدٍ اسْتِحْبَابِ الْكَثْرَةِ لِأَنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَالتَّضَرُّعُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَإِخْلَاصُ الْقَلْبِ] عَطْفٌ عَلَى الدُّعَاءِ أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُخْلِصًا فِيمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ إخْلَاصًا قَوِيًّا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، أَيْ قَاصِدًا امْتِثَالَ أَمْرِ رَبِّهِ لَا لِرِيَاءٍ وَلَا لِسُمْعَةٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِخْلَاصِ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ لِأَشْهَبَ إذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ يُلَبِّي فِي السَّعْيِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ الزَّوَالِ إلَخْ] أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ وَصَلَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ لَبَّى لِلزَّوَالِ أَوْ زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ وُصُولِهِ لَبَّى لِوُصُولِهِ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْصَى مِنْهُمَا وَمُصَلَّى عَرَفَةَ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ نَمِرَةَ [قَوْلُهُ: لِمَا فِي مُسْلِمٍ إلَخْ] اُنْظُرْ مَا جَوَابُ الْمَشْهُورِ عَنْ هَذَا الصَّحِيحِ. [قَوْلُهُ: مِنْ كَدَاءٍ إلَخْ] إضَافَةُ كَدَاءٍ لِمَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ أَوْ أَنَّ مَا بَعْدَهُ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الثَّنِيَّةُ] أَيْ الطَّرِيقُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَيُسَمُّونَهُ الْيَوْمَ بِبَابِ الْمُعَلَّى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّاخِلِ أُتِيَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَوْ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُهَا نَهَارًا] أَيْ ضُحًى، فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: يُسْتَحَبُّ لِلْآتِي مَكَّةَ أَرْبَعٌ: نُزُولُهُ بِذِي طُوًى وَاغْتِسَالُهُ فِيهِ وَنُزُولُهُ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَمَبِيتُهُ بِالْوَادِي الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي مَكَّةَ ضُحًى [قَوْلُهُ: حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ] أَيْ وَتَحِلُّ النَّافِلَةُ. [قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ كُدًى] وَيُعْرَفُ هَذَا الْمَحَلُّ الْيَوْمَ بِبَابِ شَيْبَةَ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَفِي ذَلِكَ مُنَاسَبَةٌ حَسَنَةٌ، بَابُ الدُّخُولِ كَدَاءٌ الْمَفْتُوحُ وَبَابُ الْخُرُوجِ كُدًى الْمَضْمُومُ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلدَّاخِلِ الْفَتْحُ وَلِلْخَارِجِ الضَّمُّ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ] أَيْ كَائِنٌ مِنْ الْأَسْفَلِ أَنَّ بَعْضَ الْأَسْفَلِ [قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ الصَّحِيحُ مُسَلَّطٌ عَلَى كَدَاءٍ الْأَوَّلِ وَكُدًى الثَّانِي، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ هُوَ الْعَكْسُ وَعِبَارَةُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ كَدَاءُ الْأَوَّلُ مَفْتُوحُ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ عَلَمٌ، وَالثَّانِي مَضْمُومُ الْكَافِ مُنَوَّنٌ مَقْصُورٌ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ

كَدَاءَ الْأَوَّلَ مَفْتُوحُ الْكَافِ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَدَالُهُ مُعْجَمَةٌ، وَكُدًى الثَّانِي مَضْمُومُ الْكَافِ مُنَوَّنٌ دَالُهُ مُهْمَلَةٌ (وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْوَجْهَيْنِ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدُّخُولِ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَالْخُرُوجِ مِنْ السُّفْلَى (فَلَا حَرَجَ) أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَلَا مَسْنُونًا (قَالَ) الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِذَا دَخَلَ) الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ (مَكَّةَ فَلْيَدْخُلْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) أَيْ يُبَادِرُ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ حَطِّ رَحْلٍ وَأَكْلٍ خَفِيفٍ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَالتَّرَاخِي عَنْهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ وَقِلَّةُ هِمَّةٍ (وَإِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ (فَمُسْتَحْسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ (أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ) وَكَانَ قَبْلَ هَذَا يُعْرَفُ بِبَابِ عَبْدِ شَمْسٍ وَعَبْدِ مَنَافٍ، وَالْآنَ يُعْرَفُ بِبَابِ السَّلَامِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ عِنْدَ مَالِك رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَلَا عِنْدَ الرُّكْنِ وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا» وَبَعْدَ دُخُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْعَكْسِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، فَأَوَّلُهَا بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ مَصْرُوفًا، وَثَانِيهَا مَفْتُوحٌ مَقْصُورٌ، وَثَالِثُهَا بِضَمِّهَا الْكَافِ وَالْقَصْرِ. [قَوْلُهُ: مَهْمُوزٌ] لَازِمٌ لِقَوْلِهِ مَمْدُودٌ [قَوْلُهُ: غَيْرُ مُنْصَرِفٍ] قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّهُ عَلَمٌ وَلَا يَبْعُدُ فِيهِ مَنْعُ الصَّرْفِ إذَا حُمِلَ عَلَى الْبُقْعَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ لَيْسَتْ لِلتَّأْنِيثِ وَإِلَّا فَمَنْع مِنَّا فِيهِ أَلِفُ التَّأْنِيثِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ عَلَمًا وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ: بِفَتْحِ الْكَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودًا مُنَوَّنًا عَلَى إرَادَةِ الْمَوْضِعِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا يُصْرَفُ أَيْ عَلَى إرَادَةِ الْبُقْعَةِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَذَالُهُ مُعْجَمَةٌ] فِيهِ نَظَرٌ بِالذَّالِ غَلَطٌ بَلْ هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا حَرَجَ] هَذَا مِنْ بَابِ التَّصْرِيحِ بِمَا لَا يُتَوَهَّمُ [قَوْلُهُ: وَلَا مَسْنُونًا] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ فِي تَرْكِ السُّنَّةِ الْإِثْمَ وَالدَّمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَةَ قَالَ مِنْ لَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَفَادَ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَانْظُرْ مَا النُّكْتَةُ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ لِمَالِكٍ. [قَوْلُهُ: إسَاءَةُ أَدَبٍ] أَيْ إفْسَادُ أَدَبٍ [قَوْلُهُ: أَنْ يَدْخُلَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ] أَيْ الَّذِي يَدْخُلُ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْ بَابِ بَنِي سَهْمٍ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ قَبْلَ هَذَا يُعْرَفُ بِبَابِ إلَخْ] اُنْظُرْ هَلْ كَانَتْ تِلْكَ لِمَعْرِفَةٍ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالْمَعْرِفَةُ بِبَنِي شَيْبَةَ حَدَثَتْ بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: وَالْآنَ يُعْرَفُ إلَخْ هَلْ أَرَادَ زَمَنَهُ أَوْ الْأَزْمِنَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ وَمَا أَوَّلُهَا وَمَا نُكْتَةُ هَذِهِ التَّسْمِيَاتِ؟ اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ] أَيْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: وَاسْتَحَبَّهُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ اسْتَحَبَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ لِلطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ لَا الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ عِنْدَ الرُّكْنِ. وَأَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، فَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ زَرُّوقٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا حَدَّ فِي دُعَائِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ. وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ إلَخْ] عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ: «اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَتَكْرِيمًا، وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَمَهَابَةً وَتَكْرِيمًا» [قَوْلُهُ: تَشْرِيفًا] أَيْ عُلُوًّا كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، فَعَطْفُ التَّعْظِيمِ عَلَيْهِ عَطْفُ مَلْزُومٍ عَلَى لَازِمٍ [قَوْلُهُ: وَمَهَابَةً] أَيْ هَيْبَةً وَهِيَ الْإِجْلَالُ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فَيَكُونُ عَطْفُهُ عَلَى التَّعْظِيمِ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّمَهُ] أَيْ عَظَّمَهُ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: وَتَعْظِيمًا الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَكَرَّمَهُ أَنْ يَقُولَ وَتَكْرِيمًا وَيُمْكِنُ أَنَّهُ إنَّمَا أَتَى إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّكْرِيمَ وَالتَّعْظِيمَ بِمَعْنًى. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ] أَيْ أَوْ غَيْرَهُمَا وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ حَثًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي

الْمَسْجِدَ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا يَقْصِدُهُ بَعْدَ نِيَّةِ الطَّوَافِ الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ (يَسْتَلِمُ) بِمَعْنَى يَلْمِسُ (الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ) عَلَى ذَلِكَ، وَهَلْ بِصَوْتٍ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِلَامِهِ بِفِيهِ (وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ) أَيْ تَصْوِيتٍ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَبَّرَ، وَهَذَا الِاسْتِلَامُ فِي أَوَّلِ الطَّوَافِ سُنَّةٌ وَفِي بَاقِيهِ مُسْتَحَبٌّ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِلَامِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبَّلَهُ وَقَالَ لَهُ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك. (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (يَطُوفُ) بِالْبَيْتِ الشَّرِيفِ طَوَافَ الْقُدُومِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُرَاهِقٍ. وَقَوْلُنَا: أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا قُدُومَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَادِمٍ، وَقَوْلُنَا: غَيْرُ مُرَاهِقٍ احْتِرَازًا مِنْ الْمُرَاهِقِ وَهُوَ مَنْ ضَاقَ وَقْتُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لِعَرَفَاتٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلِلطَّوَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ وَمُسْتَحَبَّاتٌ أَمَّا وَاجِبَاتُهُ فَسِتَّةٌ، الْأَوَّلُ: شَرَائِطُ الصَّلَاةِ مِنْ طَهَارَتَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِنْسَانُ الْبَيْتَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ بِصَوْتٍ] أَيْ يُبَاحُ لِأَنَّ هَذَا ضَيِّقٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّوْتِ وَغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: أَمْ لَا] أَيْ يُكْرَهُ لِأَنَّ الصَّوْتَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قُبْلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِهِ بِغَيْرِ طَوَافٍ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ، وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ عَلَيْهِ وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ مُصْحَفٍ وَخُبْزٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَبَّرَ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَسَّهُ بِعُودٍ ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، فَلَا يَكْفِي الْعُودُ مَعَ إمْكَانِ الْيَدِ وَلَا الْيَدُ مَعَ إمْكَانِ التَّقْبِيلِ، ثُمَّ إنْ عَجَزَ عَنْ اللَّمْسِ كَبَّرَ وَمَضَى بِغَيْرِ إشَارَةٍ إلَيْهِ بِيَدٍ وَلَا رَفْعٍ لَهَا، وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَمَّا قَبْلَهُ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ، وَنَسَبَهُ فِي التَّوْضِيحِ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَ تَقْبِيلِهِ بِفِيهِ أَوْ وَضْعِ يَدِهِ أَوْ الْعُودِ. وَهَلْ التَّكْبِيرُ قَبْلَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ أَوْ بَعْدُ؟ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ بَعْدُ، وَابْنُ فَرْحُونَ أَنَّهُ قَبْلُ، وَتِلْكَ الْمَرَاتِبُ كَمَا تَجْرِي فِي الشَّوْطِ الْأَوَّلِ تَجْرِي فِي غَيْرِهِ، وَمِنْ سُنَنِ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الطَّوَافِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَيُسَنُّ أَيْضًا اسْتِلَامُ الْيَمَانِيِّ بِيَدِهِ أَوَّلُهَا وَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ فَيُنْدَبُ فَقَطْ وَالْمَسُّ بِالْعُودِ خَاصٌّ بِالْحَجَرِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِلَامِ الْيَمَانِيِّ كَبَّرَ. [قَوْلُهُ: إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ] قَالَ تت: فِي شَرْحَهُ عَلَى خَلِيلٍ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا قَبَّلْتُك وَرُوِيَ أَنَّ أُبَيًّا قَالَ لَهُ: إنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلَقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ قَبَّلَهُ وَاسْتَلَمَهُ وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ. وَقِيلَ: إنَّ عَلِيًّا قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بَلْ هُوَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ قَالَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، كَتَبَ كِتَابًا وَأَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ فَهُوَ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ذَلَقٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ طَلْقٌ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. وَفِي عِبَارَةٍ أَيْ حَدِيدٌ بَلِيغٌ وَوَرَدَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَلِيٍّ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْت فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ وَاجِبٌ] أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَنَاسٍ، إلَّا أَنْ يَزُولَ مَانِعُ كُلٍّ وَيَتَّسِعَ الزَّمَنُ فَيَجِبُ. [قَوْلُهُ: مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ] أَيْ إمَّا وُجُوبًا كَالْآفَاقِيِّ الْقَادِمِ مُحْرِمًا بِحَجٍّ أَوْ نَدْبًا كَالْمُقِيمِ بِمَكَّةَ الَّذِي مَعَهُ نَفْسٌ وَخَرَجَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، وَكَذَا الْمُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ إنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ بِأَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا مُقْتَحِمًا لِلنَّهْيِ، فَمَعْنَى إنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ أَيْ إنْ طَلَبَ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْحِلِّ وُجُوبًا أَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَرَمِ [قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ] هَذَا حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْهُ عَمْدًا حَتَّى ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَتْرُكُهُ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ [قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ هُوَ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رُكْنًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا [قَوْلُهُ: مِنْ طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ] فَلَوْ طَافَ مُحْدِثًا وَلَوْ عَجْزًا أَوْ نِسْيَانًا ابْتَدَأَهُ. وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ الطَّوَافُ رُكْنًا.

الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَأَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ تَطَهَّرَ وَابْتَدَأَ وَلَا يَبْنِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ نَجَاسَةً نَزَعَهَا وَبَنَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُبَاحُ فِيهِ الْكَلَامُ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ» وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الطَّوَافُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ. وَالثَّالِثُ: جَعْلُ الْبَيْتِ عَلَى يَسَارِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْبَيْتُ) الشَّرِيفُ (عَلَى يَسَارِهِ) فَلَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ فَيَقِفَ قَبْلَ الرُّكْنِ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَجَرُ عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ لِيَسْتَوْعِبَ جُمْلَتَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْحَجَرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَقَعُ فِيهِ الْجُهَّالُ وَيَكُونُ فِي طَوَافِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ فَلَا يَمْشِي عَلَى شَاذَرْوَانِهِ وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمُحْدَوْدَبُ الَّذِي فِي جِدَارِ الْبَيْتِ، وَأُسْقِطَ مِنْ أَسَاسِهِ وَلَمْ يُرْفَعْ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ وَلِأَجْلِ كَوْنِهِ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا قِيلَ الْحَجَرُ فَلْيُثَبِّتْ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعْ قَائِمًا كَمَا كَانَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَبِّلَهُ ثُمَّ يَمْشِيَ وَهُوَ مُطَأْطِئٌ رَأْسَهُ لِئَلَّا يَحْصُلَ بَعْضُ الطَّوَافِ وَلَيْسَ جَمِيعُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الْبَيْتِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَطُوفَ (سَبْعَةَ أَطْوَافٍ) جَمْعُ طَوْفٍ وَهُوَ الشَّوْطُ وَذَلِكَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ. الْخَامِسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ إلَخْ] قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا صِحَّةُ طَوَافِ الْحُرَّةِ إنْ كَانَتْ بَادِيَةَ الْأَطْرَافِ وَتُعِيدُ اسْتِحْبَابًا مَا دَامَتْ بِمَكَّةَ أَوْ حَيْثُ يُمْكِنُهَا الْإِعَادَةُ وَقَالَ آخَرُ: الظَّاهِرِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِمَكَّةَ لِأَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ خَرَجَ وَقْتُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُبْنَى عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فَقَدْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي الطَّوَافِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَيَبْنِي، وَلَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ. [قَوْلُهُ: نَزَعَهَا وَبَنَى] أَيْ أَوْ يَغْسِلُهَا وَيَبْنِي إنْ لَمْ يُطِلْ وَإِلَّا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ، وَمِثْلُ التَّذَكُّرِ مَا إذَا سَقَطَتْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ الْقَائِلِ: إنْ عَلِمَ فِي طَوَافِهِ يَقْطَعُ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ كَثِيرَةً وَأَعَادَ طَوَافَهُ انْتَهَى. وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَمْ يُعِدْ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: كَمَنْ صَلَّى بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: فَمَنْ تَكَلَّمَ إلَخْ] أَيْ فَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ جَعْلُ الْبَيْتِ إلَخْ] فَلَوْ طَافَ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ قُبَالَةَ وَجْهِهِ أَوْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ لَمْ يَصِحَّ وَيَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كَانَ رُكْنًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ مُسْتَقِيمًا فَلَوْ مَشَى الْقَهْقَرَى لَمْ يَصِحَّ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ الرُّكْنِ] قَبْلُ مُقَابِلُ بَعْدُ [قَوْلُهُ: الرُّكْنِ] قَبْلُ مُقَابِلُ بَعْدُ [قَوْلُهُ: الرُّكْنِ] أَيْ الْحَجَرُ فَقَوْلُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الْحَجَرُ إظْهَارًا فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ نُكْتَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكْنِ الْحَجَرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: عَنْ يَمِينِ مَوْقِفِهِ] كَذَا فِي الْفَاكِهَانِيِّ وَالْمُنَاسِبُ عَنْ يَسَارِ مَوْقِفِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى شَاذَرْوَانَ] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ: الشَّاذَرْوَانُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ. وَقَالَ ابْنُ رَشِيدٍ: هُوَ لَفْظَةٌ عَجَمِيَّةٌ مَكْسُورُ الذَّالِ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ خُرُوجُ كُلِّ الْبَدَنِ أَيْضًا عَنْ مِقْدَارِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ سُمِّيَ حِجْرًا لِاسْتِدَارَتِهِ وَهُوَ مَحُوطٌ مُدَوَّرٌ عَلَى صُورَةِ نِصْفِ دَائِرَةٍ خَارِجٌ عَنْ جِدَارِ الْكَعْبَةِ فِي جِهَةِ الشَّامِ [قَوْلُهُ: وَأُسْقِطَ مِنْ أَسَاسِهِ] أَيْ أُزِيلَ مِنْ أَسَاسِهِ أَيْ الْبَيْتِ، أَيْ فَلَمْ يَقُمْ بِنَاءُ الْبَيْتِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْفَعْ عَلَى اسْتِقَامَتِهِ] أَيْ لَمْ يُرْفَعْ رَفْعًا جَارِيًا عَلَى اسْتِقَامَةِ الْبَيْتِ أَيْ مُمَاثِلًا لِاسْتِقَامَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَثْبُتْ] مِنْ أَثْبَتَ أَوْ ثَبَّتَ بِالتَّضْعِيفِ أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُطَأْطِئُ رَأْسِهِ] أَيْ أَوْ يَدِهِ أَوْ وَطِئَهُ بِرِجْلِهِ فَلَا يَصِحُّ طَوَافُهُ [قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَحْصُلَ إلَخْ] وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْضُ الْبَدَنِ عَلَى الشَّاذَرْوَانِ [قَوْلُهُ: سَبْعَةَ أَطْوَافٍ] فَإِنْ نَقَصَ مِنْهَا، شَوْطًا أَوْ بَعْضَهُ وَلَوْ شَكًّا مِنْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ رَجَعَ لَهُ وَأَمَّا لَوْ زَادَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ جَهْلًا وَسَهْوًا فَلَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ بَلَغَتْ مِثْلَهُ، وَأَمَّا عَمْدًا فَتَبْطُلُ وَلَوْ بِزِيَادَةِ شَوْطٍ أَوْ بَعْضِهِ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ

الْمُوَالَاةُ فَلَوْ نَسِيَ شَوْطًا وَذَكَرَ بِالْقُرْبِ وَلَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ عَادَ إلَيْهِ بِالْقُرْبِ كَمَا يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ طَالَ بَطَلَ الطَّوَافُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ. السَّادِسُ: أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَهُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إذَا شَكَّ فِي الطَّوَافِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَالصَّلَاةِ. الثَّانِي: إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ ثُمَّ يَبْنِي مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ كَمَالِ شَوْطٍ وَلَا يَقْطَعُ لِجِنَازَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ فَعَلَ ابْتَدَأَ. وَأَمَّا سُنَنُهُ فَخَمْسَةٌ أَحَدُهَا: الرَّمَلُ بِالْفَتْحِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (ثَلَاثَةٌ خَبَبًا) الْخَبَبُ الرَّمَلُ وَهُوَ الْهَرْوَلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَابْتِدَاؤُهُ مِنْهُ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، فَإِنْ ابْتَدَأَهُ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ أَتَمَّ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْبَابِ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ أَتَمَّ إلَيْهِ وَأَجْزَأَهُ، وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ وَإِلَّا أَجْزَأَ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ أَيْ إذَا أَتَمَّ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ فَإِنْ أَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَ بَطَلَ الطَّوَافُ] مَفْهُومٌ وَذِكْرُهُ بِالْقُرْبِ وَالْبُطْلَانُ فِي حَالَةِ الطَّوَافِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا، وَكُرِهَ لَهُ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بِدُونِ عُذْرٍ، وَنُدِبَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ وَكَذَا لَا يَبْنِي إنْ نَسِيَ بَعْضًا مِنْ طَوَافِهِ وَلَوْ بَعْضَ شَوْطٍ حَتَّى فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ وَطَالَ الْأَمْرُ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَأَمَّا إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِإِثْرِ سَعْيِهِ وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ فَإِنَّهُ يَبْنِي وَالْجَهْلُ كَالنِّسْيَانِ قَالَهُ سَنَدٌ. وَيَرْجِعُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ لِلْعُرْفِ وَهَذَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، فَإِنْ كَانَ لَا سَعْيَ بَعْدَهُ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالتَّطَوُّعِ رُوعِيَ الْقُرْبُ وَالْبَعْدُ مِنْ فَرَاغِهِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنْ قَرُبَ بَنَى وَإِنْ بَعُدَ ابْتَدَأَهُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَقِبَهُ] أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ الطَّوَافُ وَاجِبًا رُكْنًا أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَفِي سُنِّيَّتِهِمَا وَوُجُوبِهِمَا تَرَدُّدٌ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، فَإِنْ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَبَاعَدَ أَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَعَلَهُمَا مُطْلَقًا وَأَهْدَى إنْ كَانَتَا مِنْ فَرْضٍ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَاعَدْ وَلَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ رَكَعَهُمَا فَقَطْ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ إنْ لَمْ يُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ وَإِلَّا أَعَادَ الطَّوَافَ وَلَوْ غَيْرَ فَرْضٍ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَأَعَادَ السَّعْيَ إنْ تَعَمَّدَ النَّقْضَ وَإِلَّا أَعَادَ الطَّوَافَ الْفَرْضَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَأَعَادَ السَّعْيَ، فَإِنْ كَانَ نَفْلًا صَلَّى رَكْعَتَيْهِ وَخُيِّرَ فِيهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَاجِبَ لَيْسَ عَلَى نَمَطِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ اتِّصَالِ الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ عَدَمَهُمَا رَأْسًا يُبْطِلُ الطَّوَافَ. [قَوْلُهُ: إذَا شَكَّ فِي الطَّوَافِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ] مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَنْكَحًا وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْأَكْثَرِ وَيَعْمَلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ وَلَوْ وَاحِدًا حَيْثُ كَانَ عَدْلًا. قَالَ بَعْضٌ: وَالشَّكُّ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ فِيمَا يَظْهَرُ فَيَشْمَلُ الْوَهْمَ كَمَا فِي الصَّلَاةِ لِشَبَهِهِ بِهَا. [قَوْلُهُ: إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ] سَوَاءٌ كَانَ الطَّوَافُ رُكْنًا أَوْ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا أَصْلًا. أَوْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا بِبَيْتِهِ أَوْ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ جَمَاعَةً بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِيهِ وَأُقِيمَتْ لِلرَّاتِبِ فَهَلْ يَقْطَعُهُ وَيَخْرُجُ أَوْ لَا لِأَنَّ تَلَبُّسَهُ بِالطَّوَافِ يَدْفَعُ الطَّعْنَ، وَمَفْهُومُ فَرِيضَةٍ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ رُكْنًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا لِغَيْرِهَا كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَالضُّحَى، فَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا فَلَهُ قَطْعُهُ لِرَكْعَةِ الْفَجْرِ إنْ خَافَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. وَعِبَارَةُ الْبَيَانِ تَقْتَضِي أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى إذَا خَافَ خُرُوجَ وَقْتِهَا كَذَلِكَ وَكَذَا فِيمَا يَظْهَرُ إذَا خَشِيَ خُرُوجَ وَقْتِ الْوِتْرِ الِاخْتِيَارِيِّ [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَبْنِي مِنْ حَيْثُ قَطَعَ] وَنُدِبَ أَيْ يَبْتَدِئُ ذَلِكَ الشَّوْطَ. إذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الْحَجَرِ، وَيَبْنِي قَبْلَ تَنَفُّلِهِ فَإِنْ تَنَفَّلَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ ابْتَدَأَ قَالَ بَعْضٌ: وَكَذَا إنْ جَلَسَ طَوِيلًا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِذِكْرٍ أَوْ حَدِيثٍ لِتَرْكِ الْمُوَالَاةِ بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ كَمَالِ شَوْطٍ] أَيْ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِ الْحَجَرِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ لِجِنَازَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا يَقْطَعُ لِجِنَازَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ ابْتَدَأَ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَذَلِكَ أَنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَابِلَ يَقُولُ بِالْقَطْعِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْقَطْعِ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَالْخِلَافُ فِي الْبِنَاءِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَبْتَدِئُ إذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَهَا، وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَتْ وَخَشِيَ التَّغَيُّرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ وُجُوبًا وَيَبْنِي فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: ابْتَدَأَ أَيْ وَلَوْ قَلَّ الْفَصْلُ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةً] بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَخَبَبًا، مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَامِلُهُ

فَوْقَ الْمَشْيِ وَدُونَ الْجَرْيِ وَهَذَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَلَوْ مَرِيضًا أَوْ صَبِيًّا مَحْمُولًا وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ. (ثُمَّ أَرْبَعَةٌ مَشْيًا) وَدَلِيلُ هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ: ثَانِيهَا: الْمَشْيُ فَإِذَا طَافَ رَاكِبًا أَوْ مُحَمَّلًا لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ أَعَادَ الطَّوَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَلْيُهْرِقْ دَمًا. ثَالِثُهَا: الدُّعَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ. رَابِعُهَا: اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَوَّلَ الطَّوَافِ كَمَا قَدَّمْنَا. خَامِسُهَا: اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ أَوَّلَ شَوْطٍ وَأَمَّا مُسْتَحَبَّاتُهُ فَأَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَوْطٍ مَا عَدَا الْأَوَّلَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ) يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (كُلَّمَا مَرَّ بِهِ كَمَا ذَكَرْنَا) أَوَّلًا وَهُوَ أَنْ يَسْتَلِمَهُ بِفِيهِ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَقْبِيلٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَيُكَبِّرُ) أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاسْتِلَامِ وَالتَّكْبِيرِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ. الثَّانِي: اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَوْطٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ وَإِلَيْهِ وَإِلَى صِفَةِ اسْتِلَامِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ بِفِيهِ وَلَكِنْ بِيَدِهِ ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ يَخَبُّ فِيهَا خَبَبًا أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ يَطُوفُ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنَكَّرَ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ، أَيْ خَابًّا أَيْ مُسْرِعًا، وَإِنَّمَا يُسَنُّ الرَّمَلُ فِي حَقِّ مَنْ أَحْرَمَ فِي الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ وَمِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ وَعِنْدَ الزَّحْمَةِ الرَّمَلُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، وَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ، كَمَا يُسْتَحَبُّ الرَّمَلُ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِمَنْ لَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ وَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا، وَأَمَّا مَنْ طَافَ لِلْقُدُومِ فَلَا يَرْمُلُ فِي إفَاضَتِهِ وَلَوْ تَرَكَهُ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ، وَأَمَّا طَوَافُ التَّطَوُّعِ وَدَاعًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُكْرَهُ الرَّمَلُ فِيهِ وَلَا رَمَلَ فِيمَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَلَوْ لِتَارِكِهِ مِنْ الْأَوَّلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا، وَلَا يَكُونُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ إنْ فَعَلَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ] أَيْ لَا الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ نَائِبَةً عَنْ رَجُلٍ، كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ النَّائِبَ عَنْ الْمَرْأَةِ لَا يَرْمُلُ [قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُرَاهِقِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ لَا يَطْلُبُ بِالطَّوَافِ مِنْ أَصْلِهِ وَلَا يَلِيقُ هَذَا الْإِخْرَاجُ إلَّا لَوْ كَانَ يُطَالَبُ بِالطَّوَافِ وَلَا يُطَالَبُ بِالرَّمَلِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ مَرِيضًا أَوْ صَبِيًّا مَحْمُولًا] حَمْلًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ رَجُلٍ فَيَرْمُلُ الْحَامِلُ وَيُحَرِّكُ الدَّابَّةَ كَمَا يُحَرِّكُهَا بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ [قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ] أَيْ وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعِلَّةُ الْخَبَبِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعُمْرَةِ قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَوْهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْبُوَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلَمَّا فَعَلُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ: بَلْ هُمْ أَقْوَى مِنَّا فَزَالَتْ الْعِلَّةُ وَبَقِيَ الْحُكْمُ. [قَوْلُهُ: ثَانِيهَا الْمَشْيُ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ هُوَ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ] وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُطِيقَ فَقَالَ مَالِكٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي جَالِسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فَرْضَهُ بِنَفْسِهِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجَعَ لِبَلَدِهِ] أَيْ أَوْ يَتَبَاعَدَ فَإِنْ أَعَادَهُ مَاشِيًا بَعْدَ رُجُوعِهِ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَيُطْلَبُ بِإِعَادَتِهِ مَاشِيًا وَلَوْ مَعَ الْبُعْدِ وَلَا يُجْزِئُهُ دَمٌ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَشْيَ مَطْلُوبٌ فِي الطَّوَافِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْقَادِرَ إذَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ وَلَمْ يَعُدْ يَلْزَمُهُ دَمٌ فَخَاصٌّ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ فِيهِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَسُنَّةٌ فَلَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي تَرْكِهِ اخْتِيَارًا وَالسَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِيمَا ذُكِرَ، فَمَنْ سَعَى رَاكِبًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَ سَعْيَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا وَإِنْ تَبَاعَدَ وَطَالَ أَجْزَأَهُ فَإِذَا رَكِبَ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا وَاحِدًا لِلتَّدَاخُلِ. [قَوْلُهُ: الدُّعَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ] أَيْ بِلَا حَدٍّ فِي الدُّعَاءِ وَالْمَدْعُوُّ بِهِ فَلَا يَقْصُرُ دُعَاءَهُ عَلَى دُنْيَاهُ وَلَا عَلَى آخِرَتِهِ وَلَا عَلَى لَفْظٍ خَاصٍّ وَلَا عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ يُعَمِّمُ فِي الْجَمِيعِ أَيْ أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَضَعَ يَدَهُ] أَيْ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَرَاتِبِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ] لَكِنَّ الرَّاجِحَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بِيَدِهِ] أَيْ يَسْتَلِمُهُ بِيَدِهِ نَدْبًا فِي غَيْرِ الشَّوْطِ الْأَوَّلِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَضَعُهَا عَلَى فِيهِ] فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ كَبَّرَ وَمَضَى وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ هُوَ الَّذِي يُتَوَسَّطُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجَرِ

غَيْرِ تَقْبِيلٍ) وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِزِيَادَةٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. الثَّالِثُ: الدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ. الرَّابِعُ: الدُّعَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَالْمُلْتَزَمِ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ فَيَعْتَنِقُهُ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ. وَأَمَّا مَكْرُوهَاتِهِ فَأَحَدَ عَشَرَ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا السُّجُودُ عَلَى الرُّكْنِ وَاسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحَجَرَ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ فِيهِ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ وَشُرْبُ الْمَاءِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالطَّوَافُ مُخْتَلِطًا بِالنِّسَاءِ وَتَغْطِيَةِ الرَّجُلِ فَمَه وَطَوَافُ الْمَرْأَةِ مُنْتَقِبَةً وَالرُّكُوبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ. (فَإِذَا تَمَّ طَوَافُهُ رَكَعَ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ) اشْتَمَلَ هَذَا عَلَى وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبَّيْنِ، فَالْوَاجِبُ فِعْلُ رَكْعَتَيْنِ. بَعْدَ الطَّوَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ يَنْجَبِرَانِ بِالدَّمِ قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. وَالْمُسْتَحَبُّ الْأَوَّلُ فِعْلُهُمَا عِنْدَ الْمَقَامِ وَهُوَ الْحَجَرُ الَّذِي ارْتَفَعَ بِهِ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عِنْدَ ضَعْفِهِ عَنْ وَضْعِ الْحِجَارَةِ الَّتِي كَانَ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا فِي بِنَاءِ الْبَيْتِ وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُمَا عِنْدَهُ فَحَيْثُ تَيَسَّرَ مِنْ الْمَسْجِدِ مَا خَلَا الْحِجْرَ وَالْبَيْتَ وَظَهْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بِالْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرُكْنَانِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ] أَيْ وَرَكْعَتَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ فِي عَدِّهِ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الطَّوَافِ تَسَامُحٌ [قَوْلُهُ: فَيَعْتَنِقُهُ] أَيْ فَيَكُونُ مَصْدُوقَهُ حَائِطُ الْكَعْبَةِ الَّذِي بَيْنَ الرُّكْنِ أَيْ الْحَجَرِ وَالْبَابِ، وَتَكُونُ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِالْمُلْتَزَمِ بِمَعْنَى عِنْدَ، وَعِبَارَةٌ أُخْرَى فَيَعْتَنِقُهُ وَاضِعًا صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ عَلَيْهِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ وَيَقُولُ: رَأَيْتُ الْمُصْطَفَى يَفْعَلُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا] أَيْ فَقَدْ أَجَازَ الْقِرَاءَةَ فِيهِ أَشْهَبُ إذَا كَانَ يُخْفِي، وَلَا يُكْثِرُ وَقَدْ رُوِيَ اسْتِلَامُ الْكُلِّ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمُعَاوِيَةَ. [قَوْلُهُ: السُّجُودُ عَلَى الرُّكْنِ] أَيْ السُّجُودُ عَلَى الْحَجَرِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَكَرِهَ مَالِكٌ السُّجُودَ عَلَى الْحَجَرِ وَتَمْرِيغَ الْوَجْهِ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا وَكَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ إذَا خَلَا بِهِ. [قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ] قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ وَلَا يَقْرَأُ وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ الْمَجِيدُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الطَّوَافِ فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُسِرَّ الْقِرَاءَةَ لِئَلَّا يَشْغَلَ غَيْرَهُ عَنْ الذِّكْرِ اهـ. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ كُلُّ آيَةٍ دَلَّتْ عَلَى دُعَاءٍ وَطَلَبٍ مِنْ اللَّهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} [الكهف: 10] نَحْوُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَكَثْرَةُ الْكَلَامِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا هُوَ الْكَثْرَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا بَأْسَ بِمَا خَفَّ مِنْ الْحَدِيثِ فِي الطَّوَافِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَنْبَغِي لِلطَّائِفِ أَنْ يَكُونَ فِي طَوَافِهِ عَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ [قَوْلُهُ: وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ] أَيْ إلَّا مَا خَفَّ كَالْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَنًا أَوْ ذِكْرُ نِسَاءٍ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي زَرُّوقٍ عَلَى الْإِرْشَادِ أَنْ يُسْتَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ وَعْظٌ وَتَحْرِيضٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ كَالْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ اِ هـ. [قَوْلُهُ: وَالرُّكُوبُ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ فِي الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا اصْطِلَاحٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ أَوْ حُكْمُهُمَا كَالطَّوَافِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَقَامِ] أَيْ خَلْفَ الْمَقَامِ، [قَوْلُهُ: وَغَرِقَتْ قَدَمَاهُ] هَلْ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لِهَذَا الْحِجْرِ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: مَا خَلَا الْحِجْرَ] بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ، أَيْ مَا خَلَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي مِنْ الْبَيْتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَفِيهِ إجْمَالٌ وَعَدَمُ تَعْيِينِ الْمَقْصُودِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الرُّكْنِيِّ أَوْ الْوَاجِبِ لَا يَفْعَلَانِ فِيهَا وَإِنْ وَقَعَ صَحَّ وَلَا كَلَامَ، وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ فَقِيلَ بِوُجُوبِهِمَا وَقِيلَ بِسُنِّيَّتِهِمَا وَقِيلَ بِنَدْبِهِمَا، فَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ لَا يَفْعَلَانِ وَإِنْ وَقَعَ صَحَّ وَعَلَى الْأَخِيرِ، أَيْ الْقَوْلِ بِالنَّدْبِ يَفْعَلَانِ. وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ يُفْعَلَانِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ الْوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّدْبِ وَكَذَا يُقَالُ إذَا فُعِلَتَا فِي الْحِجْرِ، وَأَمَّا فِعْلُهُمَا عَلَى ظَهْرِهِ فَبَاطِلٌ إنْ كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتَا سُنَّتَيْنِ فَقَدْ نَصَّ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ السُّنَنِ وَالنَّافِلَةِ الْمُتَأَكَّدَةِ

أَحَدٌ. وَالْمُسْتَحَبُّ الثَّانِي اتِّصَالُهُمَا بِالطَّوَافِ فَإِنْ فَرَّقَ وَكَانَ قَرِيبًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ بَعُدَ اُسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ (ثُمَّ إذَا فَرَغَ) مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) الْأَسْوَدَ (إنْ قَدَرَ) عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَقَالَ فِي مَنَاسِكِهِ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَنَصُّهُ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَافِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ بَعْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَنْ يَمُرَّ بِزَمْزَمَ فَيَشْرَبَ مِنْهَا (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ جَمْعُ صَفَاةٍ وَهُوَ الْحَجَرُ الْعَرِيضُ الْأَمْلَسُ، وَقِيلَ: هُوَ وَاحِدٌ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ مَبْدَأُ السَّعْيِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِنْ أَيِّ بَابٍ يَخْرُجُ وَصَرَّحَ ق وَع بِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِكَوْنِهِ أَقْرَبُ إلَى الصَّفَا. وَنَقَلَ د عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْهُ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ رُقِّيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: بِالْكَافِرُونَ] بِوَاوِ الْحِكَايَةِ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْقِرَاءَةُ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّوْحِيدَيْنِ الْعَمَلِيِّ وَالْعِلْمِيِّ، فَإِنَّ السُّورَةَ الْأُولَى اعْتِقَادٌ عَمَلِيٌّ، فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَعْبُدُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْإِخْلَاصُ اعْتِقَادٌ عِلْمِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ الثَّانِي إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي تَرْكِ الِاتِّصَالِ دَمٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الدَّمُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْبَعْضِ، وَالْوُجُوبُ فِي الْآخَرِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ فِيهِ الدَّمُ وَحَاصِلُ الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى تَبَاعَدَ أَوْ رَجَعَ لِبَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُهُمَا مُطْلَقًا، ثُمَّ إنْ كَانَتَا مِنْ طَوَافٍ وَاجِبٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَاعَدْ وَلَا رَجَعَ لِبَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ تُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ أَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ فَقَطْ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ عَمْدًا فَيَأْتِي بِالطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَتَا مِنْ غَيْرِ فَرْضٍ وَيُعِيدُ السَّعْيَ إنْ كَانَ فَعَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ نَقْضَ طَهَارَتِهِ فَفِي الْفَرْضِ يُعِيدُ الطَّوَافَ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَالسَّعْيَ، وَفِي غَيْرِهِ يُعِيدُهُمَا وَهَلْ يُعِيدُ الطَّوَافَ أَوْ إنْ شَاءَ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ، لِأَنَّهُ فِي نَقْلِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ، فَقَدْ بَانَ مِنْ هَذَا أَنَّ تَرْكَ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ يَتَّفِقَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْتَقَضْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ، وَفِيمَا إذَا تَعَمَّدَ نَقْضَ طَهَارَتِهِ، وَمُخْتَلِفَانِ فِي حَالَةِ الْبُعْدِ وَفِيمَا، إذَا انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ لِذَلِكَ بُعْدٌ عَنْ مَكَّةَ لَا يُوجِبُ تَدْمِيَةً أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ] أَيْ إذَا كَانَ عَلَى وُضُوئِهِ إذْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ، وَيَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنَّهُ لِلزَّحْمَةِ لَمْسٌ بِيَدٍ ثُمَّ عُودٍ إلَخْ، جَعَلَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ هَذِهِ السُّنَّةَ مِنْ سُنَنِ السَّعْيِ لِكَوْنِهَا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَيَشْرَبُ مِنْهَا] أَيْ وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ وَهَذَا التَّقْبِيلُ تَوْدِيعٌ لِلْبَيْتِ، لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: الصَّفَا إلَخْ] سُمِّيَ الصَّفَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَتَى إلَيْهِ آدَم قَالَ لَهُ مَرْحَبًا يَا صَفِيَّ اللَّهِ وَسُمِّيَتْ الْمَرْوَةُ مَرْوَةَ لِقُعُودِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا، وَالْمَرْأَةُ هِيَ حَوَّاءُ أَقْعَدَهَا الْمَلِكُ عَلَى ذَلِكَ وَقِيلَ إنَّمَا ذُكِّرَ الصَّفَا لِأَنَّ آدَمَ وَقَفَ عَلَيْهِ وَأُنِّثَ الْمَرْوَةُ لِأَنَّ حَوَّاءَ وَقَفَتْ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ جَمْعُ صَفَاةٍ] أَيْ الصَّفَا جَمْعُ صَفَاةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِجْرُ] تَفْسِيرٌ لِصَفَاةٍ الَّذِي هُوَ الْمُفْرَدُ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ الْعَرِيضِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالصَّفَا مَقْصُورُ الْحِجَارَةِ وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ الْوَاحِدَةُ صَفَاةٌ مِثْلَ حَصًا وَحَصَاةٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَهُوَ جَمْعٌ، أَيْ بِحَسَبِ الْأَصْلِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ الْآنَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي بِمَكَّةَ أَفَادَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي أَصْلِ جَبَلٍ] أَيْ فِي أَسْفَلِهِ [قَوْلُهُ: أَبِي قُبَيْسٍ] سُمِّيَ ذَلِكَ الْجَبَلُ بِرَجُلٍ مِنْ مُذْحَجٍ حَدَّادٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ بَنَى فِيهِ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: رُقِيَ أَعْلَاهُ] مُلَخَّصُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَنُّ الرُّقِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كُلَّمَا يَصِلُ لِأَحَدِهِمَا لَا عَلَيْهِمَا مَرَّةً فَقَطْ وَلَا عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ بَعْضُ سُنَّةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْعَدَ أَعْلَاهُمَا بِحَيْثُ يَرَى الْكَعْبَةَ مِنْهُ اهـ. وَمَا فِيهَا مِنْ النَّدْبِ

أَعْلَاهُ (فَيَقِفُ عَلَيْهِ لِ) أَجْلِ (الدُّعَاءِ ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ نَزَلَ مِنْهُ فَ (يَسْعَى) أَيْ يَمْشِي (إلَى الْمَرْوَةِ) أَصْلُهَا امْرَأَةٌ زَانِيَةٌ فَمُسِخَتْ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هِيَ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ فِي الشَّمْسِ وَهِيَ مُنْتَهَى السَّعْيِ فِي أَصْلِ جَبَلِ قُعَيْقِعَانَ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (يَخُبُّ) أَيْ يُسْرِعُ الرَّجُلُ دُونَ الْمَرْأَةِ فِي مَشْيِهِ عَلَى جِهَةِ السُّنِّيَّةِ (فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ) خَاصَّةً فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ أَسْرَعَ مِنْ رَمَلِهِ فِي الطَّوَافِ، وَهُوَ أَيْ الْمَسِيلُ مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ، ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْهَيِّنَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ رَمَلَ فِي جَمِيعِ سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَرْمُلْ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. فَإِذَا أَتَى الْمَرْوَةَ (وَقَفَ عَلَيْهَا لِ) أَجْلِ (الدُّعَاءِ) وَالدُّعَاءُ عَلَيْهَا وَعَلَى الصَّفَا غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَالْوُقُوفُ عَلَيْهِمَا وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَكَذَلِكَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِمَا (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الدُّعَاءِ عَلَى الْمَرْوَةِ (يَسْعَى) أَيْ يَمْشِي (إلَى الصَّفَا يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمَا وَالْخَبَبُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ (سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَيَتَحَصَّلُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ (يَقِفُ لِذَلِكَ أَرْبَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى السُّنِّيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ وَهَذِهِ السُّنَّةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَفِي الْمَرْأَةِ إنْ خَلَا الْمَوْضِعُ مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ وَإِلَّا وَقَفَتْ أَسْفَلَهُمَا. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الدُّعَاءِ] أَيْ فَيُسَنُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ الرُّقِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا هَذَا قَضِيَّةُ لَفْظِهِ، وَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السُّنَّةَ الدُّعَاءُ وَإِنْ لَمْ يَرْقَ أَيْ وَكَوْنُهُ عِنْدَ الرُّقِيِّ مَنْدُوبٌ زَائِدٌ. [قَوْلُهُ: هِيَ حِجَارَةٌ إلَخْ] الْأَحْسَنُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمَرْوِ الَّذِي هُوَ جَمْعٌ لَا لِلْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ الْمَرْوَةُ وَنَصُّهُ الْمَرْوُ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ الْوَاحِدَةُ مَرْوَةُ وَسُمِّيَ بِالْوَاحِدَةِ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِمَكَّةَ اهـ. وَيُفِيدُهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ وَنَصُّهُ وَالصَّفَا فِي الْأَصْلِ جَمْعُ صَفَاةٍ وَهِيَ الصَّخْرَةُ وَالْحَجَرُ الْأَمْلَسُ وَالْمَرْوَةُ فِي الْأَصْلِ حَجَرٌ أَبْيَضُ بَرَّاقٌ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: قَيْقَعَانُ إلَخْ] كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا وَالصَّوَابُ مَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّهُ قُعَيْقِعَانُ كَزُعَيْفَرَانَ لِأَنَّ جُرْهُمَ كَانَتْ تَجْعَلُ فِيهِ أَسْلِحَتَهَا فَتُقَعْقِعُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: الْمَسِيلُ] مَجْرَى السَّيْلِ وَالْجَمْعُ مَسَايِلُ وَمُسُلٍ بِضَمَّتَيْنِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِسْرَاعَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي الذَّهَابِ لِلْمَرْوَةِ فَقَطْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سَنَدٍ وَالْمَوَّاقِ لَا فِي الْعَوْدِ مِنْهَا إلَى الصَّفَا. [قَوْلُهُ: مَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ] هُمَا اللَّذَانِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إلَى الْمَرْوَةِ أَوَّلُهُمَا فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ تَحْتَ مَنَارَةِ بَابٍ عَلَى الثَّانِي بَعْدَ قُبَالَةِ رِبَاطِ الْعَبَّاسِ، وَثُمَّ مِيلَانِ آخَرَانِ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ فِي مُقَابَلَةِ الْمِيلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْمِيلُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْمِرْوَدِ وَسُمِّيَا مِيلَيْنِ، لِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ الْمِرْوَدَيْنِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ رَمَلَ إلَخْ] أَرَادَ بِهِ الْخَبَبَ الْمُتَقَدِّمَ. [قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ سَعْيِهِ] أَيْ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَطْنِ الْمَسِيلِ وَقَوْلُهُ أَسَاءَ، أَيْ فَعَلَ مَكْرُوهًا فِيمَا يَظْهَرُ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْمُلْ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخُبَّ. [قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا سُنَّةٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ بَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ أَلْغَى ذَلِكَ الشَّوْطَ وَإِلَّا صَارَ تَارِكًا لِشَوْطٍ مِنْهُ فَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا فَرْضٌ لَا سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ فِيهِ حَدًّا وَلَا لِطُولِ الْمَقَامِ قَالَ عج وَهَذِهِ السُّنَّةُ عَامَّةٌ فِي مَنْ يُرَقَّى عَلَيْهِمَا، وَمَنْ لَا يُرَقَّى. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِمَا] أَيْ مَنْدُوبٌ أَيْ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، أَيْ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْمُخْتَصَرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوُقُوفِ] أَيْ وَلَا يَدْعُو عَلَيْهِمَا قَاعِدًا إلَّا مِنْ عِلَّةٍ قَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ ثُمَّ أَقُولُ وَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالدُّعَاءُ سَبْعُ مَرَّاتٍ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ مَا ذُكِرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَرْبَعًا وَعَلَى الْآخَرِ ثَلَاثًا فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَعْدَ يَقِفُ كَذَا أَرْبَعُ وَقَفَاتٍ إلَخْ فَالصَّوَابُ كَمَا يُفِيدُ تت أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى السَّعْيِ. [قَوْلُهُ: وَالْخَبَبُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الذَّهَابِ لِلْمَرْوَةِ [قَوْلُهُ: لِذَلِكَ] فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْبَاءِ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا

وَقَفَاتٍ عَلَى الصَّفَا وَأَرْبَعًا عَلَى الْمَرْوَةِ) وَهَذَا السَّعْيُ وَاجِبٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لَا يُجْزِئُ فِي تَرْكِهِ هَدْيٌ وَلَا غَيْرُهُ دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَهُ شُرُوطٌ وَسُنَنٌ وَمُسْتَحَبَّاتٌ أَمَّا شَرَائِطُهُ فَأَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ: التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّعْيِ بَعْدَ الطَّوَافِ وَفُهِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ: ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا فَلَوْ بَدَأَ بِالسَّعْيِ رَجَعَ فَطَافَ وَسَعَى. الثَّانِي: الْمُوَالَاةُ فَإِنْ جَلَسَ فِي سَعْيِهِ وَكَانَ شَيْئًا خَفِيفًا أَجْزَأَهُ، فَإِنْ طَالَ وَصَارَ كَالتَّارِكِ ابْتَدَأَهُ وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي مَعَ أَحَدٍ يُحَدِّثُهُ فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ خَفِيفًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ أَصَابَهُ حَقْنٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى وَالْكَلَامُ فِيهِ أَخَفُّ مِنْ الْكَلَامِ فِي الطَّوَافِ. وَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَمَادَى إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلْيُصَلِّ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى لَهُ. الثَّالِثُ: إكْمَالُ الْعَدَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (سَبْعُ مَرَّاتٍ) فَمَنْ تَرَكَ شَوْطًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ فَلْيَرْجِعْ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ، وَمَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ ذِرَاعًا لَمْ يُجْزِهِ. الرَّابِعُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ صَحِيحٌ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بَلْ يَكْفِي أَيُّ طَوَافٍ كَانَ عَلَى مَا صَدَرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفَهِمَهُ خَلِيلٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ د: الْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ وَاجِبًا كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْقُدُومِ، وَتَقْدِيمِهِ أَيْ السَّعْيِ عِنْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمُرَاهِقِ، وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فَيُؤَخِّرُونَهُ لِلْإِفَاضَةِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ غَيْرُهُمْ لَهُ فَالدَّمُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ. وَأَمَّا سُنَنُهُ فَثَمَانِيَةٌ الْأُولَى: اتِّصَالُهُ بِالطَّوَافِ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ. الثَّانِيَةُ: الْمَشْيُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تت وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِاللَّامِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي رُجُوعِهِ لِلدُّعَاءِ. [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ الْكِتَابُ إلَخْ] أَمَّا الْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} [البقرة: 158] إلَى أَنْ قَالَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} [البقرة: 158] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] أَيْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا نَزَلَتْ لَمَّا كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا صَنَمَانِ يَمْسَحُونَهُمَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَافِيهَا لَمَّا ذَكَرَ نِعَمَ الْفَرْضِيَّةِ أُخِذَتْ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ فَاسْعَوْا» [قَوْلُهُ أَجْزَأَهُ] أَيْ وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: فَإِنْ طَالَ صَارَ كَالتَّارِكِ] بِأَنْ كَثُرَ التَّفْرِيقُ [قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ] أَيْ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ خَفِيفًا] فَإِنْ كَثُرَ ابْتَدَأَ [قَوْلُهُ: حَقْنٌ] أَيْ حَبْسُ بَوْلٍ [قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ فِيهِ] أَيْ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْكَلَامُ إلَّا أَنَّهُ أَخَفُّ [قَوْلُهُ: وَإِنْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَمَادَى] لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الطَّائِفِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ تَرَكَ شَوْطًا] أَيْ أَوْ بَعْضَهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ إلَّا ابْتَدَأَ السَّعْيَ لِبُطْلَانِهِ لِعَدَمِ الْمُوَالَاةِ وَيَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ. [قَوْلُهُ: صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ] أَيْ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَدَرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ] هُوَ الرَّاجِحُ وَمُحَصِّلُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَاجِبًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَنَوَى وُجُوبَهُ أَوْ سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَيْرُ رُكْنٍ بَلْ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ عِنْدَ فِعْلِهِ إحْدَى هَاتَيْنِ لَكِنَّهُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ أَوْ سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَهُ السَّعْيُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَلَا دَمَ، فَإِنْ نَوَى سُنِّيَّتَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِيهِ: إنْ أَوْقَعَ السَّعْيَ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَالَ كَوْنِهِ نَاوِيًا بِهِ الْوُجُوبَ أَوْ السُّنِّيَّةَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَعَلَهُ عَقِبَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ فَيُعِيدُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ بَعْدَهُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَإِنْ تَبَاعَدَ مَضَى الْأَمْرُ وَعَلَيْهِ دَمٌ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ د إلَخْ] مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ بَلْ يَكْفِي أَيُّ طَوَافٍ كَانَ وَمَا قَالَهُ د ضَعِيفٌ وَأَرَادَ هُنَا بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ لِقَوْلِهِ كَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. [قَوْلُهُ: فَيُؤَخِّرُونَهُ لِلْإِفَاضَةِ] أَيْ لِأَنَّهُ طَوَافُ قُدُومٍ عَلَى مَا ذُكِرَ أَيْ الْمُرَاهِقُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ [قَوْلُهُ: إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ إلَخْ] مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا فَاتَتْهُ السُّنَّةُ أَيْ إلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ، وَذَكَرَ الْخَطَّابُ نُصُوصًا تُفِيدُ

مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ رَكِبَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَعَادَ سَعْيَهُ إنْ كَانَ قَرِيبًا فَإِنْ تَبَاعَدَ أَجْزَأَهُ وَأَهْدَى. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ سَنَدٍ. الرَّابِعَةُ: الرَّمَلُ. الْخَامِسَةُ: تَقْبِيلُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَعَدَّهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمُسْتَحَبَّاتِ. السَّادِسَةُ: أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ. السَّابِعَةُ: الدُّعَاءُ عَلَيْهِمَا. الثَّامِنَةُ: الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا. وَأَمَّا مُسْتَحَبَّاتُهُ فَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ لِمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَنْ يَتَوَضَّأ وَيَبْنِيَ، فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ فِي خِلَالِهِ أَوْ وَقَفَ لِحَدِيثٍ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ بَنَى فِيمَا خَفَّ، وَإِنْ تَفَاحَشَ ابْتَدَأَ وَيَقْطَعُ لِفَرِيضَةٍ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ لَا لِغَيْرِهَا. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ إذَا قَرُبَ وَقْتُ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ (يَخْرُجُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّيِّ وَهُوَ سَقْيُ الْمَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعِدُّونَ فِيهِ بِالْمَاءِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ (إلَى مِنًى) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَمَنَّى كَشْفَ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ وَلَدِهِ، وَآدَمَ تَمَنَّى أَنْ يَلْتَقِيَ فِيهَا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَّةَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ اتِّصَالِ السَّعْيِ بِالطَّوَافِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَبَاعَدَ أَجْزَأَهُ وَأَهْدَى] فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ دَمٌ لَا يَكُونُ سُنَّةً بَلْ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا اصْطِلَاحٌ [قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ] أَيْ فَأَصْلُ الصِّحَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الطَّوَافِ بَلْ كَوْنُهُ عَقِبَ الْوَاجِبِ سُنَّةً. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الذَّخِيرَةِ] عَنْ سَنَدٍ إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى مُقَابِلِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ عَقِبَ أَحَدِ الطَّوَافَيْنِ، إمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ وَإِمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ دَمٌ عِنْدَ وُقُوعِهِ عَقِبَ نَفْلٍ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهُ عَقِبَ وَاجِبٍ وَاجِبًا أَيْ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَيُجَابُ بِمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: الثَّامِنَةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ فَرْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَيَقْطَعُ لِفَرِيضَةٍ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَ الطَّوَافِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ فِيهِ طَعْنٌ فَلِذَا قُلْنَا: يَقْطَعُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَلَى بَعْدَ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَرِيضَةُ وَضَاقَ وَقْتُهَا [قَوْلُهُ: التَّرْوِيَةُ] مَصْدَرٌ رَوَّاهُ بِالتَّشْدِيدِ فَيُقَالُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَرْوَيْته وَرَوَيْتُهُ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ] أَيْ سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. وَقَوْلُهُ: بِذَلِكَ أَيْ بِلَفْظِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، فَفِيهِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ حَيْثُ أَرَادَ أَوَّلًا مِنْ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ذَاتِ الْيَوْمِ ثُمَّ رَجَعَ اسْمُ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ مَرِيدًا مِنْهُ اللَّفْظَ الَّذِي هُوَ الِاسْمُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ مَعَ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَفِي هَذَا بَحْثٌ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ إنَّمَا هِيَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعِدُّونَ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالتَّرْوِيَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الرَّيِّ وَهُوَ سَقْيُ الْمَاءِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَعِدُّونَ إلَخْ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّيِّ] بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ، أَيْ مَصْدَرُ رُوِيَ مِنْ الْمَاءِ يَرْوِي رَيًّا، وَالِاسْمُ بِالْكَسْرِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ قُلْت: الْمَزِيدُ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَقْيُ الْمَاءِ] أَيْ أَثَرُ سَقْيِ الْمَاءِ، فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ وَيُقَالُ: رَجُلٌ رَيَّانُ وَامْرَأَةٌ رَيَّا، وِزَانُ غَضْبَانَ وَغَضْبَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يَسْتَعِدُّونَ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ قَلِيلًا بِمِنًى، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ، أَمَّا الْآنَ فَكَثُرَ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ: لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ أَيْ يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَاتٍ اهـ[قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ شَبَهِ الِاسْتِخْدَامِ، وَقِسْ عَلَيْهِ مَا مَاثَلَهُ [قَوْلُهُ: تَمَنَّى كَشْفَ] أَيْ تَمَنَّى فِيهَا [قَوْلُهُ: مَنْ ذَبَحَ وَلَدَهُ] أَيْ مِنْ الْأَمْرِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ [قَوْلُهُ: وَآدَمُ تَمَنَّى إلَخْ] أَيْ تَمَنَّى فِيهَا أَنْ يَلْتَقِيَ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ. فَقَوْلُهُ: فِيهَا يَتَنَازَعُهُ الْفِعْلَانِ قَبْلَهُ قَالَ تت: لِأَنَّهَا كَانَتْ بِجُدَّةِ وَهُوَ بِالْهِنْدِ، وَقَالَ قَبْلُ لِتَمَنِّي آدَمَ فِيهَا الِاجْتِمَاعَ بِحَوَّاءَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَلَعَلَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ جَاءَ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ فَجَاءَ فِي ذَلِكَ لِمِنًى فَتَمَنَّى حِينَئِذٍ الِاجْتِمَاعَ بِهَا فَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَكُونُ بِالْهِنْدِ وَيَتَمَنَّى فِيهَا الِاجْتِمَاعَ بِحَوَّاءَ اهـ. ثُمَّ أَقُولُ: وَحَيْثُ كَانَتْ عِلَّةُ التَّسْمِيَةِ

حَوَّاءَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الدِّمَاءَ تُمْنَى: أَيْ تُرَاقُ فِيهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ، فَإِذَا خَرَجَ إلَيْهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ إلَيْهَا بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ حَانَتْ الصَّلَاةُ (فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ يُسَنُّ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ فِي بَابِ جُمَلٍ أَنْ يَبِيتَ بِهَا فَيُصَلِّيَ بِهَا (الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَاتَ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِهَا كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ التَّقَدُّمُ إلَيْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَإِلَى عَرَفَةَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ (ثُمَّ) إذَا صَلَّى الصُّبْحَ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ بِمِنًى يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (فَيَمْضِي إلَى عَرَفَاتٍ) وَهُوَ مَوْضِعُ الْوُقُوفِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُرِي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الْمَنَاسِكَ وَيَقُولُ لَهُ: عَرَفْت. وَيُسْتَحَبُّ فِي ذَهَابِهِ إلَيْهَا أَنْ يَسْلُكَ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَيَجُوزُ مِنْ بَيْنِ الْمَأْزِمَيْنِ كُلُّ ذَلِكَ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا وَصَلَ إلَى عَرَفَةَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِنَمِرَةَ وَهُوَ مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ وَأَوَّلُ الْحِلِّ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَدَعُ التَّلْبِيَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ بَعْدِ فَرَاغِهِ مِنْ السَّعْيِ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: ثُمَّ يُعَاوِدُهَا حَتَّى نُزُولِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَرُوحُ إلَى مُصَلَّاهَا وَهُوَ مَسْجِدُ نَمِرَةَ. (وَلْيَتَطَهَّرْ) أَيْ يَغْتَسِلُ بَعْدَ الزَّوَالِ (قَبْلَ رَوَاحِهِ إلَى الْمُصَلَّى) وَلَا يَتَدَلَّك فِي هَذَا الْغُسْلِ دَلْكًا بَالِغًا بَلْ بِإِمْرَارِ الْيَدِ فَقَطْ، وَهَذَا آخِرُ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ الثَّلَاثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حُكْمِهِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا ذُكِرَ فَتَكُونُ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ بَعْدَ إبْرَاهِيمَ وَهَلْ فِي أَيِّ زَمَنٍ وَمَنْ الْمُسَمِّي؟ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِأَنَّ الدِّمَاءَ تُمْنَى أَيْ تُرَاقُ فِيهَا] لَا يَخْفَى أَنَّهَا كَانَتْ أَيْضًا تُرَاقُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَفِي أَيِّ زَمَنٍ حَدَثَتْ الْمُتَسَمِّيَةُ وَمَنْ الْمُسَمِّي؟ . [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا إذَا وَصَلَ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَخْرُجُ نَدْبًا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ مُوَافِقًا لِلْجُزُولِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِمِقْدَارِ مَا يَصِلُ عِنْدَ الزَّوَالِ، فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ إلَخْ. وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْأَوَّلَ الْخُرُوجُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يَدْرِك بِهَا الظُّهْرَ وَلَوْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ لَجَازَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْحَطَّابِ يُفِيدُ أَنَّ الْخُرُوجَ قَبْلَ الزَّوَالِ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا خَرَجَ لِمِنًى قَبْلَ يَوْمِهَا. قَالَ خَلِيلٌ: وَخُرُوجُهُ لِمِنًى قَدْرَ مَا يَدْرِك بِهَا الظُّهْرَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ بِهِ أَوْ بِدَابَّتِهِ ضَعْفٌ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ آخِرَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ إذَا خَرَجَ بَعْدَ الزَّوَالِ يَخْرُجُ قَبْلَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا يُدْرِكُ بِهَا الظُّهْرَ فِي آخِرِ الْمُخْتَارِ. أَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الْخُرُوجُ لِمِنًى بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَيُّ مُوجِبٍ لِلتَّأْخِيرِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لِفِعْلِ النَّبِيِّ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ إلَخْ] فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمِنًى خَمْسَ صَلَوَاتٍ أَيْ الظُّهْرَ وَالصُّبْحَ وَمَا بَيْنَهُمَا» [قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْوُقُوفِ] وَقِيلَ: جَمِيعُ عَرَفَةَ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ يُسَمَّى عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: الْمَنَاسِكُ] جَمْعُ مَنْسَكٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمَنْسَكُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا أَيْ يُرِيهِ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَمَوَاضِعَهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي مَجَازٍ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَسْطَلَّانِيُّ، أَيْ مِنْ طَوَافٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى أَتَى بِهَا جَمْعًا فَقَالَ: هَاهُنَا تُجْمَعُ الصَّلَاةُ ثُمَّ أَتَى بِهِ مِنًى فَتَعَرَّضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَقَالَ: ارْمِ بِهَا وَكَبِّرْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. أَقُولُ: فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَكُونُ قَوْلُ جِبْرِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عَرَفْت أَيْ أَعَرَفْت فِي خُصُوصِ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ عَرَفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِعَرَفَاتٍ وَالسُّلُوكُ عَلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَالْجَوَازِ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ آخِرِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ وَهِيَ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَنَافِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ آخِرِ الْحَرَمِ يُفِيدُ أَنَّهَا مِنْ الْحَرَمِ. وَقَوْلُهُ: أَوَّلُ الْحِلِّ يُفِيدُ أَنَّهَا مِنْ الْحِلِّ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَفِي عِبَارَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَكَانٌ

لِلْوُقُوفِ لَا لِلصَّلَاةِ (وَ) إذَا وَصَلَ إلَى الْمُصَلَّى (يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ مَعَ الْإِمَامِ) جَمْعًا وَقَصْرًا زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، وَقَالَ فِيهَا: وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ خُطْبَتِهِ وَالْقِرَاءَةُ فِي ذَلِكَ سِرًّا وَلَوْ وَافَقْت جُمُعَةً. وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُسْتَحَبٌّ وَفِي بَابٍ جَامِعٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَمِنْ فَاتَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ فِي رَحْلِهِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقَصْرِ فَهُوَ فِي حَقِّ غَيْرِ أَهْلِ عَرَفَةَ أَمَّا هُمْ فَيُتِمُّونَ، وَالضَّابِطُ أَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَكَان يُتِمُّونَ فِيهِ وَيُقْصِرُونَ فِيمَا سِوَاهُ، وَالْقَصْرُ بِعَرَفَةَ إنَّمَا هُوَ لِلسُّنَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ بِمَسَافَةِ قَصْرٍ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ وَأَهْلِ الْمُزْدَلِفَةِ وَنَحْوِهِمْ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَتِمَّةِ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْأَرْبَعِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ (يَرُوحُ مَعَهُ إلَى مَوْقِفِ عَرَفَةَ) أُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَوْقِفَ عَرَفَةَ خِلَافُ مُصَلَّاهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ أَوَّلَ الْوُقُوفِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (فَيَقِفُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) عَلَى مَا قَالَ ك وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ جُزْءٌ مِنْ اللَّيْلِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْوَاجِبُ مِنْ الْوُقُوفِ الرُّكْنُ أَدْنَى حُضُورِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَجُزْءٍ مِنْ عَرَفَةَ حَيْثُ شَاءَ سِوَى بَطْنِ عُرَنَةَ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ رَاكِبًا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَرَفَةَ اهـ وَقِيلَ: مَكَانٌ بِقُرْبِهَا خَارِجٌ عَنْهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْوُقُوفِ إلَخْ] أَيْ فَيُخَاطِبُ بِهِ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ [قَوْلُهُ: وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ] أَيْ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ وَافَقَتْ جُمُعَةً] لِأَنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا لَا جُمُعَةً [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَفْظُ الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ أَذَّنَ وَجَمَعَ فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَهُ أَنَّ فِي تَغْيِيرِ الْمُؤَلِّفِ الْأُسْلُوبَ لِقَوْلِهِ: ثُمَّ أَذَّنَ وَجَمَعَ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْأَذَانِ وَالْجَمْعِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، إذْ الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا السُّنِّيَّةُ لَا الِاسْتِحْبَابُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَابٍ جَامِعٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: جَمَعَ فِي رَحْلِهِ] أَيْ سُنَّ لَهُ [قَوْلُهُ: عَلَى تَتِمَّةِ أَرْكَانِ الْحَجِّ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرُّكْنَ الرَّابِعَ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مَوْقِفُ عَرَفَةَ] يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، وَالْمُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الْعِظَامِ الْمَفْرُوشَةِ فِي أَسْفَلِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ] لَا حَاجَةَ لِذِكْرِ مِنْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَالْوُقُوفُ الرُّكْنِيُّ الْوُقُوفُ بِهَا جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ. [قَوْلُهُ: فَيَقِفُ إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِالْوُقُوفِ بَيَانٌ لِلْوَجْهِ الْأَكْمَلِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا مَرَّ بِعَرَفَةَ لَيْلًا وَلَمْ يَقِفْ فِيهَا يَجْزِيهِ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ عَرَفَةُ، وَأَنْ يَنْوِيَ الْحُضُورَ بِعَرَفَةَ لَا الْمَارُّ الْجَاهِلُ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ عَرَفَةُ، وَيَلْزَمُ الْمَارَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الدَّمُ لِوُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ بِعَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْوُقُوفِ إلَخْ] بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا الْبَابِ مُغَايِرٌ لِلْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: حُضُورُ جُزْءٍ] أَيْ فِي جُزْئِهِ، وَلَوْلَا جَعَلَ الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى فِي لَوَرَدَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْحُضُورَ ضِدُّ الْغَيْبَةِ، فَمَعْنَاهُ الْمُشَاهَدَةُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِشُمُولِهِ لِمَا إذَا كَانَ وَاقِفًا فِي الْهَوَاءِ غَيْرَ مُلَاصِقٍ لِلْأَرْضِ، أَوْ مَا اتَّصَلَ بِهَا أَوْ شَاهَدَ عَرَفَةَ وَهُوَ فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ لَا يَجْزِيهِ وَمُعَبِّرٌ بِالْحُضُورِ دُونَ الْوُقُوفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِمَعْنَى الْقِيَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. [قَوْلُهُ: سِوَى بَطْنِ عُرَنَةَ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَفَتْحِهِمَا وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ الْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى حَدِّ عَرَفَةَ، وَالْعَلَمَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى حَدِّ الْحَرَمِ فَلَيْسَتْ عُرَنَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَلَا مِنْ الْحَرَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِخَبَرِ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» وَارْتَفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ نَعَمْ يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِمَسْجِدِهَا يُكْرَهُ لِلشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ عَرَفَةَ أَمْ لَا كَذَا قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ وَتَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ وَلَا لِكَوْنِهِ أَعْوَنَ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ وَأَقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ اتِّخَاذِ ظُهُورِ الدَّوَابِّ كَرَاسِيَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ لِلدَّابَّةِ مَشَقَّةٌ.

قَالُوا: مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَقَائِمًا وَلَا يَجْلِسُ إلَّا لِعِلَّةٍ أَوْ كَلَالٍ أَيْ تَعَبٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مِنْ الْجَنَابَةِ مُتَوَضِّئًا لِيَكُونَ فِي هَذَا الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ، وَيُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءُ لِنَفْسِك وَلِوَالِدَيْك وَالتَّطْوِيلُ فِي ذَلِكَ لِلْغُرُوبِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِطْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ جُمَلٍ لِيَقْوَى عَلَى الْعِبَادَةِ. (ثُمَّ) بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَتَمَكُّنِ اللَّيْلِ (يُدْفَعُ) الْحَاجُّ (بِدَفْعِهِ) أَيْ بِدَفْعِ الْإِمَامِ (إلَى الْمُزْدَلِفَةَ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنْ دَفَعَ قَبْلَ دَفْعِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الدَّفْعُ مِنْ بَيْنِ الْمَأْزِمَيْنِ بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَبِفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مُثَنَّى مَأْزِمٍ وَهُمَا جَبَلَانِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ، وَإِنْ دَفَعَ خَلْفَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ وَسُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّهَا زُلْفَةٌ أَيْ قُرْبَةٌ يُتَقَرَّبُ بِدُخُولِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَتُسَمَّى أَيْضًا قُزَحُ وَجَمْعًا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْمُهْمَلَةِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهَا فَلْيَكُنْ أَوَّلَ اهْتِمَامِهِ إقَامَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ حَطِّ مَا خَفَّ مِنْ الْحَمْلِ (فَيُصَلِّي مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ (بِمُزْدَلِفَةِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) جَمْعًا، وَقَصْرًا لِلْعِشَاءِ لِغَيْرِ أَهْلِ مُزْدَلِفَةَ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُسْتَحَبٌّ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ إنْ كَانَ وَبَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَقَائِمًا] أَيْ يُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ أَيْ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَإِلَّا فَالْجُلُوسُ أَفْضَلُ لَهُنَّ لِلسَّتْرِ [قَوْلُهُ: إلَّا لِعِلَّةٍ] أَيْ مَرَضٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ كَلَالٍ بِفَتْحِ الْكَافِ [قَوْلُهُ: الْمَشْهَدُ الْعَظِيمُ] الْمَشْهَدُ الْمَحْضَرُ وَزْنًا وَمَعْنًى، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَوَصَفَهُ بِالْعَظِيمِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ فِيهِ وَهُمْ الْوَاقِفُونَ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَالَيْنِ فِيهِ مَجَازًا [قَوْلُهُ: وَالتَّهْلِيلُ] أَيْ قَوْلُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ [قَوْلُهُ: وَلِوَالِدَيْك] أَيْ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَرَادَ بِالْوَالِدَيْنِ مَا يَشْمَلُ الْأَشْيَاخَ. فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَحَبَّةٌ مُطْلَقًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا أَكِيدًا. [قَوْلُهُ: وَالتَّطْوِيلُ فِي ذَلِكَ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّسْبِيحُ، فَأَصْلُ مَا تَقَدَّمَ مُسْتَحَبٌّ وَالتَّطْوِيلُ مُسْتَحَبٌّ آخَرَ [قَوْلُهُ: وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ] وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: وَهُمَا جَبَلَانِ] وَيُعْرَفَانِ الْآنَ بِالْعَلَمَيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا زُلْفَةٌ] أَيْ ذَاتُ زُلْفَةٍ أَيْ قُرْبَةٍ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الْمَعْنَى هُوَ الدُّخُولُ فِيهَا أَيْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَمَعْنَى مُزْدَلِفَةُ أَيْ ذَاتُ زُلْفَةٍ [قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى أَيْضًا قُزَحُ] بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: قُزَحُ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ. وَالْمَشْعَرُ الْحَرَامُ جَبَلٌ بِآخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ وَاسْمُهُ قُزَحُ. فَانْظُرْ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: وَجَمْعًا] قِيلَ لِاجْتِمَاعِ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِيهَا وَقِيلَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَقِيلَ لِجَمْعِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِيهَا [قَوْلُهُ: بَعْدَ حَطِّ مَا خَفَّ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الْمَحَامِلُ وَالزَّوَامِلُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ، وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَحُطَّ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَشْهَبُ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ ثِقَلٌ لِلدَّوَابِّ. [قَوْلُهُ: فَيُصَلِّي مَعَهُ] أَيْ مَعَ الْإِمَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَنَفَرَ مَعَهُ يَجْمَعُ مَعَهُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ، وَمَنْ وَقَفَ مَعَهُ وَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ، فَإِنْ وَقَفَ مَعَهُ وَتَأَخَّرَ اخْتِيَارًا لَا يَجْمَعُ إلَّا فِي الْمُزْدَلِفَةِ، وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ مُطْلَقًا بَلْ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ] كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي النَّوَادِرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَمَّا هُمْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ بِدُونِ جَوَابٍ لِأَمَّا. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ لِقَوْلِهِ وَصَلَاتُهُ بِمُزْدَلِفَةَ الْعِشَاءَيْنِ عَطْفًا عَلَى الْمَنْدُوبِ، أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ] أَيْ مَنْدُوبٌ هَذَا مَعْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ وَحْدَهُ مَعَ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ وَحْدَهُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا فَلَا يَجْمَعُ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُدْرِكُ الْمُزْدَلِفَةَ ثُلُثَ اللَّيْلِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى يُصَلِّيَهُمَا الْمُزْدَلِفَةَ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ بِذَلِكَ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ وَعَجَزَ عَنْ السَّيْرِ مَعَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجْمَعُ

يُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ (الصُّبْحَ) أَوَّلَ الْوَقْتِ، أُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْبَيَاتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ (يَقِفَ مَعَهُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) وَيَجْعَلُ وَجْهَهُ أَمَامَ الْبَيْتِ. وَالْمَشْعَرُ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تُشْعِرُ هَدَايَاهَا فِيهِ (يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ (بِهَا) أَيْ بِالْمُزْدَلِفَةِ، أُطْلِقَ الْيَوْمُ عَلَى بَعْضِهِ وَهُوَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى قُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَدْفَعُ بِقُرْبِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى مِنًى) ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ جَوَازُ التَّمَادِي بِالْوُقُوفِ إلَى الْإِسْفَارِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَقِفُ أَحَدٌ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الْإِسْفَارِ، وَلَكِنْ يَدْفَعُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَفِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ (وَ) الدَّافِعُ إلَى مِنًى إنْ كَانَ رَاكِبًا (يُحَرِّكُ دَابَّتَهُ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِبَطْنِ مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ لَا غَيْرَ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ كَانَ وَمُقَابِلُهُ التَّفْصِيلُ أَنَّهُ إذَا طَمِعَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْمُزْدَلِفَةَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَخَّرَ الصَّلَاتَيْنِ إلَى أَنْ يَلِيَ، فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا ذَكَرَ هَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: اُسْتُحِبَّ إلَخْ] كَذَا فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ لَا مُسْتَحَبَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَاحَظَ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ سُنَّةٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أُخِذَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُطْلَبُ إلَخْ] وَأَمَّا النُّزُولُ فَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ. وَالظَّاهِرُ لَا يَخْفَى فِي النُّزُولِ إنَاخَةُ الْبَعِيرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حَطِّ الرِّحَالِ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لُبْثٌ أَمَّا إنْ حَصَلَ لُبْثٌ وَلَوْ لَمْ يُحَطَّ الرِّحَالَ بِالْفِعْلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَافٍ، وَمَنْ تَرَكَ النُّزُولَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَمَنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ: سُنَّةٌ، وَقِيلَ: فَرْضٌ. قَالَ تت: فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ يُفْسِدُ حَجَّهُ وَعَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ يَلْزَمُهُ دَمٌ. [قَوْلُهُ: جَبَلٌ] وَفِي الْحَطَّابِ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ الَّذِي بِالْمُزْدَلِفَةِ بَنَاهُ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ أَيْ لِيَهْتَدِيَ بِهِ الْحُجَّاجُ الْمُقْبِلُونَ مِنْ عَرَفَاتٍ [قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْمَشْعَرِ، وَمَعْنَى الْحَرَامِ الْمُحَرَّمِ أَيْ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضٌ: وَهَلْ النَّدْبُ يَحْصُلُ بِالْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ وَيَدْعُ فَهُمَا مُسْتَحَبٌّ آخَرُ أَوْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوُقُوفِ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا اهـ. قُلْت: وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ] ظَرْفٌ لِيُصَلِّيَ الصُّبْحَ الْمُقَدَّرَ أَوْ لِيَقِفَ. وَقَوْلُهُ: بِهَا ضَمِيرُهُ لِلْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّ الْمَشْعَرَ جَبَلٌ بِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ] الْمُسْتَفَادُ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرٌ لِيَوْمِ النَّحْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ بَعْدُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ فَتَصْدُقُ بِقُرْبِ الطُّلُوعِ. وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا بِدَلِيلِ الْغَايَةِ فَأَرَادَ بِبَعْدُ أَيْ عَقِبَ أَيْ وَهُوَ مِنْ عَقِبِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَخْ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَلَا يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَوَاسِعٌ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ يَتَأَخَّرُوا لِمَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أُمَّ حَبِيبَةَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ» ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ خَوْفًا مِنْ الزَّحْمَةِ وَلِبُطْئِهِنَّ فِي السَّيْرِ. [قَوْلُهُ: إلَى قُرْبٍ إلَخْ] الْغَايَةُ خَارِجَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَدْفَعُ بِقُرْبِ طُلُوعٍ إلَخْ أَيْ يَدْفَعُ فِي قُرْبِ طُلُوعٍ إلَخْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقُرْبَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ، فَالْقُرْبُ الْخَارِجُ مَا كَانَ يُلْصِقُ الطُّلُوعَ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الدَّفْعَ فِي الْقُرْبِ أَيْ الَّذِي بِلَصْقِ الْقُرْبِ الْخَارِجِ. [قَوْلُهُ: إلَى الْإِسْفَارِ] أَيْ إلَى دَاخِلِ الْإِسْفَارِ، فَبَعْضُ الْإِسْفَارِ كَانَ زَمَنًا لِلْوُقُوفِ. [قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ الْإِسْفَارِ] أَيْ فَالْمَنْفِيُّ كُلٌّ مِنْهُمَا. فَقَوْلُهُ: قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَفِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ] أَيْ فَفِيهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَوَحَّدَهُ وَهَلَّلَهُ وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدُفِعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ» ، أَيْ فَكَذَلِكَ يَكُونُ وُقُوفُنَا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ. [قَوْلُهُ: بِبَطْنِ] أَيْ فِي بَطْنِ. [قَوْلُهُ: مُحَسِّرٍ] بِكَسْرِ السِّينِ اسْمُ فَاعِلٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ

مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَالطَّرِيقُ فِي وَسَطِهِ وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا أَسْرَعَ الرَّجُلُ فِي مَشْيِهِ وَلَا تُسْرِعُ الْمَرْأَةُ، وَهَذَا الْإِسْرَاعُ تَعَبُّدِيٌّ وَقِيلَ مَعْقُولٌ الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِيهِ الْعَذَابَ عَلَى أَهْلِ الْفِيلِ الَّذِينَ أَتَوْا لِهَدْمِ الْكَعْبَةِ (فَإِذَا وَصَلَ إلَى مِنًى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) يَعْنِي بَدَأَ بِرَمْيِهَا أَوَّلَ مَا يَأْتِي مِنًى وَهُوَ عَلَى حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا مِنْ رُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا تَحْتَهُ وَهِيَ آخِرُ مِنًى مِنْ نَاحِيَةِ مَكَّةَ، سُمِّيَتْ جَمْرَةٌ بِاسْمِ مَا يُرْمَى فِيهَا وَهِيَ الْحِجَارَةُ. ق: وَلِلرَّمْيِ وَقْتُ أَدَاءً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَوَقْتُ قَضَاءٍ وَهُوَ كُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ مَعَ الْفَوَاتِ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَسُقُوطِهِ مَعَ الْقَضَاءِ وَلَا يَبْطُلُ الْحَجُّ بِفَوَاتِ شَيْءٍ مِنْ الْجِمَارِ اهـ. وَلِلرَّمْيِ شُرُوطُ صِحَّةٍ وَشُرُوطُ كَمَالٍ، أَمَّا شُرُوطُ الصِّحَّةِ فَثَلَاثَةٌ، الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَيْهَا وَلَا يَطْرَحَهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجْزِهِ بَلْ يَحْذِفُهَا حَذْفًا، وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ: رَمَى فَإِنَّ الرَّمْيَ هُوَ الْحَذْفُ وَصِفَةُ الرَّمْيِ أَنْ يَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَقِيلَ يُمْسِكُهَا بِإِبْهَامِهِ وَالْوُسْطَى. الثَّانِي: الْعَدَدُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ رَمَى السَّبْعَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اُحْتُسِبَ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرْمَى بِهِ حَجَرًا وَنَحْوَهُ فَلَا يُجْزِئُ الطِّينُ وَلَا الْمَعَادِنُ كَالْحَدِيدِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْمُرْمَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيلَ أَبْرَهَةَ كَلَّ فِيهِ وَأَعْيَا فَحُسِرَ أَصْحَابُهُ بِفِعْلِهِ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْحَسَرَاتِ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةَ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ مَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْإِسْرَاعِ فِيهِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ فَرَاجِعْهُ. [قَوْلُهُ: وَادٍ بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى إلَخْ] أَيْ قَدْرُ رَمْيَةِ الْحَجَرِ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقِيلَ: مِائَتَيْ ذِرَاعٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُسْرِعُ الْمَرْأَةُ] أَيْ فِي مَشْيِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَتُسْرِعُ كَالرَّجُلِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ تت. وَنَصُّهُ وَيُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَيُسْرِعُ الْمَاشِي مِنْ الرِّجَالِ فِي مَشْيِهِ دُونَ النِّسَاءِ اهـ. [قَوْلُهُ: بَدَأَ بِرَمْيِهَا] أَيْ الْمَنْدُوبُ الرَّمْيُ حِينَ الْوُصُولِ، وَأَمَّا ذَاتُ الرَّمْيِ فَهُوَ وَاجِبٌ هَذَا إذَا وَصَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِنْ وَصَلَ قَبْلَهَا فَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَسْتَقْبِلُ الْجَمْرَةَ فِي حَالِ الرَّمْيِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَمَكَّةُ عَنْ يَسَارِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ رُكُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ] بِخِلَافِ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا الْمَشْيُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْبِنَاءُ وَمَا تَحْتَهُ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَعَلَيْهِ فَمَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ مُجْزٍ وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ أَنَّ الْجَمْرَةَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُجْتَمِعِ فِيهِ الْحَصَى، وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ مَا وَقَفَ بِالْبِنَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ عَنْ الْكَوْمَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضٌ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ جَمْرَةً إلَخْ] مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِّ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ يَوْمٍ إلَخْ] بَلْ اللَّيْلُ عَقِبَ كُلِّ يَوْمٍ قَضَاءٌ لِذَلِكَ الْيَوْمِ. [قَوْلُهُ: مَعَ الْفَوَاتِ] فَالْفَوَاتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضَاءَ جَمِيعِ جِمَارِ الْعَقَبَةِ وَغَيْرِهَا يَنْتَهِي بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَإِذَا غَرَبَتْ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ] أَيْ الدَّمِ وَسُقُوطِهِ مَعَ الْقَضَاءِ الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ الْوُجُوبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَطْرَحُهَا] أَيْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الرَّمْيُ فَلَا يُجْزِئُ الْوَضْعُ وَلَا الطَّرْحُ، هَذَا مَا يُفِيدُهُ بَهْرَامُ وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مِنْ الشُّرُوطِ كَوْنُهُ بِرَمْيٍ لَا بِوَضْعٍ أَوْ طَرْحٍ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَجْعَلَ الْحَصَاةَ بَيْنَ إبْهَامِهِ] إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَرْمِي أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بَلْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً كَمَا سَيَقُولُ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ إبْهَامِهِ أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الرَّمْيُ بِيَدِهِ أَيْ لَا بِقَوْسِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ فِيهِ، وَيُنْدَبُ كَوْنُ الرَّمْيِ بِالْأَصَابِعِ لَا بِالْقَبْضَةِ وَكَوْنُهُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا يُحْسِنُ الرَّمْيَ بِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ] الْأَوْلَى حَذْفُهُ قَالَ خَلِيلٌ: وَصِحَّتُهُ بِحَجَرٍ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: أَيْ جِنْسُ مَا يُسَمَّى حَجَرًا مِنْ رُخَامٍ أَوْ بِرَامٍ أَيْ كَجِبَالِ جَمْعُ بُرْمَةَ بِالضَّمِّ قَدْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّلَطُ. [قَوْلُهُ:

بِهِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) بِخَاءٍ وَذَالٍ سَاكِنَةٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَفَاءٍ، وَقِيلَ حَاؤُهُ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ الرَّمْيُ وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ حَصَى الْخَذْفِ قِيلَ: قَدْرُ الْفُولَةِ، وَقِيلَ: قَدْرُ النَّوَاةِ فَلَا يُجْزِئُ الْيَسِيرُ جِدًّا كَالْحِمَّصَةِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الْكَمَالِ فَسَبْعَةٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْدَأَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَأْتِي كَمَا قَدَّمْنَا لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَ) الثَّانِي: أَنَّهُ (يُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) تَكْبِيرَةً وَإِنْ لَمْ يُكَبِّرْ أَجْزَأَهُ الرَّمْيُ الثَّالِثُ: تَتَابُعُ رَمْيِ الْحَصَيَاتِ. الرَّابِعُ: لَقْطُ الْحَصَيَاتِ دُونَ كَسْرِهَا وَلَهُ أَخْذُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِمِنًى إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ. الْخَامِسُ: طَهَارَتُهَا فَيُكْرَهُ الرَّمْيُ بِنَجِسٍ. السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا رُمِيَ بِهِ فَلَوْ خَالَفَ وَرَمَى بِهَا كُرِهَ وَهَلْ يُعِيدُ أَوْ لَا قَوْلَانِ. السَّابِعُ: رَمْيُهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقُ أَجْزَأَهُ. تَنْبِيهٌ: لِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ أَصْغَرُ وَهُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَيَحِلُّ بِهِ كُلُّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَيُكْرَهُ لَهُ الطِّيبُ، وَأَكْبَرُ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَسَيَأْتِي. (ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (يَنْحَرُ) مَا يُنْحَرُ وَيَذْبَحُ مَا يُذْبَحُ (إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) وَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ أَكْبَرُ مَنْ أَشَارَ لَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ وَفِيهَا أَكْبَرُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّمْيُ] رَاجِعٌ لِلضَّبْطَيْنِ أَيْ الرَّمْيِ بِالْحَصْبَاءِ فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَرْمِي بِهَا فِي الصِّغَرِ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ تَقْذِفُهَا بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى. [قَوْلُهُ: فَلَا يُجْزِئُ الْيَسِيرُ جِدًّا] أَيْ وَيُجْزِئُ الْكَبِيرُ عِنْدَ الْجَمِيعِ. وَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُؤْذِيَ النَّاسَ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يُكَبِّرُ] أَيْ نَدْبًا كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَقَوْلُهُ: مَعَ أَيْ لَا قَبْلَ وَلَا بَعْدَ وَيَفُوتُ الْمَنْدُوبُ بِمُفَارَقَةِ الْحَصَاةِ بِيَدِهِ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَوْ قَبْلَ وُصُولِهَا لِمَحَلِّهَا كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: دُونَ كَسْرِهَا] أَيْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَجَرًا وَيَكْسِرَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَهُ أَخْذُهَا مِنْ مَنْزِلِهِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - انْتَقَلَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ ثُمَّ اسْتَثْنَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ. [قَوْلُهُ: فَيُكْرَهُ الرَّمْيُ بِنَجِسٍ وَيُنْدَبُ إعَادَتُهُ بِطَاهِرٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ مَا رُمِيَ بِهِ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ سَوَاءٌ رَمَى بِهِ فِي يَوْمِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ رَمَى بِهِ فِي مِثْلِ مَا رَمَى بِهِ أَوَّلًا فِي حَجٍّ، وَحَجَّ مُفْرِدًا فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ أَدَّيْت بِهِ عِبَادَةً كَمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ فِي حَصَاةٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُعِيدُ] أَيْ نَدْبًا التُّونُسِيُّ وَيُعِيدُ نَدْبًا مَا لَمْ تَمْضِ أَيَّامُ الرَّمْيِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ بَعْضٍ يُفِيدُ قُوَّةَ قَوْلِ التُّونُسِيِّ. [قَوْلُهُ: السَّابِعُ رَمْيُهَا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي] أَيْ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي لِأَنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْحَدِيثُ فِيهَا وَمِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ رَمْيُهَا نَاشِئٌ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي بِمَعْنَى أَنَّ الرَّامِيَ يَكُونُ فِي بَطْنِ الْوَادِي أَيْ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ، وَأَمَّا مِنْ فَوْقِهَا فَهُوَ شَاقٌّ لِحُزُونَةِ الْمَوْضِعِ وَضِيقِهِ [قَوْلُهُ: فَيَحِلُّ بِهِ كُلُّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إلَّا النِّسَاءَ إلَخْ] أَيْ فَحُرْمَةُ قُرْبَانِ النِّسَاءِ بِجِمَاعٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَعَقْدِ نِكَاحٍ وَصَيْدِ بَاقِيَةٍ وَمِثْلُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَوَاتُ وَقْتِ أَدَائِهَا. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ الطِّيبُ] وَلِذَلِكَ لَوْ تَطَيَّبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ] أَيْ فَيَحِلُّ بِهِ مَا كَانَ مَمْنُوعًا وَمِنْهُ مَا كَانَ مَكْرُوهًا لَهُ إنْ حَلَقَ أَيْ وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا، وَقَدْ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ فَعَلَ السَّعْيَ فَلَا يَحِلُّ مَا بَقِيَ إلَّا بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْإِفَاضَةِ. وَقَوْلُنَا: وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ أَوْ فَاتَ وَقْتُهَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا أَفَاضَ قَبْلَ رَمْيِهَا فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ هَدْيٌ إنْ وَطِئَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَأَمَّا إنْ صَادَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِخِفَّةِ الصَّيْدِ عَنْ الْوَطْءِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ] أَيْ مَسُوقًا فِي إحْرَامِ حَجٍّ وَلَوْ لِنَقْصٍ فِي عُمْرَةٍ أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ. [قَوْلُهُ: وَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ] أَيْ أَوْ نَائِبُهُ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ فِي أَيَّامِ مِنًى، فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلْيَنْحَرْهُ بِمَكَّةَ فَإِنْ خَالَفَ بِأَنْ نَحَرَ فِي مَكَّةَ مَا يُطْلَبُ

وَمِنًى كُلُّهَا مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ إلَّا مَا وَرَاءَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَلَا يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ فِي ذَلِكَ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صَلَاةُ عِيدٍ (ثُمَّ) إذَا فَرَغَ مِنْ النَّحْرِ (يَحْلِقُ) أَوْ يُقَصِّرُ إنْ كَانَ رَجُلًا لَمْ يُلَبِّدْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَعْقِصُهُ أَمَّا إنْ لَبَّدَ أَوْ عَقَصَ فَالْحَلَّاقُ لَيْسَ إلَّا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا التَّقْصِيرُ لَيْسَ إلَّا. (ثُمَّ) بَعْدَ الْحِلَاقِ (يَأْتِي الْبَيْتَ) الْحَرَامَ (فَيُفِيضُ) أَيْ يَطُوفُ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا تَنْجَبِرُ بِالدَّمِ، وَيَحِلُّ بِهِ جَمِيعُ مَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ حَتَّى النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ. أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَوْلُهُ: (وَيَطُوفُ سَبْعًا وَيَرْكَعُ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَيُفِيضُ وَلَا يَرْمُلُ فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا يَسْعَى لِأَنَّهُ سَعْيٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ، هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْرُهُ فِي مِنًى أَجْزَأَهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ النَّحْرِ فِي مِنًى عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ إذْ قِيلَ بِالنَّدْبِ، وَأَمَّا لَوْ نَحَرَ فِي مِنًى مَا يُطْلَبُ نَحْرُهُ فِي مَكَّةَ فَلَا يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: فَالْحِلَاقُ لَيْسَ إلَّا] أَيْ يَجِبُ فِيهِمَا الْحِلَاقُ وَمِثْلُهُمَا الْمُضَفَّرُ وَالْمُلَبَّدُ هُوَ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَيْهِ الصَّمْغُ وَالْغَاسُولُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ كُلِّهِ فَبَعْضُهُ كَالْعَدَمِ وَمَنْ بِرَأْسِهِ وَجَعٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْحِلَاقِ أَهْدَى فَإِنْ صَحَّ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَيُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ: وَحَلْقُ مُتَعَذِّرِ التَّقْصِيرِ لِقِلَّتِهِ أَوْ ذِي تَلْبِيدٍ أَوْ ضَفْرٍ أَوْ عَقْصٍ مُتَعَيِّنٍ، وَحَلْقِ غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي الْحَجِّ. ابْنُ حَبِيبٍ: يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً] أَيْ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ تِسْعٍ، أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَحْلِقَ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ بِهِنَّ، نَعَمْ إنْ كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى فَإِنَّهَا تَحْلِقُ لِأَنَّهُ صَلَاحٌ لَهَا، فَإِنْ لَبَّدَتْ شَعْرَهَا فَإِنَّهَا تُقَصِّرُهُ بَعْدَ زَوَالِ تَلْبِيدِهِ بِالْأَمْشَاطِ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ: فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا. مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا هُوَ لَا أَنَّهُ فِي حَقِّهَا سُنَّةٌ، وَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ غَيْرَهُ وَصِفَةُ التَّقْصِيرِ مُخْتَلِفَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ، فَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وَفَوْقَهَا بِيَسِيرٍ أَوْ دُونَهَا مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ طَوِيلِهِ وَقَصِيرِهِ، وَيَأْخُذُ الرَّجُلُ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ مِنْ قُرْبِ أَصْلِهِ وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ أَطْرَافِهِ أَخْطَأَ أَيْ خَالَفَ الْمَنْدُوبَ وَأَجْزَأَهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَخَذَ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَانْظُرْ مَا يَفْعَلُ مَنْ يُبْقِي بَعْضَ رَأْسِهِ وَيَحْلِقُ بَاقِيَهُ كَشُبَّانِ مِصْرَ وَنَحْوِهِمْ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَلْقُ مَا أَبْقَى مِنْ الشَّعْرِ مَعَ حَلْقِ غَيْرِهِ أَوْ لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَا يَحْلِقَ وَيُقَصِّرَ فِيمَا أَبْقَاهُ مِنْ الشَّعْرِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ؟ وَلَعَلَّ إذَا كَانَ إبْقَاؤُهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ قَبِيحٌ وَإِلَّا وَجَبَ حَلْقُهُ حَتَّى فِي غَيْرِ النُّسُكِ كَذَا فِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَشْيَاءَ مُرَتَّبَةً الرَّمْيُ فَالنَّحْرُ فَالْحَلْقُ فَالطَّوَافُ، لَكِنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ فِي مِنًى وَالرَّابِعُ فِي مَكَّةَ لَكِنْ حُكْمُ هَذَا التَّرْتِيبِ مُخْتَلِفٌ فَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَعَلَى الْإِفَاضَةِ وَاجِبٌ، فَإِنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَهُ لَزِمَهُ دَمٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الرَّمْيِ أَوْ تَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الذَّبْحِ فَمَنْدُوبٌ كَتَأْخِيرِ الْإِفَاضَةِ عَنْ الذَّبْحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ أَفَاضَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ الْحَلْقِ أَوْ قَبْلَهُمَا مَعًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ آخِرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ] وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ لِقُرْبِهِ مِنْ الْبَيْتِ، وَلَا يُشْكِلُ بِالْحَجِّ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ آخِرَ إلَخْ أَيْ لِمَنْ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَكَانَ السَّعْيُ هُوَ الْآخِرُ [قَوْلُهُ: إلَّا بِخُرُوجِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ إذَا أَخَّرَهُ لِحَادِي عَشَرَةَ يَلْزَمُهُ دَمٌ. [قَوْلُهُ: هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُرَاهِقِ] أَيْ وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ أَيْ الَّذِي ضَاقَ عَلَيْهِ الزَّمَنُ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ فَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ نَدْبًا وَقَوْلُهُ: وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُرَاهِقِ أَيْ وَأَمَّا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ فَيَرْمُلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ هَذَا مَعْنَى عِبَارَتِهِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ

وَأَمَّا هُمْ فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ (ثُمَّ) بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَرَكْعَتَيْهِ (يُقِيمُ بِمِنًى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِلَيَالِيِهَا إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَجِّلٍ، وَالْإِقَامَةُ هُنَا لُغَوِيَّةٌ فَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَا يُتِمُّ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِنًى، وَلَا يَجُوزُ الْمَبِيتُ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مِنًى، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ لُزُومِ الْبَيَاتِ بِمِنًى مَنْ وُلِّيَ السِّقَايَةَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرْخَصَ لِلْعَبَّاسِ الْبَيَاتَ بِمَكَّةَ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ وَلِلرُّعَاةِ» . ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَرْخَصَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَنْصَرِفُوا بَعْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَأْتُونَ ثَالِثَهُ فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَوْ يَرْمُونَ بِاللَّيْلِ. (فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ (رَمَى الْجَمْرَةَ) الْأُولَى (الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَرْمِي) بَعْدَهَا (الْجَمْرَتَيْنِ) فَيَبْدَأُ بِالْوُسْطَى ثُمَّ يَخْتِمُ بِالثَّالِثَةِ وَهِيَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ (كُلُّ جَمْرَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ (وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ بِإِثْرِ الرَّمْيِ فِي الْجَمْرَةِ الْأُولَى) الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى (وَ) فِي الْجَمْرَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الْوُسْطَى. تَنْبِيهٌ: ع: قَوْلُهُ فَإِذَا زَالَتْ إلَخْ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى ثُمَّ رَمَى أَجْزَأَهُ. وَقَالَ ق: قَوْلُهُ فَإِذَا زَالَتْ يُرِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُجْزِهِ وَيُعِيدُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ الْفَجْرِ. (وَلَا يَقِفُ) لِلدُّعَاءِ (عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلْيَنْصَرِفْ) أَيْ يَذْهَبْ أَمَامَهُ وَلَا يَرْجِعُ خَلْفَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَوْضِعَ الْوُقُوفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQطَافَ لِلْقُدُومِ وَقَدْ أَحْرَمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ أَوْ التَّنْعِيمِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ الْأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ وَسُنَّةُ الرَّمَلِ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ إنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ. [قَوْلُهُ: فَيُسْتَحَبُّ لَهُمْ الرَّمَلُ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] أَيْ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. [قَوْلُهُ: بِلَيَالِيِهَا] فَلَوْ تَرَكَ جُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهَا لَزِمَهُ دَمٌ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَجِّلٍ] أَيْ وَيَوْمَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِقَامَةُ هُنَا لُغَوِيَّةٌ] أَيْ لَا شَرْعِيَّةٌ إذْ لَوْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً لَأَتَمَّ فِيهَا. [قَوْلُهُ: وَلِلرُّعَاةِ] كَذَا فِي نُسَخٍ بِاللَّامِ وَالْأَوْلَى حَذْفُهَا لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ وُلِّيَ السِّقَايَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأُرَخِّصُ لِلرُّعَاةِ إلَخْ] قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ هَذِهِ الرُّخْصَةُ جَائِزَةٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وتت أَنَّهَا جَائِزَةٌ. [قَوْلُهُ: فَيَرْمُونَ لِلْيَوْمَيْنِ] أَيْ ثَانِي النَّحْرِ وَثَالِثِهِ، ثُمَّ إنْ شَاءُوا تَعَجَّلُوا فَيَسْقُطُ عَنْهُمْ رَمْيُ الرَّابِعِ، وَإِنْ شَاءُوا أَقَامُوا لِلْيَوْمِ الرَّابِعِ فَيَرْمُونَهُ مَعَ النَّاسِ، وَأَمَّا أَهْلُ السِّقَايَةِ فَيَرْمُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَهْلَ السِّقَايَةِ إنَّمَا يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْبَيَاتِ بِمِنًى لَا فِي تَرْكِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ فَيَبِيتُونَ بِمَكَّةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ نَهَارًا وَيَعُودُونَ بِمَكَّةَ كَمَا فِي الطِّرَازِ، وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ إعْدَادُ الْمَاءِ لِلشَّارِبِينَ وَلَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ مَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ أَوْ أَمْرٌ يَخَافُ فَوْتَهُ أَوْ مَرِيضٌ يَتَعَاهَدُهُ أَوْ إعْدَادُ أَكْلٍ، فَمَنْ تَرَكَ الْمَبِيتَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ دَمٌ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ] مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مُبَيِّنًا لَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ. يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا لَيْلًا فَيَرْمُوا مَا فَاتَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا قَالَ بَعْضٌ وِفَاقٌ لِلْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا أَرْخَصَ لَهُمْ فِي تَأْخِيرِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَرَمْيُهُمْ بِاللَّيْلِ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ] أَيْ نَدْبًا تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهَا وَيُنْدَبُ الْمُبَادَرَةُ بِرَمْيِ الثَّانِيَةِ عَقِبَ الْأُولَى وَبِالثَّالِثَةِ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ شَرْطُ صِحَّةٍ، فَإِنْ نَكَسَ بَطَلَ رَمْيُ الْمُقَدَّمَةِ عَنْ مَحِلِّهَا وَلَوْ سَهْوًا. [قَوْلُهُ: وَيَقِفُ لِلدُّعَاءِ إلَخْ] أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَقِفَ لِلدُّعَاءِ أَيْ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: تَنْبِيهٌ إلَخْ] كُلٌّ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَا يُفِيدُ كَوْنَ الرَّمْيِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُفِيدُهُ لِأَنَّ إذَا ظَرْفٌ بِمَعْنَى وَقْتٍ ضُمِّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ إذَا جِئْت أَكْرَمْتُك. [قَوْلُهُ: وَلْيَنْصَرِفْ] أَيْ سَرِيعًا عَقِبَ رَمْيِهَا مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ.

لِلرَّمْيِ فِي الثَّلَاثَةِ وَلَا مَوْضِعَ الدُّعَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى فَيَرْمِيهَا مِنْ فَوْقِهَا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا فَيَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ، وَفِي رَفْعِ يَدَيْهِ قَوْلَانِ، وَضَعَّفَ مَالِكٌ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَشَاعِرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ رُئِيَ رَافِعًا يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَقَدْ جَعَلَ بُطُونَهُمَا إلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: إنْ كَانَ الرَّفْعُ فَهَكَذَا وَيُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو بِمِقْدَارِ إسْرَاعِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوُسْطَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ وُقُوفَهَا أَمَامَهَا ذَاتَ الشِّمَالِ، ثُمَّ يُثَلِّثُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَرْمِيهَا مِنْ أَسْفَلِهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ لِلدُّعَاءِ فَتِلْكَ السُّنَّةُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِالْجِمَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ مَاشِيًا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا لِمَنْ قَدَرَ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَإِذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ رَابِعُ يَوْمِ النَّحْرِ انْصَرَفَ) مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ) شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى. ع: وَلَا يُقِيمُ بِمِنًى بَعْدَ رَمْيِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُحَصَّبِ فَيُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَمْيَ الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ مُرَتَّبَةٌ، وَأَنَّ رَمْيَ غَيْرِ الْعَقَبَةِ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالزَّوَالِ وَيَنْتَهِي الْأَدَاءُ إلَى غُرُوبِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ لَهُ وَيَفُوتُ الرَّمْيُ بِغُرُوبِ الرَّابِعِ فَلَا قَضَاءَ لَهُ، وَيَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فِي تَرْكِ حَصَاةٍ أَوْ فِي تَرْكِ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا كَانَ قَدْ أُحْرِجَ كَتَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا لِلَّيْلِ إذْ هُوَ وَقْتُ قَضَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ خَلْفَهُ] أَيْ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الَّذِي يَأْتِي الرَّمْيَ قَالَهُ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ بَيَّنَهُ] ظَاهِرُهُ بَيَّنَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ وَمِنْ مَوْضِعِ الدُّعَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينُ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ، إنَّمَا فِيهِ تَعْيِينُ مَوْضِعِ الدُّعَاءِ. [قَوْلُهُ: فَيَرْمِيهَا مِنْ فَوْقِهَا إلَخْ] أَيْ رَمْيًا نَاشِئًا مِنْ فَوْقِهَا عَلَى حِلِّ مَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي. [قَوْلُهُ: وَفِي رَفْعِ يَدَيْهِ قَوْلَانِ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الرَّفْعِ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي جَمِيعِ الْمَشَاعِرِ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمَشَاعِرُ مَوَاضِعُ الْمَنَاسِكِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ رُئِيَ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ وَضَعَّفَ مَالِكٌ إلَخْ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ بِالرَّفْعِ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ إلَخْ أَيْ إنْ أَرَدْت أَنْ تَفْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ الْحَسَنَ وَهُوَ الرَّفْعُ فَلْيَكُنْ هَكَذَا. [قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرُ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَسْتَقْبِلُ [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُثَنِّي بِالْوُسْطَى كَذَلِكَ إلَخْ] أَيْ يَرْمِيهَا مِنْ فَوْقِهَا كَالْأُولَى قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ وُقُوفَهَا أَمَامَهَا ذَاتَ الشِّمَالِ] أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ عَلَى جِهَةِ شِمَالِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ، وَرَدَّهُ الشَّيْخُ مُصْطَفَى بِقَوْلِهِ: أَيْ لَا يَجْعَلُهَا عَلَى يَسَارِهِ بَلْ هُوَ فِي جِهَةِ يَسَارِهَا خِلَافًا لِمَا قَالَ ج. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُثَلِّثُ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ] لَمْ أَفْهَمْ لَهَا وَجْهًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: فَتِلْكَ السُّنَّةُ] هَذَا نِهَايَةُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الدُّعَاءِ إثْرَ الْأُولَيَيْنِ دُونَ الثَّالِثَةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ مَوْضِعَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِيهِ سَعَةٌ لِلْقِيَامِ لِمَنْ يَرْمِي، وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَمَوْضِعُهَا ضَيِّقٌ وَلِذَلِكَ لَا يَنْصَرِفُ الَّذِي يَرْمِيهَا عَلَى طَرِيقِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الَّذِي يَأْتِي الرَّمْيَ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ مِنْ أَعْلَى الْجَمْرَةِ أَفَادَهُ فِي التَّوْضِيحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الْأُولَى وَعِنْدَ الْوُسْطَى إثْرَ رَمْيِ كُلِّ وَاحِدَةٍ لِلدُّعَاءِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْمُسْرِعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَأَمَّا جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ إذَا رَمَاهَا يَنْصَرِفُ إمَّا لِعَدَمِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ أَوْ لِوُسْعِ الْأُولَيَيْنِ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا بِحَيْثُ يَكُونُ جِهَةَ يَسَارِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَالَ وُقُوفِهِ لِلدُّعَاءِ بَعْدَ رَمْيِهَا، وَأَمَّا الْأُولَى فَيَجْعَلُهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِالْمُحَصَّبِ] سَوَاءٌ كَانَ مَكِّيًّا أَوْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَمْ لَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدًى بِهِ أَمْ لَا، إلَّا أَنَّ الْمُقْتَدَى بِهِ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُ النُّزُولِ وَغَيْرِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَيَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَنَاسِكِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَعَجِّلِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُقْتَدًى بِهِ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ وَفِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَدَخَلَ لِصَلَاتِهَا.

وَالْعِشَاءَ وَيَدْخُلَ مَكَّةَ لَيْلًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ فَعَلَهُ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَهُ، وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي قَوْلِهِ: (وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) شَيْءٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَاذَا أَرَادَ بِالتَّمَامِ فَإِنْ أَرَادَ بِسُنَنِهِ وَفَرَائِضِهِ وَفَضَائِلِهِ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَإِنْ أَرَادَ الْفَرَائِضَ فَقَدْ تَمَّتْ قَبْلَ هَذَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ تَمَّ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ طَوَافَ الْوَدَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْحَاجِّ بَلْ يَفْعَلُهُ كُلُّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ غَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِ مِنًى فَرَمَى وَانْصَرَفَ) قَسِيمُ قَوْلِهِ: يُقِيمُ بِمِنًى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِذَا غَرُبَتْ فَلَا تَعْجِيلَ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ إنَّمَا أُمِرَ بِالْمُقَامِ فِيهَا مِنْ أَجْلِ رَمْيِ النَّهَارِ، فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَغَيْرِهِمْ فِي التَّعْجِيلِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] وَظَاهِرُهُ أَيْضًا إمَّا مَا كَانَ أَوْ غَيْرُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ. لَا يُعْجِبُنِي لِأَمِيرِ الْحَاجِّ أَنْ يَتَعَجَّلَ، وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فَلَوْ تَعَجَّلَ لَتَبِعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَيَقْتَدِي بِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ نِيَّتُهُ التَّعْجِيلُ فَيُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ إحْيَاءِ تِلْكَ الشَّعِيرَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ. (فَإِذَا خَرَجَ) أَيْ أَرَادَ الْخُرُوجَ (مِنْ مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةَ (طَافَ لِلْوَدَاعِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَهَذَا الطَّوَافُ مُسْتَحَبٌّ لَا دَمَ فِي تَرْكِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي آخِرِ الْكِتَابِ: سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدِ النُّسُكَيْنِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا رَمَلَ فِيهِ. (وَ) إذَا فَرَغَ مِنْهُ (رَكَعَ) وَقَبْلَ الرُّكْنِ (وَانْصَرَفَ) وَلَا يَرْجِعُ فِي خُرُوجِهِ الْقَهْقَرَى لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْحَجِّ كَأَنَّ سَائِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسَمَّى الْمُحَصَّبُ الْأَبْطَحَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَهُ] أَيْ قَبْلَ النُّزُولِ بِالْمُحَصَّبِ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْ لَا دَمَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ تَمَّ بِفَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ] أَرَادَ بِالسُّنَنِ مَا يَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّاتِ أَوْ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا أَيْ وَفَضَائِلِهِ [قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ الْتَزَمَ رَمْيَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ] وَهُوَ رَابِعُ النَّحْرِ حَاصِلُهُ أَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ مُجَاوَزَةُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْهَا إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِمِنًى وَرَمْيُ الثَّالِثِ قَالَ بَعْضٌ: وَانْظُرْ هَلْ عَدَمُ التَّعْجِيلِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ أَمْ لَا؟ اهـ. أَقُولُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَجَّلُ أَهْلُ مَكَّةَ [قَوْلُهُ: لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ} [البقرة: 203] إلَخْ] فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ الْإِثْمِ فِي التَّأْخِيرِ لَا يُتَوَهَّمُ حَتَّى يَنْفِيَهُ فِي الْآيَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ رَدٌّ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ بِالْإِثْمِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ مَعَ تَعْجِيلِ غَيْرِهِ لِتَوَهُّمِهِمْ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِرُخْصَةِ التَّعْجِيلِ. [قَوْلُهُ: لَا يُعْجِبُنِي] أَيْ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: فَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ] أَيْ فَإِذَا أَرَادَ الْحَاجُّ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَالْجُحْفَةِ وَبَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ كَانَ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَكِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَيَفْعَلُهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَقُلْنَا: بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ لَا إنْ خَرَجَ لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ فَلَا يُطْلَبُ بِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَخْرُجْ لِيُقِيمَ بِمَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ لِمَسْكَنِهِ وَإِلَّا طُلِبَ مِنْهُ، وَلَوْ قَرُبَ مَا خَرَجَ إلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَرَدِّدُ لِمَكَّةَ بِالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ خَرَجُوا لِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا الطَّوَافُ مُسْتَحَبٌّ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَلَا رَمَلَ فِيهِ] أَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَيْ يُكْرَهُ [قَوْلُهُ: رَكَعَ] ابْنُ فَرْحُونٍ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ رَكْعَتَانِ إنْ تَرَكَهُمَا حَتَّى تَبَاعَدَ أَوْ بَلَغَ بَلَدَهُ رَكَعَهُمَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَرُبَ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ رَجَعَ لَهُمَا وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَرَكَعَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكَعَهُمَا إذَا حَلَّتْ النَّافِلَةُ فِي الْحَرَمِ أَوْ خَارِجَهُ. [قَوْلُهُ: وَقَبَّلَ الرُّكْنَ] أَيْ الْحَجَرِ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُقَبِّلُ الْحَجَرَ بَعْدَ طَوَافِ الْوَدَاعِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا قَالُوا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّعْيِ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ. فَانْظُرْ كَلَامَ هَذَا الشَّارِحِ مَعَ هَذَا النَّصِّ [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ فِي خُرُوجِهِ الْقَهْقَرَى] أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ وَجْهَهُ لِلْبَيْتِ ثُمَّ يَمْشِي إلَى خَلْفِهِ إلَى أَنْ

قَالَ لَهُ : وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْعُمْرَةِ فَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: (وَالْعُمْرَةُ يَفْعَلُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا إلَى تَمَامِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أُخِذَ مِنْهُ أَنَّ أَرْكَانَهَا ثَلَاثَةٌ: الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَأَنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ أَوْ لَا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (ثُمَّ يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ) أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: تَتِمُّ عُمْرَتُهُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَمِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ (وَالْحِلَاقُ أَفْضَلُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) مِنْ التَّقْصِيرِ فَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى، وَلَا يَتِمُّ نُسُكُ الْحِلَاقِ إلَّا بِجَمِيعِ الرَّأْسِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا بَدَأَ بِالْحِلَاقِ بَدَأَ بِالْيَمِينِ وَيَبْلُغُ بِالْحِلَاقِ وَبِالتَّقْصِيرِ إلَى عَظْمِ الصُّدْغَيْنِ مُنْتَهَى طَرَفِ اللِّحْيَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْحَلْقِ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ جَمَّةٌ وَهُوَ غَيْرُ مُعَقِّصٍ وَلَا مُلَبِّدٍ وَلَا مُضَفِّرٍ، وَالْمُعَقِّصُ هُوَ الَّذِي يَفْتِلُ شَعْرَهُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَيُرْخِيهِ إلَى نَاحِيَةِ قَفَاهُ، وَالْمُضَفِّرُ هُوَ الَّذِي يَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ، وَالْمُلَبِّدُ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُ عَلَيْهِ الصَّمْغَ وَالْغَاسُولَ فَهَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَلْقُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَتَوَارَى عَنْ الْبَيْتِ كَمَا تَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ عِنْدَ الِانْصِرَافِ مِنْ حَضْرَةِ عَظِيمٍ إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ، وَلَا يُوَدِّعُ الْمَكِّيُّ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ وَلَا مُتَوَطِّنٌ بِمَكَّةَ، وَمَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ أَوْ الْعُمْرَةِ وَخَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ فَلَا يُطْلَبُ بِوَدَاعٍ. [قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا] أَيْ فِعْلًا مُمَاثِلًا لِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَيْ بِأَنْ يَتَجَرَّدَ وَيَغْتَسِلَ وَيَلْبَسَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَالنَّعْلَيْنِ وَيُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ مَشَى يُحْرِمُ مَعَ الْقَوْمِ أَوْ الْفِعْلِ وَيَمْضِي فِي أَفْعَالِهَا [قَوْلُهُ: إلَى تَمَامِ السَّعْيِ] لِأَنَّ أَرْكَانَهَا الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَلَهَا مِيقَاتَانِ زَمَانِيٌّ وَمَكَانِيٌّ كَالْحَجِّ، فَالزَّمَانِيُّ الْوَقْتُ كُلُّهُ وَلَوْ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ عَرَفَةَ، وَأَمَّا مِيقَاتُهَا الْمَكَانِيُّ فَهُوَ الْحِلُّ سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مُقِيمًا بِمَكَّةَ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَمِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ] أَيْ لَيْسَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ الْعُمْرَةِ كَمَالُهَا فَلَا يُنَافِي تَمَامَهَا بِالْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِهَا وَسَعْيِهَا [قَوْلُهُ: فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ] لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ التَّقْصِيرَ فِي عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ أَفْضَلُ لِاسْتِبْقَاءِ الشَّعَثِ لِلْحَجِّ قَالَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ، قُلْت: قَيْدُهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنْ يَقْرُبَ وَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي النَّذْرِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى] قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَالْحِلَاقُ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَأَفْضَلُ وَإِنْ حَلَقَ بِمَكَّةَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيَّامَ مِنًى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَخَّرَ الْحَلْقَ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَأَهْدَى اهـ. التُّونُسِيُّ: قَوْلُهُ أَخَّرَ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ بَلَدَهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ يُرِيدُ أَوْ طَالَ ذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بَدَأَ بِالْيَمِينِ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: مُنْتَهَى طَرَفِ اللِّحْيَةِ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ بِدُونِ وَاوٍ بَدَلٌ مِنْ عَظْمِ الصُّدْغَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عَظْمَ الصُّدْغَيْنِ انْتِهَاءُ طَرَفَيْ اللِّحْيَةِ أَيْ مَوْضِعِ انْتِهَاءِ طَرَفَيْ اللِّحْيَةِ، وَإِضَافَةِ انْتِهَاءِ إلَى مَا بَعْدَهُ إمَّا حَقِيقِيَّةً أَوْ لِلْبَيَانِ فَأَرَادَ بِالِانْتِهَاءِ الْجُزْءَ الْأَخِيرَ وَفِي كَلَامِهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ شَعْرَ الصُّدْغَيْنِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ يُمْسَحُ مَعَ الرَّأْسِ [قَوْلُهُ: جَمَّةٌ إلَخْ] الْجَمَّةُ الشَّعْرُ الَّذِي يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ، وَاللُّمَّةُ الشَّعْر يَلُمُّ بِالْمَنْكِبِ أَيْ يَقْرُبُ، وَالْوَفْرَةُ الشَّعْرُ إلَى الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُ وَفْرٌ عَلَى الْأُذُنِ، أَيْ تَمَّ عَلَيْهَا وَاجْتَمَعَ، أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ إذَا عَلِمْته فَنَقُولُ: أَرَادَ بِالْجَمَّةِ هُنَا مَا يَشْمَلُ اللُّمَّةَ وَالْوَفْرَةَ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلشَّعْرِ الْمُعَقَّصِ، إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلشَّخْصِ الَّذِي يَعْقِصُ. فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُعَقَّصُ هُوَ الْمَفْتُولُ أَيْ كَمَا يُفْتَلُ الْحَبْلُ. وَقَوْلُهُ: فِي مَكَان وَاحِدٍ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فَتْلَهُ كُلَّهُ كَالْحَبْلِ الْوَاحِدِ وَيَكُونُ مُحْتَرَزُهُ فَتْلُهُ فِي مَكَانَيْنِ أَيْ جَعْلُهُ كَحَبْلَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ قَصْدُهُ الِاحْتِرَازَ بَلْ قَصْدُهُ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَيُرْخِيهِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ هَكَذَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ أَرْخَاهُ إلَى غَيْرِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَفْتِلُهُ ضَفَائِرَ] أَنَّهُ كَالْخُوصِ أَيْ أَوْ وَضَفِيرَةٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ مُضَفَّرًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْفَتْلِ فَفِي هَذَا التَّفْسِيرِ تَجَوُّزٌ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْصَ خِلَافُ الضَّفْرِ، وَيُطْلَقُ الْعَقْصُ وَيُرَادُ بِهِ الضَّفْرُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَقَصْته ضَفَّرْته. [قَوْلُهُ: الصَّمْغُ وَالْغَاسُولُ] أَيْ يَجْعَلُ

يُجْزِئُهُمْ التَّقْصِيرُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُمْ (وَالتَّقْصِيرُ يُجْزِئُ) عَنْ الْحِلَاقِ وَالْمُقَصِّرَانِ كَانَ رَجُلًا (فَلْيُقَصِّرْ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ) ابْنُ الْحَاجِبِ: وَسُنَّتُهُ أَيْ التَّقْصِيرِ مِنْ الرَّجُلِ أَنْ يَجُزَّ مِنْ قُرْبِ أُصُولِهِ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ فَكَالْعَدَمِ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَسُنَّةُ الْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ) وَيُكْرَهُ لَهَا الْحِلَاقُ، وَقِيلَ: هُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ» . ثُمَّ انْتَقَلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَفَعَنَا بِعِلْمِهِ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيَجُوزُ (أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ الْفَارَةَ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: صَوَابُهُ الْفَأْرَةُ بِالْهَمْزِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَيُلْحَقُ بِهِ ابْن عِرْسٍ وَمَا يَقْرِضُ الْأَثْوَابَ (وَ) يَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْتُلَ (الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَشِبْهَهَا) بِفَتْحِ الْهَاءَيْنِ الثَّانِيَةِ عَائِدَةٌ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ الْعَقْرَبُ، وَقِيلَ عَائِدَةٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُرَادُ بِالشَّبَهِ فِي الْإِذَايَةِ لَا فِي الْخِلْقَةِ كَالزُّنْبُورِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ قَتْلِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى الصَّغِيرِ مِنْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُ (الْكَلْبِ الْعَقُورِ) الْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا يَعْدُو فَيَدْخُلُ فِيهِ السَّبُعُ وَالْكَلْبُ وَالنَّمِرُ قَالَهُ ك. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَشْبَهُ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّمْغَ فِي الْغَاسُولِ ثُمَّ يُلَطِّخُ بِهِ الرَّأْسَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُهُمْ التَّقْصِيرُ] قُلْت: لَمَّا لَمْ يُزِيلُوا ذَلِكَ التَّلْبِيدَ أَوْ التَّعْقِيصَ وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُمْ التَّقْصِيرُ [قَوْلُهُ: فَلْيُقَصِّرْ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ] يَصْدُقُ بِالصُّورَةِ الْكَامِلَةِ أَنْ يَجُزَّ قُرْبَ الْأَصْلِ وَبِغَيْرِهَا، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ وَاخْتُلِفَ فَقِيلَ: يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ» ، وَقِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ شَعْرَ الرَّأْسِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ خَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ أَيْ التَّقْصِيرِ] أَيْ الصِّفَةِ الْكَامِلَةِ أَيْ الْمَنْدُوبَةِ [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ] أَيْ الَّذِي لَا يُجْزِئُ بِدُونِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ أَيْ وَلَوْ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجُزَّ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْرِ [قَوْلُهُ: فَكَالْعَدَمِ] أَيْ فَلَا يُجْزِئُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مُقَابِلًا وَهُوَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَعَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَا نَعْرِفُ مُقَابِلَهُ. [قَوْلُهُ: وَسُنَّةُ الْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ] أَيْ الطَّرِيقَةُ الْمُتَعَيِّنَةُ عَلَى مَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ حَرَامٌ] اقْتَصَرَ فِي التَّحْقِيقِ عَلَيْهِ فَيُفِيدُ اعْتِمَادَهُ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْكَبِيرَةِ. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ اللَّخْمِيُّ: وَكَذَلِكَ الْكَبِيرَةُ إذَا كَانَ بِرَأْسِهَا أَذًى وَالْحَلْقُ صَالِحٌ لَهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ إلَّا التَّقْصِيرُ رَوَى مُحَمَّدٌ وَلَوْ لُبِّدَتْ الْبَاجِيُّ بَعْدَ زَوَالِ تَلْبِيدِهَا بِامْتِشَاطِهَا اهـ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى وَيَجُوزُ إلَخْ] أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ الْفَأْرَةُ إلَخْ] أَيْ فَقِرَاءَتُهُ بِدُونِ الْهَمْزِ غَيْرُ صَوَابٍ، وَفِي التَّحْقِيقِ بِالْوَجْهَيْنِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ النِّهَايَةِ وَقَدْ يُتْرَكُ هَمْزُهَا فَهَذَا يَضُرُّ فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَتَدَبَّرْ. وَالتَّاءُ فِي الْفَأْرَةِ لِلْوَحْدَةِ وَكَذَلِكَ فِي حَيَّةٍ لَا لِلتَّأْنِيثِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْرَبُ] أُنْثَى الْعَقَارِبُ وَيُقَالُ: عَقْرَبَةٌ وَعَقْرَبَاءُ بِالْمَدِّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَالذَّكَرُ عُقْرُبَانُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ تت. [قَوْلُهُ: عَائِدَةٌ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ] وَهُوَ الْعَقْرَبُ عِبَارَةُ تت تُوَضِّحُ ذَلِكَ وَنَصُّهَا وَشَبَهُهَا فِي الْأَذِيَّةِ يَحْتَمِلُ شَبَهَ الْعَقْرَبِ كَالرُّتَيْلَاءِ وَالزُّنْبُورِ، وَيَحْتَمِلُ شَبَهَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَشِبْهُ الْفَأْرَةِ مَا يَقْرِضُ الثِّيَابَ كَابْنِ عُرْسٍ وَشِبْهُ الْحَيَّةِ الْأَفْعَى وَالثُّعْبَانُ. [قَوْلُهُ: كَالزُّنْبُورِ] بِضَمِّ الزَّايِ ذُبَابٌ لَسَّاعٌ وَيُقَالُ: زُنْبُورَهُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ وَزِنْبَارٌ أَيْضًا كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ [قَوْلُهُ: قَتْلُ الثَّلَاثَةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ الْفَأْرَةُ وَالْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ [قَوْلُهُ: حَتَّى الصَّغِيرَ مِنْهَا إلَخْ] أَيْ الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِنْهُ الْأَذَى هَكَذَا أَفَادَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيهِ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْسِيُّ الْمُتَّخَذُ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْكَلْبِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسِيِّ الْمُتَّخَذِ خِلَافُ الْعُرْفِ، وَاللَّفْظَةُ إذَا نَقَلَهَا أَهْلُ الْعُرْفِ إلَى

[محظورات الإحرام]

قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى دُخُولِ السِّبَاعِ تَحْتَ قَوْلِهِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلْبِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ دُخُولِهِ اهـ. مُرَادُهُ بِهِ الْإِنْسِيُّ صَرَّحَ بِهِ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَمَا يَعْدُو مِنْ الذِّئَابِ وَالسِّبَاعِ وَنَحْوِهَا) كَالنَّمِرِ تَكْرَارٌ وَتَفْسِيرٌ، التَّقْدِيرُ وَهُوَ مَا يَعْدُو إلَخْ. وَانْظُرْ لِمَ خَالَفَ الْأُسْلُوبَ بَيْن مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: (وَيَقْتُلُ مِنْ الطَّيْرِ مَا يُتَّقَى أَذَاهُ مِنْ الْغِرْبَانِ وَالْأَحْدِيَةِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: صَوَابُهُ الْحَدَأُ بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ يُقْتَلَانِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَدِئَا بِالْإِذَايَةِ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: (فَقَطْ) أَنَّ مَا آذَى مِنْ غَيْرِ الطَّيْرِ لَا يُقْتَلُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ. التَّوْضِيحُ: وَالْقَوْلَانِ أَيْضًا فِي قَتْلِ الطَّيْرِ الْمُؤْذِي وَغَيْرِ الطَّيْرِ إذَا آذَى ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَقَالَ: (وَيَجْتَنِبُ) الْمُحْرِمُ (فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ) وُجُوبًا (النِّسَاءَ) أَيْ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَغَيْرِهِ كَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَوْ لَا أَوْ بِمُقَدَّمَاتِهِ، أَمَّا الْوَطْءُ فَمُوجِبٌ لِلْإِفْسَادِ وَالْقَضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنًى كَانَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ دُخُولِهِ] لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: كَالنَّمِرِ] أَيْ وَالْفَهْدِ وَمَحَلُّ جَوَازِ قَتْلِ الْعَادِي مِنْ السِّبَاعِ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا أَيْ بَلَغَ حَدَّ الْإِيذَاءِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ قَتْلُهُ. وَلَا جَزَاءَ فِيهِ. وَأَمَّا نَحْوُ الْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَدْخُلُ فِي عَادِي السَّبُعِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ ضَرَرٌ. [قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُ] الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ أَوْ تَفْسِيرٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ، وَمَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ أَنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُ إنَّمَا هُوَ بِقَصْدِ دَفْعِ الْإِذَايَةِ، أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ بِقَصْدِ الذَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ وَلَا يُؤْكَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ حُكْمُهُ كَاَلَّذِي يَقْتُلُهُ بِقَصْدِ دَفْعِ الْإِذَايَةِ وَلَيْسَ مِنْ عَادِي السَّبُعِ الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ قَالَهُ عج. وَلَعَلَّ كَوْنَ الضَّبُعِ لَيْسَ مِنْ عَادِي السَّبُعِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا وَإِلَّا فَهُوَ يَعْدُو فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لِمَ خَالَفَ الْأُسْلُوبَ] لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَا بَأْسَ ثُمَّ قَالَ هُنَا وَيُقْتَلُ. [قَوْلُهُ: مَا يَتَّقِي أَذَاهُ] أَيْ يَجْتَنِبُ أَذَاهُ مِنْ الْغِرْبَانِ وَالْأَحْدِيَةِ أَيْ لِأَنَّ الْغُرَابَ يُؤْذِي الدَّوَابَّ وَغَيْرَهَا وَالْحِدَأَةُ تَخْطَفُ الْأَمْتِعَةَ اهـ. [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ الْحِدَأُ] حَاصِلٌ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْمُفْرَدَةَ الْحِدَأَةُ بِالْهَمْزِ وَالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ كَعِنَبَةٍ، وَالْجَمْعُ حِدَأٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ الْهَمْزِ وَالْقَصْرِ كَعِنَبٍ. وَفِي عج مَا يُفِيدُ جَوَازَ تَسْكِينِ الدَّالِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَصْوِيبِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَهُوَ كَسِدْرَةٍ وَسِدْرٍ. [قَوْلُهُ: كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا] الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ مَا وَصَلَ حَدَّ الْإِيذَاءِ وَبِالصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِيذَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الصَّغِيرِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ نَظَرًا لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَهُوَ الْإِيقَاءُ وَهُوَ مُنْتَفٍ حَالًا، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لَا جَزَاءَ فِيهِ مُرَاعَاةً لِلْآخَرِ. وَالْقَوْلَانِ عِنْدَ خَلِيلٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبْقَعِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ الْخَالِصُ. [قَوْلُهُ: لَا يُقْتَلُ إلَخْ] هَذَا ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مَا ذُكِرَ حَيْثُ ابْتَدَأَ بِالْإِذَايَةِ [قَوْلُهُ: حَكَاهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ] أَيْ كَمَا حَكَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ أُولَاهُمَا الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ غَيْرُ الْمُؤْذِيَيْنِ ثَانِيهِمَا صِغَارُهُمَا فَقَوْلُ شَارِحِنَا التَّوْضِيحُ وَالْقَوْلَانِ أَيْ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ شَارِحًا لِكَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: أَيْ كَمَا أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ غَيْرِ الْمُؤْذِيَيْنِ [مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ] [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُقَدِّمَاتِهِ] أَيْ وَلَوْ عُلِمَتْ السَّلَامَةُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَتُكْرَهُ الْمُقَدِّمَاتُ مَعَ عِلْمِ السَّلَامَةِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ يَسَارَةُ الصَّوْمِ وَعِظَمُ أَمْرِ الْحَجِّ، وَيُسْتَثْنَى قُبْلَةُ الْوَدَاعِ أَوْ الرَّحْمَةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْوَطْءُ] أَيْ إذَا كَانَ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرِ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا أَنْزَلَ أَوْ لَا مُبَاحُ الْأَصْلِ أَوْ لَا كَانَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَالْمَهْرِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ بَالِغٍ أَوْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ كَمَا فِي عج وَلَوْ لَمْ يُوجِبْ الْغُسْلَ كَأَنْ لَفَّ عَلَى الذَّكَرِ خِرْقَةً كَثِيفَةً أَوْ أَدْخَلَهُ فِي هَوَى الْفَرْجِ أَوْ فِي غَيْرِ مُطِيقَةٍ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ الدُّبُرَ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي الْفَخِذِ فَيَجْرِي عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ. [قَوْلُهُ: فَمُوجِبٌ لِلْإِفْسَادِ] وَيَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ مَا أَفْسَدَهُ لِبَقَائِهِ

وَالْهَدْيِ إنْ وَقَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ أَوْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالتَّقْصِيرِ، وَأَمَّا مُقَدِّمَاتُهُ وَهِيَ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ. فَحَرَامٌ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا وَكَانَ مَعَهُ إنْزَالٌ أَفْسَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ فَلْيُهْدِ بَدَنَةً. (وَ) كَذَلِكَ يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ فِي حِجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ (الطِّيبَ) مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا، أَمَّا الْأَوَّلُ كَالْوَرْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى إحْرَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِإِفْسَادِهِ وَتَمَادَى إلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ الْفَائِتِ وَإِحْرَامُهُ الثَّانِي لَغْوٌ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ الْفَاسِدِ، وَلَا يَكُونُ مَا أَحْرَمَ بِهِ قَضَاءً عَنْهُ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ إذَا أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِالْعَامِ الْوَاقِعِ فِيهِ الْفَسَادُ، فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ يُؤْمَرْ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ وُجُوبًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِيهِ تَمَادِيًا عَلَى الْفَاسِدِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُلُوصِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ] أَيْ فَوْرًا، وَلَوْ كَانَ الْحَجُّ تَطَوُّعًا فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ فَوْرًا فَقَدْ أَتَمَّ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّرَاخِي لِأَنَّهُ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَجَبَ، وَكَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْقَضَاءِ وَلَوْ تَسَلَّلَ وَهَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَا اُنْظُرْ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْهَدْيُ] أَيْ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيًا فِي زَمَنِ قَضَائِهِ لَا فِي زَمَنِ فَسَادِهِ، وَأَجْزَأَ إنْ عَجَّلَ مَعَ الْإِثْمِ وَلَا يُطْلَبُ بِأَزْيَدَ مِنْ هَدْيٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ مُوجِبٌ لِفَسَادٍ بِأَنْ وَطِئَ مَثَلًا مِرَارًا فِي نِسَاءٍ أَوْ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَجْلِ الْفَسَادِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: إنْ وَقَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ] سَوَاءٌ فَعَلَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ شَيْئًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ أَوْ لَا، وَمِثْلُهُ مَا إذَا وَقَعَ لَيْلَةَ النَّحْرِ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ الرَّمْيِ أَيْ قَبْلَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَيْ وَقَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَالتَّقْصِيرِ وَالْإِفَاضَةِ أَيْ قَبْلَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَلَوْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَوْ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ، وَلَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ لِلْعَقَبَةِ أَوْ بَعْدَهُمَا يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ قَبْلَهُمَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِفْسَادِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ هَدْيٌ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا عُمْرَةٌ إنْ وَقَعَ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى، فَيَأْتِي بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ لَا إثْمَ فِيهِمَا. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَإِنْ حَصَلَ الْمُفْسِدُ قَبْلَ تَمَامِ سَعْيِهَا وَلَوْ بِشَوْطٍ فَسَدَتْ وَيَجِبُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ إتْمَامِهَا وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ وَقَبْلَ حِلَاقِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْهَدْيُ. [قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى خِلَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا. أَيْ إذْ قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا] أَيْ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدِمْ وَأَمَّا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ فَلَا يَحْصُلُ إفْسَادٌ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِسَبَبِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلَّذَّةِ وَإِدَامَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا خُرُوجُهُ بِمُجَرَّدِ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فَإِنَّمَا فِيهِ الْهَدْيُ فَقَطْ فَمُرَادُ الشَّارِحِ بِالْإِنْزَالِ إنْزَالُ الْمَنِيِّ، وَأَمَّا إنْزَالُ الْمَذْيِ فَمُوجِبٌ لِلْهَدْيِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ خَرَجَ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ مُدَاوَمَةِ النَّظَرِ أَوْ الْفِكْرِ أَوْ الْقُبْلَةِ أَوْ الْمُبَاشَرَةِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ إلَخْ] أَيْ فَمَنْ قَبَّلَ عَلَى فَمٍ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ وَمَحَلُّ الْهَدْيِ فِي الْقُبْلَةِ، إذَا كَانَ لِغَيْرِ وَدَاعٍ أَوْ رَحْمَةٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ وَإِلَّا جَرَى كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ وَالْمُلَامَسَةُ وَمِنْهَا الْقُبْلَةُ عَلَى غَيْرِ الْفَمِ فَفِيهَا الْهَدْيُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ بِشَرْطِ الْكَثْرَةِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكْثُرْ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَلَوْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا، وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بِلَا لَذَّةٍ أَوْ لَذَّةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: مُذَكَّرًا كَانَ أَوْ مُؤَنَّثًا إلَخْ] الطِّيبُ الْمُذَكَّرُ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ كَالْوَرْدِ وَمُؤَنَّثُهُ عَكْسُهُ كَالْمِسْكِ فَالنَّهْيُ فِي الْمُذَكَّرِ نَهْيُ كَرَاهَةٍ، مُتَعَلِّقٌ بِشَمِّهِ دُونَ مَسِّهِ وَاسْتِصْحَابِهِ وَمُكْثِهِ بِمَكَانٍ هُوَ بِهِ بِدُونِ شَمٍّ فَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ لَا نَهْيَ فِي ثَلَاثَةٍ وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ فِي وَاحِدٍ وَهُوَ شَمُّهُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيُكْرَهُ، أَيْ شَمُّهُ وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ فَيُكْرَهُ شَمُّهُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمُذَكَّرِ وَكَذَا اسْتِصْحَابُهُ وَمُكْثٌ بِمَكَانٍ هُوَ بِهِ بِدُونِ شَمٍّ وَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَفِيهِ الْفِدْيَةُ، إذَا لَمْ يَذْهَبْ رِيحُهُ وَأَمَّا لَوْ ذَهَبَ رِيحُهُ فَلَا فِدْيَةَ أَيْ مَعَ وُجُودِ الْحُرْمَةِ. [قَوْلُهُ:

وَالْيَاسَمِينِ فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ وَيُكْرَهُ وَالْحِنَّاءُ مِنْهُ لَكِنْ أَسْقَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْفِدْيَةَ فِي الرُّقْعَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْهُ دُونَ الْكَبِيرَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا لَهُ جِرْمٌ يَعْلَقُ بِالْجَسَدِ وَالثَّوْبِ كَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَوْ أَزَالَهُ سَرِيعًا عَلِقَ أَوْ لَمْ يَعْلَقْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَوْ خَلَطَ الطِّيبَ بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ، وَإِنْ طُبِخَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ سَوَاءٌ صَبَغَ الطِّيبُ الْفَمَ أَوْ لَا (وَ) يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ أَيْضًا فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ مَخِيطَ الثِّيَابِ لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَخِيطِ بَلْ كُلُّ مَا أَوْجَبَ رَفَاهِيَةً مَخِيطًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْحَيَوَانِ يُسْلَخُ فَيُلْبَسُ. أَوْ مَا لُبِّدَ عَلَى شَكْلِ الْمَخِيطِ أَوْ نُسِجَ كَذَلِكَ وَلَوْ طَرَحَ مَخِيطًا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ فَلَا فِدْيَةَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلسَّائِلِ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَلْبَسُ: «الْمُحْرِمُ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبَرَانِسَ» (وَ) كَذَلِكَ يَجْتَنِبُ الْمُحْرِمُ فِي حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ (الصَّيْدَ) ابْنُ شَاسٍ: وَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِصَيْدِ الْبَرِّ وَيَعُمُّ جَمِيعُهُ فَيَحْرُمُ إتْلَافُ صَيْدِ الْبَرِّ كُلِّهِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَأَنِّسًا أَوْ وَحْشِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحِنَّاءُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ الْمُذَكَّرِ. [قَوْلُهُ: أَسْقَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْفِدْيَةَ فِي الرُّقْعَةِ الصَّغِيرَةِ مِنْهُ] وَهِيَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ، وَقَوْلُهُ دُونَ الْكَبِيرَةِ وَهِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَالْمُرَادُ بِالرُّقْعَةِ، مَوْضِعُ الْحِنَّاءِ وَهَذَا إذَا خَضَّبَ بِالْحِنَّاءِ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ أَوْ جَسَدَهُ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَهَا فِي فَمِ جُرْحٍ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ كَمَا لَوْ شَرِبَهُ أَوْ حَشَا شُقُوقَ رِجْلَيْهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَثُرَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ فِي الرُّقْعَةِ الَّتِي قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ نَزَعَهُ مَكَانَهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ الْحُكْمُ فِيهَا الْكَرَاهَةُ وَإِنْ وَجَبَتْ فِيهَا الْفِدْيَةُ [قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ] أَيْ إلْصَاقِهِ بِالْبَدَنِ أَوْ بِبَعْضِهِ أَوْ بِالثَّوْبِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ الْإِزَالَةُ سَرِيعًا وَعَدَمُ الْعُلُوقِ وَمُقَابِلُهُ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ سُقُوطِهَا فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ، فَالْمَشْهُورُ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ] أَيْ يَحْرُمُ التَّطَيُّبُ وَلَوْ وَقَعَ مَا يَتَطَيَّبُ بِهِ فِي طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ وَأَكْلٍ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ حَارًّا وَقِيلَ: لَا فِدْيَةَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ [قَوْلُهُ: مَخِيطُ الثِّيَابِ] أَيْ لُبْسًا [قَوْلُهُ: بَلْ كُلُّ مَا أَوْجَبَ رَفَاهِيَةً] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَلْ كُلُّ مَخِيطٍ مَخِيطًا كَانَ أَوْ لَا وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَنْ يَلْبَسَ الْمَخِيطَ فَلَوْ ارْتَدَى بِثَوْبٍ مَخِيطٍ أَوْ بِثَوْبٍ مُرَقَّعٍ بِرِقَاعٍ أَوْ بِإِزَارٍ كَذَلِكَ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ لُبْسِ الْمَخِيطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِكُلِّ الْبَدَنِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَخَاطَ بِنَسِيجٍ، أَوْ غَيْرِهِ أَيْ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَوْ زِرٍّ يَقْفِلُهُ عَلَيْهِ أَوْ عَقْدٍ يَرْبِطُهُ أَوْ يُخَلِّلُهُ بِعُودٍ وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ وَعَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ الْمَخِيطَ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي حَالِ إحْرَامِهِ أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْخَاتَمِ وَنَحْوِهِ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَفَاهِيَةٌ أَيْ انْتِفَاعٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مَخِيطٌ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ طَرَحَ مَخِيطًا عَلَى بَدَنِهِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَلَوْ ارْتَدَى بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] أَجَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا لَا يُلْبَسُ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ بِخِلَافِ مَا يُلْبَسُ إذْ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي السُّؤَالُ عَمَّا لَا يُلْبَسُ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْجَوَابِ مَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ السُّؤَالَ صَرِيحًا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَيَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِصَيْدِ الْبَرِّ] أَيْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُصَادَ فِي الْبَرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ غَيْرِ الْوَحْشِيِّ فَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُ مَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ وَيَعُمُّ جَمِيعَهُ، أَيْ جَمِيعَ أَفْرَادِهِ فَيَحْرُمُ اصْطِيَادُهُ وَالتَّسَبُّبُ فِي اصْطِيَادِهِ وَانْظُرْ مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ وَفِي الذَّكَاةِ يُغَلَّبُ جَانِبُ الْوَحْشِيِّ وَانْظُرْ أَيْضًا مَا تَوَلَّدَ مِنْ الْبَحْرِيِّ وَالْبَرِّيِّ وَالِاحْتِيَاطُ الْحُرْمَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا فِي عج، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَمِنْهُ الضُّفْدَعُ وَتُرْسُ الْمَاءِ بِخِلَافِ السُّلَحْفَاةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَرَارِي. [قَوْلُهُ: مَا أُكِلَ لَحْمُهُ] كَالْغَزَالِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَقَوْلُهُ وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ كَالْقِرْدِ وَالْخِنْزِيرِ وَفِيهِ الْجَزَاءُ

مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَتَنَاوَلُهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ. (وَ) كَذَلِكَ يَجْتَنِبُ فِيهِمَا (قَتْلَ الدَّوَابِّ) مِنْ جَسَدِهِ فَلَا يَقْتُلُ الْقَمْلَ وَلَا يُلْقِيهِ عَنْ جَسَدِهِ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِقَتْلِهِ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلْقَاؤُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْضِ يَخْرُجُ وَلَا يَقْتُلُهُ (وَ) كَذَلِكَ يَجْتَنِبُ (إلْقَاءَ التَّفَثِ) كَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ. وَكَذَلِكَ يَجْتَنِبُ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ وَحَلْقِهِ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ) وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا غَطَّى رَأْسَهُ (وَلَا يَحْلِقُهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) وَانْظُرْ لِمَ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ الْحَلْقِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الْمَعْنَى فَحَلَقَ لِإِزَالَةِ الْأَذَى فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى تَفْسِيرِ الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَفْتَدِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) يُسْتَحَبُّ تَتَابُعُهَا (أَوْ إطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَقُومُ عَلَى أَنْ لَوْ جَازَ بَيْعُهُ. [قَوْلُهُ: مُتَأَنِّسًا] أَيْ كَغَزَالَةٍ تَأَنَّسَتْ وَقَوْلُهُ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ أَيْ أَنَّ شَأْنَ الْمُتَأَنِّسِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا وَالْوَحْشِيُّ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا [قَوْلُهُ: فَلَا يَقْتُلُ الْقَمْلَ] أَيْ جِنْسَ الْقَمْلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِقَتْلِهِ] أَيْ لِأَنَّ إلْقَاءَهُ تَعَرُّضٌ لِقَتْلِهِ فَلَوْ أَلْقَى أَوْ قَتَلَ وَاحِدَةً إلَى عَشَرَةٍ وَمَا قَارَبَهَا لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، فَإِنَّهُ يُطْعِمُ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ وَلِإِمَاطَةِ الْأَذَى فِدْيَةٌ كَمَا إذَا كَثُرَ بِأَنْ زَادَ عَلَى عَشَرَةٍ وَمَا قَارَبَهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلْقَاؤُهُ] أَيْ طَرْحُهُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إطْعَامُ حَفْنَةٍ مِنْ طَعَامٍ، إلَّا أَنْ يَكْثُرَ مَا قَتَلَهُ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى عَشَرَةٍ وَمَا قَارَبَهَا فَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ وَالْحَفْنَةُ مِلْءُ يَدٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْأَرْضِ يَخْرُجُ] فَلَا يَكُونُ إلْقَاؤُهُ تَعَرُّضًا لِقَتْلِهِ. [قَوْلُهُ: كَقَصِّ الشَّارِبِ إلَخْ] تَمْثِيلٌ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ فَحِينَئِذٍ فَمَصْدُوقُ التَّفَثِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشَّارِبِ وَالْأَظْفَارِ وَغَيْرِهِمَا وَحِينَئِذٍ فَالتَّفَثُ اسْمٌ لِمَا تَأْنَفُ مِنْهُ النَّفْسُ وَتَكْرَهُهُ، فَإِنْ أَزَالَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَطْعَمَ حَفْنَةً إذَا كَانَ الْمُزَالُ بِهِ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَطْعَمَ حَفْنَةً إذَا كَانَ الْمُزَالُ بِهِ شَيْئًا قَلِيلًا كَعَشْرِ شَعَرَاتٍ وَمَا قَارَبَهَا كَأَحَدَ عَشَرَ وَاثْنَيْ عَشَرَ حَيْثُ أَزَالَهَا لَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، وَإِلَّا بِأَنْ زَادَ الْمُزَالُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَمَا قَارَبَهَا أَوْ كَانَتْ الْإِزَالَةُ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي فِعْلِ كُلِّ مَا يُتَرَفَّهُ بِهِ أَوْ يُزِيلُ أَذًى وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إزَالَةُ الشَّعْرِ عِنْدَ الْوُضُوءِ أَوْ الرُّكُوبِ [قَوْلُهُ: وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ] أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ فَإِذَا قَلَّمَ الْمُحْرِمُ ظُفْرًا مِنْ أَظْفَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ إمَاطَةِ الْأَذَى وَلِغَيْرِ كَسْرٍ، أَيْ بِأَنْ فَعَلَهُ عَبَثًا أَوْ تَرَفُّهًا فَفِيهِ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى فَفِيهِ فِدْيَةٌ، فَإِنْ قَلَّمَهُ لِكَسْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِقَيْدِ التَّأَذِّي بِكَسْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ قَلْمُهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا كُسِرَ مِنْهُ عَمَلًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، أَيْ يَقْطَعُ الْمُنْكَسِرَ وَيُسَاوِي الْبَاقِي حَتَّى لَا تَبْقَى عَلَيْهِ ضَرُورَةٌ فِيمَا بَقِيَ فِي كَوْنِهِ تَعَلَّقَ بِمَا مَرَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَزَالَ جَمِيعَ ظُفْرِهِ كَانَ ضَامِنًا كَمَنْ أَزَالَ بَعْضَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَوْلُنَا ظُفْرًا وَاحِدًا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا أَبَانَ وَاحِدًا أَوْ آخَرَ فَإِنْ أَبَانَهُمَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَإِلَّا فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ حَفْنَةٌ، إنْ أَبَانَ الثَّانِيَ بَعْدَمَا أَخْرَجَ مَا وَجَبَ فِي الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَفِدْيَةٌ [قَوْلُهُ: وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ] أَيْ شَعْرِ الْإِبِطِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يَجْتَنِبُ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ] أَيْ يَحْرُمُ، عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَكَذَا وَجْهَهُ، بِأَيِّ سَاتِرٍ كَانَ كَطِينٍ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْحَرَّ، وَأَوْلَى الْعِمَامَةُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْبَدَنِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَغْطِيَتُهُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ الْمَخِيطُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِقُهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ] فَإِذَا حَلَقَهُ لِضَرُورَةٍ فَفِيهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا تُسْقِطُ الْإِثْمَ. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ لِمَ غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ] أَيْ فَلَمْ يَقُلْ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَحَلْقِهِ لِيَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ بَلْ غَيَّرَهُ فَقَالَ وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ إلَى آخِرِهِ [قَوْلُهُ: الْمَعْنَى فَحَلَقَ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْفِدْيَةُ مُرَتَّبَةً عَلَى الْحَلْقِ وَلَا عَلَى مُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَرَضِ أَوْ الْأَذَى. [قَوْلُهُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] وَلَوْ أَيَّامِ مِنًى. [قَوْلُهُ: سِتَّةِ مَسَاكِينَ] أَحْرَارٍ مُسْلِمِينَ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَيَكُونَانِ مِنْ غَالِبِ الْقُوتِ، فَإِنْ

لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَنْسَك بِشَاةٍ) ع: الشَّاةُ تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَعَلَى الْأُنْثَى، وَأَقَلُّ الْهَدْيِ شَاةٌ وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَهُوَ شَاةٌ وَقَوْلُهُ: (يَذْبَحُهَا حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُقَلِّدْهَا أَوْ يُشْعِرْهَا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَذْبَحْهَا إلَّا بِمِنًى وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي إذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا تُخَالِفُ فِيهِ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ فَقَالَ: (وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْخُفَّيْنِ) مُطْلَقًا وَجَدَتْ نَعْلَيْنِ أَمْ لَا (وَ) تَلْبَسُ (الثِّيَابَ) الْمَخِيطَةَ (فِي إحْرَامِهَا وَتَجْتَنِبُ مَا سِوَى ذَلِكَ) أَيْ مَا سِوَى الْخُفَّيْنِ وَالثِّيَابِ (مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الرَّجُلُ) فِي إحْرَامِهِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَالصَّيْدِ وَقَتْلِ الدَّوَابِّ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ، وَأَمَّا تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ فَلَا تَجْتَنِبُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا) مَعْنَاهُ تُبْدِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ، وَلَهَا أَنْ تَسْتُرَ جَمِيعَ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَصَلَ لِبَعْضٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّيْنِ وَلِبَعْضٍ أَقَلَّ مِنْهُمَا كَمَّلَ لَهُ بَقِيَّتَهُمَا، وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ نَزْعَ الْأَكْثَرِ مِمَّا هُوَ بِيَدِهِ فَلَوْ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ إطْعَامَ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يُنْسِك] أَيْ يَتَعَبَّدُ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الشَّاةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِدْيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِشَاةٍ] أَيْ أَوْ غَيْرِهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى الشَّاةِ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ كَالضَّحِيَّةِ الْأَفْضَلُ فِيهَا طِيبُ اللَّحْمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ السِّنِّ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهَا وَلَا يَكْفِي إخْرَاجُهَا غَيْرَ مَذْبُوحَةٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ الْهَدْيِ شَاةٌ] إشَارَةٌ إلَى تَخَالُفِ الْهَدْيِ الْفِدْيَةَ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْهَدَايَا كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقَوْلُهُ فَمَا اسْتَيْسَرَ، أَيْ تَيَسَّرَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ إلَخْ] أَيْ قَلَّدَهُ أَوْ أَشْعَرَهُ فِيمَا يُقَلِّدُ أَوْ يُشْعِرُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَتَقْلِيدُ مَا لَا يُقَلِّدُ كَالْغَنَمِ فَيَذْبَحُهَا حَيْثُ شَاءَ فِي أَيِّ زَمَنٍ وَلَوْ نَوَى بِهَا الْهَدْيَ وَنِيَّةُ الْهَدْيِ فِيمَا يُقَلِّدُ أَوْ يُشْعِرُ بِدُونِ تَقْلِيدٍ وَإِشْعَارٍ كَالْعَدَمِ. تَتِمَّةٌ: التَّقْلِيدُ تَعْلِيقُ نَعْلَيْنِ فِي عُنُقِ الْهَدْيِ نَدْبًا وَيُجْزِئُ الْوَاحِدُ وَنُدِبَ أَنْ يُعَلَّقَا بِحَبْلٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فَلَا يُجْعَلُ مِنْ شَعْرٍ وَنَحْوِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَخْتَلِسَ فِي غُصْنِ شَجَرَةٍ عِنْدَ رَعْيِهَا فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِاخْتِنَاقِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ، وَفَائِدَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يُعْلِمَ بِذَلِكَ الْمَسَاكِينَ فَيَجْتَمِعُونَ لَهُ وَالْإِشْعَارُ شَقُّ جِلْدِ السَّنَمِ وَيُقْطَعُ قَدْرُ الْأُنْمُلَةِ وَالْأُنْمُلَتَيْنِ بِحَيْثُ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْذِيبٌ، لِأَنَّ السَّنَامَ لَا يُؤْلِمُهَا شَقُّهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْغَنَمِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْإِشْعَارُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ يَبْدَأُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الرَّقَبَةِ إلَى جِهَةِ الْمُؤَخِّرِ وَمَا لَهُ سَنَامَانِ يُشْعِرُ فِي سَنَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لِلْإِبِلِ أَسْنِمَةٌ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْإِشْعَارِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبِلَ تُقَلَّدُ وَتُشْعَرُ وَالْبَقَرَ تُقَلَّدُ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَإِنَّهَا تُشْعَرُ أَيْضًا وَأَمَّا الْغَنَمُ لَا تُقَلَّدُ وَلَا تُشْعَرُ وَحُكْمُ تَقْلِيدِ الْغَنَمِ الْكَرَاهَةُ وَإِشْعَارُهَا التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَذْبَحْهَا إلَّا بِمِنًى] أَيْ إنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَإِلَّا فَمَكَّةُ وَيَصِيرُ حُكْمُهَا الْهَدْيُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا بَعْدَ الْمَحَلِّ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْهَا وَيَأْكُلُ قَبْلَ مَحِلِّهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ. [قَوْلُهُ: إذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ] أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ مُوجِبَ الْفِدْيَةِ. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ تُبْدِي ذَلِكَ] أَيْ تُظْهِرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِحْرَامَ] هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا أَنَّ الْإِحْرَامَ مُسْتَقَرٌّ إلَخْ وَهِيَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ فَهُوَ نِيَّةُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِرًّا فِي الْوَجْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَخْشَ مِنْهَا الِافْتِنَانَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ كَشْفُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إلَّا أَنْ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا السِّتْرُ بِأَنْ تُسْدِلَ شَيْئًا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ غَرْزٍ وَلَا رَبْطٍ وَلَا يُشْتَرَطُ مُبَاعَدَتُهُ عَنْ وَجْهِهَا. فَإِنْ سَتَرَتْ وَجْهَهَا وَلَوْ بِطِينٍ لِغَيْرِ سَتْرٍ بَلْ فَعَلَتْ تَرَفُّهًا أَوْ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ

بِثَوْبٍ تَسْدُلُهُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهَا وَلَا تَغْرِزُهُ بِإِبْرَةٍ وَلَيْسَ لَهَا لُبْسُ النِّقَابِ وَلَا الْبُرْقُعِ وَلَا اللِّثَامِ، فَإِنْ فَعَلَتْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ افْتَدَتْ (وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ) بِمَعْنَى يُبْدِيهِمَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَإِنْ غَطَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَانْتَفَعَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَافْتَدَى نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا، وَإِنْ نَزَعَ مَكَانَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ تَوَسُّدُهُ وَسَتْرُهُ بِيَدِهِ مِنْ شَمْسٍ وَغَيْرِهَا وَحَمْلِهِ عَلَيْهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ خُرْجِهِ وَجِرَابِهِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ حَمَلَ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ فَالْفِدْيَةُ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ ذَلِكَ. وَيَجُوزُ اسْتِظْلَالُهُ بِالْبِنَاءِ وَالْأَخْبِيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا (وَلَا يَلْبَسُ الرَّجُلُ الْخُفَّيْنِ) فِي الْإِحْرَامِ (إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ، وَكَذَلِكَ إذَا رَفَعَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ إلَّا بَعْدَ قَطْعِهِمَا قِيلَ: قَوْلُهُ فَلْيَقْطَعْهُمَا مَقْصُودُهُ فَلَا يَلْبَسُهُمَا حَتَّى يَقْطَعَهُمَا بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَجْلِ السِّتْرِ لَكِنْ مَعَ الْغَرْزِ أَوْ الرَّبْطِ لَزِمَتْهَا الْفِدْيَةُ. [قَوْلُهُ: تُسْدِلُهُ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى وَجْهِهَا. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا لُبْسُ النِّقَابِ] أَيْ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي رَبْطًا فِي النِّهَايَةِ اللَّثْمُ سَدُّ الْفَمِ بِاللِّثَامِ وَالنِّقَابُ مَا يَصِلُ إلَى الْعُيُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النِّقَابُ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُبْدِيهِمَا] فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ سَتْرُهُمَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ طِينًا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ غَطَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ] بِأَنْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ أَوْ بَعْضَ أَحَدِهِمَا وَانْتَفَعَ بِهِ افْتَدَى وَلَوْ مُضْطَرًّا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ نَزَعَ مَكَانَهُ] مُحْتَرَزٌ وَانْتَفَعَ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَيْ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ حَرُمَ لِأَنَّ شَرْطَهَا فِي اللُّبْسِ الِانْتِفَاعُ مِنْ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ، أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَوْ لَبِسَ قَمِيصًا رَقِيقًا لَا يَقِي حَرًّا وَلَا بَرْدًا أَوْ تَرَاخَى وَهُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَفْتَدِي لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الْخَرَشِيِّ وَانْتَفَعَ بِهِ مَنْ دَفْعِ إذَايَةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ دَوَامٍ كَالْيَوْمِ اهـ. وَهُوَ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ الْغَيْرِ، أَيْ فَجَعَلَ الدَّوَامَ كَالْيَوْمِ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ الِانْتِفَاعِ جَزْمًا وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْيَوْمِ أَوْ أَكْثَرَ الْيَوْمِ لَيْسَ كَالْيَوْمِ. [قَوْلُهُ: وَسَتْرُهُ بِيَدِهِ مِنْ شَمْسٍ وَغَيْرِهَا] أَيْ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَّقِيَ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ بِيَدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فَوْقَ حَاجِبَيْهِ يَسْتُرُ بِهَا وَجْهَهُ، أَيْ وَلَا يُلْصِقُهَا عَلَى رَأْسِهِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ إذَا طَالَ [قَوْلُهُ: وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ خُرْجِهِ وَجِرَابِهِ] أَيْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَنْ يَحْمِلُ خُرْجَهُ مَثَلًا لَا بِأُجْرَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَحُزْمَةِ حَطَبٍ يَحْمِلُهَا لِيَبِيعَهَا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ أَشْهَبُ] أَيْ مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ مَا ذُكِرَ وَهُوَ مُعْتَمَدٌ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ] أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْلِ لِلْغَيْرِ أَوْ التِّجَارَةِ لِعَيْشِهِ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِظْلَالُهُ بِالْبِنَاءِ إلَخْ] أَيْ زَمَنَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ فَيُكْرَهُ التَّظَلُّلُ مِنْ الشَّمْسِ وَلَعَلَّهُ لِتَكْثِيرِ الثَّوَابِ كَمَا اُسْتُحِبَّ الْقِيَامُ بِهِ دُونَ الْجُلُوسِ إلَّا لِتَعَبٍ. [قَوْلُهُ: وَالْأَخْبِيَةِ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْخِبَاءُ مَا يُعْمَلُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ وَالْجَمْعُ أَخْبِيَةٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ وَيَكُونُ عَلَى عَمُودَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْتٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا] أَيْ مِمَّا يَثْبُتُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَظَلَّلَ بِجَانِبِ الْمَحْمَلِ نَازِلَةً أَوْ سَائِرَةً وَكَذَا تَحْتَهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَكَذَلِكَ الِاسْتِظْلَالُ بِالْبَعِيرِ وَنَازِلًا أَوْ سَائِرًا أَوْ بَارِكًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَظَلَّلَ وَهُوَ فِي الْمَحْمَلِ بِأَعْوَادٍ يَرْفَعُهَا أَوْ بِثَوْبٍ بِجَعْلُهُ عَلَى عَصًا وَهَلْ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ أَوْ تُنْدَبُ خِلَافٌ، وَقُلْنَا بِأَعْوَادٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ سَقْفٌ، فَإِنَّهُ كَالْبِنَاءِ وَالْأَخْبِيَةِ فَيَجُوزُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَقُطَّهُمَا أَسْفَلَ] وَظَاهِرُهُ وَإِنْ سَتَرَ الْعَقِبَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ الْقَطْعِ ثَنْيُهُ أَسْفَلَ مِنْ كَعْبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي لُبْسِهِمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ لُبْسِهِمَا لِمَرَضٍ أَوْ دَوَاءٍ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَوْ قَطَعَهُمَا أَوْ ثَنَاهُمَا وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ السَّرْمُوزَةُ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ] قَالَ بَعْضُهُمْ لِخَبَرٍ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبِسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا رَفَعَ عَلَيْهِ فِي الثَّمَنِ] بِأَنْ زَادَ عَلَى ثُلُثِ ثَمَنِهِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ قَالَهُ عج، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْفَقْدِ وَالْغُلُوِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْدَادُ النَّعْلَيْنِ قَبْلَهُ إذَا عَلِمَ بِفَقْدِهِمَا

[الفاضل والمفضول من أوجه الإحرام الثلاثة]

وَجَدَهُمَا مَقْطُوعَيْنِ لَمْ يَشْتَرِهِمَا كَذَلِكَ وَيَلْبَسُهُمَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهُمَا كَذَلِكَ وَيَلْبَسُهُمَا ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهَا فَقَالَ: (وَالْإِفْرَادُ) وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ (بِالْحَجِّ) فَقَطْ (أَفْضَلُ عِنْدَنَا) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (مِنْ التَّمَتُّعِ وَمِنْ الْقِرَانِ) وَسَيَذْكُرُ تَعْرِيفَهُمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ حَيْثُ قَدَّمَ التَّمَتُّعَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ، وَاتَّصَلَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ وَالْأَئِمَّةِ بِذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَحْتَاجُ إلَى جُبْرَانٍ بِهَدْيٍ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَمَنْ قَرَنَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (أَوْ تَمَتَّعَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا هَدْيَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ كَانَ حَاضِرًا بِهَا أَوْ بِذِي طَوًى وَقْتَ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ، وَلِوُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ شَرْطَانِ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ. وَشُرُوطُ وُجُوبِ دَمِ التَّمَتُّعِ تَأْتِي ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ بِقَوْلِهِ: (يَذْبَحُهُ) أَيْ الْهَدْيَ إنْ كَانَ مِمَّا يُذْبَحُ (أَوْ يَنْحَرَهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ (بِمِنًى) أَيْ فِي مِنًى نَهَارًا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهُمَا إلَخْ] وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا يُفِيدُهُ عج وَقَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ. [الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ مِنْ أَوْجُهِ الْإِحْرَامِ الثَّلَاثَةِ] [قَوْلُهُ: الْمُسْتَلْزِمُ لَهَا] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِحْرَامَ الَّذِي هُوَ كُلِّيٌّ مُسْتَلْزِمٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْكُلِّيَّ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ وُجُودَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ فَمُرَادُهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِمَجْمُوعِهَا، أَيْ بَعْضِهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَقَطْ] أَيْ ثُمَّ إذَا فَرَغَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ الْعُمْرَةَ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عُمْرَةٍ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمَالِكِيَّةُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ الْأَفْضَلُ الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ آخَرَ أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْأَفْضَلُ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ. [قَوْلُهُ: وَسَيَذْكُرُ تَعْرِيفَهُمَا] فَإِنْ قُلْت يُرَدُّ حِينَئِذٍ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ التَّصْدِيقِ عَلَى التَّصَوُّرِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى التَّصْوِيبِ لَا عَلَى التَّصَوُّرِ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْرِفْ الْإِفْرَادَ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ حَيْثُ ذَكَرَ تَعْرِيفَهُمَا بَعْدُ قُلْت إنَّ الْإِفْرَادَ لَيْسَ فِيهِ غُمُوضٌ بِخِلَافِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ] لِأَنَّهُ فِي عَمَلِهِ كَالْمُفْرِدِ وَالْمُفْرِدُ أَفْضَلُ فَمَا قَارَبَ فِعْلَهُ كَانَ أَفْضَلَ. [قَوْلُهُ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ] أَيْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . [قَوْلُهُ: وَاتَّصَلَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ] أَيْ فَقَدْ أَفْرَدَ الصِّدِّيقُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَعُمَرُ بَعْدَهُ عَشْرَ سِنِينَ وَعُثْمَانُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَا جَاءَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ فَأَجَابَ عَنْهُ الْإِمَامُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِالْقِرَانِ، وَأَمَرَ بَعْضًا بِالتَّمَتُّعِ فَنُسِبَ ذَلِكَ إلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ [قَوْلُهُ: وَالْأَئِمَّةُ إلَخْ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، أَيْ أَئِمَّةُ الدِّينِ عِبَارَةُ بَهْرَامَ وَاتَّصَلَ الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ وَمِنْ عُلَمَائِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ اهـ [قَوْلُهُ: وَقْتَ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ] أَيْ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا أَيْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقِيمٍ وَقْتَ الْإِحْرَامِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ الدَّمُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ قَدْ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ فِي التَّمَتُّعِ دَائِمًا وَفِي الْقِرَانِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْإِحْرَامُ بِهَا مُقَارِنًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَذَلِكَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْقِرَانِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ اسْتَوْطَنَهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ لِحَاجَةٍ مِنْ غَزْوٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ أَمْرٍ عَرَضَ لَهُ سَوَاءٌ طَالَتْ إقَامَتُهُ بِغَيْرِهَا أَمْ قَصُرَتْ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ بِغَيْرِهَا وَرَفَضَ سُكْنَاهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ، إذَا قَدِمَ إلَيْهَا قَارِنًا أَوْ مُعْتَمِرًا كَمَنْ قَدِمَ بِهَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْحَاضِرِينَ] أَيْ بِمَكَّةَ أَوْ بِذِي طُوًى وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ بِالْحَجُونِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ] احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ [مَحَلَّ نَحْرِ الْهَدْيِ وَذَبْحِهِ] [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْفَجْرِ] لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ نَهَارًا صَادِقًا بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشَّمْسِ فَلَا

الْفَجْرِ فَلَا يُجْزِئُ فِعْلُهُ لَيْلًا وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمِنًى كُلُّهَا مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ وَلِصِحَّةِ النَّحْرِ بِهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا: (إنْ أَوْقَفَهُ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ نَائِبُهُ (بِعَرَفَةَ) لَيْلًا ابْنُ هَارُونَ أَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْوُقُوفِ بِالْهَدْيِ لَيْلًا فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَطَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ جَعَلَ حِكْمَةَ حُكْمَ رَبِّهِ فِيمَا يَجْزِيهِ مِنْ الْوُقُوفِ. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ مِنًى ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي حَجَّةٍ لَا فِي عُمْرَةٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَلَا يَجُوزُ النَّحْرُ بِمَكَّةَ وَلَا بِغَيْرِهَا وَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهَا جَازَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ لَمْ يُوقِفْهُ بِعَرَفَةَ) يَعْنِي أَوْ فَاتَتْهُ أَيَّامُ مِنًى وَلَوْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ (فَلْيَنْحَرْهُ) أَوْ يَذْبَحْهُ (بِمَكَّةَ) أَوْ مَا يَلِيهَا مِنْ الْبُيُوتِ وُجُوبًا وَإِذَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ بِمَكَّةَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ (بِالْمَرْوَةِ) وَحَيْثُ تَعَيَّنَ الْهَدْيُ وَذَبْحُهُ بِمَكَّةَ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا (بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ لِأَنَّ كُلَّ هَدْيٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْهَدْيَ يَكُونُ مِنْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِبِلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْغَنَمُ، وَلَا يُجْزِئُ فِي الْجَمِيعِ إلَّا السَّلِيمُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِئُ إلَّا الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ، وَالْهَدْيُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْقَارِنِ إذَا وَجَدَهُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) بِأَنْ يَئِسَ مِنْ وُجُودِهِ (فَ) الْوَاجِبُ عَلَيْهِ (صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) وَفَاعِلُ (يَعْنِي) ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالتِّلَاوَةُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا إلَّا التَّمَتُّعَ دُونَ الْقِرَانِ (مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْزِئُ بَعْدَ الْفَجْرِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ] أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ فِي مِنًى وَنَهَارًا وَبَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ ظَرْفٌ مُتَّسِعٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنًى كُلُّهَا مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ] إلَّا أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى، وَلَا يَجُوزُ دُونَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مِنًى. [قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبُهُ] وَلَوْ حُكْمًا كَتَأَخُّرِهِ حِينَ ضَلَّ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَنْ وُقُوفِ التُّجَّارِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا نَائِبِينَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ وَيَأْذَنُ لَهُمْ فِي الْوُقُوفِ بِهِ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَطَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ] أَيْ لَيْلًا كَمَالِكٍ جَعَلَ إلَخْ، أَيْ فَيُشْكِلُ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ مِنًى] أَرَادَ بِهَا يَوْمَ النَّحْرِ وَالْيَوْمَيْنِ بَعْدَهُ فَلَا يَدْخُلُ الرَّابِعُ. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي حَجَّةٍ] أَيْ إنْ كَانَ الْهَدْيُ سِيقَ فِي إحْرَامِ حَجٍّ سَوَاءٌ وَجَبَ لِنَقْصٍ فِيهِ أَوْ فِي عُمْرَةٍ أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَلَا يَجُوزُ] أَيْ فَالنَّحْرُ بِمِنًى وَاجِبٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الذَّبْحَ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّرُوطِ مَنْدُوبٌ، أَيْ وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهَا الذَّبْحَ بِمَكَّةَ مُتَعَيِّنٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ فَقَدَ بَعْضَهَا جَازَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَعَيَّنَ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَوْ فَاتَتْهُ أَيَّامَ مِنًى] أَيْ أَوْ كَانَ مَسُوقًا فِي إحْرَامِ عُمْرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ أَوْ تَطَوُّعًا أَيْ أَوْ سَاقَهُ لَا مَعَ إحْرَامٍ أَوْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَلِيهَا إلَخْ] إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الذَّبْحُ بِذِي طُوًى وَنَحْوِهَا مِمَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ بُيُوتِهَا وَلَوْ كَانَ مِنْ لَوَاحِقِهَا [قَوْلُهُ: فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْحِلِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحَرَمَ، وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الْحِلِّ ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْحَرَمَ، كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا خَرَجَ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ نَائِبُهُ كَانَ الْخَارِجُ بِهِ مُحْرِمًا أَوْ لَا [قَوْلَةُ: وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ] أَيْ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ يَذْبَحُهُ أَوْ يَنْحَرُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا السَّلِيمُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنْ يُجْزِئَ فِي الْهَدْيِ مَا يُجْزِئُ فِي الضَّحِيَّةِ وَالْمُعْتَبَرُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ لِلْإِجْزَاءِ وَقْتَ التَّقْلِيدِ وَالْمُرَادُ بِهِ تَهْيِئَتُهُ لِلْهَدْيِ وَإِخْرَاجُهُ سَائِرًا إلَى مَكَّةَ فَلَا يَضُرُّ الْعَيْبُ الطَّارِئُ، بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَلَّدَ أَوْ أَشْعَرَ مَعِيبًا فَلَا يُجْزِئُ وَلَوْ سَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا الْمُتَطَوَّعُ بِهِ وَمِثْلُهُ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فَهَذَا يَجِبُ تَنْفِيذُهُ بِتَقْلِيدِهِ وَلَوْ مَعِيبًا بِعَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. [قَوْلُهُ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ] سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الضَّحِيَّةِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَئِسَ مِنْ وُجُودِهِ] أَوْ أَيِسَ مِنْ وُجُودِ مَا يَشْتَرِيهِ بِهِ وَلَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا لِبَلَدِهِ وَهُوَ مَلِيءٌ بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّاذِلِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْعَجْزَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَائِسِ [قَوْلُهُ: ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] أَيْ أَوْ

[حقيقة التمتع والقران]

وَقْتِ يُحْرِمُ) أَيْ ابْتِدَاءُ صِيَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْحَجِّ مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ (إلَى) آخِرِ (يَوْمِ عَرَفَةَ) فَيَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمًا مَصُومًا وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَصَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْحَاجِّ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي الصِّيَامِ الْوَاجِبِ، وَمَا هُنَاكَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ (فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ) أَيْ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ (صَامَ أَيَّامَ مِنًى) وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ إنْ أَخَّرَ الصَّوْمَ إلَيْهَا لِعُذْرٍ، أَمَّا إنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ مَعَ الْإِجْزَاءِ، وَانْظُرْ مَا قَالَ هُنَا أَنَّ الْقَارِنَ وَالْمُتَمَتِّعَ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى مَعَ قَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ أَنَّهُ لَا يَصُومُهَا إلَّا الْمُتَمَتِّعُ أَجَابَ ع: بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا يَجْرِي عَلَى قَوْلٍ (وَ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صِيَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ صَامَهَا فِي الْحَجِّ أَوْ فِي مِنًى فَإِنَّهُ يَصُومُ (سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ (إذَا رَجَعَ) مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَخَّرَهَا صَامَ مَتَى شَاءَ وَالتَّتَابُعُ فِي الْعَشَرَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَبَدَأَ بِالتَّمَتُّعِ وَلَهُ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ أُخِذَتْ مِنْ كَلَامِهِ، أَحَدُهَا: أَنْ يُقَدِّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ) أَوَّلًا. ثَانِيهَا: أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَحِلُّ مِنْهَا) ثَالِثُهَا: أَنْ تَحْصُلَ الْعُمْرَةُ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) وَلَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ جَمِيعِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَلْ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَأَكْمَلَهَا فِي لَيْلَةِ شَوَّالٍ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْبَعْضِ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا فَلَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْحَلْقُ وَأَوْقَعَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. رَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلشَّارِعِ أَوْ الْإِمَامِ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: وَالتِّلَاوَةُ إلَخْ] إنْ كَانَ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ بَيَانِ التِّلَاوَةِ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي أَيْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ وَلَا دَخْلَ لِصَدْرِهَا وَهُوَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ [قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ يُحْرِمُ إلَخْ] الْمَعْنَى أَنَّ النَّقْصَ الْمُوجِبَ لِلْهَدْيِ إنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ زَمَنُ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ مِنْ إحْرَامِهِ وَيَمْتَدُّ إلَى يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ لَهُ صَوْمُهُ أَيْ كَتَعَدِّي الْمِيقَاتِ وَتَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَتَرْكِ طَوَافِ قُدُومٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا سَابِقًا عَلَى الْوُقُوفِ، أَنَّ النَّقْصَ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْوُقُوفِ كَتَرْكِ النُّزُولِيِّ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ تَرْكِ رَمْيٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ كَانَ وَقْتُهُ كَلُزُومِ الْهَدْيِ لِلْمَارِّ بِعَرَفَةَ النَّاوِي لِلْحَجِّ أَوَاخِرَ الثَّلَاثَةِ حَتَّى فَاتَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَإِنَّهُ يَصُومُهَا مَعَ السَّبْعَةِ مَتَى شَاءَ. [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمًا مَصُومًا] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ إلَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى مَعَ [قَوْلُهُ: صَامَ أَيَّامَ مِنًى] أَيْ وُجُوبًا كَمَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا إثْمَ إلَخْ] وَقَدْ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي صَوْمِهَا هَلْ هُوَ قَضَاءٌ أَوْ أَدَاءٌ وَلَا مُنَافَاةَ، بَيْنَ مَنْعِ تَأْخِيرِهَا لَهَا وَبَيْنَ كَوْنِهَا أَدَاءً كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِنَا وَأَثِمَ إلَّا لِعُذْرٍ. [قَوْلُهُ: أَجَابَ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ] أَيْ وَالرَّاجِحُ مَا هُنَا وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا الْمُتَمَتِّعُ أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَالْقَارِنِ لِأَنَّهُ شَقِيقُهُ. [قَوْلُهُ: إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ مِنْ مِنًى الْفَرَاغُ مِنْ الرَّمْيِ لِيَشْمَلَ أَهْلَ مِنًى، أَوْ مَنْ أَقَامَ بِهَا وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَوْمَ السَّبْعَةِ إلَى أَنْ يَرْجِعَ لِأَهْلِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] هَلْ لِلْأَهْلِ كَمَا يَقُولُ الْمُخَالِفُ أَوْ لِمَكَّةَ كَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ، فَإِنْ اسْتَوْطَنَ مَكَّةَ صَامَ بِهَا، وَلَا تُجْزِئُ السَّبْعَةُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا إنْ قُدِّمَتْ عَلَى وُقُوفِهِ، أَيْ إذَا قَدَّمَ السَّبْعَةَ عَلَى وُقُوفِهِ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ بَعْدَهُ فَلَا يُحْتَسَبُ مِنْ السَّبْعَةِ بِثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا إنْ صَامَ الْعَشَرَةَ بِتَمَامِهِ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَقَالَ الْحَطَّابُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْتَزِئُ مِنْهَا بِثَلَاثَةٍ. [قَوْلُهُ: وَالتَّتَابُعُ فِي الْعَشَرَةِ] أَيْ أَنَّ. التَّتَابُعَ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالسَّبْعَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَفَادَهُ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِابْنِ حَارِثٍ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الثَّلَاثَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَكَذَا السَّبْعَةِ [حَقِيقَةَ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ] [قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ] أَيْ جِنْسِ الْعُمْرَةِ إذْ لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِعْلُ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهَدْيٌ وَاحِدٌ يَجْزِيهِ وَلَا فَرْقَ فِي الْعُمْرَةِ بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ، لِأَنَّ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ

الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ) لِأَنَّهُمَا إنْ لَمْ يَكُونَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ لَمْ يَحْصُلْ التَّمَتُّعُ، خَامِسُهَا: أَنْ لَا يَعُودَ إلَى أُفُقِهِ أَيْ بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى أُفُقِهِ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا (أَوْ إلَى مِثْلِ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. سَادِسُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ حَاضِرًا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ وَسَيَأْتِي. سَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ عَنْ وَاحِدٍ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ غَيْرِهِ فَالْأَشْهَرُ سُقُوطُ الدَّمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِأَحَدِهِمَا مَجْمُوعُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ التَّمَتُّعِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَصِفَةُ التَّمَتُّعِ إلَخْ. (وَلِهَذَا) اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الدَّالِّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ وَيُبَاحُ لِلْمُحْرِمِ إذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ (أَنْ يُحْرِمَ) بِحَجٍّ (مِنْ مَكَّةَ إنْ كَانَ بِهَا) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ (وَلَا يُحْرِمُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَكَّةَ (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ) لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْعُمْرَةِ أَنْ يَجْمَعَ فِيهَا بَيْن الْحِلِّ وَالْحَرَمِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ حَقِيقَةَ الْقِرَانِ قَالَ: (وَصِفَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَيَبْدَأَ بِالْعُمْرَةِ فِي نِيَّتِهِ وَإِذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَيَرْكَعَ فَهُوَ قَارِنٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرْدِفُ فِي الطَّوَافِ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُهُ وَيَصِحُّ بَعْدَ كَمَالِهِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ، فَإِنْ رَكَعَ فَاتَ الْإِرْدَافُ فَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا اتِّفَاقًا ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْسَدَ عُمْرَتَهُ فِي الْحَجِّ يَعْنِي فِي أَشْهُرِهِ ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ وَحَجُّهُ تَامٌّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ سُقُوطِ الدَّمِ عَمَّنْ أُفُقُهُ بِالْحِجَازِ، إلَّا بِالْعَوْدِ إلَى نَفْسِ أُفُقِهِ لَا إلَى مِثْلِهِ، إلَّا أَنْ يَخْرُجَ عَنْ أَرْضِ الْحِجَازِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِمَنْ كَانَ أُفُقُهُ، إذَا ذَهَبَ وَعَادَ يُدْرَكُ مِنْ عَامِهِ، وَأَمَّا مَنْ أُفُقُهُ أَفْرِيقِيَّةَ، فَإِنَّ رُجُوعَهُ بِمِصْرَ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ، وَخُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَحَلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ قَدْرُ مَا بَيْنَ مِصْرَ وَمَكَّةَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ. وَانْظُرْ لَوْ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ مَسَافَتُهُ دُونَ مِصْرَ بِكَثِيرٍ هَلْ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ أَوْ عَلَيْهِ الدَّمُ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَالْأَشْهَرُ سُقُوطُ الدَّمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ. [وَهَذَا الشَّرْطُ مَأْخُوذٌ إلَخْ] لَا يَسْلَمُ الْأَخْذُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ [قَوْلُهُ: أَيْ وَيُبَاحُ إلَخْ] وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ لِعَرَفَةَ فَيَحْصُلُ فِي إحْرَامِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَأَرَادَ بِالْإِبَاحَةِ الْإِذْنَ الشَّامِلَ لِلنَّدْبِ، فَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ آفَاقِيٌّ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْوَقْتِ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ بِهَا] أَيْ مُقِيمًا بِهَا سَوَاءٌ كَانَ آفَاقِيًّا أَوْ مُسْتَوْطِنًا. [قَوْلُهُ: مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ] هَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ جَوْفِ الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ] هُوَ مَا جَاوَزَ الْحَرَمَ وَالْأَوْلَى مِنْهُ الْجِعْرَانَةُ ثُمَّ التَّنْعِيمُ [قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا] أَيْ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَقْصِدَ الْقِرَانَ أَوْ بِنِيَّةٍ مُرَتَّبَةٍ وَيُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ عَلَى نِيَّةِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ وُجُوبًا لِيَرْتَدِفَ الْحَجُّ عَلَيْهَا، وَفِي الْأَوْلَى يُقَدِّمُهَا فِي التَّسْمِيَةِ اسْتِحْبَابًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيَبْدَأُ أَيْ وُجُوبًا نَاظِرٌ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَرَادَ الشَّارِحُ بِالْمَعِيَّةِ الِاشْتِرَاكَ فِي الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِيُجْعَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صَادِقًا بِالصُّورَتَيْنِ إذْ لَوْ أَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ قَاصِرًا عَلَى الْأَوْلَى فَلَا يَشْمَلُ الثَّانِيَةَ فَلَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الشَّارِحِ وَيَبْدَأُ بِالْعُمْرَةِ فِي نِيَّتِهِ [قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ قَارِنًا اتِّفَاقًا] ظَاهِرُهُ أَنَّ فَوَاتَ الْإِرْدَافِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. فَقَالَ بَهْرَامُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْتَدِفُ وَإِنْ كَانَ فِي السَّعْيِ مَا لَمْ يُتِمَّ وَيَفْرُغُ مِنْهُ فَإِنْ أَتَمَّ سَعْيَهُ فَلَا، وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ ضَعِيفٌ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِلْقِرَانِ صُوَرًا تَقَدَّمَ اثْنَتَانِ، الثَّالِثَةُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مُفْرَدَةً ثُمَّ يُرْدِفُ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَيُرْدِفُ لَكِنَّ فِي إرْدَافِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ صُوَرَ جَوَازٍ وَكَرَاهَةٍ مَعَ صِحَّةٍ فَمِنْ

قَوْلِهِ قَبْلُ فَمَنْ قَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ إلَخْ فَقَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ الْحَاضِرُونَ بِهَا أَوْ بِذِي طَوًى وَقْتَ فِعْلِ النُّسُكَيْنِ (هَدْيٌ فِي تَمَتُّعٍ) اتِّفَاقًا (وَلَا) فِي (قِرَانٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ قَدَّمَهُ وَهُوَ مَحَلُّ النَّصِّ. وَالثَّانِي مَقِيسٌ عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] إلَى أَنْ قَالَ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] قَوْلُهُ ذَلِكَ عَائِدٌ عَلَى مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَحِكْمَةُ سُقُوطِهِ فِيهِمَا أَنَّ الْهَدْيَ وَاجِبٌ لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي إيجَابِهِ الْهَدْيَ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ هَلْ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ جَائِزَانِ لَهُمْ أَمْ مَكْرُوهَانِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهُمَا مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ ثُمَّ صَرَّحَ بِبَعْضِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: ثُمَّ يَحِلُّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَمَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ) (وَمَنْ أَصَابَ) أَيْ قَتَلَ (صَيْدًا) بَرِّيًّا مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِهِ غَيْرَ مَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا بِأَحَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوْلَى، أَنْ يَقَعَ بَعْدَ إحْرَامٍ بِهِ الْعُمْرَةُ وَقَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ أَعْمَالِهَا شَيْئًا أَوْ بِطَوَافِهَا قَبْلَ تَمَامِهِ، وَإِذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ فِي أَثْنَاءِ الْعُمْرَةِ كَمَّلَ الطَّوَافَ وُجُوبًا وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا وَقِيلَ جَوَازًا وَكَانَ تَطَوُّعًا، وَتَنْدَرِجُ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَلَا يَبْقَى لَهَا فِعْلٌ ظَاهِرٌ يَخُصُّهَا وَلَا يَلْزَمُهُ. أَنْ يَسْتَحْضِرَ عِنْدَ إتْيَانِهِ بِالْأَفْعَالِ الَّتِي يَشْتَرِكُ فِيهَا الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ أَنَّهَا لِإِحْرَامِهِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمِنْ الثَّانِيَةِ أَيْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الصِّحَّةِ مَا إذَا أَرْدَفَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِهَا وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ كَوْنُ الْوَقْتِ مُخْتَصًّا بِالْعُمْرَةِ أَوْ أَرْدَفَ فِي الرُّكُوعِ، وَشَرْطُ صِحَّةِ الْإِرْدَافِ فِي جَمِيع صُوَرِهِ صِحَّةُ الْعُمْرَةِ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ إحْرَامُهُ بِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى عُمْرَتِهِ، وَأَمَّا الْإِرْدَافُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السَّعْيِ، أَوْ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ، فَمَكْرُوهٌ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَصِحَّ إرْدَافُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ بَعْدَ السَّعْيِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا مَعْنَاهُ وَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ اتِّفَاقًا وَيُؤَخِّرُ حِلَاقَ الْعُمْرَةِ وَيَلْزَمُهُ هَدْيٌ لِتَأْخِيرِهِ تت. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ أَهْلَانِ، أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا فَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ وَلَوْ غَلَبَتْ إقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا فِي قِرَانٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ قِيَاسًا عَلَى التَّمَتُّعِ وَأَوْجَبَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ. [قَوْلُهُ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ] أَيْ تَيَسَّرَ مِنْ الْهَدْيِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ] وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ عَلَى التَّمَتُّعِ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ] الْعِبَارَةُ فِيهَا إجْحَافٌ وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَهُ فِي الْقِرَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهُمَا مِنْ غَيْرِ هَدْيٍ] وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ جَوَازُهُ فِيهِمَا لَكِنْ مَعَ الْهَدْيِ فِي الْقِرَانِ دُونَ التَّمَتُّعِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ] بِأَنْ فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِهَا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ] وَلَوْ تَأَخَّرَ حِلَاقُهُ إلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ] وَأَوْلَى لَوْ حَجَّ بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: أَيْ قَتَلَ صَيْدًا] أَيْ أَوْ نَتَفَ رِيشَهُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ أَوْ جَرَحَهُ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَتُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ بِنَقْصٍ، فَلَوْ أَخْرَجَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ وَالْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ مَعَ وُجُوبِ الْإِخْرَاجِ حِينَئِذٍ ثُمَّ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ جَزَاءً ثَانِيًا وَلَوْ كَانَتْ الرَّمْيَةُ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، فَلَوْ بَقِيَ عَلَى شَكِّهِ أَوْ تَحَقَّقَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِلشَّكِّ فِي مَوْتِهِ قَبْلَ

النُّسُكَيْنِ أَوْ بِالْمَكَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ (فَعَلَيْهِ) وُجُوبًا (جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ) وَالْمِثْلِيَّةُ تَكُونُ فِي الصُّورَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ أَوْ الْقُرْبِ، فَعَلَى مَنْ قَتَلَ فِيلًا بَدَنَةٌ خُرَاسَانِيَّةٌ ذَاتُ سَنَامَيْنِ، وَعَلَى مَنْ قَتَلَ إبِلًا أَوْ بَقَرَةً وَحْشِيَّةً أَوْ حِمَارًا وَحْشِيًّا أَوْ ظَبْيَةً بَقَرَةٌ إنْسِيَّةٌ، وَعَلَى مَنْ قَتَلَ نَعَامَةً بَدَنَةٌ لِأَنَّهَا تُقَارِبُهَا فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ، وَعَلَى مَنْ قَتَلَ ضَبُعًا أَوْ ثَعْلَبًا أَوْ حَمَامًا مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِمَا شَاةٌ، وَفِي غَيْرِ حَمَّامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ حُكُومَةٌ. وَأَدْنَى مَا يُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِمَّا سِوَاهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ هَدْيًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدْيِ، وَلَمَّا كَانَ وُجُوبُ جَزَاءِ الْمِثْلِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ قَالَ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 95] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِخْرَاجِ فَلَا يَجِبُ التَّكْرَارُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمَكَانِ] أَيْ الْحَرَمِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا. [قَوْلُهُ: صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا] وَجَزَاءُ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ الصَّبِيُّ مُحْرِمًا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَازِمٌ لِوَلِيِّهِ سَوَاءٌ خَافَ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَوْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، وَقُلْنَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا صَادَهُ فِي الْحَرَمِ، فَإِنْ خَافَ ضَيْعَةً فَيَكُونُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ، هَذَا إذَا كَانَ لِلصَّبِيِّ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى وَلِيِّهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأً إلَخْ] أَيْ فَفِيهِ الْجَزَاءُ إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ تَسَبُّبًا] وَلَوْ كَانَ السَّبَبُ اتِّفَاقِيًّا كَمَا إذَا اتَّفَقَ أَنَّ الصَّيْدَ رَآهُ فَفَزِعَ مِنْهُ فَعَطِبَ فَمَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَزَاؤُهُ لِأَنَّهُ نَفَرَ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَذَا يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ إذَا رَكَّزَ رُمْحًا فَعَطِبَ مِنْهُ صَيْدٌ. [قَوْلُهُ: تَكَرَّرَ ذَلِكَ إلَخْ] قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ قَتَلَ صَيُودًا فَعَلَيْهِ بِعَدَدِهَا كَفَّارَاتٌ وَسَوَاءٌ نَوَى التَّكْرَارَ أَمْ لَا، وَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِحُكْمِ قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ نَاسِيًا، وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ لِمَخْمَصَةٍ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُسَاوَاةُ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ وَالْمِثْلِيَّةُ هِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الصُّورَةِ وَالْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ، أَيْ مِثْلُ الصَّيْدِ أَوْ مُقَارِبُهُ فِي الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا فَالْقَدْرُ كَافٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ الْقُرْبُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسَاوَاةِ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى مَنْ قَتَلَ فِيلًا بَدَنَةٌ خُرَاسَانِيَّةٌ] فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَقِيمَتُهَا طَعَامًا. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي مَرْكَبٍ وَيَنْظُرَ حَدَّ الْمَاءِ فِيهِ فَيَعْلَمَ ثُمَّ يُخْرِجُ وَيُدْخِلُ طَعَامًا حَتَّى يَبْلُغَ الْمَرْكَبُ فِي الْمَاءِ إلَى حَدِّ مَا بَلَغَ بِالْفِيلِ فَيَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ الطَّعَامِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَقِيمَتُهَا، أَيْ الْبَدَنَةِ لَا قِيمَةِ الْفِيلِ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ قَتَلَ أُيَّلًا] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْأُيَّلُ قَرِيبٌ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْقَدْرِ طَوِيلُ الْقَرْنِ اهـ. [قَوْلُهُ: أَوْ ظَبْيَةً] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ فِي الظَّبْيَةِ شَاةٌ. [قَوْلُهُ: بَقَرَةٌ] فَإِنْ عُدِمَتْ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ فَقِيمَتُهَا طَعَامًا فَإِنْ عُدِمَ الطَّعَامُ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي صَوْمُ عَدْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ قَتَلَ نَعَامَةً بَدَنَةٌ] إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ بِذَاتِ سَنَامَيْنِ وَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْفِيلِ يُقَالُ هُنَا. [قَوْلُهُ: شَاةٌ] أَيْ وَمَا قِيلَ فِي الْبَقَرَةِ يُقَالُ فِي الشَّاةِ الَّتِي لِلضَّبُعِ وَالثَّعْلَبَةِ، وَأَمَّا شَاةُ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامِهِمَا، إذَا لَمْ تُوجَدْ فَإِنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْهَدْيِ، وَلَا يُخْرِجُ طَعَامًا وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ شَاةٌ لِأَنَّهُ يَأْلَفُ النَّاسَ فَشَدَّدَ فِيهِ لِئَلَّا يَتَسَارَعَ النَّاسُ إلَى قَتْلِهِ وَالْمُرَادُ بِحَمَامِ مَكَّةَ وَيَمَامِهَا وَالْحَرَمِ مَا يُصَادُ بِهِمَا لَا مَا تَوَلَّدَ بِهِمَا وَلَا مَا تَوَطَّنَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ حُكُومَةٌ] أَيْ فَمَنْ قَتَلَ حَمَامًا فِي الْحِلِّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ طَعَامًا أَيْ حِينَ الْإِتْلَافِ وَكَذَا إذَا قَتَلَ ضَبًّا وَأَرْنَبًا وَيَرْبُوعًا وَجَمِيعَ الطَّيْرِ خَلَا مَا مَرَّ فِي الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالْقِيمَةِ طَعَامًا فِي الطَّيْرِ غَيْرَ حَمَامِ الْحَرَمِ وَيَمَامِهِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يَجِدْهَا فَعَدْلُهَا صِيَامًا وَأَمَّا فِي الضَّبِّ وَالْأَرْنَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الدَّوَابِّ الَّتِي لَا مِثْلَ لَهَا يُجْزِئُ ضَحِيَّةً فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيمَةِ طَعَامًا أَوْ عَدْلَ الطَّعَامِ صِيَامًا وَيَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهَا بِهَدْيٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا عَدْلُهُ صِيَامًا أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَكَمَّلَ لِكَسْرِهِ. [قَوْلُهُ: الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ] أَيْ فِيمَا لَزِمَ شَاةً. [قَوْلُهُ: يَحْكُمُ بِهِ إلَخْ] فَإِنْ أَخْرَجَ قَبْلَ حُكْمِهِمَا عَلَيْهِ أَعَادَ وَلَوْ كَانَ الْمُقَوَّمُ غَيْرَ مَأْكُولٍ، وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ يَسْتَلْزِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْبُلُوغَ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْحُكْمِ وَلَا يَكْفِي الْفَتْوَى وَلَا

(مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَا وُلِّيَ فِيهِ، وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، وَمِنْ شَرْطِ حُكْمِهِمَا أَنْ لَا يَجْتَهِدَا بِحُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ، فَإِنْ حَكَمَا بِمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ حُكْمُ مَنْ مَضَى فَإِنَّهُ يُرَدُّ وَلَا يَنْفُذُ وَلَا يُخْرِجُ أَحَدٌ جَزَاءً مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، فَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ غَيْرِ الْحُكْمِ أَعَادَهُ وَلَوْ وَافَقَ فِيهِ حُكْمَ مَنْ مَضَى، وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ حَمَامُ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ وَيَمَامُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي لُزُومِ الشَّاةِ لِحُكْمِ خُرُوجِهِ عَنْ الِاجْتِهَادِ بِالدَّلِيلِ، فَكَانَ حُكْمًا مُقَرَّرًا كَغَيْرِهِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ نَحْرِ جَزَاءِ الصَّيْدِ إنْ كَانَ مِمَّا يُنْحَرُ وَذَبْحُهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُذْبَحُ (مِنًى إنْ وَقَفَ بِهِ) هُوَ أَوْ نَائِبُهُ (بِعَرَفَةَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقِفْ بِهِ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ بِعَرَفَةَ (فَ) مَحَلُّ نَحْرِهِ أَوْ ذَبْحِهِ (مَكَّةُ) الْمُشَرَّفَةُ، هَذَا التَّفْصِيلُ فِي حَقِّ الْحَاجِّ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ أَوْ الْحَلَالُ إذَا قَتَلَهُ فَمَحَلُّهُ مَكَّةَ لَا غَيْرُ (وَحَيْثُ) كَانَ مَحَلُّهُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ (يَدْخُلُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْهَدْيِ أَنْ يُجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَإِنْ مَلَكَهُ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى الْحِلِّ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ مِثْلِ مَا قَتَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِقَوْلِهِ: (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ قَتَلَ صَيْدًا (أَنْ يَخْتَارَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ (أَوْ) يَخْتَارَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا (كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ) وَصِفَةُ الْإِطْعَامِ (أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الصَّيْدِ طَعَامًا) مِنْ غَالِبِ طَعَامِ الْمَوْضِعِ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الصَّيْدَ بَالِغًا مَا بَلَغَتْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ هُنَالِكَ اُعْتُبِرَتْ قِيمَةُ أَقْرَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَاجَانِ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ وَلَا يَكْفِي الْإِشَارَةُ وَانْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدْلَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَا غَيْرَ مُتَأَكِّدِي الْقَرَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى مَنْ وَلِيَ أَمْرًا، وَقَوْلُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَيْ مِمَّا وُلِّيَ فِيهِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاَلَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَ الْحُكْمِ، أَيْ كَأَنْ يَطْرَأَ بَعْدَهُ أَنَّهُ حَكَمَ فِي الظَّبْيَةِ بِغَيْرِ صَوَابٍ وَلَوْ حَذَفَ هَذَا مَا ضَرَّهُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَا وُلِّيَ فِيهِ شَامِلٌ لِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَجْتَهِدَا فِي حُكْمِهِمَا فِي غَيْرِ إلَخْ] أَيْ مَثَلًا بِأَنْ يَجْتَهِدَا بِأَنَّ فِي النَّعَامَةِ بَقَرَةً مَثَلًا، وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدَ فَإِنْ حَكَمَا إلَخْ. أَنْ يَقُولَ أَنْ لَا يَحْكُمَا بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ مِنْ مُضِيٍّ، فَإِذَا حَكَمَ بِخِلَافِ مَا حُكِمَ بِهِ مِنْ مُضِيٍّ فَإِنَّهُ يُرَدُّ. [قَوْلُهُ: بِالدَّلِيلِ إلَخْ] أَيْ بِالدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ فِيهِ شَاةً وَقَوْلُهُ فَكَانَ حُكْمًا، أَيْ لُزُومُ الشَّاةِ حُكْمًا مُقَرَّرًا بِرَاءَيْنِ، أَيْ ثَابِتًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لِاجْتِهَادٍ ثُمَّ أَقُولُ وَفِي ذَلِكَ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّ وُرُودَ الدَّلِيلِ بِأَنَّ فِيهِ شَاةً لَا يَنْفِي الِاجْتِهَادَ كَكَوْنِ الشَّاةِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّعَامَةَ وَرَدَ الدَّلِيلُ بِأَنَّ فِيهَا بَدَنَةً يَتَعَلَّقُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْحَمَامِ يَسِيرٌ فَجُعِلَ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالنَّعَامِ. [قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ مِنًى إنْ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ] وُقُوفًا مَشْرُوعًا وَهُوَ أَنْ يَقِفَ بِهِ فِي حَجٍّ سَاعَةً لَيْلَةَ النَّحْرِ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ سَاقَهُ فِي حَجٍّ وَلَا يَنْحَرُ أَوْ يَذْبَحُ بِمِنًى إلَّا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِلَّا فَيَنْحَرُ بِمَكَّةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الذَّكَاةِ بِمِنًى لَهُ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَسُوقَهُ فِي حَجٍّ وَأَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَأَنْ يَنْحَرَ أَوْ يَذْبَحَ فِي أَيَّامِ مِنًى فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا وَجَبَتْ ذَكَاتُهُ بِمَكَّةَ. [قَوْلُهُ: إنْ وَقَفَ بِهِ] أَيْ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ. [قَوْلُهُ: فَمَكَّةُ] الْمُرَادُ الْبَلَدُ وَمَا يَلِيهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ وَأَفْضَلُهَا الْمَرْوَةُ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ إنْ أَخْرَجَ الْجَزَاءَ هَدْيًا اُخْتُصَّ بِالْحَرَمِ أَوْ صِيَامًا فَحَيْثُ شَاءَ أَوْ طَعَامًا اخْتَصَّ بِمَحَلِّ التَّقْوِيمِ [قَوْلُهُ: أَوْ الْحَلَالُ إذَا قَتَلَهُ] أَيْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ. . [قَوْلُهُ: كَفَّارَةً] بِالنَّصْبِ لِعَطْفِهِ عَلَى اسْمِ الْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ فِي طَعَامٍ الْجَرُّ لِإِضَافَةِ كَفَّارَةٍ إلَيْهِ وَتَكُونُ بَيَانِيَّةً، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ كَفَّارَةٍ، وَقَوْلُهُ أَنْ يَنْظُرَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الصَّيْدِ طَعَامًا] أَيْ مِنْ الطَّعَامِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّلَفِ فَيُقَالُ كَمْ يُسَاوِي هَذَا الطَّيْرُ مِنْ الطَّعَامِ فَيَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمَا تَقْوِيمُهُ بِالطَّعَامِ قَوَّمَاهُ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَا يُقَوَّمُ بِالدَّرَاهِمِ ابْتِدَاءً، فَلَوْ قُوِّمَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ اشْتَرَى بِهَا طَعَامًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُ. [قَوْلُهُ: فَيَتَصَدَّقُ

[أحكام العمرة]

الْمَوَاضِعِ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسَاكِينُ فَعَلَى مَسَاكِينِ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يُجْزِهِ وَإِذَا أَطْعَمَ فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَلَوْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ ثَمَنًا أَوْ عَرْضًا لَمْ يُجْزِهِ، وَالشَّيْءُ الْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) أَيْ أَوْ يَخْتَارُ عَدْلَ طَعَامِ الْمَسَاكِينِ (صِيَامًا) وَصِفَةُ ذَلِكَ (أَنْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلِكَسْرِ الْمُدِّ يَوْمًا كَامِلًا) وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي كَسْرِ الْمُدِّ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ وَلَا يَتَبَعَّضُ الصَّوْمُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا جَبْرُهُ بِالْكَمَالِ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ. فَائِدَةٌ: ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي الْعَدْلِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ الْخَلِيلُ: عَدْلُ الشَّيْءِ بِالْفَتْحِ مِثْلُهُ وَلَيْسَ بِالنَّظِيرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَا عَدَلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَبِالْكَسْرِ الْمِثْلُ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَهُ مِثْلٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ كَالْأَرْنَبِ وَالْعُصْفُورِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَقَطْ الْإِطْعَامُ وَالصِّيَامُ قَوْلُهُ: (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مَرَّةٌ فِي الْعُمُرِ) مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابِ جُمَلٍ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَهَا مِيقَاتَانِ مَكَانِيٌّ وَهُوَ مِيقَاتُ الْحَجِّ، وَزَمَانِيٌّ وَهُوَ جَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَلَهَا أَرْكَانٌ ثَلَاثَةٌ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَلَيْسَ الْحِلَاقُ رُكْنًا فِيهَا، وَصِفَةُ الْإِحْرَامِ بِهَا فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَمَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ اللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَالصَّيْدِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَفَسَادِهَا بِالْجِمَاعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ عَلَيْهِمْ] أَيْ عَلَى مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَطْعَمَ فَلِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ] أَيْ لَا أَزْيَدَ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ نَزْعَ الزَّائِدِ إنْ بَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ ثَمَنًا أَوْ عَرْضًا لَمْ يُجْزِهِ] أَيْ وَيَرْجِعُ بِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ فِي كَسْرِ الْمُدِّ] أَيْ وَيُنْدَبُ تَكْمِيلُ الْمُدِّ النَّاقِصِ. [قَوْلُهُ: كَالْأَيْمَانِ] حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْقَسَامَةِ، أَنَّ كَسْرَ الْيَمِينِ يَكْمُلُ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكُسُورِ، وَلَوْ أَقَلَّ نَصِيبًا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يَكُونَ الْوَرَثَةُ لِلْمَقْتُولِ ابْنًا وَبِنْتًا وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمَا أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ الَّتِي هِيَ الْخَمْسُونَ يَمِينًا عَلَى الِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَمِينًا وَثُلُثٌ، وَعَلَى الْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَجُبِرَ الْكَسْرُ عَلَى الْبِنْتِ، فَلَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ عَلَى كُلِّ سِتَّةٍ عَشْرٌ وَثُلُثَانِ فَيَكْمُلُ عَلَى كُلٍّ فَيَحْلِفُ كُلُّ سَبْعَةَ عَشَرَ تَتِمَّةٌ يُضْطَرُّ إلَيْهَا الْحَكَمَانِ إنَّمَا يَطْلُبَانِ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْقَاتِلِ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا فِيهِ ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهَا طُلِبَ لَهُ الْحَكَمَانِ لِيَجْتَهِدَا فِيهِ. وَإِنْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ الشَّارِعِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ هَذِهِ النَّعَامَةَ فِيهَا بَدَنَةٌ سَمِينَةٌ لِكَوْنِهَا سَمِينَةً وَهَكَذَا أَوْ إذَا أَرَادَ الِانْتِقَالَ عَمَّا حَكَمَا بِهِ فَلَهُ الِانْتِقَالُ وَلَوْ الْتَزَمَ خَرَاجَهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِيمَا وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ، فَإِنَّهُ يُعَادُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا يُعَادُ إنْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُمَا كَأَنْ حَكَمَا فِيمَا فِيهِ بَدَنَةٌ بِشَاةٍ. [قَوْلُهُ: عَدْلُ الشَّيْءِ بِالْفَتْحِ مِثْلُهُ] أَيْ فَصِيَامُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ مِثْلٌ لِعَشَرَةِ أَمْدَادٍ فَالْمُمَاثَلَةُ عَلَى كَلَامِهِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِالنَّظِيرِ] النَّظِيرُ الْمُسَاوِي كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ أَنَّ صِيَامَ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِلْعَشْرَةِ الْأَمْدَادِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَالْمُسَاوَاةُ عِنْدَهُ تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: مَا عَدْلُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ] كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا عَدَلَتْ الْعَشَرَةَ الْأَمْدَادَ وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِهَا وَقَوْلُهُ بِالْكَسْرِ الْمِثْلُ، أَيْ الَّذِي يَكُونُ مِنْ الْجِنْسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا هَلْ الْمِثْلِيَّةُ لَا تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْجِنْسِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْخَلِيلُ أَوْ تَقْتَضِيهِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرَّاءُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقُرْآنِ، مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَرَّاءُ فَتَدَبَّرْ. . [قَوْلُهُ: الْإِطْعَامُ] أَيْ قِيمَتُهُ طَعَامًا. [أَحْكَام الْعُمْرَةُ] [قَوْلُهُ: وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ] وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا} [البقرة: 196] لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي الشُّرُوعَ فِي الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ يَجِبُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ مَنْدُوبَةً. [قَوْلُهُ: مَرَّةً] مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِلْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: مُفَسِّرٌ] لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ كَانَ قَوْلُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ مُتَأَخِّرًا عَنْ قَوْلِهِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِيقَاتُ الْحَجِّ] أَيْ

أَرْكَانِهَا كَالْحَجِّ. وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمَشْهُورِ. قَالَ ع: وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَمَنْ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ اعْتَمَرَ أَيْضًا فِي الْمُحَرَّمِ فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَرَ فِي السُّنَّةِ الثَّانِيَةِ، وَالْعُمْرَةُ تَجُوزُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَّا لِحَاجٍّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ مِنًى، وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ مِنًى انْتَهَى. (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَنْ يَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ (عَابِدُونَ لِرَبِّنَا) بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْنَا (حَامِدُونَ) لَهُ عَلَى ذَلِكَ (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ النَّصْرِ وَإِنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27] (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالنِّسْبَةِ لِلْآفَاقِيِّ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بِمَكَّةَ فَتَفْتَرِقُ الْعُمْرَةُ مِنْ الْحَجِّ فِي الْمِيقَاتِ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ] أَيْ وَيُنْدَبُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ لَكِنْ فِي عَامٍ آخَرَ وَمَحَلُّ التَّكْرَارِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ دُخُولُ مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعٍ عَلَيْهِ فِيهِ الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْحَجِّ وَرَجَعَ إلَى مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُكَرِّرْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا لِمُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ جَوَازِ التَّكْرَارِ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا بَأْسَ بِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَعَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَكْرَارُهَا فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِثَانِيَةٍ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ إجْمَاعًا قَالَهُ سَنَدٌ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ مِنْ أَيَّامِ مِنًى] وَهُوَ رَابِعُ النَّحْرِ فَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ جَمِيعِ الرَّمْيِ وَمِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَبْلَ غُرُوبِ الرَّابِعِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا وَيَنْعَقِدُ، إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ فِعْلِهَا حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ جَهِلَ فَأَحْرَمَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَدْ كَانَ تَعَجَّلَ أَوْ لَمْ يَتَعَجَّلْ وَقَدْ رَمَى فِي يَوْمِهِ فَإِنَّ إحْرَامَهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَا يَطُوفُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَطَوَافُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ أَنْ طَافَ وَسَعَى أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَلْيَقْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَيُهْدِي. قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَيَكُونُ خَارِجَ الْحَرَمِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَلَا يَدْخُلُ الْحَرَمَ لِأَنَّ دُخُولَهُ الْحَرَمَ سَبَبُ عَمَلِهَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا وَقَدْ فَعَلَ أَمْرًا مَمْنُوعًا مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ قَدْ تَعَجَّلَ] أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِمَنْ انْصَرَفَ مِنْ مَكَّةَ إلَخْ] وَمُنَاسَبَتُهُ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي قَوْلِهِ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، أَيْ مِنْ إنْجَازِ الْوَعْدِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ} [الفتح: 27] إلَخْ. [قَوْلُهُ: آيِبُونَ إلَخْ] بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَحْنُ آيِبُونَ جَمْعُ آيِبٍ بِوَزْنِ رَاجِعٍ. [قَوْلُهُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ] وَقِيلَ مَعْنَى آيِبُونَ مِنْ الْإِيَابِ، أَيْ رَاجِعُونَ بِالْمَوْتِ إلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَائِبُونَ، أَيْ إلَى اللَّهِ مِنْ الذُّنُوبِ. [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ] أَيْ فَصِلَةُ حَامِدُونَ مَحْذُوفَةٌ وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ آيِبُونَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ] أَيْ فِي وَعْدِهِ وَأَرَادَ بِهِ مَا وَعَدَهُ بِهِ لِإِتْيَانِهِ بِمِنْ الْبَيَانِيَّةِ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّصْرِ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: 3] جَمْعُ حِزْبٍ وَالْحِزْبُ الطَّائِفَةُ مِنْ النَّاسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَحْدَهُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَبَ مِنْ جِهَتِهِمْ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ أَيْ مِنْ فَاعِلِ نَصَرَ أَوْ هَزَمَ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُتَنَازَعًا فِيهِ بِهِمَا لِأَنَّ التَّنَازُعَ لَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُهْمَلَ يَجِبُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ضَمِيرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَيَلْزَمُ وُقُوعُ الضَّمِيرِ حَالًا، وَالضَّمِيرِ مَعْرِفَةً وَالْحَالِ نَكِرَةً. خَاتِمَةٌ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ، قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ وَمِنْ عَلَامَةِ الْمَقْبُولِ أَنْ يَزْدَادَ الشَّخْصُ بَعْدَ

النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَنَزَلُوا بِالْمَدِينَةِ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَهُوَ الرِّيحُ الشَّرْقِيُّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» . وَهُوَ الرِّيحُ الْغَرْبِيُّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ قَوْلُ هَذَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِعْلِهِ خَيْرًا قَالَ الشَّيْخُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ الصَّغَائِرَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْكَبَائِرُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَبِيُّ، وَأَمَّا التَّبِعَاتُ كَالْغَيْبَةِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ فَعِنْدَ الْحَافِظِ تَسْقُطُ وَعِنْدَ الْقَرَافِيُّ لَا، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ فِي الذِّمَّةِ، وَالْكَفَّارَاتُ، وَالدُّيُونُ، وَالْوَدَائِعُ وَنَحْوُهَا مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِلْغَيْرِ فَلَا تَسْقُطُ بِحَجٍّ وَلَا بِغَيْرِهِ، بِإِجْمَاعِ الشُّيُوخِ نَعَمْ، إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِ الْمُسْتَحَقِّ بِمَوْتِهِ أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ فَلْيَلْجَأْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرْجَى مِنْ كَرْمِهِ أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: الْمُشْرِكِينَ] مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ وَمَعَهُمْ الْيَهُودُ مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَظَهَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَحْزَابُ الَّذِي هُوَ جَمْعُ حِزْبٍ بِمَعْنَى الطَّائِفَةِ. [قَوْلُهُ: فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا] بَارِدَةً فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ فَسَفَّتْ التُّرَابَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحَ الصَّبَا وَالْمَلَائِكَةَ، أَيْ فَنَصَرَهُ بِالْأَمْرَيْنِ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَقَلَّعَتْ الْأَوْتَادَ وَقَطَّعَتْ الْأَطْنَابَ وَأَطْفَأَتْ النِّيرَانَ وَأَكْفَأَتْ الْقُدُورَ وَهَاجَتْ الْخَيْلُ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ وَكَبَّرَتْ الْمَلَائِكَةُ فَانْهَزَمُوا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ. فَائِدَةٌ: قَالَ الثَّعَالِبِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ مَسَاكِنَ الرِّيَاحِ تَحْتَ أَجْنِحَةِ الْكُرُوبِيِّينَ حَمَلَةِ الْعَرْشِ فَتَهِيجُ مِنْ ثَمَّ فَتَقَعُ بِعَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتُعِينُ الْمَلَائِكَةَ عَلَى جَرِّهَا ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ عَجَلَةِ الشَّمْسِ فَتَقَعُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ تَهِيجُ مِنْ الْبَحْرِ فَتَقَعُ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ ثُمَّ تَهِيجُ فَتَقَعُ فِي الْبَرِّ، فَأَمَّا الشِّمَالُ فَإِنَّهَا تَمُرُّ بِجَنَّةِ عَدْنٍ فَتَأْخُذَ مِنْ عَرْفِ طِيبِهَا فَتَمُرُّ عَلَى أَرْوَاحِ الصِّدِّيقِينَ وَحَدُّهَا مِنْ كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ. وَأَمَّا الدَّبُورُ فَحَدُّهَا مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ إلَى مَطْلِعِ سُهَيْلٍ، وَأَمَّا الْجَنُوبُ فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ سُهَيْلٍ إلَى مَطْلِعِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا الصَّبَا فَحَدُّهَا مِنْ مَطْلِعِ الشَّمْسِ إلَى كُرْسِيِّ بَنَاتِ نَعْشٍ فَلَا تَدْخُلُ رِيحٌ عَلَى أُخْرَى فِي حَدِّهَا وَمَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ فَهِيَ نَكْبَاءُ وَالْجَنُوبُ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ، وَفِيهَا مَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَالشِّمَالُ مِنْ النَّارِ تَخْرُجُ فَتَمُرُّ بِالْجَنَّةِ فَتُصِيبُهَا نَفْحَةٌ مِنْهَا فَبَرْدُهَا مِنْ الْجَنَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ لَوْ حُبِسَتْ الرِّيحُ عَنْ النَّاسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَأَنْتَنَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ «آيِبُونَ تَائِبُونَ» فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَقَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَاضُعًا أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوْ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ حَجٌّ] لَا يَخْفَى أَنَّ تَحَزُّبَ الْمُشْرِكِينَ كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَحَجَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا.

[باب في الضحايا]

بَابٌ فِي الضَّحَايَا] (بَابٌ فِي) حُكْمِ (الضَّحَايَا) وَصِفَتِهَا (وَ) فِي (الذَّبَائِحِ) أَيْ صِفَةِ الذَّكَاةِ وَبَيَانِ مَا يُذْبَحُ وَمَا يُنْحَرُ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْعَقِيقَةِ) وَصِفَتِهَا (وَ) فِي حُكْمِ (الصَّيْدِ) أَيْ الِاصْطِيَادِ وَتَقْسِيمِهِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْخِتَانِ وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ) وَمَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا، وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ مِنْهَا أَنَّهُ تَرْجَمَ لِلْأَشْرِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ دَاخِلَ الْبَابِ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ وَهُوَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] الْآيَةَ وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فَقَالَ: (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَالْجَمْعُ أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ مَا تَقَرَّبَ بِذَكَاتِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَتَالِيَيْهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَقْتَ الضُّحَى، وَسُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (عَلَى مَنْ اسْتَطَاعَهَا) إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الضَّحَايَا] [قَالُوا: وَصِفَتُهَا] الْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بَابٌ فِي الضَّحَايَا حُكْمًا وَصِفَةً لِمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ وَفِي الذَّبَائِحِ، أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّبَائِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَيْ صِفَةُ الذَّكَاةِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَفِي حُكْمِ الْعَقِيقَةِ إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَيْ الِاصْطِيَادِ] لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالذَّوَاتِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا أَنَّهُ تَرْجَمَ لِلْأَشْرِبَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا] أَيْ وَهُوَ مَعِيبٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَشْرِبَةِ الْمَائِعَاتِ الْمُشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ الْآتِي، وَمَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ مِنْ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عَسَلٍ إلَخْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ هَذَا الْجَوَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْأَشْرِبَةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ سَقَطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ بَابٍ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ، ثَالِثُهَا ع كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْجِهَادَ عَلَى هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَالْأُضْحِيَّةُ سُنَّةٌ هَذَا تَمَامُ التَّنْبِيهَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ] بَلْ اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُشَوَّشُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْمُرَتَّبُ فَفِيهِ فَصْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ أَضَاحِيّ] أَيْ جَمْعُ أُضْحِيَّةٍ وَأَمَّا مُفْرَدُ ضَحَايَا الْوَاقِعُ فِي التَّرْجَمَةِ جَمْعًا فَهُوَ ضَحِيَّةٌ كَفَعِيلَةٍ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهُ عَلَى لُغَتَيْنِ إذْ ذَكَرَ أَوَّلًا جَمْعًا وَلَمْ يَذْكُرْ مُفْرَدَهُ وَذَكَرَ ثَانِيًا مُفْرَدًا وَلَمْ يَذْكُرْ جَمْعَهُ وَذَلِكَ بِأَدْنَى إشَارَةٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ تت، وَزَادَ أَنَّ ثَمَّ مُفْرَدًا وَجَمْعًا أَيْضًا، وَهُوَ أَضْحَاةٌ وَجَمْعُهُ أَضْحَى، كَأَرْطَاةَ وَأَرْطَى قَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَ لُغَاتٍ: أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَالْجَمْعُ أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْضًا، وَالثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا، وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ كَأَرْطَاةَ وَجَمْعُهَا أَرْطَى اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ اللَّفْظَيْنِ الْأَضْحَى وَالضُّحَى، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَيُسَمَّى إلَخْ أَنَّ أَحَدَهُمَا عِلَّةٌ فِي الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ وُجُوبُهَا الَّذِي أَخَذَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ كَانَتْ لَهُ أُضْحِيَّةٌ فَأَخَّرَهَا حَتَّى انْقَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ حُرًّا] فَالْعَبْدُ لَا تُسَنُّ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ اُسْتُحِبَّ. [قَوْلُهُ: مُسْلِمًا] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْكَافِرُ يُخَاطَبُ بِهَا إلَّا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا

ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا غَيْرَ حَاجٍّ بِمِنًى عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ كَالْوَالِدِ وَالْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْتَطِيعِ عَنْ غَيْرِهِ. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالْمُسْتَطِيعُ مَنْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: وَتَحَرَّزْنَا بِالِاسْتِطَاعَةِ مِنْ الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تُجْحِفُ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى شِرَائِهَا وَالشَّرِكَةُ فِيهَا فِي الْأَجْرُ جَائِزَةٌ دُونَ الشَّرِكَةِ فِي ثَمَنِهَا، ابْنُ حَبِيبٍ: وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ وَعَظِيمِ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ إقَامَةَ السُّنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّطَوُّعِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِسَبْعِينَ دِينَارًا : ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُجْزِئُ مِنْهَا وَمَا لَا يُجْزِئُ فَقَالَ: (وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِيهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (مِنْ الْأَسْنَانِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَهُوَ) عَلَى الْمَشْهُورِ (ابْنُ سَنَةٍ وَقِيلَ) هُوَ (ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُرْبَةٌ شَرْطُهَا الْإِسْلَامُ. [قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرًا] إلَّا أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَا الْوَلِيُّ، أَيْ فَيُخَاطَبُ وَلِيُّهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ مَالُ الْيَتِيمِ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ لِمَالِكِيٍّ إنْ كَانَ هُنَاكَ حَنَفِيٌّ بِالْأَوْلَى مِنْ الزَّكَاةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا، وَانْظُرْ هَلْ يُخَاطَبُ بِهَا عَنْ الصَّبِيِّ فِي عَرْضِ قِنْيَةٍ كَكُتُبٍ وَانْظُرْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَالظَّاهِرُ الْحَاكِمُ، لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَمَا فِي الشَّيْخِ الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ حَاجٍّ] وَأَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسَنُّ لَهُ كَانَ بِمِنًى أَوْ بِغَيْرِهَا كَمَا إذَا قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ عَلَى رَمْيِ الْعَقَبَةِ لِأَنَّ سُنَّتَهُ الْهَدْيُ. [قَوْلُهُ: بِمِنًى] أَيْ تُطْلَبُ مِنْ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ حَالَةَ كَوْنِهِ بِمِنًى حَالَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ حَاجٍّ فَأَوْلَى مَنْ كَانَ غَيْرَ قَائِمٍ بِمِنًى حَالَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ حَاجٍّ، لِأَنَّ سُنَّةَ الْحَجِّ الْهَدْيُ. [قَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ تَلْزَمُهُ إلَخْ] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَالْإِنَاثَ حَتَّى تَدْخُلَ بِهِنَّ الْأَزْوَاجُ. اهـ ظَاهِرُهُ سُقُوطُهَا عَنْهُ بِمُجَرَّدِ احْتِلَامِ ابْنِهِ وَلَوْ فَقِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَبِمُجَرَّدِ دُخُولِ الزَّوْجِ بِالْأُنْثَى، وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا جَارِيَةٌ عَلَى النَّفَقَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْبُلُوغِ مَعَ الْعَجْزِ، وَتَعُودُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ، وَانْظُرْ حَاشِيَةَ شَرْحِ الْعِزِّيَّةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَيُضَحِّي عَنْ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَلَا يُخَاطَبُ بِهَا الزَّوْجُ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ خُوطِبَ بِزَكَاةِ فِطْرِهَا لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلنَّفَقَةِ، أَيْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الضَّحِيَّةِ، فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ بِقَيْدِ الْقَرَابَةِ هَذَا مَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَطِيعُ مَنْ لَا تُجْحِفُ بِمَالِهِ] أَيْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهَا فِي عَامِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْفَقِيرِ] أَيْ الَّتِي تُجْحِفُ بِمَالِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْغَنِيَّ تَلْزَمُهُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ مُطْلَقًا بَلْ تُسَنُّ لِلْمُسْتَطِيعِ، وَوَجْهُ مَا قُلْنَا أَنَّ اللُّزُومَ مُرَادِفٌ لِلْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَنْ تُجْحِفُ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يَحْتَاجَ إلَى صَرْفِ ثَمَنِهَا فِي عَامِهِ. تَتِمَّةٌ: زَمَنُ الْخِطَابِ بِهَا هُوَ زَمَنُ فِعْلِهَا وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ فَكُلُّ مَنْ وَجَدَ أَوْ أَسْلَمَ فِيهَا مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ تُسَنُّ فِي حَقِّهِ وَلِأَجْلِهِ فَلَيْسَتْ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ. [قَوْلُهُ: وَالشَّرِكَةُ فِيهَا فِي الْأَجْرِ إلَخْ] لَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُشْرِكَ الْمُضَحِّي جَمَاعَةً مَعَهُ وَهَذِهِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَشْرَكَهُ مَعَهُ قَرِيبًا لَهُ وَلَوْ حُكْمًا لَنْتَدْخُلَ الزَّوْجَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي نَفَقَتِهِ وَأَنْ يَكُونَ سَاكِنًا مَعَهُ إنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ تَبَرُّعًا كَأَخِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ عَمِّهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وُجُوبًا فَيَكْفِي الشَّرْطَانِ الْأَوَّلَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّشْرِيكُ قَبْلَ الذَّبْحِ، وَأَمَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُشْرَكِ بِالْفَتْحِ وَتَصِحُّ عَنْ رَبِّهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ إهْدَاءِ ثَوَابِ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا بَعْدَ فِعْلِهَا لِمَيِّتٍ عَدَمَ طَلَبِ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ وَطُلِبَ الْحَيُّ بِالتَّضْحِيَةِ، ثَانِيهِمَا أَنْ يُشْرِكَ جَمَاعَةً فِي ضَحِيَّةٍ وَلَا يُدْخِلُ نَفْسَهُ مَعَهُمْ، وَهَذِهِ جَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الصُّورَتَيْنِ عَدَدٌ بَلْ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَفَائِدَةُ التَّشْرِيكِ سُقُوطُ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْرَكُ بِالْفَتْحِ مَلِيًّا وَلَا حَقَّ لِلْمُشْرَكِ بِالْفَتْحِ فِي اللَّحْمِ، وَأَمَّا لَوْ شَرَكَ مَعَهُ مَنْ لَمْ يَجُزْ تَشْرِيكُهُ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُجْزِئُ مِنْهَا وَمَا لَا يُجْزِئُ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فَقَالَ: أَيْ شَرَعَ فَقَالَ كَمَا زَادَهَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ إلَخْ] بِأَنْ وَفَّاهَا

[الأضحية من النعم والبقر والغنم]

وَقِيلَ:) هُوَ (ابْنُ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ) . وَاخْتُلِفَ فِي فَهْمِ قَوْلِهِ: (وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ مَا أَوْفَى سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ) فَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ بَيَانَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ إلَخْ وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ بَيَانَ سِنِّهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ حُكْمِهِ لِئَلَّا يَكُونَ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: (وَلَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا مِنْ الْمَعْزِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ إلَّا الثَّنِيُّ) مَا ذَكَرَهُ فِي سِنِّ الثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ هُوَ الْمَشْهُورُ. بَهْرَامُ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ سِنِّ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ لَمْ يَطْعَنْ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الثَّنِيِّ مِنْ الْمَعْزِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَعْنِهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى. (وَالثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ) هَذَا مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ (وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ سِتِّ سِنِينَ) ع: أَيْ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ النَّعَمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَا تَكُونُ مِنْ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا ضَحَّوْا وَأَهْدَوْا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ، وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ النَّعَمِ وَالْأَبُ مِنْ الْوَحْشِ قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ، وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مِنْ الْوَحْشِ وَالْأَبُ مِنْ الْأَنْعَامِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةِ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْبَقَرَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنَمِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا، وَعِنْدَنَا الضَّحَايَا تُخَالِفُ الْهَدَايَا فِي ذَلِكَ. أَمَّا الضَّحَايَا فَأَشَارَ إلَيْهَا الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَفُحُولُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ خُصْيَانِهَا وَخُصْيَانُهَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا) ك: هَكَذَا رِوَايَتُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي بَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا مَا وَتُرَاعَى السُّنُونَ الْقَمَرِيَّةُ وَيُتَمِّمُ شَهْرَ وِلَادَتِهِ الَّذِي وُلِدَ فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَأَقَلُّ إلَخْ] فِيهِ مُسَامَحَةٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ] أَيْ فَيَكُونُ مُسْتَأْنَفًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجْزِئُ فِي الضَّحَايَا إلَخْ] اُنْظُرْ كَيْفَ أَوْقَعَ الظَّاهِرَ مَوْقِعَ الْمُضْمَرِ وَلَا يُقَالُ تَحَرَّزَ مِنْ الْهَدَايَا، لِأَنَّ مَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا وَمَا لَا يَجُوزُ فِي الضَّحَايَا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدَايَا. [قَوْلُهُ: بَهْرَامُ إلَخْ] كَلَامُ بَهْرَامَ مَعَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ الْمُفِيدُ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيَّ مِنْ الْمَعْزِ مَا كَانَ ذَا سَنَةٍ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يُسَوِّ بَيْنَهَا فَإِيرَادُ كَلَامِ بَهْرَامَ هُنَا لَا وَجْهَ لَهُ ثُمَّ يَرِدُ عَلَى بَهْرَامَ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَمَامِ سَنَةِ دُخُولِهِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَمَامُ السَّنَةِ يَوْمَ الْوُقُوفِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ يَوْمُ الْعِيدِ الَّذِي هُوَ يَوْمُ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ أَنَّهُ تَمَّ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَإِذَا كَانَ تَمَامُ السَّنَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وَأَرَادَ الذَّبْحَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ سَنَةً إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي الثَّانِيَةِ الدُّخُولُ الْبَيِّنُ، أَيْ فَالْمَعْزُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا كَالشَّهْرِ بِخِلَافِ الضَّأْنِ فَيَكْفِي مُطْلَقُ دُخُولٍ كَمَا نَصَّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ] أَيْ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابُ، أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَالسِّرُّ فِي إجْزَاءِ الْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَنَّ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ يَصِحُّ أَنْ يُلَقَّحَ، أَيْ يَحْمِلَ دُونَ جَذَعِ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: اُنْظُرْ كَيْفَ قَالَ فِي ثَنِيِّ الْبَقَرِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ وَلَمْ يَقُلْ فِي ثَنِيِّ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّادِسَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَعْنِي أَنَّ الثَّنِيَّ مِنْ الْبَقَرِ مَا أَوْفَى ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ هُوَ مَا أَوْفَى خَمْسَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ فَمَا وَجْهُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ [الْأُضْحِيَّة مِنْ النَّعَم وَالْبَقَر وَالْغَنَم] [قَوْلُهُ: بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ] الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ [قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا الضَّحَايَا إلَخْ] أَيْ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ» ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتْرُكُ الْأَفْضَلَ وَيَفْعَلُ الْأَدْنَى وَالْأَقْرَنُ أَنْ يَكُونَ ذَا قُرُونٍ وَالْأَمْلَحُ مَا كَانَ بَيَاضُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَوَادِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَخْ] هَذَا كُلُّهُ

النُّسَخِ، وَفُحُولُ الضَّأْنِ فِي الضَّحَايَا أَفْضَلُ مِنْ خُصْيَانِهَا، وَخُصْيَانُهَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى لَا يُعْطِي أَنَّ الْفُحُولَ أَفْضَلُ مِنْ الْخُصْيَانِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ مُوَافِقَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَهُوَ أَنَّ الْفَحْلَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَصِيِّ، وَعُلِّلَ بِطِيبِ اللَّحْمِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْهُ فِي الْخِلْقَةِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْخَصِيَّ أَفْضَلُ مِنْ الْفَحْلِ، وَعُلِّلَ بِطِيبِ اللَّحْمِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا تَسَاوَيَا فِي السِّمَنِ، أَمَّا إذَا كَانَ الْخَصِيُّ أَسْمَنُ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. وَلَمْ يَحْكِ الْبَاجِيُّ غَيْرَهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَفْضِيلِ الْخَصِيِّ عَلَى الْأُنْثَى هُوَ الْمَشْهُورُ لِفَضْلِ الذُّكُورِيَّةِ عَلَى الْأُنُوثِيَّةِ وَهَذَا فِي الْخَصِيِّ الْقَائِمِ الْأُنْثَيَيْنِ، أَمَّا إذَا قُطِعَتَا أَوْ خَلِقَ كَذَلِكَ فَتُكْرَهُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ (وَإِنَاثُهَا) أَيْ إنَاثُ الضَّأْنِ (أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْمَعْزِ وَمِنْ إنَاثِهَا) لِطِيبِ اللَّحْمِ (وَفُحُولُ الْمَعْزِ) أَيْ وَخُصْيَانُهَا (أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا وَإِنَاثُ الْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الضَّحَايَا) قِيلَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرِ لِتَقْدِيمِهَا، وَقِيلَ: لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إذْ الْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا، وَظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَشْهُورَانِ قَالَ فِي تَوْضِيحِهِ: وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا خِلَافٌ فِي حَالِ هَلْ هَذَا أَطْيَبُ أَوْ هَذَا؟ وَالظَّاهِرُ طِيبُ الْبَقَرِ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى التَّفْضِيلِ فِي الضَّحَايَا (وَأَمَّا فِي الْهَدَايَا فَالْإِبِلُ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الضَّأْنُ ثُمَّ الْمَعْزُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهَدَايَا تَكْثِيرُ اللَّحْمِ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الضَّحَايَا طِيبُ اللَّحْمِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ صِفَاتٍ تُتَّقَى فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا مَتَى وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهَا لَا تُجْزِئُ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى لَا يُجْزِئُ (فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا (عَوْرَاءُ) ذَهَبَ نُورُ إحْدَى عَيْنَيْهَا وَإِنْ بَقِيَتْ صُورَتُهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى النَّاظِرِ بَيَاضٌ يَسِيرٌ لَا يَمْنَعُهَا أَنْ تُبْصِرَ أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ النَّاظِرِ لَمْ يَمْنَعْ الْإِجْزَاءَ، وَإِذَا لَمْ تُجْزِئُ الْعَوْرَاءُ فَالْعَمَى أَوْلَى (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُجْزِئُ فِيهِمَا (مَرِيضَةٌ) مَرَضًا بَيِّنًا، أَمَّا إذَا كَانَ خَفِيفًا لَا يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ بِتَصَرُّفِ الْغَنَمِ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَمِنْهُ الْبَشَمُ أَيْ التُّخَمَةُ وَالْجَرَبُ الْكَثِيرُ وَسُقُوطُ الْأَسْنَانِ أَوْ جُلِّهَا. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَعُلِّلَ بِطِيبِ اللَّحْمِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ قَدْ عُلِّلَ بِطِيبِ اللَّحْمِ، أَيْ فَيَكُونُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا خِلَافًا فِي حَالِ. [قَوْلِهِ: أَمَّا إذَا كَانَ الْخَصِيُّ أَسْمَنَ فَهُوَ أَفْضَلُ] أَيْ اتِّفَاقًا، أَيْ وَكَذَا إذَا كَانَ الْفَحْلُ أَسْمَنَ فَهُوَ أَفْضَلُ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَهَلْ خَصِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ أُنْثَى أَوْ أَفْضَلُ مِنْ اثْنَتَيْنِ قَوْلَانِ تت. قَالَ عج: مُقْتَضَى كَوْنِ الْمُرَاعَى فِي الضَّحَايَا طِيبُ اللَّحْمِ تَرْجِيحُ، الْقَوْلِ الثَّانِي بَلْ مُقْتَضَاهُ فَضْلُهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي الْخَصِيِّ الْقَائِمِ الْأُنْثَيَيْنِ] أَيْ الْمَقْطُوعِ الذَّكَرِ الْقَائِمِ الْأُنْثَيَيْنِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قُطِعَتَا] أَيْ الْأُنْثَيَانِ مَعَ الذَّكَرِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الشَّيْخِ. [قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ ذُكُورِ الْمَعْزِ وَمِنْ إنَاثِهَا] أَيْ وَفُحُولُ الْمَعْزِ أَفْضَلُ مِنْ خُصْيَانِهَا وَخُصْيَانُهَا أَفْضَلُ مِنْ إنَاثِهَا. [قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ الْإِبِلِ إلَخْ] أَيْ وَذَكَرُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ أُنْثَاهُمَا فَالْمَرَاتِبُ اثْنَا عَشَرَ أَعْلَاهَا فَحْلُ الضَّأْنِ وَأَدْنَاهَا أُنْثَى الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَفْضَلِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْبَقَرَ أَطْيَبُ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ. [قَوْلُهُ: خِلَافٌ] أَيْ وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ فِي حَالِ. [قَوْلِهِ: هَلْ هَذَا] بَيَانٌ لِلْخِلَافِ فِي حَالٍ، فَالْحَالُ هُوَ الْأَطْيَبِيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ الضَّحَايَا طِيبُ اللَّحْمِ] أَيْ لِإِدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَى الْأَهْلِ قَالَ بَهْرَامُ وَالْحُجَّةُ لَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرُ هَدَايَاهُ الْإِبِلَ وَضَحَّى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِكَبْشَيْنِ كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى لَا تُجْزِئُ] أَيْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: ذَهَبَ نُورُ إحْدَى عَيْنَيْهَا] أَيْ أَوْ مُعْظَمُ نُورِ إحْدَى عَيْنَيْهَا وَلَوْ بَقِيَتْ الْحَدَقَةُ. [قَوْلُهُ: مَرَضًا بَيِّنًا] وَهِيَ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ مَعَهُ تَصَرُّفَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَرَضَ الْبَيِّنَ يُفْسِدُ اللَّحْمَ. [قَوْلُهُ: أَيْ

يُجْزِئُ فِيهِمَا (الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ضَلَعُهَا) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، وَرُوِيَ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَيْ عَرَجُهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَلْحَقُ الْغَنَمَ أَمَّا إنْ كَانَ الْعَرَجُ لَا يَمْنَعُهَا أَنْ تَسِيرَ بِسَيْرِهِمْ فَلَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُجْزِئُ فِيهِمَا (الْعَجْفَاءُ) وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ تَبَعًا لِابْنِ حَبِيبٍ: هِيَ (الَّتِي لَا شَحْمَ فِيهَا) وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هِيَ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَهَذِهِ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ مَجْمَعٌ عَلَيْهَا وَبِهَا وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِنْ الْعُيُوبِ إذَا كَثُرَ أَمْ لَا؟ وَالْمَشْهُورُ الْقِيَاسُ وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّيْخُ، فَقَالَ: (وَيُتَّقَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا (الْعَيْبُ كُلُّهُ) إذَا كَانَ كَثِيرًا، وَيُغْتَفَرُ الْيَسِيرُ. وَيَعْنِي بِذَلِكَ الْخَرْقَاءُ وَهِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنُ، وَالْمُقَابَلَةُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا وَتُرِكَ مُعَلَّقًا، وَالْمُدَابَرَةُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ أُذُنِهَا مِنْ جِهَةِ قَفَاهَا، وَالشَّرْقَاءُ وَهِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا) أَيْ وَلَا يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا (الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّقُّ يَسِيرًا) وَهُوَ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ (وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ) أَيْ قَطْعُ الْأُذُنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا فِيهَا فَيَجُوزُ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ فَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْبَاجِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ الْأُذُنِ يَسِيرٌ وَذَهَابَ ثُلُثِ الذَّنَبِ كَثِيرٌ لِأَنَّ الذَّنَبَ لَحْمٌ وَعَصَبٌ وَالْأُذُنَ طَرَفُ جِلْدٍ لَا تَكَادُ تَسْتَضِرُّ بِهِ وَنَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى أَنَّ ذَهَابَ ثُلُثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتُّخَمَةُ] مِنْ الْأَكْل غَيْرِ الْمُعْتَادِ أَوْ الْكَثِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ بِهَا، وَإِذَا كَانَ مَرَضًا بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ بَيِّنًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَرَضُ النَّاشِئُ عَنْ التُّخَمَةِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهِ بَيِّنًا وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا إسْهَالٌ. فَائِدَةٌ: ذُكِرَ فِي الْمِصْبَاحِ التُّخَمَةُ وِزَانُ رُطَبَةٍ وَالْجَمْعُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَالتُّخَمَةُ بِالسُّكُونِ لُغَةٌ وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَخَامَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْجَرَبُ الْكَثِيرُ] أَيْ الْبَيِّنُ. [قَوْلُهُ: وَسُقُوطُ الْأَسْنَانِ أَوْ جُلِّهَا] يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ نِصْفُهَا لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمُحَصَّلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَتْ سِنٌّ وَاحِدَةٌ أَوْ كُسِرَتْ فَتُجْزِئُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا أَزْيَدَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَلَا تُجْزِئُ حَيْثُ كَانَ لِغَيْرِ إثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ وَإِلَّا فَتُجْزِئُ وَلَوْ الْجَمِيعُ، وَانْظُرْ لَوْ كَثُرَ مِنْ سِنَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَعْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ هَلْ هُوَ كَكَسْرِ السِّنَّيْنِ بِغَيْرِ إثْغَارٍ أَوْ كِبَرٍ فَلَا يُجْزِئُ أَوْ لَا؟ . [قَوْلُهُ: الْمُشَالَةُ] أَيْ الْمُرْتَفِعَةُ. [قَوْلُهُ: الْعَجْفَاءُ] بِالْمَدِّ. [قَوْلُهُ: هِيَ الَّتِي لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا] أَيْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عِظَامِهَا الْمُخُّ تُجْزِئُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَحْمٌ زَادَ تت، ثُمَّ الشَّحْمُ يَذْهَبُ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُخُّ. [قَوْلُهُ: وَبِهَا وَرَدَ الْحَدِيثُ] أَيْ وَهُوَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَرْبَعَةٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» . [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] وَعَلَيْهِ مَشَى الشَّيْخُ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ فَهُمَا قَائِلَانِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ، وَعَلَّلَ تت الْمَشْهُورُ، فَقَالَ لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْعَرَجُ فَقَطْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَحْرَى، وَإِذَا مَنَعَ الْعَوَرُ فَالْعَمَى أَعْظَمُ فَيَلْحَقُ بِهَا ذَلِكَ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى، وَمِنْ ذَلِكَ الْجُنُونُ الْبَيِّنُ وَجُنُونُ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَقْدُ الْإِلْهَامِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةَ الْأُذُنَيْنِ جِدًّا فَكَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِغَيْرِ أُذُنٍ، فَإِنْ كَانَتْ صَمَّاءَ جِدًّا فَإِنَّهَا تُجْزِئُ وَالْمُرَادُ بِجِدًّا بِحَيْثُ يَقْبُحُ بِهِ الْخِلْقَةُ. [قَوْلُهُ: الْخَرْقَاءُ] وَهِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ الَّتِي فِي أُذُنِهَا خَرْقٌ مُسْتَدِيرٌ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ تَرَادُفُ الْخَرْقَاءِ وَالشَّرْقَاءُ [قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَذَهَابُ ثُلُثِ الذَّنَبِ كَثِيرٌ] أَيْ فَأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الذَّنَبَ لَحْمٌ وَعَصَبٌ] هَذَا فِي ذَنَبِ الْغَنَمِ الَّتِي لَهَا أَلْيَةٌ كَبِيرَةٌ، وَأَمَّا نَحْوُ الثَّوْرِ وَالْجَمَلِ وَالْغَنَمِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ مِمَّا لَا لَحْمَ وَلَا شَحْمَ فِي ذَنَبِهِ، فَاَلَّذِي يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ مِنْهُ مَا يُنْقِصُ الْجَمَالَ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالثُّلُثِ، وَمِمَّا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ الْبَخَرُ وَهُوَ تَغْيِيرُ رِيحِ الْفَمِ لِتَنْقِيصِهِ الْجَمَالَ وَتَغْيِيرِهِ اللَّحْمَ حَيْثُ كَانَ عَارِضًا، لَا مَا كَانَ أَصْلِيًّا وَكَذَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ الْبَكَمُ وَهُوَ فَقْدُ الصَّوْتِ مِنْ الْحَيَوَانِ، إلَّا لِعَارِضٍ كَالنَّاقَةِ بَعْدَ حَمْلِهَا فَلَا يَضُرُّ وَكَذَا عَدَمُ اللَّبَنِ لَا قِلَّتُهُ فَلَا تَمْنَعُ.

الْأُذُنِ كَثِيرٌ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ ع. (وَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ إنْ كَانَ) الْقَرْنُ (يُدْمِ) يَعْنِي لَمْ يَبْرَأْ (فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ) يَكُنْ (يُدْمِي) بِأَنْ بَرِئَ (فَذَلِكَ جَائِزٌ) وَنَحْوُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُهَا انْكَسَرَ مِنْ أَعْلَاهُ أَوْ مِنْ أَصْلِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ نَقْصًا فِي الْخِلْقَةِ وَلَا فِي اللَّحْمِ لِأَنَّ النِّعَاجَ لَا قَرْنَ لَهَا، وَمَا فَسَّرْنَا بِهِ قَوْلَهُ: يُدْمِي قَالَ ع هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّمِ عَلَى بَابِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَسِيلُ مِنْهُ الدَّمُ فَلَا يُجْزِئُ وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ فَيَجُوزُ وَهَذَا بَعِيدٌ وَمَا اسْتَبْعَدَهُ مَشَى عَلَيْهِ ك (وَلْيَلِ الرَّجُلُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ نَحْرَهَا) وَكَذَلِكَ هَدْيُهُ (بِيَدِهِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَّلَ مُسْلِمًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ فَإِنْ وَكَّلَ تَارِكَ الصَّلَاةِ كُرِهَ وَتُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ وَكَّلَ كَافِرًا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ تُجْزِهِ. ج: ظَاهِرُ قَوْلِهِ الرَّجُلُ أَنَّ الصَّغِيرَ وَالْمَرْأَةَ لَا يَذْبَحَانِ لِأَنْفُسِهِمَا بَلْ يَسْتَنِيبَانِ غَيْرَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ بِاتِّفَاقٍ وَفِي الْمَرْأَةِ قَوْلَانِ ع: الْأَفْضَلُ أَنْ تَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهَا بِيَدِهَا وَابْتِدَاءُ زَمَنِ ذَبْحِ النَّاسِ وَنَحْرِهِمْ الْأُضْحِيَّةَ (بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ) مَا يُذْبَحُ (أَوْ نَحْرُهُ) مَا يُنْحَرُ (يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَذَبْحُ الْإِمَامِ يَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ ع] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي لَمْ يَبْرَأْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِدْمَاءِ سَيَلَانُ الدَّمِ فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْفَاكِهَانِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِدْمَاءِ سَيَلَانُ الدَّمِ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ إلَخْ] مُقَابِلُهُ الْإِجْزَاءُ مِنْ طَرَفِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ] وَمِنْ لَازِمِ الْجَوَازِ الْإِجْزَاءُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا بَعِيدٌ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَيَحْصُلَ بِهِ الضَّعْفُ [قَوْلُهُ: وَلْيَلِ إلَخْ] لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ بَلْ مُحْتَمِلًا لَأَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِفِعْلِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ رُفِعَ ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ بِقَوْلِهِ بِيَدِهِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَيُكْرَهُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ. [قَوْلُهُ: اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ فَإِنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بِيَدِهِ أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوَاضُعِ. [قَوْلُهُ: وَكَّلَ مُسْلِمًا] الْوَكَالَةُ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ مَثَلًا وَكَّلْتُك، وَيَقْبَلُ الْآخَرُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ عَادَةً لَكِنْ إنْ كَانَ الذَّابِحُ قَرِيبًا لِلْمُضَحَّى عَنْهُ أَوْ صَدِيقًا مُلَاطِفًا أَوْ جَارًا قَائِمًا بِحَقِّ الْجِوَارِ أَوْ عَبْدًا أَوْ غُلَامًا أَوْ أَجِيرًا وَلَهُ عَادَةٌ بِالْقِيَامِ بِأُمُورِهِ فَتُجْزِئُ. فَإِنْ كَانَ لَا عَادَةٌ أَوْ عَادَةٌ لَا قُرْبَةٌ وَنَحْوُهَا فَفِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ تَرَدُّدٌ، فَإِذَا انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَلَا تُجْزِئُ مِنْ رَبِّهَا قَطْعًا. [قَوْلُهُ: وَتُجْزِئُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الذَّبْحَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ رَبِّهَا، أَمَّا لَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ غَالِطًا أَنَّهَا أُضْحِيَّتَهُ لَمْ تَجُزْ عَنْ رَبِّهَا اتِّفَاقًا وَلَا عَنْ الذَّابِحِ عَلَى الْمَشْهُورِ تَنْبِيهٌ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَكَّلَ تَارِكَ الصَّلَاةِ إعَادَةُ الضَّحِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الضَّحِيَّةُ الَّتِي ذَبَحَهَا تَارِكُ الصَّلَاةِ مُجْزِئَةً. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَمُقَابِلُهُ لَا تُجْزِئُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى كُفْرِهِ أَفَادَ ذَلِكَ تت. [قَوْلُهُ: لَمْ تُجْزِهِ] أَيْ وَتَصِيرُ شَاةَ لَحْمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيًّا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ كَانَ كِتَابِيًّا حَلَّ أَكْلُهَا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ الرَّجُلُ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُقَالُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. [قَوْلُهُ: بَلْ يَسْتَنِيبَانِ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ بِاتِّفَاقٍ هَذِهِ طَرِيقَةٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُنْدَبُ ذَبْحُهَا بِيَدِهِ وَلَوْ صَبِيًّا أَطَاقَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَهْتَدِ لِذَلِكَ إلَّا بِمُرَافِقٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُرَافِقَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُمْسِكَهُ بِطَرَفِ الْآلَةِ وَيُهْدِيهِ الْجَزَّارُ بِأَنْ يُمْسِكَ الْجَزَّارُ رَأْسَ الْحَرْبَةِ وَيَضُمَّهُ عَلَى الْمَنْحَرِ أَوْ الْعَكْسِ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا اسْتَنَابَ وَيُنْدَبُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَ نَائِبِهِ. [قَوْلُهُ: الْأَفْضَلُ] تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمُقَابِلُهُ، وَهُوَ لِابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا الْأَظْهَرُ مَنْعُ ذَبْحِهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ لِنَحْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَزْوَاجِهِ فِي الْحَجِّ اهـ. وَأَرَادَ بِالْمَنْعِ الْكَرَاهَةَ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ] أَيْ أَوْ قَدْرِهِ إنْ لَمْ يَذْبَحْ وَإِذَا ذَبَحَ أَهْلُ الْمُسَافِرِ عَنْهُ رَاعَوْا إمَامَهُمْ دُونَ إمَامِ بَلَدِ الْمُسَافِرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ بِالذَّبْحِ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ ضَحِيَّةً خَتَمَ الْأَوْدَاجَ وَالْحَلْقَ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَا إذَا ابْتَدَأَ

النَّحْرِ يَكُونُ (ضَحْوَةً) وَهُوَ وَقْتُ حِلِّ النَّافِلَةِ، وَمَا قَالَهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يَخْرُجُ لَهَا الْإِمَامُ وَالنَّاسُ ضَحْوَةً، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَاكَ مَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ طُلُوعُ الشَّمْسِ، أُجِيبَ بِأَنَّ ضَحْوَةً عِنْدَهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعَلَى مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَأَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ (وَ) كَذَا (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ أَوْ يَنْحَرَ) لَمْ تُجْزِهِ (أَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ الْإِمَامِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ خَرَجَ الْإِمَامُ بِأُضْحِيَّتِهِ إلَى الْمُصَلَّى أَمْ لَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ خَرَجَ بِأُضْحِيَّتِهِ إلَى الْمُصَلَّى هَذَا حُكْمُ مَنْ لَهُمْ إمَامٌ. (وَ) أَمَّا (مَنْ لَا إمَامَ لَهُمْ فَلْيَتَحَرَّوْا صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ وَذَبْحَهُ) فَيَذْبَحُونَ حِينَئِذٍ فَلَوْ تَحَرَّوْا ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُمْ أَجْزَأَهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ تَحَرَّى الْفَجْرَ فَرَكَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَهُ مُطْلَقًا وَكَذَا إذَا ابْتَدَأَ بَعْدَهُ وَخَتَمَ مَعَهُ أَوْ قَبْلَهُ احْتِيَاطًا لَا أَنْ خَتَمَ بَعْدَهُ فَتُجْزِئُ ضَحِيَّةً، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَبْحَهُ لَا يُجْزِئُهُ ضَحِيَّةً، وَانْظُرْ إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَتَبِعُوهُ فِي ذَبْحِ مَا يُجْزِئُهُمْ فَهَلْ يَكْتَفِي بِذَبْحِهِمْ لِأَنَّهُمْ ذَبَحُوا بَعْدَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يُسَنُّ تَضْحِيَتُهُمْ ثَانِيًا أَوْ لَا لِأَنَّهُمْ ذَبَحُوا قَبْلَ ذَبْحِهِ الْمُعْتَبَرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ] أَيْ فَلَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَيَدْخُلُ وَقْتُ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ لِحِلِّ النَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: ضَحْوَةً] جَعَلَهُ خَبَرًا لَكَانَ الْمَحْذُوفَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَذْفٍ فِي الْعِبَارَةِ أَيْ ضَحْوَةً بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاتِهِ وَخُطْبَتِهِ. تَنْبِيهٌ: إذَا عُلِمَ أَنَّ ذَبْحَ غَيْرِ الْإِمَامِ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يُبْرِزَ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى لِيَرَى النَّاسُ ذَبْحَهُ، وَلَوْ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ جَازَ وَكَانَ صَوَابًا فَتَرْكُ الْإِمَامِ إبْرَازَهَا مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ] أَيْ كَوْنُهَا مُشْتَرَكَةٌ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَهُ أَيْ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا اشْتِرَاكٌ بَلْ نَقْلٌ لِأَنَّهَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَقْتُ حِلِّ النَّافِلَةِ [قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ ذَبَحَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِذَا مَنْ ذَبَحَ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلُ، بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ إذَا ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ لَا يُجْزِئُ، فَأَوْلَى قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَوْلُهُ: قَبْلُ، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ مَعَهُ يَصِحُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَعَادَ أُضْحِيَّتَهُ] بِشَرْطِ تَأْخِيرِ ذَبْحِهِ بَعْدَ ذَبْحِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ صَلَّى الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِمَامِ] الْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفَسِّرًا] هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الصَّوَابُ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مُفَسِّرًا لِهَذَا لَا أَنَّ هَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا أَخْرَجَ الْإِمَامُ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى سَوَاءٌ عَلِمَ الَّذِي ذَبَحَ قَبْلَهُ بِإِبْرَازِهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ أَخْرَجَ أُضْحِيَّتَهُ إلَى الْمُصَلَّى، فَإِنَّ غَيْرَهُ يَتَحَرَّى قَدْرَ ذَبْحِهِ بِمَنْزِلِهِ وَيَذْبَحُهُ وَيُجْزِئُهُ ذَبْحُهُ وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ذَبَحَ قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَتَحَرَّوْا صَلَاةَ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ] حَدَّ بَعْضُهُمْ الْقُرْبَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَنَارِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَأْتِي لِصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا بَعُدَ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَلَا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّ الضَّحِيَّةَ تَبَعٌ لِلصَّلَاةِ. [وَقَوْلُهُ: صَلَّاهُ إلَخْ] لَوْ قَالَ ذَبَحَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَحَرَّوْنَ ذَبْحَهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَمَنْ لَهُمْ إمَامٌ وَلَيْسَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ فَيَظْهَرُ أَنْ يَتَحَرَّوْا وَقْتَ فَرَاغِ ذَبْحِهِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ وَصَلَاتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ لَهُ ضَحِيَّةٌ، وَكَذَا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ إمَامٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَتَحَرَّوْا ذَبْحَهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَحَرَّوْا ذَبْحَ إمَامِهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ لَهُمْ إمَامٌ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى بِالتَّحَرِّي. [قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ حَكَاهُ بَهْرَامُ فِي الْوَسَطِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ

ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَكَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ إعَادَةَ الْأُضْحِيَّةِ مِمَّا يَشُقُّ بِخِلَافِ إعَادَةِ الْفَجْرِ. ع: وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ إمَامَ الصَّلَاةِ أَوْ إمَامَ الطَّاعَةِ قَوْلَانِ، وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَاهِرُهُ الْأَوَّلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَاهِرُهُ الثَّانِي، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمَامُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الْخَلِيفَةُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. (وَمَنْ ضَحَّى بِلَيْلٍ) فِي لَيْلَةِ الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ (أَوْ أَهْدَى لَمْ يُجْزِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فَذَكَرَ الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِي، وَالْمُرَادُ بِاللَّيَالِيِ هُنَا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَمِنْ ضَحَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ بِخِلَافِ مَنْ ضَحَّى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ (وَأَيَّامُ النَّحْرِ) عِنْدَ مَالِكٍ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ. (يُذْبَحُ فِيهَا) مَا يُذْبَحُ (أَوْ يُنْحَرُ) مَا يُنْحَرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ زَمَنِ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ مِنْ ضَحْوَةِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَذَبْحِهِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَ (إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا) أَيْ مِنْ آخِرِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ. (وَأَفْضَلُ أَيَّامِ النَّحْرِ) لِلْأُضْحِيَّةِ (أَوَّلُهَا) لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ (وَمَنْ فَاتَهُ الذَّبْحُ) أَوْ النَّحْرُ (فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَى الزَّوَالِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى مَا قَالَ التَّادَلِيُّ، وَنَقَلَهُ بَهْرَامُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا تَقِفُ عَلَيْهِ الْآنَ (يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ إلَى ضُحَى الْيَوْمِ الثَّانِي) بَهْرَامُ: لَا خِلَافَ أَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْهُ أَفْضَلُ مِمَّا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَوْ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّانِي أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. (وَلَا يُبَاعُ) عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ (شَيْءٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ) الَّتِي تُجْزِئُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَكَذَا كُلُّ مَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْهَدْيِ وَالْعَقِيقَةِ، وَبُنِيَ الْفِعْلُ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمُضَحِّي وَغَيْرُهُ مِنْ مُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ وَمَوْهُوبٍ لَهُ وَوَارِثٍ وَقَوْلُهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهُمْ ظَاهِرُهُ الْأَوَّلُ] أَقُولُ: وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِأَنَّ إمَامَ الطَّاعَةِ لَا يَتَعَدَّدُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] الْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِحَقِيقِيٍّ وَأَنَّ كُلًّا مِنْ صَاحِبِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ بِقَوْلِ الْآخَرِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إمَامُ الصَّلَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ اخْتِلَافِهِمَا. تَتِمَّةٌ: يَنْبَغِي اعْتِبَارُ إمَامِ حَارَتِهِ السَّاكِنِ بِهَا، وَإِنْ صَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ فِي غَيْرِهَا أَوْ فِيهَا كَمَجِيءِ نَائِبٍ عَنْهُ بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَارَتِهِ إمَامٌ فَيَتَحَرَّى أَقْرَبَ إمَامٍ فِي أَقْرَبِ الْحَارَاتِ إلَى حَارَتِهِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا إمَامٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ] كَالْبَاشَا. [قَوْلُهُ: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ] أَيْ وَكَذَا بَعْدَ طُلُوعِهَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَيَّامُ النَّحْرِ] أَوْ الذَّبْحِ لِلضَّحِيَّةِ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ] وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَرْبَعَةٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ ضَحْوَةٍ] أَيْ ابْتِدَاءَ ضَحْوَةٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ ابْتِدَاءَ] ضَحْوَةٍ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ وَلِأَنَّ فِيهِ الْمُبَادَرَةَ إلَى الْقُرْبَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الرِّسَالَةِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: تَأَمَّلَ مَا نَسَبَهُ لِلرِّسَالَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ] وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِمَّا بَعْدَهُ حَتَّى أَنَّ الْقَابِسِيَّ أَنْكَرَ رِوَايَةَ ابْنِ حَبِيبٍ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ أَوَّلَ الثَّانِي مِنْ فَجْرِهِ إلَى زَوَالِهِ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ أَيَّامِ النَّحْرِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ آخِرِ الثَّانِي، وَأَوَّلِ الثَّالِثِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُبَاعُ عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] وَلَوْ بِمَاعُونٍ كَمُنْخُلٍ وَغِرْبَالٍ، وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبُيُوتِ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الضَّحِيَّةِ فِي حَيَاتِهَا وَجِلْدِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا كَمَا تَجُوزُ إجَارَةُ كَلْبِ الصَّيْدِ. [قَوْلُهُ: مِنْ مُتَصَدَّقٍ عَلَيْهِ] لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ بَيْعُهَا، وَلَوْ عَلِمَ الْمُتَصَدِّقُ بِالْكَسْرِ أَنَّ الْمِسْكِينَ يَبِيعُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَذَا الْمَهْدِيُّ لِوَجْهِهِ. [قَوْلُهُ:

(جِلْدٌ وَلَا غَيْرُهُ) دَاخِلٌ فِي شَيْءٍ صَرَّحَ بِهِ إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْجِلْدِ، وَقَيَّدَ كَلَامَهُ بِاَلَّتِي تُجْزِئُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِضَحِيَّةٍ وَبِبَعْدِ الذَّبْحِ احْتِرَازًا مِنْ قَبْلِ الذَّبْحِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالذَّبْحِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ الذَّبْحِ فَقَالَ: (وَتُوَجَّهُ الذَّبِيحَةُ) فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا (عِنْدَ الذَّبْحِ، إلَى الْقِبْلَةِ) اسْتِحْبَابًا إجْمَاعًا عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، فَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ أَوْ نِسْيَانًا أُكِلَتْ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِيَسَارِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ مَنْدُوبًا، وَيُسْتَحَبُّ ضَجْعُهَا عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْسَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْسَرَ فَعَلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ لِلضَّرُورَةِ، ابْنُ الْمَوَّازِ: وَلَا يَجْعَلُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ. (وَلْيَقُلْ الذَّابِحُ) عِنْدَ الذَّبْحِ (بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) وَهَذَا أَعْنِي الْجَمْعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ هُوَ الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ، أَمَّا التَّكْبِيرُ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، سَاقِطَةٌ مَعَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] فَلَمْ يَشْتَرِطْ سِوَى مُجَرَّدِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا: وَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعُهُ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتِرَازًا مِنْ الَّتِي لَا تُجْزِئُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِضَحِيَّةٍ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ بِأَنْ ذُبِحَتْ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ تَعَيَّبَتْ حَالَةُ الذَّبْحِ أَيْ قَبْلَ تَمَامِ فَرْيِ أَوْدَاجِهَا وَحُلْقُومِهَا أَوْ تَعَيَّبَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ، كَمَا لَوْ أَصَابَهَا عَجَفٌ أَوْ عَمًى أَوْ عَوَرٌ يُرِيدُ وَذَبَحَهَا عَالِمًا بِالْعَيْبِ وَبِحُكْمِهِ نَاوِيًا الْقُرْبَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ لَحْمُهَا. أَمَّا إنْ لَمْ يَذْبَحْهَا فَهِيَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِ يَصْنَعُ بِهَا مَا يَشَاءُ أَوْ ضَحَّى شَاةً وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّهَا سَلِيمَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ بِهَا عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَوْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَتَبَيَّنَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ لَحْمِهَا وَلَا جِلْدِهَا وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مَحَلَّ الْقُرَبِ وَالْقُرَبُ لَا تَقْبَلُ الْمُعَاوَضَاتِ [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ الذَّبْحِ احْتِرَازًا مِنْ قَبْلِ الذَّبْحِ] أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ الْبَيْعُ قَبْلَ الذَّبْحِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالذَّبْحِ] وَقِيلَ: تَتَعَيَّنُ بِالتَّسْمِيَةِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ يُعْطَى مِنْهَا الْقَابِلَةُ وَالْفَرَّانُ فَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَالْحُكْمُ فِيهِ يُفْسَخُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُبَاعُ قَائِمًا وَأَمَّا لَوْ فَاتَ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْعِوَضِ أَوْ بِبَدَلِهِ إنْ فَاتَ حَيْثُ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُضَحِّيَ أَوْ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَيْثُ صُرِفَ الْعِوَضُ فِيمَا يَلْزَمُ الْمُضَحِّي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَصَرَفَهُ الْبَائِعُ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُضَحِّي، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: وَتُوَجَّهُ الذَّبِيحَةُ] فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَالتَّاءُ فِيهِ لِنَقْلِ الِاسْمِ عَنْ الْوَصْفِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَرَكَ عَمْدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا أُحِبُّ أَنْ تُؤْكَلَ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجْعَلُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهَا] أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ] قَالَ الدَّمِيرِيُّ: إنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ [قَوْلُهُ: بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ] لَا يُشْتَرَطُ بِاسْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَجْزَأَ بَلْ فِي كَلَامِ سَنَدٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ مُقْتَصِرًا عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ أَجْزَأَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يُلَاحِظْ لَهُ خَبَرًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ ذِكْرُ اللَّهِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ الْعَزِيزِ أَوْ الْخَالِقِ فَلَا يَكْفِي كَذَا أَفَادَهُ عج وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ مُفَادُ سَنَدٍ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَ. [قَوْلُهُ: أَمَّا التَّكْبِيرُ فَسُنَّةٌ] الْمَذْهَبُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ وَالطَّرِيقَةُ تَشْمَلُ السُّنَّةَ وَالْمُسْتَحَبَّ. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَكْلِ

يَقُولُهَا. (وَإِنْ زَادَ) الذَّابِحُ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ (فِي) ذَبْحِ (الْأُضْحِيَّةِ) أَوْ الْهَدْيِ أَوْ النُّسُكِ أَوْ الْعَقِيقَةِ (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) قِيلَ: اسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا بِمَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقِيلَ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ. (وَمَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ تُؤْكَلْ) هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا فَرْضٌ مَعَ الذِّكْرِ سَاقِطَةٌ مَعَ النِّسْيَانِ (وَكَذَلِكَ) مَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ (عِنْدَ إرْسَالِ الْجَوَارِحِ) أَوْ رَمْيِ السَّهْمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُصَادُ بِهِ (عَلَى الصَّيْدِ) فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ لَمْ يُؤْكَلْ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] وَلَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ فِيهَا وَفِي قَوْلِهِ: (وَلَا يُبَاعُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ وَالنُّسُكِ لَحْمٌ وَلَا جِلْدٌ وَلَا وَدَكٌ) أَيْ دُهْنٌ (وَلَا عَصَبٌ) أَيْ عُرُوقٌ (وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ) مِثْلُ الْقَرْنِ وَالشَّعْرِ وَالصُّوفِ تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَلَا يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ. ع: يَحْتَمِلُ تَكْرَارُهُ لِذِكْرِ الْعَقِيقَةِ وَالنُّسُكِ، وَيَحْتَمِلُ تَكْرَارُهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَيَأْكُلُ الرَّجُلُ) يُرِيدُ أَوْ غَيْرُهُ (مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهَا أَفْضَلُ لَهُ) يَحْتَمِلُ عَوْدُ الْفَضْلِ عَلَى التَّصَدُّقِ خَاصَّةً، وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشُّرْبِ] مُفَادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ تَعْذِيبٌ، وَذَهَبَ بَعْضٌ إلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِمَا تَعْذِيبًا. [قَوْلُهُ: أَوْ النُّسُكُ] هِيَ الْفِدْيَةُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ] هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَوْلَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَقِيلَ: بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ فَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ. وَالدُّعَاءُ مَنْدُوبٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك فِي ذَبْحِ الضَّحِيَّةِ فَيُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا إذَا كَانَ قَائِلُهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِ التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ] أَيْ وَاسْتَمَرَّ نَاسِيًا حَتَّى فَرَغَ مِنْ ذَكَاتِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ] مُتَهَاوِنًا أَوْ لَا تَرَكَهَا إمَّا ابْتِدَاءً وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى أَنْفَذَ مَقَاتِلَ الْحَيَوَانِ أَوْ بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ إنْ نَسِيَهَا ابْتِدَاءً وَتَذَكَّرَهَا فِي الْأَثْنَاءِ وَتَرَكَهَا، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ ابْتِدَاءً ثُمَّ قَبْلَ إنْفَاذِ الْمَقْتَلِ سَمَّى فَيَنْبَغِي الْإِجْزَاءُ، وَأَمَّا لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نِسْيَانًا وَتَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ بِهَا وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ إنْ أَتَى بِهَا وَسَكَتَ عَنْ تَرْكِهَا جَهْلًا وَتَهَاوُنًا، وَمِنْهُ مَنْ يَكْثُرُ نِسْيَانُهُ لَهَا وَالْحُكْمُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ كَتَرْكِهَا عَمْدًا، وَأَمَّا عَجْزًا أَوْ مُكْرَهًا فَتُؤْكَلُ إلْحَاقًا لَهُ بِالنِّسْيَانِ، وَسَكَتَ عَنْ نِيَّةِ الذَّكَاةِ وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ مُطْلَقًا أَيْ لَا بِقَيْدِ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْمُرَادُ نِيَّةُ الْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ التَّحْلِيلَ وَلَا التَّقَرُّبَ، وَمَحِلُّ وُجُوبِ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ إذَا كَانَ الْمُذَكِّي مُسْلِمًا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَكَاتِهِ نِيَّةٌ وَلَا تَسْمِيَةٌ كَذَا قَالَهُ عج. وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ: إنَّ نِيَّةَ الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْهَا حَتَّى فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَمَّا نِيَّةُ التَّقَرُّبِ فَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ أَجَازَ تَرْكَ التَّسْمِيَةِ مَعَ الْعَمْدِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَوَارِحِ عَلَى الصَّيْدِ] أَوْ عِنْدَ رَمْيِهِ بِالرُّمْحِ أَوْ السَّهْمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا لَمْ تُؤْكَلْ. [قَوْلُهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ] أَيْ فَكُلُوا مِنْ الصَّيْدِ الَّذِي أَمْسَكَتْهُ الْجَوَارِحُ لِأَحَدِكُمْ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَخْ] أَصْلُ الْكَلَامِ لِابْنِ عُمَرَ فَقَدْ قَالَ: عَكْسَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ فِي إرْسَالِ الْجَوَارِحِ عَلَى الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الذَّبِيحَةِ نَصٌّ، وَلَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَبَيْنَ. [قَوْلُهُ: وَيَتَصَدَّقُ مِنْهَا] عَلَى الْفُقَرَاءِ أَيْ وَيُهْدِي مِنْهَا لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ فَقَدْ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى اسْتِحْبَابِ جَمْعِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَكْلُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِعْطَاءُ بِغَيْرِ حَدٍّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ اثْنَيْنِ لَمْ يَحْصُلْ الِاسْتِحْبَابُ. وَكَذَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا خَالَفَ الْمُسْتَحَبَّ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُ الْفَضْلِ عَلَى التَّصْدِيقِ خَاصَّةً ضَعِيفٌ، وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ فَأَفْضَلُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ

الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] قَوْله تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] الْقَانِعَ الْفَقِيرَ. وَقِيلَ: مَنْ لَا يَسْأَلُ وَالْمُعْتَرُّ الزَّائِرُ الْمُتَعَرِّضُ لِمَا يَنَالُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَيُكْرَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ وَلَيْسَ لِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُطْعَمُ حَدٌّ، وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَأْكُلَ الْأَقَلَّ وَيُطْعِمَ الْأَكْثَرَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى مَنْعِ إطْعَامِ الْكَافِرِ مِنْهَا مُطْلَقًا كِتَابِيًّا كَانَ أَوْ مَجُوسِيًّا وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ أَفْضَلُ لَهُ. (وَلَا يَأْكُلُ) الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ (مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى) الْمُتَرَتِّبَةِ فِي ذِمَّتِهِ إذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا (وَ) كَذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مِنْ (جَزَاءِ الصَّيْدِ) الَّذِي تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَحِلَّهُ (وَ) كَذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مِنْ (نَذْرِ الْمَسَاكِينِ) الْغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بَعْدَ مَحِلِّهِ (وَ) كَذَلِكَ لَا يَأْكُلُ (مِمَّا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ) كَفِدْيَةِ الْأَذَى قَبْلَ بُلُوغِ مَحِلِّهَا، وَجَزَاءُ الصَّيْدِ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَنَذْرُ الْمَسَاكِينِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، وَمَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ مَحِلِّهِ وَهَدْيِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَهَدْيِ الْفَسَادِ، وَكُلُّ هَدْيٍ لَزِمَ لِنَقْصِ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهَدْيِ عَدَمُ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحْذُوفٍ أَيْ وَذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ [قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأَكْلِ وَالتَّصَدُّقِ] أَيْ وَالْإِهْدَاءُ. [قَوْلُهُ: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ} [الحج: 28]] الَّذِي أَصَابَهُ بُؤْسٌ أَيْ شِدَّةٌ الْفَقِيرُ الَّذِي أَضْعَفَهُ الْإِعْسَارُ. [قَوْلُهُ: الْقَانِعُ الْفَقِيرُ] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَسْأَلُ أَمْ لَا. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ مَنْ لَا يَسْأَلُ أَيْ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ. [قَوْلُهُ: لِمَا يَنَالُ] أَيْ لِمَا يَأْخُذُهُ وَالْمَاضِي نَالَ . [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ] أَيْ أَوْ أَكْلُ الْجَمِيعِ أَوْ إهْدَاءُ الْجَمِيعِ. [قَوْلُهُ: أَوْ يُطْعِمُ] أَيْ يُعْطِي إهْدَاءً أَوْ تَصَدُّقًا. [قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ] أَيْ وَالْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ وَهْبٍ مِنْ قَصْرِ الْمَنْعِ عَلَى الْمَجُوسِ دُونَ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مَنْعٍ أَرَادَ بِهِ الْكَرَاهَةَ أَفَادَ هَذَا عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تَنْبِيهٌ مَحِلُّ كَرَاهَةِ إطْعَامِ الْكَافِرِ إذَا انْقَلَبَ إلَى مَنْزِلِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ أَكَلَ بِبَيْتِ رَبِّهَا فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْإِطْعَامِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ] يُشِيرُ إلَى أَنَّ فَاعِلَ يَأْكُلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ هَدْيٌ] أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفِدْيَةَ تَسَمُّحًا. [قَوْلُهُ: إذَا بَلَغَتْ مَحِلَّهَا] هَذَا إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا بِأَنْ قَلَّدَهَا أَوْ أَشْعَرَهَا فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا سَوَاءٌ بَلَغَتْ الْمِحَنَ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: الْغَيْرُ الْمُعَيَّنُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ لَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ مَحَلِّهِ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَحَلَّ هُوَ مِنًى إنْ وَقَفَ بِهَا وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ مَكَّةَ إنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا أَوْ خَرَجَتْ أَيَّامَ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْأَكْلَ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى الْفِدْيَةَ وَالْجَزَاءَ كَفَّارَةً وَالْإِنْسَانُ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَفَّارَتِهِ، وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ فِي الثَّالِثِ لِجَعْلِهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ لَهُمْ فَيَأْكُلَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعَيَّنًا فَإِنْ جُعِلَ لِلْمَسَاكِينِ امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهُ قَبْلُ لَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: لَا يَأْكُلُ مِمَّا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ مَحِلِّهِ] أَيْ لِاتِّهَامِهِ عَلَى عَطَبِهِ. [قَوْلُهُ: كَفِدْيَةِ الْأَذَى إلَخْ] إنَّمَا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ قَبْلَ الْمَحِلِّ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ. [قَوْلُهُ: وَمَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ] إنَّمَا جَازَ بَعْدَ الْمَحَلِّ لِعَدَمِ الِاتِّهَامِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّمَتُّعُ إلَخْ] أَيْ فَهَدْيُ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَتَعَدِّي الْمِيقَاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ هَدْيٍ وَجَبَ لِنَقْصِ شَعِيرَةٍ يَجُوزُ مِنْهُ الْأَكْلُ مُطْلَقًا قَبْلَ الْمَحِلِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْبَدَلَ وَبَعْدَ الْمَحِلِّ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَمِثْلُهُ كَمَا قُلْنَا الْهَدْيُ الْمَضْمُونُ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ لِلْمَسَاكِينِ لَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةٌ: قِسْمٌ لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نَذْرُ الْمَسَاكِينِ الْمُعَيَّنِ وَالْفِدْيَةُ الَّتِي لَمْ تُجْعَلْ هَدْيًا، وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ الْمَجْعُولِ لِلْمَسَاكِينِ وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا وَجَبَ لِنَقْصِ شَعِيرَةٍ، وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ بَعْدُ وَيَحْرُمُ قَبْلُ وَهُوَ هَدْيُ

[أحكام الذكاة]

ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الذَّكَاةِ فَقَالَ: (وَالذَّكَاةُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ) جَمِيعِهِ (وَ) قَطْعُ جَمِيعِ (الْأَوْدَاجِ) أَيْ الْوَدَجَيْنِ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ عَنْ الْمُثَنَّى. (وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ بِتَمَامِهِ وَالْأَوْدَاجِ هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ وَشُهِرَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ الْبِسَاطِيِّ، فِي الْعُنُقِ عُرُوقٌ مِنْهَا الْحُلْقُومُ وَهُوَ عِرْقٌ وَاصِلٌ بَيْنَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةِ وَالْفَمِ وَالْأَنْفِ يَجْتَلِبُ بِهِ الْهَوَاءَ الرَّطْبَ وَيَدْفَعُ هَبَّ الْهَوَاءِ الْحَارِّ كَالْمِرْوَحَةِ لِلْقَلْبِ، وَمِنْهَا الْوَدَجَانِ وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ وَيَتَّصِلَانِ بِالدِّمَاغِ، وَمِنْهَا الْمَرِيءُ وَهُوَ عِرْقٌ مُتَّصِلٌ بِالْفَمِ وَالْمَعِدَةِ يَجْرِي فِيهِ الطَّعَامُ مِنْهُ إلَيْهَا انْتَهَى. عِيَاضٌ: الْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهَمْزٌ آخِرُهُ وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ وَلَا يُهْمَزُ مَبْلَعُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْبُلْعُومُ. (وَإِنْ رَفَعَ) الذَّابِحُ (يَدَهُ) عَنْ الذَّبِيحَةِ (بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ ذَلِكَ) الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ (ثُمَّ أَعَادَ يَدَهُ فَأَجْهَزَ فَلَا تُؤْكَلُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَالَ الرَّفْعُ أَوْ لَمْ يَطُلْ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ إذَا طَالَ، وَاخْتُلِفَ إذَا رَجَعَ بِالْقُرْبِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: تَحْرُمُ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تُؤْكَلُ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّ كُلَّ مَا طُلِبَ فِيهِ الْفَوْرُ يُغْتَفَرُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّطَوُّعِ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنِ لَا بِقَيْدِ الْمَسَاكِينِ، وَقِسْمٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ قَبْلُ وَيَحْرُمُ بَعْدُ وَهُوَ نَذْرُ الْمَسَاكِينِ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ وَالْفِدْيَةُ الْمَجْعُولَةُ هَدْيًا وَالْجَزَاءُ وَقَدْ نَظَمَ عج هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ: وَنَذْرُ مَا عُيِّنَ وَالتَّطَوُّعْ ... الْأَكْلُ مِنْ كِلَيْهِمَا مُمْتَنِعْ إنْ كَانَ كُلًّا لِلْمَسَاكِينِ جُعِلْ ... وَكَفِدْيَةِ مَا جُعِلَتْ هَدْيًا نُقِلْ وَامْنَعْهُ مِنْ كِلَيْهِمَا قَبْلُ يَصِلْ ... مَحِلَّهُ أَنَّ مَا لِمِسْكِينٍ جُعِلْ وَبَعْدَهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى ... وَالنَّذْرُ لِلْمِسْكِينِ وَالْجَزَا وَمَا عَدَا هَذِي يَجُوزُ الْأَكْلُ ... مِنْهَا بِلَا قَيْدٍ بِذَا جَاءَ النَّقْلُ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَيْ فِي الَّذِي جُعِلَتْ هَدْيًا. [أَحْكَام الذَّكَاةُ] [قَوْلُهُ: قَطْعُ الْحُلْقُومِ] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْغَلْصَمَةَ لَا تُؤْكَلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي حِيزَتْ حَوْزَتُهَا بِبَدَنِهَا لِأَنَّ الْغَلْصَمَةَ آخِرُ الْحُلْقُومِ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ، فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجَوْزَةِ مَعَ الرَّأْسِ قَدْرُ حَلَقَةِ الْخَاتَمِ أُكِلَتْ، وَأَمَّا لَوْ بَقِيَ لِجِهَةِ الرَّأْسِ قَدْرُ نِصْفِ حَلَقَةٍ فَلَا تُؤْكَلُ عَلَى الرَّاجِحِ. [قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ سَحْنُونَ وَشُهِرَ] وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَطْعِ تَمَامِ الْوَدَجَيْنِ وَنِصْفِ الْحُلْقُومِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عِرْقٌ إلَخْ] وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ زَادَ بَعْضُهُمْ وَالْكَلَامِ وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِالْحَلْقِ. [قَوْلُهُ: وَالرِّئَةُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الرِّئَةُ بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الرِّئَةُ مَوْضِعُ النَّفَسِ وَالرِّيحِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْجَمْعُ رِئَاتٌ. [قَوْلُهُ: وَالْفَمُ] لَعَلَّ الْمُرَادَ وَدَاخِلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَنْفَ بَعْدَ الدِّمَاغِ وَالرِّئَةَ بَعْدَ الْفَمِ. [قَوْلُهُ: كَالْمِرْوَحَةِ] أَيْ أَنَّ هَذَا الْعِرْقَ كَالْمِرْوَحَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَلْبِ يَجْلُبُ الْهَوَاءَ الرَّطْبَ لِلْقَلْبِ وَيَدْفَعُ الْحَارَّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَهَمْزُ آخِرِهِ] أَيْ بِوَزْنِ أَمِيرٍ. وَقَوْلُهُ: وَقَدْ يُشَدَّدُ آخِرُهُ أَيْ بِدُونِ هَمْزٍ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ الْمَرِيءِ أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تُؤْكَلُ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ حَيْثُ كَانَ رَفْعُ يَدِهِ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهَا وَعَادَ عَنْ بُعْدٍ، وَلَوْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ اضْطِرَارًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهَا فَإِنَّهَا نُؤْكَلُ وَلَوْ عَادَ عَنْ بُعْدٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَكَذَا تُؤْكَلُ مَعَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهَا حَيْثُ عَادَ عَنْ قُرْبٍ وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ، وَيَجِبُ مَعَ الْبُعْدِ النِّيَّةُ وَالتَّسْمِيَةُ وَلَوْ كَانَ الْمُتَمِّمُ لِلذَّكَاةِ هُوَ الْأَوَّلُ وَكَذَا مَعَ الْقُرْبِ حَيْثُ كَانَ الْمُتَمِّمُ لِلذَّكَاةِ غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُذَكِّي حَصَلَ لَهُ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ كَاشْتِرَاكِ شَخْصَيْنِ فِي الذَّكَاةِ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ فَيَجُوزُ وَضْعُ شَخْصَيْنِ يَدَهُمَا عَلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ بِآلَةٍ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَذَبْحُهُمَا مَعًا. وَكَذَا فِيمَا يَظْهَرُ إذَا وَضَعَ شَخْصٌ الْآلَةَ عَلَى وَدَجٍ وَالْآخَرُ الْآلَةَ عَلَى الْآخَرِ وَقَطَعَا جَمِيعًا الْوَدَجَيْنِ

التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ، وَالطُّولُ مُقَيَّدٌ بِمَا لَوْ تُرِكَتْ لَمْ تَعِشْ أَمَّا إنْ كَانَتْ حِينَ الرَّفْعِ لَوْ تُرِكَتْ لَعَاشَتْ أُكِلَتْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ ذَكَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. (وَإِنْ تَمَادَى) الذَّابِحُ عَمْدًا (حَتَّى قَطَعَ الرَّأْسَ) مِنْ الذَّبِيحَةِ (أَسَاءَ وَلْتُؤْكَلْ) يَعْنِي وَتُؤْكَلُ وَلَمْ يُرِدْ الْأَمْرَ وَإِذَا أُكِلَتْ مَعَ الْعَمْدِ فَأَحْرَى مَعَ النِّسْيَانِ وَغَلَبَةِ السِّكِّينِ. (وَمَنْ ذَبَحَ مِنْ الْقَفَا) أَوْ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ (لَمْ تُؤْكَلْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالذَّكَاةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَنْفَذَ الْمَقْتَلَ بِقَطْعِ النُّخَاعِ، وَإِذَا أُنْفِذَتْ الْمَقَاتِلُ قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ تُؤْكَلْ، وَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَعَسِرَتْ السِّكِّينُ عَلَى الْوَدَجَيْنِ لِعَدَمِ حَدِّ السِّكِّينِ فَقَلَبَهَا وَقَطَعَ بِهَا الْأَوْدَاجَ مِنْ دَاخِلٍ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَالْبَقَرُ تُذْبَحُ فَإِنْ نُحِرَتْ أُكِلَتْ وَالْإِبِلُ تُنْحَرُ فَإِنْ ذُبِحَتْ لَمْ تُؤْكَلْ) فَالْبَقَرُ يَجُوزُ فِيهَا الْأَمْرَانِ لِأَنَّ لَهَا مَوْضِعَ النَّحْرِ وَمَوْضِعَ الذَّبْحِ وَمَحَلُّ النَّحْرِ اللَّبَّةُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّحْرِ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ الْحُلْقُومِ وَلَا الْوَدَجَيْنِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ اللَّبَّةُ وَهُوَ مَحَلٌّ تَصِلُ مِنْهُ الْآلَةُ إلَى الْقَلْبِ فَيَمُوتُ بِسُرْعَةٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيهَا الذَّبْحُ، وَيُسْتَحَبُّ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً مَعْقُولَةً، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ إذَا ذُبِحَتْ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَحَمَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَحَمَلَهُ غَيْرُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَكْلِهَا) وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا وَقَعَ الذَّبْحُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَمَا لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي مُهْوَاةٍ وَلَمْ يَصِلْ إلَى لَبَّتِهِ فَذُبِحَ فَأَكْلُهُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. (وَالْغَنَمُ تُذْبَحُ فَإِنْ نُحِرَتْ لَمْ تُؤْكَلْ وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُلْقُومَ وَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا رَفَعَ اخْتِيَارًا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ تُؤْكَلْ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ، وَمِثْلُ الرَّفْعِ فِي التَّفْصِيلِ إبْقَاءُ الشَّفْرَةِ عَلَى مَحَلِّ الذَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ إمْرَارٍ. وَقَوْلُنَا وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ فِي رَافِعٍ يَدَهُ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ فَجَعَلُوا مِنْ الْقُرْبِ مَسَافَةَ ثَلَاثِمِائَةِ بَاعٍ. [قَوْلُهُ: أَسَاءَ] أَيْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا، فَقَوْلُهُ وَلْتُؤْكَلْ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ] أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَأْكُلَ إذْ لَوْ تَصَدَّقَ بِهَا لَجَازَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ الْأَمْرَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطْرَحَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ قَطَعَ الْحُلْقُومَ إلَخْ] مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَهَا قَبْلَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ كَذَا قَالَهُ عج لَكِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ نَاظِمَ مُقَدِّمَةِ ابْنِ رُشْدٍ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْأَكْلِ فِيهَا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: لِعَدَمِ حَدِّ السِّكِّينِ إلَخْ] قَالَ بَعْضٌ: اُنْظُرْ لَوْ كَانَتْ حَادَّةً وَالْأَحْوَطُ لَا تُؤْكَلُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَالْبَقَرُ تُذْبَحُ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَالْإِبِلُ تُنْحَرُ] أَيْ وُجُوبًا وَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْفِيلِ وَالزَّرَافَةِ، وَقَوْلُ ابْنِ فُجْلَةَ: إنَّ الزَّرَافَةَ تُذْبَحُ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَهُ عج. وَأَمَّا النَّعَامَةُ فَيَجِبُ ذَبْحُهَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهَا إلَخْ] فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِلنَّعَمِ النَّحْرَ وَمَوْضِعَ الذَّبْحِ فَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ النَّحْرِ اللَّبَّةُ] بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ الطَّعْنُ فِيهَا، وَحِكْمَةُ الذَّكَاةِ إزْهَاقُ الرُّوحِ بِسُرْعَةٍ وَاسْتِخْرَاجُ الْفَضَلَاتِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ] أَيْ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ. [قَوْلُهُ: قَائِمَةً مَعْقُولَةً إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَيُسْتَحَبُّ فِي نَحْرِ الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ قَائِمَةً مُقَيَّدَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَقَائِمَةً مَعْقُولَةَ الْيَدِ الْيُسْرَى، وَانْظُرْ هَلْ يُطْلَبُ قِيَامُ غَيْرِ الْإِبِلِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ نَحْرُهُ أَوْ مِمَّا يَجُوزُ حَيْثُ قَصَدَ نَحْرَهُ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ] أَيْ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى التَّحْرِيمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي مُهْوَاةٍ] وَمِنْ الضَّرُورَةِ عَدَمُ الْآلَةِ وَلَا يُعْذَرُ بِنِسْيَانٍ، وَفِي الْجَهْلِ قَوْلَانِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَهْلِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ الذَّبْحِ فِيمَا يَذْبَحُ وَالنَّحْرُ فِيمَا يَنْحَرُ لَا جَهْلِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا عُذِرَ بِالْجَهْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ دُونَ النِّسْيَانِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ فَقْدِ آلَةِ الذَّبْحِ فِيمَا يُذْبَحُ وَآلَةُ النَّحْرِ فِيمَا يُنْحَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَإِنْ نُحِرَتْ لَمْ تُؤْكَلْ] أَيْ اخْتِيَارًا وَلَوْ

فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَكْلِهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِي مُهْوَاةٍ وَنُحِرَ أُكِلَ اتِّفَاقًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ فِيهَا شَرْعِيَّةٌ غَيْرُ حِسِّيَّةٍ فَقَالَ: (وَذَكَاةُ مَا فِي الْبَطْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْعَامِ إذَا ذُكِّيَتْ فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَصَحَّحَهُ أَنَّ «أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَقَرَةِ وَالنَّاقَةِ، يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَيَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيهِ؟ قَالَ: كُلُوا إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَاشْتَرَطَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ لِذَلِكَ شُرُوطًا وَهُوَ: (إذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ) يُرِيدُ الشَّيْخُ بِتَمَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَمُلَ خَلْقُهُ، وَلَوْ خُلِقَ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ نَقْصُهُ مِنْ تَمَامِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَعُدُولُ الشَّيْخِ عَنْ أَنْ يَقُولَ كَمُلَ شَعْرُهُ أَيْ نَبَتَ شَعْرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا إنْبَاتُ بَعْضِ الشَّعْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، نَعَمْ اُخْتُلِفَ هَلْ يُؤْكَلُ بِنَبَاتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالِ الشُّيُوخِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ شَعْرُ جَسَدِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ إلَى جَوَازِ أَكْلِهِ بِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَهْوًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ لَا حَاجَةَ لَهَا وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ. [قَوْلُهُ: وَنُحِرَ أُكِلَ اتِّفَاقًا] أَيْ فِي لَبَّةٍ لَا فِي غَيْرِهَا لِأَنَّهُ عَقَرَ، وَيُقَالُ هُنَا أَيْضًا وَمِنْ الضَّرُورَةِ عَدَمُ آلَةِ الذَّبْحِ وَلَا يُعْذَرُ بِنِسْيَانٍ وَلَا بِجَهْلٍ بِالْحُكْمِ وَفِي جَهْلِ الصِّفَةِ قَوْلَانِ. قَوْلُهُ: وَذَكَاةُ مَا فِي الْبَطْنِ ذَكَاةُ أُمِّهِ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَفْظُ حَدِيثٍ رُوِيَ بِرَفْعِ ذَكَاةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ أَيْ ذَكَاتُهُ مَحْصُورَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَلَا يَحْتَاجُ لِذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ. [قَوْلُهُ: وَالنَّاقَةُ] أَيْ أَوْ النَّاقَةُ بِدَلِيلِ إفْرَادِ ضَمِيرِ يَنْحَرُهَا، وَالْمُرَادُ أَوْ الشَّاةُ وَقَوْلُهُ: يَنْحَرُهَا أَوْ يَذْبَحُهَا. [قَوْلُهُ: إنْ شِئْتُمْ] التَّعْبِيرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ إعْطَائِهِ لِنَحْوِ هِرَّةٍ لَا إلْقَاؤُهُ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: ذَكَاةُ أُمِّهِ إلَخْ] بِالرَّفْعِ خَبَرُ إنَّ. [قَوْلُهُ: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ] بَقِيَ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ حَيًّا فِي بَطْنِهَا لِوَقْتِ تَذْكِيَتِهَا حَيَاةً مُحَقَّقَةً أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ، وَمِنْ عَلَامَةِ حَيَاتِهِ غَالِبًا إتْمَامُ خَلْقِهِ وَنَبَاتِ شَعْرِهِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ تُحَقِّقُ حَيَاتَهُ فِي بَطْنِهَا إلَى ذَكَاتِهَا وَالشَّكُّ فِيهَا فَتُؤْكَلُ فِيهِمَا بِنُزُولِهِ مَيِّتًا إنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِبَطْنِهَا كَضَرْبِهَا حَتَّى يَمُوتَ بِهَا قَبْلَ ذَكَاتِهَا فَلَا يُؤْكَلُ بِذَكَاتِهَا وَلَوْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِ الْأُمِّ فَيُؤْكَلُ جَنِينُ الْبَقَرِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَوْ كَانَ شَاةً وَعَكْسُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْجَنِينُ كَلْبًا أَوْ حِمَارًا فَلَا يُؤْكَلُ لِحُرْمَةِ نَوْعِهِ كَمَا لَا يُؤْكَلُ جَنِينُ الْحِمَارَةِ أَوْ الْفَرَسِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا يُؤْكَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ نَزَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَتَمَكَّنَّا مِنْ ذَبْحِهِ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ الشَّيْخُ بِتَمَامِ خَلْقِهِ أَنَّهُ كَمُلَ خَلْقُهُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَامِ خَلْقِهِ تَنَاهِي خِلْقَتِهِ وَوُصُولِهَا إلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لِإِكْمَالِ أَطْرَافِهِ فَيُؤْكَلُ نَاقِصَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَبَتَ شَعْرُهُ] كَذَا فِيمَا بِيَدَيَّ مِنْ النُّسَخِ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِكَمُلَ وَهَذَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ، فَالْمُنَاسِبُ إلَى أَيْ عُدُولِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِكَمُلَ إلَى التَّعْبِيرِ بِإِلَى. ثُمَّ أَقُولُ: وَبَعْدُ فَفِي هَذَا الْكَلَامِ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَمَالِ الشَّعْرِ تَنَاهِيهِ فِي الطُّولِ لَا إتْمَامِ نَبَاتِ الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ مُفَادُهُ عَلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِنَبَتَ شَعْرُهُ ظَاهِرٌ فِي نَبَاتِ الْجَمِيعِ لِإِنْبَاتِ الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مُفَادُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] فَلَوْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لِعَارِضٍ اُعْتُبِرَ نَبَاتُ شَعْرِ مِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَلِكَ] أَيْ وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ شَعْرُ رَأْسِهِ أَوْ حَاجِبَيْهِ. وَقَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي، وَأَرَادَ بِبَعْضِ شُيُوخِهِ ابْنَ عَرَفَةَ وَقَوْلُهُ: وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.

[ما لا تعمل فيه الذكاة من الأنعام]

ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ (وَ) هُوَ أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا (الْمُنْخَنِقَةُ بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ وَ) ثَانِيهَا (الْمَوْقُوذَةُ) وَهِيَ الْمَضْرُوبَةُ (بِعَصًا وَشِبْهِهَا) كَالرُّمْحِ وَالْحَجَرِ (وَ) ثَالِثُهَا (الْمُتَرَدِّيَةُ) وَهِيَ السَّاقِطَةُ مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ (وَ) رَابِعُهَا (النَّطِيحَةُ) أَيْ الْمَنْطُوحَةُ الَّتِي صَارَتْ إلَى حَالِ الْيَأْسِ (وَ) خَامِسُهَا (أَكِيلَةُ السَّبُعِ) وَهِيَ الَّتِي ضَرَبَهَا السَّبُعُ وَهُوَ كُلُّ مَا يَتَسَبَّعُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ السَّبُعُ الْمَعْلُومُ (إنْ بَلَغَ ذَلِكَ) الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْهَا (فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ مَبْلَغًا لَا تَعِيشُ مَعَهُ لَمْ تُؤْكَلْ بِذَكَاةٍ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا أَوْ لَا، أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا أَمْ لَا، أَمَّا إنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا فَلَا تُؤْكَلُ لِأَنَّ سَبِيلَهَا سَبِيلُ الْمَيِّتَةِ. وَالْمَقَاتِلُ خَمْسَةٌ انْقِطَاعُ النُّخَاعِ وَهُوَ الْمُخُّ الَّذِي فِي عِظَامِ الرَّقَبَةِ وَالصُّلْبُ، وَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ، وَخَرْقُ الْمُصْرَانِ، وَانْتِشَارُ الْحَشْوَةِ، وَنَثْرُ دِمَاغٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: وَلَوْ نَزَلَ الْجَنِينُ الَّذِي تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَإِنْ كَانَ مُحَقَّقَ الْحَيَاةِ أَوْ مَشْكُوكَهَا وَجَبَتْ ذَكَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَهَّمًا نُدِبَتْ ذَكَاتُهُ فَلَوْ بُودِرَ إلَى ذَكَاتِهِ فَمَاتَ قَبْلَهَا لَمْ يُؤْكَلْ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَيُؤْكَلُ فِي الثَّالِثِ، وَعُلِمَ حُكْمُ الْخَارِجِ مِنْ بَطْنِ الْمُذَكَّى، وَأَمَّا الْخَارِجُ مِنْ جَوْفِ الْحَيِّ أَوْ مِنْ جَوْفِ الْمَيِّتِ حَتْفَ أَنْفِهِ فَمَا خَرَجَ مَيِّتًا لَا يُؤْكَلُ فِيهِمَا وَالْخَارِجُ حَيًّا فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَحْيَا تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا أَوْ وَهْمًا وَتَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِنَّهُ يُذَكَّى وَيُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ شَكًّا أَوْ وَهْمًا أَوْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، وَلَوْ ذُكِّيَ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَعْرُهُ لَا يُذَكَّى وَلَا يُؤْكَلُ، وَلَوْ نَزَلَ حَيًّا وَالْمَشِيمَةُ الْخَارِجَةُ مَعَ الْجَنِينِ الْمَأْكُولِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَيُقَالُ لَهَا السَّلَى وَهُوَ وِعَاءُ الْوَلَدِ فِيهَا خِلَافُ الْأَكْلِ مُطْلَقًا عَدَمُهُ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا: تَتْبَعُ الْوَلَدَ فِي الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ. [مَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ مِنْ الْأَنْعَامِ] [قَوْلُهُ: بِحَبْلٍ وَنَحْوِهِ] كَالْعُودَيْنِ وَالْحَجَرَيْنِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي صَارَتْ إلَى حَالِ الْيَأْسِ] لَا حَاجَةَ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ هُنَا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ إذَا بَلَغَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَتَسَبَّعُ] هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَمَا حَكَاهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ [قَوْلُهُ: الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ] أَيْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَقَوْلُهُ: كُلُّهَا التَّأْكِيدُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَةَ اجْتَمَعَتْ فِي الْوُجُودِ وَوُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْكُلِّ وَأَرَادَ بِالْخَمْسَةِ ذَوَاتَهَا وَبِالْوُجُوهِ صِفَاتِهَا مِنْ تَرَدٍّ وَنَحْوِهِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ إنْ بَلَغَ الْفِعْلُ الْمُتَحَقِّقُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ مِنْ تَحَقُّقِ الْكُلِّ فِي جُزْئِيَّاتِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا أَمْ لَا] فِيهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ إنْ بَلَغَ ذَلِكَ مِنْهَا مَبْلَغًا لَا تَعِيشُ إلَخْ هُوَ مَعْنَى الْإِيَاسِ مِنْ حَيَاتِهَا. [قَوْلُهُ: انْقِطَاعُ النُّخَاعِ] قَالَ الْأُجْهُورِيُّ مُثَلَّثُ النُّونِ. [قَوْلَةُ: وَهُوَ الْمُخُّ] أَيْ الْمُخُّ الْأَبْيَضُ [قَوْلُهُ: عِظَامِ] جَمْعُ عَظْمٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عَظْمٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي عَظْمٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْعَظْمُ قَصَبُ الْحَيَوَانِ الَّذِي عَلَيْهِ اللَّحْمُ جَمْعُهُ أَعْظُمُ وَعِظَامٌ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَالصُّلْبِ] مَعْطُوفٌ عَلَى عِظَامٍ [قَوْلُهُ: وَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ] أَيْ جِنْسِ الْأَوْدَاجِ فَإِبَانَةُ بَعْضِ الْوَدَجِ مِنْ بَعْضٍ مَنْفَذٌ فَالْجَمْعُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَفِي شَقِّ الْوَدَجِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَإِبَانَةِ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ قَوْلَانِ فِي أَنَّهُ مَقْتَلٌ أَوْ غَيْرُ مَقْتَلٍ، وَظَاهِرُ خَلِيلٍ جَرَيَانُ الْخِلَافِ وَلَوْ فِي شَقِّ الْوَدَجِ الْوَاحِدِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَكَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ شَقَّ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ. [قَوْلَةُ: وَخَرْقُ الْمُصْرَانِ] جَمْعُ مَصِيرٍ كَرَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ وَجَمْعُ مَصَارِينَ كَسُلْطَانٍ وَسَلَاطِينِ، وَلَوْ قَالَ: وَثَقْبُ مَصِيرٍ كَانَ أَحْسَنَ أَيْ خَرْقُهُ وَأَحْرَى قَطْعُهُ بِخِلَافِ شَقِّهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الثَّقْبِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ، وَخَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا إذَا خَرَقَ فِي أَعْلَاهُ وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ: [قَوْلُهُ: وَانْتِثَارُ الْحِشْوَةِ] بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَهِيَ كُلُّ مَا حَوَاهُ الْبَطْنُ مِنْ كَبِدٍ وَطِحَالٍ وَقَلْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِنَثْرِهَا تَفَرُّقُ الْأَمْعَاءِ الْبَاطِنِيَّةِ عَنْ مَقَارِّهَا الْأَصْلِيَّةِ لَا خُرُوجُهَا مِنْ الْبَطْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَقَاتِلِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهَا فَتَعِيشُ، وَمِثْلُ نَثْرِهَا كُلِّهَا نَثْرُ بَعْضِهَا. [قَوْلُهُ: وَنَثْرُ دِمَاغٍ] وَهُوَ مَا تَحُوزُهُ الْجُمْجُمَةُ وَشَدْخُ الرَّأْسِ دُونَ انْتِثَارِ الدِّمَاغِ لَيْسَ بِمَقْتَلٍ، وَلَيْسَ بِمَقْتَلٍ خَرْقُ

[أكل المحرم والانتفاع به حين الاضطرار]

فَإِنْ كَانَتْ مَرْجُوَّةَ الْحَيَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي إعْمَالِ الذَّكَاةِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْجُوَّةٍ فَعَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّهَا لَا تُذَكَّى وَلَا تُؤْكَلُ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُذَكَّى وَتُؤْكَلُ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مُتَّصِلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَمَنْ قَالَ بِاتِّصَالِهِ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَإِنْ صَارَتْ الْبَهِيمَةُ مِمَّا أَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ مَيْئُوسًا مِنْ حَيَاتِهَا مَا لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهَا. وَمَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِهِ لَمْ يُجِزْ ذَكَاتَهَا إذَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهَا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عِنْدَهُ لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ. (وَلَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ) وَهُوَ مَنْ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ إذْ الْأَكْلُ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَعُ (أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الْآدَمِيِّ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِهَذَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرَهُ شَهَرَ أَنَّ مَيِّتَةَ الْآدَمِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا. الْبِسَاطِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَمَيْتَةِ غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَلَوْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ وَالْمَيْتَةَ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا خِنْزِيرًا أَكَلَ مِنْهُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَذْكِيَتُهُ وَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرِيطَةِ الدِّمَاغِ، وَرَضُّ أُنْثَيَيْنِ، وَكَسْرُ عَظْمِ صَدْرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَاقِي الْمَتَالِفِ وَثَقْبُ الْكَرِشِ وَشَقُّ الْقَلْبِ، وَمِمَّا يَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَنْتَفِخُ مِنْ أَكْلِ خِلْفَةِ الْبِرْسِيمِ وَيَحْصُلُ الْإِيَاسُ مِنْ حَيَاتِهِ وَكَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي يَبْلَعُ شَيْئًا وَيَقِفُ فِي حَلْقِهِ، وَيَحْصُلُ الْإِيَاسُ مِنْ حَيَاتِهِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ إنْفَاذُ مَقْتَلٍ [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَوْلُهُ: أَنَّهَا تُذَكَّى إلَخْ أَيْ غَيْرِ الْمَرْجُوِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الْمَرْجُوِّ يَشْمَلُ الْمَشْكُوكَ فِي حَيَاتِهِ وَالْمَظْنُونَ عَدَمِ حَيَاتِهِ وَالْمَأْيُوسَ مِنْ حَيَاتِهِ. وَقَوْلُهُ: الْعِبَارَةُ إذَا أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ لَا يُلَائِمُهُ وَلَكِنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ الْآخَرُ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَأْيُوسِ مِنْ حَيَاتِهِ. [أَكْلُ الْمُحْرِم وَالِانْتِفَاع بِهِ حِينَ الِاضْطِرَار] [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ] وَلَوْ ظَنًّا [قَوْلُهُ: مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ غَيْرِ الْآدَمِيِّ] وَلَوْ كَافِرًا وَلَوْ مِمَّا لَا حُرْمَةَ لَهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُحْصَنِ، إمَّا لِأَنَّهُ يُؤْذِي آكِلَهُ أَوْ لِمَحْضِ التَّعَبُّدِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمِثْلُهَا ضَالَّةُ الْإِبِلِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلنَّجَاةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَلَا يُؤْكَلُ ابْنُ آدَمَ وَلَوْ مَاتَ. [قَوْلُهُ: الْبِسَاطِيُّ] مُقَابِلٌ لِمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] لِأَنَّ تِلْكَ الرُّخْصَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِالسَّفَرِ الْمُسْتَنِدِ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ هَلْ هُوَ مِنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَلَعَلَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ أَنَّهَا عَلَى الثَّانِي بَاقِيَةٌ عَلَى النَّجَاسَةِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا لِلْآكِلِ فَيَغْسِلُ فَمَهْ وَيَدَهُ لِلصَّلَاةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَغْسِلُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الطَّاهِرِ [قَوْلُهُ: وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً] أَيْ مَيْتَةَ غَيْرِ الْآدَمِيِّ. وَقَوْلُهُ: وَخِنْزِيرًا أَيْ مُذَكًّى، وَإِنْ كَانَتْ الذَّكَاةُ لَا تَعْمَلُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى كَانَ مَيْتَةً، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمَيْتَةَ عَلَى الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَيْتَةُ لِوَصْفِهَا أَيْ بِالْمَوْتِ وَمَا أُنِيطَ الْحُكْمُ بِذَاتِهِ أَشَدُّ مِمَّا أُنِيطَ بِهِ لِوَصْفِهِ اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ قَصْرَ الْمَيْتَةِ عَلَى مَيْتَةِ الْمُبَاحِ، وَقَرَّرَهُ عج بِشُمُولِهِ لِغَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يُرَادَ الْوَصْفُ الْحَاصِلُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مُبَاحِ الْأَكْلِ مَأْخُوذٌ فِي مُقَابِلِ التَّحْرِيمِ الذَّاتِيِّ، وَعَلَّلَهُ بَهْرَامُ نَقْلًا عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا تَحِلُّ حَيَّةً أَيْ وَلَوْ عَلَى قَوْلٍ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْخِنْزِيرُ لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ: أَكْلُ الْمَيْتَةِ أَيْ وُجُوبًا. [قَوْلُهُ: وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ إلَخْ] أَيْ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ الْمُضْطَرُّ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الصَّيْدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَادَهُ مُحْرِمٌ وَإِنْ ذَبَحَهُ غَيْرُهُ أَوْ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ أَوْ أَعَانَهُ عَلَى ذَبْحِهِ، وَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ عَمَّا لَوْ كَانَ الْمُضْطَرُّ حَلَالًا وَصَادَ مُحْرِمٌ صَيْدًا وَذَبَحَهُ حَلَالٌ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَيْتَةِ [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ تَذْكِيَتُهُ وَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ] قَالَ التَّتَّائِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَى ذَكَاتِهِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُفِيدُ فِي الْمُحَرَّمِ الْأَكْلَ. وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَذْكِيَتُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَمَحَلُّ كَوْنِهِ

تَنْبِيهٌ: اُنْظُرْ بِأَيِّ مَعْنًى اسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا ع: قِيلَ مَا قَالَهُ خِلَافُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: أَكْلُهَا وَاجِبٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ كَانَ عَاصِيًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَطْلَقَ لَا بَأْسَ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ إبَاحَةٌ بَعْدَ الْحَظْرِ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ قَالَ لَا بَأْسَ. (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ (يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ) مِنْ الْمَيْتَةِ إذَا خَافَ الْعَدَمَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ك: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا طَرَحَهَا) وَقَالَ الْبِسْطَامِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّهُ يَتْبَعُ الظَّنَّ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمُبَاحَ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ إلَى حَالَتِهِ هَذِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَجِدُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى مِثْلِهَا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ظَنٌّ احْتَاطَ. تَتْمِيمٌ: وَيُبَاحُ لَهُ أَيْضًا شُرْبُ كُلِّ مَا يَرُدُّ عَطَشًا كَالْمِيَاهِ النَّجِسَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَّا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا لِإِسَاغَةِ الْغُصَّةِ وَهِيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ، فَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا إذْ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ الْعَطَشَ. وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا عَلَى صِفَتِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ عَيْنُهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ. (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ الظَّاهِرُ أَنْ لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ أَيْ وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ (إذَا دُبِغَ) بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَدِّمُ الْمَيْتَةَ عَلَى الْخِنْزِيرِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَيْتَةُ مُتَغَيِّرَةً يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا فَيُقَدِّمُ عَلَيْهَا الْخِنْزِيرَ، وَإِذَا وَجَدَ خِنْزِيرًا وَصَيْدَ الْمُحْرِمِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْخِنْزِيرِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْمَيْتَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فِي الْخِنْزِيرِ وَكَذَا يُقَدِّمُ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ تَنْبِيهٌ مَحَلُّ جَوَازِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ طَعَامَ الْغَيْرِ وَإِلَّا قَدَّمَهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ضَالَّةَ الْإِبِلِ وَلَمْ يَخَفْ الْقَطْعَ أَوْ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ فِيمَا لَا قَطْعَ فِيهِ، فَإِذَا أَكَلَ مِنْ طَعَامِ الْغَيْرِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْقَطْعِ أَوْ الضَّرْبِ فَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ مِنْ غَيْرِ شِبَعٍ وَتَزَوُّدٍ وَعَلَيْهِ الْمَوَّاقُ. وَقِيلَ: يَشْبَعُ لَا يَتَزَوَّدُ وَعَلَيْهِ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَةِ إلَخْ] أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوُجُوبَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] خِلَافًا لِخَلِيلٍ حَيْثُ قَالَ: وَلِلضَّرُورَةِ مَا يَسُدُّ وَإِذَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ سَاغَ لَهُ الْأَكْلُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهَا. وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ حَتَّى يَجِدَ غَيْرَهَا مِمَّا يَحِلُّ لَهُ وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَإِذَا تَزَوَّدَ مِنْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ ثُمَّ لَقِيَ مَيْتَةً تُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ طَرَحَهُ، وَأَخَذَ الْمَيْتَةَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ الْآتِي وَقَدَّمَ الْمَيِّتَ عَلَى خِنْزِيرٍ كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إلَى حَالَتِهِ هَذِهِ] أَيْ إلَى مِثْلِ حَالَتِهِ هَذِهِ، وَالْمُشَارُ لَهُ حَالَتُهُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِنْ الِاضْطِرَارِ، وَقَوْلُهُ احْتَاطَ أَيْ بِالشِّبَعِ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا] أَيْ كَمَا الْوَرْدُ النَّجِسُ [قَوْلُهُ: إلَّا الْإِسَاغَةَ الْغُصَّةَ إلَخْ] وَيُصَدَّقُ فِي شُرْبِهِ لِغُصَّةٍ إنْ كَانَ مَأْمُونًا، وَأَوْلَى مَعَ قَرِينَةِ صِدْقِهِ فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةُ كَذِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ كَعَدَمِ قَرِينَةٍ وَهُوَ مِنْهُمْ كَذَا فِي الشَّيْخِ الزَّرْقَانِيِّ [قَوْلُهُ: وَهِيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ إلَخْ] هَذَا الضَّبْطُ لِلْفَاكِهَانِيِّ قَالَ: إنَّمَا ضَبَطْتهَا لِأَنِّي رَأَيْت بَعْضَ النَّاسِ يَقْرَؤُهَا بِفَتْحِ الْغَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَأَمَّا الْجُوعُ] ذَكَرَ الْجُوعَ تَوَسُّعًا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ فِي الشُّرْبِ [قَوْلُهُ: بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ الْعَطَشَ] هَلْ زِيَادَةُ الْعَطَشِ أَكْثَرِيَّةً فَتَكُونُ " رُبَّ " لِلتَّكْثِيرِ أَوْ قَلِيلَةً فَتَكُونُ لِلتَّقْلِيلِ يُسْأَلُ عَنْهَا شُرَّابُهَا. [قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا عَلَى صِفَتِهَا] لِخَبَرِ «لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ، أَيْ وَالْأَقَلُّ عَلَى الْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا] أَيْ إلَّا جِلْدَ الْآدَمِيِّ لِشَرَفِهِ [قَوْلُهُ: بِمَا يُزِيلُ شَعْرَهُ] لَا يُشْتَرَطُ إزَالَةُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى مَا هُوَ

يُزِيلُ شَعْرَهُ وَرِيحَهُ وَدَسَمَهُ وَرُطُوبَتَهُ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ وَبِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقٍ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الدَّبْغَ يُفِيدُ فِي جِلْدِ كُلِّ مَيِّتَةٍ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي جِلْدِ الْخِنْزِيرِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ طَهَارَتَهُ عَامَّةٌ فِي الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ سَحْنُونَ وَغَيْرِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ طَهَارَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِالْيَابِسَاتِ وَالْمَاءُ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْمَائِعَاتِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ. (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَلَا فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلَا يُبَاعُ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ دُبِغَ، وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فِيهِ قَبْلَ الدَّبْغِ كَانَ جَرْحُهُ فِي شَهَادَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ الدَّبْغِ فَلَا يَجْرَحُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ وَيُرَدُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ فَاتَ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَغَرِمَ الْمُبْتَاعُ قِيمَةَ الْجِلْدِ أَنْ لَوْ كَانَ جَائِزَ الْبَيْعِ. (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ) لَا بَأْسَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ أَيْ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ (عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ) ج: مَا ذَكَرَهُ هُوَ كَذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ كُلَّ مَا ذُكِّيَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) كَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِ (بَيْعِهَا) أَيْ بَيْعِ جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ. (وَيُنْتَفَعُ بِصُوفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَدَسَمُهُ وَرُطُوبَتُهُ] الظَّاهِرُ أَنَّ زَوَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَازِمٌ لِذَهَابِ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ قَبْلَ الدَّبْغِ] وَلَوْ فِي الْيَابِسَاتِ [قَوْلُهُ: مُقَيَّدَةٌ بِالْيَابِسَاتِ] لِأَنَّ الْيَابِسَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيُخَزَّنُ فِي الْجُلُودِ الْقَمْحُ وَالْفُولُ، وَلَا يُطْحَنُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَنْفَصِلَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيَدْخُلُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لُبْسُهُ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِ الْمَائِعَاتِ] فَلَا يَجُوزُ وَضْعُ سَمْنٍ فِيهِ لِضَعْفِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَإِذَا وَجَدَ النِّعَالَ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ الرِّجْلَ إذَا تَوَضَّأَ عَلَيْهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ عِنْدَنَا بِالدَّبْغِ وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا إهَابٍ أَيْ جِلْدٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» فَالْمُرَادُ الطَّهَارَةُ اللُّغَوِيَّةُ بِمَعْنَى النَّظَافَةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَطَهُرَ يَجُوزُ فِي الْهَاءِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ] أَيْ الْجِلْدِ أَفْهَمَ فَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْجِلْدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ طَوِيلٌ بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْجِلْدَ سَتْرًا قَوِيًّا فَإِنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ الشَّعْرَ عِنْدَنَا طَاهِرٌ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ جِلْدُ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَالْخَيْلِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَفِيهَا بِشَرْطِ الدَّبْغِ لِأَنَّهَا صَارَتْ بَعْدَ الدَّبْغِ طَاهِرَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُدْبَغْ فَلَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] هَذَا الْخِلَافُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْبَيْعِ فِي الْمَدْبُوغِ لَا فِي غَيْرِهِ، وَنَصَّ الْفَاكِهَانِيُّ ثُمَّ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ طَاهِرٌ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَجَائِزٌ بَيْعُهُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ طَاهِرٌ طَهَارَةً مَخْصُوصَةً يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: كَانَ جَرْحُهُ فِي شَهَادَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إلَخْ] وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ كَوْنُهُ صَغِيرَةً خِسَّةً وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا قِيلَ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الْخِلَافِ فِيهِ] أَيْ بِوُجُودِ الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ [قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا إلَخْ] دُبِغَ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: وَغَرِمَ الْمُبْتَاعُ قِيمَةَ الْجِلْدِ] هَذَا فِي الْغَيْرِ الْمَدْبُوغِ، وَأَمَّا الْمَدْبُوغُ فَيَمْضِي بِالثَّمَنِ أَيْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ] أَيْ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ لِيَشْمَلَ الْفِيلَ وَالذِّئْبَ وَالثَّعْلَبَ وَالضَّبُعَ، وَبَيَّنَ شَرْطَ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: إذَا ذُكِّيَتْ أَيْ وَلَوْ بِالْعَقْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَبْحِهِ إذَا ذُكِّيَتْ لِجِلْدِهَا وَأَوْلَى إذَا ذُكِّيَتْ لَهُمَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ عج مِنْ أَنَّ الذَّكَاةَ تَتَبَعَّضُ. [قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِّيَ الْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ] أَيْ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِّيَ وَلَوْ مِنْ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَى جِلْدِهِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تُؤَثِّرُ فِي طَهَارَتِهِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الذَّبَائِحِ: فَيَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ مِنْ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا تُؤْكَلُ أَوْ لَا تُؤْكَلُ كَالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ إذَا ذُكِّيَتْ طَهُرَتْ عَلَى كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهَا وَمَنْعِهَا، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ هُوَ مَا قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ

الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا) بَعْدَ الْجَزِّ اتِّفَاقًا عَامًّا مِنْ الْبَيْعِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَ بَيَّنَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: شَعْرِهَا دُخُولُ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَقَوْلُهُ آخِرَ الْكِتَابِ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ أَرَادَ بِهِ إلَّا شَعْرَهُ (وَ) كَذَلِكَ (مَا يُنْزَعُ مِنْهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ نُزِعَ مِنْهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلَمْ يُؤْلِمْهَا مِثْلَ رُءُوسِ الرِّيشِ وَرَأْسِ الْقَرْنِ وَالْوَبَرِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَذَا بَعْدَ مَوْتِهَا إلَّا اللَّبَنَ فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ مِمَّا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا يُؤْلِمُهَا. (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ يُغْسَلَ) مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوفِ وَمَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ تُتَيَقَّنْ طَهَارَتُهُ وَلَا نَجَاسَتُهُ، أَمَّا إنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ، وَأَمَّا إنْ تُيُقِّنَتْ نَجَاسَتُهُ وَجَبَ غَسْلُهُ. (وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ الرَّطْبُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَأَعْلَاهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُنْتَفَعُ (بِقَرْنِهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (وَأَظْلَافِهَا وَأَنْيَابِهَا) ظَاهِرُهُ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْحَيَاةَ تُحِلُّهُ (وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ) وَكَذَا عَبَّرَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالذَّبْحِ بَلْ تَصِيرُ مَيْتَةً، فَالذَّكَاةُ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ طَرِيقَةَ الْأَكْثَرِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بَيْعُهَا] أَيْ بَيْعُ الْجُلُودِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى ظُهُورِ السِّبَاعِ قَبْلَ ذَكَاتِهَا بِخِلَافِ جُلُودِ الْغَنَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا عَلَى ظُهُورِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَصِحُّ عَطْفُ بَيْعِهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ لِلسِّبَاعِ لَا لِجُلُودِهَا، وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ شِرَاؤُهَا لِجِلْدِهَا أَوْ عَظْمِهَا وَأَمَّا بَيْعُهَا لِلَحْمِهَا أَوْ لِلَحْمِهَا وَجِلْدِهَا فَمَكْرُوهٌ، وَإِذَا ذُكِّيَتْ لِجِلْدِهَا فَقَطْ فَيُؤْكَلُ لَحْمُهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَبْعِيضِ الذَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْجَزِّ] سَوَاءٌ كَانَ الْجَزُّ قَبْلَ النَّتْفِ أَوْ بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْجَزِّ مَا قَابَلَ النَّتْفَ فَشَمِلَ الْحَلْقَ وَنَحْوَهُ كَالنُّورَةِ قَالَ الْحَطَّابُ: وَانْظُرْ هَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهَا حَالَ اتِّصَالِهَا بِالْمَيْتَةِ قَبْلَ جَزِّهَا بِالطَّهَارَةِ أَوْ بِالنَّجَاسَةِ حَتَّى لَوْ طَالَ الشَّعْرُ أَوْ رِيشُ الْقَصَبَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِ مُصَلٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِنَجَاسَةِ الْمُتَّصِلِ فَقَطْ لَا الْمُمْتَدِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ الطِّرَازِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَ بَيَّنَ إلَخْ] وَأَمَّا مَا جُزَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَأَمَّا مَا جُزَّ بَعْدَ ذَكَاتِهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ بَيَانِهِ كَمَا قَرَّرَهُ عج [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ] وَغَيْرِهِمَا يَقُولُ بِاسْتِثْنَاءِ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ [قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ إلَخْ] إنَّمَا احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُنْتَفَعُ بِمَا يُنْزَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَفِيهِ وَصْفُهَا بِالْمَيْتَةِ مَعَ الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُنْزَعُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّفْسِيرُ يُخَصِّصُ قَوْلَهُ بَعْدُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُؤْلِمْهَا] الْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ فَيَكُونُ جَوَابًا لِلَوْ [قَوْلُهُ: مِثْلُ رُءُوسٍ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ رُءُوسَ الرِّيشِ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجَسٌ وَمِثْلُهُ رُءُوسُ الْقَرْنِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَغْسِلَ مَا ذُكِرَ] وَلَوْ جُزْءًا مِنْ حَيٍّ وَالْمَنْتُوفُ مِنْ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَجِبُ أَنْ يُجَزَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَا يَنْزِعُ مِنْهَا الْحَيَاةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُزِيلُ الِاعْتِرَاضَ وَهُوَ تَخْصِيصُ مَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُؤْلِمُهَا. [قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُطْلَقًا] أَيْ بِجَمِيعِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ [قَوْلُهُ: وَأَعْلَاهُ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ أَعْلَاهُ كَأَسْفَلِهِ فِي النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ الِانْتِفَاعِ، فَأَحْرَى الْوَسَطُ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَصَبَةِ وَأَمَّا الزَّغَبُ فَهُوَ طَاهِرٌ تَنْبِيهٌ: عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالِانْتِفَاعِ وَسَكَتَ عَنْ الطَّهَارَةِ لِفَهْمِهَا مِنْ حِلِّ الِانْتِفَاعِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ نَجِسَ الْعَيْنِ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَعُكِسَ مَعَ الْأَشْيَاءِ النَّجِسَةِ فَسُلِبَ الِانْتِفَاعُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا لِفَهْمِ نَجَاسَتِهَا مِنْ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا. [ظَاهِرُهُ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ] أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ] أَيْ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ

الْمُدَوَّنَةِ. (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَكَذَلِكَ الْقَرْنِ وَالظِّلْفِ وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَالظَّبْيِ وَالظُّفْرِ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ وَالْإِوَزِّ وَالدَّجَاجِ وَالنَّعَامَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْعَظْمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: مَشْهُورُهَا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجِسٌ مِنْ الْمَيْتَةِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ظَاهِرٌ وَقِيلَ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَرَفِهَا وَأَصْلِهَا، وَقِيلَ: إنْ صُقِلَتْ طَهُرَتْ وَإِلَّا فَلَا. (وَمَا مَاتَ فِيهِ فَأْرَةٌ) بِالْهَمْزِ (مِنْ سَمْنٍ) بِسُكُونِ الْمِيمِ (أَوْ زَيْتٍ أَوْ عَسَلٍ) بِتَحْرِيكِ السِّينِ أَوْ وَدَكٍ قَوْلُهُ (ذَائِبٍ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ (طُرِحَ وَلَمْ يُؤْكَلْ) وَلَا يُبَاعُ وَمِثْلُ الْفَأْرَةِ كُلُّ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَاحْتُرِزَ بِهَذَا مِمَّا لَوْ وَقَعَ فِيهِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَمَاتَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسْ وَسَيُصَرِّحُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: ذَائِبٍ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يُطْرَحُ وَلَا يُؤْكَلُ وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا رَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَيْتَةٌ [قَوْلُهُ: وَالظُّفْرُ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْقَرْنِ [قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجُ] فِيهِ نَظَرٌ، إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الدَّجَاجَ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الظُّفْرِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا] أَيْ كَحُمُرِ الْوَحْشِ وَالضَّابِطُ كُلُّ مَا لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْخُفِّ وَلَا مُنْفَرِجَ الْقَائِمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّجَاجَ وَالْعَصَافِيرَ انْفَرَجَتْ قَوَائِمُهَا فَالْيَهُودُ تَأْكُلُهَا كَذَا أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. [قَوْلُهُ: مَشْهُورُهَا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجِسٌ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ طَاهِرٌ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ وَحَكَى الْأَقْوَالَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ بَهْرَامُ فِي الْوَسَطِ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِ نَابِ الْفِيلِ نَجِسًا إذَا كَانَ مَيْتَةً مِثْلُهُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْفِيلِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَحَيْثُ كَانَ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسًا فَالْكَرَاهَةُ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَكْرَهُ الِادِّهَانَ فِي أَنْيَابِ الْفِيلِ وَالْمَشْطَ بِهَا وَالتِّجَارَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا نَابُ الْفِيلِ الْمُذَكَّى وَلَوْ بِالْعَقْرِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالزَّيْتُ وَنَحْوُهُ الْمَوْضُوعُ فِي إنَاءِ الْعَاجِ وَنَحْوُهُ مِنْ كُلِّ عَظْمِ مَيْتَةٍ بَالٍ إنْ كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ يَقِينًا فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ فَلَا يَنْجَسُ مَا وَقَعَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُذَكًّى، وَعَزَاهُ أَبُو الْحَسَنِ لِابْنِ رُشْدٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ لِبَعْضِهِمْ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ. قَالَ: لِأَنَّ عُرْوَةَ وَرَبِيعَةَ وَابْنَ شِهَابٍ أَجَازُوا أَنْ يُمَشِّطَ بِأَمْشَاطِهِ، وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ تُعَارِضُ مُقْتَضَى التَّنْجِيسِ هُوَ جُزْئِيَّةُ الْمَيْتَةِ وَمُقْتَضَى الطَّهَارَةِ وَهُوَ عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ لِأَنَّهُ مِمَّا يُتَنَافَسُ فِي اتِّخَاذِهِ. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْفَرْقِ أَيْ فَالطَّرَفُ طَاهِرٌ وَالْأَصْلُ نَجِسٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ جَارٍ فِي الْعَظْمِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَمَا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ] لَا مَفْهُومَ لِمَوْتِهَا بَلْ وَلَوْ وَقَعَتْ مَيْتَةً، أَمَّا لَوْ وَقَعَتْ حَيَّةً وَأُخْرِجَتْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى جَسَدِهَا نَجَاسَةٌ، وَمِثْلُ مَوْتِ الْفَأْرَةِ فِي الطَّعَامِ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَلَوْ بِمَا يُعْفَى عَنْهُ كَيَسِيرِ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَتْ الْفَأْرَةُ يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا [قَوْلُهُ: مِنْ سَمْنٍ] وَالْمَاءُ الْمُضَافُ حُكْمُ الطَّعَامِ وَالتَّنْجِيسُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي يُمْكِنُ تَحَلُّلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّغْيِيرُ [قَوْلُهُ: أَوْ وَدَكٍ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ. الْوَدَكُ بِفَتْحَتَيْنِ دَسَمُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَهُوَ مَا تَحَلَّبَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُؤْكَلْ] وَأَمَّا الِادِّهَانُ بِهِ فَيُبْنَى عَلَى خِلَافٍ وَهُوَ أَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ] وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَ إزَالَتُهُ أُزِيلَ وَأُكِلَ نَحْوَ السَّمْنِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الطَّعَامِ أُكِلَ مَعَ الطَّعَامِ، وَإِنْ سَاوَى الطَّعَامَ فَقَوْلَانِ الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا حُرْمَةُ أَكْلِهِ لِأَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةً لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ تَمَيَّزَ أُكِلَ الطَّعَامُ دُونَهُ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ فَيُؤْكَلُ فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ إنْ نَوَى ذَكَاتَهُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ شُكَّ فِي قَدْرِهِ حَالَ مَوْتِهِ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَكْلَهُ لِقَاعِدَةِ أَنَّ الطَّعَامَ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ. وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: لَا دُودَ

بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُسْتَصْبَحَ بِالزَّيْتِ الْمُنَجِّسِ وَشِبْهِهِ) كَالْوَدَكِ وَالسَّمْنِ (فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ) كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ (وَ) أَمَّا الْمَسَاجِدُ فَ (لْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ) لِأَنَّهُ نَجِسٌ فَلَا يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِيهَا لِتَنْزِيهِهَا عَنْ النَّجَاسَاتِ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ ذَائِبٍ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ) مَا ذُكِرَ مِنْ السَّمْنِ عُطِفَ عَلَيْهِ (جَامِدًا طُرِحَتْ) الْفَأْرَةُ الَّتِي مَاتَتْ فِيهِ هِيَ (وَمَا حَوْلَهَا وَأُكِلَ مَا بَقِيَ) وَلَهُ بَيْعُهُ وَلَا تَحْدِيدَ فِيمَا يُطْرَحُ مِنْهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ (قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُوسُ الْفُولِ وَالطَّعَامِ وَفِرَاخُ النَّحْلِ فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَانْتَصَرَ لَهُ وَقَوَّاهُ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ] وَكَذَا فِي الْمَسَاجِدِ حَيْثُ كَانَ الدُّخَانُ يَخْرُجُ عَنْهَا [قَوْلُهُ: كَالْبُيُوتِ إلَخْ] أَيْ وَكَالْأَزِقَّةِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَسَاجِدُ فَلْيُتَحَفَّظْ مِنْهُ] أَيْ وُجُوبًا وَكَذَا لَا يُبْنَى بِمُونَةٍ عُجِنَتْ بِزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ وَلَا بِطُوبٍ مُتَنَجِّسٍ، وَلَا يُسْقَفُ بِخَشَبٍ مُتَنَجِّسٍ، فَإِنْ وَقَعَ وَبُنِيَ بِطِينٍ أَوْ مُونَةٍ مُتَنَجِّسَةٍ فَلَا يُهْدَمُ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ تَلْبِيسُ الْأَشْيَاءِ الْمُتَنَجِّسَةِ بِطَاهِرٍ، وَكَمَا يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ يَجُوزُ جَعْلُهُ صَابُونًا وَتُغْسَلُ بِهِ الثِّيَابُ وَتُغْسَلُ بَعْدَهُ بِمُطْلَقِ. [قَوْلِهِ: وَلَهُ بَيْعُهُ] أَيْ إلَّا أَنَّهُ يُبَيِّنُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَكْرَهُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى حَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ] أَيْ بِقَدْرِ شَيْءٍ يَزِيدُ عَلَى الظَّنِّ أَيْ يَزِيدُ إدْرَاكُ كَوْنِ النَّجَاسَةِ سَرَتْ فِيهِ عَلَى الظَّنِّ، أَيْ أَصْلُ الظَّنِّ أَيْ أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ إلَّا الَّذِي ظُنَّ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّ النَّجَاسَةَ سَرَتْ فِيهِ، فَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ مَا وُجِدَ فِيهِ أَصْلُ الظَّنِّ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ سَرَتْ فِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْرَحُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: سَحْنُونٌ] وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ سُمِّيَ سَحْنُونٌ بِاسْمِ طَائِرٍ حَدِيدِ الْبَصَرِ لِحِدَّتِهِ فِي الْمَسَائِلِ. قَالَ سَحْنُونٌ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَجَوَابَاتُ مَالِكٍ تَرِدُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: فَمَا مَنَعَك مِنْ السَّمَاعِ مِنْهُ؟ قَالَ: قِلَّةُ الدَّرَاهِمِ، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: لَحَى اللَّهُ الْفَقْرَ فَلَوْلَاهُ لَأَدْرَكَتْ مَالِكًا فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلَهُ رِحْلَتَانِ وَسَمِعَ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى وَغَيْرِهِمْ. قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: كَانَ سَحْنُونٌ ثِقَةً حَافِظًا لِلْعِلْمِ فَقِيهَ الْبَدَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خِلَالٌ قَلَّمَا اجْتَمَعَتْ فِي غَيْرِهِ، الْفِقْهُ الْبَارِعُ وَالْوَرَعُ الصَّادِقُ وَالصَّرَامَةُ فِي الْحَقِّ وَالزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالتَّخَشُّنُ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ وَالسَّمَاحَةُ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ السُّلْطَانِ شَيْئًا وَرُبَّمَا وَصَلَ أَصْحَابَهُ بِالثَّلَاثِينَ دِينَارًا وَنَحْوِهَا، وَكَانَ مَعَ هَذَا رَقِيقَ الْقَلْبِ غَزِيرَ الدَّمْعَةِ ظَاهِرَ الْخُشُوعِ مُتَوَاضِعًا قَلِيلَ التَّصَنُّعِ كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ حَسَنَ الْأَدَبِ سَالِمَ الصَّدْرِ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. حِكَمٌ مِنْ كَلَامِهِ: قَالَ سَحْنُونٌ لِابْنِهِ مُحَمَّدٍ: يَا بُنَيَّ سَلِّمْ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزْرَعُ الْمَوَدَّةَ، وَسَلِّمْ عَلَى عَدُوِّك وَدَارِهِ فَإِنَّ رَأْسَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ. وَكَانَ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْعِلْمُ بَلْ يَضُرُّهُ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ فِي الْقُلُوبِ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ نَوَّرَ قَلْبَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَأَحَبَّ الدُّنْيَا أَعْمَى حُبُّ الدُّنْيَا قَلْبَهُ وَلَمْ يُنَوِّرْهُ الْعِلْمُ. وَكَانَ يَقُولُ: تَرْكُ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُ الْحَلَالِ لِلَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِهِ وَإِنْفَاقِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ: تَرْكُ دَانِقٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ حَجَّةٍ يَتْبَعُهَا سَبْعُونَ أَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وَأَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِزَادِهَا وَسِلَاحِهَا، وَمِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ فَبَلَغَ كَلَامُهُ هَذَا عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ خَالِدٍ فَقَالَ: نَعَمْ وَأَفْضَلُ مِنْ مِلْءِ الدُّنْيَا إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ ذَهَبًا وَفِضَّةً كُسِبَتْ وَأُنْفِقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا مَا ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ. فِي شَأْنِ سَحْنُونَ بْنِ سَعِيدٍ: الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَنْشُورِ لَهُ الْكَلَامُ الرَّائِقُ وَالْعَجَائِبُ وَالْخَوَارِقُ، فَمِنْهُ مَا قَالَ الْعِلْمُ حُجَّةٌ عَلَى عِبَادِهِ وَالْعُلَمَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَخَيْرُ النَّاسِ عُلَمَاؤُهُمْ، وَمِنْ كَرَامَاتِهِ مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ قَالَ: رَكِبْت الْبَحْرَ مَعَ سَحْنُونَ فَهَاجَ وَخِفْت مِنْهُ فَنِمْت فَرَأَيْت الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ

سَحْنُونٌ) : بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا (إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ إقَامَتُهَا (فِيهِ فَإِنَّهُ يُطْرَحُ كُلُّهُ) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا طَالَ مُقَامُهَا فِي الْجَامِدِ نَفَذَتْ وَانْتَشَرَتْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَدَلِيلُ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحِهِمْ» لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] الْآيَةَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ الذَّبِيحَةُ كُلُّهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ، وَأَمَّا مَنْ يَسْتَحِلُّهَا فَقَالَ الْبَاجِيُّ إنْ ذَبَحَ بِحَضْرَتِك وَأَصَابَ وَجْهَ الذَّكَاةِ جَازَ أَكْلُهَا، وَأَمَّا إنْ غَابَ عَنْهَا فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِ الضَّحَايَا، وَأَمَّا فِي الضَّحَايَا فَلَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ. (وَكُرِهَ أَكْلُ شُحُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِي: أَتَخَافُ أَوْ يَخَافُ أَهْلُ السَّفِينَةِ وَفِيهِمْ سَحْنُونٌ؟ فَاسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا الْبَحْرُ قَدْ سَكَنَ فَكَاشَفَنِي سَحْنُونٌ وَقَالَ: أَمْسِكْ عَلَيَّ مَا رَأَيْت وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا قَالَ بَعْضُهُمْ يَكْفِي أَهْلَ الْمَغْرِبِ قَبْرُ سَحْنُونَ اهـ. [إلَّا أَنْ يَطُولَ مُقَامُهَا] بِحَيْثُ يُظَنُّ السَّرَيَانُ بِجَمِيعِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَتُهَا] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُقَامَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ [قَوْلُهُ: وَانْتَشَرَتْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ] أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى التَّفْرِقَةِ ثَابِتٌ فِي الْكِتَابِ الْمُتَقَيِّدِ بِالصَّحِيحِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالصَّحِيحِ هَذَا مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ فِي التَّحْقِيقِ نَقَلَهُ عَنْ أَبِي دَاوُد وَكَذَا تت وَأَبُو دَاوُد لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالصَّحِيحِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ لَيْسَ مَوْجُودًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ، فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَدَلِيلُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ مَا فِي أَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» . ك؟ فَفَرَّقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْجَامِدِ وَالْمَائِعِ إلَى أَنْ قَالَ: وَقِيسَ عَلَى السَّمْنِ غَيْرُهُ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ إلَّا الْمَاءَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ] الْمُرَادُ بِهِمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الصَّغِيرُ مِنْهُمْ وَالْكَبِيرُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ [قَوْلُهُ: الْجُمْهُورُ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ] أَيْ فَعَطَفَ وَذَبَائِحِهِمْ عَلَى قَوْلِهِ: بِطَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلتَّفْسِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ [قَوْلُهُ: كُلِّهَا] أَيْ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ هِيَ الذَّبِيحَةُ كُلُّهَا مَا حَلَّ ذَلِكَ مِنْهَا وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ كَالطَّرِيفَةِ، وَمُقَابِلُ الْجُمْهُورِ إنَّمَا أَحَلَّ طَعَامَهُمْ فِي الذَّبِيحَةِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي هِيَ حَلَالٌ لَهُمْ لِأَنَّ مَا يَحِلُّ لَهُمْ تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ، فَمَنَعَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةَ وَالشُّحُومُ الْمَحْضَةُ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَا بُدَّ لِلْجَوَازِ مِنْ شُرُوطٍ أَنْ يَذْبَحَ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَذْبُوحُهُ حَلَالًا لَهُ بِشَرْعِنَا، وَأَنْ لَا يَذْبَحَ بِاسْمٍ نَحْوَ الصَّنَمِ فَإِنْ ذَبَحَهُ بِاسْمٍ حَرُمَ أَكْلُهُ كَمَا يَحْرُمُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ بِشَرْعِنَا كَذَوَاتِ الظُّفْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ مَا هُوَ حَلَالٌ لَهُ بِشَرْعِنَا، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ بِشَرْعِهِ فَقَطْ كَالطَّرِيفَةِ فَيُكْرَهُ لَنَا أَكْلُهَا وَهِيَ أَنْ تُوجَدَ الذَّبِيحَةُ فَاسِدَةَ الرِّئَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ مَا ذَكَّاهُ بِشُرُوطٍ تَسْمِيَةٌ، وَأَمَّا اسْتِنَابَةُ مُسْلِمٍ لَهُ وَذَبْحِهِ لَهُ فَقَوْلَانِ بِصِحَّةِ الذَّبْحِ فَيُؤْكَلُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا تُؤْكَلُ، ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تت عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إنْ ذَبَحَ بِحَضْرَتِك وَأَصَابَ] الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ يَذْبَحُ بِحَضْرَةِ مَنْ يَعْرِفُ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَوْ صَغِيرًا مُسْلِمًا مُمَيِّزًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا، إذَا وَصَفَ مَا حَصَلَ بِحَضْرَتِهِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ [قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الضَّحَايَا] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي شَخْصٍ كَافِرٍ ذَكَّى لِنَفْسِهِ فَلَا يَعْقِلَا مِنْهُ ضَحِيَّةً. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ أَكْلُ شُحُومِ الْيَهُودِ] أَيْ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ بِشَرْعِنَا كَشَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْخَالِصِ كَالشَّحْمِ الرَّقِيقِ الَّذِي يَغْشَى الْكَرِشَ وَالْأَمْعَاءِ، فَإِنْ قِيلَ: شَحْمُ الْيَهُودِ مِمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُهُ بِشَرْعِنَا فَلِمَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جُزْءٌ مُذَكًّى وَالْمُذَكَّى حَلَّ لَهُ فَهُوَ لَمْ يُذْبَحْ غَيْرُ حِلٍّ لَهُ لَكِنْ لِحُرْمَتِهِ عَلَيْهِ كُرِهَ أَكْلُهُ لَنَا. وَبِقَوْلِهِ: عَلَى الْمَشْهُورِ مُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ

[أحكام الصيد]

الْيَهُودِ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقْصَدْ الشَّحْمَ بِالتَّذْكِيَةِ أَشْبَهَ الدَّمَ لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُسْلِمُ، وَضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ. ك: لَمْ أَدْرِ مِمَّا احْتَرَزَ بِهِ وَهَلْ ثَمَّ يَهُودِيٌّ غَيْرُ كِتَابِيٍّ. وَقَالَ د: احْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّ إلَيْهِمْ وَالدَّخِيلِ فِيهِمْ إذْ لَا يَحِلُّ طَعَامُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ. (وَلَا يُؤْكَلُ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ) مُطْلَقًا وَثَنِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَكَّاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمُسْلِمُ بِالذَّبْحِ. وَقَالَ لَهُ: قُلْ بِسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ ع. وَكَذَلِكَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَلَوْ أَصَابَا الذَّكَاةَ لِفِقْدَانِ عَقْلِهِمَا. ابْنُ الْحَاجِبِ: وَتَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَمَا كَانَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ ذَكَاةٌ مِنْ طَعَامِهِمْ) أَيْ الْمَجُوسِ (فَلَيْسَ بِحَرَامٍ) يَجُوزُ أَكْلُهُ اتِّفَاقًا إنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهُ، أَمَّا إنْ تُيُقِّنَتْ نَجَاسَتُهُ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَمَا شُكَّ فِيهِ يُحْمَلُ عَلَى التَّنْجِيسِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ أَكْلِ جُبْنِ الرُّومِ وَإِبَاحَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالصَّيْدُ لِلَّهْوِ مَكْرُوهٌ وَالصَّيْدُ لِغَيْرِ اللَّهْوِ مُبَاحٌ) فَقَسَمَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَسَمَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ مَالِكٍ مِنْ تَحْرِيمٍ [قَوْلُهُ: أَشْبَهَ الدَّمَ] قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْجُمْلَةِ [قَوْلُهُ: وَالدَّخِيلُ فِيهِمْ] عَطْفُ مُرَادِفٍ أَيْ احْتَرَزَ عَنْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ تَهَوَّدَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ] أَيْ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ هَلْ يُقَرُّ أَوْ لَا الرَّاجِحُ أَنَّهُ يُقَرُّ وَمُقَابِلُهُ لَا فَعَلَيْهِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْكَلُ مَا ذَكَّاهُ الْمَجُوسِيُّ] أَيْ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَوْ ذَكَّى مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ [قَوْلُهُ: وَثَنِيًّا] أَيْ يَعْبُدُ الْوَثَنَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْوَثَنُ الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ وُثْنٌ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسْدٍ انْتَهَى [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْمُسْلِمُ إلَخْ] الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْمُسْلِمُ بِالذَّبْحِ كَمَا يُفِيدُهُ مِنْ شَرْحِ خَلِيلٍ، فَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ وَالصَّنَمَ مَعًا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ اسْمِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَالْمَرْأَةِ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: يَعْنِي أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ وَالْمَرْأَةَ إنْ اُضْطُرَّ إلَى تَذْكِيَتِهِمَا جَازَتْ وَصَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهِمَا قَوْلَيْنِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْكَرَاهَةِ وَنَفْيُ الْكَرَاهَةِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: طَعَامُهُمْ] أَيْ الْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ [وَبِالْأَوْلَى: وَمَا شُكَّ فِيهِ] يُحْمَلُ عَلَى التَّنْجِيسِ أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا أَكْلُهُ زَادَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ قَيْدًا فَقَالَ: حَيْثُ غَلَبَ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَحَلُّ كَوْنِ الْمَشْكُوكِ يُحْمَلُ عَلَى التَّنْجِيسِ، إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ صَنَائِعِهِمْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ صَنَائِعِهِمْ فَمَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُمْ مَحْمُولُونَ فِي جَمِيعِ صَنَائِعِهِمْ عَلَى الطَّهَارَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ [قَوْلُهُ: وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ] أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى تَحْرِيمِهِ حَتَّى لَا يَنْبَغِيَ الشِّرَاءُ مِنْ حَانُوتٍ فِيهِ جُبْنُهُمْ لِتَنْجِيسِهِ الْمِيزَانَ وَيَدَ بَائِعِهِ انْتَهَى قُلْت: إنْ كَانَ الرُّومُ أَهْلَ كِتَابٍ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ جُبْنِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مَجُوسًا وَكَانُوا يَصْنَعُونَ أَنَافِحَ ذَبَائِحِهِمْ فِيهِ فَلَا وَجْهَ أَوْلَى بِحِلِّهِ. [أَحْكَام الصَّيْدِ] [قَوْلُهُ: يُطْلَقُ عَلَى الِاسْمِ وَالْمَصْدَرِ] أَيْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ فَتَعْرِيفُهُمْ مَصْدَرًا أَخْذٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ أَوْ بَرٍّ أَوْ حَيَوَانِ بَحْرٍ بِقَصْدٍ، وَاسْمًا مَا أُخِذَ مِنْ وَحْشِ طَيْرٍ إلَخْ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مَعْلُومٌ فِي مَحِلِّهِ [قَوْلُهُ: وَالصَّيْدُ لِلَّهْوِ] قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: اللَّهْوُ مَصْدَرُ لَهَوْت بِالشَّيْءِ بِالْفَتْحِ أَلْهُو لَهْوًا إذَا لَعِبْت بِهِ [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يُصْطَادُ بِهِ هُوَ شَيْئَانِ حَيَوَانٌ وَسِلَاحٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا قَتَلَهُ كَلْبُك الْمُعَلَّمُ أَوْ بَازُك الْمُعَلَّمُ فَجَائِزٌ أَكْلُهُ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِهَذَيْنِ بَلْ كُلُّ مَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ مِنْ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَالطَّيْرِ فَإِنَّهُ إذَا قَتَلَ صَيْدًا جَازَ أَكْلُهُ (إذَا أَرْسَلْته عَلَيْهِ) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ. يُشْتَرَطُ فِي الْمُصَادِ بِهِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا وَأَنْ يَكُونَ يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ وَأَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا مِنْ يَدِ الصَّائِدِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَصِيدِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ أَهْلِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَسَمَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ نَقَلْنَاهَا إلَخْ] نَصُّ التَّحْقِيقِ وَقَسَمَهُ غَيْرُهُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ وَهُوَ مَا يَصِيدُهُ لِعَيْشِهِ أَوْ عَيْشِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى عِيَالِهِ إلَّا مِنْهُ، وَحَرَامٌ وَهُوَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَحْظُورٍ كَدُخُولِ أَرْضٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهَا أَوْ يَقْصِدُ بِهِ اللَّهْوَ، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الذَّكَاةَ لِأَنَّهُ مِنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَمَكْرُوهٌ مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ اللَّهْوَ وَالذَّكَاةَ، وَمَنْدُوبٌ مِثْلُ " أَنْ يَصْرِفَهُ أَوْ ثَمَنَهُ فِي مَنْدُوبٍ كَالتَّوْسِعَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمُبَاحٌ مِثْلُ أَنْ يَصِيدَ لِيَأْكُلَ بِثَمَنِهِ شَهْوَةً مَا أَوْ يَنْكِحَ مُنَعَّمَةً انْتَهَى. اعْلَمْ أَنَّهُ دَلَّ عَلَى حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَالْكِتَابُ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ» . [قَوْلُهُ: كَلْبَك] اُنْظُرْ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِهِ كَلْبَك هَلْ هِيَ تَمْلِيكٌ أَمْ لَا. فَنَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ مِلْكَهُ وَكَذَا إذَا أَعَارَهُ أَوْ أَكْرَاهُ وَهُوَ الطَّاهِرُ، وَاخْتُلِفَ إذَا غَضِبَ هَلْ الصَّيْدُ لِرَبِّهِ أَوْ لِلصَّائِدِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: بَلْ كُلُّ مَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ] هُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إذَا أُرْسِلَ أَطَاعَ وَإِذَا زُجِرَ انْزَجَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَيْرًا فَيَكْفِي فِيهِ الْإِطَاعَةُ عِنْدَ إرَادَةِ إرْسَالِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ الِانْزِجَارَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا] احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ. وَقَوْلُهُ: أَنْ يَفْقَهَ التَّعْلِيمَ أَيْ شَأْنُهُ أَنْ يَفْقَهَ التَّعْلِيمَ احْتِرَازًا مِنْ النَّمِرِ. فَإِنَّهُ لَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ فَلَا يُصَادُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ. قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ عَلِمَ بِالْفِعْلِ وَلَوْ فِي نَوْعِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَنِمْسٍ، وَأَوْلَى مَا يَقْبَلُهُ مِنْ كَلْبٍ وَبَازٍ وَسِنَّوْرٍ وَابْنِ عُرْسٍ وَذِئْبٍ، وَلَوْ كَانَ طَبْعُ الْمُعَلَّمِ بِالْفِعْلِ الْغَدْرَ كَدُبٍّ فَإِنَّهُ لَا يُمْسِكُ إلَّا لِنَفْسِهِ فَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ، وَعِصْيَانُ الْمُعَلَّمِ مَرَّةً لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعَلَّمًا كَمَا لَا يَكُونُ مُعَلَّمًا بِطَاعَتِهِ مَرَّةً بَلْ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ كَافٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا مِنْ يَدِ الصَّائِدِ] وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ بِأَيِّ إرْسَالٍ كَانَ مِنْ يَدِهِ أَوْ مِنْ يَدِ غُلَامِهِ أَوْ مِنْ حِزَامِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ، فَلَوْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ صَيْدًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَوْ انْبَعَثَ قَبْلَ رُؤْيَةِ رَبِّهِ بِالصَّيْدِ وَلَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَهُ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ بِقُرْبِ جَارِحِهِ أَوْ رَآهُ وَلَمْ يُرْسِلْهُ أَوْ أَرْسَلَهُ وَلَيْسَ بِيَدِهِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ إلَّا بِالذَّكَاةِ، وَلَوْ كَانَ لَا يَذْهَبُ إلَّا مَرَّةً وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُسَمِّي النَّاوِي هُوَ الْخَادِمُ فَالْمُرْسِلُ هُوَ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ هُوَ النَّاوِي الْمُسَمِّي وَالْخَادِمُ هُوَ الْمُرْسِلُ. فَلَعَلَّ وَجْهَ إجْزَائِهِ كَوْنُهُ مَأْمُورًا لَهُ وَقَرِيبًا مِنْهُ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الْخَادِمِ لِأَنَّ النَّاوِيَ الْمُسَمِّيَ هُوَ سَيِّدُهُ فَالْإِرْسَالُ مِنْهُ حُكْمًا كَذَا فِي شَرْحِ الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا] أَيْ أَوْ يَكُونَ فِي مَكَان مَحْصُورٍ كَغَارٍ أَوْ غَيْضَةٍ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَبْصَرَهُ أَوْ لَا، وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا مَنْفَذٌ آخَرُ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ مَا كَانَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ] وَلَوْ ظَنَّ خِلَافَهُ كَمَا لَوْ ظَنَّهُ أَرْنَبًا مَثَلًا فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ ظَبْيٌ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، وَأَوْلَى إذَا لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْمُبَاحِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَيَقَّنَ إبَاحَتَهُ، فَلَوْ ظَنَّ الصَّيْدَ حَرَامًا أَوْ شَكَّ فِيهَا أَوْ تَوَهَّمَهَا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ الْجَارِحُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ وَجَدَهُ مُبَاحًا، لِأَنَّهُ حِينَ رَمَاهُ لَمْ يُرِدْ صَيْدَهُ فَلَا يَأْكُلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ وَيُذَكِّيهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ حَلَالٌ فَيُؤْكَلُ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَإِنْ رَمَاهُ بِنِيَّةِ قَتْلِهِ أَوْ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ رَمَاهُ بِنِيَّةِ ذَكَاتِهِ أُكِلَ فَإِنْ رَمَاهُ بِنِيَّةِ أَخْذِ جِلْدِهِ فَقَطْ لَمْ يُؤْكَلْ

احْتِرَازًا مِنْ الَّذِي يَنِدُّ مِنْ الْإِنْسِيِّ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا يُؤْكَلُ بِالذَّبْحِ. وَأَمَّا الصَّائِدُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ خَمْسَةُ شُرُوطٍ: أَوَّلُهَا وَثَانِيهَا: النِّيَّةُ حَالَ الْإِرْسَالِ، وَالتَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ حَالَ الْإِرْسَالِ فَإِنْ تَرَكَهَا عَامِدًا مُتَهَاوِنًا أَوْ غَيْرَ مُتَهَاوِنٍ لَمْ تُؤْكَلْ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ، ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] فَدَلَّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِنَا دُونَ الْكَافِرِ، وَهَذَا فِي صَيْدِ الْبَرِّ دُونَ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا احْتِرَازًا مِنْ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ فَلَا يَصِحُّ صَيْدُهُ. قَالَهُ ك. وَقَالَ ع: يُكْرَهُ صَيْدُهُ. خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا. (وَكَذَلِكَ) جَائِزٌ أَكْلُ كُلِّ (مَا أَنْفَذَتْ الْجَوَارِحُ مَقَاتِلَهُ قَبْلَ قُدْرَتِك عَلَى ذَكَاتِهِ) إذَا تَبِعْته وَلَمْ تُفَرِّطْ فِي طَلَبِهِ (وَ) أَمَّا (مَا أَدْرَكْتَهُ قَبْلَ إنْفَاذِهَا لِمَقَاتِلِهِ فَلَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِذَكَاةٍ) ع: يُرِيدُ إذَا فَرَّطَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ السِّكِّينُ وَأَخَذَ يَطْلُبُهَا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ كَانَتْ عِنْدَ غُلَامِهِ أَوْ فِي خُرْجِهِ فَمَا أَخَذَهَا حَتَّى مَاتَ، أَمَّا إنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّبْعِيضِ، فَإِنْ نَوَى بِذَكَاتِهِ لَحْمَهُ فَقَطْ طَهُرَ جِلْدُهُ وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تَتَبَعَّضُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلَحْمِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ] أَيْ جُمْلَةً أَوْ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ كَكَوْنِهِ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِأَمْرٍ يُخَافُ مِنْهُ الْعَطَبُ، أَوْ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ كَبِيرَةٍ. تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ الِاصْطِيَادُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمَصِيدُ حَيْثُ نَوَى الْجَمِيعَ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا نَوَى مُعَيَّنًا فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ إذَا قَتَلَهُ أَوَّلًا وَعَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ قَتَلَ غَيْرَهُ قَبْلَهُ فَلَا يُؤْكَلُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَأَمَّا لَوْ رَأَى جَمَاعَةً وَنَوَى وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا الْأَوَّلُ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ كَرَاهَةُ الْأَكْلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ الْجَهْمِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي التَّوْضِيحِ [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا] أَيْ حَالَ الْإِرْسَالِ وَكَذَا التَّمْيِيزُ. وَانْظُرْ لَوْ تَخَلَّفَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ وَقَبْلَ الْوُصُولِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرِ] أَيْ إذَا مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ أَنْفَذَ مَقْتَلًا مِنْ مَقَاتِلِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ جَرَحَ صَيْدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ فَيُؤْكَلُ بِذَبْحِهِ وَبِذَبْحِ مُسْلِمٍ أَوْلَى [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ يُكْرَهُ صَيْدُهُ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَيْدُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي يُمَيِّزُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ صَيْدُهُمَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ كَذَكَاتِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ قُدْرَتِك عَلَى ذَكَاتِهِ] أَيْ وَلَوْ أَدْرَكَتْهُ حَيًّا حَيْثُ لَمْ تَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ قَبْلَ إنْفَاذِهَا وَلَوْ لَمْ يَتَرَاخَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ، لَكِنْ يُنْدَبُ الْإِجْهَازُ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ حَيًّا بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا أَدْرَكَتْهُ] أَيْ أَوْ أَدْرَكَهُ غَيْرُك مِمَّنْ تَصِحُّ ذَكَاتُهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَقُلْنَا ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ مَرَّ عَلَى صَيْدٍ قَبْلَ إنْفَاذِ الْجَوَارِحِ شَيْئًا مِنْ مَقَاتِلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا بِالصَّائِدِ [قَوْلُهُ: يُرِيدُ إلَخْ] هَذَا شَرْطٌ فِي مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بِدُونِ ذَكَاةٍ يُرِيدُ إذَا فَرَّطَ [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ عِنْدَ غُلَامِهِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الصَّائِدَ إذَا وَضَعَ آلَةَ الذَّبْحِ مَعَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يَظُنُّ أَوْ يَشُكُّ أَوْ وَضَعَ الْآلَةَ فِي خُرْجٍ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَنَاوَلُهَا بِسُرْعَةٍ فَمَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ تَنَاوُلِهِ الْآلَةَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لِعَدَمِ ذَكَاتِهِ لِتَفْرِيطِ الصَّائِدِ، إذْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْآلَةَ فِي يَدِهِ أَوْ حِزَامِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَدْعِي طُولًا فِي تَنَاوُلِهَا لَا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْآلَةُ بِيَدِهِ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ. وَقَوْلُنَا: وَهُوَ يَعْلَمُ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْحَامِلَ لِلْآلَةِ يَسْبِقُهُ الصَّيْدُ ثُمَّ خَالَفَ عِلْمَهُ أَوْ ظَنَّهُ وَسَبَقَهُ هُوَ وَأَدْرَكَهُ حَيًّا فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَكَذَا لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ وَتَرَاخَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ اتَّبَعَهُ لَمْ يَلْحَقْهُ فَيُؤْكَلُ فَالْعِبْرَةُ بِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ

[أحكام العقيقة]

إذَا نَيَّبَهُ. وَأَمَّا الشَّيْءُ الثَّانِي مِمَّا يُصَادُ بِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَا صِدْته بِسَهْمِك وَرُمْحِك) يَعْنِي وَبِكُلِّ مَا لَهُ حَدٌّ (فَكُلْهُ فَإِنْ أَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَذَكِّهِ وَإِنْ فَاتَ بِنَفْسِهِ فَكُلْهُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمُك مَا لَمْ يَبِتْ عَنْك) لَا خُصُوصِيَّةَ لِلسَّهْمِ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إذَا بَاتَ عَنْهُ الصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْبَازُ وَالْكَلْبُ وَالسَّهْمُ (وَقِيلَ إنَّمَا ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ أَكْلِ مَا فَاتَ بِنَفْسِهِ (فِيمَا بَاتَ عَنْك مِمَّا قَتَلَهُ الْجَوَارِحُ وَأَمَّا السَّهْمُ يُوجَدُ فِي مَقَاتِلِهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) لَا بَأْسَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لِابْنِ الْمَوَّازِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَعْضِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تُؤْكَلُ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُؤْكَلُ بِهِ الصَّيْدُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ نَدَّتْ وَالْتَحَقَتْ بِالْوَحْشِ بَقَرًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعَقِيقَةِ فَقَالَ: (وَالْعَقِيقَةُ) أَصْلُهَا شَعْرُ الْمَوْلُودِ ثُمَّ تُوُسِّعَ فِي ذَلِكَ فَسُمِّيَتْ الذَّبِيحَةُ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ مَقَاتِلُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْفُذَ الْجَوَارِحُ مَقَاتِلَهُ فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَرِّطْ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَلَوْ لَمْ تَنْفُذْ الْمَقَاتِلُ بَعْدُ بَلْ يَكْفِي التَّنْيِيبُ [قَوْلُهُ: إذَا نَيَّبَهُ] أَيْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَاءِ وَلَوْ فِي الْأُذُنِ مَعَ شَقِّ جَلْدٍ أَمْ لَا شَقِّ جِلْدٍ بِدُونِ إدْمَاءٍ فِي وَحْشِيٍّ صَحِيحٍ فَلَا يَكْفِي بِخِلَافِهِ فِي مَرِيضٍ فَيُؤْكَلُ. [قَوْلُهُ: وَبِكُلِّ مَا لَهُ حَدٌّ] وَلَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ وَقَتَلَهُ السَّهْمُ أَوْ الرُّمْحُ أَوْ جَرَحَهُ وَمَاتَ قَبْلَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَكَاتِهِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ السَّهْمُ أَوْ الرُّمْحُ مَسْمُومًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَسْمُومًا لَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ السَّهْمِ مَثَلًا أَوْ السُّمِّ، فَإِنْ تَحَقَّقَ إنْفَاذُ مَقْتَلِهِ بِالسَّهْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْرِيَ السُّمُّ فِيهِ أُكِلَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ لِخَوْفِ أَذَى السُّمِّ [قَوْلُهُ: فَكُلْهُ] حَيْثُ نَوَيْت وَسَمَّيْت عِنْدَ رَمْيِ السَّهْمِ أَوْ الرُّمْحِ، فَلَوْ أَدْرَكْته حَيًّا بَعْدَ إنْفَاذِ شَيْءٍ مِنْ مَقَاتِلِهِ نُدِبَ لَك تَذْكِيَتُهُ [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] أَيْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبِتْ عَنْك وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَحْذِفُ قَوْلَهُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمُك [قَوْلُهُ: إذَا بَاتَ عَنْهُ] وَلَوْ بَعْضَ اللَّيْلِ وَلَوْ مَعَ الْجِدِّ فِي اتِّبَاعِهِ، وَسَبَبُ الْمَنْعِ أَنَّ اللَّيْلَ يَكْثُرُ فِيهِ الْهَوَامُّ بِخِلَافِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّيْدَ يَمْنَعُ نَفْسَهُ فِيهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ نَهَارًا وَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا كَامِلًا وَوَجَدَهُ مَيِّتًا بِجُرْحِ السَّهْمِ أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَرَاخَ فِي اتِّبَاعِهِ. ثُمَّ مَا ذَكَرَ مِنْ حُرْمَةِ أَكْلِ مَا بَاتَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَضَعَّفَ وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِأَكْلِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ مَنْفُوذَ الْمَقْتَلِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَرَ إنْفَاذَ السَّهْمِ أَوْ الْجَارِحِ مَقْتَلَهُ قَبْلَ الْبَيَاتِ: وَإِلَّا أُكِلَ اتِّفَاقًا [قَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّهْمُ إلَخْ] وَوَجْهُ تَفْرِقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ السَّهْمَ إذَا وُجِدَ فِي مَقَاتِلِهِ وَقَدْ أَنْفَذَهَا يَغْلِبُ مَعَهُ الظَّنُّ بِأَنَّ الْمَوْتَ لِلصَّيْدِ مِنْ السَّهْمِ بِخِلَافِ الْجَارِحِ كَالْكَلْبِ يَجْرَحُ الصَّيْدَ وَيَبِيتُ عَنْ رَبِّهِ وَيُوجَدُ الصَّيْدُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَارِحِ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ الَّتِي لِابْنِ الْمَوَّازِ ضَعِيفَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْكَلُ الْإِنْسِيَّةُ إلَخْ] وَكَذَا الْحَيَوَانُ وَالْوَحْشِيُّ إذَا تَأَنَّسَ أَوْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا بِالذَّبْحِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ مِنْ الْإِنْسِيِّ الَّذِي يُذْبَحُ نَحْوُ الْجَرَادِ بَلْ ذَكَاتُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ أَوْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهُ، وَكَذَا سَائِرُ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ ذَكَاتُهَا مَا يُعَجِّلُ مَوْتَهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَقَرِ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ عِبَارَةُ التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا نَدَبَ الْإِنْسِيَّةَ فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَقَرٍ لَمْ تُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْبَقَرُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لِأَنَّ لِلْبَقَرِ أَصْلًا فِي التَّوَحُّشِ تَرْجِعُ إلَيْهِ أَيْ شَبَّهَهَا بِبَقَرِ الْوَحْشِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الشَّاةَ لَهَا أَيْضًا أَصْلٌ وَهُوَ الظِّبَاءُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى الْمَنْصُوصِ يُؤْذِنُ بِالْخِلَافِ فَيُخَالِفُهُ قَوْلُ التَّوْضِيحِ لَمْ تُؤْكَلْ بِالْعَقْرِ اتِّفَاقًا. [أَحْكَام الْعَقِيقَة] [قَوْلُهُ: أَصْلُهَا شَعْرُ الْمَوْلُودِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ أُطْلِقَتْ شَرْعًا عَلَى الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ مَنْقُولَةً مِنْ مَعْنَاهَا لُغَةً وَهُوَ شَعْرُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِهِ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ مِنْ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ، وَلَا يَخْفَى وُجُودُهُ فِي

تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِ الْمَوْلُودِ عَقِيقَةٌ، وَبَدَأَ بِحُكْمِهَا فَقَالَ: (سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ حُكْمَانِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ أَعْلَى مِنْ الْمُسْتَحَبِّ، أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ سُنَّةً غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مَرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ» . وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ كَبْشًا وَكَذَا عَنْ الْحُسَيْنِ» . ثُمَّ بَيَّنَ جِنْسَ الْعَقِيقَةِ وَزَمَنَ ذَبْحِهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ) ظَاهِرُهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (يَوْمَ سَابِعِهِ) أَيْ سَابِعِ وِلَادَتِهِ بِشَرْطِ حَيَاتِهِ إلَيْهِ (بِشَاةٍ) مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ (مِثْلَ مَا ذَكَرْنَا) فِيمَا تَقَدَّمَ (مِنْ سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ) وَهُوَ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ابْنُ سَنَةٍ، وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ (وَ) مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ (صِفَتِهَا) بِأَنْ لَا تَكُونَ عَوْرَاءَ وَلَا مَرِيضَةً وَلَا عَرْجَاءَ بَيِّنٌ ضَلَعُهَا وَلَا عَجْفَاءَ وَلَا مَشْقُوقَةَ الْأُذُنِ وَلَا مَقْطُوعَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، وَلَا مَكْسُورَةَ قَرْنٍ يُدْمِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَعُقُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَعَنْهُ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ: يَعُقُّ بِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ سِنِّ الْأُضْحِيَّةِ فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْبَقَرِ الثَّنِيُّ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلٍّ مِنْ الشَّعْرِ وَالذَّبِيحَةِ لِقَطْعِ أَوْدَاجِهَا وَحَلْقِهَا [قَوْلُهُ: ثُمَّ تُوُسِّعَ] أَيْ [تُجُوِّزَ] أَيْ تُجُوِّزَ [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ عَنَى] الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ عَنَى بِقَوْلِهِ مُسْتَحَبَّةٌ أَنَّهَا غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ فَحَاصِلُهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ إلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا قَالَ سُنَّةٌ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ مُسْتَحَبَّةٌ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ مُبَاحَةٌ أَيْ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَيْ سُنَّةٌ وَمُسْتَحَبَّةٌ فَيَكُونُ حَاكِيًا لِقَوْلَيْنِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ فَلَا يُنَافِي الْوَصْفَ بِمُسْتَحَبَّةٍ. [قَوْلُهُ: جَيِّدٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوْدَةَ شَامِلَةُ الصِّحَّةَ وَالْحُسْنَ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: كُلُّ غُلَامٍ إلَخْ] قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ مَحْبُوسٌ عَنْ أَنْ يَشْفَعَ لِوَالِدَيْهِ مَا لَمْ يُؤَدِّيَا عَنْهُ الْعَقِيقَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَمْنُوعٌ وَمَحْبُوسٌ عَنْ الْخَيْرَاتِ وَالزِّيَادَاتِ مَا لَمْ يُؤَدُّوا عَنْهُ الْعَقِيقَةَ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " كُلُّ غُلَامٍ مَرْهُونٌ بِعَقِيقَتِهِ " أَيْ مَحْبُوسَةٌ سَلَامَتُهُ عَنْ الْآفَاتِ بِعَقِيقَتِهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ] أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ بِإِذْنٍ مِنْ عَلِيٍّ. وَلَوْ حُكْمًا لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَبُ الْمَطْلُوبُ بِالْعَقِيقَةِ، أَوْ لِكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبًا لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْحَسَنِ وَلَا بِالْحُسَيْنِ فَتَدَبَّرْ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ مَا بُعِثَ» ، وَانْظُرْ هَلْ عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ سَيِّدِنَا إبْرَاهِيمَ. [قَوْلُهُ: ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى] حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا لَكِنَّ ابْنَ الْعَبْدِ يَعُقُّ عَنْهُ أَبُوهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَيُنْدَبُ لِلسَّيِّدِ إذْنُهُ لِعَبْدِهِ أَنْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا يَعُقُّ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بَلْ الْوَاحِدَةُ كَافِيَةٌ فِي الْمَوْلُودِ الذَّكَرِ كَالْأُنْثَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمَوْلُودِ وَيُخَاطَبُ بِهَا الْأَبُ وَلَوْ لِلْوَلَدِ مَالٌ، وَأَمَّا الْيَتِيمُ فَعَقِيقَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُطْلَبُ بِهَا أَخٌ وَلَا عَمٌّ، وَبِعِبَارَةٍ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ النَّدْبِ بِالْأَبِ وَلَوْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ وَلَعَلَّهُ حَيْثُ وَجَدَ مَنْ يُسَلِّفُهُ وَيَرْجُو الْوَفَاءَ وَإِلَّا لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا وَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنِهَا، وَكَذَا الظَّاهِرُ سُقُوطُهَا بِمُضِيِّ زَمَنِهَا وَلَوْ مُوسِرًا وَيَنْبَغِي الرَّفْعُ لِمَالِكِيٍّ إنْ كَانَ حَنَفِيٌّ لَا يَرَاهَا عَنْ يَتِيمٍ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا يَتَسَلَّفُ لَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَوْكَدَ مِنْ الضَّحِيَّةِ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ حَيَاتِهِ إلَيْهِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى مَا بَقِيَ حَيًّا لِلسَّابِعِ يَعُقُّ عَنْهُ وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْعَقِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَعُقُّ عَنْهُ. ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا تَكُونَ عَوْرَاءَ إلَخْ] اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ مَعَ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهَا مَا جَرَى فِي الضَّحِيَّةِ مِنْ اسْتِحْبَابِ سَلَامَتِهَا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا] رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الشَّقِّ وَالْقَطْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْمُولٌ عَلَى التَّخْفِيفِ لِأُمَّتِهِ كَمَا قَالَ تت. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ] أَيْ لِأَنَّهَا يُتَقَرَّبُ بِهَا فِي الضَّحَايَا

وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْإِبِلِ الثَّنِيُّ وَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ. (وَلَا يُحْسَبُ فِي السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ) مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِيهِ، فَإِنْ فَاتَ السَّابِعُ وَلَمْ يَعُقَّ عَنْ الْمَوْلُودِ فَلَا يَعُقُّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ بَيَّنَ الْوَقْتَ الَّذِي تُذْبَحُ فِيهِ مِنْ الْيَوْمِ السَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَتُذْبَحُ ضَحْوَةً) يَعْنِي عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَإِلَّا فَالنَّهَارُ مِنْ ضَحْوَةٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقْتٌ لِلذَّبْحِ فَلَا يُجْزِئُ ذَبْحُهَا لَيْلًا وَلَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُجْزِئُ ذَبْحُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَهَذَا أَظْهَرُ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ لَيْسَتْ مُنْضَمَّةً إلَى صَلَاةٍ فَكَانَ قِيَاسُهَا عَلَى الْهَدَايَا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الضَّحَايَا. (وَلَا يَمَسُّ الصَّبِيَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا) هَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» ، فَسَّرَ بَعْضُهُمْ إمَاطَةَ الْأَذَى عَنْهُ بِتَرْكِ مَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَلْطِيخِ رَأْسِهِ بِدَمِهَا تَفَاؤُلًا لِيَكُونَ شُجَاعًا سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ. (وَيُؤْكَلُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعَقِيقَةِ (وَيُتَصَدَّقُ) كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الصَّدَقَةَ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا قِيلَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَقِيقَةً حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَتْ بِعَقِيقَةٍ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقِيقَةِ الصَّدَقَةُ وَالصَّدَقَةُ تَكُونُ مِنْهَا طَرِيًّا وَمَطْبُوخًا وَلَا يَصْنَعُ بِهَا طَعَامًا وَيَدْعُو إلَيْهِ الْجِيرَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَتُكْسَرُ عِظَامُهَا) اسْتِحْبَابًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْهَدَايَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُحْسَبُ إلَخْ] فَإِنْ وُلِدَ مَعَ الْفَجْرِ حُسِبَ لِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ بَعْدَ الْفَجْرِ بَلْ تَقَارَنَا. [قَوْلُهُ: فَلَا يَعُقُّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الثَّانِي] عِبَارَةُ بَعْضٍ وَكَذَا لَا يُنْدَبُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي سَابِعٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ أَوْ رَابِعٍ كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ كَمَا فِي تت، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ السَّابِعُ الرَّابِعُ اُتُّفِقَ عَلَى عَدَمِ الطَّلَبِ بِهَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا أَوْهَمَهُ شَارِحُنَا مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الطَّلَبِ بَعْدَ السَّابِعِ الثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ ضَحْوَةً إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ، وَيُكْرَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالنَّهَارُ إلَخْ] أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ بَلْ عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّهَارَ إلَخْ، وَقَوْلُهُ مِنْ ضَحْوَةٍ أَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَظْهَرُ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي قَوْلُ الْمُقَدِّمَاتِ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُذْبَحَ ضَحْوَةً إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَمِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُمْنَعُ مِنْ قَبْلِ الْفَجْرِ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهَا مِنْ الْفَجْرِ وَيَسْتَمِرُّ لِلْغُرُوبِ، وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا ضَحْوَةً لِلزَّوَالِ وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الطُّلُوعِ وَإِنْ لَمْ تَحِلَّ النَّافِلَةُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَمَسُّ الصَّبِيَّ بِشَيْءٍ مِنْ دَمِهَا] الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: هَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ] لِأَنَّهُ يُكْرَهُ التَّلَطُّخُ بِالنَّجَاسَةِ [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحِ] هَذَا لَا يُنْتِجُ خُصُوصَ الْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: مُصَاحِبَةً لَهُ [قَوْلُهُ: فَأَهْرِيقُوا] بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ فَصُبُّوا عَنْهُ دَمًا بِشَاةٍ بِصِفَةِ الْأُضْحِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: فَسَّرَ بَعْضُهُمْ أَيْ وَفَسَّرَهُ بَعْضٌ آخَرُ بِأَزِيلُوا عَنْهُ أَذًى بِحَلْقِ رَأْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْكَلُ مِنْهَا] أَيْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤْكَلَ أَيْ يَطْعَمَ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانُ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَالْإِطْعَامُ فِيهَا كَهُوَ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَيْ وَلَا حَدَّ لِلْإِطْعَامِ فِيهَا بَلْ يَأْكُلُ مِنْهَا وَمِنْ الضَّحِيَّةِ مَا شَاءَ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَيُطْعِمُ مَا شَاءَ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ خَالَفَ الْمُسْتَحَبَّ. أَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا دَاعِيَ لِقَوْلِهِ وَلَوْ قَدَّمَ الصَّدَقَةَ إلَخْ [قَوْلُهُ: لِمَا قِيلَ] وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ إلَخْ] هَذَا عَلَى الضَّعِيفِ [قَوْلُهُ: فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَقِيقَةِ الصَّدَقَةُ] أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ مُسَاوَاتِهَا لِلضَّحِيَّةِ، وَحَيْثُ كَانَتْ مُسَاوِيَةً فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الصَّدَقَةَ بَلْ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مَقْصُودٌ أَعْنِي الْأَكْلَ مِنْهَا وَالْإِهْدَاءَ وَالصَّدَقَةَ [قَوْلُهُ: وَالصَّدَقَةُ تَكُونُ مِنْهَا طَرِيًّا إلَخْ] وَكَذَا الْإِهْدَاءُ يَكُونُ طَرِيًّا وَمَطْبُوخًا [قَوْلُهُ: وَلَا

مُخَالَفَةً لِلْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْسِرُونَ عِظَامَهَا مَخَافَةَ مَا يُصِيبُ الْوَلَدَ، وَقِيلَ: لَيْسَ الْكَسْرُ مَسْنُونًا وَلَا مُسْتَحَبًّا، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. (وَإِنْ حَلَقَ شَعْرَ الْمَوْلُودِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ، وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً قَالَ: فَوَزَنَّاهُ فَكَانَ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ» . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَلْقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ: (حَسَنٌ) تَأْكِيدٌ فَإِنَّ الْمُسْتَحَبَّ هُوَ الْحَسَنُ وَالْحَسَنُ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَمَّى يَوْمَ سَابِعِهِ إنْ عُقَّ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ سُمِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْعَقِيقَةِ فَفِي تَسْمِيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصْنَعُ بِهَا طَعَامًا] أَيْ يُكْرَهُ عَمَلُهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلِيمَةً وَعَلَّلَهُ تت بِقَوْلِهِ لِمُخَالَفَةِ السَّلَفِ وَخَوْفِ الْمُبَاهَاةِ وَالتَّفَاخُرِ، بَلْ يَطْبُخُ وَيَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَلَا بَأْسَ بِالْإِطْعَامِ مِنْ لَحْمِهَا نِيئًا وَلَا بِالِادِّخَارِ مِنْهَا كَالْأُضْحِيَّةِ اهـ. وَأَمَّا جَعْلُ غَيْرِهَا وَلِيمَةً وَذَبْحُهَا أَوْ نَحْرُهَا وَيَصْنَعُ بِهَا صُنْعَ الْعَقِيقَةِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: عَقَقْت عَنْ وَلَدِي فَذَبَحْت بِاللَّيْلِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ إلَيْهِ إخْوَانِي وَغَيْرَهُمْ، ثُمَّ ذَبَحْت شَاةَ الْعَقِيقَةِ فَأَهْدَيْت مِنْهَا لِلْجِيرَانِ فَأَكَلُوا وَأَكَلْنَا فَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلْيَفْعَلْ مِثْلَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ الْمُعَاوَضَةُ بِهَا كَسَائِرِ الْقُرَبِ فَلَا يُبَاعُ جِلْدُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا، وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنْهَا فِي نَظِيرِ جِزَارَتِهِ، وَلَا الْقَابِلَةُ فِي مُقَابَلَةِ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَكْسِرُونَ عِظَامَهَا] وَإِنَّمَا كَانُوا يَقْطَعُونَهَا مِنْ الْمَفَاصِلِ [قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ فَيُبَاحُ عِنْدَهُ كَسْرُ عِظَامِهَا وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَقَ إلَخْ] وَانْظُرْ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَتَحَرَّوْا وَزْنَ شَعْرِهِ مِنْ غَيْرِ حَلْقٍ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمْ التَّصَدُّقَ بِهِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذَّهَبَ أَوْلَى لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ قِيلَ: يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ شَعْرِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَقِيلَ: يُبَاحُ. [قَوْلُهُ: عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ بِكَبْشٍ] عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ كَبْشًا وَعَنْ الْحُسَيْنِ كَبْشًا» . قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ: وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْمُوَطَّأِ، وَزَنَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْرَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ وُلِدُوا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَتَصَدَّقَتْ إلَخْ يُحْتَمَلُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَمَرَهَا فِي الْحَسَنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا قَاسَتْ ذَلِكَ عَلَى أَمْرِهِ لَهَا فِي الْحَسَنِ بِكْرِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَهْلُ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ مَا فَعَلْته فَاطِمَةُ مَعَ الْعَقِيقَةِ أَوْ دُونَهَا. [قَوْلُهُ: قَالَ] أَيْ عَلِيٌّ [قَوْلُهُ: وَبَعْضُ دِرْهَمٍ] شَكٌّ مِنْ عَلِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَلْقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ] وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّصَدُّقُ قَبْلَ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ وَعِبَارَةُ بَعْضٍ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَيْ التَّصَدُّقُ فِي سَابِعِ الْوِلَادَةِ قَبْلَ الْعَقِّ عَنْهُ كَانَ الْمَوْلُودُ ذَكَرًا أَوْ أُثْنَى انْتَهَى. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الذَّهَبَ أَوْلَى وَيَكُونُ اقْتِصَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفِضَّةِ لِكَوْنِهَا الْمُتَيَسِّرَةَ، وَانْظُرْ لَوْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ غَيْرَهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمْ التَّصَدُّقُ بِزِنَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَوْ التَّصَدُّقُ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِمَا يُوَازِنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ بِيعَ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ شَعْرُ الْمَوْلُودِ. [قَوْلُهُ: إنْ عَقَّ عَنْهُ] أَيْ إنْ أُرِيدَ الْعَقُّ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: سُمِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ وَحِينَئِذٍ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ سُمِّيَ قَبْلَ طَلَبِ التَّسْمِيَةِ قِيلَ: وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَكُونُ نَدْبًا، فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ يُصَدَّقُ بِيَوْمِ الْوِلَادَةِ. وَرَمَا بَعْدَهُ، وَلَعَلَّ الْمُبَادَرَةَ بِهَا حِينَئِذٍ يَوْمَ الْوِلَادَةِ أَوْلَى وَمَصَبُّ النَّدْبِ الْقَيْدُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ بِوُجُوبِ التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ يُفْصِحْ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ بِهَذَا الْقَدْرِ فَقَدْ قَالَ: وَيَنْبَغِي إذَا كَانَ الْمَوْلُودُ مِمَّنْ يُعَقُّ عَنْهُ فَلَا يُوقِعُ عَلَيْهِ الِاسْمَ

[أحكام الختان]

قَوْلَانِ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السِّقْطَ لَا يُسَمَّى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْبِقَ إلَى جَوْفِ الْمَوْلُودِ الْحَلَاوَةُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَنَّكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ بِتَمْرَةٍ» . (وَإِنْ خُلَّقَ رَأْسُهُ) أَيْ الصَّبِيَّ (بِخَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ كَالطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ، ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا يُسَمَّى خَلُوقًا حَتَّى يُعْجَنَ بِمَاءِ الْوَرْدِ (بَدَلًا مِنْ الدَّمِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) لِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْخِتَانِ وَهُوَ قَطْعُ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لِلْحَشَفَةِ حَتَّى يَنْكَشِفَ جَمِيعُهَا فَقَالَ: (وَالْخِتَانُ سُنَّةٌ فِي الذُّكُورِ) وَكَذَا عَبَّرَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَزَادَ هُنَا (وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ» . وَيُكْرَهُ أَنْ يُخْتَنَ يَوْمَ يُولَدُ أَوْ يَوْمَ سَابِعِهِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْعَلَ لِعِلَّةٍ يُخَافُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْهَا. وَاخْتُلِفَ إذَا وُلِدَ مَخْتُونًا هَلْ يُجْرَى عَلَيْهِ مُوسَى أَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا حِينَ يَذْبَحُ الْعَقِيقَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ لَا يُعَقُّ عَنْهُ لِفَقْرِ وَلِيِّهِ فَيُسَمُّونَهُ مَتَى شَاءُوا اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَنَقَلَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ أَيْضًا عَنْ التَّادَلِيِّ وَأَصْلُهُ لِلنَّوَادِرِ فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ اهـ[قَوْلُهُ: فَفِي تَسْمِيَتِهِ قَوْلَانِ] الرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا يُفِيدُهُ عج مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ وَلَدٌ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ وَقَوْلُهُ: قَبْلَ إلَخْ مَفْهُومُهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْعَقِيقَةِ وَقَبْلَ التَّسْمِيَةِ يُسَمَّى قَوْلًا وَاحِدًا. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ السِّقْطَ لَا يُسَمَّى] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُسَمَّى وَلَعَلَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الرُّوحُ وَإِلَّا فَلَا يُسَمَّى اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] «أَتَى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ صَبِيحَةَ وُلِدَ فَحَنَّكَهُ وَدَعَا لَهُ وَسَمَّاهُ» [قَوْلُهُ: وَإِنْ خُلِّقَ] بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ [قَوْلُهُ: وَالزَّعْفَرَانُ] عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ إشَارَةً لِلْخِلَافِ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالزَّعْفَرَانِ فَقَطْ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: الطِّيبُ عُمُومًا فَقَدْ عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَا يُسَمَّى خَلُوقًا أَيْ الزَّعْفَرَانُ لَا مُطْلَقُ الطِّيبِ أَفْصَحَ بِذَلِكَ نَصُّ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ يَعْنِي أَيْ الْمُصَنِّفُ بِالْخَلُوقِ الزَّعْفَرَانَ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَلَا يُسَمَّى خَلُوقًا حَتَّى يُعْجَنَ بِمَاءِ الْوَرْدِ اهـ. أَيْ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. قَالَ تت: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَيْ الْخَلُوقُ مُبَاحٌ لَا يُرْغَبُ فِيهِ. قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ لَمَا بَعُدَ لِعُمُومِ طَلَبِ مُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ قُلْت: وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ بُرَيْدَةَ الصَّحَابِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ اهـ. [أَحْكَام الْخِتَان] [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْكَشِفَ جَمِيعُهَا] أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَنْكَشِفَ جَمِيعُهَا [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ] لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى الطَّلَبِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى وَهُوَ كَوْنُهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً. [قَوْلُهُ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ] أَيْ الْخِصَالُ الَّتِي يَكْمُلُ بِهَا الْمَرْءُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى أَفْضَلِ الصِّفَاتِ قَالَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْكِتَابِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ جِنْسٌ، وَالْجِنْسُ يَجْرِي مَجْرَى الْجَمْعِ فَصَحَّ الْإِخْبَارُ عَنْ فِطْرَةٍ بِخَمْسٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْدَادُ] هُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَتْنِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَمِنْ الْخَتْنِ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ بَهْرَامَ فِي وَسَطِهِ، وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَيَوْمَ السَّابِعِ قَالَ: وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ اهـ. إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْمُقَدِّمَاتِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخْتَتِنَ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ اهـ. تَنْبِيهٌ: حَدُّ الْخِتَانِ حِينَ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ إلَى عَشَرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْعَلَ لِعِلَّةٍ] أَيْ أَنَّهُ إذَا خِيفَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الْخِتَانِ عِنْدَ تَأَخُّرِهِ لِزَمَنِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَمِثْلُ ذَلِكَ ظَنُّ مَوْتِهِ قَبْلَ الْخِتَانِ فَيُخْتَتَنُ وَلَا يُنْظَرُ زَمَنَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ الْمُسْتَحَبَّ فِيهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ] ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ:

لَا؟ . وَاخْتُلِفَ فِي الْكَبِيرِ إذَا أَسْلَمَ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ هَلْ يُخْتَنُ أَمْ لَا؟ وَمَنْ تَرَكَ الْخِتَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا عِلَّةٍ لَمْ تَجُزْ إمَامَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ. (وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ) وَهُوَ إزَالَةُ مَا بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ الزِّيَادَةِ (مَكْرُمَةٌ) وَكَذَا عَبَّرَ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ع ع: يَعْنِي سُنَّةٌ كَسُنَّةِ خِتَانِ الذُّكُورِ وَإِنَّمَا قَالَ مَكْرُمَةٌ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ د، وَإِنَّمَا كَانَ مَكْرَمَةً لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَاءَ الْوَجْهِ وَيُطَيِّبُ الْجِمَاعَ لِلزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّسَالَةِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. أَنْهَاهُ مُؤَلِّفُهُ سَابِعَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [29 - بَابٌ فِي الْجِهَادِ] ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقِيلَ: يُجْرَى عَلَيْهِ الْمُوسَى فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقْطَعُ قُطِعَ وَقِيلَ: لَا انْتَهَى. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهِ الْمُوسَى اهـ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْكَبِيرِ إذَا أَسْلَمَ] الْمُرَادُ بِهِ الْبَالِغُ [قَوْلُهُ: وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ] أَيْ مِنْ الِاخْتِتَانِ [قَوْلُهُ: هَلْ يُخْتَتَنُ] قَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ قَائِلًا أَرَأَيْت إنْ وَجَبَ قَطْعُ سَرِقَةٍ أَيُتْرَكُ لِلْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ، فَأَوْلَى مَا هُوَ سُنَّةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَالنَّظَرُ لِعَوْرَةِ الْكَبِيرِ الْمُرَاهِقِ أَوْ الْبَالِغِ حَرَامٌ لِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ الْمُنَاهِزُ كَكَبِيرٍ وَلَا يَرْتَكِبُ مُحَرَّمًا لِفِعْلِ سُنَّةٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ مَا تَمَّ لَهُ إسْلَامُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ بِهِ كَمَالُ الْإِسْلَامِ وَمِثْلُ ذَلِكَ رَقِيقٌ اُشْتُرِيَ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ مُرَاهَقَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَمْ لَا] أَيْ أَمْ لَا يُخْتَنُ وَهُوَ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ [قَوْلُهُ: لَمْ تَجُزْ إمَامَتُهُ] ضَعِيفٌ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّ إمَامَةَ الْأَغْلَفِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَوْلُهُ: وَلَا شَهَادَتُهُ قَالَ الْبَاجِيُّ: لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمُرُوءَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ إزَالَةُ مَا بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ إلَخْ] وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْخِفَاضُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ النَّاتِئِ بَيْنَ الشَّفْرَتَيْنِ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ فِي نِسَاءِ الْمَشْرِقِ لَا نِسَاءِ الْمَغْرِبِ [قَوْلُهُ: مَكْرُمَةٌ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ كَرَامَةٌ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٌّ. قَالَهُ تت: قَالَ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: وَيُسْتَحَبُّ السَّتْرُ عِنْدَ الْخِفَاضِ وَلَا يُصْنَعُ عِنْدَ ذَلِكَ طَعَامٌ اهـ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي سُنَّةً إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ مَكْرُمَةً] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ السُّنِّيَّةُ كَمَا ادَّعَى [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَاءَ الْوَجْهِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ فِي الْوَجْهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَيُرَدُّ بِالْخِفَاضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ بِرَدِّ مَاءِ الْوَجْهِ أَنَّهُ يَتَسَبَّبُ عَنْهُ رَوْنَقُ الْوَجْهِ وَبَرِيقُهُ وَلَمَعَانُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ قَدْ ذَكَرَهَا غَيْرُهُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ لِخَبَرِ أُمِّ عَطِيَّةَ «اخْفِضِي وَلَا تُنْهِكِي فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» أَيْ لَا تُبَالِغِي، وَأَسْرَى أَيْ أَشْرَقَ لِلَوْنِهِ وَأَحْظَى أَيْ أَلَذُّ عِنْدَ الْجِمَاعِ، فَإِنَّ الْجِلْدَةَ تَشْتَدُّ مَعَ الذَّكَرِ مَعَ كَمَالِهَا فَتَقْوَى الشَّهْوَةُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَتَدَبَّرْ. تَتِمَّةٌ: الْخُنْثَى هَلْ يُخْتَنُ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ نَصًّا ابْنُ نَاجِي: لَا يُخْتَنُ لِمَا عَلِمْت مِنْ قَاعِدَةِ تَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَيْ لَا يُخْتَنُ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ وَلَا فِي كِلَيْهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي.

[باب في الجهاد]

(بَابٌ فِي) حُكْمِ (الْجِهَادِ) وَبَعْضِ فُرُوعِهِ، وَهُوَ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ بِفَتْحِ الْجِيمِ، أَيْ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ وَاصْطِلَاحًا: قِتَالُ مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ أَوْ حُضُورُهُ لَهُ أَوْ دُخُولُهُ أَرْضِهِ لَهُ. وَلَهُ فَرَائِضُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَهِيَ طَاعَةُ الْإِمَامِ، وَتَرْكُ الْغُلُولِ وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ وَالثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ، وَأَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ. وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْجِهَادِ] ِ. عَقَّبَهُ بِالْأُضْحِيَّةِ، وَمَا مَعَهَا جَرْيًا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَيْثُ أَلْحَقُوهُ بِالْعِبَادَاتِ، اعْتِبَارًا بِقَصْدِ الْمُجَاهِدِ، وَالشَّافِعِيَّةُ أَلْحَقُوهُ بِالْجِنَايَاتِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَبَعْضُ فُرُوعِهِ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ كُلَّ الْفُرُوعِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ أَيْ مَعْنًى مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، أَيْ زِيَادَةِ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ مَأْخُوذٌ ذَلِكَ مِنْ مُطْلَقِ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ، أَيْ أَمْرٍ مَلْحُوظِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ لَفْظَ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مَزِيدٌ مَعْنَاهُ لُغَةً، لَفْظٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْأَخْذِ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ] أَيْ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ الطَّاقَةُ. أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. وَقَوْلُهُ: وَالْمَشَقَّةِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَلَيْسَ فِيهِ جِهْدٌ، بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْفَاكِهَانِيَّ قَالَ: مَا نَصُّهُ وَالْجِهَادُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْجَهْدِ، وَهُوَ التَّعَبُ فَمَعْنَى الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْمُبَالَغَةُ فِي إتْعَابِ النَّفْسِ، فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ طَرِيقًا إلَى الْجَنَّةِ. اهـ. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ] خَرَجَ قِتَالُ الذِّمِّيِّ الْمُحَارِبِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ نَقْضٍ، وَقَوْلُهُ: لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ يَقْتَضِي إنْ قَاتَلَ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِإِظْهَارِ الشُّجَاعَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَكُونُ مُجَاهِدًا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ، حَيْثُ أَظْهَرَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُهَا حَيْثُ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَبَحَثَ فِيهِ عج: بِأَنَّ مَنْ قَاتَلَ الْعَدُوَّ لِأَجْلِ الْغَنِيمَةِ يُحْكَمُ لَهُ، بِحُكْمِ الْمُجَاهِدِ بِإِعْطَاءِ حَظِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ إنَّمَا هُوَ لِيَكُونَ شَهِيدًا. اهـ. وَقَوْلُهُ: أَوْ حُضُورُهُ أَوْ دُخُولُهُ أَرْضِهِ لَهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى قِتَالٍ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِهَادَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ أَوْ الْحُضُورِ لِلْقِتَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي الْحُضُورِ يَعُودُ عَلَى الْقِتَالِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى إعْلَاءِ أَوْ عَلَى الْقِتَالِ، وَضَمِيرُ أَرْضِهِ يَحْتَمِلُ عَوْدُهُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَهُ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْأَوَّلَ عَائِدٌ عَلَى الْقِتَالِ وَالثَّانِيَ لِلْقِتَالِ أَوْ لِإِعْلَاءِ الْكَلِمَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مُحَافَظَةً عَلَى ذِكْرِ الْجَلَالَةِ فِي الرَّسْمِ لِلْبَرَكَةِ، وَإِضَافَةُ الْكَلِمَةِ إلَى اللَّهِ عَلَى مَعْنَى الْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ} [الذاريات: 56] الْآيَةَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ طَاعَةٌ الْإِمَامِ] أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى جِهَةٍ لِلْقِتَالِ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ وَتَرْكُ الْغُلُولِ هُوَ الْأَخْذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا، وَقَوْلُهُ وَالْوَفَاءُ بِالْأَمَانِ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَمَّنَ كَافِرًا فَيَجِبُ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَبِيحَ دَمَهُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ

قِسْمَانِ: فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى، وَبِالنَّذْرِ وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ، وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ عَلَى مَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. فِي بَابِ جُمَلٍ وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ يَحْمِلُهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] إلَى قَوْلِهِ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] فَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَعْيَانِ لَمَا وَعَدَ اللَّهُ الْقَاعِدِينَ بِالْحُسْنَى، وَتَوَاتَرَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْسَلَ قَوْمًا دُونَ آخَرِينَ. (وَأَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ (أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ (إلَّا أَنْ يُعَاجِلُونَا) أَيْ يُبَادِرُونَا بِالْقِتَالِ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ لَا تُسْتَحَبُّ، بَلْ يَجِبُ قِتَالُهُمْ وَتَسْقُطُ الدَّعْوَةُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا مَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ الثَّبَاتُ عِنْدَ الزَّحْفِ. [قَوْلُهُ: فَيَتَعَيَّنُ لِفَكِّ الْأُسَارَى] أَيْ فَيَتَعَيَّنُ لِأَجْلِ فَكِّ الْأُسَارَى، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتِيجَ فِي فَكِّهِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ صَارَ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ لَا فَرْضَ عَيْنٍ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ عَجُّ [قَوْلُهُ: وَبِالنَّذْرِ] أَيْ نَذْرِ أَنْ يُقَاتِلَ الْكُفَّارَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: وَبِاسْتِنْفَارِ الْإِمَامِ] يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَيَّنَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَسَعَهُ الْمُخَالَفَةُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَلِي الْعَدُوَّ أَمْ لَا، كَانَ مِمَّنْ يُخَاطَبُ بِفَرْضِ الْجِهَادِ أَمْ لَا، كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ مِنْ صَبِيٍّ مُطِيقٍ لِلْقِتَالِ أَوْ امْرَأَةٍ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ، مِنْ مَنْعِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَبِفِجَاءِ الْعَدُوِّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ] يَعْنِي أَنَّ الْعَدُوَّ إذَا فَجَأَ مَدِينَةَ قَوْمٍ مَثَلًا، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، فَإِنْ عَجَزُوا عَنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ الْعَدُوَّ، مَا لَمْ يَخَفْ مَنْ بِقُرْبِهِمْ مَعَرَّةَ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فَلْيَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ. [قَوْلُهُ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ] يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَلَوْ مَعَ خَوْفِ الْمُحَارِبِ كَانَ فِي طَرِيقِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ عَلَى حِدَةٍ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ أَنْ يُعَيَّنَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِجِهَادِ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَيَكُونُ فِي أَهَمِّ جِهَةٍ لِلْعَدُوِّ مَعَ قِلَّةِ خَوْفِ غَيْرِهَا، وَإِنْ تَسَاوَى الطَّرِيقَانِ خَوْفًا، فَالنَّظَرُ لِلْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي يَذْهَبُ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ كِفَايَةٌ لِجَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَإِلَّا وَجَبَ سَدُّ الْجَمِيعِ. وَقَوْلُنَا: فَرْضُ كِفَايَةٍ، لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْحُرِّ، الذَّكَرِ الْمُحَقِّقِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْقَادِرِ لَا عَلَى أَضْدَادِهِمْ، وَكَمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْمُسْلِمِينَ يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ تَحْتَ ذِمَّتِنَا، فَيُطْلَبُونَ بِمُجَاهَدَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْكُفَّارِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ عُرِّفَ بِأَنَّهُ مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فَاعِلِهِ بِالذَّاتِ مَعَ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِ فَخَرَجَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ، وَمَا نُدِبَ كِفَايَةً، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أُسْقِطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِقِيَامِ غَيْرِهِ هَلْ لَهُ أَجْرٌ أَمْ لَا. قَوْلَانِ: قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ {وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] إلَخْ] أَيْ الْمَثُوبَةَ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ [قَوْلُهُ: الْعَدُوُّ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْعَدُوُّ خِلَافُ الصَّدِيقِ الْمُوَالِي وَالْجَمْعُ أَعْدَاءٌ، وَعِدًى بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ، يَقَعُ الْعَدُوُّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمَجْمُوعِ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنَّفِ حَتَّى يُدْعَوْا بِالْجَمْعِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَدُوِّ هُنَا وَاقِعًا عَلَى جَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَهَادَةُ] فِيهِ شَيْءٌ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ حَتَّى تُدْعَى كُلُّ فِرْقَةٍ إلَى الْخُرُوجِ عَمَّا كَفَرَتْ بِهِ فَيُدْعَى إلَى الشَّهَادَتَيْنِ، مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِمَضْمُونِهِمَا وَيُدْعَى إلَى عُمُومِ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى مَنْ يُنْكِرُ الْعُمُومَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ يُدْعَوْنَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ دِينٌ الْإِسْلَامِ الْمُعْتَبَرِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ] أَيْ كُلُّ مَرَّةٍ فِي يَوْمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضٍ أَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ فَرْضٌ، أَيْ خِلَافُ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ فَإِذَا دُعُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أَوَّلِهِ قُوتِلُوا أَوَّلَ الرَّابِعِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لَا فِي بَقِيَّةِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمْ كَالْمُرْتَدِّ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ] هَذَا ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إلَى اسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ هَلَاكِهِمْ. قَالَ فِي

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ الدَّعْوَةِ أَوَّلًا، لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: الْوُجُوبَ مُطْلَقًا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَدَمَهُ لَهُ فِي غَيْرِهَا، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا تَجِبُ فِيمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ، وَالرَّابِعَ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ. ج وَجَعَلَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ، قَوْلَ الشَّيْخِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا قَوْلًا خَامِسًا وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ إنَّمَا نَفَى الْوُجُوبَ فَقَطْ، يُرِيدُ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْخِلَافِ. انْتَهَى. وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ دَعْوَتِهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ) أَنَّهُمْ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ أَجَابُوا إلَى أَحَدِهِمَا كُفَّ عَنْهُمْ (وَإِلَّا قُوتِلُوا) وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَصِفَةِ الدَّعْوَةِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَجَابُوا كُفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا، وَإِنْ أَجَابُوا طُولِبُوا بِالِانْتِقَالِ إلَى حَيْثُ يَنَالُهُمْ سُلْطَانُنَا فَإِنْ أَجَابُوا كَفَفْنَا عَنْهُمْ، وَإِنْ أَبَوْا قُوتِلُوا هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ فَلَوْ عَجَّلُوا عَنْ الدَّعْوَةِ قُوتِلُوا دُونَهَا. انْتَهَى. وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ إلَّا أَنْ يَرْتَحِلُوا إلَى بِلَادِنَا، وَإِلَّا قُوتِلُوا) ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا هَذَا الشَّرْطُ فِي أَهْلِ الْعَنْوَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصُّلْحِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِصْبَاحِ وَاسْتَأْصَلْته قَلَعْته بِأُصُولِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ: اسْتَأْصَلَ اللَّهُ الْكُفَّارَ أَيْ أَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا. [قَوْلُهُ: هَذَا مَا يُعْطِيهِ] الْمُشَارُ لَهُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ لَا تُسْتَحَبُّ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَذْهَبِ] أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا فِي الدَّعْوَةِ إلَخْ] أَقُولُ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْمُنَاسَبُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي إلَيْنَا عَائِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: الْوُجُوبُ مُطْلَقًا] هَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ [قَوْلُهُ: بَعُدَتْ دَارُهُ] أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ دُونَ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ أَيْ فَلَا يُدْعَوْنَ لِعِلْمِهِمْ بِالدَّعْوَةِ، كَذَا رَأَيْتُ [قَوْلُهُ: تَجِبُ فِي الْجَيْشِ الْكَثِيرِ] أَيْ الْآمِنِ أَيْ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَقَوْلٌ رَابِعٌ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْجَيْشِ الْكَثِيرِ الْآمِنِ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، تَكُونُ الدَّعْوَةُ سَبَبًا لِاسْتِعْدَادِ الْكُفَّارِ فَيَكُونُ ضَرَرًا لِلْمُسْلِمِينَ، خِلَافٌ مَا إذَا كَانَ آمِنًا فَلَا يُبَالِي أَيْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ آمِنًا، فَلَا تَجِبُ بَلْ تَحْرُمُ. هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي تَقْرِيرِ الْقَوْلَيْنِ [قَوْلُهُ: قَوْلًا خَامِسًا] أَيْ فَيَكُونُ الثَّانِي قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِيمَا يَظْهَرُ [قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ] أَيْ لِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُمْ إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُدْعَوْنَ عَلَى التَّرْتِيبِ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ وَظَاهِرٌ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا إلَخْ. لَيْسَ بَيَانًا لِلدَّعْوَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ لِلْإِسْلَامِ أَوْ لِلْجِزْيَةِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ لِمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي جَوَابِ الدَّعْوَةِ فَإِذَا دُعُوا لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوا لَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَجَابُوا لِلْجِزْيَةِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ إجَابَةٌ لِلْجِزْيَةِ بَعْدَ إبَايَةِ الْإِسْلَامِ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْ حَاشِيَةِ عج: بِالْمَعْنَى [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ] أَيْ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ الشَّرَائِعِ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْهَا فَتُبَيَّنَ لَهُمْ [قَوْلُهُ: عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَدَاءَ الْجِزْيَةِ] أَيْ إجْمَالًا أَيْ إلَّا أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا [قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ الْإِمْهَالِ] أَيْ تَرْكُ الْكُفَّارِ إيَّانَا إلَخْ، مِنْهُ نَسْتَفِيدُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، تَقْدِيرُهُ، وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لَا يُقَاتَلَ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا قُوتِلُوا، إلَّا أَنْ يُعَاجِلُوا فَلَا يُدْعَوْا إلَى دِينِ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: عَجِلُوا] مِنْ بَابِ تَعِبَ أَيْ فَلَوْ أَسْرَعُوا لِمُقَاتَلَتِنَا كَافِّينَ عَنْ دَعْوَتِنَا أَيْ تَارِكِينَ لَهَا. [قَوْلُهُ: قُوتِلُوا دُونَهَا] أَيْ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَلِقَبُولِ الْجِزْيَةِ شَرْطٌ] أَيْ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَلَيْسَ لَهُ شَرْطٌ، أَيْ إذَا أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي أَيِّ مَحِلٍّ كَانَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: فَأَمَّا إنْ بَعُدُوا إلَخْ] لَا يُفِيدُ الْمُرَادُ وَهُوَ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا، فَإِنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَهَذَا يُوجَدُ مَعَ

وَتُقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ فِي مَوْضِعِهِمْ، لِأَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَالَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَتَكَلَّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ أَيْنَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا، فَنَقُولُ سَكَتَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ لَا تَقْدَحُ قُوَّةٌ فِي إسْلَامِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً قَبْلَ الصُّلْحِ. (وَالْفِرَارُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَنْ يُوَلِّيَ (مِنْ الْعَدُوِّ) وَنِيَّتُهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ (مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ مِنْ الْكُفَّارِ (مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلَّ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ مِثْلَهُمْ فِي الْقُوَّةِ أَوْ أَشَدَّ أَوْ جُهِلَ الْأَمْرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ أَمْ لَا، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَنِيَّتُهُ إلَى آخِرِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ، بِأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَكِيدَةً لَهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] الْمُتَحَرِّفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبُعْدِ وَقَدْ يُوجَدُ ضِدُّهُ مَعَهُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: وَسَكَتَ عَنْ إسْلَامِهِمْ إذَا أَسْلَمُوا] أَيْ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: لَا تَقْدَحُ فِي إسْلَامِهِمْ] أَيْ بِالْفِعْلِ لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ شُرَّاحَ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ قَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَنَصَّ الْبَعْضُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيبُوا لِلْجِزْيَةِ أَوْ أَجَابُوا لَهَا، وَلَكِنَّهُمْ بِمَحَلٍّ لَا تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فِيهِ وَلَمْ يَرْتَحِلُوا إلَى مَحَلٍّ يُؤْمَنُ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَجَابُوا لِلْإِسْلَامِ، وَهُمْ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ قُوتِلُوا أَيْ أُخِذَ فِي قِتَالِهِمْ، وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ قُتِلُوا اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُ شُرَّاحِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسْلِمُوا بِالْفِعْلِ لَا وَعَدُوا بِالْإِسْلَامِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ قَبْلَ الصُّلْحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تُوَضِّحُ الْمَقَامَ، وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَإِنْ كَانُوا حَيْثُ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْتَحِلُوا، وَإِنْ لَمْ يَرْتَحِلُوا فَهُمْ عَاصُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِسْلَامُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ إنَّمَا كَانَتْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَكَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ حَتَّى يَرْتَحِلَ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ قَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» . [قَوْلُهُ: أَوْ جُهِلَ الْأَمْرَ] أَيْ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَضْعَفُ قُوَّةً مِنْ الْكُفَّارِ لَجَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ، حِينَئِذٍ يُفِيدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ، وَإِذَا كَانُوا ضِعَافًا لَيْسَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الضَّعْفُ بِحَسَبِ الْعَدَدِ لَا الْقُوَّةِ، خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونَ فَإِنَّهُ يَقُولُ يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتُوا لِأَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ، إذَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْ الْكُفَّارِ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةً وَجَلَدًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَثْبُتُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ إذَا كَانَ الْكُفَّارُ أَشَدَّ مِنْهُمْ سِلَاحًا، وَأَكْثَرَ قُوَّةَ وَجَلَدًا وَخَافُوا أَنْ يَغْلِبُوهُمْ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ حُرْمَةِ الْفِرَارِ إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ ضَعْفَهُمْ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا عَلَى مَا سَيَأْتِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ سِلَاحٌ لَمْ يَحْرُمْ الْفِرَارُ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ كَلِمَتُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ إلَخْ] الْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِمَحِلِّ مَدَدٍ وَلَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَهَذَا جَارٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ أَوْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَيَكْفِي بُلُوغُهُمْ هَذَا الْعَدَدَ وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ كَوْنُ الْجَمِيعِ مِمَّنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْجِهَادِ، بَلْ لَوْ كَانَ فِيهِمْ عَبِيدٌ وَصِبْيَانُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ قُدْرَةٌ عَلَى الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا فَرَّ وَنِيَّتُهُ الرُّجُوعُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ كَالْمُتَحَرِّفِ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ، فَالْأَوْلَى

هُوَ الَّذِي يُرِي الْعَدُوَّ الِانْهِزَامَ حَتَّى يَتْبَعَهُ فَيَكِرُّ عَلَيْهِ وَالْمُتَحَيِّزُ هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ بِقُرْبِهِ يَسْتَعِينُ بِهِمْ، (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْعَدُوُّ الْكُفَّارُ (أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ (فَلَا بَأْسَ) بِجَوَازِ (ذَلِكَ) الْفِرَارِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُوَ كَذَلِكَ. فِي النَّوَادِرِ عَنْ سَحْنُونَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، وَإِنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ وَقَيَّدَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَلَامَ الشَّيْخِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. (وَيُقَاتَلُ الْعَدُوُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ أَنْ يُقَاتِلَ الْعَدُوَّ مِنْ الْكُفَّارِ (مَعَ كُلِّ بَرٍّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ. (وَ) مَعَ كُلِّ (فَاجِرٍ) وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ (مِنْ الْوُلَاةِ) أَمَّا مَعَ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَعَ الثَّانِي فَلِمَا صَحَّ، مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ الْقِتَالُ مَعَهُ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ. (وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ) جَمْعُ عِلْجٍ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ. (وَلَا يُقْتَلُ أَحَدٌ) مِنْ الْعَدُوِّ (بَعْدَ أَمَانٍ) كَانَ الْأَمَانُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُشِيرَ إلَى إخْرَاجِهِمَا أَوَّلًا، وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُحْتَرِفِ. [قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْأَمِيرِ] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَيِّزُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا بَيِّنًا، وَقَرُبَ الْمُنْحَازُ إلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُنْحَازُ أَمِيرَ الْجَيْشِ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بُلُوغَ الْمُسْلِمِينَ النِّصْفَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ الْآتِيَةِ، بِمَا إذَا كَانَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَإِلَّا جَازَ الْفِرَارُ فَصَارَ حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ سِلَاحٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِفَ كَلِمَتُهُمْ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْكُفَّارِ مَادَّةٌ، وَلَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَكُونَ فِي ثَبَاتِهِمْ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ. [قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِجَوَازِ ذَلِكَ] لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ جَوَازٍ فَذِكْرُهَا مُضِرٌّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ حِينَئِذٍ الْفِرَارُ أَوْ الثَّبَاتُ، أَوْ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فَالْفِرَارُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَالثَّبَاتُ أَفْضَلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَر أَلْفًا إلَخْ] قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِشُرُوطٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هَذَا جَارٍ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَنْ يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ الْجِهَادُ، فَهَلْ يُقَاتِلُ مَعَ كُلِّ بَارٍّ وَفَاجِرٍ أَوْ لَا. قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَفِّي بِالْعُهُودِ] أَيْ: الْعَادِلُ، [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَائِرُ فِي أَحْكَامِهِ] شَامِلٌ لِمَنْ كَانَ جَوْرُهْ بِالْغَدْرِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ وُجُوبِ الْقِتَالِ مَعَهُ، وَلِمَنْ كَانَ فَاسِقًا وَلِمَنْ لَا يَعْدِلُ فِي الْخَمْسِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْجِهَادِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ كِفَايَةً، وَأَمَّا مَا يَنْدُبُ فَقَدْ تَقَدَّمَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا وَجْهَ لِلْقِتَالِ مَعَ الْجَائِزِ فِي الْمَنْدُوبِ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ مِنْ أُسِرَ مِنْ الْأَعْلَاجِ] أَيْ إذَا كَانَ فِي قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَشَارَ بِهِ لِمَنْ يَقُولُ لَا تُقْتَلُ الْأُسَارَى؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقَتْلِ أَحْسَنُ. اهـ. أَقُولُ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَعْلَاجِ فَرْضُ مِثَالٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ: ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِنْ أَسَرُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي خَمْسَةٍ: الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ أَوْ الْمَنِّ بِالنَّظَرِ. اهـ. قَالَ خَلِيلٌ: فِي تَوْضِيحِهِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِبْقَاءِ، فَإِنْ قَتَلَ فَلَا تَفْصِيلَ، وَإِنْ أَبْقَى خُيِّرَ فِي أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْمَنِّ، وَقَوْلُهُ بِالنَّظَرِ رَاجِعٌ لِلْخَمْسَةِ، يَعْنِي أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَمَتَى وَجَدَ فِيهَا أَحْسَنَ تَعَيَّنَ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرِّجَالِ الْمُقَاتِلَةِ، وَأَمَّا الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسَ إلَّا الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ أَوْ الْعِتْقُ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ النَّظَرُ فِيمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَأَيْنَ التَّخْيِيرُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْيِيرَ حَيْثُ رَأَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمُورِ مَصْلَحَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، مِنْ

الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] ؛ وَلِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يُنْصَبُ لِلْغَادِرِ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ (وَلَا يُخْفَرُ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَدُوِّ (بِعَهْدٍ) وَالْإِخْفَارُ نَقْضُ الْعَهْدِ، وَلَيْسَ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ خَاصٌّ بِالْقَتْلِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. (وَلَا) يُقْتَلُ (النِّسَاءُ وَ) لَا (الصِّبْيَانُ) ؛ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَتْلِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَا يَضْرِبُ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ، وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِرْقَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْفِدَاءِ، (وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ) جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ الْعَابِدُ. (وَ) قَتْلُ (الْأَحْبَارُ) جَمْعُ حَبْرٍ، بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْعَالِمُ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلُ الْأَحْبَارِ الْأُجَرَاءُ وَيُشْتَرَطُ فِي عَدَمِ قَتْلِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ، أَنْ يَنْقَطِعَا عَنْ أَهْلِ مِلَّتِهِمَا حِسًّا فِي دَيْرٍ أَوْ صَوْمَعَةٍ، وَمَعْنًى، فَلَا يُخَالِطَاهُمْ فِي رَأْيٍ وَلَا يُعِينَاهُمْ فِي تَدْبِيرٍ وَمَشُورَةٍ، وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ لَا يُسْتَرَقَّانِ، وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا. وَاخْتَلَفَ فِي الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ، إذَا كَانَ مَالًا كَثِيرًا عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ، أَنَّهُ لَا يُتْرَكُ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا رَأَيْتُ أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَالُهُ، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ. انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ، أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ، وَحُكْمُ الْمَرْأَةِ إذَا تَرَهَّبَتْ، حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّخْيِيرِ لَازِمُهُ، وَهُوَ عَدَمُ تَعَيُّنِ وَاحِدٍ مِنْهَا ابْتِدَاءً. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونَ أَمَانَةً مَوْقُوفٌ عَلَى نَظَرِ الْإِمَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ. اهـ. ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] أَيْ رَايَةٌ، كَمَا قَالَهُ شَارِحُو الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. قَالَ بَعْضٌ: وَالْمُرَادُ شُهْرَتُهُ فِي الْقِيَامَةِ بِصِفَةِ الْغَدْرِ؛ لِيَذُمَّهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، وَفِيهِ غُلِّظَ تَحْرِيمُ الْغَدْرِ لَا سِيَّمَا مِنْ صَاحِبِ الْوَلَايَةِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ غَدْرَهُ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُخْفَرُ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، مِنْ أَخْفَرَ لَا مِنْ خَفَرَ، قَالَ فِي الصَّحَاحِ، وَأَخْفَرْتُهُ إذَا نَقَضْتُ عَهْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَيُجْتَنَبُ قَتْلُ الرُّهْبَانِ] لَيْسَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ، لِفَضْلِ تَرَهُّبِهِمْ بَلْ هُمْ مِنْ اللَّهِ أَبْعَدُ مِنْ غَيْرِهِمْ لِشِدَّةِ كُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا تُرِكُوا لِتَرْكِهِمْ أَهْلِ دِينِهِمْ فَصَارُوا كَالنِّسَاءِ اهـ مِنْ تت. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَفْصَحُ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَّحَهُ صَاحِبُ الصَّحَاحِ، وَصَدَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْفَتْحَ بَعْدُ، وَاقْتَصَرَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ عَلَى الْفَتْحِ وَكَذَا ثَعْلَبٌ. [قَوْلُهُ: الْأُجَرَاءُ] أَيْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ فَفِي الشَّيْخِ زَرُّوقٍ الْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ الْفَلَّاحِ وَالْأَجِيرِ وَالصَّانِعِ، إذَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَقَدَرَ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَعِنْدَ سَحْنُونَ يُقْتَلُونَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِهِمْ مِمَّنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ اهـ. وَرَأَى بَعْضُ مُحَقِّقِي شُيُوخِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي حَالٍ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ وَتَدْبِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُقْتَلُ، وَمَنْ لَا رَأْيَ لَهُ لَا يُقْتَلُ. [قَوْلُهُ: الْأَوَّلَيْنِ] لَعَلَّهُ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ أَوَّلَيْنِ، بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ الْأُجَرَاءُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعِينُوهُمْ] عَيْنُ الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فِي تَدْبِيرٍ] التَّدْبِيرُ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَقَوْلُهُ: مَشُورَةُ الْإِعَانَةِ فِي مَشُورَةٍ، هِيَ أَنْ يَدُلَّ الْمُسْتَشَارُ الْمُسْتَشِيرَ عَلَى مَا فِيهِ صَلَاحُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ] وَعَلَى قَاتِلِهِمَا دِيَةُ حُرٍّ، تُدْفَعُ لِأَهْلِ دِينِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُ لَهُمَا مَا يَقُومُ بِهِمَا] أَيْ يَتْرُكُ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا يَعِيشُونَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا تُؤْخَذُ كُلُّهَا فَيَمُوتُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ فَمِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكُفَّارِ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مُوَاسَاتُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ إلَخْ] أَيْ الَّذِي هُوَ الثَّانِي [قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْيَسِيرِ] أَيْ فِي كَوْنِهِ يُتْرَكُ لَهُ وَالْكَثِيرُ لَا يُتْرَكُ لَهُ، هُوَ مَذْهَبُ سَحْنُونَ أَيْ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ مُقَابِلًا لَهُ، أَنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ كِفَايَتُهُ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَ الزَّائِدُ مَالًا كَثِيرًا أَمْ لَا، فَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ. [قَوْلُهُ: أَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ] أَيْ مِنْ شَيْخٍ فَانٍ وَزَمِنٍ، وَأَعْمَى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَا تَدْبِيرٌ، أَمَّا إنْ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ رَأْيٌ قُتِلَ. [قَوْلُهُ: حُكْمُ الرَّجُلِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَيْسَ حُكْمُهُنَّ حُكْمَ الرِّجَالِ فَلَا يَتْرُكُهُنَّ، وَيَجُوزُ أَسْرُهُنَّ إذْ

قَوْلِهِ (إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا) فَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى جَمِيعِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ، وَقِيلَ عَائِدٌ عَلَى الرُّهْبَانِ، وَمَا بَعْدَهُ وَاسْتُقْرِبَ لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ، مَعَ قَوْلِهِ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تُقْتَلُ إذَا قَاتَلَتْ) ظَاهِرُهُ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَيَّدَهُ ع بِقَوْلِهِ: يَعْنِي حَالَ الْقِتَالِ. وَأَمَّا إذَا بَرَدَ الْقِتَالُ فَلَا تُقْتَلُ، وَهَذَا أَيْضًا إذَا قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ، وَأَمَّا إذَا قَاتَلَتْ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا تُقْتَلُ. (وَيَجُوزُ أَمَانُ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ) وَهُوَ الْخَسِيسُ الَّذِي إذَا غَابَ لَا يُنْتَظَرُ، وَإِذَا حَضَرَ لَا يُسْتَشَارُ (عَلَى بَقِيَّتِهِمْ) فَأَمَانُ الشَّرِيفِ أَحْرَى بِالْجَوَازِ، وَهَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، وَأَمَّا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَوْ بَلَدٍ فَلَا يَعْقِدُ لَهُمْ الْأَمَانَ إلَّا السُّلْطَانُ، فَإِنْ عَقَدَهُ غَيْرُهُ نَقَضَهُ إنْ شَاءَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَشَرْطُ الْأَمَانِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَرٌ، فَلَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا أَوْ طَلِيعَةً أَوْ مَنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ لَمْ يَنْعَقِدْ اهـ. . وَيَنْعَقِدُ الْأَمَانُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ وَبِالْكِنَايَةِ وَالْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) يَجُوزُ أَمَانُهَا (وَالصَّبِيُّ) مِثْلُهَا يَجُوزُ أَمَانُهُ (إذَا عَقَلَ الْأَمَانَ) أَيْ عَلِمَ أَنَّ نَقْضَ الْأَمَانِ حَرَامٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَالْوَفَاءَ بِهِ وَاجِبٌ يُثَابُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: إنْ أَجَازَ ذَلِكَ) أَيْ أَمَانَ الصَّبِيِّ (الْإِمَامُ جَازَ) ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ لَمْ يَجُزْ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْبَانِيَّةُ إنَّمَا يَفْعَلُهَا الرِّجَالُ. [قَوْلُهُ: مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ] أَمَّا النِّسَاءُ فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِنَّ، وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُهَا وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّكْرَارِ] ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ] مِنْ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عُلِمَ أَنَّ الصُّوَرَ ثَمَانٍ وَهِيَ: إمَّا أَنْ تُقْتَلَ أَوْ لَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالسِّلَاحِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا حَالَ الْمُنَاشَبَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَمَتَى قُتِلَتْ قُتِلَتْ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ أَوْ بَعْدَهَا قُتِلَتْ بِسِلَاحٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَمَتَى لَمْ تُقْتَلْ قُتِلَتْ حَالَ الْمُقَاتَلَةِ بِسِلَاحٍ لَا حَالَهَا بِدُونِهِ وَلَا بَعْدَهَا مُطْلَقًا، فَلَا تُقْتَلُ فِي ثَلَاثٍ وَتُقْتَلُ فِي خَمْسٍ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ بِسِلَاحٍ تُقْتَلُ مُطْلَقًا حَالَ الْقِتَالِ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا، وَالصَّبِيُّ فِي التَّفْصِيلِ كَالْمَرْأَةِ وَلَوْ رَاهَقَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْخَسِيسُ] الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي لَيْسَ عَدْلَ شَهَادَةٍ، لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِمَصْلَحَةِ الْأَمَانِ وَلَوْ خَارِجًا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ] أَيْ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ مَخْصُوصِينَ. [قَوْلُهُ: نَقَضَهُ إنْ شَاءَ] أَيْ كَانَ لَهُ النَّظَرُ كَمَا يَنْظُرُ فِي التَّأْمِينِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ أَوْ الْجَاهِلِ، فَإِنْ رَآهُ صَوَابًا أَمْضَاهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَمَانِ الذِّمِّيِّ لِبَعْضِ الْحَرْبِيِّينَ لَا يَجُوزُ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثَمَرَةَ الْأَمَانِ الْعَائِدَةَ عَلَى الْمُؤَمَّنِ، حُرْمَةُ قَتْلِهِ وَاسْتِرْقَاقِهِ، وَعَدَمُ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ، إنْ وَقَعَ الْأَمَانُ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِنَّمَا يَسْقُطُ بِهِ الْقَتْلُ فَقَطْ، وَيَرَى الْإِمَامُ رَأْيَهُ فِي غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ أَمَّنَ جَاسُوسًا إلَخْ] يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ حِينَئِذٍ، إلَّا أَنْ يَرَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ أَوْ يُسْلِمُ. [قَوْلُهُ: الطَّلِيعَةُ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، الطَّلِيعَةُ الْقَوْمُ يُبْعَثُونَ أَمَامَ الْجَيْشِ يَتَعَرَّفُونَ طِلْعَ الْعَدُوِّ بِالْكَسْرِ، أَيْ خَبَرَهُ وَالْجَمْعُ طَلَائِعُ اهـ. فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُغَايِرٌ لِلْجَاسُوسِ. [قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ الْأَمَانُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ إلَخْ] كَأَمَّنْتُكَ [قَوْلُهُ: وَالْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ] أَيْ يَفْهَمُ مِنْهَا الْكَافِرُ الْأَمَانَ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمُشِيرُ الْأَمَانَ بَلْ ضِدَّهُ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ بِهَا الْمُشِيرُ الْأَمَانَ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْأَمَانُ، وَإِنْ فَهِمَ مِنْهَا الْكَافِرُ ضِدَّ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَرْأَةُ إلَخْ] أَوْ الْعَبْدُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إنْ عَقَلَ الْأَمَانَ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ أَجَازَ ذَلِكَ] مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ يَمْضِي إنْ أَمْضَاهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْمَاجِشُونَ. إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّارِحِ فِيهَا قُصُورٌ، مِنْ حَيْثُ إرْجَاعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلصَّبِيِّ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَجْعَلُ مِثْلَ الصَّبِيِّ الْمَرْأَةَ بَلْ وَالْعَبْدَ، وَلِذَلِكَ أَرْجَعَ اسْمَ الْإِشَارَةِ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا أَمَانُ الْخَارِجِ عَنْ الْإِمَامِ الْمُسْلِمِ الْكَبِيرِ الْحُرِّ فَيَمْضِي، وَيَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الذِّمِّيِّ وَالْخَائِفِ مِنْهُمْ

[الأموال المأخوذة من العدو]

وَهِيَ قِسْمَانِ: فَيْءٌ وَسَيَأْتِي وَغَنِيمَةٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ، بِقَوْلِهِ (وَمَا غَنَمَ الْمُسْلِمُونَ) مِنْ الْعَدُوِّ (بِإِيجَافٍ) أَيْ تَعَبٍ وَحَمَلَاتٍ فِي الْحَرْبِ (فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ) يَضَعُهُ إنْ شَاءَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شِرَاءِ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَرَاهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ فَيَدْفَعُهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِمْ أَوْ يَجْعَلُ بَعْضَهُ فِيهِمْ وَبَقِيَّتَهُ فِي غَيْرِهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الَّذِي غَنِمُوهُ غَيْرَ أَرْضٍ مِنْ كُرَاعٍ وَقُمَاشٍ وَعَبِيدٍ، وَمَالٍ وَحِنْطَةٍ. وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَا تُخَمَّسُ وَلَا تُقْسَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَلْ تُوقَفُ وَيُصْرَفُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (وَ) بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ خُمُسَ الْمَغْنَمِ (يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ) الْبَاقِيَةَ (بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ) الْمُجَاهِدِينَ بِشُرُوطٍ تَأْتِي (وَقَسْمُ ذَلِكَ) أَيْ مَا غَنِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ تَأْمِينُهُمَا. [الْأَمْوَالِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْعَدُوِّ] [قَوْلُهُ: بِإِيجَافٍ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا حَقِيقَةً وَاضِحٌ، وَحُكْمًا كَمَا إذَا نَزَلَ الْجَيْشُ بَلَدَ الْعَدُوِّ فَهَرَبُوا مِنْهُ فَأَخَذَ مَالَهُمْ، فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ، هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَمَا انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْجَيْشِ فَيْءٌ، وَكَذَا مَا كَانَ بَعْدَ خُرُوجِ الْجَيْشِ وَقَبْلَ نُزُولِهِ بَلَدَ الْعَدُوِّ، كَمَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيُّ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِإِيجَافٍ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَاتٍ] جَمْعُ حَمْلَةٍ: وَهِيَ الْكَرَّةُ فِي الْحَرْبِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَأْخُذْ الْإِمَامُ خُمُسَهُ] هَذَا مِنْ الْجِهَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا بَيْتُ الْمَالِ، وَمِنْهَا الْجِزْيَةُ وَالْفَيْءُ وَالْمَالُ الْمَوْرُوثُ وَالْمَالُ الضَّالُّ صَاحِبُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجْهُولُ، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: جِهَاتُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَبْعَتُهَا ... فِي بَيْتِ شِعْرٍ حَوَاهَا فِيهِ كَاتِبُهُ خُمْسٌ وَفَيْءٌ خَرَاجٌ جِزْيَةٌ عُشُرٌ ... وَإِرْثُ فَرْضٍ وَمَالٌ ضَلَّ صَاحِبُهُ أَيْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ. اهـ. فَيُبْدَأُ مِنْ ذَلِكَ بِآلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَدْبًا ثُمَّ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ، أَيْ الْعَائِدِ نَفْعُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْغَزْوِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ. [قَوْلُهُ: يَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ] هَذَا التَّفْصِيلُ بِذَاتِهِ فِي ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: مِمَّا يَرَاهُ مَصْلَحَةً إلَخْ] أَيْ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَعِمَارَةِ الثُّغُورِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ فَيَدْفَعُهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -] قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ، فَصَحَّ كَوْنُ الدَّفْعِ لِآلِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْقِسْمَةِ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَدْفَعُهُ كُلَّهُ لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، إذَا كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِهِمْ أَيْ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَ الْغَيْرِ كَالْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ كُرَاعٍ] بِوَزْنِ غُرَابٍ الْخَيْلُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: فَلَا تُخَمَّسُ وَلَا تُقْسَمُ إلَخْ] وَقِيلَ يَتَحَتَّمُ قَسْمُهَا، وَقِيلَ يَقْسِمُهَا إنْ رَأَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بَلْ تُوقَفُ] أَيْ أَنَّهَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا تَصِيرُ وَقْفًا وَلَا تَحْتَاجُ لِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَصْدُهُ الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَوَاتٍ أَيْ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَكَذَا الدُّورُ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ فَتَصِيرُ وَقْفًا كَأَرْضِهَا، وَلَكِنْ لَا يُؤْخَذُ لِلدُّورِ كِرَاءٌ فَلَيْسَتْ كَأَرْضِ الزِّرَاعَةِ فَإِذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَهَا، فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا، وَلَوْ قُسِمَتْ الْأَرْضُ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهَا تُوقَفُ فَيَمْضِي حَيْثُ قَسَمَهَا مَنْ يَرَى قَسْمَهَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمِصْرِ. [قَوْلُهُ: يَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ الْبَاقِيَةِ] وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِيَقْسِمَ أَثْمَانَهَا؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْمُسَاوَاةِ لِمَا يَدْخُلُ التَّقْوِيمَ مِنْ الْخَطَأِ. إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِي فَيَقْسِمُ الْأَعْيَانَ أَوْ لَا يَجِبُ الْبَيْعُ بَلْ يُخَيَّرُ، فَإِنْ شَاءَ بَاعَ وَقَسَمَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَ الْأَعْيَانَ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ. قَوْلَانِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ، بِأَنَّ بَيْعَهَا بِبَلَدِ الْحَرْبِ ضَيَاعٌ لِرُخْصِهَا هُنَاكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رُخْصَهَا يَرْجِعُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُشْتَرُونَ، وَهُمْ أَحَقُّ بِرُخْصِهَا، وَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْخُمُسِ أَيْضًا، وَعَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقْسِمُ سِلَعَ الْغَنِيمَةِ لَا أَثْمَانَهَا، فَيَقْسِمُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ سِلَعِ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، حِسًّا بِاتِّسَاعِ الْغَنِيمَةِ وَشَرْعًا بِأَنْ لَا يُؤَدِّيَ لِتَفْرِيقِ أُمٍّ مِنْ وَلَدِهَا وَيَبْقَى النَّظَرُ إذَا كَانَ فِي الْغَنِيمَةِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُمْكِنُ قَسْمُهُ وَصِنْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ، هَلْ يَجِبُ ضَمُّهُمَا وَلَا يُضَمَّانِ لِمَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ أَوَّلًا وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ

الْمُسْلِمُونَ (بِبَلَدِ الْحَرْبِ أَوْلَى) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً لِلْعَدُوِّ، وَهَذَا إذَا أَمِنُوا كَرَّ الْعَدُوِّ، وَكَانَ الْغَانِمُونَ جَيْشًا، أَمَّا إنْ كَانُوا سَرِيَّةً مِنْ الْجَيْشِ فَلَا يَقْسِمُوا حَتَّى يَعُودُوا إلَى الْجَيْشِ (وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ مَا أُوجِفَ) أَيْ حُمِلَ (عَلَيْهِ بِالْخَيْلِ وَ) بِ (الرِّكَابِ) أَيْ الْإِبِلِ (وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ) . فَأَمَّا مَا أُخِذَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ فَهُوَ الْفَيْءُ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقْسَمُ بَلْ النَّظَرُ فِيهِ لِلْإِمَامِ مِثْلُ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ إنْ شَاءَ صَرَفَ جَمِيعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ كُلُّ مَا أُوجِفَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَرْضًا أَوْ أُسَارَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْأَرْضُ فَالْمَشْهُورُ فِيهَا مَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الْأُسَارَى فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الرِّجَالِ بَيْنَ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَالْجِزْيَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ. (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ) سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَهْلِ الْجَيْشِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَهْلٍ هُمْ الْجَيْشُ. [قَوْلُهُ: لِفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] لَا يَخْفَى أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُنْتِجُ خُصُوصَ الِاسْتِحْبَابِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، أَيْ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَطْيِيبَ قُلُوبِ الْمُجَاهِدِينَ فِيهِ مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ وَزِيَادَةِ الْحِفْظِ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ مُيِّزَ نَصِيبُهُ يَشْتَدُّ حِرْصُهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهِ نِكَايَةً] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِفِعْلِهِ إلَخْ. حَاصِلُهُ أَنَّ فِعْلَهُ فِي ذَاتِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الِالْتِفَاتِ لِحُكْمِهِ مُفِيدٌ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا ادَّعَى، وَكَوْنُهُ فِيهِ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ عِلَّةٌ أُخْرَى مُقْتَضِيَةٌ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَلَّلَ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ فِيهِ نِكَايَةٌ، وَقَوْلُهُ لِلْعَدُوِّ الْمُنَاسِبُ نِكَايَةٌ فِي الْعَدُوِّ لِقَوْلِ الْمِصْبَاحِ نَكَأْت فِي الْعَدُوِّ، وَقَوْلُهُ كَرَّ الْعَدُوِّ أَيْ رُجُوعِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلُهُ سَرِيَّةٌ السَّرِيَّةُ الْقِطْعَةُ مِنْ الْجَيْشِ، فَفَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي خِفْيَةٍ، قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. تَنْبِيهٌ: نَصَّ ابْنُ فَرْحُونِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْقَاسِمِ إذْ لَوْ فَوَّضَ ذَلِكَ لَهُمْ، لَدَخَلَهُمْ الطَّمَعُ، وَأَحَبَّ كُلٌّ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مُؤَدٍّ لِلْفِتَنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُخَمَّسُ] أَيْ يُجْعَلُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَقَوْلُهُ وَيَقْسِمُ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْ هَذَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا غَنَمَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبِلِ] ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاحِدُ الرِّكَابِ رَاحِلَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا [قَوْلُهُ: وَمَا غُنِمَ بِقِتَالٍ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ [قَوْلُهُ: فَأَمَّا مَا غُنِمَ بِغَيْرِ إيجَافٍ وَلَا قِتَالٍ] أَيْ بِأَنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ. قَالَ تت: كَالْمَأْخُوذِ مِمَّنْ انْجَلَى عَنْهُ أَهْلُهُ حِينَ سَمَاعِهِمْ بِخُرُوجِ الْجَيْشِ إلَيْهِمْ [قَوْلُهُ: فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ] كَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ قَسَمَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَنِيمَةِ] أَيْ فَيَدْفَعُهُ إمَّا لِآلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِمْ، أَوْ يَجْعَلُ الْبَعْضَ فِيهِمْ وَالْبَعْضَ فِي غَيْرِهِمْ، بَقِيَ مَا يَهْرُبُ بِهِ الْأَسِيرُ أَوْ التَّاجِرُ أَوْ يَأْخُذُهُ الْمُتَلَصِّصُ فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُخْتَصِّ فَيَخْتَصُّ بِهِ حَائِزُهُ وَلَا يُقْسَمُ وَلَا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، لَكِنَّ الْمُسْلِمَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يُخْرَجُ خُمُسُهُ، وَأَمَّا الذِّمِّيَّ فَلَا. [قَوْلُهُ: وَالْمَنِّ] أَيْ يَعْتِقُهُمْ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: وَالْفِدَاءُ] أَيْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى وَيُبَاحُ] أَيْ فَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ فِيمَا فَعَلَهُ، وَتَرَكَهُ سَوَاءٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ، وَجَازَ أَخْذُ مُحْتَاجٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُؤْكَلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ] هَذَا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يُقْسَمُ لَهُمْ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُقْسَمُ لَهُمْ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ فَقَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ إلَخْ] رُوِيَ قَوْلُهُ أَنْ تُقْسَمَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَلَا إشْكَالَ فِيهَا، وَبِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمُثَنَّاةِ رِعَايَةً لِلْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى الْمَالِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْمَالُ. [قَوْلُهُ: الطَّعَامُ وَالْعَلَفُ] نَائِبُ فَاعِلِ يُؤْكَلَ وَالْعَلَفُ جَمْعُهُ عِلَافٌ، كَجَبَلٍ وَجِبَالٍ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ أَيْ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ كَائِنَةٌ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى

وَالْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَنْعَامُ الْحَيَّةُ لِلذَّبْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهِ يُرَدُّ الْجِلْدُ لِلْغَنِيمَةِ إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْمَغْنَمِ يَقْسِمُهَا الْإِمَامُ بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ، وَكَانَ لَا يَسْتَحِقُّهَا مِنْهُمْ إلَّا مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا. فَقَالَ: (وَإِنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ) الْمُرَادُ بِالْحُضُورِ حُضُورُ الْمُنَاشَبَةِ لَا حُضُورُ الْمُوَاجِهَةِ، فَإِذَا قَامَتْ الصُّفُوفُ وَلَمْ يَتَنَاشَبْ الْقِتَالُ فَلَا يُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ حِينَئِذٍ، وَيُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ بَعْدَ انْتِشَابِ الْقِتَالِ. (أَوْ تَخَلَّفَ عَنْ الْقِتَالِ فِي شُغْلِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْرِ جِهَادِهِمْ) كَكَشْفِ طَرِيقٍ أَوْ جَلْبِ عَدَدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُسْهَمُ لِمَنْ ضَلَّ عَنْ الْجَيْشِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ بِخِلَافِ مَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ. (وَ) كَذَلِكَ (يُسْهَمُ لِلْمَرِيضِ) إذَا حَصَلَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمَّا لَوْ حَصَلَ لَهُ قَبْلَ حُضُورِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاءُ مَرَضِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ (وَ) كَذَلِكَ يُسْهَمُ (لِلْفَرَسِ الرَّهِيصِ) إذَا حَصَلَ لَهُ الرَّهْصُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ، وَهُوَ دَاءٌ يُصِيبُ الْفَرَسَ فِي حَافِرِهِ ع لَيْسَ الرَّهْصُ بِشَرْطٍ، وَكَذَا إذَا مَرِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَمُطْلَقُ الِاحْتِيَاجِ كَافٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ نَعْلٍ وَحِزَامٍ مُعْتَادٍ لَا مِثْلَ حِزَامِ الْمُلُوكِ، وَإِبْرَةٍ وَمُصْلِحِ الطَّعَامِ مِنْ نَحْوِ فُلْفُلٍ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبًا لِلُبْسِهِ وَغِرَارَةً لِطَعَامِهِ أَوْ حَمْلِ مَتَاعِهِ وَسِلَاحًا وَدَابَّةً لِلْقَتْلِ أَوْ لِيَرْكَبَهَا لِبَلْدَةٍ، بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ أَخْذِ ذَلِكَ أَنْ يَرُدَّهُ لِلْغَنِيمَةِ إذَا فَرَغَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَبِلَا نِيَّةٍ أَصْلًا كَنِيَّةِ الرَّدِّ، وَإِذَا فَضَلَ شَيْءٌ كَثِيرٌ مِمَّا أُبِيحَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الرَّدُّ، وَهُوَ مَا عَدَا الثَّوْبَ وَالسِّلَاحَ وَالدَّابَّةَ وَهُوَ كَمَا فِي عج: مَا زَادَ عَلَى كَالدِّرْهَمِ. قَالَ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا يَوْمَ وُجُوبِ رَدِّهِ لَا يَوْمَ أَخْذِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ إنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهُ إلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ؛ لِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ تَصَدَّقَ بِهِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَمَالٍ جُهِلَتْ أَرْبَابُهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَأَوْلَى رَدُّ مَا فَضَلَ مِمَّا يَأْخُذُهُ، بِنِيَّةِ الرَّدِّ كَالثَّوْبِ، وَقَوْلُنَا كَثِيرًا احْتِرَازًا مِنْ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ مِمَّا قِيمَتُهُ الدِّرْهَمُ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا يَرُدُّهُ لِلْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَمْ لَا] بَلْ وَلَوْ نَهَاهُمْ الْإِمَامُ وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ، بِأَنْ لَا يَأْخُذَهُ بِنِيَّةِ الْغُلُولِ. [قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَنْعَامُ الْحَيَّةُ لِلذَّبْحِ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ الْمَأْخُوذَةُ لِلذَّبْحِ، قَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ مُقَابِلًا يَقُولُ بِعَدَمِ الْأَخْذِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ الْقَوْلَ الْآخَرَ أَيْ بِالْمَنْعِ لَمْ أَرَهُ مَعْزُوًّا. [قَوْلُهُ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا] أَيْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ مَا فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْفَوَاكِهَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالسَّمْنَ. [قَوْلُهُ: حُضُورُ الْمُنَاشَبَةِ] الْمُرَادُ الْمُضَارَبَةُ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: فَلَا يُسْهَمُ لِمَنْ مَاتَ حِينَئِذٍ] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَيِّتِ قَبْلَ اللِّقَاءِ وَالضَّالِّ، مِنْ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّالَّ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَاسْتَمَرَّتْ إلَى الْآنَ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ نِيَّتَهُ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: كَكَشْفِ طَرِيقٍ] أَيْ يَنْظُرُ هَلْ الطَّرِيقُ الَّتِي فِي نَاحِيَةِ كَذَا فِيهَا عَدُوٌّ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ] هَذَا بِخِلَافِ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ ضَلَّ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مَنْ رُدَّ لَهَا بِرِيحٍ، فَإِنْ رُدَّ اخْتِيَارًا فَلَا يُسْهَمُ لَهُ [قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ] فَشَهِدَ أَوَّلَهُ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِلُ مَرِيضًا إلَى تَمَامِ الْقِتَالِ، هَكَذَا حَمَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَ خَلِيلٍ أَيْ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ، مَا إذَا مَرِضَ بَعْدَ الْقِتَالِ أَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَيْ شَهِدَ أَوَّلَهُ صَحِيحًا ثُمَّ مَرِضَ وَاسْتَمَرَّ يُقَاتِلُ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَ عَلَى الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مَرِيضًا أَوْ مَرِضَ قَبْلَ دُخُولِ أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْقِتَالِ وَلَوْ يَسِيرًا، وَاسْتَمَرَّ مَرِيضًا فِي الثَّلَاثَ لَكِنَّهُ قَاتَلَ فِيهَا حَتَّى انْقَضَى الْقِتَالُ، فَقَوْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْإِسْهَامِ نَظَرًا إلَى كَوْنِهِ قَاتَلَ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى مَرَضِهِ فَكَانَ حُضُورُهُ كَعَدَمِهِ، هَذَا مَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ وَهُنَاكَ كَلَامٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ لَهُ الرَّهْصُ إلَخْ] قَالَ عج: وَيَجْرِي فِي مَرَضِ

بِغَيْرِهِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَكَانَ الَّذِي يَحْضُرُهُ آدَمِيٌّ وَغَيْرُهُ. شَرَعَ يُبَيِّنُ الْقَدْرَ الَّذِي يُسْهَمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. فَقَالَ (وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ) الْوَاحِدِ (سَهْمَانِ) وَاحْتَرَزَ بِالْفَرَسِ عَنْ الْبَعِيرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَقَيَّدْنَا بِالْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِمَّا زَادَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلزَّائِدِ (وَ) يُسْهَمُ (سَهْمٌ) وَاحِدٌ (لِرَاكِبِهِ) فِي كَلَامِهِ، تَسَامُحٌ فَإِنَّ الرَّاكِبَ إنَّمَا يُقَالُ لِرَاكِبِ الْإِبِلِ، وَأَمَّا رَاكِبُ الْفَرَسِ فَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ فَارِسٌ، وَلِرَاكِبِ الْحِمَارِ حَمَّارٌ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا» . (وَ) مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْقَسْمُ الْحُرِّيَّةُ فَ (لَا يُسْهَمُ لِعَبْدٍ) قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ (وَ) مِنْهَا الذُّكُورِيَّةُ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِامْرَأَةٍ) قَاتَلَتْ أَوْ لَمْ تُقَاتِلْ (وَ) مِنْهَا الْبُلُوغُ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِصَبِيٍّ إلَّا) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ (أَنْ يُطِيقَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ الْقِتَالَ وَيُجِيزَهُ الْإِمَامُ وَيُقَاتِلَ فَيُسْهَمَ لَهُ) وَاَلَّذِي نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ، وَمُقْتَضَى صَنِيعِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَشْهُورٌ أَيْضًا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُسْهِمْ لِلْعَبِيدِ وَلَا لِلنِّسَاءِ وَلَا لِلصِّبْيَانِ» (وَ) مِنْهَا أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ فَ (لَا) يُسْهَمُ (لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ) الَّذِي مُلِكَتْ مَنَافِعُهُ كَأَجِيرِ الْخِدْمَةِ (إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرَسِ، مَا يَجْرِي فِي مَرَضِ الْآدَمِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ. [قَوْلُهُ: وَيُسْهَمُ لِلْفَرَسِ] أَيْ الَّذِي يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ، فَالْعَجُوزُ الَّذِي لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ سَهْمَانِ أَيْ يُسْهَمُ لَهُ سَهْمَانِ وَلَوْ كَانَتْ فِي السَّفِينَةِ وَلِصَاحِبِهَا سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَتْ الْفَرَسُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَجَعْلُ السَّهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْفَارِسُ عَبْدًا، فَيَكُونَانِ لِسَيِّدِهِ وَهُوَ أَحَدُ التَّرَدُّدَيْنِ، وَالْآخَرُ هُمَا لِلْفَارِسِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْفَرَسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَلَوْ بِرْذَوْنًا وَهَجِينًا وَالْبِرْذَوْنُ هُوَ: الدَّابَّةُ مِنْ الْخَيْلِ الْغَلِيظَةِ الْأَعْضَاءِ الْجَافِيَةِ الْخِلْقَةِ، وَأَكْثَرُ مَا تُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَلَهَا جَلَدٌ عَلَى السَّيْرِ فِي الشِّعَابِ وَالْجِبَالِ وَالْوَعْرِ بِخِلَافِ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ أَضْمَرُ، وَأَرَقُّ أَعْضَاءً وَالْهَجِينُ مِنْ الْخَيْلِ مَنْ أَبُوهُ عَرَبِيٌّ وَأُمُّهُ رَدِيئَةٌ وَعَكْسُهُ مُقْرِفٌ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ الْإِسْهَامُ لِلْفَرَسِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ بِمَا إذَا احْتَمَلَ قِتَالُهُمْ بِبَرٍّ، وَلَوْ بِبَعْضِ مَكَان أَوْ عَامٍّ كَمُسَافِرٍ لِمَالِطَةَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ مُقَاتَلَتِهِمْ بِبَرٍّ، أَصْلًا كَمَا فِي الزَّرْقَانِيِّ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَاكِبُهُ غَيْرُ قَيْدٍ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِرَاكِبِهَا مَنْ أَعَدَّهَا لِلرُّكُوبِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الْخُرُوجِ لِلْبَرِّ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا كَانَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ لِخِدْمَتِهَا وَعَلْفِهَا، وَبِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا مِنْ الْغَنَاءِ فِي الْحَرْبِ مَا لَا يَخْفَى. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الرَّاكِبَ إنَّمَا يُقَالُ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] الْآيَةَ. يُعَارِضُ هَذَا قُلْنَا لَعَلَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ عَلَى عُرْفِ اللُّغَةِ، وَمَا هُنَا عَلَى مُصْطَلَحِ الْفُقَهَاءِ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا، أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَنْ يَرْكَبُ مَا ذُكِرَ فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا ذِكْرُ الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُطِيقَ الْقِتَالَ] أَيْ بِأَنْ رَاهَقَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُرَاهِقْ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ بِاتِّفَاقٍ، كَمَا يُفِيدُهُ الْفَاكِهَانِيُّ أَيْ فَقِتَالُهُ لَيْسَ مُعْتَبَرًا فَكَالْعَدِمِ. [قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى صَنِيعِ صَاحِبِ الْمُخْتَصَرِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إلَّا الصَّبِيَّ فَفِيهِ إنْ أُجِيزَ وَقَاتَلَ خِلَافٌ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ] فَإِنْ قُلْت لِمَ عَبَّرَ بِظَاهِرٍ دُونَ صَرِيحٍ، قُلْت لَعَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ] أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْإِسْهَامِ فَهُوَ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَمُقْتَضَى إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُسْهَمُ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ] وَمِثْلُ الْأَجِيرِ التَّاجِرُ، إذَا قَاتَلَ كَانَتْ تِجَارَتُهُ تَتَعَلَّقُ بِالْجَيْشِ مِنْ مَطْعَمٍ وَمَلْبَسٍ أَمْ لَا، وَمِثْلُ قِتَالِهِمَا مَا إذَا خَرَجَا بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَحَضَرَا الْقِتَالَ، وَلَوْ لَمْ يُقَاتِلَا؛ لِأَنَّهُمَا كَثَّرَا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّةُ الْغَزْوِ تَابِعَةً أَوْ مَتْبُوعَةً أَوْ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَالسَّهْمُ لِلْأَجِيرِ وَيُحَطُّ مِنْ

يُقَاتِلَ) وَاحْتَرَزَ بِالْخَاصِّ مِنْ الْأَجِيرِ الْعَامِّ كَالْخَيَّاطِ وَالْخَرَّازِ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ ثَلَاثَةٌ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَالصِّحَّةُ، فَالْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ لَا يُسْهَمُ لَهُ اتِّفَاقًا، وَفِيمَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَقْلِ قَوْلَانِ، وَالذِّمِّيُّ لَا يُسْهَمُ لَهُ اتِّفَاقًا إنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا إنْ قَاتَلَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالزَّمِنُ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ وَتَدْبِيرٍ. (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَدُوِّ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ حَلَالٌ) ج ظَاهِرُ كَلَامِهِ لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يُنْتَزَعُونَ مِنْهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ يَكُونُ مَجَّانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى ذِمِّيٍّ حُرٍّ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ رِقًّا. (وَمَنْ اشْتَرَى) مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِ الْحَرْبِ (شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ يَأْخُذْهُ رَبُّهُ) مِمَّنْ اشْتَرَاهُ (إلَّا بِالثَّمَنِ) الَّذِي أَخَذَهُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ كَانَ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّ رَبَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَدِمَ بِهِ الْكَافِرُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ لَا بِالثَّمَنِ وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمِثْلُ الشِّرَاءِ هِبَةُ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأُجْرَتِهِ بِقَدْرِ مَا عَطَّلَ [قَوْلُهُ: كَالْخَيَّاطِ وَالْخَرَّازِ] أَيْ مَنْ يَخِيطُ وَيَخْرُزُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَفِي كَلَامِ الشَّيْخِ تت: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فِي عَدَمِ السَّهْمِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: وَفِيمَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْعَقْلِ قَوْلَانِ] قَالَ الْبَاسِطِيُّ ظَاهِرُ عِبَارَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ يُسْهَمُ لَهُ، ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مُقَاتَلَتُهُ أَشَدَّ مِنْ مُقَاتَلَةِ كَثِيرٍ مِنْ عُقَلَاءِ الْكُفَّارِ. [قَوْلُهُ: وَالزَّمِنُ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ إلَخْ] أَيْ الْمُقْعَدُ مَثَلًا يُسْهَمُ لَهُ، إذَا كَانَ ذَا رَأْيٍ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَأْيٍ هَذَا مَعْنَاهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُ وَلَوْ كَانَ ذَا مَنْفَعَةٍ مِنْ تَدْبِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَعْرَجُ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا أَوْ رَاجِلًا، وَفِي الزَّرْقَانِيِّ وَيَنْبَغِي جَرْيُهُ فِي الْأَعْمَى أَيْضًا اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَدُوِّ إلَخْ] إذَا كَانَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ يَمْلِكُهُ بِالْأَمَانِ بِأَنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، لَا مَا أَخَذَهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ دُخُولِهِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ سَرِقَةً يُنْزَعُ مِنْهُ قَهْرًا، وَمَفْهُومُ أَسْلَمَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذْ لَوْ دَخَلَ إلَيْنَا مَعَ بَقَائِهِ عَلَى كُفْرِهِ وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ، إلَّا مَا سَرَقَهُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فِي زَمَنِ مُعَاهَدَتِهِ، وَخَرَجَ بِهِ ثُمَّ عَادَ بِهِ، فَإِنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ، وَمِثْلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ مَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ هُودِنَ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ] وَأَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَحْرَى كَمَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَفِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالٍ، وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَعَنْ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ يَطِيبُ لَهُمْ بِمِلْكِهِمْ وَمِثْلُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، اللُّقَطَةُ وَالْحَبْسُ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ حَبْسٌ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ تَحْبِيسُهُ لِمُسْلِمٍ لَا يَبْطُلُ تَحْبِيسُهُ بِغُنْمِ الْكُفَّارِ لَهُ، وَأَمَّا مَا احْتَمَلَ أَنَّهُ حَبْسٌ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ لَا قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ رِقًّا] وَعِنْدَ أَشْهَبَ يُرَدُّ إلَى ذِمَّتِهِ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعَدُوِّ] ، وَأَمَّا مَا يُفْدَى مِنْ اللُّصُوصِ وَالْغُصَّابِ فَإِنَّ رَبَّهُ يَأْخُذُهُ مَجَّانًا عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ، وَالْآخَرُ بِمَا فَدَى بِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَكَانَ الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي بِهِ قَائِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِرَبِّهَا قُدْرَةٌ عَلَى الْخَلَاصِ مَجَّانًا، فَلَا شَيْءَ لِلْفَادِي، وَالْقَوْلَانِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْفَادِي رَبَّهُ، وَأَمَّا لَوْ افْتَدَاهُ لِنَفْسِهِ وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَمَلُّكَهُ، فَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، فَإِذَا تَنَازَعَ الْفَادِي وَرَبُّ الشَّيْءِ فِي الْأَخْذِ لِلتَّمَلُّكِ، فَالْقَوْلُ لِلْفَادِي كَمَا أَفَادَهُ الْخَرَشِيُّ فِي الْكَبِيرِ [قَوْلُهُ: إلَّا بِالثَّمَنِ] وَهُوَ إمَّا عَيْنٌ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَعْطَاهُ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَرَضًا فَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ يُعْطِيهِ الْمُسْتَحِقُّ هُنَا قِيمَةَ عَرَضِهِ هُنَاكَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ أَعْطَاهُ الْمِثْلَ هُنَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ أَعْطَاهُ الْقِيمَةَ لِتَعَذُّرِ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ تَمَلُّكُهُ] أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا فَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ إلَّا بِقِيمَتِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لَوْ قَدِمَ بِهِ الْكَافِرُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ] أَيْ بَاعُوهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، فَإِنَّهُ يُفَوَّتُ

فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ (وَمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ (فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ) هَذَا إذَا وَجَدَهُ مَعَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، أَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ مَنْ أَخَذَهُ فِي سَهْمِهِ أَوْ جَهِلَ الثَّمَنَ، فَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالْقِيمَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ مِنْهَا فَرَبُّهُ أَحَقُّ بِهِ بِلَا ثَمَنٍ) وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لِمَالِكٍ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، لَا يَكُونُ رَبُّهُ أَحَقَّ بِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَسْمِ أَوْ بَعْدَهُ. (وَلَا نَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِهَا، وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادَةُ وَشَرْعًا: الزِّيَادَةُ عَلَى السَّهْمِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُعْطَى (إلَّا) لِمَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ (مِنْ الْخُمُسِ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ) لِمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا نَفَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى رَبِّهِ [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلَّهِ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، فَوَهَبَهُ حَرْبِيٌّ سِلْعَةً أَوْ عَبْدًا هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَارَ عَلَيْهِ الْحَرْبِيُّ فَإِذَا قَدِمَ بِذَلِكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنَّ رَبَّهُ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَمَا وُهِبُوهُ بِدَارِنَا قَبْلَ تَأْمِينِهِمْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا وُهِبُوهُ بِدَارِهِمْ، وَأَمَّا مَا وُهِبُوهُ بِدَارِنَا بَعْدَ دُخُولِهِمْ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفَوَّتُ عَلَى رَبِّهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِي الْمَقَاسِمِ] أَيْ جَهْلًا بِحَالِهَا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قُسِمَ مَعَ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْضِي قَسْمُهُ وَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ مَجَّانًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَسَمَهُ مُتَأَوِّلًا أَوْ مُقَلِّدًا، قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ مَالَ الْمُسْلِمِ فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ إلَّا بِالثَّمَنِ، فَلَوْ وُجِدَ فِي الْغَنِيمَةِ مَالُ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَلَمْ يُعْرَفْ عَيْنُ صَاحِبِهِ وَلَا نَاحِيَتُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُهُ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا وَجَدَهُ مَعَ مَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ] أَيْ، وَأَثْبَتَهُ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَيْعِ لِيَقْسِمَ، فَلَوْ بِيعَ مِرَارًا وَاخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً الَّذِي بِيعَ بِهِ، وَيُرَادُ بِالْمَقَاسِمِ عَلَى هَذَا الْحَلِّ الْمَغَانِمَ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي يَدِ إلَخْ] عَلَى الْقَوْلِ بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ تَصْدُقُ بِصُوَرٍ بِمَا إذَا قُوِّمَ عَلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ بِلَا تَقْوِيمٍ أَوْ جَهِلَ مَا قُوِّمَ بِهِ، فَفِي الْأُولَى يَأْخُذُهُ بِمَا قُوِّمَ بِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَقَاسِمِ] قَصْدُهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا، وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَوْ عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ كَمَا قَالَ الْبَرْقِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، لَا يَقْسِمُ مَا عَرَفَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ سَبَبٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِنَاقِلٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنَ، فَيَسْتَحِقُّ قَبْضَهُ، وَأَخْذَهُ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْيَمِينُ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ، وَهِيَ مُكَمِّلَةٌ لِلْحُكْمِ هَذَا إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا حُمِلَ لَهُ إنْ كَانَ الْحَمْلُ خَيْرًا لَهُ وَيَحْلِفُ أَيْضًا، وَحُمِلَ لَهُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ لَهُ حَقٌّ أَنْ يَحْلِفَ، مَعَ أَنَّ الْيَمِينَ اسْتِظْهَارٌ وَهِيَ مُكَمِّلَةٌ لِلْحُكْمِ وَقَدْ قِيلَ فِيهَا: إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَذَكَرَ عج عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُ. اهـ. فَإِنْ زَادَ الْكِرَاءُ عَلَى قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْعِهِ أَوْ اسْتَوَتْ مَصْلَحَةُ الْبَيْعِ وَالْإِرْسَالِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِأَجْلِهِ [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا نَفَلَ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ] الْحَصْرُ إضَافِيٌّ أَيْ لَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَخْمَاسَ الْبَاقِيَةِ لِلْمُجَاهِدِينَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْفُلَ مِنْ نَحْوِ الْجِزْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: وَشَرْعًا الزِّيَادَةُ] النَّفَلُ إمَّا كُلِّيٌّ، وَإِمَّا جُزْئِيٌّ. فَالْكُلِّيُّ: هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. وَالْجُزْئِيُّ: هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَخُصُّ بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الْجَيْشِ، كَأَنْ يَقُولَ خُذْ يَا فُلَانُ هَذَا الْبَعِيرَ أَوْ هَذَا الدِّينَارَ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُعْطَى إلَّا لِمَنْ لَهُ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ النَّفَلَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الزِّيَادَةُ مِنْ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُعْطِيهِ لِعَبْدٍ وَلَا لِصَبِيٍّ وَلَا لِامْرَأَةٍ وَقَوْلُهُ عَلَى الِاجْتِهَادِ مِنْ الْإِمَامِ أَيْ فَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَزِيدَ الْخُمُسَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ مَا يَرَى زِيَادَتَهُ، إنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ كَقُوَّةِ بَطْشِ الْآخِذِ وَشَجَاعَتِهِ، أَوْ يَرَى ضَعْفًا مِنْ الْجَيْشِ فَيُرَغِّبُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْقِتَالِ لَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ، فَإِنْ اسْتَوَوْا نَفَلَ جَمِيعَهُمْ أَوْ تَرَكَ،

مِنْ الْخُمُسِ» (وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ) النَّفَلُ (قَبْلَ الْقَسْمِ) وَيُرْوَى قَبْلَ الْغَنِيمَةِ وَعَلَى هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْوَعْدِ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ وَهُمَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ، وَعَلَى الْمَنْعِ اخْتَلَفَ فَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْفُذُ لِضَعْفِ الْخِلَافِ (وَالسَّلَبُ مِنْ) جُمْلَةِ (النَّفَلِ) فَلَا يُعْطِيهِ الْإِمَامُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِهِ، وَهُوَ مَا يُوجَدُ مَعَ الْقَتِيلِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ، وَمَا شَابَهَهَا مِنْ السَّلَبِ الْمُعْتَادِ، دُونَ مَا يَنْفَرِدُ بِلِبَاسِهِ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ سِوَارٍ وَتَاجٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَالرِّبَاطُ) لُغَةً الْإِقَامَةُ وَشَرْعًا الْإِقَامَةُ فِي الثُّغُورِ لِحِرَاسَتِهَا. فَمَنْ سَكَنَ الثُّغُورَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَنْفُلُ بَعْضَهُمْ وَلَا بَأْسَ بِالتَّفْضِيلِ إنْ اخْتَلَفَ فِعْلُهُمْ [قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ النَّفَلُ قَبْلَ الْقَسْمِ] أَيْ بَلْ بَعْدَ الْقَسْمِ، وَهَذَا هُوَ النَّفَلُ الْجُزْئِيُّ. [قَوْلُهُ: وَيُرْوَى قَبْلَ الْغَنِيمَةِ] أَيْ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ، فَيُفْهَمُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَوَّرَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي، وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا السَّلَبُ الْكُلِّيُّ وَيَكُونَ قَوْلُهُ: قَتَلَ قَتِيلًا أَيْ مَنْ يَقْتُلُ قَتِيلًا [قَوْلُهُ: وَهُمَا قَوْلَانِ لِمَالِكٍ] أَيْ يُنْهَى الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ نَهْيَ كَرَاهَةٍ أَوْ تَحْرِيمٍ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَلَى الْكَرَاهَةِ، فَيُؤْذِنُ بِقُوَّتِهِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَدُوِّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ نِيَّاتِهِمْ، وَإِلَى فَسَادِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ رُبَّمَا أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْمَهَالِكِ؛ لِأَجْلِ الْعَرَضِ الدُّنْيَوِيِّ فَيَصِيرُ قِتَالُهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ، أَمَّا الْجُعْلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ السَّلَبِ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ مِنْ السَّلَبِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا إلَخْ مَنْ كَانَ قَتَلَ قَتِيلًا. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَنْعِ إلَخْ] أَيْ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ جَوَازِ قَوْلِ الْإِمَامِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ. إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى إبْطَالِهِ قَبْلَ حَوْزِ الْمَغْنَمِ، فَإِنَّهُ يَبْطُلُ حِينَئِذٍ، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ قَتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِ، وَلَهُ سَلَبُ مَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْإِبْطَالِ، وَلَا يُعْتَبَرُ إبْطَالُهُ بَعْدَ الْمَغْنَمِ بَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَسْبَابِ مَا رَتَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: الْخِلَافِ] أَيْ لِضَعْفِ قَوْلِ الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِالْكَرَاهَةِ، هَذَا ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمُرَادُ لِضَعْفِ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ الْمَوْجُودِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَهْرَامُ فِي وَسَطِهِ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا، فَقَوْلُ شَارِحِنَا بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَيْ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّلَبُ مِنْ جُمْلَةِ النَّفَلِ] أَيْ فَيَسْتَحِقُّهُ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ، مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ تَعَدَّدَ، أَيْ فَالنَّفَلُ شَامِلٌ لِلْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ، وَأَرَادَ بِالسَّلَبِ الْكُلِّيَّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُطْلَقِ النَّفَلِ [قَوْلُهُ: فَلَا يُعْطِيهِ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ، أَيْ لَا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فَكَذَا السَّلَبُ [قَوْلُهُ: مِنْ السَّلَبِ الْمُعْتَادِ] أَيْ الْمُعْتَادِ وُجُودِهِ مَعَ الْمَقْتُولِ حَالَ الْحَرْبِ، كَفَرَسِهِ وَدِرْعِهِ وَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ وَمِنْطَقَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنْ حِلْيَةٍ وَفَرَسِهِ الْمَرْكُوبِ لَهُ أَوْ الْمَمْسُوكِ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ غُلَامِهِ لِلْقِتَالِ، لَا إنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِلزِّينَةِ كَالْجَنِيبِ فَتَكُونُ غَنِيمَةً، وَذَلِكَ لِلذَّكَرِ الْمُسْلِمِ لَا ذِمِّيٍّ قَتَلَ قَتِيلًا إلَّا إذَا أَجَازَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ سَلَبَهُ، وَيَمْضِي ذَلِكَ وَلَا يُتَعَقَّبُ، وَلَا امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ لَهَا فَيَمْضِي. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي دُخُولِ مَا ذَكَرَ مِنْ السِّوَارِ وَالتَّاجِ وَالْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِحِرَاسَتِهَا] أَيْ حِرَاسَةِ مَنْ بِهَا، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَالَ وَغَيْرَهُ وَالذِّمِّيَّ وَالْمُسْلِمَ، وَحِرَاسَةُ غَيْرِهَا تَتْبَعُ حِرَاسَتَهَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ سَكَنَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَفَرَّعُ، لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحِرَاسَةِ تُجَامِعُ السُّكْنَى بِالْأَهْلِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ الثُّغُورِ. [قَوْلُهُ: بِأَهْلِهِ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى السُّكْنَى بِالْأَهْلِ، وَإِنْ أَبْقَى الْوَلَدَ فِي بَلَدِهِ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ، فَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ سَكَنَ بِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَكَانَ الْبَاعِثُ لَهُ الرِّبَاطُ لَا غَيْرُ، لَا يُسَمَّى مُرَابِطًا وَرَدَّهُ الْبَاجِيُّ قَائِلًا عِنْدِي أَنَّ مَنْ اخْتَارَ اسْتِيطَانَ ثَغْرٍ لِلرِّبَاطِ فَقَطْ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَمْكَنَهُ الْمُقَامُ بِغَيْرِهِ مُرَابِطٌ. اهـ. وَارْتَضَاهُ بَعْضُهُمْ

لَيْسَ بِمُرَابِطٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَابِطُ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ مُعْتَقِدًا الرِّبَاطَ وَالثُّغُورُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ. وَذَكَرَ فِي بَابِ جُمَلٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مَنْ نَذَرَهُ، وَتَكَلَّمَ هُنَا عَلَى فَضْلِهِ فَقَالَ (فِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَالرِّبَاطُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَوْ الْجِهَادُ (وَذَلِكَ) الْفَضْلُ الْمَذْكُورُ مُتَفَاوِتٌ (بِقَدْرِ كَثْرَةِ خَوْفِ أَهْلِ ذَلِكَ الثَّغْرِ وَكَثْرَةِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ) وَقَتْلِهِ، وَالْخَوْفُ وَالتَّحَرُّزُ مُتَلَازِمَانِ فَمَتَى اشْتَدَّ الْخَوْفُ اشْتَدَّ التَّحَرُّزُ. (وَلَا يُغْزَى بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ) إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِنْدَ سَحْنُونَ مُطْلَقًا، مُسْلِمَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ (إلَّا أَنْ يَفْجَأَ الْعَدُوُّ) أَيْ يَنْزِلُونَ (مَدِينَةَ قَوْمٍ) أَوْ غَيْرَهَا (وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَائِلًا؟ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ [قَوْلُهُ: مُعْتَقِدًا الرِّبَاطَ] أَيْ قَاصِدًا الرِّبَاطَ [قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوجِ الْبُلْدَانِ إلَخْ] جَمْعُ فَرْجٍ يُطْلَقُ عَلَى الْعَوْرَةِ وَعَلَى الثَّغْرِ مَوْضِعِ الْخَوْفِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَلَمَّا كَانَ الْفَرْجُ بِمَعْنَى الْعَوْرَةِ يَأْتِي الْخَوْفُ مِنْ جِهَتِهِ لِكَشْفِهِ، فَكَذَلِكَ الْفَرْجُ بِمَعْنَى الثَّغْرُ، يَأْتِي الْخَوْفُ مِنْ جِهَتِهِ، لِكَشْفِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ حِرَاسَتِهِ فَأَرَادَ بِالْبُلْدَانِ بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَالثَّغْرُ فَرْجٌ لَهَا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ] أَيْ فَالْعِظَمُ كَمِّيَّةً وَقَوْلُهُ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَالْعِظَمُ كَيْفِيَّةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ كَمِيَّةً وَكَيْفِيَّةً [قَوْلُهُ: رِبَاطُ] مَصْدَرُ رَابَطَ وَجْهُ الْمُفَاعَلَةِ فِي هَذَا، أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ رَابَطُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى حِمَايَةِ طَرَفِ بِلَادِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ، أَيْ ثَوَابُ رِبَاطِ يَوْمٍ خَيْرٌ مِنْ النَّعِيمِ الْكَائِنِ فِي الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: وَمَا فِيهَا] الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَمَا عَلَيْهَا قَالَ شَارِحُهُ: وَمَا عَلَيْهَا كُلُّهُ لَوْ مَلَكَهُ إنْسَانٌ وَتَنَعَّمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَعِيمٌ زَائِلٌ بِخِلَافِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ بَاقٍ وَعَبَّرَ بِعَلَيْهَا دُونَ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِعْلَاءِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ وَأَقْوَى، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّبَاطَ يَصْدُقُ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ وَكَثِيرًا مَا يُضَافُ السَّبِيلُ إلَى اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ عَمَلٍ خَالِصٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، لَكِنَّهُ غَلَبَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: وَهُنَاكَ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى خَيْرٌ مِنْ ثَوَابِهَا لَوْ مَلَكَهَا وَتَصَدَّقَ بِهَا وَهَلْ أَرَادَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ إلَخْ] فَقِيلَ هُوَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقْنَ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَقْنُ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَقِيلَ الْجِهَادُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الرِّبَاطَ، وَزِيَادَةً؛ وَلِأَنَّ فِيهِ سَفْكَ دِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى الرِّبَاطِ وَعَدَمِهَا، فَلَا يُقَالُ: إنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخِرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَفْضَلُ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ. قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ وَيَظْهَرُ لِي فَضْلُ الْجِهَادِ عَلَى الرِّبَاطِ، لَمَزِيَّةِ مَنْ ذَهَبَ لِلْقِتَالِ عَلَى مَنْ مَكَثَ فِي مَحَلِّ الْخَوْفِ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحْمَزُهَا أَيْ أَشَقُّهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُغْزَى إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْإِذْنُ بِاللِّسَانِ وَالْبَاطِنِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ إذْنِهِمَا بِاللِّسَانِ، بَلْ حَتَّى يَكُونَ الْقَلْبُ كَذَلِكَ، فَإِذَا أَذِنَا وَهُمَا يَبْكِيَانِ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْأَبَوَيْنِ] أَيْ لَا الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ] أَيْ لَا الْكَافِرَيْنِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْمَوَّاقُ بِمَا إذَا عَلِمَ أَنَّ مَنْعَهُمَا مِنْهُ إنَّمَا هُوَ لِكَرَاهَتِهِمَا إعَانَةَ الْإِسْلَامِ وَنُصْرَتَهُ، وَإِلَّا كَانَا كَالْمُسْلِمِينَ [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ سَحْنُونَ] ضَعِيفٌ. تَنْبِيهٌ: الْعَبْدُ لَا يَغْزُو أَيْضًا إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى وَفَائِهِ الْآنَ، وَإِنْ كَانَ يَحِلُّ فِي غَيْبَتِهِ، وَكُلُّ مَنْ يَقْضِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَفَائِهِ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَنْزِلُونَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ يَنْزِلُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدُوَّ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ. [قَوْلُهُ: مَدِينَةَ قَوْمٍ] الْمَدِينَةُ الْمِصْرُ الْجَامِعُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهَا أَيْ كَالْقَرْيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُغِيرُونَ عَلَيْهِمْ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النُّزُولِ الْإِغَارَةُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ، وَأَغَارَ عَلَى الْعَدُوِّ هَجَمَ عَلَيْهِمْ دِيَارَهُمْ، وَأَوْقَعَ بِهِمْ اهـ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُغِيرُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ

(فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ (دَفْعُهُمْ وَلَا يُسْتَأْذَنُ الْأَبَوَانِ فِي مِثْلِ هَذَا) لَفْظَةُ مِثْلِ زَائِدَةٌ أَيْ لَا يُسْتَأْذَنُ الْأَبَوَانِ فِي هَذَا، وَقِيلَ لَيْسَتْ زَائِدَةً، وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَأْذِنُهُمَا فِي هَذَا الْجِهَادِ إذَا تَعَيَّنَ، وَلَا فِي مِثْلِهِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْعِلْمِ، فِيمَا يَخُصُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي مَوْضِعِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُمَا فِي تَرْكِ الْمُبَاحَاتِ وَالنَّوَافِلِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَلَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَأْذَنُ الْأَبَوَانِ فِي مِثْلِ هَذَا] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ أَبٌ، وَمَنْ لَا أَب لَهُ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا مِدْيَانًا أَوْ غَيْرَ مِدْيَانٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُسْهَمُ لِلْعَبِيدِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْجِهَادِ؛ لِأَنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَاهُمْ مِنْ السَّهْمِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ، وَالْآنَ قَدْ خُوطِبُوا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَنْ يَلِيهِمْ مَنْ يَقُومُ بِهِمْ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ أَيْضًا حَتَّى يَقُومَ بِذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَحِلُّ كَوْنِهِ فَرْضًا عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عُدَّتِهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ، إلَّا أَنْ يَبْلُغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَالْقُيُودُ الْمُتَقَدِّمَةُ تَأْتِي هُنَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ الْكِفَائِيِّ وَهَذَا عَيْنِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا حَصَلَ الشُّرُوعُ فِي الْقِتَالِ صَارَ عَيْنًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ الْفِرَارِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ فِي مِثْلِ هَذَا أَيْ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا فِي مِثْلِهِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ سَائِرَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَمْنَعَاهُ مِنْهَا، وَلَوْ عِلْمًا كِفَائِيًّا فَلَا يَخْرُجُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا حَيْثُ كَانَ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُفِيدُهُ إيَّاهُ، وَإِلَّا خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا لَهُ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يَخُصُّهُ] أَيْ فِي الَّذِي يَخُصُّهُ، أَيْ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْخُصُوصِ، وَهُوَ الْعَيْنِيُّ [قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ الْمُبَاحَاتِ وَالنَّوَافِلِ] أَيْ لَا الْفَرَائِضِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْكِفَائِيَّ مِثْلُ النَّوَافِلِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفَرَائِضُ] أَيْ الْعَيْنِيَّةُ.

[باب في الأيمان والنذور]

بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور] (بَابٌ) فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ مِنْ (الْأَيْمَانِ) جَمْعُ يَمِينٍ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْهَا، وَمَا لَا يَلْزَمُ (وَ) فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ مِنْ (النُّذُورِ) ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْهَا، وَمَا لَا يَلْزَمُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ بِمَعْنَى الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ مُؤَنَّثَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهِيَ لُغَةً: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَفُوا وَضَعَ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا، لِذَلِكَ وَاصْطِلَاحًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ. (وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ) أَيِّ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ، كَالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقِدَمِ وَالْوُجُودِ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ. (أَوْ لِيَصْمُتْ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُور] [الْأَيْمَانِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] ِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَيْمَانِ] أَيْ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ مُتَعَلَّقُ الْيَمِينِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ [قَوْلُهُ: وَمَا يَلْزَمُ إلَخْ] عَطْفٌ لَازِمٌ عَلَى مَلْزُومٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ اللُّزُومُ، وَمِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ. [قَوْلُهُ: وَمَا لَا يَلْزَمُ إلَخْ] لَيْسَ نَظِيرُ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النُّذُورِ لَا يَجُوزُ جَوَازًا مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ كَمَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ الْجَائِزِ وَغَيْرُ الْجَائِزِ وَاللَّازِمُ، وَغَيْرُهُ فِي الْبَابَيْنِ كَالْكَفَّارَةِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ] أَيْ حَالَ كَوْنِهَا بِمَعْنَى الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ مُؤَنَّثَةً، وَلَا مَفْهُومَ لَهُ، فَالْيَمِينُ فِي الْحَلِفِ وَالْعُضْوِ مُؤَنَّثَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت وَقَالَ تت: وَالْيَمِينُ وَالْحَلِفُ وَالْإِيلَاءُ وَالْقَسَمُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ، وَالْحَلِفُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: مَأْخُوذَةٌ] أَيْ مَدْلُولُ لَفْظِهِ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ الْيَمِينِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ، أَيْ فَالْيَمِينُ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْجَارِحَةِ ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْحَلِفِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِلْيَمِينِ الْحَلِفُ، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْجَارِحَةَ لَيْسَتْ مَعْنًى لُغَوِيًّا، وَمُفَادُ الْمِصْبَاحِ أَنَّ الْيَمِينَ حَقِيقَةٌ فِي الْجَارِحَةِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهَا، فَقَالَ الْيَمِينُ الْجَارِحَةُ وَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينَهُ عَلَى يَمِينِ صَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا مَجَازًا. انْتَهَى. وَرَأَيْتُ التَّعْبِيرَ بِالضَّرْبِ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا] أَيْ فَالْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَالْمَنْقُولِ إلَيْهِ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ اللُّزُومِ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَسُمِّيَ الْعُضْوُ يَمِينًا لِوُفُورِ قُوَّتِهِ عَلَى الْيَسَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: 45] أَيْ الْقُوَّةِ. انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِتَعْرِيفِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَرَّفَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ الْيَمِينُ تَحْقِيقُ مَا لَمْ يَجِبْ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ، أَيْ مَا لَمْ يَجِبْ وُقُوعُهُ بِأَنْ أَمْكَنَ عَادَةً كَلَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ أَوْ عَقْلًا كَلَأَشْرَبَنَّ الْبَحْرَ غَدًا أَوْ الْآنَ، وَلَا يُقَالُ هَذِهِ غَمُوسٌ وَهِيَ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَمُوسُ لَا تَكُونُ فِي مُسْتَقْبَلٍ، وَكَذَا اللَّغْوُ بَلْ يُكَفِّرُ كُلٌّ إنْ تَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَذَا فِي الزَّرْقَانِيِّ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ حَالِفًا] أَيْ مُرِيدًا الْحَلِفَ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِاسْمِ اللَّهِ] أَيْ لَا بِالنَّبِيِّ وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُعَظَّمٌ شَرْعًا أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ كَالْوَحْدَانِيَّةِ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ إلَخْ. لِأَنَّ الْحَيَاةَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي لَا الْمَعْنَوِيَّةِ، وَمِنْ أَفْرَادِ الصِّفَةِ الذَّاتِيَّةِ الْقُرْآنُ وَالْمُصْحَفُ أَوْ كَلِمَةٌ أَوْ آيَةٌ مِنْهُ، وَنَوَى الْمَعْنَى الْقَدِيمَ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى شَيْئًا وَنَسِيَهُ لَا إنْ أَرَادَ

يَسْكُتْ فَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا شَرْعًا، لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» فَأَمَرَ بِالصَّمْتِ عَمَّا عَدَا الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَحْرِيمِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللَّهِ. قَالَهُ ابْنُ عَبْدُ السَّلَامِ وَشَهَرَ ك كَرَاهَةَ الْحَلِفِ بِحَقٍّ بِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا لَا يُعَظِّمُ أَهْلُ الْكُفْرِ كَالْمَسْجِدِ وَالرَّسُولِ وَمَكَّةَ. (وَيُؤَدَّبُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ) إذَا كَانَ بَالِغًا عَالِمًا مُعْتَادًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّفْظَ الْحَادِثَ فَلَا، وَكَذَا مِنْهَا عِزَّةُ اللَّهِ حَيْثُ أَرَادَ بِهَا قُوَّتَهُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا فِيمَا يَظْهَرُ لَا إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الْمَخْلُوقَ فَلَا. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ هُوَ اسْمُ اللَّهِ، كَأَنْ تَقُولَ بِاَللَّهِ أَوْ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَهَا لِلَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخَالِقُ وَالرَّازِقُ وَالْعَزِيزُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيُجْعَلُ الْخَالِقُ وَالرَّزَّاقُ دَاخِلًا فِي صِفَتِهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّسَمُّحِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُ التَّقْيِيدِ بِالذَّاتِيَّةِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ الصِّفَةَ النَّفْسِيَّةَ، كَالْوُجُودِ بِخِلَافِ الِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا كَالْمَوْجُودِ، أَيْ فَلَا يَدْخُلُ فِي الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ فِي الْأَسْمَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً، وَيَشْمَلُ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ كَالْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ وَيَشْمَلُ الْوَحْدَانِيَّةَ، وَالْقِدَمَ مِنْ صِفَاتِ السَّلْبِ، وَانْظُرْ هَلْ يَشْمَلُ بَقِيَّةَ صِفَاتِ السَّلْبِ أَمْ لَا. كَمَا قَالَ عج قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَقِيَّةَ صِفَاتِ السَّلْبِ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْمَعْنَوِيَّةِ تَصْرِيحٌ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي التَّمْثِيلِ شَيْءٌ كَمَا قَرَّرْنَا، وَبَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ نَظَرَ فِيهَا قُلْت وَالظَّاهِرُ الِانْعِقَادُ بِهَا وَلَا تَدْخُلُ صِفَاتُ الْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِيَصْمُتْ] أَيْ لَا يَحْلِفْ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّمْتُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ بِاَللَّهِ، وَالتَّخْيِيرُ فِي حَقِّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَحْلِفُ لِيَبْرَأَ أَوْ يَتْرُكُ وَيَغْرَمُ. [قَوْلُهُ: فَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ الذَّاتِيَّةِ] دَخَلَ فِي الْغَيْرِ صِفَاتُ الْأَفْعَالِ وَعِبَارَتُهُ، وَإِنْ شَمِلَتْ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةَ إلَّا أَنَّهَا تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ. [قَوْلُهُ: أَلَا إلَخْ] أَدَاةُ اسْتِفْتَاحٍ يُفْتَتَحُ بِهَا الْكَلَامُ. [قَوْلُهُ: يَنْهَاكُمْ] أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ [قَوْلُهُ: فَأَمَرَ بِالصَّمْتِ إلَخْ] أَيْ فَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ [قَوْلُهُ: فَظَاهِرُهُ إلَخْ] الْأَحْسَنُ وَظَاهِرُهُ بِالْوَاوِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ إلَخْ. فَإِنْ قُلْت هَلَّا أَخَذَ التَّحْرِيمَ مِنْ قَوْلِهِ يَنْهَاكُمْ قُلْت إنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ لِقُصُورِهِ عَلَى الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ فَلَا يَشْمَلُ الْحَلِفَ بِغَيْرِهِمْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ اسْمًا لِلَّهِ، وَلَا صِفَةً لَهُ، وَالْتَفَتَ الْقُرْطُبِيُّ إلَى النَّهْيِ فَقَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ غَيْرِ اللَّهِ بِمِثْلِ مَا يُعَظَّمُ بِهِ اللَّهُ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَحْلُوفٍ بِهِ غَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْآبَاءَ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الَّذِي أَثَارَ الْحَدِيثَ حِينَ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَشَهَرَ ك] ضَعِيفٌ إذْ الرَّاجِحُ الْحُرْمَةُ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ، إذَا كَانَ الْحَالِفُ صَادِقًا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَيَحْرُمُ قَطْعًا، بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِالنَّبِيِّ كُفْرًا لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ بِهِ كَذَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. [قَوْلُهُ: بِحَقٍّ] الْأَوْلَى حَذْفُ بِحَقٍّ وَيَقُولُ كَرَاهَةُ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا قَالَ وَالْمَسْجِدِ أَوْ وَحَقِّ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُعَظَّمُ إلَخْ] أَيْ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَحَرَامٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ حَلِفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَنَحْوِهِمَا مِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ، كَالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَقَصَدَ بِالْقَسَمِ بِهَا تَعْظِيمَهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَعْبُودَاتٍ فَهُوَ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْظِيمَهَا فَحَرَامٌ اتِّفَاقًا فِي الْأَصْنَامِ، وَعَلَى خِلَافٍ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَكُلِّ مُعَظَّمٍ شَرْعًا.

لِلْحَلِفِ بِذَلِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَالْأَدَبُ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ حَرَامٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ فَلَا يُؤَدَّبُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَالْجَائِزُ لَا يُؤَدَّبُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ حَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْأَدَبُ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَقَيَّدْنَا بِالْبَالِغِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّبِيِّ، وَبِالْعَالِمِ احْتِرَازًا مِنْ الْجَاهِلِ، وَبِالْمُعْتَادِ احْتِرَازًا مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ، فَإِنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَلِفِ بِذَلِكَ (وَ) مَعَ تَأْدِيبِ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ (يَلْزَمُهُ) مَا حَلَفَ بِهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ إذَا أَيْقَنَ بِالْحِنْثِ (وَلَا) تَنْفَعُ (ثُنْيَا) أَيْ اسْتِثْنَاءٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى. مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْحَالِفُ بَعْدَ تَلَفُّظِهِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَنْفَعُ (كَفَّارَةٌ) كَمَا لَا تَنْفَعُ ثُنْيَا، وَمَعْنَى عَدَمِ نَفْعِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ (إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ بِهَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ) غَيْرِ هَذَا الِاسْمِ كَالْعَزِيزِ وَالْبَارِي (وَصِفَاتِهِ) أَيْ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ الثَّمَانِيَةِ: الْعِلْمِ، وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ وَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَالْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالذَّاتِيَّةِ احْتِرَازًا مِنْ الْفِعْلِيَّةِ كَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِهَا أَصْلًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَالَ التَّادَلِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ مُبَاحَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ أَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِبَاحَةِ ك. قُلْت بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ قُلْت وَالْأَوَّلُ، هُوَ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ الصَّحِيحُ. قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُبَاحٌ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ ذَلِكَ، كَالْيَمِينِ عَلَى إنْقَاذِ مُسْلِمٍ مِنْ يَدِ ظَالِمٍ فَإِنَّهَا تَجِبُ، أَوْ عَلَى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: مُعْتَادًا] وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ، كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ فَيُؤَدَّبُ مَنْ اعْتَادَ الْحَلِفَ بِهِ، عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَزَوِّجًا وَعِنْدَهُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَهُوَ وَاضِحٌ. قَالَ الشَّاذِلِيُّ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَعْتَادُوا، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِتْقِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَخَصَّهُ ابْنُ عُمَرَ بِالرِّجَالِ فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ النِّسَاءُ فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ، لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّهَا شُبِّهَتْ بِالرِّجَالِ عج. [قَوْلُهُ: وَالْأَدَبُ بِذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ حَرَامٌ إلَخْ] حَاصِلُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لِكَوْنِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ أَوْ التَّعْلِيقِ بِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ غَيْرِ الْحَلْفِ بِاَللَّهِ وَصِفَاتِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ اعْتِمَادُ ك. [قَوْلُهُ: بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ] قَالَ تت: وَالْأَدَبُ عِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مَحْدُودٍ. مَرْجِعُهُ لِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَلْ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ فَقَدْ يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ وَلَا يَبْلُغُ انْتَهَى. وَتَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ عِنْدَ مَالِكٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَحْدُودٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْأَدَبُ الضَّرْبُ ثَلَاثَةَ أَسْوَاطٍ فَمَا دُونَ، وَلَا يُضْرَبُ أَحَدٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: فَلْتَةً] أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا فِي تت قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إذَا أَيْقَنَ بِالْحِنْثِ] مَفْهُومُهُ لَوْ شَكَّ فِي الْحِنْثِ أَوْ تَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِيهِ شَيْءٌ. فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَلَّمَهُ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَنْ لَا يَفْعَلَ وَشَكَّ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَفْهُومُ مَا حَلَفَ بِهِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ وَلَمْ يَحْنَثْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ شَكَّ هَلْ أَعْتَقَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ. وَأَمَّا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ فَهُوَ كَمَنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ وَظَنُّ الْعِتْقِ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ] أَيْ وَالنَّذْرُ الْمُبْهَمُ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَذَا سَائِرُ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَحَلِفِهِ بِالْكَفَّارَةِ، وَيُمْكِنُ دُخُولُ هَذَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا مِنْ صِفَاتِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَقَاءُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ صِفَةُ سَلْبٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا صِفَةُ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْفِعْلِيَّةِ] أَيْ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ السَّلْبِيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ كَالْمَعَانِي [قَوْلُهُ: كَالرَّزْقِ] بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالرِّزْقِ، وَالْإِحْيَاءُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْحَيَاةِ، وَالْإِمَاتَةُ تَعَلُّقُ

تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، مَجَازٌ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الثُّنْيَا لَا تَنْفَعُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَشِيئَةِ لَا يَنْفَعُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْمَانِ، إلَّا فِي الْيَمِينِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ. (وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا (إذَا قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ) أَيْ قَصَدَ حَلَّ الْيَمِينِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، مِثْلُ أَنْ يُعَوِّدَ لِسَانَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِهِ تَبَرُّكًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ فِي حَلِّ الْيَمِينِ (وَ) ثَانِيهَا إذَا (قَالَ) أَيْ تَلَفَّظَ بِ (إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ وَحْدَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النُّطْقِ الْجَهْرُ، بَلْ لَوْ كَانَ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ كَفَى (وَ) ثَالِثُهَا إنْ (وَصَلَهَا) أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ (بِيَمِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَصْمُتَ) أَيْ يَسْكُتَ مَا لَمْ يَضْطَرَّ لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ فَإِنْ اضْطَرَّ لَمْ يَضُرَّ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ أَوْ لَمْ يَصِلْهُ بِيَمِينِهِ (لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ) الِاسْتِثْنَاءُ. (وَالْأَيْمَانُ بِ) اسْمِ (اللَّهِ أَرْبَعَةٌ) وَفِي نُسْخَةٍ أَرْبَعٌ (فَيَمِينَانِ تُكَفَّرَانِ وَهُوَ) أَيْ مَا يُكَفَّرُ يَمِينَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى بِرٍّ وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ مِثْلَ (أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا) أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُدْرَةِ بِالْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُحْلَفُ بِهَا أَصْلًا] أَيْ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَلَا يَنْعَقِدُ بِهَا يَمِينٌ [قَوْلُهُ: إطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ مَجَازٌ] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الثَّنْيِ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ رَجَعَ إلَى كَلَامِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ كَمَا يَرْجِعُ نِصْفُ الثَّوْبِ عَلَى نِصْفِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِخْرَاجِ بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا، ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى قَوْلِنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَمَشْرُوطٌ، وَالشَّرْطُ لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَالْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُخْرِجٌ مِنْ الْمَشْرُوطِ أَحْوَالَ عَدَمِ الْمَشْرُوطِ، فَالشَّرْطُ مُخْرِجٌ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ إلَخْ] التَّفْصِيلُ إنْ أَعَادَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْمُعَلِّقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْمُعَلِّقِ فَقَطْ أَوْ لَا نِيَّةَ لَهُ، فَفِي الثَّلَاثِ صُوَرٍ لَا يَنْفَعُ، وَأَمَّا إنْ أَعَادَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ مَثَلًا فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ إنْ رَدَّهُ لِلْفِعْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَلَوْ رَدَّهُ لِلْفِعْلِ، وَأَنَّهُ مَتَى دَخَلَ الدَّارَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. [قَوْلُهُ: إذَا قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ] لَا فَرْقَ فِي الْقَصْدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَلِفِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ، فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ كَمَا شَهَرَهُ تت [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِثْلَ أَنْ يُعَوَّدَ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا نَطَقَ بِهِ سَهْوًا. [قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ كَانَ سِرًّا بِحَرَكَةِ لِسَانِهِ] هَذَا فِي غَيْرِ الْمُسْتَحْلِفِ، فَمَا كَانَ مِنْ الْأَيْمَانِ وَثِيقَةً فِي حَقٍّ أَوْ شَرْطًا فِي نِكَاحٍ أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ أَوْ مَا يَسْتَحْلِفُهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، لَا يُجْزِئُهُ حَرَكَةُ اللِّسَانِ حَتَّى يُظْهِرَهُ وَيُسْمَعَ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. [قَوْلُهُ: إنْ وَصَلَهَا بِيَمِينِهِ] ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوصِلْهَا بِيَمِينِهِ بَلْ أَوْصَلَهَا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنْ دَخَلْت إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ اتِّصَالُهُ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَلَّقَ بِالْمُقْسِمِ مِنْهُ أَيْ بِعَدَدِهِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، فَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ أَوْ يَكْتَفِي بِاتِّصَالِهِ بِالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ خِلَافٌ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِيَمِينِهِ خُصُوصَ الْمُقْسَمِ بِهِ بَلْ أَرَادَ بِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَعَلِّقُ يَمِينِهِ تَجَوَّزَ فِي إطْلَاقِ اسْمِهِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ] أَيْ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ تَثَاؤُبٍ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ وَتَكَرَّرَتْ قَالَ تت: وَمِثْلُهَا الْجُشَاءُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ وَالْإِكْرَاهُ، كَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ. انْتَهَى مِنْ حَاشِيَةِ عج. قَوْلُهُ: مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ] أَيْ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْيَمِينِ. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ

عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى حِنْثٍ. وَحَقِيقَتُهَا أَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ بِأَثَرِ حَلِفِهِ مُخَالِفًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا (أَوْ يَحْلِفَ لِيَفْعَلُنَّ كَذَا) ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ عَلَى الْحِنْثِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَجِّلْ، أَمَّا إنْ أَجَلَّ فَإِنَّهُ عَلَى بِرٍّ إلَى الْأَجَلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا قَبْلَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ عَلَى بِرٍّ إلَى الْأَجَلِ، وَإِنْ وَلِيَ صِيغَةَ الْحِنْثِ حَرْفُ شَرْطٍ كَقَوْلِك: وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ لَا أُقِيمُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَفِي صِيغَةِ الْبِرِّ حَرْفُ نَفْيٍ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ جَزَاءٌ نَحْوُ: وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا مَعْنَاهُ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا؛ لِأَنَّ كَلَّمَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا فَمَعْنَاهُ الِاسْتِقْبَالُ إذْ الْكَفَّارَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ جَزَاءٍ فَهِيَ مَعَ الْجَزَاءِ شَرْطٌ، كَقَوْلِك وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَأُعْطِيَنَّك مِائَةً. (وَيَمِينَانِ لَا تُكَفَّرَانِ إحْدَاهُمَا لَغْوُ الْيَمِينِ وَهُوَ) أَيْ لَغْوُ الْيَمِينِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ (أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ يَظُنُّهُ) بِمَعْنَى يَتَيَقَّنُهُ (كَذَلِكَ فِي يَقِينِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خِلَافُهُ) وَقَوْلُهُ (فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَلَا إثْمَ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إثْمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: 89] تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا لَغْوَ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَوْ نَذْرٍ وَلَا مَخْرَجَ لَهُ، (وَالْأُخْرَى) الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا (الْحَلِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ) مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَقِيَ فُلَانًا بِالْأَمْسِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ (أَوْ شَاكًّا) قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَقِيَهُ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ لَقِيَهُ أَمْ لَا، وَمِثْلُ الشَّكِّ الظَّنُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (فَهُوَ) أَيْ الْحَالِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا فَهُوَ (آثِمٌ) ، وَإِنْ وَافَقَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. (وَلَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ) الْحَلِفُ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ أَوْ شَاكًّا (الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَفْعَلْ كَذَا قَبْلَ شَهْرٍ] بِأَنْ جَعَلَ الشَّهْرَ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْهُ بَعْدَ شَهْرٍ بِأَنْ جَعَلَ وُقُوعَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَتَتَّفِقُ الصُّورَتَانِ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِهَا فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فِي الْأَجَلِ الَّذِي جَعَلَهُ ظَرْفًا، أَوْ جَعَلَ حُصُولَ الْفِعْلِ بَعْدَهُ، وَيَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّهُ إنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى يَبَرُّ بِهِ، وَإِذَا مَضَى وَلَمْ يَفْعَلْهُ حَنِثَ وَلَا يَبَرُّ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ وُجُودِ زَمَنِهِ الْمُعَلَّقِ فِعْلُهُ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِذَا مَضَى مُنِعَ مِنْ وَطْءِ الْمَحْلُوفِ بِطَلَاقِهَا أَوْ عِتْقِهَا. [قَوْلُهُ: وَفِي صِيغَةِ الْبِرِّ حَرْفُ نَفْيٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ حَرْفَ نَفْيٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ وَتَكُونُ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ حَرْفَ نَفْيٍ أَيْضًا، وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ، وَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا مَحْذُوفٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ: وَاحْذِفْ لَدَى اجْتِمَاعِ شَرْطٍ ... وَقَسَمٍ جَوَابَ مَا أَخَّرْتَ إلَخْ فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ جَوَابَ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ثَمَّ جَزَاءٌ إلَخْ] وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْ نَافِيَةٌ فِي صِيغَتَيْ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ إنْ لَمْ يُذْكَرْ لَهَا جَوَابٌ وَمَعْنَاهَا فِي الْحِنْثِ حِينَئِذٍ لَأَفْعَلَنَّ؛ لِأَنَّهَا نَافِيَةٌ، وَنَفْيُ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَإِنْ ذُكِرَ لَهَا جَوَابٌ فَشَرْطِيَّةٌ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِي تَفْسِيرِهِ] وَمُقَابَلَةُ مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي إسْمَاعِيلِ وَالْأَبْهَرِيِّ، بِأَنَّهُ مَا سَبَقَ إلَيْهِ اللِّسَانُ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ كَقَوْلِ الرَّجُلِ كَلًّا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ كَلًّا [قَوْلُهُ: بِمَعْنًى يَتَيَقَّنُهُ] هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: أَنَّ قَوْلَهُ يَظُنُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الظَّنِّ لَغْوٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِنْ أَقْسَامِ الْغَمُوسِ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَالْمُرَادُ بِالتَّيَقُّنِ الِاعْتِقَادُ لَا الْجَزْمُ الْمُطَابِقُ لِدَلِيلِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ. [قَوْلُهُ: فِي يَقِينِهِ] أَيْ مَوْضِعِ يَقِينِهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَوْضِعَ نَفْسَهُ مَجَازًا، وَالْمَعْنَى يَعْتَقِدُهُ فِي عَقْلِهِ مُمَاثِلًا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَالْمُشَارُ لَهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمِثْلُ الِاعْتِقَادِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ لَا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قَوِيٍّ فَغَمُوسٌ وَأَوْلَى بِالشَّكِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٍ لَا مَخْرَجَ لَهُ] أَيْ النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَا يُفِيدُ اللَّغْوُ فِي نَحْوِ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ غَيْرِ مُبْهَمٍ [قَوْلُهُ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ] ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ، وَقِيلَ فِي الْإِثْمِ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا حَاصِلٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: الظَّنُّ] أَيْ غَيْرُ الْقَوِيِّ أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ لَقِيَهُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ وَافَقَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ] خَبَرُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ أَيْ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَافَقَ أَمْ لَا عَلَى الرَّاجِحِ، وَمَحِلُّ الْإِثْمِ مَا لَمْ يَقُلْ فِي ظَنِّيِّ

[الكفارة في اليمين]

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} [آل عمران: 77] الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ» (وَ) إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ لَا تُكَفِّرُ الْيَمِينَ فَ (لِيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ، وَمَا هِيَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ. (وَالْكَفَّارَةُ) فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَتَنَوَّعُ إلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: ثَلَاثَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهِيَ الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالْعِتْقُ، وَوَاحِدٌ مُرَتَّبٌ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ الصَّوْمُ، وَأَفْضَلُهَا الْإِطْعَامُ وَلِذَا بَدَأَ بِهِ فَقَالَ. (إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْإِطْعَامَ لَهُ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ الْعَدَدُ مُعْتَبَرٌ مِنْ قَوْلِهِ عَشَرَةِ، فَلَا يُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ لِأَكْثَرَ وَلَا لِأَقَلَّ وَلَا لِوَاحِدٍ مِرَارًا فَإِذَا أَعْطَى خَمْسَةً مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ بَنَى عَلَى خَمْسَةٍ، وَإِنْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ نِصْفَ مُدٍّ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِهِ. ثَانِيهَا أَنْ يَكُونُوا مَسَاكِينَ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَغْنِيَاءٍ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْكَفَّارَةُ] أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ، وَأَمَّا إنْ تَعَلَّقَتْ بِالْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ كُفِّرَتْ، وَاللَّغْوُ كَذَلِكَ إنْ تَعَلَّقَتْ بِمُسْتَقْبَلٍ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَاضٍ أَوْ حَالٍ لَمْ تُكَفَّرْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَمُوسَ وَاللَّغْوَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا إنْ تَعَلَّقَتَا بِمَاضٍ اتِّفَاقًا، وَفِيهِمَا الْكَفَّارَةُ إنْ تَعَلَّقَتَا بِمُسْتَقْبَلٍ اتِّفَاقًا فَإِنْ تَعَلَّقَتَا بِحَالٍ كُفِّرَتْ الْغَمُوسُ دُونَ اللَّغْوِ قَالَ عج: كَفِّرْ غَمُوسًا بِلَا مَاضٍ تَكُونُ كَذَا ... لَغْوٌ بِمُسْتَقْبَلٍ لَا غَيْرُ فَامْتَثِلَا [قَوْلُهُ: يَشْتَرُونَ] أَيْ يَسْتَبْدِلُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَيْ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ الْمُصَدِّقِ لِمَا مَعَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاَللَّهِ لَنُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَنَنْصُرَنَّهُ ثَمَنًا قَلِيلًا مَتَاعَ الدُّنْيَا لَا خَلَاقَ وَلَا نَصِيبَ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ نَظْرَةَ رَحْمَةٍ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ يُثْنِي عَلَيْهِمْ فَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ، وَأَيْمَانِهِمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي الْآيَةِ مُتَعَلِّقُهَا خَاصٌّ. [قَوْلُهُ: مَنْ اقْتَطَعَ] أَيْ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ مُتَمَلِّكًا. [قَوْلُهُ: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ] مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، لِذَلِكَ إذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ يُحْرَمُ الدُّخُولَ مَعَ الْفَائِزِينَ أَوَّلًا قَالَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: وَيَتَقَرَّبُ] أَيْ نَدْبًا [قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٍ] أَيْ وَصَدَقَةٍ أَوْ صِيَامٍ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ بَأْسٌ. [الْكَفَّارَة فِي الْيَمِين] [قَوْلُهُ: مُدًّا] لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَيْ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ وَمِقْدَارُهُ بِالْكَيْلِ حَفْنَتَانِ بِكَفَّيْ الرَّجُلِ الْمُتَوَسِّطِ، وَيُعْطِي مِنْهَا صَاحِبَ دَارٍ وَخَادِمٍ لَا فَضْلَ لَهُ عَنْ ثَمَنِهِمَا كَالزَّكَاةِ وَاسْتَظْهَرَ كَوْنُ الْكَفَّارَةِ وَاجِبَةً عَلَى الْفَوْرِ. [قَوْلُهُ: بَنَى عَلَى خَمْسَةٍ] وَكَمَّلَ لِخَمْسَةٍ أُخْرَى وَلَهُ نَزْعُ الزَّائِدِ، بِشَرْطِ إنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمِسْكَيْنِ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَكَانَ وَقْتُ الدَّفْعِ لَهُ بَيَّنَ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ [قَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ] أَيْ إلَّا أَنْ يُكَمِّلَ الْقَدْرَ، وَمَحِلُّ إجْزَاءِ التَّكْمِيلِ إنْ بَقِيَ بِيَدِ كُلِّ مِسْكِينٍ مَا أَخَذَ لِيُكَمِّلَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدِّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْزِئُ تَفْرِقَةُ الْمُدِّ فِي أَوْقَاتٍ أَوْ يُجْزِئُ التَّكْمِيلُ، وَلَوْ بَعْدَ ذَهَابِ مَا أَخَذَ أَوَّلًا مِنْ يَدِهِ، قَوْلَانِ وَلَهُ نَزْعُ الزَّائِدِ عَلَى الْعَشَرَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى بِيَدِ الْمِسْكِينِ لَمْ يُتْلِفْهُ وَكَانَ وَقْتُ الدَّفْعِ لَهُ بَيَّنَ أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَلَكِنْ يَنْزِعُ فِي هَذِهِ بِالْقُرْعَةِ لَا بِالتَّخْيِيرِ، إذْ لَيْسَ بَعْضُهُمْ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَمَحِلُّ دُخُولِ الْقُرْعَةِ مَا لَمْ يَعْلَمْ الْآخِذَ بَعْدَ الْعَشَرَةِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ. [قَوْلُهُ: مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ وَكَانَتْ بَاقِيَةً بِأَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْهُمْ وَيُعْطِيهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ بِأَيْدِيهِمْ لَمْ يَضْمَنُوهَا إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَغَرُّوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَأَكَلُوهَا وَصَانُوا بِهَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ فَيَضْمَنُوهَا أَيْضًا. كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ إذَا فَاتَتْ وَلَمْ يَعْلَمُوا وَهُوَ الْأَحْسَنُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِجْزَائِهَا إذَا فَاتَتْ فَيَغْرَمُونَهَا لِلْمَسَاكِينِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ أَحْسَنُ قَالَهُ عج: ثُمَّ قَالَ تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِنْ

فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ. رَابِعُهَا أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ الْقِنِّ أَوْ مَنْ فِيهِمْ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ. خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْطَى مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُجْزِئُ دُونَهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ إمَّا رَطْلَانِ مِنْ الْخُبْزِ بِالرَّطْلِ الْبَغْدَادِيِّ مَعَ أُدْمِ زَيْتٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ لَحْمٍ، وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ أَوْ مُجْتَمِعِينَ، كَانَ فِيمَا أَطْعَمَهُمْ عَشَرَةُ أَمْدَادٍ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا يُجْزِئُ غَدَاءٌ دُونَ عَشَاءٍ وَلَا عَشَاءٌ دُونَ غَدَاءٍ (، وَأَحَبُّ إلَيْنَا) يَعْنِي نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ (أَنْ لَوْ زَادَ عَلَى الْمُدِّ مِثْلَ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفٍ وَذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْبَابُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُدِّ (بِقَدْرِ مَا يَكُونُ مِنْ وَسَطِ عَيْشِهِمْ) وَوَسَطُ الْعَيْشِ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا. وَقَوْلُهُ: (فِي غَلَاءٍ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ وَقَوْلُهُ (أَوْ رُخْصٍ) رَاجِعٌ إلَى نِصْفِ مُدٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ حَتَّى بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ وَشَرْحِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهَا مَحْدُودَةٌ بِالثُّلُثِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَبِالنِّصْفِ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ بِالْمَدِينَةِ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا وَلِقَنَاعَةِ أَهْلِهَا بِالْيَسِيرِ، وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَخْرَجَ مُدًّا عَلَى كُلِّ حَالٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQهُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُمْ فَيَدْفَعُهَا جَمِيعَهَا لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ، وَإِذَا كَانَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ بَالِغٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا لِفُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ] أَيْ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا أَهْلَهَا، فَلَوْ اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ أَعَادَهَا وُجُوبًا، وَانْظُرْ لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً هَلْ تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ أَوْ لَا، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَغُرُّوهُ فَإِنْ غَرُّوهُ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِهَا. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْعَبِيدِ] ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالُوا: لِأَنَّ الْعَبْدَ غَنِيٌّ بِمَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْقِنِّ؛ لِأَنَّ سَيِّدَهُ مَجْبُورٌ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَبِيعَهُ لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فِيهِ عَقْدُ حُرِّيَّةٍ فَرُبَّمَا كَانَ سَيِّدُهُمْ فَقِيرًا وَلَا يُمْكِنُ الْبَيْعُ فِيهِمْ، لَكِنْ يُقَالُ السَّيِّدُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ أَوْ يَبُتَّ عِتْقَهُمْ فَهُمْ كَالْأَغْنِيَاءِ تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: إمَّا رَطْلَانِ] الرَّطْلُ الْبَغْدَادِيُّ أَصْغَرُ مِنْ الرَّطْلِ الْمِصْرِيِّ بِيَسِيرٍ [قَوْلُهُ: مَعَ أُدْمٍ] وَهَلْ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا قَوْلَانِ، وَالرَّاجِحُ الِاسْتِحْبَابُ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: أَوْ لَبَنٍ] وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَلِيبُ لَا الْمَضْرُوبُ. اهـ. تت وَأَعْلَى مَا ذُكِرَ اللَّحْمُ، وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ، تَحْقِيقٌ أَيْ الزَّيْتُ الطَّيِّبُ، وَقِيلَ أَوْ بَقْلٌ أَوْ قُطْنِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَبْخُ اللَّحْمِ أَوْ الْقُطْنِيَّةِ وَلَا مَا يُطْبَخَانِ بِهِ، وَإِنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ بِأُدْمٍ وَكَذَا الْمَاءُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا شَبَّعَهُمْ غَدَاءً إلَخْ] أَيْ أَوْ غَدَاءَيْنِ أَوْ عَشَاءَيْنِ وَلَا يَكْفِي غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ وَلَوْ بَلَغَ مُدًّا، وَيُعْتَبَرُ الشِّبْعُ الْمُتَوَسِّطُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ جُوعٌ فَإِذَا أَطْعَمَهُمْ مَرَّتَيْنِ عَنْ شِبَعٍ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا الْمَرَضُ كَمَا فِي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] أَيْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤَلِّفِ وَمُقَابِلُهُ تَرْجِيعُهُ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحِيحُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَحْبِيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقُولُ بِهَا أَشْهَبُ وَلَا ابْنُ وَهْبٍ، فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُدِّ الْمَنْدُوبَةِ بِالِاجْتِهَادِ. [قَوْلُهُ: الزِّيَادَةَ] أَيْ الزِّيَادَةَ الْمَعْهُودَةَ الَّتِي هِيَ الثُّلُثُ أَوْ النِّصْفُ [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا يَكُونُ] مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ بِقَدْرِ وُجُودِ أَيْ حَالَ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ [قَوْلُهُ: وَوَسَطِ الْعَيْشِ الْحَبُّ] أَيْ فَمَعْنًى وَسَطٌ مُخْتَارٌ أَيْ بِقَدْرِ عَيْشِهِمْ الْوَسَطِ، أَيْ الْمُخْتَارِ لَهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ الْحَبُّ الْمُقْتَاتُ غَالِبًا أَيْ لِأَهْلِ بَلَدِ الْمُكَفِّرِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا الْمُكَفَّرِ [قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ ثُلُثِ مُدٍّ] أَيْ مُرْتَبِطٌ بِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مِنْ بَيَانًا لِحَالِ الْعَيْشِ الْوَسَطِ أَيْ حَالِهِ مِنْ رَخَاءٍ وَرُخْصٍ، فَالثُّلُثُ فِي الْغَلَاءِ وَالنِّصْفُ فِي الرُّخْصِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُلُثِ مُدٍّ أَوْ نِصْفِهِ أَيْ مَثَلًا فَالْمَدَارُ عَلَى الزِّيَادَةِ بِحَسَبِ الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ، فَقَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الزِّيَادَةَ بِالِاجْتِهَادِ أَيْ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: إنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ] نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَوْلُهُ وَإِنَّهَا مَحْدُودَةٌ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَشَرْحِهِ، أَيْ شَرْحِ بَهْرَامَ وَكَلَامُ غَيْرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيٌّ [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا إلَخْ] أَيْ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بَلْ كَغَيْرِهِمْ، فِي اسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ

أَيْ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَفِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِالْوَاوِ الْمُؤْذِنَة بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فَقَالَ (وَإِنْ كَسَاهُمْ) أَيْ، وَإِنْ اخْتَارَ كِسْوَةَ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ (كَسَاهُمْ لِلرَّجُلِ قَمِيصٌ وَلِلْمَرْأَةِ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْكِسْوَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ وَسَطِ كِسْوَةِ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ دُونَ الْكِسْوَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الثَّالِثَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ، آتِيًا بِأَوْ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّخْيِيرِ فَقَالَ (أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ) شَرَطُوا فِيهَا شُرُوطًا أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (مُؤْمِنَةٍ) فَلَا تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ. ثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تَشِينُ، كَالْعَمَى وَالْهَرَمِ وَالْعَرَجِ الشَّدِيدَيْنِ، أَمَّا مَا لَا يَشِينُ كَقَطْعِ الظُّفُرِ فَيُجْزِئُ. ثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ. رَابِعُهَا أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمُشْتَرَكَةِ. خَامِسُهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهَاتٌ. الْأَوَّلُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ لِيَتَخَلَّصَ لِلْوَظَائِفِ الْوَاجِبَاتِ. الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَفْقُودَانِ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، أَيْ لَيْسُوا كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَيَقُولُ بِالزِّيَادَةِ، إلَّا أَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ وَأَشْهَبُ يَحُدُّهَا بِالثُّلُثِ وَابْنُ وَهْبٍ بِالنِّصْفِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ الثَّلَاثَةَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَا شَرَحْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ، وَأَنَّهَا بِالِاجْتِهَادِ تَبِعَنَا فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُفَادَ بَعْضِ شُرَّاحِ مُخْتَصَرِهِ أَنَّ مَالِكًا وَابْنَ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ قَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ. وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي قَدْرِهَا وَسَكَتُوا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُفَادُ خَلِيلٍ فِي تَوْضِيحِهِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِكِفَايَةِ الْمُدِّ، وَأَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ الثَّلَاثَةِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الْمُدُّ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا إلَخْ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُبْطِلُ. [قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ] الْمُرَادُ بِالرَّجُلِ الذَّكَرُ، وَبِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى؛ وَلِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فِي إعْطَاءِ الْكِسْوَةِ وَالْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي إعْطَاءِ الْأَمْدَادِ وَالْأَرْطَالِ أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يُعْطَى مِثْلُ الْكَبِيرِ، وَأَمَّا فِي الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِغْنَائِهِ عَنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْكَبِيرَ فِي الْأَكْلِ، وَفِي الْكِسْوَةِ يُعْطَى كِسْوَةَ كَبِيرٍ مِنْ أَوْسَاطِ الرِّجَالِ، وَلَوْ كَانَ رَضِيعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَخِيطًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْكِسْوَةُ جَدِيدَةً أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ حَيْثُ كَانَتْ قَوِيَّةً لَمْ تَذْهَبْ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِيدَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَمِيصُ بَلْ الثَّوْبُ السَّاتِرُ كَافٍ سَوَاءٌ كَانَ قَمِيصًا أَمْ لَا، وَلَا تُجْزِئُ عِمَامَةٌ وَحْدَهَا، وَلَا إزَارٌ لَا يَبْلُغُ أَنْ يَلْتَحِفَ بِهِ مُشْتَمِلًا فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ أَجْزَأَ. [قَوْلُهُ: كَالْعَمَى إلَخْ] وَالْجُنُونِ وَالْبُكْمِ وَقَطْعِ الْأُذُنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يُذْكَرُ فِي الظِّهَارِ وَيُجْزِئُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ فَاقِدُ النَّظَرِ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ فَقَدَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ بَعْضَ نَظَرِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُجْزِئُ أَيْضًا [قَوْلُهُ: كَقَطْعِ الظُّفُرِ] لَا قَطْعَ الْأُصْبُعِ، فَذَهَابُ أُنْمُلَتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ] أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا يُثَابُ، وَمَنْ تَرَكَهُمَا يُعَاقَبُ وَظَاهِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ ظَاهِرًا فِيمَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ الْوَاجِبَاتِ أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي حَقِّهِ مَنْدُوبَةً، وَلَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُنْدَبُ فِي حَقِّهِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَرَادِعِيِّ، وَعِبَارَةُ الْبَرَادِعِيِّ وَعِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ مَنْ عَقَلَ الْإِسْلَامَ وَالصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ. قَالَ الشَّيْخُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى وَصَامَ يَكُونُ إسْلَامُهُ حَقِيقَةً بِالْفِعْلِ، وَفِي الصَّغِيرِ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا. اهـ. فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عِتْقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا السِّنَّ مُجْزٍ، وَإِنْ رَضِيعًا كَمَا فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَذَلِكَ فَكَبُرَ أَخَرْسَ

[النذور وما يتعلق بها]

لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ فِي ذَلِكَ قِيمَةً. الثَّالِثُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَإِنْ كَفَّرَ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ النَّوْعَ الرَّابِعَ الَّذِي لَا يُجْزِئُ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلِذَا أَتَى بِالْفَاءِ الْمُؤْذِنَةِ بِالتَّعْقِيبِ فَقَالَ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُكَفِّرُ (ذَلِكَ) أَيْ الْعِتْقَ (وَلَا إطْعَامًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُتَابِعْهُنَّ) اسْتِحْبَابًا؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ أَوْلَى يَدُلُّ عَلَى مَا قَيَّدْنَا بِهِ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَرَّقَهُنَّ) أَيْ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ (أَجْزَأَهُ) ، وَإِذَا فَرَّقَ صَوْمَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ. (وَ) يُبَاحُ (لَهُ) أَيْ لِلْحَالِفِ (أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى بِرٍّ أَوْ عَلَى حِنْثٍ كَانَتْ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِ (وَ) لَكِنَّ تَكْفِيرَهُ (بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى النُّذُورِ جَمْعُ نَذْرٍ، وَهُوَ لُغَةً الْوُجُوبُ قَالَ تَعَالَى {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] أَيْ أَوْجَبْتُ وَشَرْعًا الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْقُرَبِ فَقَالَ «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ أَصَمَّ أَوْ مُقْعَدًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ [قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ فِي ذَلِكَ قِيمَةً] أَيْ مِنْ الْإِطْعَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلسَّيِّدِ قَالَهُ عج. وَكَذَا لَيْسَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَالصَّوْمُ أَوْلَى، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ الْكَفَّارَاتِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ التَّفْكِيرُ بِالْعِتْقِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْعِتْقَ] أَيْ وَالْكِسْوَةَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَا إطْعَامًا، وَالْعَجْرُ عَمَّا تَقَدَّمَ بِأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُبَاعُ عَلَى الْمُفْلِسِينَ، وَيُعْتَبَرُ حِينَ الْإِخْرَاجِ لَا حِينَ الْحِنْثِ، وَلَا حِينَ الْيَمِينِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ أَقَلِّ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ أَيْسَرَ، فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلتَّكْفِيرِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ كَمَالِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ كَمَالِ الثَّالِثِ نُدِبَ لَهُ الرُّجُوعُ لِلتَّكْفِيرِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الطَّعَامِ، كَمَا إذَا أَعْتَقَ وَكَسَا، وَأَطْعَمَ وَكَسَا، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ لِبَعْضِهِمْ أَمْدَادًا وَبَعْضِهِمْ أَرْطَالًا أَوْ دَفَعَ لِكُلٍّ نِصْفَ مُدٍّ وَرَطْلًا أَوْ نِصْفَهُ وَغَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَيُجْزِئُ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ ثَلَاثَةٌ فَأَطْعَمَ عَشَرَةَ وَكَسَا عَشَرَةَ، وَأَعْتَقَ رَقَبَةً وَقَصْدَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا عَنْ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ، سَوَاءٌ عَيَّنَ كُلَّ كَفَّارَةٍ لِيَمِينٍ أَمْ لَا وَكَذَا يُجْزِئُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا الْمُضِرُّ أَنْ يَشْتَرِكَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْعِتْقَ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا الْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ [قَوْلُهُ: وَإِذَا فَرَّقَ صَوْمَهَا] مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفَرِّقْ لَاكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ كُلَّ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّتَابُعَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ إطْعَامًا أَوْ كِسْوَةً وَشَرَعَ فِيهَا الْمُتَابَعَةُ فَوْرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا] وَالصَّوَابُ أَنَّ مَحِلَّ الْإِجْزَاءِ إذَا كَانَتْ بِاَللَّهِ أَوْ بِعِتْقٍ مُعَيَّنٍ أَوْ طَلَاقٍ بَالِغِ الْغَايَةِ أَوْ بِصَدَقَةٍ بِمُعَيَّنٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى حِنْثٍ أَوْ بَرٍّ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ بِمَشْيٍ أَوْ بِصِيَامٍ أَوْ بِصَدَقَةٍ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِعِتْقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ بِطَلَاقٍ قَاصِرٍ عَنْ الْغَايَةِ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ صِيغَةَ حِنْثٍ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِأَجَلٍ لَا إنْ كَانَتْ صِيغَةَ بِرٍّ أَوْ حِنْثٍ مُقَيَّدَةً بِأَجَلٍ فَلَا يُجْزِئُ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ. فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يُخْرِجُهَا فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ قَبْلَ حِنْثِهِ إذْ إخْرَاجُهُ لَهَا فِيهِ عَزْمٌ عَلَى الضِّدِّ؟ . قُلْتُ: يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي عَزْمِهِ عَلَى الضِّدِّ، ثُمَّ يَجْزِمُ بِهِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَفِي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي إجْزَائِهِ عَنْهَا مَعَ التَّرَدُّدِ، وَصُورَةُ الطَّلَاقِ الْبَالِغِ الْغَايَةَ أَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مُتَمِّمُهَا، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ شَرْعِيٍّ قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ ثُمَّ دَخَلَهَا وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِطْلَاقُ التَّكْفِيرِ عَلَيْهَا مَجَازٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَعُودُ إلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الْعِصْمَةِ الْجَدِيدَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا دُونَ الْغَايَةِ ثُمَّ عَادَتْ لَهُ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تَعُودُ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فَلَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلَهَا حَنِثَ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ] أَيْ لَا غَيْرِهِمْ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا فَالْأَحْسَنُ أَحَبُّ إلَيْنَا أَيْ الْمُصَنِّفِ رَدًّا عَلَى أَشْهَبَ، الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ، أَوْ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ الصَّوْمِ دُونَ غَيْرِهِ. [النُّذُور وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] [قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] أَيْ مِنْ بَيَانِ الْكَفَّارَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْوُجُوبُ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ أَيْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَقُولَ: الْإِيجَابُ [قَوْلُهُ: وَشَرْعًا الْتِزَامُ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ

فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ فِي الصَّحِيحِ فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَنَّ النَّذْرَ عَلَى قِسْمَيْنِ. نَذْرُ طَاعَةٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ " وَلَكِنْ هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ نَذَرَ صَدَقَةَ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ عِتْقَ) رَقَبَةِ (عَبْدِ غَيْرِهِ) كُرِهَ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لَا صَدَقَةٌ وَلَا عِتْقٌ مَا وَلَمْ يُعَلِّقْ فَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَزِمَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْهُورِ نَحْوَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ عَبْدَ فُلَانٍ إنْ مَلَكْته. وَقَسَّمَ النَّذْرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مُعَلَّقٌ وَهُوَ مَا عُلِّقَ بِمُتَوَقَّعٍ، وَمُطْلَقٌ وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ، وَمُبْهَمٌ وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا) سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ حَرَامًا أَوْ كَيْفَمَا كَانَ (فَعَلَيَّ نَذْرِ كَذَا) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ إنْ فَعَلَ مَا شَرَطَهُ (وَكَذَا) إنْ قَالَ (لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ مِنْ صَلَاةٍ) أَيْ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ أَوْجَبْتُ أَنْ يَقُولَ إيجَابٌ، أَيْ إلْزَامُ نَفْسِهِ قُرْبَةً، وَقَوْلُهُ مَا يَلْزَمُ أَيُّ شَيْءٍ يَلْزَمُ وَالْأَحْسَنُ حَذْفُ قَوْلِهِ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللُّزُومَ مِنْ الِالْتِزَامِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْقُرَبِ أَيْ جِنْسِ الْقُرَبِ بَيَانٌ لِمَا أَيْ الْتِزَامِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَيْ لَا كَافِرٍ، وَنُدِبَ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ أَسْلَمَ وَلَا صَبِيٍّ وَنُدِبَ لَهُ وَفَاؤُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَشَمِلَ الْمُكَلَّفُ الْعَبْدَ يَنْذُرُ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَلِرَبِّهِ مَنْعُهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ إنْ أَضَرَّ بِهِ فِي عَمَلِهِ حَيْثُ نَذَرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ وَكَانَ مَضْمُونًا، وَعَلَيْهِ إنْ عَتَقَ مَالًا أَوْ غَيْرَهُ وَشَمِلَ أَيْضًا السَّفِيهَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَيَلْزَمُهُ نَذْرُ غَيْرِ الْمَالِ لَا الْمَالِ فَلَا يَلْزَمُهُ، فَعَلَى وَلِيِّهِ رَدُّهُ كُلُّهُ، وَرَدُّهُ إبْطَالٌ فَإِنْ رَدَّهُ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ وَاسْتَمَرَّ بِيَدِهِ حَتَّى رَشَدَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَشَمِلَ أَيْضًا مَرِيضًا وَزَوْجَةً رَشِيدَةً، وَلَوْ بِزَائِدِ الثُّلُثِ فِيهِمَا لَكِنْ إنْ أَجَازَهُ الزَّوْجُ وَالْوَارِثُ، وَإِلَّا نَفَذَ ثُلُثُ الْمَرِيضِ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ الْجَمِيعِ. وَشَمِلَ أَيْضًا نَذْرَ مَنْ سَكَرَ بِحَرَامٍ حَالَ سُكْرِهِ وَأَوْلَى قَبْلَهُ وَيَلْزَمُهُمَا الْوَفَاءُ بِهِ إذَا أَفَاقَا لَا بِحَلَالٍ، فَكَالْمَجْنُونِ وَانْظُرْ هَلْ يُنْدَبُ لَهُمَا الْوَفَاءُ إذَا أَفَاقَا وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُنْدَبُ لَهُ الْوَفَاءُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْقُرَبِ أَيْ الْمَنْدُوبَةِ، وَلَزِمَ نَذْرُ صَوْمِ رَابِعِ النَّحْرِ، وَإِحْرَامٍ بِحَجٍّ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ مَعَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ مَطْلُوبَانِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الزَّمَنِ، وَغَيْرُ مَطْلُوبِينَ عِنْدَ مُلَاحَظَتِهِ، فَالنَّذْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نَظَرًا لِلْحَالَةِ الْأُولَى. وَانْظُرْ نَذْرَ صَلَاةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ وَبَقِيَّةِ الْمَكْرُوهَاتِ هَلْ تَلْزَمُ أَيْضًا نَظَرًا لِمُطْلَقِ النَّفْلِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْوَقْتِ، وَقُلْنَا الْمَنْدُوبَةِ احْتِرَازًا عَنْ نَذْرِ الْوَاجِبِ فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَانْظُرْ حُكْمَ الْإِقْدَامِ وَاسْتَظْهِرْ التَّحْرِيمَ وَعَنْ نَذْرِ الْمُحَرَّمِ كَزِنًا وَالْمَكْرُوهِ كَنَذْرِ نَفْلٍ بَعْدَ فَرْضِ عَصْرٍ، وَالْمُبَاحِ كَنَذْرِ مَشْيٍ بِسُوقٍ إذْ لَا قُرْبَةَ فِيهِ، وَنَذْرُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ، وَفِي كَوْنِهِ الْمَكْرُوهَ وَالْمُبَاحَ كَذَلِكَ أَوْ مِثْلَهُمَا، قَوْلًا. الْأَكْثَرُ مَعَ ظَاهِرِ الْمُوَطَّإِ وَالْمُقَدَّمَاتِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ قِيلَ: وَلَعَلَّ وَجْهَ الْحُرْمَةِ فِيهِمَا أَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا حَيْثُ عَلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الْمَنْدُوبُ. [قَوْلُهُ: فَلْيُطِعْهُ] أَيْ وُجُوبًا بِفِعْلِ مَا نَذَرَهُ وَلَوْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِنَذْرِ اللُّجَاجِ أَوْ قَصَدَ بِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ، كَمِنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ لِكَرَاهَةِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: كُرِهَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ] بَحَثَ فِيهِ عج بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَنَذْرُ الْمُبَاحِ حَرَامٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ مِلْكَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ نَذْرِ الْمَنْدُوبِ فَلَا يُكْرَهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَمَنْ نَذَرَ إلَخْ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تَمْلِيكَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ إذَا مَلَكَهُ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ] أَيْ عَلَى شَرْطٍ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا يَلْزَمُهُ. [قَوْلُهُ: بِمُتَوَقَّعٍ] أَيْ بِمَرْجُوِّ الْحُصُولِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ كَذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ [قَوْلُهُ: أَوْ كَيْفَمَا كَانَ] أَيْ أَوْ مَا كَانَ عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: نَذْرُ كَذَا] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ مَنْذُورٍ وَهُوَ كَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ [قَوْلُهُ: وَكَذَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَذَا الثَّانِي مُسْتَأْنَفٌ مُرْتَبِطٌ بِمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: لِشَيْءٍ] اللَّامُ زَائِدَةٌ أَيْ وَكَذَا إنْ ذَكَرَ شَيْئًا أَيْ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَهُ تت فَقَوْلُهُ يَذْكُرُهُ تَأْكِيدٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْجُزَيْئَاتِ مِنْ مَا صَدَقَاتُ كَذَا الْأَوَّلِ، فَهِيَ مُسْتَغْنًى عَنْهَا، وَلَا أَوْجَبَ هَذَا إلَّا جَعَلَهُ كَذَا الثَّانِيَ مُسْتَأْنَفَةً. وَالْأَحْسَنُ أَنَّ وَكَذَا الثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى كَذَا الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ لِشَيْءٍ يَذْكُرُهُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ أَيُّ شَيْءٍ كَذَا وَكَذَا،

(أَوْ صَوْمٍ) كَذَلِكَ (أَوْ حَجٍّ) كَذَلِكَ (أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ صَدَقَةِ شَيْءٍ سَمَّاهُ فَذَلِكَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَمَا بَعْدَهَا يُرِيدُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ كَالْعِتْقِ وَالذِّكْرِ (يَلْزَمُهُ) مَا نَوَاهُ أَوْ سَمَّاهُ إنْ حَنِثَ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ وَلَا سَمَّاهَا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ وَهُوَ رَكْعَتَانِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ إذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّوْمِ، وَهُوَ يَوْمٌ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ فَكَلَّمَهُ لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَالِهِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا سَمَّى فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا سَمَّاهُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ ع فَإِنْ ذَكَرَ الدَّارَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلَّا هِيَ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ. فَقَالَ الشُّيُوخُ قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ إذَا جَعَلَهُ كُلَّهُ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا سَمَّاهُ. أَمَّا إذَا سَمَّاهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا سَمَّى، وَهُوَ الَّذِي قَالَ هُنَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. انْتَهَى. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي آتِيًا بِكَافِ التَّشْبِيهِ فَقَالَ (كَمَا يَلْزَمُهُ لَوْ نَذَرَهُ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْمُقَيَّدُ بِوُقُوعِهِ كَمَا يَلْزَمُهُ الَّذِي لَا تَعْلِيقَ فِيهِ نَحْوَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَلَاةٌ أَوْ غَيْرُهَا. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا مِنْ الْأَعْمَالِ) كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ شَيْءٌ يَذْكُرُهُ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ، وَاللَّامُ فِي لِشَيْءٍ زَائِدَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ فِعْلِ الْبِرِّ بَيَانٌ لِشَيْءٍ، وَإِضَافَةُ فِعْلٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَامِّ لِلْخَاصِّ فَهِيَ لِلْبَيَانِ، وَقَوْلُهُ مِنْ صَلَاةٍ بَيَانٌ لِفِعْلِ الْبِرِّ، وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمُبَاحِ فَلَا يَلْزَمُهُ تت [قَوْلُهُ: سَمَّاهُ] أَيْ بَيَّنَ قَدْرَهُ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً فَالتَّعْمِيمُ الْأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِبَيَانِ الْقَدْرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الصَّلَوَاتِ] الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ الصَّلَاةُ [قَوْلُهُ: مَا نَوَاهُ أَوْ سَمَّاهُ] لَوْ قَالَ مَا سَمَّاهُ الشَّامِلُ لِلِّسَانِ وَالْقَلْبِ لَكَفَاهُ وَيُطَابِقُ مَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُهُ مَا فِي نِيَّتِهِ إنْ تَخَالَفَ مَعَ لَفْظِهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إنْ حَنِثَ] اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أُجِيبَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْحِنْثِ عَلَى النَّذْرِ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَجَازٌ [قَوْلُهُ: اسْمُ الصَّلَاةِ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَأَنْ تَكُونَ حَقِيقِيَّةً وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ] هَذَا التَّمْثِيلُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ قَبْلُ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَالِهِ أَيْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَةُ مَالِي، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَالِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ: فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَيَتَصَدَّقُ بِالدِّرْهَمِ وَنِصْفِهِ وَرُبُعِهِ وَالْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ، وَمَا زَادَ فَهُوَ خَيْرٌ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إنْ الْتَزَمَ مُطْلَقَ الصَّوْمِ فَيَوْمٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَكْثَرَ أَوْ مُطْلَقَ الصَّلَاةِ فَرَكْعَتَانِ أَوْ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ فَأَقَلُّ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ. قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَأَتَى بِعِبَادَةٍ كَامِلَةٍ إنْ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ أَوْ صَلَاةَ رَكْعَةٍ أَوْ طَوَافَ شَوْطٍ [قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ مَا سَمَّاهُ وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ] أَيْ فَإِذَا سَمَّى شَيْئًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا سَمَّاهُ بِنَحْوِ نِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ بَلْ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ، كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ سِوَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ تِلْكَ الْأَلْفُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ ذَكَرَ الدَّارَ إلَخْ] كَمَا إذَا قَالَ دَارِي الْفُلَانِيَّةُ صَدَقَةٌ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ، وَإِنْ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ جَمِيعَ مَالِهِ [قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافٍ] أَيْ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَنَافٍ [قَوْلُهُ: فَقَالَ الشُّيُوخُ] جَوَابُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي قَالَ هُنَا] أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَوْ صَدَقَةَ شَيْءٍ سَمَّاهُ [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ مِنْ كَوْنِهِ إذَا لَمْ يُسَمِّ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ، وَإِذَا سَمَّى يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَمُقَابِلُهُ فِي الْأَوْلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ، وَهُوَ لِسَحْنُونٍ وَجَمِيعُهُ وَهُوَ لِابْنِ وَهْبٍ وَمُقَابِلُهُ فِي الثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ وَهُوَ لِأَصْبُغَ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَلْزَمُهُ الْمُقَيَّدُ بِوُقُوعِهِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ بِوُقُوعِ الْمُقَيَّدِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَيْ يَلْزَمُهُ الْمُقَيَّدُ بِوُقُوعِ شَيْءٍ عِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ [قَوْلُهُ: أَيْ يَلْزَمُهُ الْمُقَيَّدُ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَاعِدَةِ الْفُقَهَاءِ، أَنَّ الْكَافَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمُشَبَّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهَا دَاخِلَةً عَلَى الْمُشَبَّهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا إلَخْ] أَيْ وَلَمْ يَنْوِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ مَا يَشْمَلُ التَّسْمِيَةَ فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي النِّيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: مَخْرَجًا] مَحِلُّ الْخُرُوجِ أَيْ لَمْ يُسَمِّ لِنَذْرِهِ شَيْئًا يُخْرِجُ مِنْهُ

[تكرر الكفارة وعدم تكررها بتكرر اليمين]

يُسَمِّ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرَةٍ أَوْ شِبْهِهِ) كَالنَّبِيذِ (أَوْ) نَذَرَ (مَا لَيْسَ بِطَاعَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ) كَالْمُبَاحَةِ وَالْمَكْرُوهِ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ) فِي الْفَرْعَيْنِ، وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ قَوْلُهُ (وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ) رَاجِعٌ لِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ فَقَطْ أَوْ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ قَوْلَانِ. (وَإِنْ حَلَفَ) إنْسَانٌ (بِ) اسْمِ (اللَّهِ) أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ النَّفْسِيَّةِ أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ (لَيَفْعَلَنَّ مَعْصِيَةً) مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ أَوْ سَبِّ مَنْ لَا يَجُوزُ سَبُّهُ (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ) الَّذِي حَلَفَهُ (وَلَا يَفْعَلْ ذَلِكَ) الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَجَرَّأَ) أَيْ اقْتَحَمَ (فَفَعَلَهُ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَمْ يُبَالِ بِعُقُوبَةِ عَاقِبَتِهِ (فَهُوَ آثِمٌ) لِفِعْلِهِ الْمَعْصِيَةَ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِيَمِينِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَرَّ فِي يَمِينِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ بِالصِّفَاتِ فَقَطْ أَوْ بِهَا وَبِالْأَسْمَاءِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ فِي يَمِينٍ فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ) ؛ لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ وَالْمِيثَاقَ يَمِينٌ فَإِذَا جَمَعَهُمَا فَقَدْ حَلَفَ يَمِينَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَدَّدُ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ وَصَحَّحُوا تَأْوِيلَهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَأَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَكَّدَ الْيَمِينَ فَكَرَّرَهَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ) مِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَإِذَا كَرَّرَ الْيَمِينَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمْ تَتَعَدَّدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّذْرَ أَيْ يَتَحَقَّقُ بِهِ مِنْ تَحَقُّقِ الْكُلِّيِّ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهِ، وَمِثْلُ النَّذْرِ الَّذِي لَا مَخْرَجَ لَهُ الْيَمِينُ وَالْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ أَوْ كَفَّارَةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَاللَّغْوِ وَالْغَمُوسِ وَالْكَفَّارَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ كَوْنِهِ نَذْرًا مُبْهَمًا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَكَعَلَيَّ نَذْرٌ حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْهُ فَإِنْ عَلَّقَهُ فَيَمِينٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صِيغَةُ نَذْرٍ مُطْلَقًا، وَعَلَيَّ كَذَا صِيغَتُهُ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ، وَإِلَّا فَيَمِينٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ وُجُودَ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَوَجَدْت فِي كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَلَهُ قَوْلَانِ: قَوْلٌ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ، وَقَوْلٌ بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. [قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْفَرْعِ الْأَوَّلِ] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً [قَوْلُهُ: خَمْرٍ] هُوَ الْمُسْكِرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، وَالنَّبِيذُ هُوَ الْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ] الْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ لَهُ وَلِمَا بَعْدَهُ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: أَوْ الْمَعْنَوِيَّةِ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمَعَانِيَ [قَوْلُهُ: فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ] وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ الْحَلِفُ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ النَّذْرِ وَلَا يَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مِمَّا لَا تُكَفَّرُ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ وَعِتْقُ الْعَبْدِ، لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَبَرَّ هَذَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالْأَجَلِ، وَإِنْ قَيَّدَهُ بِالْأَجَلِ فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَحِلُّ [قَوْلُهُ: أَيْ اقْتَحَمَ] أَيْ ارْتَكَبَ وَقَوْلُهُ وَفَعَلَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُبَالِ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ بِالصِّفَاتِ فَقَطْ مُتَعَلِّقٌ بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ أَيْ يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بِالصِّفَاتِ أَوْ تَصْوِيرٌ لِلْيَمِينِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَحْلُوفَ بِهِ، وَأَرَادَ الصِّفَاتِ وَلَوْ بِحَسَبِ اللَّفْظِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ يَرْجِعَانِ إلَى صِفَةِ الْكَلَامِ. [تَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الْيَمِينِ] [قَوْلُهُ: أَوْ بِهَا وَبِالْأَسْمَاءِ] أَيْ أَوْ بِالْأَسْمَاءِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: فِي يَمِينٍ] اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَمِينٍ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدٌ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَإِنَّهُ غَيْرُ يَمِينٍ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ إلَخْ] إشَارَةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ الِاسْمُ أَوْ الصِّفَةُ الْمَحْلُوفُ بِهَا [قَوْلُهُ: فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّوْضِيحِ] أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ الْحَالِفُ بِتَعَدُّدِهَا التَّأْكِيدَ أَوْ الْإِنْشَاءَ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ كَفَّارَاتٍ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي أَوْ بِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ [قَوْلُهُ: تَأْوِيلُهُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَصَحَّحُوا تَأْوِيلَ الْمُدَوَّنَةِ بِهِ [قَوْلُهُ: أَشَارَ إلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي إلَخْ] لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شَامِلٌ لِلْأَسْمَاءِ مَعَ الصِّفَاتِ وَلِلْأَسْمَاءِ فَقَطْ بَلْ وَلِلصِّفَاتِ فَقَطْ وَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ السَّابِقِ

وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا لَمْ يَنْوِ كَفَّارَاتٍ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَاتِهِ إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ كَرَّرَ الْيَمِينَ بِذَلِكَ الِاسْمِ بِعَيْنِهِ أَوْ الصِّفَةِ بِعَيْنِهَا عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَتَعَدَّدْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ بِالْحِنْثِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ تَعَدَّدَتْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ اهـ. وَمَفْهُومٌ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهَا فِي شَيْئَيْنِ مَثَلًا لَزِمَ لِكُلِّ كَفَّارَةٍ يَمِينٌ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ. (وَمَنْ قَالَ) وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ: (أَشْرَكْت بِاَللَّهِ أَوْ هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ) أَوْ عَابِدُ وَثَنٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ (إنْ فَعَلَ كَذَا) ثُمَّ فَعَلَهُ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَوْ صِفَاتِهِ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ يَمِينٌ (وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ) ظَاهِرُهُ وَلَا تُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ. (وَمَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ) مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ (عَلَيْهِ) وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِغْفَارُ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَرِّمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] وَيُسْتَثْنَى مِمَّا قَالَ مَسْأَلَتَانِ، أَشَارَ إلَى إحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي زَوْجَتِهِ) إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ (فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا طَلَاقُهَا ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ لَهُ (إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَأَمَّا غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَنْوِي فِيهَا كَمَا سَيَقُولُ فِي النِّكَاحِ. وَالثَّانِيَةُ: إذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُرَّةً بِذَلِكَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لَا يَطَؤُهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. (وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً) لِلَّهِ تَعَالَى (أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ فِي هَذَا أَتَى بِحَرْفِ الْقَسَمِ كَوَاللَّهِ [قَوْلُهُ: وَكَّدَ] أَرَادَ التَّوْكِيدَ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَدَ التَّكْرَارَ] أَيْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ [قَوْلُهُ: أَوْ صِفَاتِهِ] أَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ أَوْ بِهِمَا [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ] وَقِيلَ تَتَعَدَّدُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَيْمَانُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، وَالظِّهَارُ مِثْلُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ إذَا كَرَّرَهَا بِغَيْرِ عَطْفٍ، أَيْ وَكَانَ نَسَقًا؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ يُشَدَّدُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ إلَخْ] أَيْ وَالِاعْتِصَامُ كَائِنٌ بِاَللَّهِ [قَوْلُهُ: أَوْ عَابِدِ وَثَنٍ] وَمِثْلُ ذَلِكَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْإِرْشَادِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الِاسْتِغْفَارِ] الْمُرَادُ مِنْهُ التَّوْبَةُ أَيْ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ زِيَادَةٌ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ، كَعِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ صَوْمٍ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلَ كَذَا يَكُونُ مُرْتَدًّا أَوْ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ يَكُونُ وَاقِعًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَكَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُطْلَبُ مِنْهُ] أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: إذَا قَالَ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَعَزَلَ الزَّوْجَةَ أَوَّلًا قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالْيَمِينِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الزَّوْجَةِ، وَتِلْكَ النِّيَّةِ تَكْفِيهِ وَلَوْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَحْلِفُ أَوَّلًا وَقَوْلُنَا أَوَّلًا احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ طَرَأَتْ نِيَّةُ الْعَزْلِ بَعْدَ النُّطْقِ بِالْيَمِينِ فَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ نُطْقًا مُتَّصِلًا وَقَصْدِ حِلِّ الْيَمِينِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا] مُلَخَّصُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَلْزَمُهُ فِيهَا الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ [قَوْلُهُ: وَنَوَى بِهِ الْعِتْقَ] ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَتَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَلْزَمُ بِتَحْرِيمِهِ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حَلَلْتِ حَرُمْتِ فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْدَ زَوْجٍ (فِي جَوَابِهِ) تَفْصِيلٌ إنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَّ لِي الْعَقْدُ عَلَيْك فَهُوَ حَرَامٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمِ الطَّعَامِ، وَإِنْ قَصَدَ كُلَّمَا حَلَلْت وَتَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِكَثْرَةِ قَصْدِ التَّأَمُّلِ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَ مَالَهُ إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ الْحَالِفَ بِمَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ أَوْ هِبَتِهِ لَهُمْ أَوْ هَدْيٍ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ قُرْبَةٌ مُعَيَّنَةٌ

هَدْيًا) يَبْعَثُهُ (إلَى بَيْتِ اللَّهِ) الْحَرَامِ (أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ) ع يُرِيدُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَمَّا إذَا سَمَّى لَزِمَهُ، وَلَوْ كَانَ كُلُّ مَالِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ: أَوْ صَدَقَةُ شَيْءٍ سَمَّاهُ. وَيُرِيدُ مَا لَمْ يَسْتَثْنِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَمَّا إذَا اسْتَثْنَى مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ وَلَوْ دِرْهَمًا، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ وَأُجَاوِرُك وَأَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ» . (وَمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ) الْوَاحِدِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَحْرُ وَلَدِي (فَإِنْ ذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ) الْخَلِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَهْدَى هَدْيًا) وَاحِدًا، وَأَعْلَاهُ بَدَنَةٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ شَاةٌ (يُذَبَّحُ بِمَكَّةَ) بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ مِنْ الْحِلِّ أَوْ بِمِنًى إنْ أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَالِهِ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ أَيْ عَدَدِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الزَّكَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَمِنْ عَرَضٍ، وَقِيمَةِ كِتَابَةِ مُكَاتَبٍ ثُمَّ إنْ عَجَزَ، وَكَانَ فِي قِيمَةِ رَقَبَتِهِ فَضْلٌ عَنْ قِيمَةِ كِتَابَتِهِ أَخْرَجَ ثُلُثَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي أُمِّ وَلَدِهِ. وَكَذَا تُعْتَبَرُ أُجْرَةُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ لَا خِدْمَتُهُمَا وَلَا ذَاتُهُمَا وَالْمُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَوْجُودِ حِينَ يَمِينِهِ لَا مَا زَادَ بَعْدَهُ بِهِبَةٍ أَوْ نَمَاءٍ أَوْ وِلَادَةٍ فَلَوْ حَلَفَ وَمَالُهُ أَلْفٌ فَحَنِثَ، وَهُوَ أَلْفَانِ لَزِمَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَعَكْسُهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ رِفْقًا بِهِ، فَإِنْ نَقَصَ يَوْمَ الْحِنْثِ عَنْ يَوْمِ الْيَمِينِ بِنَفَقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَهَلَاكٍ، وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ فِي صِيغَةِ بِرٍّ فَمَا بَقِيَ يُجْزِئُ ثُلُثُهُ فَقَطْ بَعْدَ حِسَابِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَهْرِ زَوْجَتِهِ، وَقُلْنَا فِي صِيغَةِ بِرٍّ، وَأَمَّا مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ نَعَمْ يَتَّفِقُ مَعَ صِيغَةِ الْبِرِّ فِي أَنَّ مَا هَلَكَ بَعْدَ الْحِنْثِ بِتَفْرِيطٍ أَوْ بِغَيْرِهِ يَلْزَمُهُ ثُلُثُهُ حِينَ يَمِينِهِ، لَكِنْ فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ بِقُرْبٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْيَمِينِ كَمَا قَرَّرْنَا. وَأَمَّا لَوْ نَذَرَ مَالَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ثُلُثُ مَا نَقَصَ بِنَفَقَتِهِ لَا بِتَلَفٍ وَلَا بِتَفْرِيطٍ فَثُلُثُ مَا بَقِيَ يَوْمَ الْإِخْرَاجِ [قَوْلُهُ: أَوْ هَدْيًا] كَمَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِيٍّ [قَوْلُهُ: فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ] مِثَالُ الْأَوَّلِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ وَمِثَالُ النَّذْرِ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِي أَوْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا] وَيُرِيدُ أَيْضًا مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالْوَصْفِ كَبَنِي زَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ حِينَ حَلَفَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا إذَا سَمَّى وَيَتْرُكُ لَهُ مَا يَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا سَمَّى إلَخْ] الْفَرْقُ بَيْنَ مَالِي لِلْفُقَرَاءِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ وَبَيْنَ مَنْ سَمَّى يَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا سَمَّاهُ أَنَّ مَنْ سَمَّى لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ أَبْقَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَلَوْ ثِيَابَ ظَهْرِهِ وَمَنْ قَالَ مَالِي وَلَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مَالِي يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَخَفَّفَ عَنْهُ وَاكْتَفَى فِيهِ بِثُلُثِهِ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إخْرَاجُ ثُلُثِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ لَا يُقْضَى بِهِ وَمِثْلُهُ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالْحَبْسُ إذَا كَانَتْ بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَوْ لِمُعَيَّنٍ لَقَضَى بِهَا؛ لِأَنَّهُ الْتِزَامُ مَعْرُوفٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ] بَشِيرٌ وَقِيلَ رِفَاعَةُ [قَوْلُهُ حِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ] مِنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكِ فَارْتَبَطَ بِسَارِيَةِ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة: 102] الْآيَةَ. [قَوْلُهُ: أَهْجُرُ] بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ [قَوْلُهُ: وَأُجَاوِرُك] فِي مَسْجِدِك أَوْ أَسْكُنُ بِبَيْتٍ بِجِوَارِك [قَوْلُهُ: صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ] يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدِهِ] الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَلَدِهِ وَقَرِيبِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَنَفْسِهِ فِي أَنَّهُ إنْ ذَكَرَ أَوْ نَوَى مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَيْ قِصَّتَهُ مَعَ وَلَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ لَا مَقَامَ مُصَلَّاهُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَا إذَا نَوَى قَتْلَهُ، وَلَوْ مَعَ ذِكْرِ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ ذَكَرَ أَوْ نَوَى أَمْكِنَةً مِنْ أَمْكِنَةِ النَّحْرِ كَمَكَّةَ أَوْ مِنًى أَوْ مَوْضِعًا مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَلَيْسَتْ مُزْدَلِفَةُ مِنْهَا أَوْ تَلَفَّظَ بِالْهَدْيِ أَوْ نَوَاهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، كَأَنْ يَقُولَ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ نَحْرُهُ هَدْيًا، وَإِنْ

عَبْدِ الْوَهَّابِ أَوْ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ (وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ) أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَاحْتَرَزَ بِوَلَدِهِ مِمَّا إذَا حَلَفَ بِنَحْرِ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدْنَاهُ بِالْوَاحِدِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا حَلَفَ بِنَحْرِ وَلَدَيْنِ فَأَكْثَرَ فَإِنَّ الْهَدْيَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَقَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لَا هَدْيَ وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ ذَلِكَ. (وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ (فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ الْمَشْيُ) لُزُومًا (مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ) يُرِيدُ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهِ حَالَ حَلِفِهِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ مَوْضِعًا بِعَيْنِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّخْيِيرِ فِي قَوْلِهِ (فَلْيَمْشِ إنْ شَاءَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَصَدَ حَقِيقَةَ النَّحْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: إنْ قَصَدَ الْهَدْيَ وَالْقُرْبَةَ لَزِمَهُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَصَدَ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيُ فُلَانٍ أَوْ حَلَفَ بِهِ وَحَنِثَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي الْتِزَامِ الْهَدْيِ، وَسَيَأْتِي يَقُولُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ أَيْ وَلَمْ يَنْوِ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ لَا لَفْظَ بِالْهَدْيِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ نَفْسَهُ، بِأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَحْرُ نَفْسِي أَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَحْرُهُ أَوْ هُوَ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَ فُلَانٌ حُرًّا، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَإِنْ كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٌ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ إلَخْ] يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَا إذَا فَعَلَ الْبَقَرَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَدَنَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا إلَخْ] لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِهُنَا؛ لِأَنَّ الشَّاةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَيُقَالُ هَذَا شَاةٌ لِلذَّكَرِ وَهَذِهِ شَاةٌ لِلْأُنْثَى وَشَاةٌ ذَكَرٌ وَشَاةٌ أُنْثَى [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِوَلَدِهِ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ بِنَحْرِهِ الْأَجْنَبِيَّ، وَذَكَرَ مَقَامَ إبْرَاهِيمَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ هَدْيٌ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْهَدْيَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَقِيلَ هَدْيٌ كَافٍ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَنَّ الْحَقَّ التَّعَدُّدُ. [قَوْلُهُ: حَلَفَ بِالْمَشْيِ] مَفْهُومُهُ لَوْ حَلَفَ أَوْ نَذَرَ الْمَسِيرَ أَوْ الذَّهَابَ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَاشِيًا، فَإِنْ قِيلَ الْمَسِيرُ وَالذَّهَابُ كَالْمَشْيِ فَلِمَ لَزِمَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ فِي الْمَشْيِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُرْفَ اُشْتُهِرَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمَشْيِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ نَحْوِ الْمَسِيرِ أَوْ الرُّكُوبِ، وَأَيْضًا السُّنَّةُ جَاءَتْ بِذَلِكَ [قَوْلُهُ: إلَى مَكَّةَ] أَيْ وَالْبَيْتِ أَوْ إلَى جُزْءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ كَالْحِجْرِ وَالْمُلْتَزَمِ وَالرُّكْنِ وَالْبَابِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الصَّفَّا أَوْ الْمَرْوَةِ أَوْ عَرَفَةَ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَحَدَ النُّسُكَيْنِ أَوْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عِنْدَ قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَةَ فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَاهُ. تَنْبِيهٌ: وَمِثْلُ الْحَلِفِ النَّذْرُ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ إلَخْ] لَا يُقَالُ هَذِهِ صِيغَةُ نَذْرٍ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَلَفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ قَرَّرُوا أَنَّ عَلَيَّ بِدُونِ اللَّهِ صِيغَةُ يَمِينٍ لَا نَذْرٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً عَلَى شَيْءٍ مُمْتَنَعٍ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا هُنَا [قَوْلُهُ: مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ] أَيْ أَوْ مِنْ مِثْلِهِ سَوَاءٌ حَنِثَ بِهِ أَمْ لَا خِلَافًا لِخَلِيلٍ أَيْ وَالنَّاذِرُ مِنْ مَوْضِعِ نَذْرِهِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ مَوْضِعًا] أَيْ فِي لَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ بِعَيْنِهِ لَمَّا كَانَ تَعْيِينُ الْمَوْضِعِ يَصْدُقُ بِشَخْصِهِ وَنَوْعِهِ. وَالْمُرَادُ شَخْصُهُ احْتَاجَ لِقَوْلِهِ بِعَيْنِهِ أَيْ شَخْصِهِ وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَعْيِينِ مَوْضِعٍ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ الْمَحِلَّ الَّذِي يَبْتَدِئُ الْمَشْيُ مِنْهُ وَجَرَى الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْ مَحِلٍّ خَاصٍّ فَإِنَّهُ يَمْشِي مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِالْمَشْيِ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ عَمِلَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ ذَهَبَ مِنْ الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لِلْحَالِفِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِلْحَالِفِينَ فَمِنْ مَوْضِعِ نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ أَوْ مِثْلِ حَلِفِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ فِي الْمَسَافَةِ لَا فِي

مَحِلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ مَبْدَأَ الْمَشْيِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُنْتَهَاهُ، وَمُنْتَهَاهُ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ وَفِي الْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ لِلْحَالِفِ بِهِ مَحِلُّهُ إنْ اسْتَطَاعَهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ) إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْمَشْيِ (رَكِبَ ثُمَّ يَرْجِعُ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) مَاشِيًا (إنْ قَدَرَ) عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ بَقِيَ لَوْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَلَهُ طَرِيقَانِ إلَيْهَا مُتَسَاوِيَانِ إحْدَاهُمَا مُعْتَادَةٌ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُعْتَادَةٍ فَمَشَى فِي غَيْرِ الْمُعْتَادَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ . وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ مِنْ الْخَرَشِيِّ الْكَبِيرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ طَرِيقُ الْحَالِفِينَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ فَيَجُوزُ الْمَشْيُ وَلَوْ مِنْ الْقَرِيبَةِ حَيْثُ اُعْتِيدَ الْمَشْيُ فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: قَالَ عج: فَإِذَا كَانَ بِوَسَطِ الْبَلَدِ وَحَلَفَ، مَشَى مِنْ طَرَفِ الْبَلَدِ لَا مِنْ مَوْضِعِ حَلِفِهِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا اتَّصَلَ بِالْبَلَدِ مِنْ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ، وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهَا، هَلْ هُوَ حُكْمُ الْبَلَدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَصْرِ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ] هَذَا مُتَعَلِّقُ قَوْلِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا بِالْمَشْيِ، وَلَوْ قَالَ فَلْيَمْشِ فِي حَجٍّ، وَإِنْ شَاءَ فِي عُمْرَةٍ لَكَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ اُعْتِيدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ النَّاذِرُ قَاطِنًا بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمُقَابِلُهُ أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ إنَّمَا يَحْسُنُ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ، وَهُمْ الَّذِينَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَأْتُوا إلَى مَكَّةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ النُّسُكَيْنِ، وَأَمَّا مَا بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ الْغَرْبِ فَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْعُمْرَةَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَنْوِيَهَا حِينَ النَّذْرِ، وَهُوَ لِلَّخْمِيِّ [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ] الْأَحْسَنُ الْفَرَاغُ مِنْ السَّعْيِ وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ ظَرْفٌ مُتَّسَعٌ، وَأَمَّا الْحِلَاقُ فَإِنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِهَا لَا مِنْ أَرْكَانِهَا، فَإِنْ رَكِبَ بَعْدَ سَعْيِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَانْظُرْ لَوْ رَكِبَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ السَّعْيِ كَذَا نَظَرَ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْحَجِّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ] فَيَرْكَبُ فِي رُجُوعِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَيَرْكَبُ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ، وَأَمَّا إنْ أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَلَهُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِفَاضَةِ الرُّكُوبُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِقْ، وَهَذَا إذَا كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَإِلَّا فَيَمْشِي لِتَمَامِ السَّعْيِ لَا لِتَمَامِ الْإِفَاضَةِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْمَشْيِ إلَخْ] أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ حِينَ خُرُوجِهِ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَالَفَ ظَنُّهُ، وَعَجَزَ فَرَكِبَ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ مَرَّةً إلَخْ] هَذَا إذَا رَكِبَ كَثِيرًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ حَيْثُ اسْتَوَتْ الْمَسَافَةُ جَمِيعُهَا فِي الصُّعُوبَةِ أَوْ فِي السُّهُولَةِ وَالْأَمْنِ وَالْخَوْفِ، أَوْ بِحَسَبِ صُعُوبَةِ الْمَسَافَةِ وَسُهُولَتِهَا، وَأَمْنِهَا وَخَوْفِهَا مَعَ الْمِسَاحَةِ حَيْثُ اخْتَلَفَتْ الْمَسَافَةُ فِي ذَلِكَ، وَيُعَوَّلُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي عج أَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ الصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالْمِسَاحَةِ أَوْ بِحَسَبِ الْمِسَاحَةِ فَقَطْ، وَمِثْلُ رُكُوبِهِ الْكَثِيرِ إذَا رَكِبَ الْمَنَاسِكَ وَالْإِفَاضَةَ مَعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فِي نَفْسِهِ أَشْبَهَ الْكَثِيرَ، وَالْمَنَاسِكُ هِيَ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى رُجُوعِهِ بِمِنًى وَالْإِفَاضَةُ هِيَ رُجُوعُهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ. وَمِثْلُهُمَا لَوْ رَكِبَ الْمَنَاسِكَ فَقَطْ لَا الْإِفَاضَةَ فَقَطْ يَعْنِي إذَا رَكِبَ الْإِفَاضَةَ فَقَطْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ فَقَطْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ قَلِيلًا بِحَسَبِ مَسَافَتِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ ثَانِيًا، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ يَرْجِعُ مَرَّةً ثَانِيَةً إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَامُ مُعَيَّنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَامُّ مُعَيَّنًا كَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ مَاشِيًا فِي عَامٍ كَذَا فَخَرَجَ وَرَكِبَ كُلَّ الطَّرِيقِ أَوْ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يُهْدِي وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَلَوْ لَمْ يَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ الْمُعَيَّنِ بَلْ تَرَكَ فِيهِ الْحَجَّ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أَوْ مَشَى وَتَرَاخَى حَتَّى فَاتَهُ يَأْثَمُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا. [قَوْلُهُ: إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ إلَخْ] فَإِذَا لَمْ يَقْدِرُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ كَمَا سَيَنُصُّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَمَحِلُّ الرُّجُوعِ أَيْضًا إذَا كَانَ نَحْوَ الْمِصْرِيِّ، وَأَمَّا مَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ عَنْ مَكَّةَ بُعْدًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ فَقَطْ كَالْإِفْرِيقِيِّ لِبُعْدِ دَارِهِ وَمَشَقَّةِ رُجُوعِهِ، وَيُلْحَقُ بِكُلِّ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَأَمَّا الَّذِي بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُلْحَقُ

لِتَلَافِي مَا رَكِبَ (فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ) وَيَرْكَبُ الَّتِي مَشَى إذَا عَلِمَ مَا رَكِبَ فِيهِ، وَمَا مَشَى وَيَهْدِي لِتَفْرِقَةِ الْمَشْيِ بَدَنَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَبَقَرَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَشَاةً، وَإِنْ أَتَى بِالْأَدْنَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَعْلَى أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا مَشَى، وَمَا رَكِبَ فَإِنَّهُ يَمْشِي الطَّرِيقَ كُلَّهُ، ابْنُ الْمَوَّازِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْهَدْيُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَشْيَ الثَّانِيَ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْهَدْيِ. (وَإِنْ عَلِمَ) بِمَعْنَى ظَنَّ (أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ) عَلَى الْمَشْيِ (قَعَدَ، وَأَهْدَى، وَقَالَ عَطَاءٌ) بْنُ أَبِي رَبَاحٍ (لَا يَرْجِعُ) مَرَّةً (ثَانِيَةً، وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الْمَشْيِ ثَانِيًا (وَيُجْزِئُهُ الْهَدْيُ) هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ، وَأَمَّا (إذَا كَانَ صَرُورَةً) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ (جَعَلَ ذَلِكَ) الْمَشْيَ (فِي عُمْرَةٍ) وُجُوبًا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ نِيَّةٌ مَشَى فِيمَا نَوَى (فَإِذَا طَافَ وَسَعَى وَقَصَّرَ أَحْرَمَ) مِنْ الْحِلِّ اسْتِحْبَابًا فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ أَحْرَمَ (مِنْ مَكَّةَ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ (بِفَرِيضَةٍ) وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمِصْرِيِّ فَيَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُهُ لِلِاحْتِيَاطِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَدْيَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ الْهَدْيَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ أَوْ لَا فَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا فِيمَنْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ رَاكِبًا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ الْإِفَاضَةَ أَوْ هُمَا فَإِنَّهُ يَنْدُبُ فِي حَقِّهِ الْهَدْيُ [قَوْلُهُ: وَيَهْدِي] وَيُؤَخِّرُ الْهَدْيَ لِعَامِ رُجُوعِهِ وَلَوْ قَدَّمَهُ فِي عَامِ الْمَشْيِ لَأَجْزَأَهُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَتَى بِالْأَدْنَى إلَخْ] أَيْ وَخَالَفَ الْمُسْتَحَبَّ [قَوْلُهُ: ابْنُ الْمَوَّازِ إلَخْ] كَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَالتَّعَقُّبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَمَاكِنَ الرُّكُوبِ وَمَشَى الْجَمِيعَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ يَكُونُ مَشْيُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ وَاجِبًا يُفِيدُ ذَلِكَ صَرِيحًا نَصُّ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِمَعْنَى ظَنَّ] مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَدْ دَارَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الرُّجُوعِ وَفَسَّرَ الشَّارِحُ الْعِلْمَ بِالظَّنِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطَ الْعِلْمَ، وَأَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي. تَنْبِيهَانِ. الْأَوَّلُ: إذَا قُلْنَا بِلُزُومِ الرُّجُوعِ فَإِذَا رَجَعَ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي حَجٍّ إنْ كَانَ حِينَ نَذْرِهِ نَذَرَ حَجًّا أَوْ نَوَاهُ أَوْ فِي عُمْرَةٍ إنْ نَذَرَهَا أَوْ نَوَاهَا فَإِنْ خَالَفَ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّنَ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ حِينَ نَذْرِهِ أَوْ حَلِفِهِ بَلْ أَبْهَمَ وَمَشَى فِي أَحَدِهِمَا فَرَكِبَ فِيهِ كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، ثَانِيًا فِي الزَّمَنِ الْقَابِلِ فَيَمْشِي أَمَاكِنَ رُكُوبِهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ أَوَّلًا. الثَّانِي: مَحِلُّ وُجُوبِ الرُّجُوعِ أَيْضًا عَلَى مَنْ رَكِبَ كَثِيرًا أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ حَيْثُ ظَنَّ حِينَ خُرُوجِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ، وَلَوْ فِي عَامَيْنِ فَخَالَفَ ظَنُّهُ كَمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ أَوَّلًا، أَمَّا إنْ لَمْ يَظُنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ خُرُوجِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ الْقُدْرَةَ حِينَ يَمِينِهِ عَلَى مَشْيِ الْجَمِيعِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ بِأَنْ تَوَهَّمَ أَوْ شَكَّ أَوْ عَلِمَ الْعَجْزَ لِضَعْفٍ أَوْ كِبَرٍ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ يَمْشِي مَقْدُورَهُ وَلَوْ نِصْفَ مِيلٍ وَرَكِبَ مَعْجُوزَهُ، وَأَهْدَى مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ، وَقُلْنَا ظَنَّ الْقُدْرَةَ حِينَ يَمِينِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ الْعَجْزَ حِينَ يَمِينِهِ أَوْ نَوَى أَنْ لَا يَمْشِيَ إلَّا مَا يُطِيقُهُ وَلَوْ شَابًّا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلَ عَامٍ وَيَمْشِي مَقْدُورَهُ وَيَرْكَبُ مَعْجُوزَهُ وَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ وَلَا هَدْيَ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ عَطَاءٌ إلَخْ] هَذَا خِلَافٌ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُجْتَهِدٌ [قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كُلِّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّخْيِيرِ الْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ غَيْرَ صَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ أَنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي عُمْرَةٍ وُجُوبًا وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: يَجْعَلُهُ فِيهَا اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَلَوْ أَحْرَمَ حِينَ أَتَى الْمِيقَاتَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يَأْتِي عَنْ نَذْرِهِ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ وَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَوَّلًا وَلَوْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا نَذْرًا انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ، وَإِنْ حَجَّ نَاوِيًا فَرْضَهُ وَنَذْرَهُ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا أَجْزَأَ عَنْ النَّذْرِ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَهَلْ إجْزَاؤُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَمْ يَنْذُرْ أَوْ يُعَيِّنْ فِي يَمِينِهِ حَجًّا بِأَنْ نَذَرَ عُمْرَةً أَوْ مَشْيًا مُطْلَقًا أَوْ حَلَفَ بِهِ، كَذَلِكَ وَجَعَلَهُ فِي حَجٍّ، وَأَمَّا إنْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا أَوْ عَيَّنَهُ فِي يَمِينِهِ وَنَوَى بِحَجِّهِ نَذْرَهُ وَفَرْضَهُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَوْ إجْزَاؤُهُ عَنْ نَذْرِهِ فَقَطْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ تَأْوِيلَانِ. [قَوْلُهُ: أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ اسْتِحْبَابًا] أَيْ مِنْ

حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (وَكَانَ مُتَمَتِّعًا) إذَا صَادَفَتْ عُمْرَتُهُ أَوْ بَعْضُهَا أَشْهُرَ الْحَجِّ (وَالْحَلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا) التَّمَتُّعِ (أَفْضَلُ) مِنْ التَّقْصِيرِ (وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّقْصِيرُ فِي هَذَا) التَّمَتُّعِ (اسْتِبْقَاءً لِلشَّعْثِ فِي الْحَجِّ. وَمَنْ نَذَرَ مَشْيًا إلَى الْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَمْشِيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَيْهِمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَمْشِي أَوْ أَسِيرُ (أَتَاهُمَا رَاكِبًا) إنْ شَاءَ أَوْ مَاشِيًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا مَاشِيًا وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّهَا طَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِمَا إلَّا (إنْ نَوَى الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ، وَقِيلَ النَّافِلَةَ (بِمَسْجِدَيْهِمَا) يُرِيدُ أَوْ سَمَّاهُمَا خَاصَّةً كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّاهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ فِيهِمَا وَلَا سَمَّاهُمَا (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمَشْيِ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ. هَذَا إذَا كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْحَالِفُ سَاكِنًا بِغَيْرِ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ مَكَّةَ وَيَلِيهِ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ سَاكِنًا بِأَحَدِهِمَا وَنَوَى الصَّلَاةَ بِأَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا وَعَكْسُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَفْضُولًا وَصَرَّحُوا بِمَشْهُورِيَّتِهِ. وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ (وَأَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَسَاجِدَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِيقَاتِهِ؛ لِقَوْلِ خَلِيلٍ كَخُرُوجِ ذِي النَّفْسِ لِمِيقَاتِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَسْجِدِ] أَيْ مِنْ جَوْفِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ بَابِهِ أَيْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: بِفَرِيضَةٍ وَهِيَ إلَخْ] أَيْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ فِي عَامِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِلْعَامِ الْقَابِلِ، بَهْرَامُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الرَّاجِحِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِحَجٍّ ثُمَّ يَحُجُّ بَعْدَ ذَلِكَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَالْحِلَاقُ فِي غَيْرِ هَذَا التَّمَتُّعِ] أَيْ وَغَيْرِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ الْإِفْرَادُ وَالْقِرَانُ فَالشَّخْصُ غَيْرُ مُرَادٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقْصِيرَ أَفْضَلُ فِي مُطْلَقِ التَّمَتُّعِ [قَوْلُهُ: لِلشَّعَثِ] أَيْ الْوَسَخِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالشَّارِبِ وَشَعْرِ الْإِبْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ فِي بَابِ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَسِيرُ] أَيْ أَوْ آتِي مَثَلًا [قَوْلُهُ: إنْ نَوَى الصَّلَاةَ بِمَسْجِدَيْهِمَا] وَمِثْلُ الصَّلَاةِ الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَالنَّافِلَةُ] فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُقَدَّسُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَتَشْدِيدٍ أَيْ الْمُطَهَّرُ، وَتَطْهِيرُهُ خُلُوُّهُ مِنْ الْأَصْنَامِ، وَإِبْعَادُهُ عَنْهَا وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: لِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ حَبِيبٍ بِالْعَكْسِ أَيْ إنَّ مَسْجِدَ مَكَّةَ أَفْضَلُ، وَهَذَا مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِحَ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، وَاَلَّذِي فِي خَلِيلٍ وَالْمَدِينَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ مَكَّةُ بِمَعْنَى أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي أَشْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: إنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا عَدَا الْمَوْضِعَ الَّذِي ضَمَّ أَعْضَاءَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَتَّى الْكَعْبَةِ وَمِنْ السَّمَوَاتِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَاللَّوْحِ وَالْقَلَمِ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَيَلِيهِ الْكَعْبَةُ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ اتِّفَاقًا. وَكَلَامُ الشَّارِحِ كَمَا عَلِمْت فِي الْمَسْجِدَيْنِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِمَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَنْ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ أَفْضَلُ، وَلِمَا زِيدَ مِنْ مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ حُكْمُ مَسْجِدِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ بِتَفْضِيلِ الْأَرْضِ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْضِعِ قَبْرِهِ مَا يَمَسُّ أَعْضَاءَهُ لَا أَعَمُّ وَالرَّوْضَةُ تَنْضَمُّ أَيْضًا لِمَوْضِعِ الْقَبْرِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّفْضِيلِ، بِالدَّلِيلِ الْوَاضِحِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لِبُقْعَةٍ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ

الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ (فَلَا يَأْتِيهَا) مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَيْهَا (مَاشِيًا وَلَا رَاكِبًا) قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ (لِ) أَجْلِ (الصَّلَاةِ نَذَرَهَا) أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهَا (وَلْيُصَلِّ) هَا (بِمَوْضِعِهِ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَصِّصٌ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» . (وَمَنْ نَذَرَ رِبَاطًا بِمَوْضِعٍ مِنْ الثُّغُورِ) وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (فَذَلِكَ) الْمَنْذُورُ وَاجِبٌ (عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهُ) ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ قُرْبَةٌ، وَمَنْ الْتَزَمَ قُرْبَةً لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخُصُوصِهَا إلَّا هِيَ، فَفِي الْحَدِيثِ «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِيّ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» إذْ لَا شَكَّ فِي تَفْضِيلِ الْجَنَّةِ عَلَى الدُّنْيَا. فَائِدَةٌ. عَدَمُ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ قَالَ مَالِكٌ الْقَفْلُ أَيْ الرُّجُوعُ أَفْضَلُ مِنْ الْجِوَارِ. [قَوْلُهُ: قَرُبَتْ دَارُهُ أَوْ بَعُدَتْ] هَذَا مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَقِيلَ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ فِي الْقَرِيبِ، وَالْقَرِيبُ مَا عَلَى بُعْدِ أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ كَمَسْجِدِ قُبَاءَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَالْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي نَذْرِ الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَهَا كَذَلِكَ قَالَهُ عج. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اللُّزُومِ يَلْزَمُهُ فِعْلُ مَا لَزِمَهُ بِمَوْضِعِهِ كَمَنْ نَذَرَهُمَا بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ صَلَاةٍ نَذَرَهَا] أَيْ وَلَا لِاعْتِكَافٍ وَلَا لِصَوْمٍ [قَوْلُهُ: وَلْيُصَلِّهَا] أَيْ وَيَعْتَكِفُ أَوْ يَصُومُ بِمَوْضِعِهِ [قَوْلُهُ: الرِّحَالُ] جَمْعُ رَحْلٍ مَرْكَبُ الْبَعِيرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ مَحَلُّ الرُّكُوبِ الْمَنْسُوبِ لِلْبَعِيرِ [قَوْلُهُ: رِبَاطًا] أَيْ أَوْ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً لَا لِنَذْرِ اعْتِكَافٍ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الرِّبَاطِ لَيْسَ مَحِلًّا لِلِاعْتِكَافِ، وَأَيْضًا الْمُرَابِطَةُ تُنَافِي الِاعْتِكَافَ لِقَصَرِهِ عَلَى مَا لَازِمُهُ الصَّلَاةُ وَالتِّلَاوَةُ. وَالذِّكْرُ، لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ وَيُقِيمُ بَعْدَهَا مُدَّةً لِلرِّبَاطِ فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْمَوَّاقُ، مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ وَالْمَدَنِيَّ إذَا نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ عَسْقَلَانَ أَوْ إسْكَنْدَرِيَّةَ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَيَعُودُ مِنْ فَوْرِهِ وَلَيْسَ لِلرِّبَاطِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَلَمْ يَأْتِهِمَا. اهـ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرِّبَاطَ قُرْبَةٌ] وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَذَرَ الرِّبَاطَ بِمَحَلٍّ وَهُوَ بِثَغْرٍ آخَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ إنْ كَانَ مَا نُذِرَ الرِّبَاطُ فِيهِ مُسَاوِيًا لِمَا هُوَ بِهِ فِي الْخَوْفِ أَوْ أَقَلَّ رَابَطَ بِمَحَلِّ نَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَا نُذِرَ الرِّبَاطُ فِيهِ أَشَدَّ خَوْفًا انْتَقَلَ إلَيْهِ لِفَضْلِ الزِّيَادَةِ فِيمَا كَثُرَ فِيهِ الْخَوْفُ عَلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الْخَوْفِ كَذَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ. `

[باب في النكاح]

[31 - بَابٌ فِي النِّكَاح] (بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ) هَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْبَاقِي تَوَابِعُ لَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهَا مَعْنًى لُغَةً وَاصْطِلَاحًا نَذْكُرُ كُلًّا فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا النِّكَاحُ لُغَةً: فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ. وَاصْطِلَاحًا عَلَى الْعَكْسِ: حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا مُرَادًا بِهِ الْوَطْءُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَقَوْلِهِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: 3] وَهُوَ فِي الشَّرْعُ عَلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: عَقْدُ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] . وَالْأَوَّلُ لَهُ أَرْكَانٌ وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِالشَّرْطِ أَشَارَ إلَى غَالِبهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي النِّكَاحِ] ِ [قَوْلُهُ: مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ] مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ، وَقَوْلُهُ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا فِي الْوَطْءِ لَا حَقِيقَةً أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا وَلَا أُمُّهَا [قَوْلُهُ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا مُرَادًا بِهِ الْوَطْءَ] أَيْ عَلَى قِلَّةٍ كَمَا أَفَادَهُ تت. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا إلَّا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْوَطْءِ قَلِيلٌ هَذَا مُفَادُ الْحَطَّابِ، وَحِينَئِذٍ فَيُنَافِي قَوْلَهُ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا عَلَى أُسْلُوبٍ يُفِيدُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَأَقُولُ: وَاسْتَقْرَبَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَضَعَّفَ الْفَاكِهَانِيُّ الثَّانِيَ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مَرْجُوحٌ وَخِلَافُ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: حَتَّى تَنْكِحَ إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَطْءَ يُسْنَدُ لِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِأَنْ يُقَالَ: نَكَحَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ أَيْ وَطِئَتْهُ، كَمَا يُقَالُ نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَيْ وَطِئَهَا، إلَّا أَنَّهُ يُنَافِيهِ قَوْلُ الْمِصْبَاحِ وَطِئْته بِرِجْلِي أَطَؤُهُ وَطْئًا عَلَوْته إلَى أَنْ قَالَ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَطْئًا جَامَعَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْلَى عَلَيْهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَكَحَ وَوَطِئَ حَيْثُ كَانَ نَكَحَ بِمَعْنَى وَطِئَ. [قَوْلُهُ: سِتَّةِ أَقْسَامٍ] الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ هُوَ النَّدْبُ وَمَحِلُّ نَدْبِهِ إنْ رَجَا النَّسْلَ أَوْ كَانَتْ نَفْسُهُ تَشْتَاقُ لِلنِّكَاحِ دُونَ خَشْيَةِ زِنًا يَتْرُكُهُ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ الْمُضَيِّقُ، وَذَلِكَ إذَا خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِصَوْمٍ وَلَا بِتَسَرٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِالصَّوْمِ أَوْ التَّسَرِّي فَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَكِنَّ النِّكَاحَ أَفْضَلُ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» ، فَقَدَّمَ النِّكَاحَ عَلَى الصَّوْمِ وَالسَّرَارِي تَنْتَقِلُ طِبَاعُهُنَّ لِلْوَلَدِ وَيُبَاحُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَرْجُو النَّسْلَ، وَلَا تَمِيلُ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَلَا يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْطَعُهُ عَنْ فِعْلِ خَيْرٍ غَيْرِ وَاجِبٍ، وَيَحْرُمُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْشَى بِتَرْكِهِ زِنًا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ أَوْ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ حَرَامٍ، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إلَّا فِي التَّسَرِّي فَهَذِهِ سِتَّةٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوُجُوبَ تَحْتَهُ فَرْدَانِ مُضَيَّقٌ وَمُوَسَّعٌ، وَالْبَاءَةُ قِيلَ: مَعْنَاهَا الْجِمَاعُ وَالتَّقْدِيرُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَالْوِجَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ هُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ، وَيَقْطَعُ نَثْرَ الْمَنِيِّ كَمَا يَقْطَعُ الْمَنِيَّ. [قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ لَهُ أَرْكَانٌ] أَيْ أَرْبَعٌ الْوَلِيُّ وَالْمَحَلُّ وَالصِّيغَةُ وَالصَّدَاقُ

[الصداق]

وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ) أَمَّا الْوَلِيُّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ فِي كَمَالِهِ وَلَا الرَّشِيدُ فَيَعْقِدُ السَّفِيهُ لِابْنَتَيْهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُزَوِّجْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَإِنْ وَقَعَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَهَلْ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ رِوَايَتَانِ لِابْنِ الْقَاسِم وَابْنِ نَافِعٍ. وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ فِي الدُّخُولِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وَأَمَّا الْإِشْهَادُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ فِي الدُّخُولِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ فِي شَاهِدَيْ النِّكَاحِ الْعَدَالَةُ؛ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْرُوضُ، وَلَوْ حُكْمًا، وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الْوَلِيِّ اهْتِمَامًا بِهِ. وَقَوْلُهُ: وَصَدَاقٌ هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي، وَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَذْكُرَ الصِّيغَةَ وَبَقِيَ الْمَحَلُّ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ الْخَالِيَانِ مِنْ الْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْإِحْرَامِ وَالْمَرَضِ وَالْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، وَتَرَكَ الْمَحَلَّ لِوُضُوحِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَهُ شُرُوطُ كَمَالٍ، وَهُوَ الْإِشْهَادُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ [قَوْلُهُ: وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ] أَيْ، وَلَا عَقْدَ نِكَاحٍ إلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ لَهُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِلْكٌ أَوْ أُبُوَّةٌ أَوْ تَعْصِيبٌ أَوْ إيصَاءٌ أَوْ كَفَالَةٌ أَوْ سَلْطَنَةٌ أَوْ ذُو إسْلَامٍ [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامُ] أَيْ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ [قَوْلُهُ: وَالْحُرِّيَّةُ] فَلَا يُزَوِّجُ الرَّقِيقُ ابْنَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] فَلَا يُزَوِّجُ الصَّبِيُّ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ [قَوْلُهُ: وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقِيلَ بِاشْتِرَاطِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا الرُّشْدُ] فَيُنْدَبُ كَوْنُهُ رَشِيدًا فَيَعْقِدُ السَّفِيهُ ذُو الرَّأْيِ عَلَى ابْنَتِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَوْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ اُسْتُحْسِنَ إطْلَاعُهُ عَلَيْهِ؛ لِيَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَضَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَهُوَ ذُو رَأْيٍ جَازَ إنْكَاحُهُ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُجْبِرًا أَمْ لَا؛ لِأَنَّ سَفَهَهُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُجْبِرًا، وَالْمُرَادُ بِذِي الرَّأْيِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَقْلٌ وَدِينٌ وَكَوْنُهُمَا لَهُ لَا يُنَافِي السَّفَهَ بِخِلَافِ ضَعِيفِ الرَّأْيِ يَعْقِدُ لِنَحْوِ ابْنَتِهِ: فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَقْدُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي وَلِيِّ الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ، وَأَمَّا عِنْدَ أَشْهَبَ فَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُهْمَلًا لَا وَصِيَّ عَلَيْهِ، وَلَا تَحْجِيرَ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُ رَأْيٌ، وَأَمَّا عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ أَصْلًا، وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ وَلِيُّهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ] أَيْ الْوَلِيُّ شَرْطُ صِحَّةٍ [قَوْلُهُ: وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إلَخْ] مُطْلَقًا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا شَرِيفَةً كَانَتْ أَوْ دَنِيَّةً رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً أَمَةً أَوْ حُرَّةً أَذِنَ وَلِيُّهَا أَمْ لَا، لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ كَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. [قَوْلُهُ: فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ] ، وَلَهَا بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ حَلَالًا، وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ [قَوْلُهُ: وَهَلْ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ] هُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا [قَوْلُهُ: رِوَايَتَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ] فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ الْفَسْخُ بِطَلَاقٍ وَابْنُ نَافِعٍ بِغَيْرِهِ. . [الصَّدَاقُ] [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَشَرْطُ صِحَّةٍ] أَيْ الصَّدَاقُ، وَلَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ نِكَاحُ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ عَقْدٌ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ فَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُسَمِّيَ لَهَا صَدَاقًا أَيْ فَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ الدُّخُولُ عَلَى إسْقَاطَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي فَسْخَ الْعَقْدِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا بِالْإِشْهَادِ] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْعَقْدِ نَقَلَ الْأَكْثَرُ عَنْ كُلِّ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي الْبِنَاءِ أَيْ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْإِشْهَادُ فَالشَّهَادَةُ كَافِيَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إشْهَادٌ [قَوْلُهُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]] أَيْ هِبَةً مِنْ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: فَشَرْطُ صِحَّةٍ] أَيْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ إشْهَادٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ الدُّخُولُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ، وَوُجُودُهُ كَمَا نَصَّ الْفَاكِهَانِيُّ فِي مَحِلِّ الْعَقْدِ أَوْلَى [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي شَاهِدَيْ النِّكَاحِ الْعَدَالَةُ]

وَمَا كَانَ مِنْ نِكَاحٍ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ» الْحَدِيثَ. فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْعُدُولُ اسْتَكْثَرُوا مِنْ الشُّهُودِ كَالثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ. وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ الصِّيغَةُ مِنْ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ أَوْ وَكِيلِهِ، فَمِنْ الْوَلِيِّ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ كَأَنْكَحْتُكَ أَوْ زَوَّجْتُك وَمِنْ الزَّوْجِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا. كَقَبِلْت أَوْ رَضِيتُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ، بَلْ لَوْ بَدَأَ الزَّوْجُ ثُمَّ أَجَابَهُ الْوَلِيُّ صَحَّ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الدُّخُولِ دُونَ الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا) أَيْ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ (فِي الْعَقْدِ فَلَا يَبْنِي بِهَا حَتَّى يُشْهِدَا) وَفِي نُسْخَةٍ حَتَّى يُشْهِدَ بِالْإِفْرَادِ أَيْ الزَّوْجُ فَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ عِنْدَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَدَالَةُ لَا تُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ إلَّا وَقْتِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ إلَخْ] تَمَامًا فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ وَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ. [قَوْلُهُ: اسْتَكْثَرُوا مِنْ الشُّهُودِ إلَخْ] نَقَلَهُ تت عَنْ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ بُعْدٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْلُ كَمَا قَالَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ وَكِيلِهِ] أَيْ مَا ذَكَرَ وَفِي الْخَرَشِيِّ الْكَبِيرِ أَنَّ صِيغَةَ الْعَقْدِ مَعَ الْوَكِيلِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْوَلِيُّ زَوَّجْت مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يَقُولُ زَوَّجْت مِنْك وَلْيَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت مِنْك لِفُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ قَبِلْت كَفِي إذَا نَوَى بِذَلِكَ مُوَكِّلَهُ. اهـ. [قَوْلُهُ: فَمِنْ الْوَلِيِّ بِكُلِّ لَفْظٍ إلَخْ] وَمِثْلُ الْمَاضِي الْمُضَارِعُ كَأُنْكِحُكَ أَوْ أُزَوِّجُك اعْلَمْ أَنَّ وُقُوعَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِهِ مِنْ وَهَبْت وَغَيْرِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مُحَصِّلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ النِّكَاحَ، وَاقْتُرِنَ بِلَفْظِ الصَّدَاقِ، وَهُوَ لَفْظُ الْوَقْفِ وَالْحَبْسِ وَالْعُمْرَى وَالْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَقِسْمٌ يَنْعَقِدُ بِهِ إذَا اُقْتُرِنَ بِلَفْظِ الصَّدَاقِ، وَهُوَ لَفْظُ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْمِنْحَةِ وَتَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ تَتَضَمَّنُ إرَادَةَ النِّكَاحِ بِمَا قَارَنَهَا، وَقِسْمٌ فِيهِ التَّرَدُّدُ وَهُوَ لَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا مَعَهَا حَيْثُ لَمْ يُسَمِّ مَعَ ذَلِكَ الصَّدَاقُ، وَقَصَدَ بِهَا النِّكَاحَ، وَكَذَا لَفْظُ الْإِبَاحَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَنَحْوِهَا إذَا قَصَدَ بِهَا النِّكَاحَ أَوْ سَمَّى مَعَهَا الصَّدَاقَ، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، وَتَكْفِي الْكِتَابَةُ وَالْإِشَارَةُ مِنْ أَخْرَسَ، وَلَوْ مِنْ الْمَجَانِينِ إذَا كَانَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ، وَأَمَّا مِنْ النَّاطِقِ فَتَكْفِي مِنْ أَحَدِهِمَا إنْ وَقَعَ مِنْ الْمُبْتَدِئِ لَفْظُ الْإِنْكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْوَلِيِّ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ إنَّمَا ابْتَدَأَ بِلَفْظِ نَحْوِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ ذِكْرِ الصَّدَاقِ، فَإِنَّمَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدِئُ بِلَفْظِ نَحْوِ الْهِبَةِ الزَّوْجُ فَلَا تَكْفِي الْإِشَارَةُ مِنْ الْوَلِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ] أَيْ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَقَوْلُهُ: بَلْ لَوْ بَدَأَ إلَخْ، أَيْ بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ الْوَلِيُّ زَوَّجْتُك أَوْ فَعَلْت نَعَمْ يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ، وَلَا يَضُرُّ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ رَجُلٌ مَرِيضًا، وَقَالَ: إنْ مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَقَدْ زَوَّجْت ابْنَتِي مِنْ فُلَانٍ، وَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ مَثَلًا، وَقَبِلَ الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُ النِّكَاحُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَلَوْ قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ، لَا أَرْضَى أَنَا، كُنْت هَازِلًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ جَدٌّ، وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْهَزْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَالْفَرْقُ جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِمُسَاوَمَةِ السِّلَعِ لِمُجَرَّدِ اخْتِبَارِ ثَمَنِهَا، وَمِثْلُ النِّكَاحِ الطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَالْعِتْقُ، وَيَجُوزُ وَطْءُ الزَّوْجِ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَمْ أُرِدْ نِكَاحًا، وَإِنَّمَا كُنْت هَازِلًا. [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ حَتَّى يُشْهِدَ بِالْإِفْرَادِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذِهِ النُّسْخَةِ مُخَالِفٌ لِمُفَادِ نُسْخَةِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأَنَّ نُسْخَةَ التَّثْنِيَةِ تُفِيدُ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ مِنْهُمَا، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ تُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِي، وَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَالْأُولَى أَصَحُّ، وَنَذْكُرُ كَلَامَ عج لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ فَقَالَ: إنَّهُمَا إذَا لَمْ يُشْهِدَا أَحَدًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ لَقِيَا مَعًا قَبْلَ الْبِنَاءِ رَجُلَيْنِ، وَأَشْهَدَاهُمَا عَلَى وُقُوعِ الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا، فَاتَ النَّدْبُ وَكَفَى فِي الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا مَعًا لِلشَّاهِدَيْنِ اشْهَدَا بِوُقُوعِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوعِهِ بِحَضْرَتِهِمَا، وَإِنْ لَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ شَاهِدَيْنِ وَأَشْهَدَاهُمَا كَفَى أَيْضًا، وَسَمَّاهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِشَهَادَةِ الْأَبْدَادِ أَيْ الْمُتَفَرِّقِينَ، وَلَا يَكْفِي أَنْ يُشْهِدَ أَحَدُهُمَا الشَّاهِدَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشْهَدهُمَا صَاحِبُهُ بِغَيْبَةِ الْآخَرِ أَيْ لِعَدَمِ اجْتِمَاعِهِمَا [قَوْلُهُ:

دَخَلَ مِنْ غَيْرِ إظْهَارٍ فُسِخَ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ وَيُحَدَّانِ إنْ لَمْ يَفْشُ وَلَمْ يُعْذَرَا بِجَهْلٍ وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ فَشَا فَلَا يُحَدَّانِ، وَإِنْ كَانَا عَالِمَيْنِ. وَالْفُشُوُّ بِالْوَلِيمَةِ وَالدُّفِّ وَالدُّخَانِ وَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ. (وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَقَلُّ مَا يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ إمَّا (رُبُعُ دِينَارٍ) مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَهُوَ وَزْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ حَبَّةً مِنْ الشَّعِيرِ الْوَسَطِ، وَإِمَّا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ خَالِصِ الْفِضَّةِ كُلُّ دِرْهَمٍ خَمْسُونَ حَبَّةً وَخُمْسَا حَبَّةٍ، وَأَمَّا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20] . (وَلِلْأَبِ إنْكَاحُ) أَيْ جَبْرُ (ابْنَتَهُ الْبِكْرِ) عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفُسِخَ بِطَلْقَةٍ] ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَحِيحٌ قَالَهُ تت وَكَانَتْ بَائِنَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَلَاقِ الْقَاضِي وَكُلُّ طَلَاقٍ أَوْقَعَهُ الْقَاضِي فَهُوَ بَائِنٌ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَيَبْقَى لَهُ فِيهَا طَلْقَتَانِ، وَالْفَسْخُ إنْ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَاهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْذَرَا بِجَهْلٍ] أَيْ فَإِذَا عُذِرَا بِجَهْلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ فُشُوٌّ لَا حَدَّ عِنْدَ الْجَهْلِ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ خَلِيلٌ فِي بَابِ الزِّنَا، وَارْتَضَاهُ عج خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ، أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْفُشُوُّ يُحَدَّانِ، وَلَا يُعْذَرَانِ بِجَهْلٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ [قَوْلُهُ: وَأَقَرَّا بِالْوَطْءِ] أَيْ غَيْرَ مُسْتَفْتَيَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَمِثْلُ إقْرَارِهِمَا، مَا إذَا أَنْكَرَا، وَقَامَتْ عَلَيْهِمَا الْبَيِّنَةُ بِهِ، وَكَذَا إنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا فَيُحَدَّ، وَيُعَاقَبَ الْآخَرُ الْمُنْكِرُ، فَإِذَا لَمْ يُقِرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عُوقِبَا مَعًا أَيْ وَحَصَلَتْ خَلْوَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا أَحَدٌ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: وَالدُّفِّ إلَخْ] الْوَاوُ فِي الشَّارِحِ وَالدُّفِّ وَالدُّخَانِ وَالشَّاهِدِ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا قَالَ عج: أَيْ فَالدُّفُّ وَحْدَهُ وَكَذَا كُلُّ مَا بَعْدَهُ كَافٍ، فَإِنْ قُلْت هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الدُّفِّ وَالدُّخَانِ مَا يَحْصُلُ الْفُشُوُّ بِهِ فِي زَمَانِنَا مِنْ زَغْرَتَةٍ وَنَحْوِهِمَا أَمْ لَا؟ . قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ. قَالَهُ عج، وَقَوْلُهُ: وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ أَيْ غَيْرُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَكَالْعَدِمِ وَانْظُرْ وَلِيَّ الزَّوْجِ إذَا أَخْبَرَهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَيْ لَا يَحْصُلُ بِشَهَادَتِهِ الْفُشُوُّ وَهُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْإِتْهَامِ بِالسَّتْرِ قَالَ عج: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ هُنَا هَلْ يَحْصُلُ بِهِمَا فُشُوٌّ كَالشَّاهِدِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمَا بِحَالٍ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ الصَّدَاقِ رُبُعُ دِينَارٍ] الصَّدَاقُ مُشْتَقٌّ مِنْ الصِّدْقِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الزَّوْجَيْنِ، وَيُقَالُ الْمَهْرُ وَالطَّوْلُ وَالنِّحْلَةُ وَالصَّدَاقُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْآدَمِيِّ فَحَقُّ اللَّهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَلَوْ رَضِيَتْ بِإِسْقَاطِهِ جُمْلَةً لَمْ يَجُزْ، وَلَهَا أَنْ تُسْقِطَ مَا زَادَ عَلَى رُبُعِ دِينَارٍ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَسَدَ لَكِنَّ فَسَادَهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ فَلَوْ دَخَلَ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ أَيْ إتْمَامُ الرُّبُعِ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ إنْ أَرَادَ الْبِنَاءَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَسَخَ إنْ عَزَمَ عَلَى عَدَمِ إتْمَامِهِ، وَإِلَّا بَقِيَ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا أَنْ تَقُومَ الزَّوْجَةُ بِحَقِّهَا؛ لِتَضَرُّرِهَا بِبَقَائِهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فَقَطْ خَارِجٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي الَّذِي فَسَدَ لِصَدَاقِهِ مِنْ أَنَّ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَقَدَا عَلَى إسْقَاطِهِ جُمْلَةً، فَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: الْخَالِصِ إلَخْ] الْخُلُوصُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا أَفَادَهُ ظَاهِرُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ فِي رُبُعِ الدِّينَارِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَلَا يَكْفِي غَيْرُ الْخَالِصِ، وَإِنْ كَانَ يَرُوجُ رَوَاجَ الْكَامِلِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ عَلَى الْمَشْهُورِ] . وَمُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ فَقِيلَ: تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي الدَّرَاهِمِ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْوَاضِحَةِ يَجُوزُ بِأَدْنَى مِنْ دِرْهَمَيْنِ هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ يَجُوزُ بِالدِّرْهَمِ وَالنَّعْلِ وَالسَّوْطِ [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ] وَكَرِهَ مَالِكٌ الْإِغْرَاقَ فِي كَثْرَتِهِ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَسْهِيلُ أَمْرِهَا وَقِلَّةُ صَدَاقِهَا» " قَالَ عُرْوَةُ: أَنَا أَقُولُ مِنْ عِنْدِي وَمِنْ شُؤْمِهَا تَعْسِيرُ أَمْرِهَا وَكَثْرَةُ صَدَاقِهَا. تَتِمَّةٌ: تَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى لَوْ أُسْقِطَ ذِكْرُ سِكَّةِ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أُعْطِيت السِّكَّةُ الْغَالِبَةُ يَوْمَ النِّكَاحِ، فَإِنْ تَسَاوَتْ أَخَذَتْ مِنْ جَمِيعِهَا بِالسَّوِيَّةِ، كَمُتَزَوِّجٍ بِرَقِيقٍ لَمْ يَذْكُرْ حُمْرَانًا، وَلَا سُودَانًا. الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصَّدَاقِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَالِانْتِفَاعُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ،

[الولاية في النكاح]

النِّكَاحِ مِمَّنْ شَاءَ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ (بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَإِنْ بَلَغَتْ) وَلَوْ عَانِسًا مَا لَمْ يَضُرُّ بِهَا أَمَّا إذَا أَضَرَّ بِهَا كَتَزْوِيجِهَا مِنْ مَجْبُوبٍ أَوْ أَبْرَصَ وَنَحْوِهِمَا، فَلَيْسَ لَهُ جَبْرُهَا وَالْعَانِسُ هِيَ الَّتِي طَالَ مُكْثُهَا فِي بَيْتِ أَهْلِهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ التَّعْنِيسِ فَقِيلَ: ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (وَإِنْ شَاءَ شَاوَرَهَا) عَائِدٌ عَلَى الْبَالِغَةِ فَقَطْ وَظَاهِرُهُ التَّخْيِيرُ مِنْ غَيْرِ أَرْجَحِيَّةٍ، وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا (وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فِي الْبِكْرِ وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يُزَوِّجُهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيِّ مِثْلُهُ. قَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَعْلُومِيَّة لَا خَمْرٌ، وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً، وَلَا آبِقٌ، وَثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ. [الْوِلَايَة فِي النِّكَاح] [قَوْلُهُ: مِمَّنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ] فَلَهُ تَزْوِيجُهَا لِمَنْ هُوَ دُونَهَا قَدْرًا وَحَالًا، وَبِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلِضَرِيرٍ، وَقَبِيحِ مَنْظَرٍ، وَفِي التَّوْضِيحِ وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُهَا بِرُبُعِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا، وَلَا كَلَامَ لَهَا، وَلَا لِغَيْرِهَا، وَلَا يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَيَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ يَخْتَارَ لِمَنْ هُوَ مُوَلًّى عَلَيْهَا سَالِمًا، كَمَا أَشَارَ لَهُ اللَّخْمِيُّ فَقَالَ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَبِ أَنْ لَا يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ أَوْ أَعْمَى أَوْ أَشَلَّ فَإِنْ فَعَلَ مَضَى ذَلِكَ عَلَيْهَا. اهـ. [قَوْلُهُ: كَتَزْوِيجِهَا مِنْ مَجْبُوبٍ] وَمِثْلُهُ الْخَصِيُّ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ قَائِمُ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ مَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ قَائِمُ الذَّكَرِ، إذَا كَانَ لَا يُمْنِي فَلَا يُجْبِرُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يُمْنِي فَلَهُ جَبْرُهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَبْرَصَ] مُحَقَّقٌ، وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِمَا أَيْ مِنْ مَجْنُونٍ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ أَوْ مَجْذُومٍ بَيِّنًا، وَلَوْ لِمِثْلِهَا وَكَذَا عِنِّينٌ. [قَوْلُهُ: فِي حَدِّ التَّعْنِيسِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَبْدَأُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ] عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَهَلْ سِنُّهَا ثَلَاثُونَ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ، أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ أَوْ مِنْهَا لِلسِّتَّيْنِ. أَقْوَالٌ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّحْدِيدِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُجْبِرُ الْبِكْرَ، وَلَوْ بَلَغَتْ أَلْفَ عَامٍ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ فَلَا يُنْدَبُ مُشَاوَرَتُهَا. [قَوْلُهُ: يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِئْذَانُهَا] أَيْ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا، وَقِيلَ؛ لِيَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْكَلَامُ فِي بِكْرٍ لَمْ تُزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ زُوِّجَتْ، وَطَلُقَتْ قَبْلَ إقَامَةِ سَنَةٍ، وَأَمَّا لَوْ أَقَامَتْ سَنَةً، وَلَمْ يَمَسَّهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهَا لَا تُجْبَرُ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ السَّنَةِ عِنْدَ الزَّوْجِ مِنْ بُلُوغِهَا بِمَنْزِلِهِ الْوَطْءِ فِي تَكْمِيلِ الصَّدَاقِ وَعَدَمِ جَبْرِ الْأَبِ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ] أَيْ مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ قَاضٍ [قَوْلُهُ: وَتَأْذَنُ] أَيْ لِذَلِكَ الْغَيْرِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ، وَيُعَيِّنُ لَهَا الزَّوْجَ، وَيُسَمِّي لَهَا الصَّدَاقَ وَتَرْضَى بِهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا أَيْ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُهَا لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُنَّ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ النُّطْقِ، وَلِمَا يَلْحَقُهَا بِهِ مِنْ الْحَيَاءِ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِمَنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ فُقِدَ أَوْ أُسِرَ أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً، كَإِفْرِيقِيَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْبِكْرِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ أَوْ غَائِبَةً، وَإِذَا سَكَتَتْ حَتَّى عُقِدَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَتْ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الصَّمْتَ إذْنٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا ذَلِكَ، وَلَوْ عُرِفَتْ بِالْبَلَهِ، وَقِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ نَعَمْ يُنْدَبُ إعْلَامُهَا أَنَّ صَمْتَهَا إذْنٌ مِنْهَا فَيُقَالُ لَهَا: إنَّ فُلَانًا خَطَبَك عَلَى صَدَاقٍ قَدْرُهُ كَذَا الْمُعَجَّلُ مِنْهُ كَذَا وَالْمُؤَجَّلُ كَذَا فَإِنْ رَضِيَتِي فَاصْمُتِي، وَإِنْ كَرِهْتِي فَانْطِقِي، وَإِنْ مَنَعَتْ عِنْدَ اسْتِئْذَانِهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ نَفَرَتْ، بِأَنْ قَامَتْ أَوْ غَطَّتْ وَجْهَهَا حَتَّى ظَهَرَ كَرَاهَتُهَا لَمْ تُزَوَّجْ لَا إنْ ضَحِكَتْ أَوْ بَكَتْ فَإِنَّهَا تُزَوَّجُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا بَكَتْ عَلَى فَقْدِ أَبِيهَا وَتَقُولُ: فِي نَفْسِهَا لَوْ كَانَ أَبِي حَيًّا لَمَا احْتَجْت لِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: الْأَصْلُ صَمْتُهَا كَإِذْنِهَا فَشَبَّهَ الصُّمَاتَ بِالْإِذْنِ شَرْعًا، ثُمَّ حَذَفَ مِنْهُ حَرْفَ التَّشْبِيهِ وَجَعَلَهُ مُبْتَدَأً، ثُمَّ قَدَّمَ مُبَالَغَةً، وَالْمَعْنَى هُوَ كَافٍ فِي الْإِذْنِ. اُنْظُرْ الْمِصْبَاحَ.

الْمُدَوَّنَةِ: لَا تُزَوَّجُ الْيَتِيمَةُ الَّتِي يُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ ج. إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصُّ الْأَبِ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِجْبَارِ، فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ وَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ وَوَصِيَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فِي الْإِجْبَارِ بِشَرْطَيْنِ: عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ وَالْآخَرُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِنْكَاحِ، وَهَذَا الثَّانِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا، فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّيْخِ هُنَا حَتَّى تَبْلُغَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَبُ بِالْإِنْكَاحِ. لَكِنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ فَسَّرَ قَوْلَ الشَّيْخِ الْآتِيَ بِمَا إذَا عَيَّنَ الزَّوْجَ كَمَا تَقِفُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ الْوَصِيِّ كَالْجَدِّ وَالْأَخِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا وَقِيلَ لَهُ جَبْرُهَا إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً وَخِيفَ عَلَيْهَا الْحَاجَةُ. ابْنُ بَشِيرٍ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَيْهِ، إنْ خِيفَ فَسَادُهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِبِلَادِنَا الْيَوْمَ مَعَ زِيَادَةِ بُلُوغِ سِنِّهَا عَشْرَ سِنِينَ مَعَ مَشُورَةِ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عَلَى الْإِجْبَارِ] أَيْ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا مِثَالُ الْأَوَّلِ أَجْبَرَهَا وَمِثَالُ الثَّانِي زَوَّجَهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيِّ الْأُنْثَى فَلَهَا الْجَبْرُ حَيْثُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَصِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ] أَيْ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ كَزَوَّجَهَا مِنْهُ إذَا بَلَغَتْ أَوْ بَعْدَ، كَذَا مِنْ السِّنِينَ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعَيَّنُ فَاسِقًا، إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ وِلَايَةٌ عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاسِقِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ حَالَ الْإِيصَاءِ غَيْرَ فَاسِقٍ وَتَغَيَّرَ حَالُهُ، فَلِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يُزَوِّجَ، وَلَا يَضُرَّ فِي الْمُعَيَّنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ زَوْجَاتٌ أَوْ سَرَارِي، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ يَفْرِضُ الْمِثْلَ فَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْأَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَأْمُرَ الْأَبُ بِالنِّكَاحِ] هَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ، وَلَوْ وَافَقَ خَلِيلًا لَقَالَ: أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَصِيَّ يُجْبِرُ بِاتِّفَاقٍ إذَا أَمَرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ، أَوْ عَيَّنَ الزَّوْجَ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِجْبَارِ، وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ بَلْ قَالَ لَهُ زَوِّجْهَا: مِمَّنْ أَحْبَبْت أَوْ زَوِّجْهَا أَوْ أَنْكِحْهَا أَوْ أَنْتَ وَصِيٌّ عَلَى بَنَاتِي أَوْ عَلَى بُضْعِ بَنَاتِي أَوْ عَلَى بَعْضِ بَنَاتِي وَالْبَعْضُ مُبْهَمٌ فَخِلَافٌ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرُ، وَالرَّاجِحُ الْجَبْرُ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: وَصِيٌّ فَقَطْ أَوْ عَلَى مَالِي فَلَا جَبْرَ اتِّفَاقًا، لَكِنْ لَوْ زَوَّجَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْضِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، يُجْبِرُ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ لَهُ الْجَبْرَ إذَا قَالَ: أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَوْلَادِي، وَلَوْ أَوْصَاهُ عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ أَوْ قَبْضِ دُيُونِهِ لَا جَبْرَ لَكِنْ لَوْ جَبَرَ وَزَوَّجَ لَصَحَّ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إلَخْ] ضَعِيفٌ إذْ يَكْفِي أَحَدُهُمَا، وَأَرَادَ بِالشَّرْطَيْنِ تَعْيِينَ الزَّوْجِ، وَأَمْرَ الْأَبِ لَهُ بِالْإِنْكَاحِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَهُ جَبْرُهَا إنْ كَانَتْ إلَخْ] حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ، أَنَّ مَذْهَبَ الرِّسَالَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ خَلِيلٌ إلَى أَنَّهَا تُزَوَّجُ بِشُرُوطٍ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ، وَمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، يُقَدَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاخْتُلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُحْمَلُ الرَّاجِحُ وَهُوَ عَدَمُ الْجَبْرِ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ مُعَيَّنٍ، وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْجَبْرُ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ مُطْلَقِ شَخْصٍ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجَبْرِ، وَقَوْلُهُ: إنْ خِيفَ فَسَادُهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ خِيفَ عَلَيْهَا الْحَاجَةُ [قَوْلُهُ: مَعَ زِيَادَةِ بُلُوغِ سِنِّهَا عَشْرَ سِنِينَ] أَيْ أَتَمَّتْهَا لَا دَخَلَتْ فِيهَا فَقَطْ لِلِاحْتِيَاطِ. [قَوْلُهُ: مَعَ مَشُورَةِ الْقَاضِي] الْمُرَادُ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي مُوجِبَاتُ التَّزْوِيجِ، أَيْ مِنْ خَوْفِ فَسَادِهَا بِزِنًا أَوْ ضَيْعَةٍ لِفَقْرِهَا، أَوْ فَسَادِ حَالِهَا بِعَدَمِ تَزْوِيجِهَا وَكَوْنِهَا بَلَغَتْ عَشْرًا فَأَكْثَرَ، وَمِنْ أَذِنَهَا بِالْقَوْلِ لِغَاصِبِهَا أَوْ لِوَصِيِّهَا، غَيْرِ الْمُجْبِرِ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَوْ لِلْحَاكِمِ إنْ لَمْ يَكُونَا، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ وَعِبَارَةٌ أُخْرَى، وَشُووِرَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، أَيْ مِنْ حَيْثُ إنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ يُتْمُهَا أَوْ فَقْرُهَا، أَيْ إنْ كَانَ مُوجِبُ التَّزْوِيجِ خَوْفَ الضَّيَاعِ؛ لِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَخُلُوِّهَا مِنْ زَوْجٍ وَعِدَّةٍ وَرِضَاهَا بِالزَّوْجِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْجَبْرِ، وَكَوْنِهِ كُفُؤًا لَهَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ أَيْ كَوْنِهِ غَيْرَ فَاسِقٍ، وَالنَّسَبُ وَالْحُرِّيَّة وَالْمَالُ وَالْحَالُ أَيْ سَلَامَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَاَلَّتِي يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ بِهَا الْخِيَارُ وَكَوْنِهِ ذَا حَسَبٍ وَهُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ الْمَفَاخِرِ كَكَرَمِ الْآبَاءِ وَكَوْنِ الصَّدَاقِ صَدَاقَ الْمِثْلِ، وَالْجِهَازُ الَّذِي يُجَهَّزُ بِهِ مُنَاسِبٌ لَهَا. اهـ. وَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَوْنِهِ كُفُؤًا

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ إذْنَهَا صُمَاتُهَا مِثْلُهُ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ: إنْ قَالَ لَهَا وَلِيُّهَا إنِّي مُزَوِّجُك فَسَكَتَتْ فَذَلِكَ مِنْهَا رِضًا. (وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ) الْبَالِغَةَ الْعَاقِلَةَ الْحُرَّةَ الَّتِي لَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا بِعَارِضٍ أَوْ بِزِنًا رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ سَفِيهَةً (أَبٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِرِضَاهَا وَتَأْذَنُ بِالْقَوْلِ) . وَقَيَّدْنَا بِالْبَالِغَةِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ الَّتِي ثِيبَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَلَهُ جَبْرُهَا وَبِالْعَاقِلَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَجْنُونَةِ، فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا إذَا كَانَتْ لَا تُفِيقُ فَإِنْ كَانَتْ تُفِيقُ أَحْيَانَا انْتَظَرَ إفَاقَتَهَا وَبِالْحُرَّةِ احْتِرَازًا مِنْ الْأَمَةِ، فَإِنَّ لِسَيِّدِهَا جَبْرَهَا اتِّفَاقًا إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الرِّقِّ وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ ضَرَرَهَا أَمَّا غَيْرُ الْكَامِلَةِ الرِّقِّ فَلَا جَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِاَلَّتِي لَمْ تُزَلْ بَكَارَتُهَا إلَخْ. احْتِرَازًا مِمَّنْ أُزِيلَتْ بَكَارَتُهَا بِعَارِضٍ فَإِنْ لِلْأَبِ جَبْرُهَا اتِّفَاقًا، وَمَنْ أُزِيلَتْ بَكَارَتُهَا بِزِنًا، فَكَذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ تَكَرَّرَ الزِّنَا مِنْهَا حَتَّى زَالَ جِلْبَابُ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهَا لَمْ تُجْبَرْ، وَإِلَّا جُبِرَتْ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ إلَخْ. أَيْ أَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مَعَ الْإِمْكَانِ خُصُوصًا وَالتَّحْقِيقُ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِلْحُرِّيَّةِ وَالنَّسَبِ وَالْمَالِ، وَالْحَسَبِ أَنَّ الْكَفَاءَةَ شَيْئَانِ فَقَطْ الدِّينُ أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ فَاسِقٍ بِجَارِحَةٍ، وَالْحَالُ أَيْ سَلَامَتُهُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي بِهَا الرَّدُّ، إذَا زُوِّجَتْ مَعَ فَقْدِ تِلْكَ الشُّرُوطِ أَوْ بَعْضِهَا، وَالْحَالُ أَنَّ يُتْمَهَا وَخُلُوَّهَا مِنْ زَوْجٍ وَعِدَّةٍ مُحَقَّقٌ فَلَا فَسْخَ أَصْلًا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، إلَّا فِيمَا إذَا زُوِّجَتْ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْفَسَادِ فَيُفْسَخُ مَا لَمْ يَدْخُلْ، وَيُطِلْ وَالطُّولُ بِوِلَادَةِ وَلَدَيْنِ، وَلَا تَكْفِي وِلَادَةُ تَوْأَمَيْنِ، وَمُضِيُّ ثَلَاثَةِ سِنِينَ بِمَنْزِلَةِ وِلَادَةِ وَلَدَيْنِ، وَلَا يَكْفِي سَنَتَانِ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ خَوْفَ الْفَسَادِ شَامِلٌ لِلْخَوْفِ عَلَيْهَا لِضَيَاعِهَا مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَرَدَّهُ عج مُرَجِّحًا لِمَا أَفَادَهُ ابْنُ حَارِثٍ مِنْ أَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ تُزَوَّجُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطٌ مِنْ بُلُوغِهَا الْعَشْرَ، وَلَا أَذِنَتْ بِالْقَوْلِ. اهـ. أَيْ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْكَفَاءَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ ابْنِ الْحَارِثِ، وَلَعَلَّهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَفَادَهُ لَا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ حَارِثٍ ذَاتُ أَبٍ انْقَطَعَ عَنْهَا النَّفَقَةُ لِغَيْبَةِ أَبِيهَا غَيْبَةً بَعِيدَةً، وَخُشِيَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ وَمِثْلُهَا مَجْهُولَةُ الْأَبِ، وَقَضِيَّةُ رَدِّ عج، أَنَّ خَوْفَ الضَّيَاعِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَشَدُّ مِنْ خَوْفِ الزِّنَا، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْخَوْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُفَسَّرُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ إلَخْ] هَذَا فِي الْيَتِيمَةِ الْبَالِغِ لِمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: إنِّي مُزَوِّجُك] أَيْ مِنْ فُلَانٍ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالشَّارِحُ أَسْقَطَهُ. [قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ تُزَلْ بَكَارَتُهَا إلَخْ] أَيْ بَلْ أُزِيلَتْ بِنِكَاحٍ حَيْثُ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ أَوْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، وَدُرِئَ الْحَدُّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُدْرَأْ الْحَدُّ فَلَهُ جَبْرُهَا [قَوْلُهُ: عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ] مُفَادُهُ أَنَّ مَالِكًا كَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يُزَوِّجُهَا غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّلَاعِي، أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ، وَأَنَّ الْمُقَابِلَ قَوْلَانِ لَا يُجْبِرُهَا، وَيُجْبِرُهَا، وَإِنْ بَلَغَتْ وَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَلَا يَتَوَقَّفُ تَزْوِيجُهَا عَلَى رِضَاهَا، وَلَا إذْنِهَا بِالْقَوْلِ بَلْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُجْبَرَةِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْمَجْنُونَةِ] أَيْ عَنْ الثَّيِّبِ الْبَالِغِ الْمَجْنُونَةِ، فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبِرُهَا، وَلَوْ كَانَ لَهَا أَوْلَادٌ وَكَذَا الْحَاكِمُ يُجْبِرُ الْمَجْنُونَةَ الْبَالِغَةَ، إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَبٌ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَانْظُرْ هَلْ يُقَيَّدُ بِاحْتِيَاجِهَا النِّكَاحَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ تُفِيقُ أَحْيَانًا] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ ثَيِّبًا بَالِغًا [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ ضَرَرَهَا] أَمَّا إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ ضَرَرَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ جَبْرُهَا عَلَى النِّكَاحِ، كَمَا إذَا زَوَّجَهَا بِذِي عَاهَةٍ كَجُذَامٍ وَبَرَصٍ، وَكَذَلِكَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ عَلَى التَّزْوِيجِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ إضْرَارَهُ. [قَوْله: إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الرِّقِّ] بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا إلَخْ، أَيْ كَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمُعْتَقَةٍ لِأَجْلِ أُمُومَةِ وَلَدٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَبْرُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَلَهُ جَبْرُ الْمُدَبَّرَةِ وَالْمُعْتَقَةِ، لِأَجَلٍ مَا لَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ، وَيَقْرَبْ الْأَجَلُ فَقَوْلُ شَارِحِنَا عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ [قَوْلُهُ: أُزِيلَتْ بَكَارَتُهَا بِعَارِضٍ] أَيْ بِعُودٍ أَوْ وَثْبَةٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: زَالَ جِلْبَابُ] الْجِلْبَابُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: مَا

لَا تُجْبَرُ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الرَّشِيدَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي السَّفِيهَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهَا تَأْذَنُ بِالْقَوْلِ فَهُوَ كَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» . وَالْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ الثَّيِّبُ لِمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ فِي الْبِكْرِ، وَالثَّيِّبُ قَدْ يَزُولُ مِنْهَا ذَلِكَ. (وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ) ذَاتُ الْحَالِ (إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا) أَوْ وَكِيلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ أَوْ مَخَافَةُ مَا يَلْحَقُ الْوَلِيَّ مِنْ الْمَعَرَّةِ، لِأَنَّهَا قَدْ تُوقِعُ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ لَوْ عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا (أَوْ) بِإِذْنِ (ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا وَالسُّلْطَانِ) ج قَالَ: فِي التَّهْذِيبِ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عُمَرَ: لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ السُّلْطَانِ فَذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةُ أَوْ الْعَمُّ أَوْ الْوَلِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُغَطَّى بِهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْإِزَارُ، وَإِضَافَةُ جِلْبَابٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ، أَيْ حَتَّى زَالَ الْحَيَاءُ الشَّبِيهُ بِالْجِلْبَابِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةَ [قَوْلُهُ: وَفِي السَّفِيهَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] إذْ لَا يَلْزَمُهُ مِنْ وِلَايَةِ الْمَالِ، وَالنَّظَرِ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ مِنْ قَوْلِهِ يُجْبِرُهَا [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَذَلِكَ] أَيْ تَأْذَنُ بِالْقَوْلِ أَيْ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ. وَأَمَّا إذْنُهَا فِي الْعَقْدِ فَيَكْفِي الصَّمْتُ، أَيْ إذَا كَانَتْ حَاضِرَةَ الْمَجْلِسِ لَا إنْ غَابَتْ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهَا [قَوْلُهُ: أَحَقُّ] لَفْظُ أَحَقَّ لِلْمُشَارَكَةِ أَيْ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا، وَلِوَلِيِّهَا، وَحَقُّهَا آكَدُ مِنْ حَقِّهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَيْ فَهِيَ أَحَقُّ بِالرِّضَا، أَنْ لَا تُزَوَّجَ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي الْعَقْدِ [قَوْلُهُ: تُسْتَأْذَنُ] أَيْ يَسْتَأْذِنُهَا وَلِيُّهَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا. وَقَوْلُهُ: صُمَاتُهَا بِالضَّمِّ سُكُوتُهَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَاعَاةٌ لِتَمَامِ صَوْنِهَا، وَإِبْقَاءٌ لِاسْتِحْيَائِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ صَرِيحًا لَظُنَّ أَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِي الرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْبِكْرِ [قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ] قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَجْهُ اسْتِئْمَارِهَا أَنْ يَقُولَ لَهَا وَلِيُّهَا بِمَحْضَرِ الشُّهُودِ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ: إنِّي مُزَوِّجُك فُلَانًا، وَقِيلَ مَعْنَى تُسْتَأْمَرُ أَنَّ إذْنَهَا مَأْمُورٌ بِهِ [قَوْلُهُ: إنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ] نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَطَّارِ الْحَيَاءُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ فِي النِّسَاءِ وَجُزْءٌ فِي الرِّجَالِ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ ذَهَبَ ثُلُثُهُ فَإِذَا وَلَدَتْ ذَهَبَ ثُلُثَاهُ، فَإِذَا زَنَتْ ذَهَبَ كُلُّهُ. اهـ. فَقَوْلُ شَارِحِنَا إنَّ الْحَيَاءَ قَائِمٌ، أَيْ بِتَمَامِهِ، وَقَوْلُهُ وَالثَّيِّبُ قَدْ يَزُولُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَدْ زَالَ أَيْ لَمْ يُوجَدْ بِتَمَامِهِ. [قَوْلُهُ: ذَاتُ الْحَالِ] الشَّرِيفَةُ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يَنْكِحَ الشَّرِيفَةَ غَيْرَ الْمُجْبَرَةِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الْخَاصِّ، كَابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا كَمَا حَلَّ بِهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ [قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيَّ إلَخْ] هَذَا التَّعْلِيلُ يُوجِبُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِذَاتِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، هُوَ مَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ حَالٍ أَوْ لَا، وَيُوجِبُ أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ، وَلَا تَتَوَلَّى الْمَرْأَةُ، عَقْدَ نَفْسِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِكَاحَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا بِجَامِعِ تُوَلِّيهَا الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا. وَالْقَصْدُ أَنْ لَا تَتَوَلَّى الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا إلَخْ] خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ تَوَلِّيهَا عَقْدَ نَفْسِهَا [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ مَا يَلْحَقُ الْوَلِيَّ مِنْ الْمَعَرَّةِ] هَذَا لَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ السُّلْطَانِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا إلَخْ] فِيهِ أَنَّهُ لَوْ رُبِطَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قَالَ فِي التَّهْذِيبِ] أَيْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيِّ وَالتَّهْذِيبُ مُخْتَصَرُ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا] أَيْ الْخَاصِّ كَابْنِهَا أَوْ أَخِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَذُو الرَّأْيِ إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ. [قَوْلُهُ: الرَّجُلُ مِنْ الْعَشِيرَةِ] أَيْ الْقَبِيلَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَمِّ] هَذَا مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ، وَاَلَّذِي فِي شَارِحِ الْمُوَطَّأِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَوْ ابْنِ الْعَمِّ، وَهُوَ أَحْسَنُ، فَإِنْ قُلْت ابْنُ الْعَمِّ مِنْ الْقَبِيلَةِ فَمَا نُكْتَةُ التَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ. قُلْت لَعَلَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجُلِ مِنْ الْقَبِيلَةِ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا [قَوْلُهُ: أَوْ الْوَلِيِّ] هَكَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ، وَالتَّحْقِيقُ وَالصَّوَابُ الْمَوْلَى، وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ الْكَافِلِ؛ لِأَنَّهُ

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذِي الرَّأْيِ، فَقِيلَ هُوَ الرَّجُلُ ذُو الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ، وَقِيلَ هُوَ الْوَجِيهُ الَّذِي لَهُ رَأْيٌ وَمَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، وَمِنْ هَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ (كَالرَّجُلِ مِنْ عَشِيرَتِهَا) تَفْسِيرٌ لِذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ أَوْ السُّلْطَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى ذِي الرَّأْيِ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَلَا يَكُونُ الْحَاكِمُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَصْلًا ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْمَرْأَةَ فِي كَلَامِهِ بِذَاتِ الْحَالِ لِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّنِيَّةِ) وَهِيَ الَّتِي لَا يُرْغَبُ فِيهَا؛ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، وَلَا مَالٍ وَلَا حَالٍ وَلَا قَدْرٍ كَالسَّوْدَاءِ الْفَقِيرَةِ وَالْمَسْلِمَانِيَّةِ وَاَلَّتِي تَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ الدِّيَارِ وَنَحْوِهَا هَلْ لَهَا (أَنْ تُوَلِّيَ أَجْنَبِيًّا) ، وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُقَدَّمٌ عَلَى السُّلْطَانِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: هُوَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَصَبَةِ إلَخْ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَصَبَةَ النَّسَبِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ: أَخَصَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ، فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِقَوْلِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَالْفَضْلِ] عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ [قَوْلُهُ: الَّذِي لَهُ رَأْيٌ] تَفْسِيرٌ لِلْوَجِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ شَيْئَانِ الْوَجَاهَةُ وَالرَّأْيُ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأُمُورِ، عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ ذُو الرَّأْيِ بِمَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوِلَايَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ عج. وَشُرُوطُ الْوَلِيِّ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، وَعَدَمُ الْإِحْرَامِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ فِي الْمُسْلِمَةِ، وَأَمَّا السَّفَهُ فَيَمْنَعُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ أَوْ ضَعِيفَهُ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ ذَا الرَّأْيِ يَعْقِدُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ هَذَا] أَيْ التَّقْرِيرِ [قَوْلُهُ: عُلِمَ إلَخْ] يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ كَالرَّجُلِ إلَخْ. بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ السُّلْطَانِ، وَالْمَوْجُودُ فِي نُسَخٍ غَيْرِ هَذَا الشَّارِحِ، مِمَّا، وَقَفْت عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ السُّلْطَانِ [قَوْلُهُ: فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَأَوْ لِلتَّرْتِيبِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ. حَيْثُ قَالَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ، إذَا أَصَابَ وَجْهَ النِّكَاحِ مِنْ الْكُفْءِ وَالصَّلَاحِ. وَقَالَ آخَرُونَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ ثُمَّ فِي الْمَقَامِ أَمْرٌ، وَهُوَ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ أَيْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلَوْ زَوَّجَ السُّلْطَانُ مَعَ وُجُودِ مَنْ قَبْلَهُ أَوْ زَوَّجَ ذُو الرَّأْيِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ، بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَصَحَّ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ لَكِنْ يَكُونُ فِي الْمَقَامِ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّ إفْرَادَ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ إفْرَادُ ذِي الرَّأْيِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ وَعَاصِبُ النَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى صَاحِبِ الْوَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَكُونُ الْحَاكِمُ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّلْطَانُ، وَالْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ مَنْ لَهُ حُكْمٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ قَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ. [قَوْلُهُ: ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] وَهِيَ كَوْنُهَا صَحِيحَةً بَالِغَةً غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهَا، وَلَا مُحَرَّمَةً عَلَى الزَّوْجِ، وَأَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ، وَأَنْ لَا وَالِدَ لَهَا أَوْ عَضَلَهَا أَوْ غَابَ عَنْهَا وَخُلُوَّهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَالْعِدَّةِ وَالرِّضَا بِالزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ، وَأَنَّهُ كُفُؤُهَا فِي الْحَالِ وَالْمَالِ، وَالْمَهْرُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي غَيْرِ الْمَالِكَةِ أَمْرَ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَيَثْبُتُ فَقْرُهَا، وَأَنَّهَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ فَأَكْثَرَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ ذَاتَ مَالٍ إلَخْ] أَيْ فَمَتَى اتَّصَفَتْ بِجَمَالٍ أَوْ مَالٍ أَوْ حَالٍ تَكُونُ شَرِيفَةً، وَقَوْلُهُ: وَلَا قَدْرٍ عَيْنُ قَوْلِهِ: وَلَا حَالٍ، وَأَرَادَ بِالْقَدْرِ وَالْحَالِ مَا يُعَدُّ مَفْخَرَةً كَالنَّسَبِ وَالْحَسَبِ كَكَرَمِ الْآبَاءِ، وَقَوْلُهُ كَالسَّوْدَاءِ إلَخْ الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ سَوْدَاءَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْمٍ مِنْ الْقِبْطِ يَقْدَمُونَ مِنْ مِصْرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سُودٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُسْقِطَ قَوْلَهُ: الْفَقِيرَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُفَادَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّ مَنْ يُرْغَبُ فِيهَا بِوَاحِدٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَرِيفَةٌ، وَأَنَّ المسلمانية دَنِيئَةٌ مُطْلَقًا وَكَذَا السَّوْدَاءُ وَالْمُعْتَقَةُ. اهـ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّتِي تَسْأَلُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهَا دَنِيئَةٌ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: عَنْ الدِّيَارِ إلَخْ] كَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي التَّحْقِيقِ، وَاَلَّتِي تَسْأَلُ النَّاسَ عَلَى الدِّيَارِ بِلَفْظِ عَلَى وَهِيَ أَحْسَنُ، أَيْ تَسْأَلُ النَّاسَ وَالْحَالُ أَنَّهَا وَاقِفَةٌ عَلَى الدِّيَارِ، أَيْ تَقِفُ عَلَى الدِّيَارِ سَائِلَةً أَهْلَهَا، وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا كَاَلَّتِي تَفْعَلُ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهَا، بِحَيْثُ لَا يُرْغَبُ فِيهَا، وَلَوْ احْتَوَتْ عَلَى مَالٍ أَوْ جَمَالٍ. [قَوْلُهُ:

[مراتب الأولياء بالنسبة للثيب]

وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُوَلِّيَهُ ابْتِدَاءً وَصَرَّحَ بِمَشْهُورِيَّتِهِ. وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ. إلَّا لِعَدَمِ الْأَقْرَبِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ فَقَالَ: (وَالِابْنُ أَوْلَى) بِتَزْوِيجِ أُمِّهِ (مِنْ الْأَبِ) أَيْ مِنْ أَبِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى الْعَصَبَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَوَالِي مَوَالِيهَا مِنْ الْأَبِ، وَأَوْلَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا مِنْهُ؛ وَلِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوِلَايَةُ الْإِسْلَامِ فَقَطْ] أَيْ فَلَمْ يَكُنْ وَلِيًّا، وَلَا ذَا رَأْيٍ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا مَوْلًى، وَلَا سُلْطَانًا [قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ] الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ، إنَّمَا هُوَ فِي الْجِوَارِ مُوَافِقًا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ مُتَّفِقَانِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْجَوَازِ، ابْتِدَاءً، وَأَفَادَ تت خِلَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا، إنَّمَا هُوَ بِالصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا فَابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: بِالصِّحَّةِ أَيْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَشْهَبُ بِعَدَمِهَا وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا، كَمَا يُفِيدُهُ مَا وَجَدْته عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ. [قَوْلُهُ: إلَّا لِعَدَمِ الْأَقْرَبِ] الْمُنَاسِبُ إلَّا لِعَدَمِ الْقَرِيبِ، فَتَدَبَّرْ. [مَرَاتِبِ الْأَوْلِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ] وَنَذْكُرُ حَاصِلًا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ. فَنَقُولُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الثَّيِّبِ الْبَالِغِ أَرْبَعَةٌ وَلِيُّ نَسَبٍ فَمَوْلَى عَتَاقَةٍ فَكَافِلٌ فَحَاكِمٌ فَعَامَّةُ مُسْلِمٍ، وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُمْ أَيْضًا عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا سَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَالِابْنُ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ فَإِذَا فُقِدَ وَلِيُّ النَّسَبِ بِمَرَاتِبِهِ الْآتِيَةِ، فَمَوْلًى أَعْلَى لِلْمُعْتَقَةِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتَقُ الْمُعْتِقِ كَالْإِرْثِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَلَا عَصَبَتُهُ فَهَلْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْمَوْلَى الْأَسْفَلِ الذَّكَرِ وَهُوَ الْعَتِيقُ، أَيْ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْجَلَّابِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَانْظُرْ هَلْ الْأَسْفَلُ. وَإِنْ نَزَلَ عَنْ الْأَوَّلِ أَوْ فِي مُعْتِقِهَا خَاصَّةً لَا فِي مُعْتِقِهِ، وَلَا فِي أَوْلَادِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ ذَكَرٍ فَالْكَافِلُ، وَهُوَ الَّذِي كَفَلَ الصَّبِيَّةَ إلَى أَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ، وَلَوْ أَجْنَبِيًّا لَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ شَرْعًا فَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرِضَاهَا، وَالْمُرَادُ بِهَا مَنْ مَاتَ أَبُوهَا وَهَلْ إنْ كَفَلَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَعْوَامٍ أَوْ لَا حَدَّ لَهَا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ إظْهَارُ الشَّفَقَةِ وَالْحَنَانِ عَلَى الصَّبِيَّةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَقْوَالٌ،. وَلَوْ مَاتَ زَوْجُ الْمَكْفُولَةِ أَوْ طَلَّقَ فَهَلْ تَعُودُ وِلَايَةُ الْكَافِلِ. ثَالِثُهَا إنْ كَانَ فَاضِلًا. رَابِعُهَا إنْ عَادَتْ لِكَفَالَتِهِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي الْأَوَّلُ وَالْمُرَادُ كَافِلٌ ذَكَرٌ. وَأَمَّا الْكَافِلَةُ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّ وِلَايَةَ الْكَفَالَةِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الدَّنِيئَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا إلَّا وَلِيٌّ أَوْ سُلْطَانٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَقَدَّمَ فَالْحَاكِمُ الْمُعْتَنِي بِالسُّنَّةِ، وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ يُزَوِّجُهَا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ مَا يَجِبُ إثْبَاتُهُ، فَإِنْ فُقِدَ مَنْ ذُكِرَ فَوِلَايَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ عَامَّةٌ لَا تَخْتَصُّ بِشَخْصٍ دُونَ آخَرَ وَصَحَّ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، كَمَا فِي الْحَطَّابِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ مِنْ نَسَبٍ أَوْ، وَلَاءٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الدَّنِيئَةِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا. لَكِنْ إنْ حَصَلَ دُخُولٌ عُزِّرَ الزَّوْجَانِ، وَلَوْ عُقِدَ النِّكَاحُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَهُوَ مُجْبِرٌ كَالْأَبِ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ وَالْوَصِيِّ فِي الْبِكْرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ أَبَدًا، وَلَوْ أَجَازَهُ الْمُجْبِرُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الشَّرِيفَةُ إذَا عُقِدَ نِكَاحُهَا بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ مَعَ وُجُودِ الْخَاصِّ وَهُوَ غَيْرُ مُجْبِرٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْثَرْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، وَطَالَ كَثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ غَيْرَ تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّ نِكَاحَهَا لَا يُفْسَخُ، فَالسَّنَةُ وَالسَّنَتَانِ لَا يَكُونَانِ طُولًا وَلِلْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ حِينَئِذٍ رَدُّ النِّكَاحِ، وَإِجَازَتُهُ. وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، وَلَكِنْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً كَالثَّلَاثَةِ أَيَّامِ لَهُ رَدُّهُ وَإِجَازَتُهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَلِيُّهَا غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً فَإِنَّهُ يُكْتَبُ إلَيْهِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَيُوقَفُ الزَّوْجُ عَنْهَا. [قَوْلُهُ: وَالِابْنُ أَوْلَى] أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ الثَّيِّبُ فِي حِجْرِ أَبِيهَا أَوْ وَصِيِّهَا أَوْ مُقَدَّمِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِي مَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ كُلٌّ عَلَى الِابْنِ وَمَحِلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الِابْنُ مِنْ زِنًا، وَلَمْ تُثَيَّبْ قَبْلَهُ بِنِكَاحٍ، وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَبُ لِبَقَاءِ جَبْرَةِ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً؛ لِأَنَّ أَبَاهَا يُجْبِرُهَا، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ بِنِكَاحٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ زِنًا بَعْدَ ذَلِكَ فَالِابْنُ يُقَدَّمُ فِي هَذِهِ عَلَى أَبِيهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا فِي كِتَابِ الْمَدَنِيِّينَ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الِابْنِ [قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمَوَالِي مَوَالِيهَا] فَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَالْعَبْدُ أَعْتَقَ عَبْدًا فَالْعَبْدُ الثَّانِي مَوْلًى

الْأَبَ يَكُونُ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ مِثْلُ الِابْنِ فِي ذَلِكَ. (وَالْأَبُ أَوْلَى) بِإِنْكَاحِ ابْنَتِهِ (مِنْ الْأَخِ) الشَّقِيقِ أَوْ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْأَبِ، وَالْأَبُ يَحْجُبُهُ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَالْحَاجِبُ أَوْلَى مِنْ الْمَحْجُوبِ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ يُقَدَّمُ عَلَى الَّذِي لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا مَدْخَلَ لِلَّذِي لِلْأُمِّ هُنَا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: (وَمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَصَبَةِ) فَهُوَ (أَحَقُّ) لَكَفَى وَمَعْنَى أَحَقُّ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَإِنَّ زَوَّجَهَا الْبَعِيدُ) كَالْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ الْخَاصِّ كَالْأَخِ (مَضَى ذَلِكَ) التَّزْوِيجُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِكُفْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْخَاصُّ مُجْبِرًا، أَمَّا إنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى الْإِمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ زَوَّجَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَوْلَاهَا الَّذِي هُوَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ الَّذِي بَاشَرَتْ عِتْقَهُ، فَالْأَحَقُّ بِذَلِكَ الَّذِي جُعِلَ مَوْلًى لِمَوْلَاهَا ابْنُهَا لَا أَبُوهَا، وَأَوْلَى أَحَقُّ بِمَوْلَاهَا [قَوْلُهُ: وَابْنُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ] يُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالِابْنُ بِأَنْ يُرَادَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. [قَوْلُهُ: وَالْأَبُ أَوْلَى] أَيْ الْأَبُ الشَّرْعِيُّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ؛ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَةَ مِنْ الزِّنَا مَقْطُوعَةُ النَّسَبِ، فَلَا حَقَّ لِصَاحِبِ الْمَاءِ فِي الْوِلَايَةِ عَلَيْهَا، وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّزَوُّجُ بِهَا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ يَسْتَوِيَانِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: وَلَا مَدْخَلَ لِلَّذِي لِلْأُمِّ هُنَا] أَيْ فَهُوَ مِنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَمَرْتَبَتُهُ بَعْدَ الْقَاضِي [قَوْلُهُ: وَمَنْ قَرُبَ مِنْ الْعَصَبَةِ فَهُوَ أَحَقُّ] أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ فَأَخُوهَا ثُمَّ ابْنُهُ، وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ دِنْيّة، وَأَمَّا جَدُّ الْجَدِّ، وَأَبُو الْجَدِّ فِيمَا يَظْهَرُ فَعَمُّهَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَدُّ فَالْعَمُّ وَهُوَ ابْنُ الْجَدِّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ، وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ فَابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ كَذَلِكَ صُعُودًا وَهُبُوطًا. وَكَمَا أَنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ كَذَلِكَ ابْنُ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْعَمُّ الشَّقِيقُ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ، وَهَكَذَا الْعَمُّ الَّذِي لِلْأَبِ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ كَالْأَخِ الَّذِي لِلْأَبِ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ [قَوْلُهُ: مَضَى ذَلِكَ التَّزْوِيجُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ مِنْ بَابِ الْأَوْجَبِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ وَصَحَّ بِأَبْعَدَ مَعَ أَقْرَبَ، إنْ لَمْ يُجْبِرْ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُلُّ شُيُوخِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَطْ، وَأَنَّ مُخَالِفَهُ مَكْرُوهٌ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ: أَوَّلًا عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ تَنَافِيًا [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ زَوَّجَهَا] أَيْ الْبَعِيدُ بِغَيْرِ كُفْءٍ أَيْ بِأَنْ زَوَّجَهَا بِكَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ بِالْعَقَائِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ الْفَاعِلِ، وَيُقَوِّي الثَّانِيَ قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا أَنْ يَرُدَّهُ، وَلَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ رَفَعَتْ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَيْ وُجُوبًا بِالرَّدِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهَا الرِّضَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ: رَدَدْت نِكَاحِي لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْإِمَامِ هُوَ الَّذِي يَرُدُّ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ، فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ، وَانْظُرْهُ. وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ تَنَازُعٌ فِيهِ يُرَدُّ، وَرَفَعَتْ وَصَرِيحُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ، وَأَنَّ مُقَابِلَ الْمَشْهُورِ يَقُولُ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَاسِقِ بِالْجَارِحَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ خَلِيلٍ وَهُوَ الصَّوَابُ، أَنَّ الْكَفَاءَةَ هِيَ الدِّينُ أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ فَاسِقٍ بِالْجَارِحَةِ، وَالْحَالُ أَيْ كَوْنُهُ سَالِمًا مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ بِسَبَبِهَا الْخِيَارُ، وَأَنَّهَا حَقٌّ لِلْوَلِيِّ وَالزَّوْجَةِ مَعًا. قَالَ عج: فَإِنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ قَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ سِكِّيرٍ فَاسِقٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا رَدَّهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَضِيَتْ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْ سِكِّيرٍ فَاسِقٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا لَوْ فَعَلَهُ الْأَبُ، قُلْت أَجَابَ بَعْضُ أَشْيَاخِي بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهَا صَارَ الْحَقُّ لَهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ حِفْظِ النُّفُوسِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ لِرِضَاهَا وَرِضَا وَلِيِّهَا، وَإِنَّمَا لَهَا وَلِوَلِيِّهَا ذَلِكَ حَيْثُ تَمَحَّضَ الْحَقُّ لَهُمَا، وَحِينَئِذٍ فَلِلْمَرْأَةِ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا مَعَ وَلِيِّهَا تَرْكُ الْكَفَاءَةِ وَالرِّضَا بِالْفَاسِقِ بِالْجَارِحَةِ وَالْمَعِيبِ فَإِنْ تَرَكَتْهَا الْمَرْأَةُ فَحَقُّ الْوَلِيِّ بَاقٍ، وَبِالْعَكْسِ وَالْعَتِيقُ كُفْءٌ لِلدَّنِيَّةِ، وَغَيْرُ الشَّرِيفِ لِلشَّرِيفَةِ وَالْأَقَلُّ جَاهًا كُفْءٌ لِمَنْ هِيَ أَقْوَى مِنْهُ جَاهًا، وَهَلْ الْعَبْدُ كُفْءٌ لِلْحُرَّةِ أَوْ لَيْسَ بِكُفْءٍ قَوْلَانِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ عَبْدَ أَبِيهَا وَالْقَلِيلُ الْمَالِ كُفْءٌ لِكَثِيرِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] لَيْسَ رَاجِعًا لِمَسْأَلَةِ الْمُجْبِرِ كَمَا يَتَبَادَرُ بَلْ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَضَى ذَلِكَ، أَيْ الْمُتَعَلِّقُ بِغَيْرِ الْمُجْبِرِ أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ

مَعَ وُجُودِ الْمُجْبِرِ، فُسِخَ عَلَى الْمَشْهُورِ اللَّخْمِيُّ، وَهَذَا فِي ذَاتِ الْقَدْرِ، وَأَمَّا الدَّنِيَّةُ فَيَمْضِي قَوْلًا وَاحِدًا وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَحْرَى فِي إمْضَائِهِ. (وَلِلْوَصِيِّ) الذَّكَرِ (أَنْ يُزَوِّجَ الطِّفْلَ) الذَّكَرَ الَّذِي (فِي وِلَايَتِهِ) أَيْ لَهُ جَبْرُهُ عَلَى التَّزْوِيجِ كَالْأَبِ بَهْرَامُ لَا خِلَافَ فِي جَبْرِ الْأَبِ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِيهِ غِبْطَةٌ، كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَيَّدْنَا الْوَصِيَّ بِالذَّكَرِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً فَإِنَّهَا لَا تَعْقِدُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ مِنْهَا لِلْأَقْرَبِ رَدُّهُ مَا لَمْ يَطُلْ وَتَلِدْ الْأَوْلَادَ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ مَا لَمْ يَبْنِ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِمُرَاجَعَةِ نُصُوصِ الْأَئِمَّةِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ اللَّخْمِيِّ وَهَذَا أَيْ الْخِلَافُ فِي تَزْوِيجِ الْأَبْعَدِ لِغَيْرِ الْمُجْبَرَةِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ، فَتَدَبَّرْ الْمَقَامَ فَإِنَّهُ صَعْبٌ وَبِتَقْرِيرِنَا ذَلِكَ زَالَ الْإِشْكَالُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. [قَوْلُهُ: وَلِلْوَصِيِّ الذَّكَرِ] أَيْ لَهُ جَبْرُهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ جَبْرُ الْأُنْثَى، وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ أَيْ أَوْ الشَّرِيفَةِ أَوْ ابْنَةِ عَمٍّ [قَوْلُهُ: كَالْأَبِ] أَيْ كَمَا أَنَّ الْأَبَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّزْوِيجِ [قَوْلُهُ: عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَصِيَّ لَيْسَ كَالْأَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَوَّازِيَّةِ. الثَّانِي: التَّفْرِقَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ شَرِيفَةً أَوْ ابْنَةَ عَمٍّ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُغِيرَةِ. [قَوْلُهُ: كَنِكَاحِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ] أَيْ أَوْ الشَّرِيفَةِ أَوْ ابْنَةِ عَمٍّ [قَوْلُهُ: وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ] أَيْ فِي الْجَبْرِ بِالشَّرْطَيْنِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ خِلَافًا، وَقَدْ حَكَاهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِعَلَامَةِ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَفِي إجْبَارِ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَلْحَقَهُ بِالْأَبِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَذَلِكَ وَصِيُّ الْوَصِيِّ. وَقَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا نَظَرٌ، وَلَا يُعْجِبُنِي إلَى آخِرِ مَا قَالَ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ يُجْبِرُ الصَّغِيرَ لِمَصْلَحَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَحَصَّلَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ يُجْبِرُ الصَّغِيرَ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ، وَكَذَلِكَ يُجْبِرُونَ الْمَجْنُونَ الْمُحْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ؛ لِإِقْبَالِهِ عَلَى الْفَسَادِ، وَكَذَلِكَ لِلْخِدْمَةِ عِنْدَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْخِدْمَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ نَحْوِ الزَّوْجَةِ، وَهَذَا فِي الْمَجْنُونِ الَّذِي لَا يُفِيقُ أَصْلًا، وَأَمَّا الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا فَتُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ، وَالْكَلَامُ فِي مَجْنُونٍ بَلَغَ مَجْنُونًا. وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا رَشِيدًا ثُمَّ طَرَأَ جُنُونُهُ فَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وِلَايَتُهُ لِلْحَاكِمِ فَلَا يُجْبِرُهُ إلَّا هُوَ لَا أَبَ، وَلَا وَصِيَّ، وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُجْبِرُوا السَّفِيهَ أَوْ لَا خِلَافٌ. تَتِمَّةٌ: وَجَبْرُ الْوَصِيِّ الصَّغِيرَ حَيْثُ يُجْبِرُ الصَّغِيرَةَ بِأَنْ أَمَرَهُ الْأَبُ بِهِ إنْ عَيَّنَ لَهُ الزَّوْجَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ، وَلَا عَيَّنَ الزَّوْجَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهُ، وَيُزَوِّجُهُ بِدُونِ جَبْرٍ إذَا طَلَبَ الطِّفْلُ ذَلِكَ وَكَانَ فِي تَزْوِيجِهِ مَصْلَحَةٌ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَيُجْبَرُ مُطْلَقًا، وَلَا يَتَأَتَّى فِي السَّفِيهِ أَنْ يُقَالَ: حَيْثُ يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ بَالِغٌ، وَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْوَصِيَّ يُجْبِرُ الْبَالِغَةَ إنْ عَيَّنَ الْأَبُ الزَّوْجَ؛ لِأَنَّ جَبْرَهَا لَهُ مُعَلَّلٌ بِالْبَكَارَةِ فَلَهُ فِيهَا الْجَبْرُ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي مِثْلُهُ. تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ صَدَاقَهُمْ أَعْنِي الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ وَالْمَجْنُونَ عَلَى الْأَبِ إنْ كَانُوا، وَقْتَ الْجَبْرِ مُعْدِمِينَ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَيَاةِ الْأَبِ وَمَوْتِهِ، وَيُتْبَعُ بِهِ كَدَيْنٍ لَزِمَ ذِمَّتَهُ وَسَوَاءٌ بَقِيَ الْوَلَدُ عَلَى فَقْرِهِ أَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ جَبْرِهِ، وَلَوْ قَبْلَ الْفَرْضِ فِي التَّفْوِيضِ، وَلَوْ شَرَطَ الْأَبُ الصَّدَاقَ عَلَى الْوَلَدِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا، وَقْتَ الْجَبْرِ مُعْدِمِينَ بَلْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَلَوْ بِبَعْضِهِ فَإِنَّ مَا أَيْسَرُوا بِهِ مِنْ كُلٍّ أَوْ بَعْضٍ عَلَيْهِمْ دُونَ الْأَبِ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَوْ سَكَتَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْأَبِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَعْدَمَ الْأَبُ كَمَا أَعْدَمُوا اُتُّبِعَ الْأَبُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَشِيدًا وَتَطَارَحُوا كَمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ وَلَدَهُ الرَّشِيدَ وَبَاشَرَ الْعَقْدَ بِإِذْنِهِ بِصَدَاقٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الصَّدَاقَ عَلَى أَيِّهِمَا، فَقَالَ الرَّشِيدُ إنَّمَا أَرَدْت أَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى الْأَبِ أَوْ اشْتَرَطْته عَلَيْهِ. وَقَالَ الْأَبُ إنَّمَا أَرَدْت أَنْ يَكُونَ عَلَى الِابْنِ أَوْ اشْتَرَطْته عَلَيْهِ، فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ لَمْ يَبْنِ بِالزَّوْجَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُفْسَخُ مُطْلَقًا حَلَفَا أَوْ لَا أَوْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا، وَأَمَّا لَوْ دَخَلَ فَيَحْلِفُ الْأَبُ، وَيَبْرَأُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا أَوْ مِثْلَهُ غَرِمَ الزَّوْجُ صَدَاقَ الْمِثْلِ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَلَفَ وَغَرِمَ صَدَاقَ الْمِثْلِ، وَلَوْ كَانَ الْمُزَوِّجُ

[الخطبة علي الخطبة]

ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ تُوَكِّلُ غَيْرَهَا مِنْ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ وَلِيَّهَا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ نِكَاحَ الذَّكَرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ بَعْدُ وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ. (وَلَا يُزَوِّجُ الْوَصِيُّ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِإِنْكَاحِهَا) عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا إذَا عَيَّنَ الْأَبُ الزَّوْجَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْهَا مِنْ فُلَانٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إذَا قَالَ لَهُ: زَوِّجْهَا مِمَّنْ شِئْت، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ عَلَى تَفْسِيرِ عَبْدِ الْوَهَّابِ لَا يُزَوِّجُ الْوَصِيُّ الصَّغِيرَةَ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ، وَهُمَا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالتَّزْوِيجِ وَيُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ عَلَى الْمُخْتَصَرِ (وَلَيْسَ ذَوُو الْأَرْحَامِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ) فِي النِّكَاحِ، وَهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا كَالْأَخِ لِلْأُمِّ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ كَالْخَالِ (وَالْأَوْلِيَاءُ مِنْ الْعَصَبَةِ) جَمْعُ عَاصِبٍ، وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ يُدْلِي بِنَفْسِهِ أَوْ بِذَكَرٍ مِثْلِهِ، وَالْأَقْوَى تَعْصِيبًا يُقَدَّمُ ع ظَاهِرِ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْعَصَبَةِ، وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا هُنَا يُرَدُّ إلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ هُنَا إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ د: وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ الْكَافِلُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ وَلِيٌّ وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ فِي الدَّنِيَّةِ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ. وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الْكَافِلُ تَزْوِيجَ الْمَكْفُولَةِ فَقِيلَ عَشْرُ سِنِينَ وَقِيلَ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَلَا يَخْطُبُ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ: طَلَبُ التَّزْوِيجِ (وَلَا يَسُومُ عَلَى سَوْمِهِ) ك رِوَايَتِنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِضَمِّ الْفِعْلَيْنِ وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ (وَذَلِكَ) النَّهْيُ عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ الْوَصِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ فَصَدَاقُهُمْ فِي مَالِهِمْ أَوْ عَلَى مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُمْ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَى الْحَاكِمِ وَالْوَصِيِّ لَعُمِلَ بِهِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَا حَالَ الشَّرْطِ مُعْدِمِينَ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ وَلِيَّهَا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي يُوَكِّلُهُ وَلِيَّهَا أَوْ غَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا لَا تَعْقِدُ أَيْ لَا تَعْقِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَحَاصِلُهُ عَدَمُ عَقْدِهَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِالتَّعْمِيمِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ إلَخْ، وَإِنْ فَهِمَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرْنَا لَا عَلَى مَا فُهِمَ، فَقَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إلَخْ مُقَابِلٌ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت مَا قَرَّرْنَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ هُوَ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ إلَخْ] تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا مِنْ الصِّيَغِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ فِيهَا الْجَبْرُ [قَوْلُهُ: وَأَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالتَّزْوِيجِ [قَوْلُهُ: كُلُّ ذَكَرٍ يُدْلِي بِنَفْسِهِ] كَالِابْنِ. وَقَوْلُهُ أَوْ بِذَكَرٍ مِثْلُهُ كَابْنِ الِابْنِ، وَقَوْلُهُ وَالْأَقْوَى تَعْصِيبًا يُقَدَّمُ فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ مَثَلًا عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ [قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا] أَيْ مَا يُنَاقِضُهُ [قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَا هُنَا يُرَدُّ إلَى مَا تَقَدَّمَ] بِأَنْ تَقُولَ الْوَلِيُّ لَا يَكُونُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَيْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ عَاصِبٍ بِأَنْ يَكُونَ كَافِلًا أَوْ حَاكِمًا [قَوْلُهُ: قَالَ د، وَيَخْرُجُ إلَخْ] يَجْعَلُ الْحَصْرَ إضَافِيًّا كَمَا قَرَّرْنَا لَا خُرُوجَ [قَوْلُهُ: وَمُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَصَرَ قَالَ فَكَافِلٌ، وَهَلْ إنْ كَفَلَ عَشْرًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ مَا يُشْفَقُ تَرَدُّدٌ، وَظَاهِرُهَا شَرْطُ الدَّنَاءَةِ أَيْ فَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ بَلْ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيمُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ ضَعَّفَ مَذْهَبَهَا اللَّقَانِيُّ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: فِي قَدْرِ الْكَفَالَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَقَلِّيَّةُ فَانْطَبَقَ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ] أَيْ فَقِيلَ الْعِبْرَةُ بِمُدَّةِ يُعَدُّ فِيهَا مُشْفِقًا. [الْخُطْبَة عَلَيَّ الْخُطْبَة] [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْخَاءِ] أَيْ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَهُوَ كَلَامٌ مُسَجَّعٌ فِيهِ حَمْدُ اللَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: رِوَايَتُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ] أَيْ، وَأَمَّا غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: فِي بَابِ الْبُيُوعِ، وَلَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ، وَالْوَاقِعُ فِيمَا سَيَأْتِي لِلشَّارِحِ الرَّفْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ الْفِعْلَانِ مَجْزُومَانِ عَلَى النَّهْيِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ نَقْلًا لِلْحَدِيثِ بِلَفْظِهِ [قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ] كَأَنَّ لِلتَّحْقِيقِ، وَقَوْلُهُ أَمْرٌ الصَّوَابُ نَهْيٌ [قَوْلُهُ: حَرَامٌ] أَيْ النَّهْيُ حَرَامٌ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوصَفُ

وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ حَرَامٌ بِشَرْطِ (إذَا رَكَنَا) بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا (وَتَقَارَبَا) أَيْ الزَّوْجَانِ أَوْ الْمُتَبَايِعَانِ وَالتَّرَاكُنُ فِي النِّكَاحِ أَنْ تَمِيلَ إلَيْهِ وَيَمِيلَ إلَيْهَا، وَالتَّقَارُبُ اشْتِرَاطُ الشُّرُوطِ. وَفِي الْبَيْعِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْوَزْنَ وَيَتَبَرَّأَ لَهُ الْآخَرُ مِنْ الْعُيُوبِ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الرُّكُونَ كَافٍ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ صَدَاقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ الْفَاسِقِ، وَالْمَذْهَبُ لَا حُرْمَةَ لِلْفَاسِقِ فَيَجُوزُ لِلصَّالِحِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَإِذَا جَازَ عَلَى الْفَاسِقِ فَالْكَافِرُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ أَخِيهِ وَلِهَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ. قَالَ ق وَقَالَ ع: ذِكْرُ الْأَخِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إنَّمَا خَرَجَ الْحَدِيثُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ الذِّمِّيِّ قُلْت وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ، وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَوْنِهِ حَرَامًا، الْفِعْلُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَا نَفْسُ النَّهْيِ [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ إذَا رَكَنَا إلَخْ] إضَافَةُ شَرْطٍ إلَى مَا بَعْدَهُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: أَيْ الزَّوْجَانِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي رَكَنَا وَتَقَارَبَا [قَوْلُهُ: أَنْ تَمِيلَ إلَيْهِ إلَخْ] هَذَا فِي غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعْتَبَرُ مَيَلَانُهَا، وَأَمَّا الْمُجْبَرَةُ فَيُعْتَبَرُ مَيَلَانُ مُجْبِرِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُكُونَ الْمُجْبِرِ كَافٍ، وَلَوْ بِسُكُوتِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ رَدُّهَا، وَكَذَا رُكُونُ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ رَدُّهَا، وَكَذَا رُكُونُ أُمِّهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ رَدُّهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ رَدُّ أُمِّهَا أَوْ غَيْرِ مُجْبِرِهَا مَعَ رُكُونِهَا، وَهَذَا إذَا اسْتَمَرَّ الرُّكُونُ، فَلَوْ رَجَعَتْ أَوْ وَلِيُّهَا عَنْ الرُّكُونِ قَبْلَ خِطْبَةِ الْغَيْرِ لَمْ تَحْرُمْ خِطْبَتُهَا، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَا عَلَى وَلِيِّهَا الرُّجُوعُ، نَعَمْ هُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ، وَفُسِخَ عَقْدُ الثَّانِي قَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا بِطَلَاقٍ مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ، وَلَوْ رَضِيَ الْأَوَّلُ بِتَرْكِهَا لِلثَّانِي، وَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ إرْخَاءُ السُّتُورِ، وَلَوْ أَنْكَرَ الْمَسِيسَ، وَمَحَلُّ الْفَسْخِ حَيْثُ اسْتَمَرَّ الرُّكُونُ أَوْ كَانَ الرُّجُوعُ لِأَجْلِ خِطْبَةِ ذَلِكَ الثَّانِي وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ، فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الثَّانِيَ، وَادَّعَتْ هِيَ أَوْ مُجْبِرُهَا أَنَّهَا كَانَتْ رَجَعَتْ عَنْ الرُّكُونِ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ خِطْبَةِ الثَّانِي، وَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّ الرُّجُوعَ بِسَبَبِ خِطْبَةِ الثَّانِي، وَلَا قَرِينَةَ لِأَحَدِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ مُجْبِرِهَا، وَقَوْلِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، وَهُوَ مُوجِبٌ لِلصِّحَّةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: وَالتَّقَارُبُ اشْتِرَاطُ الشُّرُوطِ] أَيْ التَّقَارُبُ فِي النِّكَاحِ اشْتِرَاطُ الشُّرُوطِ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ اهـ. أَيْ وَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ مُؤَكَّدًا كَأَنْ لَا يَضْرِبَهَا فِي عِشْرَةٍ، وَقَوْلُهُ وَفِي الْبَيْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ هُوَ مَا قَدَّرْنَاهُ أَوَّلًا بِقَوْلِنَا فِي النِّكَاحِ، وَسَكَتَ عَنْ التَّرَاكُنِ فِي الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي عِبَارَتِهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَالتَّرَاكُنُ فِي الْبَيْعِ كَذَلِكَ أَيْ أَنْ يَمِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْوَزْنَ] أَيْ يَشْتَرِطُ الْبَائِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَزْنَ الدَّنَانِيرِ مَثَلًا، وَيَتَبَرَّأُ لَهُ الْآخَرُ، أَيْ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعُيُوبِ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا وَجَدْت عَيْبًا رَدَدْته، وَهَذَا الشَّرْطُ مُؤَكَّدٌ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَةَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُمْكِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قَدْرَ الثَّمَنِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ إلَخْ] غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَتَقَارَبَا الْمُفَسَّرَ بِاشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ الْمُقْتَضِي لِتَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ مُعَلِّلًا لِلْمَشْهُورِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ، وَيَتِمُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ صَدَاقٍ اهـ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] ، وَقِيلَ ذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُسَمِّ الصَّدَاقَ أَيْ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْمُوَافَقَةِ عِنْدَ تَقْدِيرِهِ [قَوْلُهُ: لَا حُرْمَةَ لِلْفَاسِقِ] الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ بِجَارِحَةٍ، وَأَمَّا الْفَاسِقُ بِالِاعْتِقَادِ كَالْقَدَرِيَّةِ، فَلَا يَتَزَوَّجْ مِنْهُمْ، وَلَا يُزَوَّجُوا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ [قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ لِلصَّالِحِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْخَاطِبَ الْأَوَّلَ إمَّا صَالِحٌ أَوْ مَجْهُولُ حَالٍ أَوْ فَاسِقٌ وَالثَّانِي كَذَلِكَ، فَيَحْرُمُ فِي سَبْعٍ، وَيَجُوزُ فِي اثْنَيْنِ، وَهُمَا مَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ فَاسِقًا وَالثَّانِي صَالِحًا أَوْ مَجْهُولَ حَالٍ. [قَوْلُهُ: لَا يَتَنَاوَلُهُ] أَيْ لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيَ عَنْ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ [قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت الذِّمِّيُّ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَاسِقِ عِنْدَ اللَّهِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَاسِقَ عَلَى حَالِهِ لَا يُقَرُّ عَلَيْهَا شَرْعًا. بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ عَلَى حَالٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ الْجُزُولِيُّ بِمَشْهُورِيَّتِهِ] أَيْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ

[الأنكحة الفاسدة]

شَرَعَ يُبَيِّنُ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الشِّغَارِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: صَرِيحُ الشِّغَارِ وَوَجْهُ الشِّغَارِ وَمُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَاقْتَصَرَ الشَّيْخُ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَهُوَ الْبُضْعُ بِالْبُضْعِ) أَيْ الْفَرْجُ بِالْفَرْجِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ» ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَالثَّانِي: أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِخَمْسِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يُسَمِّيَ لِوَاحِدَةٍ دُونَ أُخْرَى مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَحُكْمُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ وَلِلْمَدْخُولِ بِهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَحُكْمُ الثَّانِي: أَنْ يُفْسَخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى عَلَى الْمَشْهُورِ. وَحُكْمُ الثَّالِثِ: أَنَّهُمَا يُفْسَخَانِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الْمُسَمَّى لَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ أَوْ الْأَكْثَرُ تَأْوِيلَانِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَيُفْسَخُ نِكَاحُ الَّتِي لَمْ يُسَمِّ لَهَا، وَلَيْسَ لَهَا إلَّا صَدَاقُ الْمِثْلِ. (وَلَا) يَجُوزُ (نِكَاحٌ بِغَيْرِ صَدَاقٍ) إذَا شَرَطَا إسْقَاطَهُ فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ] الْأَوَّلُ: رُكُونُ وَلِيِّهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا مِنْ أُمٍّ أَوْ غَيْرِهَا كَرُكُونِهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا الرَّدُّ عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إلَيْهَا. الثَّانِي: إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِ الْفَاسِقِ بَعْدَ الرُّكُونِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِسُهُولَةِ الْفَسْخِ حِينَئِذٍ وَالْفَسْخُ بِطَلَاقٍ، سَوَاءٌ قَامَ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ أَوْ تَرَكَهُ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ فِي فَسْخِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ مَفَاسِدَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتَحَلَّلَ صَاحِبُهُ مِمَّا فَعَلَ، وَإِذَا اسْتَمَرَّ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ، وَيَنْبَغِي التَّعْزِيرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ؛ لِإِقْدَامِهِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ، وَفِي الْجَلَّابِ فَإِنْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَعَقَدَ عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا. الثَّالِثُ قَالَ فِي الْجَلَّابِ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ جَمَاعَةٌ مُجْتَمِعُونَ وَمُفْتَرِقُونَ مَا لَمْ تُوَافِقْ وَاحِدًا وَتَسْكُنْ إلَيْهِ، فَحَرُمَ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَخْطُبَهَا حَتَّى يَعْدِلَ الْأَوَّلُ عَنْهَا. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. [الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ] [قَوْلُهُ: نِكَاحُ الشِّغَارِ] ، وَهَلْ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الرَّفْعِ تَقُولُ شَغَرَ الْكَلْبُ إذَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلْبَوْلِ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ بُلُوغِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْجِمَاعِ أَوْ مِنْ الْخُلُوِّ، وَهُوَ رَفْعُ الصَّدَاقِ بَيْنَهُمَا، شَغَرَتْ الْبَلَدُ خَلَتْ مِنْ النَّاسِ، وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِدُونِ مَهْرٍ كَمَا قَالَهُ فِي تت. [قَوْلُهُ: يُفْسَخُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقَالَ سَحْنُونٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ أَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ مَغْلُوبٍ عَلَى فَسْخِهِ فَالْفِسْقُ فِيهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. [قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ] ، وَقِيلَ بِالْفَسْخِ بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأَكْثَرُ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ] ، وَقِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقُ الْمِثْلِ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهَا صَدَاقٌ إلَخْ] وَالرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ أَنَّ لَهَا الْأَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، وَصَدَاقِ الْمِثْلِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُجْبَرَةً كَالْبِكْرِ وَالْأَمَةِ أَوْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ كَالْأُخْتِ وَكَمَا يَجْرِي بَيْنَ الْأَحْرَارِ يَجْرِي بَيْنَ الْعَبِيدِ، كَزَوِّجْ أَمَتَك مِنْ عَبْدِي عَلَى أَنْ أُزَوِّجَ أَمَتِي مِنْ عَبْدِك وَمَحِلُّ فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ إذَا تَوَقَّفَ نِكَاحُ أَحَدِهِمَا عَلَى نِكَاحِ الْآخَرِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ وَسَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ أَوْ دَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ فَلَا فَسَادَ، وَحُكْمُهُ تَسْمِيَةُ الْوَسَطِ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَحَيْثُ إنَّهُ سَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لَيْسَ بِشِغَارٍ لِعَدَمِ خُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الصَّدَاقِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَهُوَ شِغَارٌ وَتَسْمِيَةُ الْأَوَّلِ وَاضِحَةٌ وَالْأَخِيرُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: إذَا شَرَطَا إسْقَاطَهُ] وَفِي مَعْنَى إسْقَاطِهِ إرْسَالُهَا لَهُ مَالًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ لَهَا صَدَاقًا فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. قَالَهُ تت. وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ شَرَطَا إسْقَاطَهُ أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ دَخَلَا عَلَى التَّفْوِيضِ بِاللَّفْظِ أَوْ عَلَى تَحْكِيمِ الْغَيْرِ فِي بَيَانِ قَدْرِهِ فَلَا فَسَادَ، وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُفْسَخُ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ صَدَاقِهِ فَيُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ، الْمِثْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَ وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ

قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ، وَفِي نُسْخَةٍ بِطَلَاقٍ قَوْلَانِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَيَسْقُطُ الْحَدُّ؛ لِوُجُودِ الْخِلَافِ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَجُوزُ (نِكَاحُ الْمُتْعَةِ) إجْمَاعًا (وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ) خَاصَّةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَبِغَيْرِ شُهُودٍ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هُوَ النِّكَاحُ بِصَدَاقٍ وَشُهُودٍ وَوَلِيٍّ، وَإِنَّمَا فَسَدَ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَيُفْسَخُ أَبَدًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَيُعَاقَبُ فِيهِ الزَّوْجَانِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِمَا الْحَدُّ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ كَامِلَةٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا، إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَسَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَلَهَا مَا سَمَّى، لِأَنَّ فَسَادَهُ فِي عَقْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَلَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ. (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (النِّكَاحُ) بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَى الْمَرْأَةِ حَالَ كَوْنِهَا (فِي الْعِدَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لِلْفُرَيْعَةِ اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ فَسَخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى فَسَادِهِ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا عُوقِبَا، وَالشُّهُودُ إنْ عَلِمُوا وَلَهَا الْمُسَمَّى. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَسَادَهُ مِنْ جِهَةِ عَقْدِهِ، الثَّانِي لِابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ كَنِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَا بَعْدَهُ، وَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ، الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ وَفِي فَسْخِهِ بِطَلَاقٍ قَوْلَانِ. وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا كَمَا قُرِّرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَوْلُهُ لِوُجُودِ الْخِلَافِ أَيْ؛ لِأَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ كَمَا قُلْنَا لَا يَفْسَخُهُ مُطْلَقًا، لَا قَبْلُ، وَلَا بَعْدُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ] ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ وَالْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَرُبَ الْأَجَلُ أَوْ بَعُدَ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهُ عُمُرُ أَحَدِهِمَا [قَوْلُهُ: أَجَلٍ] تَصْرِيحًا وَمَا أَشْبَهَهُ كَأَنَّ أَعْلَمَ الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِأَنَّهُ يُفَارِقُهَا بَعْدَ سَفَرِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْلِمْهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَفْسُدُ، وَإِنْ فَهِمَتْ مِنْهُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ] كَذَا نَقَلَ الْفَاكِهَانِيُّ، وَأَمَّا الْأَقْفَهْسِيُّ فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ مَا كَانَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَلَا شُهُودٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إلَخْ] هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَيُفْسَخُ أَبَدًا بِغَيْرِ طَلَاقٍ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَعَلَيْهِ فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحَ مُتْعَةٍ، وَلَمْ يَتَلَذَّذْ بِهَا جَازَ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ نِكَاحُهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَبْلُغُ بِهِمَا الْحَدَّ] ، وَلَوْ عَالِمَيْنِ بِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِهِ بِأَنَّهُ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الصَّدَاقِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ رُشْدٍ وَفَسَادُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ خَاصَّةً، وَأَمَّا عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ فَالْحَدُّ فِيهِ ثَابِتٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَسَمَّى إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ سَمَّى لَهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ كَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا] فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ مِنْ رَجْعِيٍّ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الْعَاقِدِ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّامِلِ، وَلِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ رَجْعَتُهَا قَبْلَ فَسْخِ نِكَاحِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ، وَيُجَابُ بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، وَأَمَّا التَّأْبِيدُ وَعَدَمُهُ فَشَيْءٌ آخَرُ. وَانْظُرْ لَوْ عَلِمَ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ وَوَطِئَهَا هَلْ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ زَانٍ حِينَئِذٍ لِكَوْنِهَا زَوْجَةَ الْغَيْرِ أَمْ لَا، وَلِلشُّيُوخِ فِي بَابِ الزِّنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا زَوْجَةُ الْغَيْرِ. اهـ[قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ] أَيْ الْمَكْتُوبُ مِنْ الْعِدَّةِ غَايَتُهُ وَسُمِّيَتْ كِتَابًا؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ [قَوْلُهُ: لِلْفُرَيْعَةِ] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي حَرْفِ الْفَاءِ الْفُرَيْعَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: الْفَارِعَةُ أَنْصَارِيَّةٌ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حِينَ قُتِلَ زَوْجُهَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ عَقَدَ عَلَى مُعْتَدَّةٍ] أَيْ مِنْ غَيْرِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ بِهَا صَاحِبُ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ دُونَ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ بَائِنَةً بِالثَّلَاثِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ حُدَّ مَعَ فَسْخِ نِكَاحِهِ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، كَالْمَنْكُوحَةِ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مِنْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: فُسِخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ] ، وَلَوْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ

وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ وَلَا يَتَوَارَثَانِ قَبْلَ الْفَسْخِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَيَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا، سَوَاءٌ وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَمُقَدِّمَاتُ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِي الْعِدَّةِ كَالْوَطْءِ فِيهَا وَتُخَالِفُهُ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَلَا تَحْرُمُ بِهَا كَمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ. (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى (مَا جَرَّ إلَى غَرَرٍ فِي عَقْدٍ) كَالنِّكَاحِ عَلَى الْخِيَارِ (أَوْ) جَرَّ إلَى غَرَرٍ فِي (صَدَاقٍ) كَالنِّكَاحِ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ. (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ النِّكَاحُ (بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا شَيْءَ لَهَا، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَنْكِحَةِ شَرَعَ يُبَيِّنُ حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ فَقَالَ: (وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِصَدَاقِهِ) كَالنِّكَاحِ بِمَا لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ شَرْعًا، كَالْخَمْرِ أَوْ يَجُوزُ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْآبِقِ (فُسِخَ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجْعِيِّ، وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَكَذَا الْفَسْخُ الْوَاقِعُ فِي اسْتِبْرَاءٍ بِغَيْرِ طَلَاقٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَسْخِهِ، وَيَجِبُ لَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ [قَوْلُهُ: قَبْلَ الْفَسْخِ] أَيْ إذَا حَصَلَ مَوْتٌ قَبْلَ الْفَسْخِ [قَوْلُهُ: وَيَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا] أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَكَمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْرُمُ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الْمُعْتَدَّةِ فِي حُرْمَةِ خِطْبَتِهَا وَنِكَاحِهَا الْمَحْبُوسَةُ لِلِاسْتِبْرَاءِ مِنْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ أَوْ غَلَطٍ، وَلَوْ مِنْ مُرِيدِ النِّكَاحِ، إلَّا تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ فَمَشْرُوطٌ بِكَوْنِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ غَيْرِهِ. تَتِمَّةٌ: الْمَرْأَةُ الْمَحْبُوسَةُ إمَّا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ فَهَذِهِ سِتَّةٌ تُضْرَبُ فِي مِثْلِهَا بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ صُورَةً فَيَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ فِي سِتَّةَ عَشَرَ، وَهِيَ مَا إذَا طَرَأَ نِكَاحٌ أَوْ شُبْهَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ، وَأَمَّا لَوْ طَرَأَ وَطْءٌ مُسْتَنِدٌ لِمِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ تُضَمُّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَمَّا إذَا طَرَأَ زِنًا أَوْ غَصْبٌ عَلَى السِّتَّةِ فَلَا تَأْبِيدَ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ أَوْ مِلْكٌ أَوْ شُبْهَةُ مِلْكٍ عَلَى مِلْكٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ، فَكَذَلِكَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ تُضَافُ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ فَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ فَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ تَجِدُهَا سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَإِذَا نَظَرْت لِصُوَرِ الْمُقَدِّمَاتِ تَزِيدُ. [قَوْلُهُ: كَمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا] أَصْلًا أَيْ، وَلَا حَصَلَ مِنْهُ مُقَدِّمَاتٌ لَا قَبْلُ، وَلَا بَعْدُ، وَإِنَّمَا حَصَلَ مُجَرَّدُ عَقْدٍ وَفَسْخٍ فَلَا تَأْبِيدَ، وَيَجْرِي هُنَا سِتَّةُ صُوَرٍ، وَهِيَ عَقْدٌ طَرَأَ عَلَى نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ زِنًا أَوْ غَصْبٍ. [قَوْلُهُ: إلَى غَرَرٍ فِي عَقْدٍ] ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُمْضِي الْعَقْدَ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ عَلَى الْخِيَارِ] أَيْ خِيَارِ التَّرَوِّي لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا مُؤَجَّلًا يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ مُطْلَقًا، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وُجُوبًا، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْمُسَمَّى إذَا سَمَّى شَيْئًا وَكَانَ حَلَالًا، وَإِلَّا فَصَدَاقُ الْمِثْلِ إلَّا خِيَارَ الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَالَ الشَّيْخُ وَلِي فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ: إنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ يُفْسِدُهُ مَعَ أَنَّهُ يُشَدَّدُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ مَا يُغْتَفَرُ فِي مِثْلِهِ فِي الْبَيْعِ تَأَمَّلْهُ، وَأَدْخَلْت الْكَافُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ كَالنِّكَاحِ عَلَى الْخِيَارِ النِّكَاحُ عَلَى اشْتِرَاطٍ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّدَاقِ إلَى أَجَلِ كَذَا فَلَا نِكَاحَ بَيْنَنَا، بَلْ الْكَافُ مُدْخَلَةُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ عَلَى قَوْلٍ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. تَنْبِيهٌ: إذَا مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي نِكَاحِ الْخِيَارِ قَبْلَ الْفَسْخِ لَا إرْثَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ. [قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ] ، وَأَدْخَلْت الْكَافَ النِّكَاحَ عَلَى جَنِينٍ أَوْ يَتَزَوَّجُ امْرَأَتَيْنِ، وَيَجْعَلُ لَهُمَا صَدَاقًا وَاحِدًا، إذْ لَا يَدْرِي مَا يَنُوبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَثَمَرَةٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا عَلَى التَّبْقِيَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْقَطْعِ جَازَ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ] أَيْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ فَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْآبِقِ تُبَاعُ لَوْ كَانَ غَيْرَ آبِقٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ بِمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ حَلَّ تَمَلُّكُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ أَوْ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ رَفْعَهُ، كَدَفْعِ الْعَبْدِ فِي صَدَاقِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَتَمْلِكُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الَّذِي جَرَّ إلَى غَرَرٍ فِي الصَّدَاقِ وَبِمَا

[حكم الأنكحة الفاسدة إذا وقعت]

الْبِنَاءِ) بِطَلَاقٍ ظَاهِرُهُ وُجُوبًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَغَارِبَةِ وَاسْتِحْبَابًا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَا صَدَاقَ فِيهِ، وَإِنْ قَبَضَتْهُ رَدَّتْهُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّ لَهَا فِيهِ نِصْفَهُمَا (فَإِنْ) لَمْ يَعْثُرْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ (دَخَلَ بِهَا مَضَى) أَيْ ثَبَتَ (وَكَانَ فِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ) أَيْ مِثْلِهَا فِي الْحَالِ وَالْمَالِ وَالْجَمَالِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى أُخْتِهَا وَقَرَابَتِهَا إذْ يُزَوَّجُ الْفَقِيرُ لِقَرَابَتِهِ وَالْبَعِيدُ لِغِنَاهُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ لِمِثْلِهَا مَنْ مِثْلُهُ. (وَمَا فَسَدَ مِنْ النِّكَاحِ لِ) أَجْلِ خَلَلٍ فِي (عَقْدِهِ) كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ (وَ) إذَا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ فِيهِ، وَإِذَا (فُسِخَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَفِيهِ الْمُسَمَّى) إنْ سَمَّى مَا يَجُوزُ، وَأَمَّا إنْ سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ أَوْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَفِيهِ صَدَاقُ الْمِثْلِ (وَتَقَعُ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ الَّذِي يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ وَكَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ (الْحُرْمَةُ كَمَا تَقَعُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ) ق مَعْنَى وُقُوعِ الْحُرْمَةِ بِهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي بَنَى بِهَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا، وَتَحْرُمُ هِيَ عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ كَتَحْرِيمِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَا أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ فُسِخَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. [حُكْمَ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ] [قَوْلُهُ: وَاسْتِحْبَابًا إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ] لَا مَفْهُومَ لِلدِّرْهَمَيْنِ بَلْ حَيْثُ كَانَ نَاقِصًا عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ: إنَّ نِكَاحَ الدِّرْهَمَيْنِ لَقَبٌ عِنْدَهُمْ لِكُلِّ مَا نَقَصَ الصَّدَاقُ فِيهِ عَنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ، وَأَنْكَرَتْهُ الزَّوْجَةُ فَيُفْسَخُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَكَذَا إنْ حَصَلَتْ فُرْقَةٌ بَيْنَ مُتَلَاعِنَيْنِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ [قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ] أَرَادَ بِالْحَالِ الدِّينَ وَالْحَسَبَ وَالنَّسَبَ أَيْ مُحَافَظَةً عَلَى أُصُولِ دِينِ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا هَذَا مَعْنَى الدِّينِ. وَالْحَسَبُ هُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ كَالْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ الزَّمَنُ وَالْبَلَدُ، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا كَانَ يَرْغَبُ فِي وُجُودِهَا، وَإِلَّا فَلَا تُعْتَبَرُ كَمَا إذَا كَانَتْ ذَاتُ الْمَالِ وَالْفَقِيرَةُ سَوَاءً، لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي بَلَدِهَا فَلَوْ كَانَ مَنْشَؤُهَا بَلَدًا غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ، وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَالرِّيفِيَّةِ تَحِلُّ بِمِصْرٍ قَالَ الْبَرْمُونِيُّ: لَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ إذَا اُعْتُبِرَتْ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَيَوْمَ الْوَطْءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْفَوَاتِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّفَقٍ عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَكَذَا فِيمَا خَلَا عَنْ عَقْدٍ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ فَبِاعْتِبَارِ أُخْتِهَا الْمُوَافِقَةِ لَهَا فِيهَا إذَا كَانَتْ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ لَا أُمِّهَا، وَلَا أُخْتِهَا لِأُمِّهَا؛ لِأَنَّهُنَّ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ، فَقَدْ تَكُونُ قُرَشِيَّةً، وَأُمُّهَا مِنْ الْمَوَالِي. [قَوْلُهُ: إذْ يُزَوَّجُ الْفَقِيرُ لِقَرَابَتِهِ] أَيْ إذْ قَدْ تُزَوَّجُ أُخْتُهَا لِلْفَقِيرِ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِكَوْنِهَا قَرِيبَةً لَهُ. وَقَوْلُهُ وَالْبَعِيدُ أَيْ إذْ قَدْ تُزَوَّجُ أُخْتُهَا لِلْبَعِيدِ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ لِغِنَاهُ [قَوْلُهُ: مَنْ مِثْلُهُ] أَيْ مَعَ مِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: كَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ] أَوْ كَانَ الْوَلِيُّ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ رَقِيقًا أَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي الْعِدَّةِ أَوْ الْإِحْرَامِ، أَوْ كَانَ صَرِيحَ شِغَارٍ أَوْ وَقَعَ لِأَجَلٍ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، لَكِنْ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ بِطَلَاقٍ فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا شَيْءَ فِيهِ [قَوْلُهُ: فَفِيهِ الْمُسَمَّى] أَيْ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ وَبِنَاؤُهُ لَا إنْ كَانَ صَبِيًّا فَوَطْؤُهُ كَالْعَدَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ صَدَاقٌ، وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ إلَّا أَنَّهَا تُعَاضُ الْمُتَلَذَّذَ بِهَا أَيْ تُعْطَى شَيْئًا وُجُوبًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ بِقَدْرِ حَالِهِ وَحَالِهَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي النِّكَاحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ كَذَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، فَظَهَرَ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ إلَّا إذَا وَطِئَ الزَّوْجُ الْبَالِغُ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِهِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَعِنْدَ التَّنَازُعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ. تَنْبِيهٌ: إذَا كَانَ النِّكَاحُ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ فَلَا بُدَّ فِي فَسْخِهِ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ، فَإِنْ عُقِدَ عَلَى مَنْ نُكِحَتْ فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفَسْخِهِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى حُكْمٍ فَيُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَلَوْ لَفَظَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ.

النِّكَاحُ الْفَاسِدُ الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَمْ تَقَعْ بِهِ حُرْمَةٌ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِعَقْدِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ. وَلَمَّا شَبَّهَ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ بِالصَّحِيحِ فِي الْحُرْمَةِ وَخَشِيَ تَوَهُّمَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي كُلِّ الْوُجُوهِ رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِأَدَاةِ الِاسْتِدْرَاكِ فَقَالَ: (وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْبِنَاءِ (الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَمَا قَالَهُ هُنَا مُفَسِّرٌ لِمَا قَالَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ مَغِيبَ الْحَشَفَةِ يُحَصِّنُ الزَّوْجَيْنِ، وَيُحِلُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لِلَّذِي طَلَّقَهَا. (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) عَلَى الرِّجَالِ (مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ أُمٍّ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي وَلَدْتُك، وَإِنْ عَلَتْ فَأُمُّك الْمُبَاشِرَةُ لِلْوِلَادَةِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْك، وَكَذَا أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَأُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَأُمُّ الْجَدِّ لِلْأُمِّ {وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ بِنْتٍ، وَهِيَ كُلُّ مَنْ لَك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ، وَإِنْ بَعُدَتْ {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ أُخْتٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ شَارَكَتْك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ عَمَّةٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ اجْتَمَعَتْ مَعَ أَبِيك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] جَمْعُ خَالَةٍ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّك فِي رَحِمٍ أَوْ صُلْبٍ أَوْ فِيهِمَا مَعًا {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِأَخِيك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ فَهِيَ بِنْتُ أَخِيك كَانَ الْأَخُ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] ، وَهِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِأُخْتِك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ فَهِيَ بِنْتُ أُخْتِك كَانَتْ الْأُخْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْحُرْمَةُ] بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِعَقْدِهِ عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، أَيْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لَهُ، أَيْ بِأَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْفَاسِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، أَيْ فَيَكُونُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ كَالْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَطْءِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي التَّحْقِيقِ، مِثَالُ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ نِكَاحُ الْمَحْرَمِ وَالشِّغَارِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ أُمَّهَاتُهَا، وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ الْأُمِّ بَنَاتُهَا، وَأَمَّا الْمُجْمَعُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ إلَّا وَطْؤُهُ بِشَرْطِ أَنْ يُدْرَأَ الْحَدُّ كَمَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً غَيْرَ عَالِمٍ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْبِنَاءِ] أَيْ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ وَطَلُقَتْ بَعْدَ الْوَطْءِ فَإِنْ تَكَرَّرَ وَطْؤُهُ بِحَيْثُ ثَبَتَ النِّكَاحُ حَلَّتْ، وَأَمَّا لَوْ طَلُقَتْ بَعْدَ أَوَّلِ وَطْأَةٍ فَفِي حِلِّهَا تَرَدُّدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ وَطْءٌ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ التَّحْرِيمُ بِالْوَطْءِ دُونَ التَّحْلِيلِ احْتِيَاطًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَوْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ] كَذَا فِيمَا بِيَدِي مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ وَنُسْخَةُ التَّحْقِيقِ. وَلَا يُحَصَّنُ بِهِ الزَّوْجَانِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَفَادَ تت أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ نُسْخَتَيْنِ النُّسْخَةُ الَّتِي فِي التَّحْقِيقِ وَنُسْخَةٌ، وَلَا يُحَصَّنُ الزَّوْجَيْنِ بِإِسْقَاطِ بِهِ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: مُفَسِّرٌ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ] أَيْ بَعْضُهُنَّ بِالرَّضَاعِ وَبَعْضُهُنَّ بِالصِّهْرِ، وَهِيَ قَرَابَاتُ الزَّوْجَةِ وَحَلِيلَةُ الْأَبِ وَحَلِيلَةُ الِابْنِ فَاَلَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالرَّضَاعِ اثْنَتَانِ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ، وَبَقِيَّةُ السَّبْعِ حَرَّمَهُ اللَّهُ بِالصِّهْرِ وَبَقِيَّةُ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ تَمَامُ السَّبْعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ السُّنَّةِ. قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: الْمُحَرَّمُ بِالصِّهْرِ أَرْبَعٌ زَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ وَأُمُّ الزَّوْجَةِ وَابْنَتُهَا. [قَوْلُهُ: فِي رَحِمٍ] أَيْ وَهِيَ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ فَالْمُشَارِكَةُ فِي الصُّلْبِ هِيَ الَّتِي لِلْأَبِ وَاَلَّتِي فِيهِمَا مَعًا هِيَ الشَّقِيقَةُ. [قَوْلُهُ: مَعَ أَبِيك] أَيْ أَوْ جَدِّك، وَعَمَّاتُ الْآبَاءِ، وَعَمَّاتُ الْأُمَّهَاتِ، وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ تَحْرُمُ عَلَيْك، إنْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أَوْ مِنْ قِبَلِهِ، وَقِبَلِ الْأُمِّ، وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَلَا تَحْرُمُ قَالَهُ تت، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ إلَخْ أَيْ الْعَمَّةُ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْعَمَّةِ لَا لِعَمَّةِ الْعَمَّةِ، وَقَوْلُهُ، وَأَمَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إلَخْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ أُخْتَ أَبِي مِنْ أُمِّهِ أَبُوهَا أَجْنَبِيٌّ، وَأُخْتُهُ كَذَلِكَ، فَلَيْسَتْ بِأَصْلِيٍّ، وَلَا فَرْعِيٍّ، وَلَا زَوْجَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا فَرْعِ أَصْلٍ مِنْ أُصُولِي قَالَهُ عج. وَعَمَّةُ الْعَمَّةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ أُخْتُ الْجَدِّ لِأَبِيهِ، وَمِنْ قِبَلِهِمَا مَعًا أُخْتُهُ شَقِيقَةٌ [قَوْلُهُ: {وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23]] وَخَالَةُ الْخَالَةِ تَحْرُمُ إنْ كَانَتْ الْخَالَةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِهَا، وَقِبَلِ الْأَبِ، وَأَمَّا مِنْ

شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (فَهَؤُلَاءِ) السَّبْعَةُ (مِنْ الْقَرَابَةِ) . أَمَّا السَّبْعَةُ (اللَّوَاتِي مِنْ الرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ) فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا شَابَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَجَالَّةً حَيَّةً كَانَتْ أَوْ مَيِّتَةً {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ إلَّا الْأُمَّ وَالْأُخْتَ، فَالْأُمُّ أَصْلٌ، وَالْأُخْتُ فَرْعٌ فَنَبَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] كُلُّ امْرَأَةٍ لَهَا عَلَى زَوْجَتِك وِلَادَةٌ فَهِيَ أُمُّ امْرَأَتِك، وَإِنْ عَلَتْ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فِيمَنْ دَخَلَ بِهَا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ كَمَا سَيَذْكُرُ وَكَذَا تَحْرُمُ أُمُّ الزَّوْجَةِ بِالرَّضَاعِ {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] جَمْعُ رَبِيبَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَرْبُوبَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ رَبَّهَا يُرَبِّهَا إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا، وَهِيَ بِنْتُ الزَّوْجَةِ وَقَوْلُهُ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ إجْمَاعًا فَالرَّبِيبَةُ تَحْرُمُ عَلَى مَنْ دَخَلَ بِأُمِّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، وَالْحِجْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا مُقَدَّمُ ثَوْبِ الْإِنْسَانِ، وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْهُ فِي حَالِ اللُّبْسِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ اللَّفْظَةُ فِي الْحِفْظِ وَالسَّتْرِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ تَحْرُمُ الرَّبِيبَةُ مِنْ الرَّضَاعِ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الدُّخُولِ مِنْ قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقِبَلِ الْأَبِ فَقَطْ فَلَا تَحْرُمُ خَالَةُ الْخَالَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالَتِي إذَا كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأُمِّهَا أَوْ شَقِيقَتَهَا فَقَدْ اجْتَمَعَتْ مَعَ أُمِّي فِي أُمِّهَا فَهِيَ فَرْعٌ أَصْلِيٌّ، الْأَوْلَى فَتَحْرُمُ خَالَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُخْتَ أُمِّي لِأَبِيهَا فَأُمُّهَا وَأُخْتُ أُمِّهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنِّي فَلَيْسَتْ فَصْلَ أَصْلِيٍّ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُرْضِعَةُ بِكْرًا إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ بَلْ لَوْ كَانَتْ خُنْثَى مُشْكِلًا [قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتَةً] أَيْ حَيْثُ كَانَ فِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ عَلَى الْأَظْهَرِ [قَوْلُهُ: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]] الْمُرَادُ بِالْأَخَوَاتِ الَّتِي مِنْ الرَّضَاعِ بَنَاتُ الْمَرْأَةِ الْمُرْضَعِ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ بِالْمُرَادِ بِهِنَّ مَنْ رَضَعَ هُوَ، وَإِيَّاهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَرْضَعَتْ بِنْتًا قَبْلَهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ كَانَ الرَّضَاعُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِأَنْ صَاحَبَتْك فِي الرَّضَاعِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ أَيْ بِأَنْ أَرْضَعَتْ قَبْلَ أَنْ تُرْضِعَ أَوْ بَعْدَ أَنْ رَضِعَتْ [قَوْلُهُ: فَرْعٌ] أَيْ لِذَلِكَ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: وَالْفُرُوعِ] أَيْ فُرُوعِ الْأُصُولِ [قَوْلُهُ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23]] سَوَاءٌ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا فِي حَالِ بُلُوغِهِ أَوْ صِبَاهُ [قَوْلُهُ: وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ] وَغَيْرُهُمْ كَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَدْ قَالَا: إنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] شَرْطٌ فِي هَذِهِ وَفِي الرَّبِيبَةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا. [قَوْلُهُ: إذَا وَلِيَ إلَخْ] أَيْ تَقُولُ ذَلِكَ إذَا وَلِيَ أَمْرَهَا أَيْ فَمَعْنَى مَرْبُوبَةٍ مُوَلًّى أَمْرُهَا، وَرُجُوعُهُ لِلْمَاضِي ظَاهِرٌ وَلِلْمُضَارِعِ بِأَنْ يُرَادَ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَقُولُ فَحِينَئِذٍ قَوْله تَعَالَى {اللاتِي} [النساء: 23] إلَخْ وَصْفٌ كَاشِفٌ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ وِلَايَةَ الْأَمْرِ أَغْلَبِيَّةٌ، بِقَوْلِهِ ثُمَّ اتَّسَعَ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ فَسُمِّيَ رَبِيبًا إذَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ رَبِيبَةً إذَا كَانَ أُنْثَى، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَرْبِيَةٌ أَقُولُ فَالْوَصْفُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ مُخَصِّصًا، وَصَحَّ عَدَمُ ذِكْرِهِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَبْلُ [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] أَيْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْحِجْرِ. وَقَالَ تت خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إنَّمَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي فِي حِجْرِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا] يُوَافِقُهُ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّ طَرَفَ الثَّوْبِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَى الْكَسْرِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْحِفْظِ وَالسَّتْرِ. [قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَأَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مَا كَانَ تَحْتَهُمَا مِمَّا يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ عُرْفًا فَهُوَ عَيْنُ كَلَامِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ [قَوْلُهُ: فِي الْحِفْظِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَفِظْته صُنْته عَنْ الِابْتِذَالِ، وَعَطْفُ السَّتْرِ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَقَوْلُهُ مَجَازًا أَيْ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الْحِجْرَ سَبَبٌ لِلسَّتْرِ فِي الْجُمْلَةِ

{اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْجِمَاعُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ التَّمَتُّعُ مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مِثْلُهُ يَحِلُّ بِحِلِّهِ، وَيَحْرُمُ بِحُرْمِهِ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالرَّبِيبَةُ حَلَالٌ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِأُمِّهَا وَلَا تَلَذَّذَ مِنْهَا بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْكُمْ حِينَئِذٍ فِي نِكَاحِ الرَّبِيبَةِ {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] جَمْعُ حَلِيلَةٍ، وَهِيَ زَوْجَةُ الِابْنِ، وَإِنْ سَفَلَ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ وقَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] تَخْصِيصٌ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ التَّبَنِّي، وَكَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ حَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» . وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَمَةَ الِابْنِ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] سَوَاءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: هُوَ الْجِمَاعُ] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَوْلُهُ {دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] أَيْ دَخَلْتُمْ مَعَهُنَّ السِّتْرَ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ أَفَادَهُ الشِّهَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ مَشْهُورَةٌ [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ] أَيْ وَالْجِمَاعِ أَيْ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَجَازِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالدُّخُولِ اللَّمْسَ وَالْجِمَاعَ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ فَقَطْ أَيْ، وَقِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ اللَّمْسَ الشَّامِلَ لِلْقُبْلَةِ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ دُونَ هَذَا الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ قَبِيلٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْجِمَاعِ لَيْسَ حَقِيقَةً أَيْ بَلْ كِنَايَةً مَشْهُورَةً فَكَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ. [قَوْلُهُ: وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ] أَيْ وَحَاصِلُ الْقَوْلِ [قَوْلُهُ: إنَّ الْجِمَاعَ هُوَ الْأَصْلُ] أَيْ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الدُّخُولُ مَعَهُنَّ السِّتْرَ [قَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجِمَاعِ أَيْ قِيسَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ الشَّامِلُ لِلْقُبْلَةِ أَيْ وَاسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ، يَعُمُّهُمَا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ فَلَا تَنَافِيَ فِي عِبَارَتِهِ [قَوْلُهُ: يَحِلُّ بِحِلِّهِ] أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ يَحِلُّ فِيهِ الْوَطْءُ يَحِلُّ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ بِحُرْمِهِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا أَيْ حُرْمَتِهِ أَيْ: أَيُّ مَوْضِعٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْوَطْءُ يَحْرُمُ فِيهِ اللَّمْسُ، وَقَوْلُهُ، وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ أَيْ شُمُولِهِ أَيْ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِأَفْرَادِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْجِمَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَيْ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ. وَمَجَازِهِ وَلَا يَأْتِي الطَّرِيقُ الثَّالِثُ لِتَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِالدُّخُولِ إلَّا عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّمَسُّحِ بِأَنْ يُرَادَ الشُّمُولُ، وَلَوْ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّارِحِ مِنْ حَيْثُ تَرْكِيبُهُ الصَّعْبِ وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ لَذَّةً بِزَوْجَتِهِ، وَلَوْ بِقُبْلَةِ فَمٍ أَوْ لَمْسٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ، وَلَوْ بِنَظَرٍ وَوُجِدَتْ حَرُمَتْ فَبِنْتُهَا رَبِيبَةٌ، وَإِنْ انْتَفَيَا فَلَا تَحْرُمُ، وَإِنْ قَصَدَهَا فَقَطْ أَوْ وَجَدَهَا فَقَطْ فَقَوْلَانِ فِي كُلٍّ أَقْوَاهُمَا فِي الثَّانِي، التَّحْرِيمُ وَالْأَرْبَعَةُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ. وَأَمَّا هُمَا فَلَا تَحْرِيمَ بِهِمَا مُطْلَقًا، كَبَاطِنِ الْجَسَدِ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، وَأَمَّا التَّلَذُّذُ بِالْكَلَامِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرِّمٍ اتِّفَاقًا. وَقَالَ عج وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ حُرْمَةُ الْفُصُولِ بِالتَّلَذُّذِ، وَلَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَقْتَ التَّلَذُّذِ صَغِيرَةً جِدًّا فَلَيْسَ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ. اهـ. [قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23]] الْحَاصِلُ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَالتَّلَذُّذُ بِالْأُمَّهَاتِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ يُحَرِّم بَنَاتِهِنَّ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ قُوَّةُ مَحَبَّةِ الْأُمِّ لِلْبِنْتِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ [قَوْلُهُ: {وَحَلائِلُ} [النساء: 23] إلَخْ] الْمُرَادُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ الْأَبْنَاءُ أَيْ مُطْلَقُ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَفَلَتْ، وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ لَهُ صَغِيرًا جِدًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا إذَا تَلَذَّذَ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ حَلَائِلُ أَبْنَاءِ الْبَنَاتِ. [قَوْلُهُ: تَخْصِيصٌ] أَيْ مُخَصَّصٌ أَوْ ذُو تَخْصِيصٍ لِقَوْلِهِ أَبْنَاؤُكُمْ، وَقَوْلُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُمُومِهِ أَيْ مِنْ عُمُومِ أَبْنَائِكُمْ الْأَبْنَاءُ بِالتَّبَنِّي. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ أَيْ حُرْمَةُ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ بِالتَّبَنِّي الْمَفْهُومَةُ مِنْ الْمَقَامِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الرَّضَاعِ] صِفَةٌ لِلِابْنِ أَيْ فَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ حُكْمُ ابْنِ الصُّلْبِ فِي حُرْمَةِ حَلِيلَتِهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَمَةِ الِابْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى

كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ لِلْوَطْءِ أَمَّا الْجَمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ فَقَطْ فَجَائِزٌ إجْمَاعًا، {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ لَكِنْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ، وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ قَوْلِهِ: إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فِي نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً، وَفَاحِشَةً شَائِعَةً وَنِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا نَسَخَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِينَا: (وَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الْأَبُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَبِالْعَقْدِ تَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَبٌ، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَّا سِتًّا، وَجَعَلَ السَّابِعَةَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبِ حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِالْمِلْكِ أَنَّهَا حَلِيلَةٌ أَوْ لَا يَصْدُقُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطَأَهَا الِابْنُ أَوْ يَتَلَذَّذَ] أَيْ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ التَّحْرِيمُ بِالْمُصَاهَرَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ لَهُ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ التَّحْرِيمُ عَلَى التَّلَذُّذِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بُلُوغُ الْمُتَلَذِّذِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ مَالِكٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ التَّلَذُّذِ، وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ فِيهِ الشَّكُّ فَأَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ الِابْنُ نَكَحْتهَا أَوْ وَطِئْت الْأَمَةَ عِنْدَ قَصْدِ الْأَبِ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ نُدِبَ التَّنَزُّهُ وَفِي وُجُوبِهِ إنْ فَشَا تَأْوِيلَانِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ] أَوْ مَانِعَةِ خُلُوٍّ تُجَوِّزُ الْجَمْعَ أَيْ فَيُصَدَّقُ بِصُورَةٍ ثَالِثَةٍ أَيْ بِأَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ بِنِكَاحٍ وَأُخْرَى بِمِلْكٍ فَيَمْتَنِعُ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْجِمْعُ لِلِاسْتِخْدَامِ] وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا إذَا جَمَعَهُمَا لِلِاسْتِخْدَامِ فَيَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ وَاحِدَةً لِلْوَطْءِ وَوَاحِدَةً لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ [قَوْلُهُ: {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]] أَيْ إلَّا الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ، وَقَوْلُهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الَّذِي قَدْ سَلَفَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُخَاطَبِينَ. وَقَوْلُهُ: وَوَقَعَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: وَأَزَالَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ أَيْ أَبْطَلَ اسْتِمْرَارَهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ] أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ [قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ] أَيْ يَقْطَعُهُ أَيْ يَمْحُوهُ مِنْ الصُّحُفِ بِحَيْثُ صَارَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُهُ مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] نَعَمْ قَدْ اُسْتُشْكِلَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ شَرِيعَةَ قَوْمٍ لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ حَتَّى يُقَالَ الْإِسْلَامُ يَجُبُّهُ فَتَدَبَّرْ، فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَتْ أَيْ نِكَاحُ مَنْكُوحَاتٍ إلَخْ، وَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ خَصْلَةً، وَقَوْلُهُ جَاهِلِيَّةً أَيْ مَنْسُوبَةً لِلْجَهْلِ لِكَوْنِهَا نَاشِئَةً عَنْهُ، وَقَوْلُهُ وَفَاحِشَةً أَيْ بَالِغَةً فِي الْقُبْحِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ [قَوْلُهُ: كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلِنَا] ظَاهِرُهُ حَتَّى عِيسَى [قَوْلُهُ: وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا} [النساء: 22]] ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْأَصْلِ تَلَذُّذٌ بِهِ، وَحُرْمَةُ حَلِيلَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَ الْأَبُ عَلَيْهَا فِي حَالِ صِغَرِهِ، وَقَيَّدْنَا الْفَاسِدَ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ إلَّا وَطْؤُهُ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ وَمِثْلُ حَلِيلَةِ الْأَصْلِ مَوْطُوءَتُهُ بِالْمِلْكِ حَيْثُ تَلَذَّذَ بِهَا الْأَصْلُ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا لِعَقْدٍ فَاسِدٍ حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّلَذُّذُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِالْآبَاءِ الْجِنْسُ فَيَدْخُلُ الْجَدُّ، وَإِنْ عَلَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبٌ] أَيْ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْآبَاءِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْقِسْمَةِ عَلَى الْآحَادِ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ فَإِنَّكُمْ لَا تُؤَاخَذُونَ بِهِ. [قَوْلُهُ: إلَّا سِتًّا] صَوَابُهُ خَمْسًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: وَجَعَلَ السَّابِعَةَ إلَخْ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ بِالصِّهْرِ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ بِسَبَبِ عَقْدِ أَصْلِك أَوْ فَرْعِك عَلَيْهِ أَوْ عَقْدِك عَلَى غَيْرِهَا، كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا، وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِالْجَمْعِ فَلَا يَنْطَبِقُ هَذَا الضَّابِطُ عَلَيْهَا. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَلَّبَ الْمُحَرَّمَ

السَّابِعَةَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعِ صَرِيحًا إلَّا الْأُمُّ وَالْأُخْتُ، وَكَانَ جَمِيعُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حُكْمُهُمْ حُكْمُهَا أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عُمُومًا. فَقَالَ «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ صَرِيحًا مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَحَارِمِ غَيْرِ الْأُخْتَيْنِ، وَكَانَ غَيْرُهُمَا مُلْحَقًا بِهِمَا بِالسُّنَّةِ نَبَّهَ، عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «وَنَهَى أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا» خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ ابْنُ شَاسٍ، وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا، لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ دَاخِلَةً فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصِّهْرِ عَلَى الْمُحَرَّمِ بِالْجَمْعِ [قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ. [قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ} [النساء: 24]] أَيْ يَحْرُمُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ وَفِي عَدِّهَا مِمَّا ذُكِرَ تَغْلِيبٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: «وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ] ، وَهِيَ السَّبْعُ اللَّاتِي فِي الْآيَةِ، فَكَمَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ كَذَلِكَ يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، فَأُمُّك رِضَاعًا كُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ وَلَدَتْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأُمَّهَاتُهُمَا، وَبِنْتُك كُلُّ مَنْ رَضَعَتْ عَلَى زَوْجَتِك بِلَبَنِك أَوْ أَرْضَعَتْهَا بِنْتُك مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، وَأَخَوَاتُك كُلُّ مَنْ وَلَدَتْهُ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ وُلِدَ لِفَحْلِهَا، فَإِنْ جَاءَ مِنْ أُمِّك وَفَحْلِهَا، وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ شَقِيقٌ لَك مِنْ الرَّضَاعِ. وَإِنْ وُلِدَ لِأُمِّك مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْفَحْلِ وَلَدٌ فَهُوَ أَخٌ لِأُمٍّ، وَإِنْ وُلِدَ لِأَبِيك مِنْ غَيْرِ أُمِّك مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ فَهُوَ أَخُوك لِأَبِيك، وَأَخَوَاتُ الْفَحْلِ عَمَّاتُ الرَّضِيعِ، وَأَخَوَاتُ أُمِّ الرَّضِيعِ خَالَاتٌ لَهُ، وَبَنَاتُ الْأَخِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ امْرَأَةُ أَخِيك بِلَبَنِهِ وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُنَّ الْأَخَوَاتُ [قَوْلُهُ: بِالرَّضَاعِ] أَيْ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ النَّسَبِ أَيْ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَجْلِ النَّسَبِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ فِي الثَّانِي لِدَفْعِ الثِّقَلِ فِي اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] مِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ وَالرَّضَاعَةُ بِمَعْنَى الرَّضَاعِ فَهُوَ مَصْدَرٌ ثَانٍ لِرَضَعَ، كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: الرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا [قَوْلُهُ: وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحَيْنِ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قُرْآنًا، وَأَلْحَقَتْ السُّنَّةُ بِهِمَا الْجَمْعَ بَيْنَ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» . " [قَوْلُهُ: وَنَهَى أَنْ تُنْكَحَ إلَخْ] قَالَ تت وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَمَّتَيْنِ وَالْخَالَتَيْنِ، وَلَا بَيْنَ الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ، وَيُتَصَوَّرُ الْعَمَّتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْخَالَتَانِ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنْتَ الْآخَرِ، وَالْخَالَةُ وَالْعَمَّةُ فِي بِنْتَيْ رَجُلَيْنِ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا أُمَّ الْآخَرِ وَالْآخَرُ بِنْتَ الْآخَرِ وَالنَّسَبُ وَالرَّضَاعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ [قَوْلُهُ: خَرَّجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» . " [قَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْقَصْدُ خُصُوصَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: بَيْنَهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ أَوْ الرَّضَاعَةِ إلَخْ] وَاحْتَرَزَ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ وَالرَّضَاعَةِ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا أَوْ ابْنَتِهِ. وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُولَتَيْنِ لَوْ قُدِّرَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا فَلَا يَحْرُمُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَفِي الْأَخِيرَةِ لَوْ قُدِّرَتْ السَّيِّدَةُ ذَكَرًا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ وَطْءُ جَارِيَتِهِ [قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْجَمْعُ] الْمُنَاسِبُ لَحَرُمَ الْجَمْعُ [قَوْلُهُ: فِي الْعَقْدِ وَالْحِلِّ] أَيْ حِلِّيَّةِ الْوَطْءِ فَإِنْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ بَطَلَ النِّكَاحَانِ وَفُسِخَا أَبَدًا، وَإِنْ حَصَلَ دُخُولٌ بِهِمَا بِلَا طَلَاقٍ، وَلَا مَهْرٍ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْحِلِّ فَإِنْ عَلِمَتْ الْأُولَى فُسِخَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ، وَثَبَتَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَمِثْلُ الْعِلْمِ لَوْ صَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا ثَانِيَةٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَا الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينٍ لِيَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا ثَانِيَةٌ لَكِنْ

وَجْهِ التَّفْسِيرِ فَقَالَ: (فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً حَرُمَتْ بِ) مُجَرَّدِ (الْعَقْدِ) عَلَيْهَا (دُونَ أَنْ تُمَسَّ) أَيْ تُوطَأَ (عَلَى آبَائِهِ، وَأَبْنَائِهِ) بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ حُرْمَتُهَا عَلَى الْوَطْءِ، فَقَوْلُهُ: حَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وَقَوْلُهُ: أَبْنَائِهِ، تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَوْلُهُ: (وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَبِالْعَقْدِ عَلَى الْبِنْتِ تَحْرُمُ الْأُمُّ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِالْأُمِّ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِهَا) وَلَوْ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِ الْوَجْهِ (بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ) يَتَلَذَّذُ مِنْهَا (بِشُبْهَةٍ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ) شُبْهَةٍ (مِنْ مِلْكٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] فَبِالْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ لَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ، وَإِنَّمَا يُحَرِّمُهَا الدُّخُولُ بِهَا أَوْ التَّلَذُّذُ بِالْقُبْلَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِجَسَدِهَا وَالنَّظَرُ لِلْوَجْهِ لَغْوٌ اتِّفَاقًا، مِثَالُ التَّلَذُّذِ بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرٌ. وَمِثَالُ الشُّبْهَةِ مِنْ النِّكَاحِ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ غَيْرَ عَالِمٍ، وَمِثَالُ الشُّبْهَةِ مِنْ مِلْكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً، وَيَتَلَذَّذَ مِنْهَا فَتُسْتَحَقَّ مِنْهُ أَوْ يَظْهَرَ بِهَا عَيْبٌ فَتُرَدُّ. (وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ) مِثْلُهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ، فَأَمَّا الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافُهُ وَنَصُّهَا وَإِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا فَلْيُفَارِقْهَا، حَمَلَ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ هَذِهِ الْمُفَارَقَةَ عَلَى الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْكَلَامَانِ، فَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ رَجَّحَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا فِي الْمُوَطَّأِ، وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ. (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) عَلَى الْمُسْلِمِ (وَطْءَ الْكَوَافِرِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] ك الشِّرْكُ يَشْمَلُ الْمَجُوسَ وَالصَّابِئَةَ وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِطَلَاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ الْعِلْمَ بِأَوَّلِيَّةِ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا. [قَوْلُهُ: فَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً] أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا] لَوْ قَالَ بِمُجَرَّدِهِ لَكَفَى إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيضَاحَ [قَوْلُهُ: عَلَى آبَائِهِ] أَيْ أُصُولِهِ. وَقَوْلُهُ، وَأَبْنَائِهِ أَيْ فُرُوعِهِ [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا] لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْوَجْهِ] وَمِثْلُ الْوَجْهِ الْكَفَّانِ [قَوْلُهُ: أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ إلَخْ] خُرُوجٌ لِغَيْرِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَى الْأُمِّ [قَوْلُهُ: الدُّخُولُ بِهَا] أَوْ وَطْؤُهَا [قَوْلُهُ: وَالنَّظَرِ لِلْوَجْهِ] أَيْ بِلَذَّةٍ وَمِثْلُهُ الْيَدَانِ [قَوْلُهُ: غَيْرَ عَالِمٍ] رَاجِعٌ لَهُمَا، وَلَيْسَ قَصْدُهُ الْحَصْرَ فِيهِمَا بَلْ الضَّابِطُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَاسِدًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، لَكِنْ يَدْرَأُ الْحَدَّ كَأَنْ يَتَزَوَّجَ بِمُعْتَدَّةٍ أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ غَيْرَ عَالِمٍ، وَيَتَلَذَّذُ بِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ، وَأَصْلُهَا وَلَوْ حَمْلَ الشُّبْهَةِ مِنْ النِّكَاحِ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا زَوْجَتَهُ، لَكَانَ أَوْلَى إذَا قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ، وَمَا فَسَّرَ بِهِ شُبْهَةَ الْمِلْكِ، لَا يُفِيدُ حُكْمَ مَا إذَا وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا أَمَتَهُ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ وَطْءَ الْغَلَطِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ قَوْلِهِ غَلَطًا فِي نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ قَالَهُ عج. . [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ] الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ زِنَاهُ بِهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ أُصُولُهَا، وَلَا فُرُوعُهَا بَلْ يَحِلُّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُمِّهَا أَوْ ابْنَتِهَا الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَائِهِ لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى يَجُوزُ لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ نِكَاحُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا مَثَّلَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: فَأَكْثَرُ الشُّيُوخِ رَجَّحَ مَا فِي الْمُوَطَّأِ] ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَلَيْهِ خَلَا ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: وَأَفْتَى بِالتَّحْرِيمِ إلَى أَنْ مَاتَ] فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ بِالزِّنَا مَعَ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ مِنْهُ لَا يُنْسَبُ إلَى قَائِلِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ رَاجِحًا؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ أَصْحَابَهُ أَخَذُوا مِنْ قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ فَصَارَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: مُخَالِفًا لَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَسْتَنْبِطُهُ أَصْحَابُ الْإِمَامِ مِنْ قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ، يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَا تَكَلَّمَ بِهِ. [قَوْلُهُ: الْكَوَافِرِ] جَمْعُ كَافِرَةٍ قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -[قَوْلُهُ: الشِّرْكُ] أَيْ أَهْلُ الشِّرْكِ [قَوْلُهُ: وَالصَّابِئَةَ] قَوْمٌ عَدَلُوا عَنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة وَعَبَدُوا الْمَلَائِكَةَ [قَوْلُهُ: وَعَبَدَةَ الْأَوْثَانِ] جَمْعُ وَثَنٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْوَثَنُ

اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا. (وَيَحِلُّ) لِلْمُسْلِمِ (وَطْءُ) الْإِمَاءِ (الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ) دُونَ النِّكَاحِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] (وَيَحِلُّ) لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا (وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ) أَيْ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ بَاقِيَةً عَلَى دِينِهَا أَوْ انْتَقَلَتْ إحْدَاهُمَا لِلْأُخْرَى، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ زِيَادَةً لِلْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَلَا يَحِلُّ وَطْءُ إمَائِهِنَّ) أَيْ إمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ (بِالنِّكَاحِ) لَا (لِحُرٍّ وَلَا لِعَبْدٍ) مُسْلِمَيْنِ سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] فَشَرَطَ الْإِيمَانَ فِيهِنَّ وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ. (وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا) سَوَاءٌ كَانَ كَامِلَ الرِّقِّ أَوْ مُبَعَّضًا أَوْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ عَقْدٍ مِنْ حُرِّيَّةٍ، كَالْمُكَاتِبِ لِتَعَارُضِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ، وَهِيَ لَهَا عَلَيْهِ سَلْطَنَةُ الْمِلْكِ، وَإِذَا طَالَبَتْهُ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ طَالَبَهَا بِنَفَقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ (عَبْدَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ كَعَبْدِهَا إذْ لَوْ مَاتَ لَوَرِثَتْهُ؛ وَلِأَنَّ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّنَمُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرَهُمْ أَيْ كَعَابِدِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا] يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ النَّصَارَى {ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73] وَفِي حَقِّ الْيَهُودِ {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] تَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ وَطْءُ حَرَائِرِهِنَّ] ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِتَعْبِيرِهِ بِيَحِلُّ جَوَازُ نِكَاحِهِنَّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلِّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَمَشَى عَلَيْهَا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ؛ لِأَنَّهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَتَتَأَكَّدُ الْكَرَاهَةُ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْكَنِيسَةِ، وَهَذَا رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى دِينِهَا، وَأَيْضًا رُبَّمَا تَمُوتُ وَهِيَ حَامِلٌ فَتُدْفَنُ فِي مَقْبَرَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَالْوَلَدُ الْكَائِنُ فِي بَطْنِهَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ جَارٍ فِي قَوْلِهِ، وَيَحِلُّ وَطْءُ الْكِتَابِيَّاتِ بِالْمِلْكِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ إلَخْ] وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ تُظْهِرُ إحْدَاهُمَا وَتُخْفِي الْمَجُوسِيَّةَ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ إذَا تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهَا تُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ قَالَهُ عج فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ مُحْتَجًّا بِآيَةِ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهَا: إنَّ رَبَّهَا عِيسَى. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمَّا شَرُفَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَنِسْبَتُهُمْ إلَى الْمُخَاطَبَةِ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، أُبِيحَ نِسَاؤُهُمْ وَطَعَامُهُمْ وَفَاتَ غَيْرُهُمْ هَذَا الشَّرَفُ بِحِرْمَانِهِمْ. [قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] إلَخْ] أَيْ الْحَرَائِرُ أَوْ الْعَفَائِفُ الْكِتَابِيَّاتُ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ أَمْ لَا] عَجَزَ عَنْ صَدَاقِ الْحُرَّةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ لِكَافِرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَدُهُ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: طَوْلًا] أَيْ فَضْلًا مِنْ الْمَالِ [قَوْلُهُ: الْمُحْصَنَاتُ] أَيْ الْحَرَائِرُ [قَوْلُهُ: فَمَا مَلَكَتْ إلَخْ] أَيْ فَلْيَنْكِحْ مَمْلُوكَةً مِنْ الْإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِي نِكَاحِهِنَّ اسْتِرْقَاقَ الْوَلَدِ لِلْكُفَّارِ] ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَأَبَاهُ فِي الدِّينِ وَالنَّسَبِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَا تَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا. تَنْبِيهٌ: يُفْسَخُ النِّكَاحُ حَيْثُ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ الْيَهُودِيَّةَ أَوْ النَّصْرَانِيَّةَ أَوْ الْحُرَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ، وَيُرْجَمُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحِ الْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ بِمَجُوسِيٍّ أَوْ بِكَافِرٍ غَيْرِهِ لَمْ تُحَدَّ، وَإِنْ تَعَمَّدَتْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ إسْنَادَ النِّكَاحِ إلَى الرَّجُلِ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ، وَإِلَى الْمَرْأَةِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ الضَّعِيفَةِ، وَانْظُرْ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ هَلْ يُحَدُّ أَمْ لَا وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِحِلِّ وَطْءِ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ الْمَجُوسِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا] ، وَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَى فَسَادِهِ [قَوْلُهُ: سَلْطَنَةُ الزَّوْجِيَّةِ] أَيْ وِلَايَةُ الزَّوْجِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدَ وَلَدِهَا] الْمُرَادُ

شُبْهَةً فِي مَالِهِ، إذْ لَا تُقْطَعُ إذَا سَرَقَتْ مِنْ مَالِهِ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَتَزَوَّجُ (الرَّجُلُ أَمَتَهُ) أَيْ أَمَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ الْبُضْعُ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ بِكَمَالِهَا فَمِلْكُ الْمَنَافِعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَلَا فَائِدَةَ لِلنِّكَاحِ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ (أَمَةَ وَلَدِهِ) لِلشُّبْهَةِ الَّتِي لَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ، وَلِذَا لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِهِ وَلَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ، فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ نَفْسِهِ فَإِنَّ وَقَعَ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِثْلُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَمَتِهِ فُسِخَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَكَذَا إنْ طَرَأَ الْمِلْكُ بَعْدَ التَّزْوِيجِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا. (وَلَهُ) أَيْ وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ (أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ) الْحُرِّ، وَإِنْ عَلَا، إنْ لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا الْوَالِدُ بِوَطْءٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ (وَ) كَذَا يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ (أَمَةَ أُمِّهِ) الْحُرَّةِ، وَإِنْ عَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِهِمَا، إذْ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِمَا قُطِعَ أَوْ زَنَى بِأَمَةِ أَحَدِهِمَا حُدَّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِهِمَا خَوْفُ الْعَنَتِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ يُعْتَقُ عَلَى أَبَوَيْهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إذَا كَانَا عَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلسَّيِّدِ. (وَ) يُبَاحُ (لَهُ) أَيْضًا (أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ امْرَأَةِ أَبِيهِ مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) هَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَتْ الْبِنْتُ مَعَهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَانْفَصَلَتْ مِنْ الرَّضَاعِ، أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهَا أَوْ طَلَّقَهَا الْأَبُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ بِرَجُلٍ، وَأَوْلَدَهَا بِنْتًا، فَهَلْ لِابْنِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذِهِ الْبِنْتَ أَمْ لَا، فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ وَاسْتُظْهِرَ الْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ احْتِيَاطًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَكْسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: (وَتَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ ابْنَ زَوْجَةِ أَبِيهَا مِنْ رَجُلٍ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ أَبِيهَا هَذَا إذَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَلَدِ مِنْ الرَّضَاعِ، أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهُ فَهُوَ أَخُو الرَّبِيبَةِ مِنْ الرَّضَاعِ. (وَيَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ) الْمُسْلِمَيْنِ (نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ) اتِّفَاقًا فِي حَقِّ الْحُرِّ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوَلَدِ الْجِنْسُ فَيَشْمَلُ ابْنَ ابْنِهَا، وَإِنْ نَزَلَ، وَيَشْمَلُ الْأُنْثَى أَيْضًا [قَوْلُهُ: إذْ لَوْ مَاتَ لَوَرِثَتْهُ] هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي تَزَوُّجِ الرَّجُلِ أَمَةَ وَالِدِهِ مَعَ أَنَّهُ مَاضٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كَامِلَةً أَوْ مُبَعَّضَةً قِنَّةً مَحْضَةً، أَوْ ذَاتَ شَائِبَةٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْكَاتِبَةِ كَانَ الرَّجُلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ النِّكَاحَ] أَيْ الْعَقْدَ، وَقَوْلُهُ: إنَّمَا هُوَ مِلْكٌ أَيْ سَبَبُ مِلْكٍ [قَوْلُهُ: الْمَنَافِعِ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا هُوَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ بِالْبُضْعِ [قَوْلُهُ: فَمِلْكُ الْمَنَافِعِ دَاخِلٌ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ مَا يَشْمَلُ مِلْكَ ذَاتِهَا بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَمِلْكِ الِانْتِفَاعِ، فَالْأَوْلَى أَيْضًا أَنْ يُعَبِّرَ بِالِانْتِفَاعِ، وَقَوْلُهُ فَلَا فَائِدَةَ إلَخْ هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُنْتِجُ عَدَمَ الْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ] أَيْ أَمَةَ وَلَدِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَطْءِ الْوَلَدِ عَلَى الرَّاجِحِ [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى أَمَتِهِ] أَيْ أَوْ أَمَةِ فَرْعِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَيُبَاحُ لِلرَّجُلِ] أَيْ فَاللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ، وَهَلْ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ أَمَةً وَرِثَهَا الِابْنُ هَلْ يَطَؤُهَا، أَوْ لَا فَنَقُولُ لَا يَخْلُو بِأَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ قَارَبَهَا أَمْ لَا فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ عَلِيَّةَ فَلَا يَقْرَبُهَا " وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَلِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلْوَطْءِ، وَالْغَالِبُ فِي الْوَخْشِ أَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِلْخِدْمَةِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: أَمَةَ وَالِدِهِ، وَأَمَةَ أُمِّهِ] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ مُسْلِمَةً. وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّقِيقَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ الْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَمْلِكَاهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ عَبْدًا لَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ رَقِيقَيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَلَدَهُ يُعْتَقُ عَلَى أَبَوَيْهِ] يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ نِكَاحِ الْحُرِّ أَمَةَ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهُ لَا يُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا عَلَى أُخْتِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ الرَّشِيدَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ إلَّا الْأَصْلُ، وَإِنْ عَلَا وَالْفَرْعُ، وَإِنْ سَفَلَ، وَالْحَاشِيَةُ الْقَرِيبَةُ، وَهِيَ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لَا أَوْلَادُهُمْ، وَلَا الْأَعْمَامُ، وَلَا الْعَمَّاتُ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ] وَمَوْضُوعُهَا أَنَّ لَبَنَ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَظْهَرَ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ خَلِيلٌ وَلِذَا اقْتَصَرَ تت عَلَيْهِ مُعَلِّلًا لَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَهُمَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَلَدِ إلَخْ] أَيْ أَوْ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ تُرْضِعُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ فَإِنَّهَا تَحِلُّ. [قَوْلُهُ: نِكَاحُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ] أَيْ أَوْ بَعْضُهُمْ حَرَائِرُ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ وَسَوَاءٌ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٌ أَوْ عُقُودٌ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ]

مُنْدَرِجٌ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، وَيَمْتَنِعُ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ، وَهَلْ يُحَدَّانِ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لَا قَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ قَوْلًا وَاحِدًا. وَتَحِلُّ الْخَامِسَةُ بِطَلَاقِ إحْدَى الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعِيًّا، عَلَى الْمَشْهُورِ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ (وَ) يَجُوزُ (لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ) مَمْلُوكَاتٍ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَ) يَجُوزُ (لِلْحُرِّ ذَلِكَ) أَيْ تَزَوُّجُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ مَمْلُوكَاتٍ لِلْغَيْرِ بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: (إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) ، وَهُوَ الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] (وَ) الْآخَرُ إذَا (لَمْ يَجِدْ لِلْحَرَائِرِ طَوْلًا) ، وَهُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ إمَاءٍ لِلْحُرِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ الْحُرِّ الْأَمَةَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا تَنْبِيهًا، عَلَى أَنَّ الْحُرَّ يُفَارِقُ الْعَبْدَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَصْرَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ قِيَاسًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَحُدُودِهِ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْقِيَاسُ بِأَنَّ النِّكَاحَ لَذَّةٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا يَتَشَطَّرُ الْعَذَابُ [قَوْلُهُ: بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ] وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ جَوَازُ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمِنْ جَمَاعَةٍ مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ، وَمَنْ يَبْلُغُ بِهِ إلَى التِّسْعِ خَاصَّةً. [قَوْلُهُ: وَهَلْ يُحَدَّانِ عَلِمَ بِالتَّحْرِيمِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُحَدَّ وَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُ الْخَمْسَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً بَطَلَ فِيهِنَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بِهَا مِنْهُنَّ صَدَاقُهَا، وَلَا شَيْءَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَإِنْ تَرَتَّبَ الْعَقْدُ فُسِخَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: لَا رَجْعِيًّا إلَخْ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الْأَرْبَعِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَطَلَّقَهَا، لَا تَحِلُّ لَهُ الْخَامِسَةُ إلَّا بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ خَرَجَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا وَتَأَخَّرَ حَمْلُهَا خَمْسَ سِنِينَ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ] ؛ لِأَنَّ الْإِمَاءَ مِنْ نِسَائِهِ، وَالْوَلَدُ لَا يَكُونُ أَشْرَفَ مِنْ أَبِيهِ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ] أَيْ سَوَاءٌ خَشِيَ الْعَنَتَ أَمْ لَا كَانَ وَاجِدًا لِطَوْلِ الْحُرَّةِ أَمْ لَا لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: لِلْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ] أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: 3] كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ فَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَيْسَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بَلْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ، وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَرْبَعِ إمَاءٍ مُسْلِمَاتٍ وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ وَهْبٍ، يُفِيدُهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَعِبَارَةُ الْفَاكِهَانِيِّ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ نُسَخِهِ [قَوْلُهُ: إنْ خَشِيَ الْعَنَتَ إلَخْ] قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ حَرُمَتْ الْأَمَةُ، وَسُمِّيَ الزِّنَا عَنَتًا؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ لِلتَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] أَيْ ضَيَّقَ عَلَيْكُمْ. وَقَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ خَافَ زِنًا أَنَّ مُطْلَقَ الْخَوْفِ كَافٍ، وَلَوْ وَهْمًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ إلَخْ] لَكِنْ رَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَهْرَ حُرَّةٍ، وَلَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ لَهُ تَزْوِيجُهَا. قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ قُدْرَةَ الصَّدَاقِ دُونَ النَّفَقَةِ لَا تُفِيدُهُ لِطَلَاقِهَا عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ، إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ تَتَزَوَّجُهُ عَالِمَةً بِعَجْزِهِ، وَهَذَا الَّذِي تَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةُ يَكُونُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ مَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ أَوْ إجَارَتَهُ إلَّا دَارَ سُكْنَاهُ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَالْكِتَابَةُ طَوْلٌ وَكَذَا خِدْمَةُ الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ بِخِلَافِ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ مِنْهَا الطَّوْلُ، وَأَمَّا عَبْدُ الْخِدْمَةِ وَدَابَّةُ رُكُوبِهِ، وَكُتُبُ الْفِقْهِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا فَمِنْ جُمْلَةِ الطَّوْلِ، وَقَوْلُهُ إلَّا دَارَ سُكْنَاهُ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ عَدَمَ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ مُسَوِّغُ لِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى شِرَاءِ الْأَمَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ رَضِيَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بِمَهْرٍ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلطَّوْلِ، وَلَا يَلْزَمُهُ السَّلَفُ، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُعْطِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَمَةٍ أُخْرَى حَيْثُ تَكْفِيهِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَلَهُ، وَهَكَذَا إلَى أَرْبَعٍ. اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] أَيْ؛ لِأَنَّ

ذَلِكَ، وَالطَّوْلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَهْرُ حُرَّةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً عَلَى مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَنَصَّ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ الْحُرَّةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ الْحَرَائِرِ إلَّا مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُ مَالًا كَثِيرًا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَادَةِ فَإِنَّ لَهُ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ، وَمَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فَإِنْ فُقِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مِلْكًا لِمَنْ لَا يُعْتَقُ وَلَدُهُ مِنْهَا عَلَيْهِ مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ كَالْخَصِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ أَمَةُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ لِلْأَمْنِ مِنْ اسْتِرْقَاقِ الْوَلَدِ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ جَمْعُ أَرْبَعِ حَرَائِرَ أَوْ أَرْبَعِ إمَاءٍ وَكَانَ الْجَمْعُ مَظِنَّةَ الْمُفَاضَلَةِ لِبَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَهِيَ حَرَامٌ، أَتَى فَاللَّامُ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَالَ: (وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهِ) سَوَاءٌ كُنَّ حَرَائِرَ أَوْ إمَاءً مُسْلِمَاتٍ أَوْ كِتَابِيَّاتٍ مَرْضَى أَوْ أَصِحَّاءَ أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ يَتَحَدَّدُ بِزَوَالِهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَزْيَدُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ] أَيْ أَنَّ الْحُرَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَرْبَعُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ، وَالْعَبْدَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ [قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً إلَخْ] ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قُدْرَتُهُ عَلَى مَهْرِ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ لَا يَكُونُ طَوْلًا بَلْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ. اهـ. [قَوْلُهُ: مَالًا كَثِيرًا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَادَةِ] أَيْ بِأَنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ، وَفِي شِرَاءِ النَّعْلَيْنِ لِلْحَجِّ [قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ] وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَرَاهُمَا شَرْطَيْنِ لَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ زَالَ الْمُبِيحُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ بَعْضٌ أَنَّهُ لَا فَسْخَ أَيْضًا إنْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِهِ [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ] أَيْ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ، وَإِنْ عَلَا أَوْ جَدَّتِهِ أَيْ بِقَيْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ حُرًّا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ عَبْدًا وَالزَّوْجُ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ رِقًّا لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى، وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُسْلِمَةً. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِثْلَ أَمَةِ الْأَبِ الْحُرِّ إلَخْ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ يُعْتَقُ إلَخْ. وَالْأَحْسَنُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا لِيَكُونَ قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا إنْ كَانَتْ مِلْكًا لِمَنْ يُعْتَقُ وَلَدُهُ مِنْهَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُولَدُ لَهُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: كَالْخَصِيِّ إلَخْ] أَيْ وَكَالْمَجْبُوبِ وَالشَّيْخِ الْفَانِي وَعَقِيمٍ وَعَقِيمَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَزْمِ الْعُرْفِ بِأَمْنِ حَمْلِهَا فِيهِمَا. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يُعَفَّ إلَّا بِأَرْبَعٍ تَزَوَّجَهُنَّ وَإِنْ خَشِيَ الزِّنَا فِي أَمَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَزَوَّجَهَا. [قَوْلُهُ وَلْيَعْدِلْ] أَيْ الزَّوْجُ بَيْنَ نِسَائِهِ هَذَا إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَاتٌ فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ لِأَجْلِ الْعَدْلِ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، لَكِنْ بِشَرْطِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِهِ وَعَدَمِ الْخَوْفِ عَلَيْهِنَّ، وَإِلَّا فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْوَلِيِّ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إطَافَةُ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِنَّ بِحُضُورِ الصَّبِيِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَاتِ الدُّخُولُ بِهِنَّ، وَإِطَاقَتُهُنَّ لِلْوَطْءِ فَلَا قَسْمَ لِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَا لِصَغِيرَةٍ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا [قَوْلُهُ: بَيْنَ نِسَائِهِ] أَفْهَمَ التَّعْبِيرُ بِالنِّسَاءِ أَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا يَجِبُ الْبَيَاتُ عِنْدَهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ فَقَطْ. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وُجُوبَ الْبَيَاتِ عِنْدَهَا أَوْ يُحْضِرُ لَهَا مُؤْنِسَةً؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا وَحْدَهَا ضَرَرٌ بِهَا، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْخَوْفُ مِنْ اللُّصُوصِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْوَطْءِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا إذَا شَكَتْ قِلَّةَ الْوَطْءِ يَقْضِي لَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعِ لَيَالٍ بِلَيْلَةٍ كَمَا أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا شَكَا الزَّوْجُ قِلَّةَ الْجِمَاعِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ عَلَيْهَا، بِمَا تُطِيقُهُ كَالْأَجِيرِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَقْضِي بِأَرْبَعِ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ نُفَسَاءَ] جَرَى فِي قَوْلِهِ مَرْضَى أَوْ أَصِحَّاءَ عَلَى الْجَمْعِ وَجَرَى فِي رَتْقَاءَ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى الْإِفْرَادِ تَفَنُّنًا وَمَرْضَى بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَجَمْعُ رَتْقَاءَ رُتْقٌ

مُحَرَّمَةً أَوْ مُولًى مِنْهَا أَوْ مُظَاهِرًا، مِنْهَا وَسَوَاءٌ كَانَ هُوَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَرِيضًا مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ جَازَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] وَالسُّنَّةُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِهِ فَمَنْ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهٍ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَلَا شَهَادَتُهُ. وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْعَدْلُ الْوَاجِبُ يَكُونُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِحَسَبِ حَالِ كُلِّ وَاحِدَةٍ، فَالشَّرِيفَةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا وَالدَّنِيَّةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا، وَفِي الْمَبِيتِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْوَطْءِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّرَ نَفْسَهُ لِيَنْشَطَ لِلْأُخْرَى، وَالْقَسْمُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَقْسِمُ بِيَوْمَيْنِ إلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَإِنْ كَانَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ قَسَمَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يَجْلِسُ؛ لِيَتَحَدَّثَ مَعَهَا، وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ يَأْتِي إلَيْهَا فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إبْعَادُ الدَّارَيْنِ وَمَنَعَ مَالِكٌ جَمْعَهُمَا فِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَجَمْعُ نُفَسَاءَ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ] أَيْ الْعَدْلِ [قَوْلُهُ: فَوَاحِدَةً إلَخْ] أَيْ فَاخْتَارُوا وَاحِدَةً أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إنْ خَافَ الْجَوْرَ قَالَهُ تت. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: امْرَأَتَانِ] أَيْ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ، وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا أَيْ فِي الْقَسْمِ. وَقَوْلُهُ جَاءَ أَيْ حُشِرَ، وَقَوْلُهُ وَشِقُّهُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ نِصْفُهُ أَوْ جَانِبُهُ، وَقَوْلُهُ سَاقِطٌ أَيْ ذَاهِبٌ أَوْ أَشَلُّ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ [قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ، وَلَا شَهَادَتُهُ] هَذَا وَاضِحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهَادَةِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِمَامَةِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ إمَامَةِ الْفَاسِقِ، وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ بَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ الْكَرَاهَةَ فِي جَانِبِ الْإِمَامَةِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَافِرٌ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَيُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ [قَوْلُهُ: وَالْعَدْلُ الْوَاجِبُ إلَخْ] الرَّاجِحُ أَنَّهُ يَقْصُرُ الْعَدْلَ عَلَى الْمَبِيتِ فَقَطْ، وَأَمَّا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ فَحَالُهُمَا لَا يَخْتَلِفُ تَعَدَّدَتْ الزَّوْجَاتُ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: فَالشَّرِيفَةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا] مَعَ اعْتِبَارِ وُسْعِهِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ وَالدَّنِيَّةُ بِقَدْرِ مِثْلِهَا أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ وُسْعِهِ أَيْضًا، فَإِذَا كَانَتْ لِدَنَاءَتِهَا لَا تَتَعَاطَى أَكْلَ اللَّحْمِ وَتَزَوَّجَهَا غَنِيٌّ يَقْدِرُ عَلَى الضَّأْنِ لِغِنَاهُ فَيُطْعِمُهَا لَحْمَ الْبَقَرِ فَقَدْ اعْتَبَرَ حَالَهَا وَحَالَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ فِي الْوَطْءِ] ، وَلَا فِي الْمَحَبَّةِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْإِقْبَالِ وَالنَّظَرِ وَالْمُفَاكَهَةِ بِالْكَلَامِ [قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّرَ نَفْسَهُ إلَخْ] أَيْ إنْ كَانَ يَكُفُّ عَنْهَا بَعْدَ مَيْلِهِ لِلْوَطْءِ لِتَوَفُّرِ لَذَّتِهِ، وَقُوَّتِهِ إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا حَرَامٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْكَفِّ، وَيُحْمَلُ عِنْدَ الْكَفِّ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ وَقْتَ الْكَفِّ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ مَظِنَّةُ قَصْدِ الضَّرَرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقْسِمُ بِيَوْمَيْنِ] أَيْ فَأَقَلُّ الْمُدَّةِ الَّتِي لَا زِيَادَةَ عَلَيْهَا، وَلَا نَقْصَ عَنْهَا إلَّا بِرِضَاهُنَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالْبُدَاءَةُ نَدْبًا بِاللَّيْلِ، وَيُكَمِّلُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَيُقِيمُ الْقَادِمُ مِنْ سَفَرِهِ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ أَحَبَّ، وَلَا يَحْسِبُ، وَيَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ اللَّيْلُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْزِلَ عِنْدَ الَّتِي خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا أَيْ لِيُكْمِلَ لَهَا يَوْمَهَا [قَوْلُهُ: بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ] الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ لِيَكُونَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ بَدَلًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ عَلَى ضَرَّتِهَا فِي يَوْمِهَا] الْمُرَادُ بِيَوْمِهَا نَوْبَتُهَا [قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجَةٍ] أَيْ غَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ أَيْ، وَلَوْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي تِلْكَ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ، وَتِلْكَ الْحَاجَةُ كَمُنَاوَلَةِ ثَوْبٍ وَشَبَهِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَجْلِسُ لِيَتَحَدَّثَ] أَيْ لَا يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ دَخَلَ بِهَا إلَّا لِعُذْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ كَاقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ تَجْرٍ لَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ، أَيْ بِأَنْ يَرْتَفِقَ أَهْلُ كُلٍّ بِالْأُخْرَى، وَأَمَّا إنْ كَانَتَا بِبَلَدَيْنِ لَا فِي حُكْمِ الْوَاحِدَةِ فَلَهُ الدُّخُولُ عَلَى ضَرَّتِهَا يَوْمَهَا لِسَفَرِهِ لَهَا بِبَلَدِهَا، وَوَطِئَهَا بَقِيَّةَ نَهَارِ الَّتِي سَافَرَ مِنْ عِنْدِهَا، وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ فِي الْقَسْمِ بَيْنَهُمَا بِجُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ، وَلَا يَزِيدُ مُدَّةَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَتَجْرٍ. [قَوْلُهُ: وَيُقْضَى عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ فِي بَيْتٍ] أَيْ وَأَمَّا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُنَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَنْزِلٌ مُسْتَقِلٌّ بِمَرَافِقِهِ وَمَنَافِعِهِ مِنْ كَنِيفٍ

فِرَاشٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَلَوْ رَضِيَتَا، وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ نِسَائِهِ مِنْ الْإِمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَدْلُ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْوَطْءِ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وُجُوبًا (النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) لِلزَّوْجَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً (بِقَدْرِ وُجْدِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى إلَّا حَالُ الزَّوْجِ فَقَطْ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُرَاعِي حَالُهُمَا مَعًا فَيُنْفِقُ نَفَقَةَ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا فِي عُسْرِهِ، وَيُسْرِهِ وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ، وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْلُ مَعَهُ. وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَطْبَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَيَجُوزُ لَهُ إذَا أَتَى زَوْجَتَهُ لِيَبِيتَ عِنْدَهَا فَأَغْلَقَتْ بَابَهَا فِي وَجْهِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَبِيتَ فِي حُجْرَتِهَا أَيْ لِبَرْدٍ أَوْ لِخَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ ازْدِرَائِهِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ عج، وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى ضَرَّتِهَا لِيَبِيتَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَبِيتَ فِي حُجْرَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى ضَرَّتِهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَتْ ظَالِمَةً وَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْهَا بَلْ يُؤَدِّبُهَا، وَلَهُ وَضْعُ ثِيَابِهِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى لِغَيْرِ مَيْلٍ، وَلَا ضَرَرٍ. [قَوْلُهُ: وَمَنَعَ مَالِكٌ جَمْعَهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ] وَخَالَفَ مَالِكًا ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَكَرِهَهُ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْإِمَاءِ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْمُرُوءَةِ، وَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ فَيُمْنَعُ فِي الْإِمَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِشَرَفِ الْحَرَائِرِ عَلَى الْإِمَاءِ. اهـ. [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بَيْنَ نِسَائِهِ] أَيْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِنَّ أَحْرَارًا أَوْ إمَاءً أَوْ بَعْضِهِنَّ أَحْرَارًا وَبَعْضِهِنَّ إمَاءً. [قَوْلُهُ: أَيْ الزَّوْجِ] أَيْ الْبَالِغِ الْمُوسِرِ النَّفَقَةِ أَيْ مِنْ قُوتٍ، وَإِدَامٍ، وَإِنْ أَكُولَةً إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ كَوْنَهَا غَيْرَ أَكُولَةٍ فَلَهُ رَدُّهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالْوَسَطِ، وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ إلَّا الْمَرِيضَةَ، وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ مَا تَأْكُلُهُ حَالَ مَرَضِهَا عَلَى حَالِ صِحَّتِهَا فَقَدْرُ صِحَّتِهَا فَقَطْ ثُمَّ لُزُومُ مَا تَأْكُلُهُ الْمَرِيضَةُ شَامِلٌ لِنَحْوِ سُكَّرٍ وَلَوْزٍ، حَيْثُ كَانَا غِذَاءَيْنِ لَهَا لَا دَوَاءً وَعَلَيْهِ الْمَاءُ لِشُرْبِهَا وَطَهَارَتِهَا. وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ مِنْ جَنَابَةٍ مِنْ غَيْرِ وَطْئِهِ، وَشَمَلَ الْغَلَطَ وَالزِّنَا وَاحْتِلَامَهَا مَعَ الْإِنْزَالِ وَلِمُسْتَحَبٍّ كَغُسْلِ عِيدٍ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَمَسْنُونٍ كَإِحْرَامٍ وَجُمُعَةٍ تُرِيدُ حُضُورَهَا، وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَالْحَصِيرُ وَالسَّرِيرُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ وَالزِّينَةُ الَّتِي تَتَضَرَّرُ الْمَرْأَةُ بِتَرْكِهَا كَالْكُحْلِ وَالدُّهْنِ الْمُعْتَادَيْنِ وَالْإِخْدَامِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَلِيًّا، وَهِيَ أَهْلٌ لِلْإِخْدَامِ أَوْ كَانَ مَلِيًّا، وَالْحَالُ أَنَّهُ مِنْ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُخْدِمَهَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّوَاءُ لِمَرَضِهَا، وَلَا أُجْرَةُ نَحْوِ الْحِجَامَةِ، وَلَا الْمُعَالَجَةُ فِي الْمَرَضِ، وَلَا ثِيَابُ الْمُخْرَجِ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ الْأَمْصَارِ، وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ، وَمَا حُكْمُهُ كَالْخَزِّ، وَلَوْ مِنْ الزَّوْجِ الْمُتَّسِعِ الْحَالِ، وَكَوْنُ حَالِهَا ذَلِكَ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيُفْرَضُ اللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي الْجُمُعَةِ لِمُتَّسَعٍ وَمَرَّةً فِي كُلَّ جُمُعَةٍ لِمُتَوَسِّطٍ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَا يُفْرَضُ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ بَهْرَامُ إنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً. اهـ. وَانْظُرْ الْفَقِيرَ هَلْ لَا يُفْرَضُ اللَّحْمُ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ يُفْرَضُ بِقَدْرِ وُسْعِهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ حَيْثُ كَانَتْ عَادَةَ أَمْثَالِهِ، وَلَوْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ فِي حَقِّ الْقَادِرِ فِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَالْمُتَوَسِّطِ مَرَّتَانِ وَالْمُنْحَطِّ الْحَالِ مَرَّةً، وَلَا يُفْرَضُ عَسَلٌ، وَلَا سَمْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إدَامَيْنِ عَادَةً وَفَاكِهَةٌ لَا رَطْبَةٌ، وَلَا يَابِسَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إدَامَيْنِ عَادَةً، وَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ مَا يَصْلُحُ لَهَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلَوْ مُطَلَّقَةً بَائِنًا لَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ وُجْدِهِ] بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ وُسْعِهِ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُرَاعَى حَالُهُمَا] هَذَا إذَا سَاوَاهَا حَالُهُ فَإِنْ زَادَ حَالُهَا اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ فَقَطْ، فَإِنْ نَقَصَتْ حَالَتُهَا عَنْ حَالَتِهِ وَعَنْ وُسْعِهِ اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ مُتَوَسِّطًا لَا حَالُهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ إعْطَاءُ الثَّمَنِ عَمَّا لَزِمَهُ] أَيْ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الَّذِي يُقْضَى بِهِ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْأَصْلِ، هُوَ مَا يُفْرَضُ لَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ لَا ثَمَنُهُ، وَأَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُعْطِيَ الثَّمَنَ عَنْ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهَا الْأَكْلُ مَعَهُ] أَيْ فَتَقُولُ لَهُ ادْفَعْ لِي نَفَقَتِي أَنَا أُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي

[موجب النفقة]

الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْأَجَلِ فَقِيلَ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ ج وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْإِمَاءَ يُخَالِفْنَ الزَّوْجَاتِ فِي بَعْضِ مَا يَجِبُ الْعَدْلُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا قَسْمَ فِي الْمَبِيتِ لِأَمَتِهِ وَلَا لِأُمِّ وَلَدِهِ) مَعَ زَوْجَةٍ أَوْ مَعَ أَمَةٍ أُخْرَى أَوْ مَعَ وَلَدٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ إنَّمَا يَجِبُ لِمَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْوَطْءِ، وَهَاتَانِ لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ اتِّفَاقًا. ثُمَّ بَيَّنَ مُوجِبَ النَّفَقَةِ فَقَالَ: (وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ) يَتِيمَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا (حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا) الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ هُنَا إرْخَاءُ السُّتُورِ وَطِئَ أَمْ لَا كَانَتْ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا أَمْ لَا بِشَرْطَيْنِ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مُشْرِفَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا، وَالشَّيْءُ الْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يُدْعَى إلَى الدُّخُولِ) ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الشَّرْطَانِ السَّابِقَانِ، وَشَرْطٌ ثَالِثٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ) أَنْ تَكُونَ (مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا بِالدَّعْوَةِ بَلْ بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ إذَا دَخَلَ اسْتَمْتَعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّعْوَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِكَوْنِ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَيُفْرَضُ لَهَا مَا مَرَّ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَثْمَانِ، وَإِنْ كَانَتْ تُؤْمَرُ بِالْأَكْلِ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّوَدُّدِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ. وَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا الْمُقَدَّرَةُ أَوْ الْمُطَالِبَةُ بِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُقَرَّرَةً بِالْأَكْلِ مَعَهُ وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فَإِذَا كَسَاهَا مَعَهُ فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّفَقَةِ، وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ إذَا كَانَتْ مَحْجُورَةً فَلَا تَسْقُطُ كِسْوَتُهَا الْمُقَرَّرَةُ بِكِسْوَتِهَا مَعَهُ، وَالظَّاهِرُ قَبُولُ قَوْلِهِ إذَا كَانَتْ دَرَاهِمَ وَاحِدَةً أَنَّهَا أَكَلَتْ مَعَهُ. [قَوْلُهُ: وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ] إنْ تَزَوَّجَتْهُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِفَقْرِهِ لَا إنْ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ أَوْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْعَطَاءِ، وَيَنْقَطِعَ عَنْهُ، وَإِذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ لَهَا إلَّا بِتَرْكِهِ أَوْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِالْعَطَاءِ، وَيَنْقَطِعُ عَنْهُ، وَإِذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ يَكُونُ رَجْعِيًّا، وَلَوْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ، وَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ لَهَا إلَّا إذَا وَجَدَ يَسَارًا ظَنَّ مَعَهُ دَوَامَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْفَاقِ [قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّلَوُّمِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ ذَكَرَهُ بَهْرَامُ [قَوْلُهُ: الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ] بَيَّنَ النَّحْوَ بَهْرَامُ بِقَوْلِهِ: وَنَحْوُهُ بِمَا لَا يَضُرُّ بِهَا الْجُوعُ [قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرَهُ بَهْرَامُ فِي الْوَسِيطِ، حَيْثُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ الشَّهْرُ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عُسْرُهُ يُتَلَوَّمُ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَلَا نَفَقَةٍ لَهَا زَمَنَ التَّلَوُّمِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَعَدَمِ الْوُجْدَانِ لِلنَّفَقَةِ أَوْ الْكِسْوَةِ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ، وَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ قَوْلَانِ [قَوْلُهُ: لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ اتِّفَاقًا] إذْ الَّذِي عَلَى سَيِّدِ الْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ الْخِدْمَةُ الَّتِي يُطِيقُهَا، وَلَوْ تَضَرَّرَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ، وَاحْتَاجَتْ لِلزَّوَاجِ لَا يُجْبَرُ سَيِّدُهَا وَالْعَبْدُ مِثْلُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَجِبُ لِلشَّخْصِ وَمِنْ حَقِّهِ، وَالرِّقُّ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَطْءِ. [مُوجِب النَّفَقَة] [قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ تَجِبُ مِنْ حِينِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. وَقَالَهُ سَحْنُونٌ [قَوْلُهُ: أَمْ لَا] بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ أَوْ بِهَا مَانِعٌ مِنْ رَتَقٍ وَنَحْوِهِ [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مُشْرِفَيْنِ] سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ [قَوْلُهُ: بَلْ بِالدُّخُولِ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَهَا النَّفَقَةُ بِشَرْطِ بُلُوغِ الزَّوْجِ، وَيُسْرِهِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ لِصِغَرِهَا أَوْ مَرَضِهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّمَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ إذَا دُعِيَتْ لِلدُّخُولِ مَعَ إطَاقَتِهَا وَبُلُوغِ الزَّوْجِ لَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِصِغَرِهَا أَوْ بِهَا مَانِعٌ مِنْ رَتَقٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ اشْتَدَّ مَرَضُهَا بِحَيْثُ أَخَذَتْ فِي السِّيَاقِ وَالدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ إمَّا مِنْهَا أَوْ مِنْ وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ أَوْ وَكِيلِهَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا حَاضِرًا. وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا وَجَبَتْ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِهِ قَبْلَ غَيْبَتِهِ قَرُبَتْ أَوْ بَعُدَتْ عَلَى الرَّاجِحِ بِشَرْطِ إطَاقَتِهَا وَبُلُوغِهِ وَطَلَبِهَا الْآنَ لِلْإِنْفَاقِ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَيَسْأَلُهَا هَلْ تُمَكِّنُهُ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ قَالَتْ نَعَمْ فَرَضَ لَهَا [قَوْلُهُ: وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الدَّعْوَةِ] بِأَنْ قَالَتْ دَعَوْتُك

[نكاح التفويض]

بَالِغًا احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَانَ مُطِيقًا لِلْوَطْءِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِكَوْنِهِمَا غَيْرَ مُشْرِفَيْنِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضًا يُشْرِفُ مَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ. (وَنِكَاحُ التَّفْوِيضِ جَائِزٌ) مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ (وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَاهُ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ أَيْ الزَّوْجُ وَالْوَلِيُّ، وَيُرْوَى يَعْقِدُهُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ أَيْ الزَّوْجُ (وَلَا يَذْكُرَانِ صَدَاقًا) اسْتَشْكَلَ إثْبَاتُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْصُوبِ وَكَلَامُهُ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ صَدَاقًا أَمَّا أَنْ يُصَرِّحَا مَعَ ذَلِكَ بِالتَّفْوِيضِ نَحْوَ أَنْكَحْتُك وَلِيَّتِي عَلَى التَّفْوِيضِ وَلَا نَحْوَ زَوَّجْتُك وَلِيَّتِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي الْوَجْهَيْنِ. أَمَّا لَوْ صَرَّحَا بِاشْتِرَاطِ إسْقَاطِ الْمَهْرِ لَمَا جَازَ، وَفُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي فَسْخِهِ بَعْدُ (ثُمَّ) إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَصِحَّتِهِ وَوَقَعَ وَمَنَعَتْ الزَّوْجَ مِنْ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ (لَا يَدْخُلُ بِهَا حَتَّى يَفْرِضَ لَهَا) صَدَاقَ مِثْلِهَا ابْنُ شَاسٍ وَمَعْنَى مَهْرِ الْمِثْلِ الْقَدْرُ الَّذِي يَرْغَبُ بِهِ مِثْلُهَا فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ اعْتِبَارًا أَرْبَعُ مَقَامَاتٍ: الْحَسَبُ وَالْجَمَالُ، وَالْمَالُ وَالدِّينُ وَيُعْتَبَرُ صَدَاقُ الْمِثْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِيرَاثَ وَغَيْرَهُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ الثَّابِتَةِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلدُّخُولِ فِي نَحْوِ شَهْرٍ مَثَلًا، وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرِ إلَخْ] فَالزَّوْجُ الصَّبِيُّ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى وَلِيِّهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَافْتَضَّهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُسَلِّطَةُ لَهُ عَلَى نَفْسِهَا إذَا كَانَتْ كَبِيرَةً أَوْ وَلِيُّهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] ، وَقِيلَ تَجِبُ عَلَيْهِ بِإِطَاقَةِ الْوَطْءِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا إلَخْ] وَالْمُشْرِفُ هُوَ مَنْ بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ أَيْ الْأَخْذِ فِي النَّزْعِ [قَوْلُهُ: لَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ] هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَوْ دَخَلَ لَا عِبْرَةَ بِالدُّخُولِ. قَالَ فِي الْأُمَّهَاتِ وَدُخُولُ هَذَا وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ، أُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ. اهـ. فَإِنْ وَطِئَهَا تُكَمِّلُ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا عَنْهُ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ السِّيَاقِ بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَلَا يُسْقِطُ النَّفَقَةَ إلَّا الْمَوْتُ. تَتِمَّةٌ: يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَخَبْزٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ مِنْ الدَّارِ أَوْ مِنْ الصَّحْرَاءِ، إنْ كَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ لَا يَمْتَهِنُونَ نِسَاءَهُمْ، وَإِلَّا لَزِمَهُ إخْدَامُهَا لِذَلِكَ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلًا، وَلَا يَلْزَمُهَا التَّكَسُّبُ كَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَلَوْ كَانَتْ عَادَةَ نِسَاءِ بَلَدِهَا، وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِي غَسْلِ ثِيَابٍ وَخِيَاطَتِهَا. [نِكَاحُ التَّفْوِيضِ] [قَوْلُهُ: جَائِزٌ] وَلَوْ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى الْمَالِ فِي الْحَالِ [قَوْلُهُ: أَيْ الزَّوْجُ] أَيْ مَعَ الْوَلِيِّ [قَوْلُهُ: اُسْتُشْكِلَ إثْبَاتُ النُّونِ إلَخْ] هَذَا الْإِشْكَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَتْ الْوَاوُ لِلْحَالِ فَلَا إشْكَالَ كَمَا فَعَلَ تت [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ] الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ، وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ أَيْ نَحْوِ قَوْلِك كَذَا فِي حَالَةِ كَوْنِك لَمْ تَذْكُرْ مَهْرًا [قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ] أَيْ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْفَسْخِ، وَأَنَّهُ يَمْضِي بِصَدَاقِ الْمِثْلِ [قَوْلُهُ: وَصِحَّتِهِ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ [قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ إلَخْ] أَيْ لَا يَدْخُلُ الزَّوْجُ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَمْكِينُهَا مِنْ نَفْسِهَا قَبْلَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ، وَلَوْ رُبُعَ دِينَارٍ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَفْرِضَ إلَخْ] مَحِلُّ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَحِيحًا، وَأَمَّا لَوْ طَرَأَ لَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ وَارِثَةً فَلَا فَرْضَ لَهَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ وَارِثَةٍ كَالذِّمِّيَّةِ وَالْأَمَةِ فَقَوْلَانِ قِيلَ يَصِحُّ، وَيَكُونُ الْمَفْرُوضُ وَصِيَّةً فِي الثُّلُثِ، وَقِيلَ يَبْطُلُ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ لِأَجْلِ الْوَطْءِ، وَلَمْ يَحْصُلْ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُرَغَّبُ بِهِ مِثْلُهَا فِيهِ] كَذَا فِي نُسَخٍ عِدَّةٍ وَفِي نُسْخَةٍ مَا يَرْغَبُ مِثْلُهُ فِيهَا، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَكَذَا عَبَّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَا يُوَافِقُهَا [قَوْلُهُ: أَرْبَعِ مَقَامَاتٍ] أَيْ أَحْوَالٍ، وَقَوْلُهُ الْحَسَبُ إلَخْ هُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ كَالْكَرَمِ وَالْمُرُوءَةِ [قَوْلُهُ: وَالْجَمَالُ] أَيْ الْحُسْنُ، وَقَوْلُهُ وَالدِّينُ أَيْ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَنَحْوِهِمَا، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَيْضًا الْبَلَدُ وَالنَّسَبُ [قَوْلُهُ: يَوْمَ الْعَقْدِ] أَيْ إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّكَاحَ إذَا كَانَ صَحِيحًا يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا ذُكِرَ يَوْمَ الْعَقْدِ، هَذَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ تَفْوِيضًا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، بَلْ وَكَذَا إذَا كَانَ نِكَاحَ تَسْمِيَةٍ، وَإِذَا كَانَ فَاسِدًا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، يُعْتَبَرُ فِيهِ مَا ذُكِرَ يَوْمَ الْوَطْءِ كَانَ نِكَاحَ تَفْوِيضٍ أَوْ تَسْمِيَةٍ

[اختلاف دين الزوجين]

وَتَسْتَحِقُّهُ بِالدُّخُولِ وَلَا بِالْمَوْتِ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا تَوَارَثَا وَلَا صَدَاقَ إلَّا بِفَرْضٍ، وَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَوْتِ (فَإِنْ فَرَضَ) الزَّوْجُ (لَهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ الْمَنْكُوحَةِ عَلَى التَّفْوِيضِ (صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا) مَا فَرَضَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ (وَإِنْ كَانَ) مَا فَرَضَ لَهَا (أَقَلَّ) مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا مِثْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا مِائَةٌ (فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ) فِي الرِّضَا بِهِ وَرَدِّهِ (فَإِنْ) رَضِيَتْ بِهِ وَكَانَتْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً لَزِمَهَا ذَلِكَ، مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ رُبُعِ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهِ بِأَنْ (كَرِهَتْهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ. وَأَمَّا ذَاتُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ فَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُمَا الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا الصِّحَّةُ مِنْ الْأَبِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ، وَمِنْ الْوَصِيِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَطْ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تُخَيَّرُ فِيهَا صُورَتَيْنِ فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يُرْضِيَهَا) بِزِيَادَةِ شَيْءٍ عَلَى مَا سَمَّاهُ مَا لَمْ يَبْلُغْ صَدَاقَ الْمِثْلِ (أَوْ يَفْرِضَ لَهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا) بَعْدَ أَنْ فَرَضَ لَهَا دُونَهُ (فَيَلْزَمُهَا) مَا أَرْضَاهَا بِهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَصَدَاقٌ لِلْمِثْلِ الَّذِي فَرَضَهُ ثَانِيًا فِي الثَّانِيَةِ. (وَإِذَا ارْتَدَّ) أَيْ قَطَعَ (أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ) الْإِسْلَامَ وَدَخَلَ فِي دِينٍ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ مِنْ ذَلِكَ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا سَاعَةَ ارْتِدَادِهِ (بِطَلَاقٍ) بَائِنٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا إذْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا (وَقَدْ قِيلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الصَّحِيحَ مُنْعَقِدٌ فَيَجِبُ الْعِوَضُ فِيهِ يَوْمَ الْعَقْدِ. وَالْفَاسِدُ مُنْحَلٌّ فَالْعِوَضُ فِيهِ بِالْقَبْضِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ] أَيْ الْعَقْدُ [قَوْلُهُ: مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ] أَيْ الْعَقْدِ فَفِي الْعِبَارَةِ إظْهَارٌ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ، وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالنِّكَاحِ [قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَهُ بَعْضُهُمْ بِالْمَوْتِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: لَزِمَهَا مَا فَرَضَ لَهَا] أَيْ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَاهِبِ لِلثَّوَابِ، وَهُوَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ قَدَّرَ الْقِيمَةَ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يَفْرِضَ الْمِثْلَ بَلْ لَا يَلْزَمُهُ الْفَرْضُ أَصْلًا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا أَنْ تَرْضَى ذَكَرَهُ ابْنُ نَاجِي [قَوْلُهُ: وَكَانَتْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً] ، وَأَمَّا غَيْرُ الرَّشِيدَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ كَرِهَتْهُ] أَيْ كَرِهَتْ الرَّشِيدَةُ الْأَقَلَّ أَوْ كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ تَفْوِيضًا غَيْرَ رَشِيدَةٍ، وَامْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ فَرْضِ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ فَرَّقَ أَيْ إنْ شَاءَتْ الرَّشِيدَةُ أَوْ وَلِيُّ أَمْرِهَا. وَالْمُرَادُ بِالرَّشِيدَةِ أَيْ جِهَةُ أَبِيهَا أَوْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، بِأَنْ صَارَتْ مُحْسِنَةَ التَّصَرُّفِ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِتَرْشِيدِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: فَاخْتُلِفَ] حَاصِلُ الْأَقْوَالِ. الْأَوَّلُ صِحَّةُ الرِّضَا مِنْهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَعَدَمُهَا مِنْهُمَا، وَصِحَّتُهُ فِي الْأَبِ بِدُونِهِ مُطْلَقًا أَيْ فِي مَحْجُورَتِهِ مُجْبَرَةً أَوْ لَا وَظَاهِرُ التَّوْضِيحِ أَنَّ مَحْجُورَتَهُ لِسَفَهٍ غَيْرُ مُجْبَرَةٍ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهَا مَعَهُ، وَمِنْ الْوَصِيِّ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَقَطْ أَيْ فِي السَّفِيهِ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا كَرَجَاءِ حُسْنِ عِشْرَةِ الزَّوْجِ لَهَا وَدَوَامِهَا لَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، وَلَوْ مُجْبَرَةً، وَأَمَّا الَّتِي لَا أَبَ لَهَا، وَلَا وَصِيَّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْتَبَرُ وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرْضِيَهَا] أَيْ الرَّشِيدَةَ أَوْ وَلِيَّ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهَا] ، وَلَا خِيَارَ لَهَا وَمِثْلُهَا وَلِيُّ غَيْرِ الرَّشِيدَةِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِهَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ، فَإِنْ فَرَضَ صَدَاقَ الْمِثْلِ لَزِمَهَا بِحَمْلِ مَا سَبَقَ عَلَى فَرْضِهِ لَهَا ابْتِدَاءً، وَهَذَا فِي حُكْمِ الْفَرْضِ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ الدُّونِ. [اخْتِلَاف دِين الزَّوْجَيْنِ] [قَوْلُهُ: قَطَعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ] الْإِسْلَامَ أَيْ بِكَلِمَةٍ مُكَفِّرَةٍ أَوْ بِإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَذِرٍ [قَوْلُهُ: الْإِسْلَامَ] مَفْعُولُ قَطَعَ لَا أَنَّهُ مَفْعُولُ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ لَازِمًا، وَيُفَسَّرُ بِمَعْنَى فَعَلَ مُتَعَدٍّ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِهِ، وَلَوْ فَسَّرَهُ بِمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، مِنْ أَنَّ مَعْنَى ارْتَدَّ الشَّخْصُ أَيْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى الْكُفْرِ لَمَا احْتَجْنَا لِمَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْعَافِيَةَ] بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: انْفَسَخَ النِّكَاحُ] ، وَلَوْ ارْتَدَّ الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ لِدِينِ زَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُرْتَدُّ مِنْهَا، بِرِدَّتِهِ فَسْخَ النِّكَاحِ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ فَالزَّوْجِيَّةُ بَاقِيَةٌ، وَلَا تَحْتَاجُ لِعَقْدٍ، وَلَا رَجْعِيَّةٍ لِبَقَاءِ الْعِصْمَةِ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَلَا يَرِثُ الْآخَرُ وَتُعْتَبَرُ رِدَّةُ غَيْرِ الْبَالِغِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيُحَالُ بَيْنَهُمَا وَاتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ رِدَّتَهُ مُعْتَبَرَةٌ أَنَّهُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَالرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ الْأَمْرُ فِيهَا ظَاهِرٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ غَرِمَ لَهَا النِّصْفَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ

الْفَسْخُ (بِغَيْرِ طَلَاقٍ) ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَى فَسْخِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فَلَا يَنْحَلُّ إلَّا بِطَلَاقٍ. (وَإِذَا أَسْلَمَ) الزَّوْجَانِ (الْكَافِرَانِ) سَوَاءٌ كَانَا كِتَابِيَّيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا، أَسْلَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ أَوْ لَا (ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَانِعٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ. (وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فَذَلِكَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَوَّرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِصُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يُسْلِمَ الزَّوْجُ وَتَحْتَهُ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّنْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ تُسْلِمْ (فَإِنْ أَسْلَمَتْ هِيَ) أَيْ الزَّوْجَةُ كِتَابِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا قَبْلَ زَوْجِهَا الَّذِي بَنَى بِهَا (كَانَ أَحَقَّ بِهَا إنْ) كَانَ حَاضِرًا (وَأَسْلَمَ) ، وَهِيَ (فِي الْعِدَّةُ) وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِطَلَاقِ الْكَافِرِ، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِيمَا بَيْنَ الْإِسْلَامِيِّينَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِأَنَّهُ بَنَى بِهَا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا فَإِنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ مَكَانَهَا وَبِحَاضِرٍ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا، ثُمَّ قَدِمَ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا الثَّانِي. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِرَاقَ مِنْ قِبَلِهَا. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ رِدَّةَ زَوْجَتِهِ، وَخَالَفَتْهُ بَانَتْ عَنْهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِرِدَّتِهَا، وَأَفْهَمَ الزَّوْجَيْنِ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَحْرُمُ عَلَى سَيِّدِهَا بِارْتِدَادِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ أَيْ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ بَائِنٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ بَعْدَ الِارْتِدَادِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَثَمَرَةُ الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ الْفَسْخُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَ التَّسْمِيَةِ هَلْ لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ أَوْ لَا، وَإِذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تَكُونُ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ أَوْ عَلَى ثَلَاثٍ. اهـ. [قَوْلُهُ: مَغْلُوبَانِ عَلَى فَسْخِهِ] أَيْ مَقْهُورَانِ عَلَى فَسْخِهِ [قَوْلُهُ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]] أَيْ لَا يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ عِصْمَةٌ، وَلَا عَلَاقَةُ زَوْجِيَّةٍ وَالْكَوَافِرُ جَمْعُ كَافِرَةٍ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ الْكَافِرَانِ] أَيْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِحَضْرَتِنَا أَوْ جَاءَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: ثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا] ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُ أَنْكِحَتَهُمْ الْفَاسِدَةَ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَانِعٌ إلَخْ] أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ فُسِخَ النِّكَاحُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَوْ رَضَاعٌ أَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ وَوَقَعَ إسْلَامُهُمَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ] أَيْ الْإِسْلَامُ فَسَخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَمِعَ عِيسَى بِطَلَاقٍ [قَوْلُهُ: وَلَوْ تُسْلِمْ] أَيْ لَمْ تُسْلِمْ بِالْقُرْبِ أَيْ فِي كَالشَّهْرِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْعُدْ الزَّمَانُ بَيْنَ إسْلَامَيْهِمَا بَلْ كَانَ قَرِيبًا كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فَيُقَرُّ عَلَيْهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا، وَهَلْ يَتَقَرَّرُ النِّكَاحُ فِي الشَّهْرِ أَنْ غَفَلَ عَنْهَا وَلَمْ تُوقَفْ حِينَ أَسْلَمَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَغْفُلْ فَيَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ حِينَ إسْلَامِهِ فَإِنْ أَبَتْهُ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقَرَّرُ النِّكَاحُ فِي الشَّهْرِ مُطْلَقًا غَفَلَ عَنْ إيقَافِهَا، أَمْ لَا تَأْوِيلَانِ وَمِثْلُ الْإِسْلَامِ التَّهَوُّدُ وَالتَّنَصُّرُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْهَا أَيْ وَمِنْهَا أَنْ تُسْلِمَ الزَّوْجَةُ أَوَّلًا، وَيَبْقَى الزَّوْجُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ] ، وَأَمَّا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَلَا يُقَرُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَالرَّجْعَةِ، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا] فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ السُّكْنَى لَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْقِدْ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنْ كَانَ بَيِّنَةٌ فَيُصَدَّقُ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا مَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا الثَّانِي، وَالصَّوَابُ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي غَيْرُ عَالِمٍ بِإِسْلَامِ زَوْجِهَا فِي عِدَّتِهَا، وَإِلَّا فَاتَتْ، وَمِثْلُ الدُّخُولِ التَّلَذُّذُ، وَإِنَّمَا كَانَ الصَّوَابُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُفَوِّتُهَا عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا إذَا ثَبَتَ بَعْدَ حُضُورِهِ فِي غَيْبَتِهِ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِهَا، فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَذَا إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا مَعَ حُضُورِهِ بِالْبَلَدِ، وَمَا فِي حُكْمِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَزَوُّجِهَا بِالثَّانِي، فَلَا تَفُوتُ بِدُخُولِ الثَّانِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ زَوْجٍ وَلِعَدَمِ عُذْرِ الثَّانِي فِي عَدَمِ إعْلَامِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا عَقْدَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَفُوتُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ [قَوْلُهُ: عَلَى

تَنْبِيهٌ: إطْلَاقُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِظْهَارِ عِدَّةً مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مَحْصُورَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ حَيْضَةٌ أَوْ ثَلَاثُ حِيَضٍ قَوْلَانِ. (وَإِنْ أَسْلَمَ هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ قَبْلَهَا (وَكَانَتْ كِتَابِيَّةً ثَبَتَ عَلَيْهَا) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نِكَاحِهَا مَا لَمْ يَكُنْ، ثَمَّ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (فَإِنْ) لَمْ تَكُنْ كِتَابِيَّةً بَلْ (كَانَتْ مَجُوسِيَّةً) فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُسْلِمَ مَكَانَهَا أَوْ لَا (فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ مَكَانَهَا كَانَا زَوْجَيْنِ) مَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِدَامَةِ. (وَإِنْ) لَمْ تُسْلِمْ بَعْدَهُ مَكَانَهَا بَلْ (تَأَخَّرَ ذَلِكَ) أَيْ إسْلَامُهَا عَنْ إسْلَامِهِ (فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ) وَمَا قَالَهُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ خِلَافُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ إنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا وَلَمْ يَبْعُدْ مَا بَيْنَ إسْلَامِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَوْ أَسْلَمَتْ عَلَى بُعْدٍ فُسِخَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْت كَمْ الْبُعْدُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ قَلِيلٌ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَأَرَى الشَّهْرَيْنِ بُعْدًا. (وَإِذَا أَسْلَمَ مُشْرِكٌ وَعِنْدَهُ) مِنْ النِّسْوَةِ (أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ فَلْيَخْتَرْ) نِسْوَةً مِنْهُنَّ (أَرْبَعًا) مِمَّنْ يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ فِي الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كُنَّ أَوَائِلَ أَوْ أَوَاخِرَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي عُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ وَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ وَالِاخْتِيَارُ يَكُونُ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ (وَ) بَعْدَ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا (يُفَارِقُ بَاقِيَهُنَّ) بِغَيْرِ طَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ حَدِيثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِظْهَارِ] أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ [قَوْلُهُ: مَجَازٌ] أَيْ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إلَخْ] سَبَبُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحِيَضِ الثَّلَاثِ هَلْ هِيَ كُلُّهَا اسْتِبْرَاءٌ أَوْ بَعْضُهَا اسْتِبْرَاءٌ وَبَعْضُهَا عِبَادَةٌ فَمَنْ قَالَ اسْتِبْرَاءٌ كُلُّهَا. قَالَ تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثٍ وَمَنْ قَالَ: إنَّ الزَّائِدَ عَلَى حَيْضَةٍ فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ عِبَادَةٌ. قَالَ تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ غَيْرُ مُتَعَبِّدَةٍ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالثَّلَاثِ. [قَوْلُهُ: خِلَافُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ التَّأَخُّرِ وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ، وَهُوَ الَّذِي صَدَّرَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَشَهَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى آخِرِ مَا هُنَا، وَهِيَ أَوْضَحُ وَالرَّاجِحُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: قَالَ لَا أَدْرِي] أَيْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَدْرِي الشَّهْرُ إلَخْ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّائِلَ لَهُ سَحْنُونٌ، وَقَوْلُهُ: وَأَرَى الشَّهْرَيْنِ بُعْدًا خِلَافُ الصَّوَابِ وَالصَّوَابُ قَرِيبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُهُمْ، بَلْ وَفِي الْبَعْضِ التَّصْرِيحُ بِهِ أَيْ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ التَّهْذِيبِ شَهْرَيْنِ بَدَلَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ قَلِيلٌ (أَقُولُ) : وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُفَسَّرَ النَّحْوُ بِالشَّهْرِ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ مُشْرِكٌ] الْمُرَادُ كَافِرٌ [قَوْلُهُ: فَلْيَخْتَرْ] بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ وَلِيُّهُ إنْ كَانَ صَبِيًّا، وَلَوْ أَحْرَمَ أَوْ مَرِضَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَقَبْلَ اخْتِيَارِهِ، وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ النِّسَاءُ إمَاءً حَيْثُ أَسْلَمْنَ مَعَهُ، وَلَوْ فُقِدَتْ شُرُوطُ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كُنَّ أَوَائِلَ أَوْ أَوَاخِرَ] الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ فِي عُقُودٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ] أَيْ الِاخْتِيَارُ، وَقَوْلُهُ مِنْ لَوَازِمِ النِّكَاحِ أَيْ كَطَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ وَطْءٍ أَوْ لِعَانٍ مِنْ الرَّجُلِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْهَا فَسْخٌ، وَلَهُ الِاخْتِيَارُ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخْتَارَةِ وَفَائِدَتُهُ إرْثُهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَمُسْلِمَةً [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ طَلَاقٍ] أَيْ أَنَّ مُفَارَقَةَ الْبَاقِي لَيْسَتْ طَلَاقًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إنَّهَا طَلَاقٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَسْخَ الْبَاقِي الْمَشْهُورِ أَنَّهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: إنَّهُ طَلَاقٌ، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِوَاحِدَةٍ وَاخْتَارَ أَرْبَعًا وَفَارَقَ الْبَاقِيَ فَلَا مَهْرَ لَهُنَّ وَعِنْدَ ابْنِ الْمَوَّازِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خُمْسُ

[من يتأبد تحريم نكاحها]

غِيلَانَ وَقَيَّدْنَا بِمَنْ يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَحَارِمِ، لِمَا صَحَّ «أَنَّ فَيْرُوزَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَسْلَمْت وَتَحْتِي أُخْتَانِ فَقَالَ: اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا) زَادَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَلَمْ تَرْجِعْ إلَيْهِ أَبَدًا. (وَكَذَلِكَ) مِثْلُ تَأْبِيدِ تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ الْمُلَاعَنَةِ (الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ) بِمَعْنَى يَعْقِدُ عَلَيْهَا، وَهِيَ (فِي عِدَّتِهَا) مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَلَوْ رَجْعِيًّا (وَيَطَؤُهَا فِي عِدَّتِهَا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ فِي الْعِدَّةِ، وَدَخَلَ بَعْدَهَا لَا تَحْرُمُ، وَالْمَشْهُورُ تَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ، وَالْقُبْلَةُ وَنَحْوُهَا كَالْوَطْءِ بِشَرْطِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِذَلِكَ. (وَلَا نِكَاحَ) جَائِزٌ لَازِمٌ (لِعَبْدٍ وَلَا لِأَمَةٍ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ) فَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى مِلْكِهِ نَقْصًا، ثُمَّ إنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ اسْتَرَدَّ السَّيِّدُ مَا أَخَذَتْهُ الزَّوْجَةُ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا رُبُعَ دِينَارٍ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ اتَّبَعَتْهُ بِمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ. وَأَمَّا الْأَمَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَإِنْ وَكَّلَتْ رَجُلًا يَعْقِدُ نِكَاحَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْعَبْدِ، إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَدَاقِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَارَقَ الْجَمِيعَ لَزِمَهُ صَدَاقَانِ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ نِصْفُ صَدَاقِهَا. [قَوْلُهُ: حَدِيثُ غِيلَانَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا، «أَنَّ غِيلَانَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ، وَلَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ بَاقِيَهُنَّ» . [مَنْ يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُ نِكَاحِهَا] [قَوْلُهُ: وَمَنْ لَاعَنَ] أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ زَوْجَتَهُ الْمُسْلِمَةَ، وَلَاعَنَتْهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أَبَدًا، وَإِنْ مَلَكَتْ أَوْ انْفَشَّ حَمْلُهَا، وَأَمَّا لِعَانُهُ دُونَ لِعَانِهَا فَلَا فَسْخَ، وَلَا تَأْبِيدَ تَحْرِيمٍ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْهُمْ، إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَ الزَّوْجَانِ إلَيْنَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا فَنَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَتَزَوَّجُ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ تَأْبِيدُ تَحْرِيمِ الَّذِي إلَخْ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَزَوُّجَ الْبَائِنِ مِنْهُ بِدُونِ الثَّلَاثِ جَائِزٌ وَالْمَبْتُوتَةِ مِنْهُ، وَإِنْ حَرُمَ نِكَاحُهُ لَهَا قَبْلَ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَ يُفْسَخُ، وَيُحَدُّ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: مَا جَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ وَجَعَلَهُ خِلَافَ الْمَشْهُورِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ نَافِعٍ، وَقَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ، إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هُنَا قَوْلًا آخَرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بِمُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجْعِيًّا] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ ذَاتُ زَوْجٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوُّجُهَا بِغَيْرِ زَوْجِهَا حَرَامًا، وَيُفْسَخُ لَكِنْ لَا يَتَأَبَّدُ تَحْرِيمُهَا عَلَى مَنْ تَزَوَّجَهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا نِكَاحَ لِعَبْدٍ إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُكَاتَبٍ وَمُكَاتَبَةٍ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ] ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الرَّقِيقِ عَيْبٌ [قَوْلُهُ: فَلَوْ تَزَوَّجَ] تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَازِمٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ الْخِيَارُ] وَوَارِثُ السَّيِّدِ كَهُوَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ لِمُرِيدِ الرَّدِّ، وَلَا شَيْءَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ] هَذَا مَا لَمْ يَبِعْهُ فَإِنْ بَاعَهُ السَّيِّدُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ فَلَا مَقَالَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَدَّ الْعَبْدُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ فَلَهُ فَسْخُ نِكَاحِهِ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا مَقَالَ لَهُ إنْ رُدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْبَيْعِ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَيْبِ التَّزْوِيجِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ سَقَطَ بِالْعِتْقِ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ [قَوْلُهُ: بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ] أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَهُ الْخِيَارُ [قَوْلُهُ: اسْتَرَدَّ السَّيِّدُ مَا أَخَذَتْهُ] إنْ كَانَتْ أَخَذَتْ الزَّائِدَ [قَوْلُهُ: إلَّا رُبُعَ دِينَارٍ] وَذَلِكَ الرُّبْعُ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَفِي حُكْمِ الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ [قَوْلُهُ: اتَّبَعَتْهُ بِمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ إلَخْ] الْإِتْبَاعُ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ إبْطَالِ السَّيِّدِ أَوْ السُّلْطَانِ عِنْدَ غَيْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ دَفَعَ السَّيِّدُ لَهُ مَا فِي ذِمَّةِ

[شروط الولي]

شَاءَ السَّيِّدُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَهُ، وَإِنْ بَاشَرَتْ الْعَقْدَ بِنَفْسِهَا فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ الْإِجَازَةُ بِحَالٍ، بَلْ يَجِبُ الْفَسْخُ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ شُرُوطِ الْوَلِيِّ بِذِكْرِ أَضْدَادِهِ، فَقَالَ: (وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مَنْ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا فَالْمَرْأَةُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ عَقْدُهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَحْرَى، إذْ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا تَعْقِدُ عَلَى الذَّكَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي عَبْدِهَا وَالصَّغِيرِ فِي حِجْرِهَا، وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ فَالْعَبْدُ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ لَا وِلَايَةَ لَهُ إلَّا الْمُكَاتَبَ فِي أَمَتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَلَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَبْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَبْطَلَهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْعِتْقِ لَمْ يُتْبَعْ بَعْدَ عِتْقِهِ بِشَيْءٍ، وَحُكْمُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ حُكْمُ الْقِنِّ، لَكِنْ الْمُكَاتَبُ يَسْقُطُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُغَرَّ أَوْ غُرَّ وَرَجَعَ رَقِيقًا لَا إنْ خَرَجَ حُرًّا [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَجِبُ رَدُّهُ سَوَاءٌ عَقَدَ لَهَا رَجُلٌ بِتَوْكِيلِهَا أَوْ عَقَدَتْ لِنَفْسِهَا، وَلَوْ عَقَدَ لِلْأَمَةِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِصَدَاقٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ، وَيُفْسَخُ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا، وَيَكُونُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الدُّخُولِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِنْ نَقَصَ الْمُسَمَّى عَنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ أُتِمَّ لِلْغَائِبِ نِصْفُ صَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِالْمُسَمَّى. [شُرُوطِ الْوَلِيِّ] [قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ إلَخْ] أَيْ فَشُرُوطُ الْوَلِيِّ ثَمَانِيَةٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ الذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ، وَالْمَجْنُونُ وَالْمَعْتُوهُ الضَّعِيفُ الْعَقْلِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالْمُحْرِمُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ، وَهَذِهِ السِّتَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا، وَهُمَا الرُّشْدُ وَالْعَدَالَةُ، أَمَّا الرُّشْدُ فَنَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ يَعْقِدُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ إذَا كَانَ ذَا رَأْيٍ، وَلَا يَعْقِدُ إذَا كَانَ ضَعِيفَ الرَّأْيِ، وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَسْلُبُ الْوِلَايَةَ، وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِ الْعَقْدِ دُونَ صِحَّتِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَعْقِدُ امْرَأَةٌ] أَيْ نِكَاحَ غَيْرِهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَالشَّرْحِ، وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَتَهَا أَوْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُوَكِّلَ رَجُلًا يَعْقِدُ عَلَى مَمْلُوكَتِهَا أَوْ مَنْ فِي وَصِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الذُّكُورَةُ فَإِنْ عَقَدَتْهُ، وَلَوْ عَلَى نَفْسِهَا كَانَ بَاطِلًا [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٌ إلَخْ] ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَهُ أَوْ أُمَّهُ أَوْ أَمَتَهُ وَالْحَقُّ لِسَيِّدِهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الذُّكُورِيَّةُ فَشَرْطٌ اتِّفَاقًا] لَا مَفْهُومَ لِلْأَوَّلِ بَلْ وَكَذَا مَا بَعْدُ لِمَا عَلِمْت [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجُوزُ] لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّعْلِيلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَحْرَى أَنْ لَا يَجُوزَ إلَخْ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي عَبْدِهَا وَالصَّغِيرِ فِي حِجْرِهَا] فِيهِ قُصُورٌ وَلِذَلِكَ زَادَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّحْقِيقِ وَمَنْ وَكَّلَهَا مِمَّنْ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ الْمَنْعِ مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إلَخْ] أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَهْلٌ لِلْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى، ثَانِيهَا أَنَّ الصَّبِيَّ قَادِرٌ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ إنْ كَرِهَهُ بِخِلَافِ الْأُنْثَى، ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْكَفَاءَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأُنْثَى ذَكَرَهَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمُكَاتَبَ فِي أَمَتِهِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا] هَذَا خِلَافُ الصَّوَابِ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُبَاشِرُ الْعَقْدَ، كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّقِيقِ الْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ مَنْ فِي وَصِيَّتِهِ، نَعَمْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ قَهْرًا عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي نِكَاحِ أَمَتِهِ غِبْطَةٌ وَمَصْلَحَةٌ بِأَنْ دَفَعَ الزَّوْجُ لَهَا صَدَاقًا وَاسِعًا بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْبِرُ عَيْبَ التَّزْوِيجِ، وَيَزِيدُ عَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا كَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا خَمْسِينَ وَبِعَيْبِ التَّزْوِيجِ أَرْبَعِينَ وَصَدَاقُ مِثْلِهَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تَزْوِيجِهَا عَيْبًا، عَشَرَةٌ مَثَلًا فَيُزَوِّجُهَا بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَهِيَ أَزْيَدُ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَمِنْ عَيْبِ التَّزْوِيجِ مَعًا. [قَوْلُهُ: وَلَهُ

الْكَافِرَةِ. (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً لِيُحِلَّهَا) أَيْ يَقْصِدَ أَنْ يُحِلَّهَا (لِمَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ ثِنْتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هُوَ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَلَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ) التَّزْوِيجُ مَعَ الْوَطْءِ لِمَنْ طَلَّقَهَا الْبَتَاتَ، وَإِذَا عَثَرَ عَلَى هَذَا النِّكَاحِ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَبَعْدَهُ بِطَلْقَةٍ وَلَهَا بِالْبِنَاءِ صَدَاقُ الْمِثْلِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ بِهَذَا النِّكَاحِ فُسِخَ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَيُعَاقَبُ مَنْ عَمِلَ بِنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ مِنْ زَوْجٍ وَوَلِيٍّ وَشُهُودٍ وَزَوْجَةٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ قَصْدَ الْمُطَلِّقِ أَوْ الزَّوْجَةِ التَّحْلِيلَ بِنِكَاحِ الثَّانِي لَا يَضُرُّ وَتَحِلُّ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (لِنَفْسِهِ وَلَا يَعْقُدُ نِكَاحًا لِغَيْرِهِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ» فَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُهُ أَوْ إنْكَاحُهُ فُسِخَ أَبَدًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ، وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوِلَايَةُ عَلَى الْكَافِرَةِ] زَوَّجَهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْكَافِرَةِ وَلِيٌّ خَاصٌّ فَأَسَاقِفَتُهُمْ، فَإِنْ امْتَنَعُوا وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلسُّلْطَانِ جَبَرَهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَفْعِ التَّظَالُمِ، وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى تَزْوِيجِهَا مِنْ خُصُوصِ مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَقْصِدُ أَنْ يُحِلَّهَا إلَخْ] أَيْ فَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى التَّزْوِيجِ قَصْدُ الْإِحْلَالِ أَيْ أَوْ قَصْدُ الْإِحْلَالِ مَعَ نِيَّةِ إمْسَاكِهَا إنْ أَعْجَبَتْهُ، وَالْعِبْرَةُ بِالنِّيَّةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَلَوْ طَرَأَتْ لَهُ نِيَّةُ التَّحْلِيلِ عِنْدَ الْوَطْءِ لَا يَضُرُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُحِلَّهَا وَنِيَّتُهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ يُحِلُّهَا فِي الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ وَاسْتَظْهَرَهُ عج [قَوْلُهُ: التَّيْسُ الْمُسْتَعَارُ] التَّيْسُ الذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ، إذَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ، وَقَبْلَ الْبُلُوغِ جَذَعٌ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: هُوَ الْمُحَلِّلُ] أَيْ فَفِي قَوْلِهِ التَّيْسُ تَشْبِيهُ الرَّجُلِ الْمُحَلِّلِ بِالتَّيْسِ وَاسْتِعَارَةُ اسْمِهِ لَهُ عَلَى طَرِيقِ التَّصْرِيحِ بِجَامِعِ الدَّنَاءَةِ، إشَارَةً إلَى أَنَّهُ بِمَثَابَةِ حَيَوَانٍ بَهِيمِيٍّ دَنِيءٍ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِي اقْتِنَائِهِ لِقِلَّةِ مَنْفَعَتِهِ، كَيْفَ وَقَدْ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُسْتَعَارًا لَا ثَبَاتَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» سَمَّاهُ مُحَلِّلًا بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِمْ، وَالْمُحَلِّلُ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى الَّذِي يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَالْمُحَلَّلُ لَهُ هُوَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالشُّهُودِ مَعَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَاحِقَةٌ لِكُلٍّ لِتَعَلُّقِ الْحُرْمَةِ بِالزَّوْجَيْنِ أَشَدُّ، وَلِذَلِكَ «أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ اللَّهَ لَعَنَهُمَا» أَيْ طَرَدَهُمَا عَنْ رَحْمَتِهِ إنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً مَعْنًى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إنْشَائِيَّةً مَعْنًى [قَوْلُهُ: التَّزْوِيجُ] الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَقُولَ، وَلَا يُحِلُّهَا ذَلِكَ الزَّوْجُ [قَوْلُهُ: بِطَلْقَةٍ] أَيْ ذَلِكَ الْفَسْخُ طَلَاقٌ قَالَ تت: أَيْ بَائِنَةٍ وَعِبَارَةُ بَعْضٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ [قَوْلُهُ: وَلَهَا بِالْبِنَاءِ صَدَاقُ الْمِثْلِ] هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَلْ لَهَا الْمُسَمَّى وَصَرَّحَ بِهِ تت قَائِلًا: وَلَهَا الْمُسَمَّى إنْ أَصَابَهَا وَكَلَامُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ هُوَ الْمُنَاسِبُ كَمَا قُرِّرَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ فَسَادِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ، مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَالِكِيِّ أَنْ يَطَأَ مَبْتُوتَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لَا يَضُرُّ وَتَحِلُّ إلَخْ] وَالظَّاهِرُ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نِيَّةُ مَنْ ذَكَرَ لَا تَضُرُّ دُونَ نِيَةِ الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ] بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ، وَلَا يُنْكِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ، وَلَا يَخْطُبُ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرَ نِكَاحًا [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ نِكَاحُهُ إلَخْ] لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ هُوَ الزَّوْجُ، بَلْ مَتَى كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُحْرِمًا أَوْ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَكِيلُ مُحْرِمًا. حَالَ الْعَقْدِ فَالْفَسَادُ، وَأَوْلَى أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ، وَلَا يُرَاعَى وَقْتُ

فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ فَلَهَا الصَّدَاقُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَدْخُولٍ بِهَا لَهَا الصَّدَاقُ، وَمُنْتَهَى الْفَسْخِ فِي الْحَجِّ الْإِفَاضَةُ، وَفِي الْعُمْرَةِ السَّعْيُ. (وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ) وَالْمَرِيضَةُ مَرَضًا مَخُوفًا، وَهُوَ الَّذِي يُحْجَرُ فِيهِ عَنْ مَالِهِ اتِّفَاقًا إنْ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ لَمْ يُشْرِفْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى امْرَأَةٍ تَقُومُ بِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْمَشْهُورَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ الْآخَرُ يَجُوزُ مَعَ الْحَاجَةِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِهَا (وَ) إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ (يُفْسَخُ) ظَاهِرُهُ قَبْلَ الْبِنَاء، وَبَعْدَهُ عَثَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الصِّحَّةِ أَوْ بَعْدَهَا وَشَهَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، أَنَّهُ إذَا عَثَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ الصِّحَّةِ لَا يُفْسَخُ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ أَمْ لَا، وَهَلْ بِطَلَاقٍ أَوْ بِغَيْرِهِ قَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا (وَإِنْ بَنَى بِهَا فَلَهَا الصَّدَاقُ فِي الثُّلُثِ مُبَدَّأُ) ع يُرِيدُ صَدَاقَ الْمِثْلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ قُلْت وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ لَهَا بِالدُّخُولِ الْمُسَمَّى، وَأَنَّ الْمَرِيضَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوْكِيلِ. قَالَ عج. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلِيِّ الْخَاصِّ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ وَالْقَاضِي يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْرِمًا، وَيُوَكِّلُ حَلَالًا فَيَصِحُّ عَقْدُ الْوَكِيلِ الْحَلَالِ [قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ] ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأَوْلَادَ [قَوْلُهُ: بِطَلَاقٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسْخِهِ بِطَلَاقٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُجِيزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْكِحَ، وَيُنْكِحَ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَالْخِلَافُ فِي كُلٍّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ بَهْرَامُ [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ] إنَّمَا ذَكَرَهُ رَدًّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ تَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ بِجَامِعِ الِاسْتِعْجَالِ قَبْلَ الْأَوَانِ [قَوْلُهُ: فَلَهَا الصَّدَاقُ] أَيْ الْمُسَمَّى [قَوْلُهُ: الْإِفَاضَةُ] أَيْ إنْ كَانَ قَدَّمَ السَّعْيَ، وَإِلَّا فَبَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا حَصَلَ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الصِّحَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ بَعْدَ السَّعْيِ وَالطَّوَافِ، وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إنْ قَرُبَ لَا إنْ بَعُدَ، وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ لِبَلَدِهِ كَمَا قَالَ عج أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِ الرُّجُوعِ [قَوْلُهُ: وَفِي الْعُمْرَةِ السَّعْيُ] أَيْ، وَيُنْدَبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَحْلِقَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ] يَلْحَقُ بِهِ فِي الْمَنْعِ كُلُّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مِنْ حَاضِرِ صَفِّ الْقِتَالِ وَمُقَرَّبٍ لِقَطْعٍ وَمَحْبُوسٍ لَا لِقَتْلٍ: وَحَامِلِ سِتَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا بَائِنًا دُونَ الثَّلَاثِ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ حَمْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا لَهَا؛ لِأَنَّهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ [قَوْلُهُ: مَخُوفًا] مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ الْمَخُوفَ مِنْهُ فَحَذَفَ الْجَارَ فَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ فَاتَّصَلَ بِعَامِلِهِ وَاسْتَعْمَلَ الشَّارِحُ هُنَا صِيغَةَ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، وَهُوَ مَطْرُوقٌ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّبَبَيْنِ فِيهِ نِزَاعٌ. [قَوْلُهُ: إنْ أَشْرَفَ] رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْعِبَارَةِ أَيْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمَرِيضِ اتِّفَاقًا إنْ أَشْرَفَ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ إنْ لَمْ يُشْرِفْ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا يَجُوزُ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ، أَوْ فِي الْإِصَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ [قَوْلُهُ: وَلَوْ احْتَاجَ إلَى امْرَأَةٍ إلَخْ] هَذَا هُوَ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ مَا إذَا كَانَ رَجُلٌ مَرِيضًا وَزَوْجَتُهُ حَامِلٌ وَطَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَمْ تَقْرَبْ مِنْ الْوِلَادَةِ. وَأَمَّا لَوْ قَرُبَتْ مِنْهَا مُنِعَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا إرْثُهَا لَهُ تَبَعٌ لِمَا فِي بَطْنِهَا، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّهَا وَارِثٌ مُسْتَقِلٌّ كَذَا قُرِّرَ وَانْظُرْهُ [قَوْلُهُ: وَشَهَرَ فِي إلَخْ] ، وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: حُرَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ أَمْ لَا] أَيْ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ، وَهِيَ إدْخَالُ وَارِثٍ لَمْ تُؤْمَنْ، لِجَوَازِ عِتْقِ الْأَمَةِ، وَإِسْلَامِ الْكِتَابِيَّةِ فَيَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، لَا يُقَالُ الْحَقُّ لِلْوَارِثِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِإِجَازَتِهِ كَالتَّبَرُّعِ بِزَائِدِ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إخْرَاجُ الْمَالِ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَعْلَمَ الْوَارِثُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَيَحْتَمِلُ مَوْتَ الْمُجِيزِ وَحُدُوثَ وَارِثٍ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ بِطَلَاقٍ] ، وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَذَا، قُرِّرَ، وَقَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ [قَوْلُهُ: مُبَدَّأٌ] فِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ إذْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فِي الثُّلُثِ فَكُّ الْأَسِيرِ وَمُدَبَّرُ الصِّحَّةِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ لَهَا بِالدُّخُولِ

مِنْ الْمُسَمَّى، وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ (وَلَا مِيرَاثَ لَهَا) أَيْ لِمَنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْمَرَضِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ إدْخَالِ وَارِثٍ، وَإِخْرَاجِهِ وَلِيُعَامَلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ (وَ) مَعَ ذَلِكَ (لَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) الطَّلَاقُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ (وَكَانَ الْمِيرَاثُ لَهَا مِنْهُ إنْ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ) مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، وَلَا يَرِثُهَا هُوَ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا، وَيَرِثُهَا إنْ كَانَ رَجْعِيًّا مَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْعِدَّةِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَمَرِضَ مَرَضًا آخَرَ فَلَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ مِيرَاثِهَا. (وَمَنْ طَلَّقَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ (امْرَأَتَهُ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِمِلْكٍ وَلَا نِكَاحٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) لِلْآيَةِ. وَالْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ، وَفِي الْآيَةِ الْوَطْءُ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ: «لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك» وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ وَطْءِ السَّيِّدِ أَمَتَهُ الَّتِي أَبَتَّ زَوْجُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَمَّى] يُقْضَى لَهَا بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ لَهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. وَقَوْلُهُ إنَّ الْمَرِيضَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، أَيْ وَمِنْ الثُّلُثِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمَرِيضَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ الْمُسَمَّى وَعَلَى الْمَرِيضِ بِهِمَا أَيْ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ، الْأَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ هَذَا إذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ، وَلَمْ يَحْصُلْ فَسْخٌ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ فَسْخٌ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهَا الْمُسَمَّى تَأْخُذُهُ مِنْ الثُّلُثِ مُبَدَّأً إنْ مَاتَ، وَإِنْ صَحَّ تَأْخُذُهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ مَرِيضَيْنِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَغْلِبُ جَانِبُ الزَّوْجِ فَعَلَيْهِ إنْ دَخَلَ الْأَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الثُّلُثُ وَالْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ أَفْرَدَ الزَّوْجُ بِالْمَرَضِ. [قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ] ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَرَضُ مَخُوفًا احْتِرَازًا عَنْ الْخَفِيفِ فَلَا إرْثَ لَهَا إنْ مَاتَ فِيهِ، وَكَانَ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنًا وَرَجْعِيًّا يَتَوَارَثَانِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِيرَاثِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمِيرَاثِ مِنْ الْأَحْكَامِ فَحُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ فِي الْمَرَضِ حُكْمُ غَيْرِهَا مِمَّنْ طَلُقَتْ فِي غَيْرِهِ مِنْ وُجُوبِ جَمِيعِ الصَّدَاقِ، إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا وَالنِّصْفُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَعَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهَا، وَإِنْ قَتَلَتْهُ خَطَأً وَرِثَتْ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ، وَإِنْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا عُدْوَانًا لَمْ تَرِثْ مِنْ مَالٍ، وَلَا دِيَةٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ دُخُولُ الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ إذَا عَتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَبَاهُ سَحْنُونَ. وَمَفْهُومُ طَلَّقَ أَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ، وَقُتِلَ مُرْتَدًّا لَمْ يُورَثْ إذْ لَا يُتَّهَمُ بِالرِّدَّةِ عَلَى مَنْعِ الْمِيرَاثِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبُغْضِ لِمَنْ يَرِثُهُ. اللَّخْمِيُّ: لَوْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّ رِدَّتَهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَإِنْ قِيلَ النَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَا شَكَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى عَنْ إخْرَاجِ وَارِثٍ كَمَا نَهَى عَنْ إدْخَالِهِ» ، فَالشَّأْنُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى الْمَرِيضِ طَلَاقٌ، قُلْت النَّهْيُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْقَى بِشَكٍّ وَالشَّكُّ حَاصِلٌ فِي الْعِصْمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً، فَيَكُونُ طَلَاقُهُ كَالْوَاقِعِ فِي الصِّحَّةِ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمُهُ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ. [قَوْلُهُ: مَاتَ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ] أَيْ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. . [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَيْ إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ ثِنْتَيْنِ إنْ كَانَ عَبْدًا حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الطَّلَاقِ الزَّوْجُ عَكْسُ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ] لَا دَلَالَةَ لِجَوَازِ أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْآيَةِ يُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ، وَيَكُونُ مُقَيَّدًا بِالْوَطْءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: لَا حَتَّى إلَخْ] فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنِّي كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي أَيْ طَلَّقَنِي ثَلَاثَةً» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ الزَّبِيرِ بِفَتْحِ الزَّايِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ أَيْ فِي الِارْتِخَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «فَاعْتَرَضَ، وَلَمْ يُصِبْهَا فَفَارَقَهَا، فَتَبَسَّمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ

[الطلاق وما يتعلق به]

طَلَاقَهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّهَا لَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا وَلَوْ خَصِيًّا قَائِمَ الذَّكَرِ مَقْطُوعَ الْخُصْيَتَيْنِ، تَزَوَّجَهَا تَزَوُّجًا لَازِمًا احْتِرَازًا مِنْ نِكَاحِ الْخِيَارِ كَنِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَنْ يُولِجَ حَشَفَتَهُ أَوْ مِثْلَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي قُبُلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْإِيلَاجِ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ، فَإِنَّهُ لَا عُسَيْلَةَ مَعَهُ إيلَاجًا مُبَاحًا احْتِرَازًا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ أَوْ الْعِدَّةِ أَوْ وَطْء الْمُحَلِّلِ مِنْ غَيْرِ تَنَاكُرٍ فِيهِ، وَأَنْ تُعْلَمَ الْخَلْوَةُ الْمُعْتَادَةُ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ تَكُونَ عَالِمَةً بِالْوَطْءِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهَا وَالْمَجْنُونَةِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطَّلَاقِ، وَهُوَ لُغَةً: الْإِرْسَالُ مِنْ قَوْلِك أَطْلَقْت النَّاقَةَ فَانْطَلَقَتْ إذَا أَرْسَلْتهَا مِنْ عِقَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُسَيْلَتَك» وَالْمُرَادُ بِالْعُسَيْلَةِ مَغِيبُ الْحَشَفَةِ. وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْعَسَلُ يَذَّكَّرُ، وَيُؤَنَّثُ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَيُصَغَّرُ عَلَى عُسَيْلَةٍ عَلَى لُغَةِ التَّأْنِيثِ، ذَهَابًا إلَى أَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنْ الْجِنْسِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ فَإِنَّهُ شَبَّهَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِحَلَاوَةِ الْعَسَلِ، وَسُمِّيَ الْجِمَاعُ عَسَلًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي كُلَّ مَا تَسْتَحْلِيهِ عَسَلًا، وَأَشَارَ بِالتَّصْغِيرِ إلَى تَقْلِيلِ الْقَدْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي حُصُولِ الِاكْتِفَاءِ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ اللَّذَّةِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ وَفِي بَعْضِ مَنْ كَتَبَ عَلَى مُسْلِمٍ مَا نَصُّهُ عُسَيْلَةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ شَبَّهَ لَذَّتَهُ بِلَذَّةِ الْعَسَلِ وَحَلَاوَتِهِ. اهـ. وَالْأَحْسَنُ الْمُوَافِقُ لِصَدْرِ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ أَنْ يُقَالَ شَبَّهَ وَضْعَ الْحَشَفَةِ بِالْعَسَلِ بِجَامِعِ اللَّذَّةِ وَاسْتَعَارَ اسْمَهُ لَهُ، وَقَوْلُهُ تَذُوقِي تَرْشِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُلَائِمَاتِ الْعَسَلِ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا] أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ مُتَزَوِّجًا يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَا تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بَالِغًا] احْتِرَازًا مِنْ الصَّبِيِّ فَوَطْؤُهُ كَالْعَدَمِ فَلَا تَحِلُّ، وَيُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ عِنْدَ الْوَطْءِ فَإِذَا عَقَدَ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَلَمْ يَدْخُلْ حَتَّى بَلَغَ حَلَّتْ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ خَصِيًّا] أَيْ؛ لِأَنَّ ذَوَاقَ الْعُسَيْلَةِ يَحْصُلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ الْإِنْزَالَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّلِيمِ، وَهَذَا مَعَ عِلْمِ الزَّوْجَةِ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ نِكَاحُ مَعِيبٍ فَلَا يُحِلُّهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ [قَوْلُهُ: كَنِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إلَخْ] أَيْ أَوْ نِكَاحِ ذَاتِ الْعَيْبِ أَوْ الْمَغْرُورَةِ بَهْرَامُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ السَّيِّدُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَإِنْ أَجَازَ السَّيِّدُ أَوْ رَضِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ وَوَطِئَ الزَّوْجُ بَعْدَ لُزُومِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُولِجَ حَشَفَتَهُ إلَخْ] ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِيلَاجِ أَنْ يُوجِبَ الْغُسْلَ فَلَوْ غَيَّبَهَا فِي هَوَى الْفَرْجِ أَوْ لَفَّ خِرْقَةً كَثِيفَةً فَلَا تَحِلُّ لَهُ. [قَوْلُهُ: بِانْتِشَارٍ إلَخْ] ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِشَارُ تَامًّا، وَلَوْ حَصَلَ الِانْتِشَارُ بَعْدَ إيلَاجِهِ، وَلَوْ لَمْ يُنْزِلْ كَمَا قَدَّمْنَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ أَنَّ وَطْءَ الْعِنِّينِ وَالْخُنْثَى لَا يُحِلُّهَا. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ] أَوْ النِّفَاسِ أَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا، وَقَبْلَ الْغُسْلِ مِنْهُمَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْوَطْءُ فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَنَاكُرٍ فِيهِ] أَيْ فَلَوْ حَصَلَتْ نُكْرَةٌ فِي الْإِيلَاجِ فَلَا تَحِلُّ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ، طَالَ الْأَمْرُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَمْ لَا مَا لَمْ يَحْصُلْ تَصَادُقٌ عَلَيْهِ، وَحَيْثُ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَ الْإِنْكَارِ فَهُوَ صَادِقٌ بِالتَّصَادُقِ، وَعَدَمُ عِلْمِ الْحَالِ بِغَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تُعْلَمَ الْخَلْوَةُ الْمُعْتَادَةُ بَيْنَهُمَا] وَتَثْبُتُ بِامْرَأَتَيْنِ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْخَلْوَةِ، وَإِلَّا لَمْ تَحِلَّ. قَالَ أَشْهَبُ فِي مُدَوَّنَتِهِ، وَلَوْ صَدَّقَهَا الثَّانِي عَلَى الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا تُتَّهَمُ عَلَى الْوَطْءِ لِتَمْلِكَ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَهَا، وَيُتَّهَمُ الثَّانِي لِيَمْلِكَ الرَّجْعَةَ فَلَوْ عُلِمَتْ الْخَلْوَةُ وَتَصَادَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى الْوَطْءِ، أَوْ غَابَ الْمُحَلِّلُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ مِنْهُ إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ صُدِّقَتْ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ عَالِمَةً إلَخْ] ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ فَإِذَا وَطِئَهَا مَجْنُونًا فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِأَنْ طَرَأَ لَهُ الْجُنُونُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحِلِّيَّةَ وَعَدَمَهَا مِنْ صِفَاتِهَا هِيَ فَاعْتُبِرَتْ فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ امْرَأَةِ رِفَاعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى تَذُوقِي إلَخْ. . [الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِك] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَهُوَ لُغَةُ الْإِرْسَالِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِك إلَخْ، وَقَوْلُهُ إذَا أَرْسَلْتهَا بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَقُولُ ذَلِكَ إذَا أَرْسَلْتهَا، وَقَوْلُهُ، وَقَيْدٍ أَيْ أَوْ قَيْدٍ، وَقَوْلُهُ حَلُّ الْعِصْمَةِ: الْعِصْمَةُ وَصْفٌ اعْتِبَارِيٌّ نَاشِئٌ مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَوْلُهُ الْمُنْعَقِدَةِ أَيْ

[أقسام الطلاق باعتبار أنواعه]

وَقَيْدٍ، وَاصْطِلَاحًا: حَلُّ الْعِصْمَةِ الْمُنْعَقِدَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَالْقَصْدُ فَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَكَذَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ، مَعَ الْعِلْمِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّهُ لَمْ يُدْهَشْ بِالْإِكْرَاهِ عَنْهَا، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ كَاللَّخْمِيِّ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ وَكَذَا الْأَعْجَمِيُّ إذَا لُقِّنَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ لَا يَفْقَهُهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ، وَالرَّابِعُ الصِّيغَةُ وَتَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَإِلَى كِنَايَةٍ وَهِيَ قِسْمَانِ: ظَاهِرَةٌ وَسَتَأْتِي وَمُحْتَمِلَةٌ نَحْوَ اذْهَبِي وَانْصَرِفِي فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي نِيَّتِهِ وَعَدَدِهِ. وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: بِدْعِيٍّ وَسُنِّيٍّ. فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ؟ (وَطَلَاقُ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِدْعَةٌ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَقَرِّرَةِ الثَّابِتَةِ. [قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا إلَخْ] عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تَرْفَعُ حِلِّيَّةَ مُتْعَةِ الزَّوْجِ بِزَوْجَتِهِ، مُوجِبًا تَكَرُّرَهَا مَرَّتَيْنِ لِلْحُرِّ وَمَرَّةً لِذِي رِقٍّ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجٍ. [قَوْلُهُ: وَالزَّوْجَةُ] أَيْ الْمَمْلُوكَةُ عِصْمَتُهَا لِلزَّوْجِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ عِنْدَ خِطْبَتِهَا أَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. [قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ] الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ أَنْ يَقْصِدَ اللَّفْظَ فِي الصَّرِيحِ أَوْ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ حَلَّ الْعِصْمَةِ أَوْ قَصَدَ حَلَّ الْعِصْمَةِ فِي الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ] يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ فَالْتَوَى لِسَانُهُ فَتَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ ثَبَتَ سَبْقُ لِسَانِهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى، وَيَلْزَمُ فِي الْقَضَاءِ وَمَنْ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ طَارِقًا فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا يَا طَارِقُ فَالْتَفَتَ لِسَانُهُ، وَقَالَ يَا طَالِقُ، وَادَّعَى أَنَّهُ الْتَفَتَ لِسَانُهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي الْفَتْوَى لَا فِي الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَسْقَطَ حَرْفَ النِّدَاءِ مَعَ إبْدَالِ الرَّاءِ لَامًا، وَادَّعَى الْتِفَاتَ لِسَانِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِحُصُولِ شَيْئَيْنِ الْحَذْفُ وَالِالْتِفَاتُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ] الْإِكْرَاهُ يَكُونُ بِخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَلَوْ قَلَّ أَوْ سَجْنٍ أَوْ قَيْدٍ ظَاهِرُهُ فِيهِمَا، وَإِنْ قَلَّ أَوْ صَفْعٍ فِي الْقَفَا لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلَأٍ أَوْ بِجَمْعٍ، وَلَوْ غَيْرَ أَشْرَافٍ، فَإِنْ فُعِلَ بِهِ فِي الْخَلَاءِ فَلَيْسَ إكْرَاهًا لَا فِي ذِي الْمُرُوءَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، أَيْ إذَا كَانَ يَسِيرًا، وَأَمَّا كَثِيرُهُ فَإِكْرَاهٌ، وَلَوْ فِي الْخَلَاءِ، وَالْمُرَادُ التَّخْوِيفُ بِذَلِكَ لَا حُصُولُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مَا يَحْصُلُ مِنْ التَّهْدِيدِ بِهِ، الْخَوْفُ لِذِي الْمُرُوءَةِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَلَأِ وَالْخَلَاءِ وَالْيَسِيرِ مَا يَحْصُلُ بِالتَّهْدِيدِ بِهِ، الْخَوْفُ لِذِي الْمُرُوءَةِ فِي الْمَلَأِ، وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِكْرَاهِ كَوْنُ الْخَوْفِ بِهِ يَقَعُ نَاجِزًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ إنْ لَمْ تُطَلِّقْ زَوْجَتَك فَعَلْت كَذَا بِك بَعْدَ شَهْرٍ وَحَصَلَ الْخَوْفُ بِذَلِكَ كَانَ إكْرَاهًا، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ طَلْقَةً فَطَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ عَبْدًا فَأَعْتَقَ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ عَكْسَهُ، فَاسْتُظْهِرَ عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ. [قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ] وَمُقَابِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ إلَخْ] التَّوْرِيَةُ: أَنْ يَأْتِيَ الْحَالِفُ بِلَفْظٍ فِيهِ إيهَامٌ عَلَى السَّامِعِ لَهُ مَعْنَيَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، وَيُرِيدُ الْبَعِيدَ كَقَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ، وَيُرِيدُ مِنْ وَثَاقٍ أَوْ يُرِيدُ وَجَعَهَا بِالطَّلْقِ، وَمَعْنَاهُ الْقَرِيبُ إبَانَةُ الْعِصْمَةِ. [قَوْلُهُ: مَعَ الْعِلْمِ] أَيْ بِهَا، وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ إلَخْ مُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِرَافِ وَبَعْدُ فَهَذَا التَّقْيِيدُ ضَعِيفٌ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ تَرَكَهَا مَعَ مَعْرِفَتِهَا. [قَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ] أَيْ لَا فِي الْفَتْوَى، وَلَا فِي الْقَضَاءِ. [قَوْلُهُ: إلَى صَرِيحٍ] أَيْ لَفْظٍ صَرِيحٍ، وَقَوْلُهُ وَمُحْتَمِلَةٌ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ ظَاهِرَةٌ أَنْ يَقُولَ وَخَفِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي نِيَّتِهِ وَعَدَدِهِ] فَإِذَا قَالَ لَهَا اذْهَبِي وَانْصَرِفِي مَثَلًا وَقَالَ لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ طَلَاقًا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحِلَّ الْحَلِفِ إذَا كَانَ فِي وَقْتِ غَضَبٍ بِحَيْثُ يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَنَّهُ قَصَدَ الطَّلَاقَ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ بِطَلْقَةٍ أَوْ أَكْثَرَ عُمِلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي عَدَدٍ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ هَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَفْتَى بِوَاحِدَةٍ إلَى أَنْ مَاتَ، وَالظَّاهِرُ رَجْعِيَّةٌ فِي الدُّخُولِ بِهَا بَائِنَةٌ فِي غَيْرِهَا وَانْظُرْ هَلْ يَحْلِفُ فِي دَعْوَاهُ عَدَدًا دُونَ الثَّلَاثِ. [أَقْسَام الطَّلَاقَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ] [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ

[الرجعة]

مُحْدَثَةٌ لِمَا فِي النَّسَائِيّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» (وَ) مَعَ ذَلِكَ (يَلْزَمُهُ) الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ (إنْ وَقَعَ) فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. (وَ) أَمَّا الثَّانِي فَهُوَ (طَلَاقُ السُّنَّةِ) أَيْ الَّذِي أَذِنَتْ فِيهِ السُّنَّةُ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (مُبَاحٌ) ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا) أَيْ لَمْ يُجَامِعْهَا (فِيهِ طَلْقَةً) وَاحِدَةً (ثُمَّ لَا يُتْبِعُهَا طَلَاقًا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ قُيُودٍ مَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ سُنِّيًّا، فَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي طُهْرٍ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ، وَلَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، وَبِطَلْقَةٍ مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَبِلَا يُتْبِعُهَا إلَخْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعِهِ] أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِيَّةِ لَا بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ. [قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الثَّلَاثِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ] أَوْ فِي حُكْمِ الْكَلِمَةِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ تَأْكِيدٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْدَثَةٌ] أَيْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا بَلْ أُمِرَ بِخِلَافِهَا فَلَا يُنَافِي وُقُوعَهَا فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: تَطْلِيقَاتٍ] جَمْعُ تَطْلِيقَةٍ مَصْدَرُ طَلَّقَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقًا. اهـ. فَتَطْلِيقَةٌ مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْوَحْدَةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ] ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ. [قَوْلُهُ: «أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ» ] أَيْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ وَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَكُلِّ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ [قَوْلُهُ: «وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» ] أَيْ بَيْنَكُمْ وَفَائِدَةُ إدْخَالِهِ فِي الْكَلَامِ أَنَّ إقَامَتَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِظْهَارِ بِهِمْ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِمْ، وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ ظَهْرًا مِنْهُمْ قُدَّامَهُ وَظَهْرًا وَرَاءَهُ فَكَأَنَّهُ مَكْتُوفٌ مِنْ جَانِبَيْهِ هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَكْتُوفٍ فِيهِمْ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ] أَيْ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الطَّلَاقَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» ، وَإِضَافَتُهُ إلَى السُّنَّةِ، وَإِنْ جَاءَ الْإِذْنُ فِيهِ أَيْضًا مِنْ الْكِتَابِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] ؛ لِأَنَّ قُيُودَهُ مِنْ السُّنَّةِ [قَوْلُهُ: فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ قُيُودٍ] وَزِيدَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الطَّلْقَةُ كَامِلَةً، وَأَنْ يُوقِعَهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَرْأَةِ، وَالْبِدْعِيُّ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ الْحَيْضِ حَرَامٌ فِي زَمَنِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ إنْ طَلَّقَهَا فِيهِ، كَمَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا إذَا طَلَّقَهَا بَيْنَ دَمَيْنِ يُلَفَّقُ ثَانِيهِمَا لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ غَيْرَ حَرَامٍ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِمُعَاوَدَةِ الدَّمِ، وَزَادَ فِي الْإِرْشَادِ أَنْ يَكُونَ تَالِيًا لِحَيْضٍ لَمْ يُطَلِّقْ فِيهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَجُبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَطَلَّقَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ صَارَ كَمَنْ لَمْ يُرَاجِعْ فِي طَلَاقِ الْحَيْضِ، إذْ الرَّجْعَةُ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِالْوَطْءِ، وَإِذَا وَطِئَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ طَلَاقَ السُّنَّةِ، وَزِيدَ آخَرُ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّلَاقِ بِلَا عِوَضٍ، وَإِلَّا كُرِهَ تت. [قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ] أَيْ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ إجْمَاعًا، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ، فَقِيلَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَيَكُونُ تَطْوِيلًا عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقِيلَ تَعَبُّدٌ. [قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ] أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ: لِلُبْسِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا بِمَاذَا تَكُونُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي هَلْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَزِمَهُ وَاعْتَدَّتْ بِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِرَجْعَتِهَا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَبِلَا يُتْبِعَهَا إلَخْ] وَضَّحَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ: فَإِذَا أَتْبَعَهَا طَلَاقًا قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَلَيْسَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ سُنِّيًّا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ إذَا نَوَى ذَلِكَ عِنْدَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِهِ، وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ الثَّانِيَ دَاخِلَ الْعِدَّةِ أَوْ الثَّلَاثَ كَانَ الْأَوَّلُ سُنِّيًّا وَالثَّانِي بِدْعَةٌ، بَلْ مَتَى نَوَى عِنْدَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ أَنْ يُتْبِعَهَا بِأُخْرَى كَانَ الْأَوَّلُ بِدْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يُتْبِعْهَا. تَتِمَّةٌ: الطَّلَاقُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْإِبَاحَةُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْحُرْمَةُ وَالْوُجُوبُ. أَمَّا الْوُجُوبُ: بِأَنْ يَلْزَمَ عَلَى عَدَمِهِ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ كَأَنْ لَا يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَعْجِزَ عَنْ الْوَطْءِ مَعَ عَدَمِ رِضَاهَا بِذَلِكَ. وَأَمَّا النَّدْبُ: بِأَنْ تَكُونَ زَانِيَةً أَوْ تَارِكَةَ الصَّلَاةِ، وَلَا تَنْزَجِرُ عَنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِحُبِّهَا فَلَهُ مَسْكُهَا وَعُلِمَ بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ مِمَّا تَقَدَّمَ. [الرَّجْعَةِ] [قَوْلُهُ:

مِمَّا إذَا طَلَّقَ الرَّجْعِيَّةَ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرَّجْعَةِ فَقَالَ: (وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي الَّتِي تَحِيضُ مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي) حَقِّ (الْحُرَّةِ أَوْ) فِي الْحَيْضَةِ (الثَّانِيَةِ فِي) حَقِّ (الْأَمَةِ) ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ بَيْنَهُمَا مَا عَدَا الْوَطْءَ وَالرَّجْعَةُ تَكُونُ بِالنِّيَّةِ، مَعَ الْقَوْلِ كَرَاجَعْتُهَا، وَأَمْسَكْتهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ كَالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَفِي رَجْعَتِهِ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ قَوْلَانِ، وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَوْلُ دُونَ النِّيَّةِ فَرَجْعَةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، وَالْوَطْءُ دُونَ النِّيَّةِ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ لَا ظَاهِرًا وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَهُ الرَّجْعَةُ] الرَّجْعَةُ تَعْتَرِيهَا أَحْكَامٌ خَمْسَةٌ كَمَا تَعْتَرِي النِّكَاحَ، وَأَمْثِلَتُهَا تُعْرَفُ مِنْ أَمْثِلَةِ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ، وَلَمَّا كَانَ حُكْمُهَا الْأَصْلِيُّ الْجَوَازَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مُفْلِسًا أَوْ سَفِيهًا أَوْ عَبْدًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، لِقَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خَمْسَةٌ تَجُوزُ رَجْعَتُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُمْ. [قَوْلُهُ: فِي الَّتِي تَحِيضُ] أَيْ وَطَلُقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ فِي غَيْرِ زَمَنِ حَيْضٍ، وَأَمَّا الَّتِي طَلُقَتْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَيُرَاجِعُهَا مَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الرَّابِعَةِ إنْ كَانَتْ حُرَّةً، أَوْ الثَّالِثَةِ إنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنْ دَخَلَتْ الْحُرَّةُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْأَمَةُ فِي الثَّالِثَةِ حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، لَكِنْ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تُعَجِّلَ الزَّوَاجَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِهِ قَبْلَ حُصُولِ مَا بَعْدَ حَيْضَةٍ فِي بَابِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ. [قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْحُرَّةِ] ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، وَقَوْلُهُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالزَّوْجَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ الْحُرَّةُ فِي الثَّالِثَةِ وَالْأَمَةُ فِي الثَّانِيَةِ لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا، فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا قَالُوهُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِدَّةِ، هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ فَالْجَوَابُ إذَا رَأَتْ دَمَ الْحَيْضِ الْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهُ وَانْقِطَاعُهُ قَبْلَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ أَيُّ بَعْضٍ لَهُ بَالٌ، وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى سَاعَةٍ نَادِرٌ، كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ فُرِضَ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَلَا تَصِحُّ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَثْبُتُ بِالدُّخُولِ. ثَانِيهَا أَنْ يَطَأهَا وَطْئًا صَحِيحًا فَلَا تَصِحُّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَمْ يَطَأْ فِيهِ أَوْ وَطِئَ فِيهِ وَطْئًا حَرَامًا فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ صِيَامٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَا وَطْءٍ إذْ الْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا. [قَوْلُهُ: كَرَاجَعْتهَا، وَأَمْسَكْتهَا] كَذَا فِي النُّسَخِ رَاجَعْتهَا إلَخْ، وَلَا يُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إنْ رَاجَعْتهَا صَرِيحَةً وَكَذَا ارْتَجَعْتهَا فَلَا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ، وَكَذَا رَجَعْتهَا عِنْدَ الزَّرْقَانِيِّ، وَأَمَّا أَمْسَكْتهَا فَهِيَ مِنْ الْمُحْتَمَلِ الَّذِي يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَمْسَكْتهَا تَعْذِيبًا لَهَا، وَكَذَا رَجَعْتهَا عِنْدَ غَيْرِ الزَّرْقَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ رَجَعْت عَنْ صُحْبَتِهَا. [قَوْلُهُ: كَالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ] أَيْ مَعَ النِّيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: وَفِي رَجَعْته بِالنِّيَّةِ فَقَطْ قَوْلَانِ إلَخْ] قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّحِيحُ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ، فَإِذَا نَوَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فَقَدْ صَحَّتْ رَجْعَتُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أَظْهَرَ لَنَا مَا أَضْمَرَ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ أَيْ بِأَنْ يُجْرِيَ عَلَى قَلْبِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هِيَ طَالِقٌ لَا أَنَّهُ يَنْوِي طَلَاقَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ رَدَّ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ، وَيَعِزُّ وُجُودُ هَذَا الْقَوْلِ مَنْصُوصًا فِي الْمَذْهَبِ، إنَّمَا هُوَ تَخْرِيجٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ خَلِيلٌ وَصُحِّحَ خِلَافُهُ أَيْ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ. فَلَوْ نَوَى ثُمَّ أَصَابَ فَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ بِرَجْعَةٍ تَقَدَّمَتْ النِّيَّةَ بِيَسِيرٍ، فَقَوْلَانِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ كَوْنِ الرَّجْعَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَقَطْ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ وَرُفِعَ لِلْقَاضِي بِسَبَبِ ذَلِكَ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالنِّيَّةِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَمْنَعُهُ مِنْهَا وَإِذَا مَاتَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِرَجْعَتِهِ، فِيهَا بِالنِّيَّةِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ إرْثُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِذَا رَفَعَ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَوْلُ دُونَ النِّيَّةِ] أَيْ: بِأَنْ تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ هَازِلًا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ هَازِلًا فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَهُوَ رَجْعَةٌ

بَاطِنًا (فَإِنْ كَانَتْ) الْمُطَلَّقَةُ (مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ) لِصِغَرٍ (أَوْ مِمَّنْ يَئِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ) ج أَرَادَ بِهَا مَنْ أَيِسَ الْحَيْضُ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا الْخَمْسِينَ أَوْ السِّتِّينَ أَوْ السَّبْعِينَ سَنَةً، كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (طَلَّقَهَا مَتَى شَاءَ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ) يُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ وَلَوْ قَدَّمَ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ. (وَتَرْجِعُ الْحَامِلُ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَفَائِدَةُ كَوْنٌ الْهَزْلِ رَجْعَةً فِي الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ لَزِمَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ قَسْمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْفَى حِلُّهَا فِي النِّكَاحِ بِالْهَزْلِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ نِيَّةٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ، فَقَدْ اُشْتُرِطَتْ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ الْمُحْتَمَلُ الْخَالِي عَنْ النِّيَّةِ كَأَعَدْت الْحِلَّ أَوْ رَفَعْت التَّحْرِيمَ، فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ الْمُرْجَعَةَ وَغَيْرَهَا إذْ يَحْتَمِلُ لِي أَوْ لِلنَّاسِ وَرَفَعْت التَّحْرِيمَ عَنِّي أَوْ عَنْ النَّاسِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ رَجْعَةٌ، حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَلَا دَلَالَةَ ظَاهِرَةً بِخِلَافِ أَعَدْت حِلَّهَا أَوْ رَفَعْت تَحْرِيمَهَا فَرَجْعَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى الرَّجْعَةِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَعَدْت حِلَّهَا لِلنَّاسِ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ دَلَالَتُهُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَإِمَّا بِقَوْلٍ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ مَعَ نِيَّةٍ كَاسْقِينِي الْمَاءَ نَاوِيًا بِهِ الرَّجْعَةَ فَتَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ عَلَى ظَاهِرِ ابْنِ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: وَالْوَطْءُ دُونَ النِّيَّةِ إلَخْ] فَعَلَيْهِ لَوْ وَطِئَهَا، وَلَمْ يَنْوِ رَجْعَتَهَا وَاسْتَرْسَلَ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْعِدَّةِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ فِي أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَفْتَقِرُ لِنِيَّةٍ. قَالَ ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ الصَّوَابُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَبِهِ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِي. اهـ. وَمَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لِانْعِقَادِهَا بِصِيغَةِ النِّكَاحِ إنْ نَوَاهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ إلَخْ] أَيْ، وَيَكُونُ بِدْعِيًّا إذَا أَوْقَعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، أَوْ يُوقِعُ وَاحِدَةً مَعَ نِيَّةِ وُقُوعِ أُخْرَى. فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَحِيضِ] الْمَحِيضُ لُغَةً فِي الْحَيْضِ. [قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهَا مَنْ أَيِسَ الْحَيْضُ مِنْهَا] أَيْ فَيَصْدُقُ بِبِنْتِ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَيِسَ مِنْ حَيْضِهَا لِأَمْرٍ مَا، وَالْحَيْضُ نَائِبُ فَاعِلِ أَيِسَ، وَأَيِسَ أَيَسًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَكَسْرُ الْمُضَارِعِ لُغَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، ثُمَّ فِي الْمَقَامِ أُمُورٌ. الْأَوَّلُ: أَنَّ أَيِسَ لَازِمٌ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَهُوَ مِنْ فَلَا يُصَاغُ مِنْهُ فُعِلَ يَتَعَدَّى لِلْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ عَدَّاهُ الشَّارِحُ لِلْمَفْعُولِ بِنَفْسِهِ وَجَعَلَهُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ حَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ لِلْفَاعِلِ لَا لِلْحَيْضِ وَارْتِكَابُ التَّجَوُّزِ مِمَّا لَا يُجْدِي شَيْئًا. الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ أَرَادَ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُتَبَادِرًا مِنْ اللَّفْظِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَفَاهُ مُتَبَادِرٌ، مَعَ أَنَّ هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ مُرَادًا عَيْنُ الْمُصَنِّفِ لَا فَرْقَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَرَادَ مَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا الْحَيْضُ، وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِيَاسِ كَبِنْتِ عِشْرِينَ سَنَةً مَثَلًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا إلَخْ لَظَهَرَ التَّعْبِيرُ بِهَذِهِ الْمَادَّةِ فَتَدَبَّرْ. الثَّالِثُ أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا دَاعِيَ لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيَاسِ هُنَا كَوْنُ الدَّمِ انْقَطَعَ عَنْهَا مُدَّةً يُوجِبُ لَهَا أَنْ لَوْ طَلُقَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّمَ إذَا انْقَطَعَ لَا لِسَبَبٍ أَوْ لِمَرَضٍ، وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِيَاسِ كَبِنْتِ عِشْرِينَ أَنْ تَتَرَبَّصَ سَنَةً تِسْعَةً لِلِاسْتِبْرَاءِ وَثَلَاثَةً لِلْعِدَّةِ، وَهَلْ تِلْكَ السَّنَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ يَوْمِ انْقِطَاعِ الدَّمِ عَنْهَا أَوْ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ، قَوْلَانِ أَيْ فَهُوَ أَمْرٌ مَضْبُوطٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ وَحَرَّرَ. [قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ] أَيْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا خَمْسِينَ إلَخْ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَوَاضِعُ ثَلَاثَةً. مَوْضِعٌ قَالَ فِيهِ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا الْخَمْسِينَ. وَمَوْضِعٌ قَالَ مَنْ جَاوَزَ سِنُّهَا السِّتِّينَ إلَخْ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ وَاحِدًا عَبَّرَ فِيهِ بِأَوْ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تَكُونَ لِحِكَايَةِ أَقْوَالٍ وَلِلتَّرَدُّدِ، ثُمَّ مَا الْمُرَادُ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ أَوْ الْمَوْضِعِ يُرَاجَعُ بَقِيَّةُ كُتُبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: طَلَّقَهَا مَتَى شَاءَ] أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ قَالَ تت: وَلَوْ بَعْدَ وَطْئِهَا اهـ. لِأَنَّ طَلَاقَ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لَا يُوجِبُ تَطْوِيلَ عِدَّةٍ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ أَيْ لِلْأَمْنِ مِنْ التَّطْوِيلِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مُتَلَبِّسَةً بِالْحَيْضِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَلَوْ فِي حَالِ حَيْضِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: لَكَانَ أَنْسَبَ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ

لَمْ تَضَعْ وَالْمُعْتَدَّةُ بِالشُّهُورِ) ، وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَالْيَائِسَةُ تَرْجِعُ (مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ) وَعِدَّةُ الْأُولَى سَنَةٌ وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَسْتَقْبِلُهَا بِالْأَهِلَّةِ. (وَالْأَقْرَاءُ) جَمْعُ قُرْءٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ (هِيَ الْأَطْهَارُ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ الْحَيْضُ (سُؤَالٌ) أَوْرَدَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ تَعْتَدُّ بِقُرْأَيْنِ وَبَعْضِ قُرْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطَلِّقُهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ أَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى قُرْأَيْنِ وَبَعْضِ قُرْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ. (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (أَنْ يُطَلِّقَ) الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ، وَهِيَ (فِي الْحَيْضِ فَإِنْ طَلَّقَ لَزِمَهُ) لِمَا صَحَّ «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ لَا الرَّجْعَةِ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَضَعْ] أَيْ حَمْلَهَا كُلَّهُ فَتَرْجِعُ بَعْدَ وَضْعِ بَعْضِهِ فَإِنْ وَضَعَتْ جَمِيعَهُ انْقَضَتْ، وَلَا رَجْعَةَ، وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمَا أَسْقَطَتْهُ مِمَّا يَعْلَمُ النِّسَاءُ أَنَّهُ وُلِدَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمٌ مُنْعَقِدٌ، فَإِذَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ هَلْ هُوَ وَلَدٌ أَوْ دَمٌ اُخْتُبِرَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ، فَإِنْ كَانَ دَمًا انْحَلَّ، وَإِنْ كَانَ وَلَدًا لَا يَزِيدُ ذَلِكَ إلَّا شِدَّةً قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ. تَتِمَّةٌ: لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ بِمَوْتِ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ خَرَجَ بَعْضُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ، ثُمَّ خَرَجَ الْبَعْضُ الْآخَرُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ خَلِيلٍ مِنْ قَوْلِهِ إنْ زَايَلَهَا كُلُّهُ حَيَّةً انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ بَقِيَّتِهِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ] أَيْ الَّتِي لَمْ تُمَيِّزْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ؛ لِأَنَّ الَّتِي تُمَيِّزُ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي عِبَارَتِهِ مِنْ الْقُصُورِ، إذْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُطِيقُ الْوَطْءَ وَاَلَّتِي تَأَخَّرَ حَيْضُهَا بِمَرَضٍ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ مِنْ إرْضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ] أَيْ مُدَّةُ عَدَمِ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْأُولَى سَنَةٌ إلَخْ] فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا إنَّمَا هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَالتِّسْعَةُ أَشْهُرٍ الَّتِي قَبْلَهَا إنَّمَا هِيَ اسْتِبْرَاءٌ، لِزَوَالِ الرِّيبَةِ، وَمِثْلَ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الَّتِي تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ. [قَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ] وَمِثْلُهَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي تُطِيقُ الْوَطْءَ وَلَا فَرْقَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالشُّهُورِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، كَالِاعْتِدَادِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ بِالْأَقْرَاءِ. [قَوْلُهُ: تَسْتَقْبِلُهَا بِالْأَهِلَّةِ] هَذَا إذَا طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَأَمَّا إنْ طَلُقَتْ فِي بَعْضِ شَهْرٍ، فَإِنَّهُ يُكَمَّلُ بِالْعَدَدِ، وَيُلْغَى يَوْمُ الطَّلَاقِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَاءُ] أَيْ فِي الْآيَةِ لَا فِي الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ إلَخْ] أَيْ وَعَلَى الضَّمِّ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ جُمْهُورُ اللُّغَةِ عَلَى الْفَتْحِ فَالضَّمُّ مَرْجُوحٌ أَفَادَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَخْ] وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ حِلُّهَا بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَطْهَارُ وَعَدَمُ حِلِّهَا حَتَّى تَتِمَّ الْحَيْضَةُ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ الْحَيْضُ. [قَوْلُهُ: أَوْرَدَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ] ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يُطَلِّقُهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ] بَلْ مَتَى طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الطُّهْرِ تَحَقَّقَتْ الْبَعْضِيَّةُ، فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدْ نَصَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَجُوزُ إلَخْ] أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ، وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ، وَأَيْنَ الْقَرِينَةُ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ عَلَى نِزَاعٍ، وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ أَنْ يُطَلِّقَ إلَخْ، بِقَرِينَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ: فِي عِدَّتِهِنَّ» بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى وَنَهَى إلَخْ] إنَّمَا قَدَرَهُ بِنَهَى لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ مِنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِابْنِ عُمَرَ، وَهَذَا نَهْيٌ عَامٌّ، وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّهْيَ الْمُتَقَدِّمَ بِابْنِ عُمَرَ نَهْيٌ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْحَيْضِ] أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ يُرِيدُ وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ، وَقَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَالنَّهْيُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وَهِيَ حَائِضٌ، إلَخْ أَيْ فَالنَّهْيُ مِنْ الْحَدِيثِ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ وَاسْمُ الْمَرْأَةِ

ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ بِهَا النِّسَاءُ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الطَّلَاقُ فِي النِّفَاسِ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ (وَ) إنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا (أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ) وَصْفُهُ الْجَبْرَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQآمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُخَفَّفَةً. قَالَ الشَّيْخُ عَلِيُّ السَّمْرَاسِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ عَدَالَةِ ابْنِ عُمَرَ وَحَالِهِ أَنَّهُ حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِحَيْضِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ حُرْمَةُ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ شُرِعَ التَّحْرِيمُ. [قَوْلُهُ: فَسَأَلَ عُمَرُ إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ ابْنِهِ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِحْيَاءً مِنْ سُؤَالِهِ لَهُ. [قَوْلُهُ: مُرْهُ] أَصْلُهُ اُأْمُرْهُ بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى لِلْوَصْلِ مَضْمُومَةٌ تَبَعًا لِلْعَيْنِ مِثْلُ اُقْتُلْ. وَالثَّانِي فَاءُ الْكَلِمَةِ سَاكِنَةٌ تُبَدَّلُ تَخْفِيفًا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ سَابِقَتِهَا، فَتَقُولُ أُومَرْ فَإِذَا وُصِلَ الْفِعْلُ بِمَا قَبْلَهُ زَالَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ وَسَكَنَتْ الْهَمْزَةُ الْأَصْلِيَّةُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] لَكِنْ اسْتَعْمَلَهَا الْعَرَبُ بِلَا هَمْزٍ، فَقَالُوا: مُرْ لِكَثْرَةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّهُمْ حَذَفُوا أَوَّلًا الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ تَخْفِيفًا ثُمَّ حَذَفُوا هَمْزَةَ الْوَصْلِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا لِتَحَرُّكِ مَا بَعْدَهَا، وَكَذَا حُكْمُ خُذْ وَكُلْ أَيْ مُرْ ابْنَك عَبْدَ اللَّهِ قَالَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ أَيْ مُرْهُ بِالْمُرَاجَعَةِ. [قَوْلُهُ: فَلْيُرَاجِعْهَا] الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَنَا كَمَا أَفَادَهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اسْتِئْنَافُ أَمْرٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ عُمَرَ بِالْمُرَاجَعَةِ مُبَاشَرَةً بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِوَاسِطَةٍ تَأْكِيدًا، وَتَقْرِيرًا لِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شَارِحَ الْمُوَطَّأِ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلْيُرَاجِعْهَا، الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَالنَّدْبُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ أَبُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ اهـ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا] بِإِعَادَةِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا، فَالْكَسْرُ عَلَى الْأَصْلِ فِي لَامِ الْأَمْرِ فَرْقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ لَامِ التَّوْكِيدِ وَالسُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ، وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ بِاسْتِمْرَارِ الْإِمْسَاكِ، وَإِلَّا فَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ لَهَا. " تَتِمَّةٌ ": اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا لَمْ يَرْتَجِعْهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ حَتَّى جَاءَ الطُّهْرُ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الطَّلَاقُ فِيهِ، هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ لَا يَزُولُ بِزَوَالِ، وَقْتِهِ أَمْ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِارْتِجَاعِ ذَكَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: بَعْدُ] أَيْ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ الثَّانِي، وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ أَيْ يَمَسَّهَا أَيْ يُجَامِعَهَا. [قَوْلُهُ: فَتِلْكَ الْعِدَّةُ] أَيْ فَتِلْكَ زَمَنُ الْعِدَّةِ، وَهِيَ حَالَةُ الطُّهْرِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ، أَيْ أَذِنَ اللَّهُ، وَقَوْلُهُ بِهَا النِّسَاءُ هَكَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ مَا فِي التَّحْقِيقِ، وَهُوَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي رَأَيْته فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ بِتَطْلِيقِ النِّسَاءِ فِيهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي زَمَنِ عِدَّتِهِنَّ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَ الْمُطَلَّقِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِلْإِصْلَاحِ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ يُكْرَهُ لَهُ الطَّلَاقُ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِمَسْكِهَا حَتَّى تَحِيضَ أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ كُرِهَ، وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى غَيْرِ حَيْضَةِ الطَّلَاقِ. [قَوْلُهُ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ] قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ حُسِبَتْ بِضَمِّ الْحَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلَيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الطَّلْقَةُ الَّتِي طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ، بِتَطْلِيقَةٍ وَاَلَّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ بِتَطْلِيقٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ابْنُ عُمَرَ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَاجَعَةُ بِدُونِ الطَّلَاقِ مُحَالٌ، وَلَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الرَّجْعَةُ اللُّغَوِيَّةِ، وَهِيَ الرَّدُّ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ إذْ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ، مُقَدَّمٌ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ. بَلْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ «فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَيَحْتَسِبُ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ قَالَ نَعَمْ» . [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بَلْ تَعَبُّدٌ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ] أَيْ الْمَنْعُ إلَخْ

[الخلع]

يَأْمُرَهُ الْحَاكِمُ بِهَا فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالسَّجْنِ فَإِنْ أَبَى سُجِنَ فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ فِي مَجْلِسٍ، وَهَذَا الْجَبْرُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَإِنْ انْقَضَتْ فَلَا رَجْعَةَ وَلَا جَبْرَ. (وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) يُبَاحُ لَهُ أَنْ (يُطَلِّقَهَا مَتَى شَاءَ) فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى الْمَشْهُورِ إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا (وَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا (وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . (وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) أَيْ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ (حَتَّى يَنْوِيَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ إلَى الْخُلْعِ، وَهُوَ لُغَةً: الْإِزَالَةُ وَمِنْهُ خَلْعُ الْوَالِي عَزْلُهُ. وَشَرْعًا: إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِعِوَضٍ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَيْسَ جَارِيًا عَلَى الْمُحَدَّثِ عَنْهُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ التَّطْوِيلِ، وَلَوْ جَرَى عَلَيْهِ، لَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهَا أَيْ الْعِلَّةَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، وَوَجْهُ التَّطْوِيلِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَيْضَةِ لَا تَعْتَدُّ بِهِ فِي أَقْرَائِهَا، وَالْمَرْأَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمُعَلَّقَةِ لَا مُعْتَدَّةٌ، وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ، وَلَا فَارِغَةٌ مِنْ زَوْجٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ] فَإِنْ أَبَى ضُرِبَ وَتَرَكَ الشَّارِحُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ وَحِينَئِذٍ فَالْمَرَاتِبُ خَمْسٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الضَّرْبِ بِظَنِّ الْإِفَادَةِ، بَلْ ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فِي التَّهْدِيدِ فَالْأُولَى الضَّرْبُ فَإِنْ ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ قَبْلَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، صَحَّ. إنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْتَجِعُ مَعَ فِعْلِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فَإِنْ فَعَلَهَا كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ ثُمَّ ارْتَجَعَ مَعَ إبَانَةِ الْمُطَلِّقِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ امْتَثَلَ بِالضَّرْبِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا ارْتَجَعَهَا لَهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يَقُولَ: ارْتَجَعْت لَك زَوْجَتَك وَتَصِحُّ تِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ الزَّوْجِ قَوْلٌ، وَلَا نِيَّةٌ، وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا بِرَجْعَةِ الْحَاكِمِ وَيَتَوَارَثَانِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَاكِمِ تَقُومُ مَقَامَ نِيَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: طَلَّقْتهَا فِي الطُّهْرِ. وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَلْ فِي الْحَيْضِ. فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا، وَلَا يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: فِي طُهْرٍ أَوْ حَيْضٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ مَحْضُ التَّعَبُّدِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ مَنْعَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مُعَلَّلٌ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: بِمَحْضِ التَّعَبُّدِ، فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَمْتَنِعُ طَلَاقُهُ، وَعَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ يَمْتَنِعُ. [قَوْلُهُ: وَالْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا] سَوَاءٌ كَانَ لِأَجْلِ إعْسَارٍ بِنَفَقَةٍ أَوْ لَا، وَمِثْلُ طَلَاقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، مَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَوَطِئَهَا وَطْئًا غَيْرَ مُبَاحٍ كَمَا لَوْ كَانَ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ مَثَلًا فَإِنَّهَا بَائِنَةٌ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ] أَيْ الثَّلَاثُ فِي كَلِمَةٍ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَتَّةِ أَوْ بِتَكَرُّرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ نَسَقًا. [قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ] أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ هَزْلًا، وَأَمَّا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ أَوْ مَطْلُوقَةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرُ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ لِلْإِنْشَاءِ، وَاسْتَمَرَّ غَيْرُهُ عَلَى الْخَبَرِ، وَيَقَعُ، وَلَوْ لَاحِنًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عِلْمِهِ بِالنَّحْوِ هَازِلٌ، وَهُوَ يَلْزَمُهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْوِيَ إلَخْ] أَيْ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ نِيَّتِهَا أَوْ عَدَمِ نِيَّةِ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ كَمَا فِي تت مَبْنِيَّانِ عَلَى يَمِينِ التُّهْمَةِ هَلْ تَتَوَجَّهُ أَوْ لَا، وَالْمُعْتَمَدُ تَوَجُّهُهَا قَالَ عج: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ. [الْخُلْعِ] [قَوْلُهُ: خَلْعُ الْوَالِي] أَيْ السُّلْطَانُ خَلَعَ الْوَالِيَ [قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِعِوَضٍ مِنْ الزَّوْجَةِ أَوْ غَيْرِهَا] كَوَلِيٍّ أَوْ أَجْنَبِيٍّ لَكِنْ لَا يَتِمُّ لِلزَّوْجِ الْعِوَضُ إلَّا إذَا كَانَ الدَّافِعُ رَشِيدًا، لَا إنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ رَقِيقًا فَلَا يَتِمُّ لَهُ، وَإِنْ أُبِينَتْ،

[ألفاظ الكناية في الطلاق]

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ لَا رَجْعَةَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا فَخَلَعَهَا بِهِ مِنْ نَفْسِهِ) فَقَوْلُهُ: طَلْقَةٌ إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْخُلْعِ طَلْقَتَيْنِ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَعَلَى الثَّانِي لَهُ مُرَاجَعَتُهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَقَوْلُهُ: لَا رَجْعَةَ فِيهَا إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا بَائِنٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا إذَا سَمَّى طَلَاقًا، أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَقَوْلُهُ: أَعْطَتْهُ شَيْئًا يُرِيدُ مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَبَيْعُهُ، احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيُكْسَرُ الْخَمْرُ، وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ وَلَيْسَ لَهُ قِبَلَ الْمَرْأَةِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ شَيْءٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا لَهَا، فَتَبْذُلُ الْعِوَضَ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ ظُلْمِهِ فَيَحْرُمُ أَخْذُهُ، وَيَرُدُّهُ وَيَنْفُذُ طَلَاقُهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ الْمَوْعُودِ بِمَجِيئِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرْطُ الزَّوْجِ التَّكْلِيفُ، وَلَوْ سَفِيهًا لَا صَبِيَّ أَوْ مَجْنُونَ، وَلَا يَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِ الْعِوَضِ لِلسَّفِيهِ، إنَّمَا يَبْرَأُ بِدَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ مِنْ أَفْرَادِ مَا إذَا أَتَى بِلَفْظِ الْخُلْعِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِأَحَدِ نَوْعَيْ الْخُلْعِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إذَا أَعْطَتْهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالْخُلْعِ، وَمِثْلُ دَفْعِ الْعِوَضِ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ الْمَرْأَةِ إبْرَاءٌ، وَلَوْ جَهِلَتْ مَا أَبْرَأَتْ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ هُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْبَيْنُونَةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ] فَرَدَّ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ إلَخْ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَانْقَلَبَ بِهِ، فَقَالَ ذَا بِذَاكَ، وَلَمْ يُسَمِّيَا طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقُ الْخُلْعِ. اهـ. وَقَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ عِبَارَةُ تت قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا إشَارَةً لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ طَلَاقًا، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ طَلَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَمْ يَلْزَمْ، وَهُوَ فَسْخٌ. اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ عَيْنَ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ آخِرًا هُوَ عَيْنُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ طَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَرْدُودَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا، وَهُوَ طَلَاقُ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ فَسْخٌ، وَإِنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ الْخِنْزِيرُ] وَقِيلَ يُسَرَّحُ فَهُمَا قَوْلَانِ، وَقَوْلُهُ: وَيُكْسَرُ الْخَمْرُ أَيْ نَكْسِرُ أَوَانِيَ الْخَمْرِ، وَيُرَاقُ الْخَمْرُ، وَقِيلَ لَا تُكْسَرُ بَلْ يُرَاقُ. وَانْظُرْ مَا وَجْهُ الْأَوَّلِ حَيْثُ كَانَتْ نَفِيسَةً، وَلَا يَغُوصُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْخَمْرِ كَالصِّينِيِّ وَالنُّحَاسِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ قِبَلِ الْمَرْأَةِ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ عَلِمَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهَا أَوْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَإِنْ عَلِمَتْ دُونَهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ، فَإِنْ تَخَلَّلَتْ الْخَمْرُ فَلِلزَّوْجِ. وَانْظُرْ إذَا وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى قُلَّةِ خَلٍّ، فَإِذَا هِيَ خَمْرٌ فَهَلْ لَهُ مِثْلُهُ كَالنِّكَاحِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيَّنُ أَوْ لَا شَيْءَ لَهُ كَذَا فِي الزَّرْقَانِيِّ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقِيلَ بِخُلْعِ الْمِثْلِ، وَقَوْلُهُ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ أَيْ حُكْمُ الْخُلْعِ الْجَوَازُ أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، فَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ لَا يُقَالُ الْجَائِزُ يَصْدُقُ بِالْمَكْرُوهِ فَلَيْسَ فِيهِ رَدٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْجَائِزُ إذَا أُطْلِقَ فِي الْأُصُولِ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَائِزِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الْفِيشِيُّ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا لَهَا] أَيْ ضَرَرًا لَهَا التَّطْلِيقُ بِهِ فَلَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ تَأْدِيبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَأَدَّبَهَا، وَإِنْ شَاءَ فَارَقَهَا وَحَلَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّهُ إلَخْ] حَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى الضَّرَرِ شَاهِدًا يَشْهَدُ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا وَحَلَفَتْ مَعَهُ، فَإِنَّهَا تَرُدُّ الْمَالَ مِنْهُ وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الْمَرْأَتَانِ أَيْ شَهَادَةُ الْقَطْعِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ فَسَتَأْتِي، وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ سَمَاعٍ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ السَّمَاعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَالْخَدَمِ وَنَحْوِهِمْ عَمِلَ عَلَى شَهَادَتِهَا، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى السَّمَاعِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقِيلَ لَا يَكْفِي وَرَدُّ الْمَالِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى السَّمَاعِ ضَعِيفٌ. [أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ] [قَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ] لَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الطَّلَاقِ مَعَ أَلْبَتَّةَ، وَأَلْبَتَّةَ

يَدْخُلْ) وَلَا يَنْوِي مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ وَقِيلَ يَنْوِي إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا، وَفِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ (فَإِنْ قَالَ) لَهَا أَنْتِ (بَرِيَّةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا، وَيَنْوِي) فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ لَا فِي إرَادَةِ غَيْرِ الطَّلَاقِ (فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَصْلِ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. (وَالْمُطَلَّقَةُ) الَّتِي سَمَّى لَهَا الزَّوْجُ صَدَاقًا جَائِزًا (قَبْلَ الْبِنَاءِ) يَجِبُ (لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ) الَّذِي سَمَّاهُ لَهَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ الْبَتِّ، وَهُوَ الْقَطْعُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ فَكَأَنَّ الزَّوْجَ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَلَمْ يُبْقِ مِنْهَا شَيْئًا. [قَوْلُهُ: وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ] فَقَدْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ فَجَاءَ ثَلَاثٌ فِيهِمَا، أَيْ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا، وَلَا يَنْوِي وَجَاءَ يَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ: مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي فِي جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَنْوِي فِي أَلْبَتَّةَ مُطْلَقًا مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا، وَإِنَّمَا يَنْوِي فِيمَا عَدَاهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا قَرَّرَهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ] أَيْ أَوْ أَنْتِ كَالدَّمِ الْمَيْتَةِ أَوْ وَهَبْتُك أَوْ رَدَدْتُك لِأَهْلِك، أَوْ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ حَرَامٍ أَوْ أَنَا بَائِنٌ، أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةً؛ لِأَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا يُبِينُهَا إلَّا الثَّلَاثُ أَوْ الْخُلْعُ. [قَوْلُهُ: أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك] خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يَلْزَمُهُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا، وَلَا يَنْوِي، وَذَلِكَ فِي بَتَّةٌ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَدَّعِيَ نِيَّةَ أَقَلَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ ابْتِدَاءً حَتَّى يَدَّعِيَ نِيَّةَ أَقَلَّ حَتَّى فِي الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُقْبَلُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا خَلَّيْت سَبِيلَك. تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ حَيْثُ لَا بِسَاطَ، وَأَمَّا لَوْ رَفَعَتْهُ بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَ عِنْدَ الْمُفْتِي، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَى نَفْيِ الطَّلَاقِ، لَكِنْ عِنْدَ الْقَاضِي حَيْثُ رَفَعَتْهُ بَيِّنَةٌ بِيَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ إنْ قَالَ لِمَنْ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَهُ يَا مُطَلَّقَةُ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ بِمَا حَصَلَ لَهُ أَوْ أَكْثَرَتْ فِي مُرَاجَعَتِهِ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهَا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ: يَا مُطَلَّقَةُ وَادَّعَى إنَّمَا أَرَادَ يَا مِثْلَ الْمُطَلَّقَةِ فِي طُولِ اللِّسَانِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي الرَّائِحَةِ أَوْ قَالَ أَرَدْت بِبَائِنٍ مُنْفَصِلٍ، إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ أَوْ أَنْتِ كَالدَّمِ فِي الِاسْتِقْذَارِ إذَا كَانَتْ رَائِحَتُهَا قَذِرَةً أَوْ كَرِيهَةً. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الطَّلَاقَ يَلْزَمُ بِهِ، وَلَوْ هَازِلًا مَا لَمْ يَكُنْ بِسَاطٌ، وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُوثَقَةً، وَقَالَتْ: أَطْلِقْنِي فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مَحِلَّ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي نَحْوِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك إذَا كَانَ الْعُرْفُ يَسْتَعْمِلُهَا فِي الطَّلَاقِ، وَإِلَّا كَانَتْ كِنَايَةً خَفِيَّةً، فَإِنْ اعْتَادَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَادَهُ أَهْلُ بَلَدِهِ، وَأَوْلَى لَوْ كَانَ عَادَةَ الْجَمِيعِ لَزِمَ الطَّلَاقُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يَنْوِيَ الطَّلَاقَ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْأَصْلِ مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ] أَيْ بَرِيَّةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ أَيْ بَرِيَّةٌ مِنْ الزَّوْجِ وَخَلِيَّةٌ أَيْ خَلَّى الْجِسْمُ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ، وَحَرَامٌ أَيْ مَمْنُوعَةٌ مِنِّي لِلْفُرْقَةِ، وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك، أَصْلُهُ أَنْ يَفْسَخَ خِطَامَ الْبَعِيرِ عَنْ أَنْفِهِ، وَيُلْقِيَ عَلَى غَارِبِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمُ سَنَامِهِ، وَيُسَيَّبُ لِلرَّعْيِ، فَكَأَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ لَهَا: قَدْ سَيَّبْتُك وَصِرْت مُسْتَقِلَّةً لَا زَوْجَ لَك. [قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ] الْمُرَادُ بِهَا الْوَطْءُ لَا مُجَرَّدُ الِاخْتِلَاءِ بِهَا. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا] لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِقَوْلِهِ صَدَاقًا جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الصَّدَاقُ جَائِزًا، وَيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا لِوَجْهٍ آخَرَ، وَخُلَاصَةُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّ جَوَازَ الصَّدَاقِ أَعَمُّ

أَيْ الثَّيِّبَاتُ الرَّشِيدَاتُ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] ، وَهُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَيَّدْنَا بِسَمَّى لَهَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا، وَذَلِكَ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ وَبِجَائِزٍ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَمَّى لَهَا مَا لَا يَجُوزُ، وَبِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا. ج: ظَاهِرُ قَوْلِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا لَكَانَ لَهَا جَمِيعُ الصَّدَاقِ، وَلَوْ وَكَانَ صَبِيًّا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَخَلَ بِهَا لَيْسَ لَهَا إلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ كَلَا دُخُولٍ، وَقَدْ عُلِمَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَعْفُوَ) أَيْ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ (هِيَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا) رَشِيدَةً (وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَذَلِكَ) أَيْ الْعَفْوُ رَاجِعٌ (إلَى أَبِيهَا وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَمَنْ طَلَّقَ) امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، لَمْ يُسَمِّ لَهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا كَانَ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فِي نِكَاحٍ لَازِمٍ (فَيَنْبَغِي) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ يُمَتِّعَهَا) أَيْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ مِنْ مِثْلِهِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ مِنْ عُسْرٍ، وَيُسْرٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ كَوْنِ النِّكَاحِ صَحِيحًا، فَكُلُّ نِكَاحٍ صَحِيحٍ الصَّدَاقُ فِيهِ جَائِزٌ، وَلَا الْعَكْسُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ نَقِيضَ الْأَعَمِّ أَخَصُّ وَنَقِيضَ الْأَخَصِّ أَعَمُّ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَغْنَى بِمُحْتَرَزِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ صَحِيحًا عَنْ مُحْتَرَزِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ جَائِزٌ تَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]] الْمُرَادُ بِهِ الْوَطْءُ. [قَوْلُهُ: الرَّشِيدَاتُ] أَيْ لَا السَّفِيهَاتُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَبُ] أَيْ لَا غَيْرُهُ، وَلَوْ وَصِيًّا مُجْبِرًا، وَقَوْلُهُ الْبِكْرِ أَيْ أَوْ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَ الطَّلَاقِ وَكَذَا قَبْلَ الطَّلَاقِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِ الْأَبِ لَهَا حَمْلُهَا عَلَى الْمَصْلَحَةِ، لَا عِنْدَ مَالِكٍ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِسْقَاطِ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلًّا يَقُولُ: إنَّ عَفْوَهُ حَالَ الْجَهْلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَصْلَحَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ عَفْوُهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِنَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الْعَفْوُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ ثَيِّبًا صَارَ لَهَا الْكَلَامُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ رَشِيدَةً، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ لِلْأَبِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَمَّى مَا لَا يَجُوزُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِمَا لَا يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ دَخَلَ الصَّدَاقُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، فَيُسْتَثْنَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا دَخَلَ بِهَا أَيْ وَطِئَهَا إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَتَقَرَّرُ إلَّا بِوَطْءِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ مَعَ إطَاقَةِ الزَّوْجَةِ، وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا كَوَطْءٍ فِي حَيْضٍ أَوْ دُبُرٍ، وَكَذَلِكَ يَتَقَرَّرُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِمَا، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَبِيًّا، وَهِيَ غَيْرُ مُطِيقَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَوْتُهَا بِقَتْلِهَا نَفْسَهَا كَرَاهِيَةً فِي زَوْجِهَا، أَوْ بِقَتْلِ سَيِّدِهَا لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً. وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي قَتْلِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، وَيَظْهَرُ أَلَّا يَتَكَمَّلَ لَهَا بِذَلِكَ لِاتِّهَامِهَا، وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِقَتْلِ النِّسَاءِ أَزْوَاجَهُنَّ وَكَذَا يَتَقَرَّرُ بِإِقَامَةِ سَنَةٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاءِ بِهَا حَيْثُ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا، وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِتَنْزِلَ إقَامَةَ سَنَةِ الْوَطْءِ هَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضٌ: إذَا كَانَ عَبْدًا أَنْ يَعْتَبِرَ إقَامَةَ نِصْفِ سَنَةٍ وَإِذَا أَزَالَ الزَّوْجُ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِأُصْبُعِهِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ وَطْئِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَبَعْدَهُ فَلَهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: كَانَ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا] أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لِلْعَبْدِ فِي النِّكَاحِ إذْنٌ فِي تَوَابِعِهِ. [قَوْلُهُ: يَجْرِي مَجْرَى الْهِبَةِ] أَيْ فَإِنْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يُمَتِّعَهَا، سَقَطَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ: وَانْظُرْ هَلْ مَرَضُ الزَّوْجِ كَالْمَوْتِ يُسْقِطُ أَيْضًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ أَمْ لَا فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَتَّعَ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تُدْفَعُ إلَى وَرَثَتِهَا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً، قَالَ الْخَرَشِيُّ وَحُكْمُ الْإِعْطَاءِ لِلْوَرَثَةِ كَحُكْمِ الْأَصْلِ، وَهُوَ النَّدْبُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ الْحَاصِلَ لَهَا حَاصِلٌ لِوَرَثَتِهَا، وَمَحِلُّ الْإِعْطَاءِ لِوَرَثَتِهَا حَيْثُ مَاتَتْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. أَمَّا لَوْ مَاتَتْ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مُتْعَةَ لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا مُتْعَةَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ] لَوْ قَالَ وَبِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مَنْدُوبَةٌ وَبِحَسَبِ حَالِهِ مَنْدُوبٌ آخَرُ [قَوْلُهُ: عَلَى قَدْرِ حَالِهِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ بِحَسَبِ مَا يَحْسُنُ، وَإِنَّمَا رُوعِيَ حَالُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ كَسْرَهَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ.

أَعْلَاهَا خَادِمٌ أَوْ نَفَقَةٌ، وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ بَعْضُهُمْ يَعْنِي بِالنَّفَقَةِ مَا يَقْرَبُ مِنْ ثَمَنِ الْخَادِمِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُجْبَرُ) إذْ الْمُسْتَحَبُّ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ وَقَيَّدْنَا بِلَازِمٍ احْتِرَازًا مِنْ ذَاتِ الْعَيْبِ. إذَا رُدَّتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا غَارَّةٌ وَوَقْتُ الْمُتْعَةِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ ذَلِكَ زَوْجَةٌ، وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ بِإِثْرِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةً بَعْدَهُ تَسْلِيَةً لِلْفِرَاقِ وَتَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا، وَيَدُلُّ لِلِاسْتِحْبَابِ تَقْيِيدُهُ تَعَالَى الْآيَةَ مَرَّةً بِالْإِحْسَانِ وَمَرَّةً بِالتَّقْوَى. وَلَمَّا كَانَ كَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ طَلَّقَ يُمَتِّعُ وَكَانَ لَهُمْ مَسَائِلُ لَا مُتْعَةَ فِيهَا رَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَاَلَّتِي) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ الَّتِي (لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَ) الْحَالُ أَنَّهُ كَانَ (قَدْ فَرَضَ لَهَا) صَدَاقًا (فَ) إنَّهُ (لَا مُتْعَةَ لَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَخَذَتْ نِصْفَ الصَّدَاقِ مَعَ بَقَاءِ سِلْعَتِهَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ يَفْرِضْ لَهَا فَإِنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) مُتْعَةَ (لِلْمُخْتَلِعَةِ) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ دَفَعَتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا لِأَجْلِ فِرَاقِهَا مِنْ زَوْجِهَا كَرَاهِيَةً فِيهِ، فَلَا أَلَمَ عِنْدَهَا الْمَطْلُوبُ رَفْعُهُ بِإِعْطَاءِ الْمُتْعَةِ، وَبَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا مُتْعَةَ فِيهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا عَقِبَ نِكَاحِ التَّفْوِيضِ، وَهِيَ (وَإِنْ مَاتَ) الزَّوْجُ (عَنْ) زَوْجَتِهِ (الَّتِي لَمْ يَفْرِضْ لَهَا) صَدَاقًا (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَبْنِ بِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ صَحَّ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا (وَ) لَكِنْ (لَا صَدَاقَ لَهَا) عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ فَرَضَ لَهَا كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ أَيْضًا، وَهَذَا إذَا فَرَضَ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ] هَذَا فِي الَّذِي لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِحَالِهِ، وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي كَوْنِ الزَّوْجِ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا مَرَضًا مَخُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِهَا فِي مُقَابَلَةِ كَسْرِ الْمُطَلَّقَةِ لَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَلِمُرَاعَاةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْكِسْوَةِ هَلْ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ أَوْ قَمِيصٌ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: مَا يَقْرَبُ مِنْ ثَمَنِ الْخَادِمِ] وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا مِنْ أَوْسَطِ الرَّقِيقِ وَانْظُرْ مَا أَرَادَ بِالْقُرْبِ. وَالظَّاهِرُ مَا تَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، وَفِي الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ نَفَقَةٌ تُسَاوِي قِيمَةَ خَادِمٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَانُهَا مَعَ الْخَادِمِ. اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ تَأْكِيدٌ إلَخْ] وَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ اسْتِعْمَالٍ يَنْبَغِي فِي الْوُجُوبِ، كَمَا اتَّفَقَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ، وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ وَجَوَارِحَهُ، أَوْ لِتَأْكِيدِ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مَسْلَمَةَ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِهِمْ بِفَرْضِيَّتِهَا كَالشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ ذَاتِ الْعَيْبِ] ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِهِ الْعَيْبُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا مُتْعَةَ لَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ جِهَتِهَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَفِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ بِإِثْرِ الطَّلَاقِ] فَلَوْ رَدَّهَا لِعِصْمَتِهِ قَبْلَ دَفْعِهَا لَهَا فَإِنَّهَا تَسْقُطُ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا. [قَوْلُهُ: تَقْيِيدُهُ] ؛ لِأَنَّهُ قَالَ {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَقَالَ {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِحْسَانِ صَرَفَ الْحَقَّ عَنْ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُحْسِنِينَ، وَلَا بِالْمُتَّقِينَ، وَأَيْضًا الْحَقُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الثَّابِتُ الْمُقَابِلُ لِلْبَاطِلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا قَدْ دَفَعَتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا] أَيْ أَوْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ غَيْرِهَا وَرَضِيَتْ بِهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْمُتْعَةُ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا مُتْعَةَ فِيهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ] فَمِنْ الَّذِي لَا مُتْعَةَ فِيهِ الْمُخَيَّرَةُ وَالْمُمَلَّكَةُ وَالْمُعْتَقَةُ تَحْتَ الْعَبْدِ تَخْتَارُ الْفِرَاقَ أَوْ الَّتِي مَلَكَتْ زَوْجَهَا أَوْ مَلَكَهَا، بِخِلَافِ الَّتِي اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ لِتَزْوِيجٍ عَلَيْهَا أَوْ لِعِلْمِهَا بِوَاحِدَةٍ فَأَلْفَتْ أَكْثَرَ، فَإِنَّ لَهَا الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِسَبَبِهِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْأَصْلِ الْكَبِيرَ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَهَا فِي التَّحْقِيقِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ صَحَّ التَّوَارُثُ] أَيْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ فِي الصِّحَّةِ، وَأَمَّا لَوْ عَقَدَ فِي مَرَضِهِ وَفَرَضَ فِيهِ فَلِزَوْجَتِهِ الْمُسَمَّى الَّذِي فَرَضَهُ سَوَاءٌ دَخَلَ أَمْ لَا، زَادَ عَلَى صَدَاقِ الْمِثْلِ أَمْ لَا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ. وَمَحِلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْحُرِّ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ مَا فَرَضَهُ فِي مَرَضِهِ صَحِيحٌ لَازِمٌ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ بَلْ هُوَ صَدَاقٌ، وَلَا يُقَالُ: هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مُسْتَنِدٌ لِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا صَدَاقَ لَهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَقِيلَ لَهَا الصَّدَاقُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ:

فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا فَرَضَ لَهَا فِي الْمَرَضِ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً حُرَّةً فَلَا شَيْءَ لَهَا. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَمْ يَبْنِ لَهَا فَقَالَ: (وَلَوْ دَخَلَ بِهَا) أَيْ الَّتِي مَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا (كَانَ لَهَا) مَعَ الْمِيرَاثِ (صَدَاقُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ عَلَيْهَا سِلْعَتَهَا، وَالسِّلْعَةُ الْفَائِتَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ، وَهِيَ هُنَا صَدَاقُ الْمِثْلِ (إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ) ع أَرَادَ إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَّا أَنَّ فِي تَنْزِيلِهِ عَلَى اللَّفْظِ صُعُوبَةً. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى عُيُوبٍ تُوجَدُ فِي الْمَرْأَةِ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ رَدُّ الْمَرْأَةِ بِهَا، فَقَالَ: (وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) بِالْفَتْحِ بَيَاضٌ مَعْرُوفٌ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْصَرَ فَلَا يَحْمَرَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ ثُبُوتُ الرَّدِّ بِهِ، وَلَوْ قَلَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) تُرَدُّ الْمَرْأَةُ بِ (دَاءِ الْفَرْجِ) ، وَهُوَ مَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ أَوْ لَذَّتَهُ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ. الْقَرْنُ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَفَتْحِهَا لَحْمَةٌ تَكُونُ فِي فَمِ الْفَرْجِ، وَالرَّتَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالتَّاءِ، وَهُوَ الْتِحَامُ الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَانَتْ مُسْلِمَةً حُرَّةً] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً فَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ وَارِثٍ فَتُحَاصِصُ بِهِ أَهْلَ الْوَصَايَا فِي الثُّلُثِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ، وَقِيلَ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا فُرِضَ لِأَجْلِ الْوَطْءِ وَلَمْ يَحْصُلْ؛ فَلَيْسَ مَا وَقَعَ مِنْهُ وَصِيَّةً بَلْ صَدَاقٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يُونُسَ، وَهُوَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لَهَا] أَيْ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَتَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ فَتَكُونُ مِنْهُمْ لِلْمُوصَى لَهُ، وَلَا وَصِيَّةَ. [قَوْلُهُ: أَرَادَ إنْ لَمْ تَكُنْ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ رَشِيدَةً فَيَجُوزُ لَهَا الرِّضَا بِدُونِ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَلَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ كَمَا فِي الْمَحْجُورَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا بَعْدَهُ، حَيْثُ كَانَ الرِّضَا قَبْلُ لِمَصْلَحَةٍ، وَأَمَّا الْمُهْمَلَةُ وَمُحَقَّقَةُ السَّفَهِ فَلَيْسَ لَهُمَا الرِّضَا بِهِ مُطْلَقًا، وَلَا يَلْزَمُهُمَا إنْ رَضِيَا بِهِ، وَلَهُمَا الرَّدُّ بَعْدَ الرُّشْدِ كَالْحَاكِمِ قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ فِي تَنْزِيلِهِ عَلَى اللَّفْظِ صُعُوبَةً] وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ ظَاهِرُهُ، إنْ لَمْ تَكُنْ رَضِيَتْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ سَمَّاهُ لَهَا مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي نِكَاحِ التَّفْوِيضِ لَا فِي نِكَاحِ التَّسْمِيَةِ، فَالْمُرَادُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ إنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِهِ حَيْثُ كَانَتْ رَشِيدَةً عَلَى مَا بَيَّنَّا. [قَوْلُهُ: وَتُرَدُّ الْمَرْأَةُ مِنْ الْجُنُونِ] مُطْبِقًا أَمْ لَا أَيْ جُنُونٍ سَابِقٍ عَلَى الْعَقْدِ، إلَّا أَنْ يَتَلَذَّذَ بِهَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجُنُونِ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِالْخِيَارِ، أَوْ بِأَنَّ التَّلَذُّذَ يَقْطَعُ الْخِيَارَ وَغَرِمَ نِصْفَ الصَّدَاقِ إنْ فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَ السَّالِمُ صَغِيرًا. [قَوْلُهُ: وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ] أَيْ الْمُحَقَّقِينَ لَا إنْ شَكَّ فَلَا فُرْقَةَ. [قَوْلُهُ: بَيَاضٌ مَعْرُوفٌ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَا رَدَّ بِالْبَرَصِ الْأَسْوَدِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ إلَّا رَدًّا مِنْ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجُذَامِ، وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ، وَلَا خِيَارَ بِالْبَهَقِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَحْمَرُّ] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ لَا يَحْمَرُّ؛ لِكَوْنِ الدَّمِ قَدْ ذَهَبَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضٌ، وَإِذَا نُخِسَ الْبَرَصُ بِإِبْرَةٍ خَرَجَ مِنْهُ مَاءٌ وَمِنْ الْبَهَقِ دَمٌ. اهـ. [قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْصَرَ] وَعَلَامَةُ الْأَسْوَدِ التَّفْلِيسُ أَيْ يُشْبِهُ قِشْرَهُ لِكَوْنِهِ مُدَوَّرًا الْفُلُوسَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] حَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْبَرَصَ إذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ فَهُوَ اتِّفَاقٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، فَانْظُرْ قَوْلَ الشَّارِحِ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُفِيدِ أَنَّهَا ذَاتُ خِلَافٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي جُذَامٍ وَبَرَصٍ، وَمِثْلُهُمَا جُنُونٌ، بِالْمَرْأَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ لَا بَعْدَهُ، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَمِثْلُهُمَا الْجُنُونُ إذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهَا بِالْمَرْأَةِ فَلَا تَرُدُّ إلَّا إذَا كَانَ سَابِقًا عَلَى تَمَامِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ حِينَهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، بِشَرْطِ التَّحَقُّقِ لَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا رَدَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهَا بِالرَّجُلِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَيُرَدُّ مُطْلَقًا قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْجُذَامِ مُطْلَقًا وَفِي الْبَرَصِ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا إنْ حَدَثَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُتَفَاحِشًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِ الرَّجُلِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْفِرَاقِ دُونَهَا. [قَوْلُهُ: لَحْمَةٌ تَكُون فِي فَمِ الْفَرْجِ] بِفَتْحِ اللَّامِ الْقِطْعَةُ مِنْ اللَّحْمِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالْقَرَابَةُ اُنْظُرْ الْقَامُوسَ أَيْ لَحْمَةٌ تُشْبِهُ قَرْنَ الشَّاةِ فَيَسْهُلُ عِلَاجُهَا

دُخُولُ الذَّكَرِ، وَالْإِفْضَاءُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَمَسْلَكُ الْجِمَاعِ وَاحِدًا. وَالِاسْتِحَاضَةُ، وَهِيَ كَمَا تَقَدَّمَ جَرَيَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْحَيْضِ، وَهِيَ تَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الْجِمَاعِ، وَالْبَخَرُ، وَهُوَ نَتْنُ الْفَرْجِ وَإِذَا أَنْكَرَتْ دَعْوَى عَيْبِهَا فَمَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْجُذَامِ بِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا أُثْبِتَ بِالرِّجَالِ، وَمَا كَانَ بِسَائِرِ جَسَدِهَا غَيْرِ الْفَرْجِ أُثْبِتَ بِالنِّسَاءِ، وَمَا كَانَ بِالْفَرْجِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: تُصَدَّقُ وَعَنْ مَالِكٍ يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ (فَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ) بِاَلَّتِي (بِهَا) شَيْءٌ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَمْ يَعْلَمْ بِهِ) عِنْدَ الدُّخُولِ (وَدَى) أَيْ دَفَعَ (صَدَاقَهَا وَرَجَعَ بِهِ) مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ جَمِيعَ الصَّدَاقِ ثُمَّ يَرْجِعَ بِهِ (عَلَى أَبِيهَا) إنْ كَانَ زَوَّجَهَا لَهُ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَلَا يَرْجِعُ الْأَبُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً حِينَ التَّزْوِيجِ أَمَّا إذَا زَوَّجَهَا بِحُضُورِهَا، وَكَتَمَا الْعَيْبَ فَيُخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ، فَإِنْ رَجَعَ عَلَيْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَلِيِّ رَجَعَ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا. (وَكَذَلِكَ) مِثْلُ رُجُوعِ الزَّوْجِ عَلَى الْأَبِ فِي الْحُكْمِ (إنْ كَانَ الَّذِي زَوَّجَهَا أَخُوهَا) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ تَكُونُ عَظْمًا فَيَعْسُرُ عِلَاجُهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ إلَخْ] ، وَأَوْلَى اخْتِلَاطُ مَسْلَكِ الْبَوْلِ وَمَخْرَجِ الْغَائِطِ إلَّا أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ إفْضَاءٌ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحَاضَةُ] هَذَا خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، وَلَوْ أَتَى بَدَلَهَا بِالْفِعْلِ لَكَانَ صَوَابًا، وَهُوَ لَحْمٌ يَبْرُزُ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ يُشْبِهُ أُدْرَةَ الرَّجُلِ، وَلَا تَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ رَشْحٍ، وَقِيلَ رَغْوَةٌ فِي الْفَرْجِ تَحْدُثُ عِنْدَ الْجِمَاعِ. فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تُدْرَكُ بِالْوَطْءِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا قُلْت الْوَطْءُ الدَّالُ عَلَى الرِّضَا هُوَ الْحَاصِلُ بَعْدَ عِلْمٍ مُوجِبٍ الْخِيَارَ لَا الْحَاصِلِ قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَالْبَخَرُ، وَهُوَ نَتْنُ الْفَرْجِ] . وَأَمَّا نَتْنُ الْفَمِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ عَلَى الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ بَابِ الْبَيْعِ فَهُوَ عَيْبٌ كَانَ بِالْفَمِ أَوْ بِالْفَرْجِ وَلَا رَدَّ بِحَرْقِ الْفَرْجِ وَالسَّوَادِ وَالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ الْفَادِحِ وَالْعَمَى وَالثُّيُوبَةِ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ يَظُنُّهَا بِضِدِّ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ عَيَّنَ مَا شَرَطَ السَّلَامَةَ مِنْهُ أَوْ قَالَ مِنْ الْعُيُوبِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ شَرْطِ السَّلَامَةِ إذَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ وَالْعُرْفُ لَيْسَ كَالشَّرْطِ، وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَإِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ السَّلَامَةَ مِنْ تِلْكَ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا تُرَدُّ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا شَرَطَهُ، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَإِمَّا أَنْ يَرْضَى وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ أَوْ يُفَارِقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ رُدَّتْ لِصَدَاقِ مِثْلِهَا مَا لَمْ يَكُنْ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى، فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمُسَمَّى فَلَيْسَ كَالْعَيْبِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ تُصَدَّقُ] أَيْ بِيَمِينٍ، وَلَهَا أَنْ تَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ، إلَّا إذَا أَتَى الزَّوْجُ بِامْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ تَشْهَدَانِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَرَضِيَتْ فَيُعْمَلُ بِذَلِكَ، وَلَا تُصَدَّقُ حِينَئِذٍ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَصَلَتْ الشَّهَادَةُ بَعْدَ حَلِفِهَا عَلَى مَا ادَّعَتْ، وَلَا يَكُونُ تَعَمُّدُهُمَا النَّظَرَ جُرْحَةً، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ رَضِيَتْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَفْعٍ شَرْعِيٍّ فَعَلَى، هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ وَعَنْ مَالِكٍ تَنْظُرُهَا النِّسَاءُ أَيْ جَبْرًا وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِسَحْنُونٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْعَيْبِ يَكُونُ بِالرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ النِّسَاءَ الْجِنْسَ فَيُصَدَّقُ بِالْوَاحِدَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ دَخَلَ الزَّوْجُ] أَيْ الزَّوْجُ الْبَالِغُ بِهَا أَيْ بِزَوْجَتِهِ الْمُطِيقَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ] أَيْ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ بَعْدَ عِلْمِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ وَرَدَّهَا فَلَا صَدَاقَ، إذَا كَانَ الرَّدُّ بِغَيْرِ طَلَاقٍ، وَأَمَّا بِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. [قَوْلُهُ: مَعْنَى كَلَامِهِ] إنَّمَا احْتَاجَ لِذَلِكَ لِكَوْنِ وَدَى فِعْلًا مَاضِيًا فِي مَعْنَى يُؤَدِّي وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اللُّزُومِ مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَبِيهَا] أَيْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ بِجَمِيعِهِ عَلَى أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي غَرَّهُ وَدَلَّسَ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النِّكَاحِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا] ، وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ، وَلَوْ مَاتَ، وَلَمْ يُخْلِفْ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: وَكَتَمَا الْعَيْبَ] أَيْ لَمْ يُخْبِرَا بِهِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ] أَيْ أَوْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ عَلَيْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ لَكِنْ إذَا رَجَعَ عَلَيْهَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْجَمِيعِ إلَّا رُبُعَ

وَتَنْصِيصُهُ عَلَى الْأَبِ وَالْأَخِ لَيْسَ لِلِاخْتِصَاصِ بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ كُلُّ وَلِيٍّ قَرِيبٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ عَيْبُ الْمَرْأَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً بِحَيْثُ يَخْفَى عَلَيْهِ خَبَرُهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَحْلِفُ مَا عَلِمَ بِهِ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَيَتْرُكُ لَهَا رُبُعَ دِينَارٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذِكْرِ الْأَبِ وَالْأَخِ الِاخْتِصَاصَ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ زَوَّجَهَا وَلِيٌّ لَيْسَ بِقَرِيبِ الْقَرَابَةِ) أَيْ بَعِيدٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْعَيْبِ وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ رَجَعَ عَلَيْهِ كَالْقَرِيبِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَعِيدِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ (وَلَا يَكُونُ لَهَا) مِنْهُ (إلَّا رُبُعُ دِينَارٍ) لِئَلَّا يُعَرَّى الْبُضْعُ عَنْ بَدَلٍ. وَ (تَتْمِيمٌ) . وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ الرَّدُّ إذَا وَجَدَتْ بِالرَّجُلِ الْجُنُونَ وَالْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَدَاءَ الْفَرْجِ، وَهُوَ جَبُّهُ وَخِصَاؤُهُ وَعُنَّتُهُ وَاعْتِرَاضُهُ، فَالْجَبُّ قَطْعُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَالْخِصَاءُ قَطْعُ أَحَدِهِمَا وَالْعُنَّةُ فَرْطُ صِغَرِ الذَّكَرِ وَالِاعْتِرَاضُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَطْءِ لِعِلَّةٍ. وَإِلَى حُكْمِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُؤَجَّلُ الْمُعْتَرَضُ سَنَةً) مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ ظَاهِرُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQدِينَارٍ، وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَلِيِّ رَجَعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِمَنْ أَخَذَ مِنْهُ رُبُعَ دِينَارٍ، سَوَاءٌ كَانَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الزَّوْجَةُ أَوْ الْوَلِيُّ لِئَلَّا يُعَرِّيَ الْبُضْعَ عَنْ صَدَاقٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، أَعْنِي مَا إذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا مَثَلًا، وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً الْعَقْدَ. [قَوْلُهُ: بَلْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ كُلُّ وَلِيٍّ قَرِيبٍ] أَيْ كَالْجَدِّ إذْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْجَدَّ مِنْ قَرِيبِ الْقَرَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرَ تَقْيِيدًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: كَابْنِ الْعَمِّ] ، وَأَمَّا الْعَمُّ فَكَالْأَخِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ] يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ الْبَعِيدَ إذَا عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَكَتَمَهُ عَنْ الزَّوْجِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَلِيِّ الْقَرِيبِ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، فَقَطْ إنْ كَانَتْ غَائِبَةً وَعَلَيْهِ وَعَلَيْهَا إنْ زَوَّجَهَا بِحُضُورِهَا كَاتِمِينَ وَلِ عج هُنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ مِمَّا يُعْلَمُ بِالدُّخُولِ كَالْعَقْلِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْوَلِيِّ الْقَرِيبِ فِيهِ كَالْبَعِيدِ وَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ تَنَازَعَ الزَّوْجُ مَعَ الْوَلِيِّ الْبَعِيدِ فِي الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، فَالْقَوْلُ لِلْوَلِيِّ الْبَعِيدِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَيْبَهَا فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ لِلزَّوْجِ جَمِيعَ الصَّدَاقِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ فِي دَعْوَى الْإِتْهَامِ، وَبَعْدَ حَلِفِهِ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ، وَإِذَا بَرِئَ الْوَلِيُّ إمَّا بِحَلِفِهِ أَوْ بِنُكُولِ الزَّوْجِ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّهُ يُضَيِّعُ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا إذَا لَمْ يَبْرَأْ الْوَلِيُّ، وَأَعْسَرَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَالْخِصَاءُ قَطْعُ أَحَدِهِمَا] لَكِنْ إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْأُنْثَيَيْنِ قَائِمَ الذَّكَرِ فَيُشْتَرَطُ، أَنْ يَكُونَ لَا يُمْنِي فَإِنْ أَمْنَى فَلَا رَدَّ، وَلَا تُرَدُّ الْعَقِيمُ، وَسَلُّ الْأُنْثَيَيْنِ كَقَطْعِهِمَا، وَقَطْعُ الْحَشَفَةِ كَقَطْعِ الذَّكَرِ وَمِمَّا يَرُدُّ بِهِ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ الْعِذْبَطَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ الْحَدَثُ عِنْدَ الْجِمَاعِ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا، وَلَا رَدَّ بِالرِّيحِ وَفِي الْبَوْلِ فِي الْفُرُشِ قَوْلَانِ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْحَطَّابِ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ الْبَرَصُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِسَبَبِ الْجِمَاعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُنُونَ كُلٍّ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِكُلِّ وَاحِدٍ الْعَذْيَطَةُ فِيمَا يَظْهَرُ كَذَا فِي بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: فَرْطُ] أَيْ شِدَّةُ صِغَرِ الذَّكَرِ. تَتِمَّةٌ: لَا رَدَّ بِجُذَامٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي الْعِلْمِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ فِي الرِّضَا بِهِ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْعِلْمَ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْخِيَارُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْآخَرُ وَسَقَطَ الْخِيَارُ وَانْظُرْ لَوْ نَكَلَا. [قَوْلُهُ: وَيُؤَجَّلُ الْمُعْتَرَضُ سَنَةً] أَيْ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ وَطْءٌ لَهَا كَانَ الِاعْتِرَاضُ سَابِقًا عَلَى الْعَقْدِ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ، فَإِنْ سَبَقَ مِنْهُ وَطْءٌ لَهَا ثُمَّ اعْتَرَضَ فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهَا وَكَذَا خِصَاءٌ أَوْ جَبٌّ أَوْ كِبَرُ أُدْرَةٍ أَوْ هَرَمٌ حَدَثَ بَعْدَ الْوَطْءِ حَيْثُ لَمْ يَتَسَبَّبْ فِي ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَهَا الْخِيَارُ، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ فَوَجَدَتْهُ كَبِيرَ الْأُدْرَةِ فَإِنْ مَنَعَتْ الْوَطْءَ فَلَهَا

عَبْدًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَحَكَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ يُؤَجَّلُ الْعَبْدُ نِصْفَ سَنَةٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (فَإِنْ وَطِئَ) فِي الْأَجَلِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ فِيهِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) إذَا تَقَارَرَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ فِي الْأَجَلِ (إنْ شَاءَتْ) بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ مِنْ الْقَاضِي بَائِنٌ إلَّا طَلَاقَ الْمُعْسِرِ بِالنَّفَقَةِ وَالْمَوْلَى. (وَالْمَفْقُودُ) الَّذِي فُقِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَوْضِعٌ فِي غَيْرِ مَجَاعَةٍ وَلَا وَبَاءَ، إذَا كَانَتْ لَهُ زَوْجَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَارُ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَحَلُّ كَوْنِهَا لَا رَدَّ لَهَا بِالْحَادِثِ مِنْ جَبٍّ وَنَحْوِهِ بَعْدَ الْوَطْءِ حَيْثُ لَمْ تَخْشَ عَلَى نَفْسِهَا الزِّنَا، وَإِلَّا فَلَهَا التَّطْلِيقُ؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ التَّطْلِيقَ بِالضَّرَرِ الثَّابِتِ، وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَقَوْلُهُ سَنَةً أَيْ سَنَةً بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ فَلَا يُؤَجَّلُ، وَهُوَ بِالْمَرَضِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْمَرَضِ الطَّارِئِ بَعْدَ ضَرْبِ الْأَجَلِ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ السَّنَةِ أَوْ بَعْضَهَا، وَهَذَا إذَا تَرَافَعَا لِلْحَاكِمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَرَافَعَا وَتَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ يَوْمِ التَّرَاضِي كَمَا قَالَهُ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ أَيْ يُؤَجَّلُ نِصْفَ سَنَةٍ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ كَانَ ذَا شَائِبَةٍ أَوْ لَا، إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِلتَّأْجِيلِ، وَهِيَ إمْرَارُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ إذْ رُبَّمَا أَثَّرَ الدَّوَاءُ فِي فَصْلٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْعَبْدِ [قَوْلُهُ: إذَا تَقَارَرَا عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ] أَيْ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ، وَأَنْكَرَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَ الْأَجَلِ أَنَّهُ وَطِئَ فِي الْأَجَلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ، وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ بَقِيَتْ زَوْجَةً، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ بَعْدَهَا لَمْ يُصَدَّقْ قَطْعًا وَلِلْمُوَازِيَةِ كَلَامٌ آخَرُ لَمْ يَرْتَضِهِ بَعْضٌ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَدَّعِ الْمُعْتَرَضُ الْوَطْءَ بِأَنْ صَدَّقَ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ أَوْ سَكَتَ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَ بَعْدَ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ إنْ اخْتَارَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنْ طَلَّقَ فَوَاضِحٌ، وَلَهُ أَنْ يُوقِعَ مَا شَاءَ، وَإِنْ أَبَى فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ: أَوَّلُهُمَا أَنَّ الْحَاكِمَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَاحِدَةً، وَإِنْ زَادَ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ، وَقِيلَ يَأْمُرُ الْحَاكِمُ الزَّوْجَةَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتُوقِعُهُ، كَأَنْ تَقُولَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنَا طَالِقٌ مِنْك ثُمَّ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَفَائِدَةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ مَعَ كَوْنِ الطَّلَاقِ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِيَرْفَعَ خِلَافَ مَنْ لَا يَرَى أَمْرَ الْقَاضِي لَهَا بِذَلِكَ إذَا انْتَقَشَ فِي ذِهْنِك، هَذَا يُظْهِرُ لَك عَدَمَ صِحَّةِ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ الزَّوْجِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ. تَنْبِيهٌ: كَمَا يُؤَجَّلُ الْمُعْتَرَضُ الْحُرُّ سَنَةً وَالْعَبْدُ نِصْفَهَا كَذَلِكَ يُؤَجَّلُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْذُومُ وَالْمُبْرَصُ إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُمْ سَنَةً فِي الْحُرِّ وَنِصْفَهَا فِي الرِّقِّ وَالتَّأْجِيلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الصِّحَّةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، لَا فَرْقَ فِيمَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَتُعْتَبَرُ السَّنَةُ قَمَرِيَّةً وَسَكَتَ عَنْ النَّفَقَةِ وَانْظُرْهَا فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: الَّذِي فُقِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ] ، وَأَمَّا مَفْقُودُ أَرْضِ الشِّرْكِ وَمِثْلُهَا زَوْجَةُ الْأَسِيرِ فَإِنَّهُمَا يَبْقَيَانِ كَمَا هُمَا لِانْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ؛ لِتَعَذُّرِ الْكَشْفِ عَنْ زَوْجَيْهِمَا إنْ دَامَتْ نَفَقَتُهُمَا، وَإِلَّا فَلَهُمَا التَّطْلِيقُ، كَمَا إذَا خَشِيَا عَلَى نَفْسَيْهِمَا الزِّنَا فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ حُكِمَ بِمَوْتِ مَنْ ذُكِرَ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ وَفَاةٍ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ حِينَئِذٍ لَا عَلَى وَرَثَتِهِ حِينَ الْفَقْدِ مَا لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَالْمُعْتَبَرُ وَرَثَتُهُ يَوْمَ الْمَوْتِ فَإِنْ جَاءَ بَعْدَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ فَإِنَّ الْقَسْمَ لَا يَمْضِي وَتَرْجِعُ لَهُ أَمْتِعَتُهُ، وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي مُعْتَرَكِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَنَّهُ حَضَرَ الْمُعْتَرَكَ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، وَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الْكَشْفِ عَنْهُ، وَلَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ الْجَيْشِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَالْمَفْقُودِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي الْقِتَالِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ كَائِنَةٍ بَعْدَ الْفَحْصِ عَنْ حَالِهِ، وَيُورَثُ مَالُهُ حِينَئِذٍ وَبَقِيَ مَنْ شُكَّ فِي حَالِهِ هَلْ فُقِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْكُفَّارِ. قَالَ عج يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْأَحْوَطِ فَتُعَامَلُ زَوْجَتُهُ مُعَامَلَةَ زَوْجِ مَفْقُودِ أَرْضِ الشِّرْكِ [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَجَاعَةٍ، وَلَا وَبَاءٍ] الْوَبَاءُ كُلُّ

فَإِنَّهَا تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ لِيَكْشِفَ لَهَا عَنْ خَبَرِهِ فَإِنْ كَانَ حُرًّا (يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ) أَيْ مُدَّةٌ (أَرْبَعُ سِنِينَ) وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ سَنَتَيْنِ وَابْتِدَاءُ ضَرْبِ الْأَجَلِ مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ عِنْدَ ابْنِ الْحَكَمِ ك، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ (مِنْ يَوْمَ تَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ) قُلْت: وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مُشْكِلَةٌ وَلِهَذَا أَوَّلَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَتَكُونُ الْوَاوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرَضٍ عَامٍّ، وَقَالَ بَعْضٌ هُوَ مَرَضُ الْكَثِيرِ مِنْ النَّاسِ فِي جِهَةٍ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَنَقُولُ مَفْهُومُ فِي غَيْرِ مَجَاعَةٍ أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي مَجَاعَةٍ أَوْ وَبَاءٍ الَّذِي مِنْهُ الطَّاعُونُ وَالسُّعَالُ وَنَحْوُهُمَا، فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَهَابِ ذَلِكَ وَوُرِثَ مَالُهُ حِينَئِذٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَرْفَعُ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ] الْمُرَادُ بِالْحَاكِمِ الْقَاضِي كَانَ قَاضِي أَنْكِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَأَوْلَى قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَالْوَالِي، وَهُوَ قَاضِي الشُّرْطَةِ أَيْ السِّيَاسَةِ وَوَالِي الْمَاءِ أَيْ الَّذِي يَأْخُذُ الزَّكَاةَ، وَسُمُّوا وُلَاةَ الْمِيَاهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَى الْمِيَاهِ، وَالثَّلَاثَةُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْقَاضِيَ أَحْوَطُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ وَاحِدًا مِمَّنْ ذُكِرَ، فَتَرْفَعُ أَمْرَهَا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ كَافٍ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ وَاعْتَمَدَهُ وَالسُّلْطَانُ مِثْلُ الْقَاضِي بَلْ قَدَّمَهُ فِي التَّحْقِيقِ فِي اللَّفْظِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: فَتَرْفَعُ لِلسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي إلَخْ، وَقَرَّرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقَاضِي مَوْجُودًا، فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَرْفَعَ لِلْوَالِي وَوَالِي الْمَاءِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ، فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الرَّفْعِ إمَّا لِلْوَالِي أَوْ وَالِي الْمَاءِ، لَكِنْ لَوْ رَفَعَتْ لَهُمَا مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي أَجْزَأَ، وَأَمَّا جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ لَهُمْ مَعَ وُجُودِ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَوْجُودًا فَلَا يُجْزِئُ. وَأَمَّا لَوْ رَفَعَتْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ وُجُودِ الْوَالِي وَوَالِي الْمَاءِ فَيُجْزِئُ، وَوُجُودُ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذُكِرَ مَعَ كَوْنِهِ يَجُوزُ أَوْ يَأْخُذُ الْمَالَ الْكَثِيرَ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِهِ فَتَرْفَعُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتَمَدَ عج أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْبَلَدِ أَوْ مُعْظَمُهُمْ، وَقِيلَ يَكْفِي اثْنَانِ قَالَ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ: وَلَا بُدَّ فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْعَدَالَةِ [قَوْلُهُ: لِيَكْشِفَ لَهَا عَنْ خَبَرِهِ] حَاصِلُهُ أَنَّهَا تَثْبُتُ الزَّوْجِيَّةُ وَغَيْبَةُ الزَّوْجِ وَالْبَقَاءُ فِي الْعِصْمَةِ إلَى الْآنَ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَتَبَ كِتَابًا مُشْتَمِلًا عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَصِفَتِهِ إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي يَظُنُّ وُجُودَهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ وُجُودَهُ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ كَتَبَ إلَى الْبَلَدِ الْجَامِعِ، وَأُجْرَةُ الْبَعْثِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا الطَّالِبَةُ كَمَا صَوَّبَهُ ابْنُ نَاجِي وَاخْتَارَ شَيْخُهُ الْغُبْرِينِيُّ أَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ وَالثَّانِي إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَإِذَا عَادَ عَلَيْهِ الْخَبَرُ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَوْضِعِهِ ضُرِبَ لَهَا الْأَجَلُ أَرْبَعٌ أَوْ سَنَتَانِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ تَعَبُّدٌ وَمَحِلُّ التَّأْجِيلِ الْمَذْكُورِ مَعَ دَوَامِ النَّفَقَةِ، بِأَنْ يَكُونَ لِلْمَفْقُودِ مَالٌ تُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَغَيْرَ دَاعِيَةٍ لَهُ قَبْلَ غَيْبَتِهِ، وَمَا فِي النَّفَقَاتِ مِنْ الدُّخُولِ أَوْ اشْتِرَاطِ الدُّعَاءِ لَهُ فَفِي الْحَاضِرَةِ فَقَطْ. وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ طُلِّقَ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ لَكِنْ بَعْدَ إثْبَاتِ مَا تَقَدَّمَ، وَتَزِيدُ إثْبَاتَ الْعَدَمِ وَاسْتِحْقَاقَهَا لِلنَّفَقَةِ، وَتَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْهُ نَفَقَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَلَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُمَكِّنُهَا الْحَاكِمُ مِنْ تَطْلِيقِ نَفْسِهَا بِأَنْ تُوقِعَهُ، وَيَحْكُمُ بِهِ أَوْ يُوقِعَهُ الْحَاكِمُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَكْفِي فِي الْأَجَلِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ بَعْدَ فَرَاغِ مَالِهِ [قَوْلُهُ: مُدَّةٌ أَرْبَعُ] أَيْ مُدَّةٌ هِيَ أَرْبَعُ سِنِينَ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ مُدَّةُ سَنَتَيْنِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ] أَيْ لِصَدْرِ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ] أَيْ أَوْ الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ فَلَا حَذْفَ، وَيُوَافِقُ مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: قُلْت وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ مُشْكِلَةٌ] وَجَّهَهُ تت وَذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ انْتِهَاءَ الْكَشْفِ يَتَضَمَّنُ الرَّفْعَ، وَالرَّفْعُ لَا يَتَضَمَّنُ الْكَشْفَ. اهـ. حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْعُ لَا يَتَضَمَّنُ الْكَشْفَ فَيَكُونُ يَوْمُ الرَّفْعِ غَيْرَ يَوْمِ الْكَشْفِ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي [قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَوَّلَهَا إلَخْ] وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنَّ الْوَاوَ فِي، وَيَنْتَهِي بِمَعْنَى مَعَ أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ الْأَمْرَيْنِ وَالْكَشْفُ عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الرَّفْعَ وَعَكْسَهُ، فَلِذَا ذَكَرَهُمَا وَحِينَئِذٍ فَلَا غُبَارَ عَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ] ، وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ

بِمَعْنَى أَوْ. (ثُمَّ) إذَا انْقَضَى الْأَجَلُ، وَلَمْ يَأْتِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ فَ (تَعْتَدُّ) زَوْجَتُهُ (كَعِدَّةِ الْمَيِّتِ) وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهَا مَحْكُومٌ لَهَا بِمَوْتِ زَوْجِهَا وَنَفَقَتُهَا فِي الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ، وَفِي الْعِدَّةِ مِنْ مَالِهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا (ثُمَّ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ) وَلَا تَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ وَكَذَلِكَ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ حَصَلَ بِضَرْبِ الْأَجَلِ أَوَّلًا. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى حُكْمِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَالِهِ فَقَالَ: (وَلَا يُوَرَّثُ مَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ) غَالِبًا، وَهُوَ ثَمَانُونَ سَنَةً عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْقَابِسِيُّ وَسَبْعُونَ سَنَةً عَلَى مَا اخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي سِنِّهِ وَوَقْتِ مَغِيبِهِ حُكِمَ بِالْأَقَلِّ احْتِيَاطًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبِ ذِكْرُهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ الْوَطْءِ فِي الْعِدَّةِ، وَهِيَ (وَلَا تُخْطَبُ) بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ تُخْطَبَ (الْمَرْأَةُ) الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، أَوْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَعِدَّةِ الْمَيِّتِ] أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِلْحُرَّةِ وَشَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ مَعَ أَيَّامِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَقَوْلُهُ كَعِدَّةِ الْمَيِّتِ أَيْ الْمُحَقَّقِ مَوْتُهُ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ] مُلَخَّصُهُ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهَا تَعْتَدُّ كَالْوَفَاةِ بَنَى بِهَا أَوْ لَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَنْ أَلْزَمَ فِيهَا أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى ذَلِكَ عَلَى لُزُومِ الْإِحْدَادِ، فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ وَلِقَوْلِهِ وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ أَيْ اعْتَدَّتْ كَالْوَفَاةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: وَنَفَقَتُهَا فِي الْأَجَلِ مِنْ مَالِهِ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَفِي الْعِدَّةِ مِنْ مَالِهَا] ، وَلَوْ حَامِلًا فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَأَرَادَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ أَنْ تَبْقَى زَوْجَةً، فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ فَإِنْ تَبَيَّنَ تَقَدُّمُ مَوْتِهِ رَدَّتْ مَا أَنْفَقَتْ بَعْدَ الْوَفَاةِ فَإِنْ جَاءَ الْمَفْقُودُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ، وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَقَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَلَكِنْ عَلِمَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا بِأَنَّ زَوْجَهَا الْمَفْقُودَ جَاءَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لَكِنْ كَانَ عَقْدُهُ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَلَا تَفُوتُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ تَلَذُّذِ الثَّانِي بِهَا غَيْرَ عَالِمٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ يَفُوتُ بِالدُّخُولِ فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَى الْمَفْقُودِ [قَوْلُهُ: تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ لِمَنْ يَقُولُ إنَّهَا لَا تَتَزَوَّجُ بِهَذَا الْأَجَلِ، وَإِنَّمَا حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُورَثُ مَالُهُ] أَيْ مَالُ الْمَفْقُودِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَأُمُّ وَلَدِ الْمَفْقُودِ كَمَالِهِ فِي الْوَقْفِ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّعْمِيرِ، حَيْثُ كَانَ لِسَيِّدِهَا مَالٌ تُنْفِقُ مِنْهُ، وَإِلَّا نُجِّزَ عِتْقُهَا، وَتَتَزَوَّجُ بَعْدَ حَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهَا عِدَّتُهَا مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [قَوْلُهُ: وَسَبْعُونَ سَنَةً عَلَى مَا اخْتَارَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] قَالَ الشَّيْخُ الدَّمِيرِيُّ، وَلَعَلَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ خَلِيلٍ وَتَرْكِ الشَّارِحِ. ثَالِثًا، وَهُوَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً عَلَى مَا قَضَى بِهِ ابْنُ زَرْبٍ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ [قَوْلُهُ: فِي سِنِّهِ وَوَقْتِ مَغِيبِهِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَتَكُونُ مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى اخْتَلَفُوا فِي السِّنِّ، وَوَقْتُ الْمَغِيبِ مَعْلُومٌ. الثَّانِيَةُ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ الْمَغِيبِ وَالسِّنُّ مَعْلُومٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الْمَغِيبِ مَعَ الْعِلْمِ بِالسِّنِّ ثَمَرَةٌ. فَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَوَقْتِ مَغِيبِهِ بَقِيَتْ الْوَاوُ عَلَى حَالِهَا أَوْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى أَوْ [قَوْلُهُ: حُكِمَ بِالْأَقَلِّ إلَخْ] فَإِذَا قَالَتْ بَيِّنَةٌ فُقِدَ وَسِنَّهُ كَذَا، وَقَالَتْ أُخْرَى فُقِدَ وَسِنَّهُ كَذَا، لَا أَزْيَدَ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ قَالَ تت: وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى التَّقْدِيرِ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحْقِيقُ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ، وَهَذَا لَيْسَ شَأْنَ الشَّهَادَةِ بَلْ شَأْنُهَا التَّحْقِيقُ لَكِنْ اُغْتُفِرَ لِلتَّعَذُّرِ بِأَنْ يَقُولُوا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا أَنَّهُ فُقِدَ وَسِنَّهُ كَذَا، وَإِذَا شَهِدَتْ عَلَى التَّقْدِيرِ، وَأَرَادَ الْوَارِثُ قَسْمَ مَالِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ عَلَى طِبْقِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْقَطْعِ، حَيْثُ ظَنَّ بِهِ الْعِلْمَ أَمَّا لَوْ شَهِدَتْ بِتَارِيخِ الْوِلَادَةِ فَلَا يَمِينَ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ] أَيْ يَحْرُمُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِ الْمُطَلِّقِ، وَأَمَّا مِنْهُ فَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بِالثَّلَاثِ، وَكَذَا يَحْرُمُ مُوَاعَدَةٌ بِالنِّكَاحِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَتَوَثَّقَ كُلٌّ مِنْ صَاحِبِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ غَيْرَهُ، وَكَذَا يَحْرُمُ صَرِيحُ الْخِطْبَةِ إلَى وَلِيِّهَا الْمُجْبِرِ وَمُوَاعَدَتُهُ هُوَ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ، وَالْأَبُ فِي ابْنَتِهِ

وَهِيَ (فِي عِدَّتِهَا) بِصَرِيحِ اللَّفْظِ (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنًى، وَيُبَاحُ خِطْبَةُ الْمُعْتَدَّةِ (بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ) أَيْ الْحَسَنِ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِثْلُ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] ، وَهَذِهِ الْإِبَاحَةُ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَهِيَ (وَمَنْ نَكَحَ) أَيْ تَزَوَّجَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ نِسَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا (بِكْرًا) صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ أَمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً (فَ) يُبَاحُ (لَهُ) ، وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَلَهَا بِالتَّأْنِيثِ (أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا) أَيْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَاتٍ (دُونَ سَائِرِ نِسَائِهِ) ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ ابْنُ الْمَوَّازِ وَتُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْقَدِيمَةِ (وَ) أَمَّا الْحُكْمُ (فِي الثَّيِّبِ) إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى نِسَائِهِ فَلَا يُقِيمُ عِنْدَهَا إلَّا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) مُتَوَالِيَاتٍ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ وَظَاهِرُ النُّسْخَةِ الْأُولَى أَنَّ الْحَقَّ لِلزَّوْجِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلزَّوْجَةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُقَامِ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَعَلَى الْأُولَى يَكُونُ الْخِيَارُ لَهُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَالْأَصْلُ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ» . (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ) كَلَامُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِكْرِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمَكْرُوهٌ، وَلَا يَحْرُمُ كَمُوَاعَدَةٍ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ دُونَ أَنْ يَعِدَهُ الْآخَرُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُسْتَبْرَأَةِ مِنْ زِنًا مِنْهُ، وَأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ شُبْهَتِهِ أَوْ مِلْكٍ أَوْ شُبْهَتِهِ، أَيْ فِي تَحْرِيمِ التَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ لَهَا فِي زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَفِي تَحْرِيمِ الْمُوَاعَدَةِ لَهَا أَوْ لِوَلِيِّهَا بِالنِّكَاحِ، وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ، وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى وَيُبَاحُ] أَيْ فَهُوَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ تت [قَوْلُهُ: بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْفِعْلِ كَالْإِهْدَاءِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْمُخْتَصَرِ جَوَازُهُ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي الْهَدِيَّةُ فِي زَمَانِنَا أَقْوَى مِنْ الْمُوَاعَدَةِ، فَالصَّوَابُ حُرْمَتُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ جَرَى مِثْلُهَا قَبْلُ، وَأَمَّا إجْرَاءُ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا، فَإِنْ أَنْفَقَ أَوْ أَهْدَى ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَمِثْلُهُ لَوْ أَهْدَى أَوْ أَنْفَقَ لِمَخْطُوبَةٍ غَيْرِ مُعْتَدَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ إلَّا لِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَإِنْ أَهْدَى أَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَهَلْ كَذَلِكَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَسَنِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَسَنَ شَرْعِيٌّ أَيْ يَكُونُ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ تَصْرِيحًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمَعْرُوفُ وَصْفًا مُؤَكَّدًا؛ لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ مُتَعَلِّقُ التَّعْرِيضِ، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ تَصْرِيحًا. [قَوْلُهُ: بِهِ] أَيْ بِسَبَبِهِ أَوْ مِنْهُ أَيْ بِدُونِ صَرَاحَةٍ [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْإِبَاحَةُ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يُمَيِّزُ] كَأَهْلِ الْعِلْمِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ] أَيْ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَفْهَمُ مِنْهُ التَّصْرِيحَ بِحَسَبِ زَعْمِهَا، وَيَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ التَّصْرِيحِ وَالتَّعْرِيضِ فَالْجَوَازِ، ثَانِيهَا جَاهِلَيْنِ، ثَالِثُهَا هُوَ جَاهِلٌ، رَابِعُهَا عَكْسُهُ، فَالْمَنْعُ فِي الثَّلَاثِ وَمَحِلُّ جَوَازِ التَّعْرِيضِ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةِ مُتَوَفَّى عَنْهَا أَوْ مُطَلَّقَةً مِنْ غَيْرِهِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعِيًّا فَيَحْرُمُ التَّعْرِيضُ إجْمَاعًا. [قَوْلُهُ: عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ نِسَائِهِ] أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا الَّتِي تَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقَامَةُ عِنْدَهَا، وَلَا الْبَيَاتُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ إضْرَارَهَا، فَعَلَيْهِ إزَالَتُهُ بِالْبَيَاتِ عِنْدَهَا أَوْ لِمُؤَانَسَةٍ أَيْ إلَّا أَنْ يَجْرِيَ عُرْفٌ بِبَيَاتِهِ عِنْدَهَا حَالَ يَحْرُسُهَا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: سَبْعَةَ أَيَّامٍ] أَيْ بِلَيَالِيِهَا فَإِنْ قُلْت كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُذَكَّرٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي حَالَةِ ذِكْرِ الْمَعْدُودِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْحَذْفِ فَيَجُوزُ تَذْكِيرُهُ وَتَأْنِيثُهُ، وَإِنَّمَا مُيِّزَتْ الْبِكْرُ عَنْ الثَّيِّبِ لِمَا عِنْدَهَا مِنْ الْوَحْشَةِ بِفِرَاقِ أَهْلِهَا، وَالْإِقَامَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُنَافِي الْخُرُوجَ لِقَضَاءِ مَصَالِحِهِ، وَصَلَاتِهِ الْجُمُعَةَ وَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ فَيَبْدَأُ بِالسَّابِقَةِ فِي الدَّعْوَةِ لِلدُّخُولِ أَوْ بِالْعَقْدِ إنْ تَسَاوَتْ فِي الدَّعْوَةِ، وَإِلَّا قُرِعَ [قَوْلُهُ: عَلَى نِسَائِهِ] أَيْ جِنْسِ نِسَائِهِ أَوْ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ حَقُّ الزَّوْجَةِ] ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ] لَا مَفْهُومَ لَهُمَا بَلْ كُلٌّ مُحَرَّمَتَيْ

مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فِي النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: فِي الْوَطْءِ عَنْ جَمْعِهِمَا فِي الْمِلْكِ لِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَإِذَا جُمِعَا فِي الْمِلْكِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَالْكَفُّ عَنْ الْأُخْرَى مَوْكُولٌ إلَى أَمَانَتِهِ (فَإِنْ شَاءَ) أَيْ إذَا أَرَادَ (وَطْءَ الْأُخْرَى فَلْيُحَرِّمْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (فَرْجَ الْأُولَى) الَّتِي وَطِئَهَا إمَّا (بِبَيْعٍ) بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بَيْعًا نَاجِزًا لِمَنْ لَا يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ وَاحْتَرَزْنَا بِ " نَاجِزًا " مِنْ نَحْوِ بَيْعِ الْخِيَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحَرِّمُ فَرْجَ الْأُولَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَبِمَنْ لَا يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ عَمَّا إذَا بَاعَهَا لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَعَبْدِهِ، إلَّا أَنْ تَفُوتَ عِنْدَ الْمُعْتَصِرِ مِنْهُ فَتَحِلُّ لَهُ. (أَوْ) بِ (كِتَابَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهَا (أَوْ) بِ (عِتْقٍ) نَاجِزٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ (وَشَبَهُهُ مِمَّا يُحَرِّمُ بِهِ) كَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ لِمَنْ لَا يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ إذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلثَّوَابِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُعَوَّضَ عَلَيْهَا أَوْ تَفُوتَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَتَحِلُّ لَهُ أُخْتُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ. (وَمَنْ وَطِئَ) مِنْ الْبَالِغِينَ (أَمَةً بِمِلْكٍ) صَحِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَمْعِ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: فِي الْوَطْءِ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ [قَوْلُهُ: عَنْ جَمْعِهِمَا فِي الْمِلْكِ لِغَيْرِ الْوَطْءِ] أَيْ أَوْ وَاحِدَةٌ لِلْمِلْكِ، وَأُخْرَى لِلْوَطْءِ [قَوْلُهُ: بَيْعًا نَاجِزًا] أَيْ، وَلَوْ دُلِّسَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي التَّمَاسُكَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ أُخْتَهَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ بَيْعِهَا النَّاجِزِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُقَيَّدُ بِأَلَّا يَكُونَ فِيهَا مُوَاضَعَةٌ، وَلَا عُهْدَةُ ثَلَاثٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِيهَا وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِمُضِيِّهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْبَائِعِ فِي ذَلِكَ، وَلَك أَنْ تَقُولَ احْتَرَزَ الشَّارِحُ بِنَاجِزًا أَيْضًا عَنْ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَالْمُوَاضَعَةِ كَمَا فَعَلَ فِي التَّحْقِيقِ وَاحْتَرَزَ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ مِنْ السُّنَّةِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْمَبِيعَةِ وَحِلِّيَّةِ الْأُخْرَى [قَوْلُهُ: كَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَعَبْدِهِ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الِاعْتِصَارَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ بَلْ وَمِثْلُهُ الْكَبِيرُ، وَأَنَّ الِاعْتِصَارَ هُوَ ارْتِجَاعُ عَطِيَّةٍ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطِي، وَهَذَا بَيْعٌ لَا عَطِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالِاعْتِصَارِ مُطْلَقَ الِارْتِجَاعِ مِنْ الْمَالِكِ بِدُونِ اخْتِيَارٍ، وَلَوْ بِالْعِوَضِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ الصَّغِيرَ بَلْ وَالْكَبِيرَ السَّفِيهَ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ يَتَصَرَّفُ لَهُ، وَيَكُونُ مُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ كَالْبَيْعِ لِأَجْنَبِيٍّ فَيَحِلُّ لَهُ وَطْءٌ كَأُخْتِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابَةٍ إلَخْ] ، وَلَوْ عَجَزَتْ عَنْ النُّجُومِ فَلَا تَعُودُ الْحُرْمَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَجَّلٍ] يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: كَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ] أَيْ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا إذَا أَخْدَمَهَا زَمَنًا طَوِيلًا كَأَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ أُسِرَتْ أَوْ أَبِقَتْ إبَاقًا أَيِسَ مِنْ عَوْدِهَا مِنْهُ، وَلَوْ رَجَعَتْ لَا تَعُودُ الْحُرْمَةُ، وَلَا تَحِلُّ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ لَمْ يَفُتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ فَأَعْلَى فِي الْبَيْعِ، أَوْ دُخُولٍ فِي التَّزْوِيجِ أَوْ إخْدَامِ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ إظْهَارٍ. [قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ] ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَهَا لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ أَيْ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، كَمَا إذَا وَهَبَهَا لِوَالِدِهِ قَبْلَ حُصُولِ مُفَوِّتِ الِاعْتِصَارِ، وَإِمَّا بِشِرَاءٍ مِنْ الْمَوْهُوبِ كَمَا إذَا وَهَبَهَا لِمَحْجُورِهِ مِنْ يَتِيمٍ أَوْ وَلَدٍ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا بَعْدَ حُصُولِ مُفَوِّتِ الِاعْتِصَارِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْهِبَةِ لِمَنْ يَعْتَصِرُهَا مِنْهُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِثَوَابٍ، وَقَبَضَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ثَوَابٌ إلَّا أَنْ تَفُوتَ عِنْدَهُ فَغَيْرُ نِكَاحٍ لِوَطْءِ الْأَبِ لَهَا قَبْلُ بَلْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَتَحِلُّ أُخْتُهَا لِلْوَاهِبِ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَبِيرًا رَشِيدًا، وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ بِالْمَوْطُوءَةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ، وَحَازَهَا غَيْرُ الْمُتَصَدِّقِ بِكَسْرِ الدَّالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَافِيًا فِي حِلِّيَّةِ وَطْءٍ كَأُخْتِهَا فَلَوْ لَمْ تُحَزْ فَلَا تَحِلُّ الْأُخْتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ، وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْزِ مَضَى فِعْلُهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُعَوَّضَ إلَخْ] أَيْ فَلَوْ انْتَفَى التَّعْوِيضُ وَالْفَوْتُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءٌ كَأُخْتِهَا، وَلَوْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الثَّوَابُ مُعَيَّنًا وَحَصَلَ عَقْدُ الْهِبَةِ فَيَحِلُّ وَطْءٌ كَأُخْتِهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ حِينَئِذٍ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ عَقْدًا صَحِيحًا لَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ الزَّوْجُ بِهَا أَوْ فَاسِدًا يَمْضِي بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ، أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ كَنِكَاحِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنٍ ثُمَّ أُجِيزَ وَكَنِكَاحِ ذِي عَيْبٍ أَوْ غَرَرٍ ثُمَّ رَضِيَ الْآخَرُ فَتَحِلُّ بِوَطْءٍ ثَانٍ وَفِي الْأَوَّلِ تَرَدُّدٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْبَالِغِينَ] إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ لَا يُحَرِّمُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضٌ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي وَطْءِ الصَّبِيِّ

أَوْ فَاسِدٍ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا (لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا) قِيَاسًا عَلَى أُمِّ الزَّوْجَةِ (وَلَا) تَحِلُّ لَهُ (ابْنَتُهَا) قِيَاسًا عَلَى الرَّبِيبَةِ (وَتَحْرُمُ عَلَى آبَائِهِ) قِيَاسًا عَلَى حَلِيلَةِ الِابْنِ (وَ) تَحْرُمُ عَلَى (أَبْنَائِهِ) قِيَاسًا عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، يَجْرِي فِي الْمِلْكِ (كَتَحْرِيمِ) الْمُصَاهَرَةِ فِي (النِّكَاحِ) ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةُ. (وَالطَّلَاقُ بِيَدِ الْعَبْدِ دُونَ السَّيِّدِ) لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّمَا يَمْلِكُ الطَّلَاقَ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» كِنَايَةٌ عَنْ الزَّوْجِ، وَهَذَا إذَا تَزَوَّجَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَمَّا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ فَسْخُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا طَلَاقَ لِصَبِيٍّ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ يَقْوَى عَلَى الْجِمَاعِ أَوْ بَلَغَ أَنْ يَتَلَذَّذَ بِالْجَوَارِي، وَإِلَّا فَوَطْؤُهُ كَالْعَدَمِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا مُقَدِّمَاتُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، وَهَذَا كَمَا قَرَّرْنَا فِي الْوَاطِئِ وَاللَّامِسِ، وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ وَالْمَلْمُوسَةُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا. [قَوْلُهُ: أَوْ فَاسِدٍ] أَيْ مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ، وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَدْرَأْ فَلَا وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ غَيْرَ جَائِزٍ، كَمَا إذَا كَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ وَفِي كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ مَا يُفِيدُهُ [قَوْلُهُ: أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا] بِلَذَّةٍ مَعَ قَصْدٍ وَبِدُونِهِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ لَذَّةً، وَلَوْ بِقُبْلَةٍ بِفَمٍ أَوْ بِلَمْسٍ وَنَحْوِهِ، بَلْ، وَلَوْ بِنَظَرٍ وَوَجَدَهَا حَرُمَ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ انْتَفَيَا فَلَا، وَإِنْ قَصَدَهَا فَقَطْ أَوْ وَجَدَهَا فَقَطْ فَقَوْلَانِ فِي كُلٍّ أَقْوَاهُمَا فِي الثَّانِي التَّحْرِيمُ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ، وَأَمَّا هُمَا فَلَا تَحْرِيمَ بِالنَّظَرِ مُطْلَقًا كَبَاطِنِ الْجَسَدِ مَعَ انْتِفَائِهِمَا. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّلَذُّذَ، وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالنَّظَرِ لِبَاطِنِ الْجَسَدِ يَحْرُمُ وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ كَالْمِلْكِ، وَأَمَّا الزِّنَا فَلَا يَحْرُمُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ] أَيْ تِلْكَ الْمَوْطُوءَةُ أَيْ أَوْ الْمُتَلَذَّذُ بِهَا [قَوْلُهُ: عَلَى آبَائِهِ] أَيْ أُصُولِهِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَقَوْلُهُ عَلَى أَبْنَائِهِ أَيْ فُرُوعِهِ، وَأَنْ سَفَلُوا [قَوْلُهُ: فَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ] أَيْ الْحَاصِلُ بِالْوَطْءِ أَوْ التَّلَذُّذِ، وَلَوْ قَالَ فَتَحْرِيمُ مُصَاهَرَةِ الْمِلْكِ كَتَحْرِيمِ مُصَاهَرَةِ النِّكَاحِ، لَكَانَ أَوْلَى. وَقَوْلُهُ كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَعْضِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنِّكَاحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَطْءِ. [قَوْلُهُ: بِيَدِ الْعَبْدِ] أَيْ الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ. [قَوْلُهُ: كِنَايَةٌ عَنْ الزَّوْجِ] وَجْهُهُ أَنَّ مَدْلُولَ مَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ ذَاتٌ كُلِّيَّةٌ تَصْدُقُ عَلَى أَفْرَادٍ مُتَعَدِّدَةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ شَرْعًا، مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِهَا لِفَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ، وَهُوَ الزَّوْجُ فَقَدْ أُطْلِقَ اسْمُ الْمَلْزُومِ وَأُرِيدَ اللَّازِمُ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَهُ فَسْخُهُ] ، وَلَهُ إمْضَاؤُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْإِمْضَاءِ، وَإِذَا فَسَخَهُ يَكُونُ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ بَائِنَةٌ لَا أَكْثَرُ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ أَوْقَعَ اثْنَيْنِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قِنًّا أَوْ ذَا شَائِبَةٍ، وَوَارِثُ السَّيِّدِ كَهُوَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ وَارِثُوهُ فِي الرَّدِّ وَالْإِمْضَاءِ فَالْقَوْلُ لِذِي الْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: وَلَا طَلَاقَ لِصَبِيٍّ] حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ. وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا، بِحَيْثُ صَارَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ، وَلَوْ بِأَكْلِ حَشِيشَةٍ، وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ السَّكْرَانِ بِحَلَالٍ، وَلَا لِكَافِرٍ. تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا لَا طَلَاقَ عَلَى الصَّبِيِّ إنَّمَا يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ لِمَصْلَحَةٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِزَوْجَتِهِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَ الصَّبِيُّ أَوْ الْكَافِرُ زَوْجَةَ غَيْرِهِ فَتَصِحُّ إجَازَةُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ حَقِيقَةً الزَّوْجُ، وَلِذَلِكَ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ مِنْ يَوْمِ إجَازَتِهِ لَا مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مُرَاهِقًا] أَيْ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ قَرُبَ مِنْ الْبُلُوغِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا وَحَنِثَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: «رُفِعَ الْقَلَمُ» إلَخْ] التَّعْبِيرُ بِالرَّفْعِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الَّذِي لَا يُكْتَبُ الْمَعْصِيَةُ، فَلَا يُنَافِي كَتْبَ الطَّاعَةِ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ مَعْنَى كَتْبِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَوْلُهُ وَعَنْ الْمَعْتُوهِ فِي التَّهْذِيبِ الْمَعْتُوهُ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ أَوْ جُنُونٍ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ إلَخْ] أَيْ فَقَدْ تَبَرَّعَ بِهِمَا، وَقِيلَ لَا بَلْ هُمَا دَاخِلَتَانِ فِي الطَّلَاقِ فَلَا تَبَرُّعَ [قَوْلُهُ: مَثَلًا] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ

مَسْأَلَتَيْنِ غَيْرِ دَاخِلَتَيْنِ تَحْتَ التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَالْمُمَلَّكَةُ) ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا مَثَلًا: مَلَّكْتُك نَفْسَك أَوْ أَمْرَك أَوْ طَلَاقُك بِيَدِك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت (وَالْمُخَيَّرَةُ) ، وَهِيَ الَّتِي يُخَيِّرُهَا فِي النَّفْسِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك أَوْ فِي عَدَدٍ يُعَيِّنُهُ مِنْ أَعْدَادِ الطَّلَاقِ مِثْلَ اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ حُكْمُهُمَا أَنَّ (لَهُمَا أَنْ يَقْضِيَا مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ) فَالْمُمَلَّكَةُ تُجِيبُ بِصَرِيحٍ يُفْهِمُ عَنْهَا مُرَادَهَا مِنْهُ فَيُعْمَلُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَطْلُقَ وَاحِدَةً أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهَا فَفِي الْوَاحِدَةِ لَا مُنَاكَرَةَ لَهُ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا لَهُ الْمُنَاكَرَةُ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ) أَيْ لِزَوْجِ الْمُمَلَّكَةِ (أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ خَاصَّةً) دُونَ الْمُخَيَّرَةِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ (فِيمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةُ) بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ، وَهِيَ أَنْ يُنْكِرَ حِينَ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ، وَلَا إهْمَالٍ، وَأَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِتَمْلِيكِهِ الطَّلَاقَ، وَأَنْ تَكُونَ مُنَاكَرَتُهُ فِي عَدَدِهِ، وَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فِي حَالِ تَمْلِيكِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْثِلَةِ لِيَدْخُلَ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك أَوْ وَلَّيْتُك أَمْرَك أَوْ مَلَّكْتُك، وَضَابِطُ التَّمْلِيكِ جَعْلُ إنْشَائِهِ حَقًّا لَهَا وَكَذَا لِغَيْرِهَا رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يُخَصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ الْعَزْلُ [قَوْلُهُ: وَالْمُخَيَّرَةُ] ضَابِطُهُ جَعْلُ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لَهَا وَكَذَا لِغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهَا إلَخْ] أَيْ أَوْ اخْتَارِي أَمْرَك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فَقَطْ، أَيْ بِدُونِ اخْتَارِينِي [قَوْلُهُ: اخْتَارِي طَلْقَةً إلَخْ] ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَعَدَّى ذَلِكَ [قَوْلُهُ: مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ] أَيْ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِنْ أَرَادَ قَطْعَ ذَلِكَ عَنْهَا حِينَ مَلَكَهَا لَمْ يَنْفَعْهُ وَحَدُّ ذَلِكَ، إذَا قَعَدَ مَعَهَا قَدْرَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ، وَلَمْ تَقُمْ فِرَارًا، وَإِنْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ وَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ وَخَرَجَا إلَى غَيْرِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَهَذَا فِي التَّخْيِيرِ أَوْ التَّمْلِيكِ الْعَارِي عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَإِذَا قُيِّدَ بِزَمَانٍ كَخَيَّرْتُك أَوْ مَلَّكْتُك فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا، أَوْ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَوْ الْمَجْلِسِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ مَا لَمْ يُوقِفْهَا الْحَاكِمُ. [قَوْلُهُ: فَالْمُمَلَّكَةُ إلَخْ] وَكَذَا الْمُخَيَّرَةُ فَلَوْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَقَالَتْ قَوْلًا مُحْتَمِلًا نَحْوَ قَبِلْت أَمْرِي أَوْ قَبِلْت نَفْسِي أَوْ مَا مَلَّكْتنِي، فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِتَفْسِيرٍ بِذَلِكَ، وَيُقْبَلُ مِنْهَا مَا أَرَادَتْ بِذَلِكَ، فَإِنْ قَالَتْ أَرَدْت بِهِ رَدَّ مَا جَعَلَهُ لِي وَأَبْقَى عَلَى الْعِصْمَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ، أَوْ قَالَتْ أَرَدْت الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَتْ أَرَدْت الْبَقَاءَ عَلَى التَّرَوِّي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهَا، وَلَوْ لَمْ تُفَسِّرْ حَتَّى حَاضَتْ الْحَيْضَةَ الَّتِي انْقَضَتْ بِهَا الْعِدَّةُ أَوْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا، فَقَالَتْ: أَرَدْت طَلْقَةً وَاحِدَةً قُبِلَ مِنْهَا بِلَا يَمِينٍ، وَلَا رَجْعَةً لَهُ لِتَفْرِيطِ الزَّوْجِ بِكَوْنِهِ لَمْ يُوقِفْهَا، وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ تُجِيبُ بِصَرِيحٍ أَيْ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا، وَأَرَادَ بِالصَّرِيحِ مَا يَشْمَلُ الْكِنَايَةَ الظَّاهِرَةَ، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ كَاسْقِينِي الْمَاءَ فَيُسْقِطُ مَا بِيَدِهَا، وَلَوْ نَوَتْ بِهَا الطَّلَاقَ، وَقَوْلُهُ يُفْهِمُ عَنْهَا مُرَادَهَا مِنْهُ إمَّا بِطَلَاقٍ كَمَا قَرَّرْنَا كَأَنْ تَقُولَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ طَلَّقْت أَوْ رَدَّهُ، كَأَنْ تَقُولَ رَدَدْت مَا مَلَّكْتنِي أَوْ لَا أَقْبَلُ مِنْك أَوْ تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا، وَلَوْ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ، وَهِيَ طَائِعَةٌ عَالِمَةٌ بِالتَّمْلِيكِ، وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَا بِيَدِهَا إلَّا أَنْ أَمْكَنَتْ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ عَالِمَةٍ بِمَا جَعَلَهُ لَهَا فَلَا يَبْطُلُ، وَلَوْ وَطِئَهَا بِالْفِعْلِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ الْعِلْمِ [قَوْلُهُ: أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ خَاصَّةً إلَخْ] هَذَا إذَا بَقِيَتْ لَهُ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ آخِرَ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ لَا يُنَاكِرُهَا [قَوْلُهُ: أَنْ يُنْكِرَ حِينَ سَمَاعِهِ] فَلَوْ لَمْ يُبَادِرْ، وَأَرَادَ الْمُنَاكَرَةَ، وَادَّعَى الْجَهْلَ فِي ذَلِكَ، لَمْ يُعْذَرْ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِتَمْلِيكِهِ الطَّلَاقَ] فَلَوْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَرَدْت بِمَا جَعَلْته لَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ: إنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ سَهْوِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ قَصَدَ طَلْقَةً وَاحِدَةً [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ مُنَاكَرَتُهُ فِي عَدَدِهِ] أَيْ لَا فِي أَصْلِهِ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِاَلَّذِي قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ نَوَى إلَخْ] فَلَوْ لَمْ يَنْوِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَزِمَ مَا أَوْقَعَتْهُ، وَسَكَتَ عَنْ شَرْطَيْنِ: أَوَّلُهُمَا أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَقَعَ مَا أَوْقَعَتْهُ، وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهَا الْيَمِينُ، وَمَحِلُّ يَمِينِهِ وَقْتَ الْمُنَاكَرَةِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ لِيُحْكَمَ لَهُ الْآنَ بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَ

تَمْلِيكُهُ طَوْعًا وَاحْتَرَزَ بِمَا فَوْقَ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ لَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيهَا. وَأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُخَيَّرَ فِي الْعَدَدِ أَوْ النَّفْسِ فَإِنْ خُيِّرَتْ فِي الْعَدَدِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ زِيَادَةً عَلَى مَا جُعِلَ لَهَا، وَإِنْ خُيِّرَتْ فِي النَّفْسِ فَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ، وَبَطَلَ خِيَارُهَا، وَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي كَانَ ثَلَاثًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إنْ فَسَّرَتْهُ بِمَا دُونَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَيْسَ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ أَنْ تَقْضِيَ إلَّا بِالثَّلَاثِ ثُمَّ لَا نُكْرَةَ لَهُ فِيهَا) ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ مُنَاكَرَةُ الْمُمَلَّكَةِ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك اخْتِيَارُ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْعِصْمَةُ، وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهَا الثَّلَاثَ فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ جَعْلِهِ ذَلِكَ لَهَا، بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ طَلْقَةً أَوْ أَزْيَدَ فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ، وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإرَادَةِ تَزْوِيجِهَا لَا قَبْلَهُ إذْ لَعَلَّهُ لَا يَتَزَوَّجُهَا. ثَانِيهمَا أَنْ لَا يُكَرِّرَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا أَمَّا إنْ كَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك، أَمْرُك بِيَدِك أَمْرُك بِيَدِك، فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ فِيمَا زَادَ، وَيَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ بِاللَّفْظِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِتَأْكِيدٍ أَوْ نَوَى التَّأْسِيسَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا مُنَاكَرَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ تَمْلِيكُهُ طَوْعًا] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا شَرَطَ لَهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا مُنَاكَرَةَ لَهُ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ، وَأَمَّا إذَا مَلَّكَهَا فِيهِ طَائِعًا فَلَهُ الْمُنَاكَرَةُ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ شَرْطٌ، وَلَا تَنْصِيصٌ عَلَى طَوْعٍ، فَقِيلَ: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الطَّوْعِ، وَقِيلَ عَلَى الشَّرْطِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ خُيِّرَتْ فِي الْعَدَدِ] كَأَنْ يَقُولَ لَهَا اخْتَارِي وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ إلَخْ] فَإِنْ أَوْقَعَتْ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي سَمَّاهُ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا قَضَتْ بِهِ، وَتَسْتَمِرُّ عَلَى تَخْيِيرِهَا [قَوْلُهُ: كَانَ ثَلَاثًا] أَيْ ثَلَاثًا قَطْعًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إنْ فَسَّرَتْهُ أَيْ إذَا خَيَّرَهَا فِي النَّفْسِ، فَقَالَتْ: اخْتَرْت وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَبَطَلَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهَا التَّخْيِيرُ أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا فَوَّضَ الطَّلَاقَ لِزَوْجَتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَأَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا، بِأَنْ يَقُولَ مَا أَرَدْت إلَّا طَلْقَةً وَاحِدَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ يُنَاكِرُهَا مُطْلَقًا وَالْمُخَيَّرَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَيْسَتْ شُرُوطًا فِي مُنَاكَرَةِ الْمُمَلَّكَةِ فَقَطْ بَلْ مِثْلُهَا الْمُخَيَّرَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ. تَتِمَّةٌ: لَيْسَ لِلزَّوْجِ عَزْلُ الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهَا فِي طَلَاقِهَا فَلَهُ عَزْلُهَا قَبْلَ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهَا بِذَلِكَ حَقٌّ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَقَدْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك تَوْكِيلًا، فَلَا عَزْلَ لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرِ أَوْ الْمُمَلَّكِ فَإِنَّمَا يَفْعَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِ الزَّوْجِ فِي التَّخْيِيرِ، وَالتَّمْلِيكِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، فَالشَّرْطُ تَمْيِيزُهَا، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ الْوَطْءَ [قَوْلُهُ: وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ إلَخْ] الْأَوَّلُ ق قَوْلُهُ: لَهَا ظَاهِرُهُ بَالِغَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ بَالِغَةٍ إذَا كَانَتْ تَعْقِلُ. وَأَمَّا الزَّوْجُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ، الثَّانِي مِنْهُ قَوْلُهُ: مَا دَامَتَا فِي الْمَجْلِسِ هَذَا إذَا مَلَّكَهَا التَّمْلِيكَ الْمُطْلَقَ وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي التَّمْلِيكِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت أَوْ إذَا شِئْت، فَذَلِكَ بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوطَأْ الثَّالِثُ ق التَّمْلِيكُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّوْكِيلِ عَلَى الطَّلَاقِ، ثُمَّ حَكَى قَوْلَيْنِ فِي التَّخْيِيرِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ ثُمَّ قَالَ الرَّابِعُ يُحَالُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ دُونَ التَّوْكِيلِ حَتَّى تُجِيبَ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ. اهـ. وَالْأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَفَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي التَّخْيِيرِ جَارٍ فِي التَّمْلِيكِ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ وَالتَّوْكِيلُ مَكْرُوهٌ إنْ قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ، وَإِلَّا فَالْجَوَازُ وَالْخِلَافُ فِي التَّخْيِيرِ جَازَ فِي الزَّوْجَةِ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا.

[باب في الإيلاء]

[بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ] ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِيلَاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْيَمِينُ وَاصْطِلَاحًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ حَالِفٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارِ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ (عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً حُرَّةً، أَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ أَمَةً غَيْرَ مُرْضِعٍ قَاصِدًا بِذَلِكَ الضَّرَرَ (أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ) مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ، كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُك أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوُهَا، وَمِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَالْحُكْمِ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مُحْتَمِلَةً لِأَقَلَّ مِنْ الْأَجَلِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُكِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ، كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ دَارَ زَيْدٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَنَّهُ يَكُونُ مُولِيًا. وَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا يَوْمًا، وَهُوَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَدُونَ لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْإِيلَاءِ] بَابُ الْإِيلَاءِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْيَمِينُ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ مُطْلَقُ الِامْتِنَاعِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِيمَا كَانَ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ بِيَمِينٍ [قَوْلُهُ: يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ] أَيْ، وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا أَوْ أَخْرَسَ إذَا فُهِمَ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ وَنَحْوِهَا كَكِتَابَةٍ، وَالْأَعْجَمِيِّ بِلِسَانِهِ [قَوْلُهُ: كَتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ] هَلْ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ كِنَايَةً عَنْ تَرْكِ الْجِمَاعِ فَيَحْنَثُ بِالْوَطْءِ وَأَجَلُهُ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ، أَوْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ مُرَادُهُ نَفْيَ الْغُسْلِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اسْتَلْزَمَ شَرْعًا نَفْيَ الْجِمَاعِ لَزِمَهُ الْإِيلَاءُ فَيَحْنَثُ بِالْغُسْلِ، وَأَجَلُهُ مِنْ الرَّفْعِ تَأْوِيلَانِ وَمَحِلُّهُمَا إنْ لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَى ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ اهـ. اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: مِنْ زَوْجَتِهِ الْكَبِيرَةِ] الْمُرَادُ بِهَا مَنْ تُطِيقُ الْوَطْءَ [قَوْلُهُ: فَهُوَ مُولٍ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ] حَاصِلُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْأَجَلِ الَّذِي لَهَا الْقِيَامُ بَعْدَ مُضِيِّهِ الَّذِي هُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ، إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ صَرِيحَةً فِي تَرْكِ الْوَطْءِ وَمِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ، وَالْحُكْمِ إنْ احْتَمَلَتْ الْمُدَّةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُقَرَّرِ وَعَدَمِهَا. وَأَمَّا الْأَجَلُ الْمَحْلُوفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْحَلِفِ وَجُمْلَةُ " فَهُوَ مُولٍ " خَبَرُ " كُلُّ " الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً وَقَرَنَهُ بِالْفَاءِ لِمَا فِي الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْعُمُومِ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ " مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ " خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ، وَالْأَجَلُ مَحْدُودٌ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ [قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك إلَخْ] أَيْ أَوْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك وَأُطَلِّقُ أَوْ حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَمُوتِي؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنَاوَلَتْ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ أَوْ عُمُرِهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَؤُك وَأُطَلِّقُ، وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْأَجَلِ فِي الصَّرِيحِ مِنْ الْيَمِينِ أَنَّهَا إذَا رَفَعَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ أَوْ شَهْرَيْنِ لِلْعَبْدِ لَا يَسْتَأْنِفُ الْأَجَلَ، وَإِنْ رَفَعَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ ذَلِكَ حَسَبَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَجَلِ ثُمَّ طَلَّقَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَعُدْ بِالْوَطْءِ عَلَى مَا يَأْتِي إيضَاحُهُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ] الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَجَلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ كَالصَّرِيحَةِ إلَّا أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا عَلِمَ تَأَخُّرَ قُدُومِهِ عَنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ، فَإِنْ شَكَّ فِي تَأَخُّرِ قُدُومِهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَانْظُرْ إذَا حَلَفَ لَا يَطَأُ إلَى أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ وَقَدْ عَلِمَ تَأَخُّرَ قُدُومِهِ عَنْ أَجَلِ الْإِيلَاءِ ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَهُ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ عَلَى حِنْثٍ] أَيْ وَاحْتَمَلَتْ مُدَّةُ يَمِينِهِ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَطْفِهِ بِأَوْ عَلَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ

بِالْمُسْلِمِينَ احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرِ إذَا آلَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَا إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِحُكْمِنَا وَبِالْمُكَلَّفِ احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُمَا وَبِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ إيلَاءَهُ يَكُونُ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فَقَطْ، عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِمَنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِقَاعُ احْتِرَازًا مِمَّنْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ، كَالْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إيلَاؤُهُمَا وَبِزَوْجَتِهِ احْتِرَازًا مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَمَةِ، فَإِنَّهُ إذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ مِنْهُمَا لَا يَكُونُ مُولِيًا، وَبِقَوْلِنَا: الْكَبِيرَةِ احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا إيلَاءٌ وَبِغَيْرِ مُرْضِعٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأهَا حَتَّى تَفْطِمَ وَلَدَهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُولٍ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ إصْلَاحَ الْوَلَدِ، وَبِقَوْلِنَا: قَاصِدًا بِذَلِكَ الضَّرَرَ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَرْفُقُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ. (وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُولِي (الطَّلَاقُ إلَّا بَعْدَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ لِلْحُرِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] (وَشَهْرَانِ لِلْعَبْدِ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ إيلَاؤُهُ كَالْحُرِّ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ (حَتَّى يُوقِعَهُ السُّلْطَانُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. (فَإِنْ فَاءَ) أَيْ رَجَعَ (سَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ مُولٍ فِي الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِحُكْمِنَا] فَنَنْظُرُ هَلْ يَمِينُهُ صَرِيحَةٌ أَوْ لَا فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِهِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ] بِخِلَافِ السَّفِيهِ، وَالسَّكْرَانِ بِحَرَامٍ، وَالْأَخْرَسِ، وَالْأَعْجَمِيِّ بِلِسَانِهِ. [قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ فَقَطْ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ كَالْحُرِّ وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَجَلِ الْحُرِّ اعْتِمَادًا عَلَى مَا اشْتَهَرَ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ عَلَى الْمُصَنَّفِ مِنْ الْحُرِّ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ [قَوْلُهُ: كَالْخَصِيِّ، وَالْمَجْبُوبِ] أَيْ وَالشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْعِنِّينِ وَشَمِلَ الْمَجْبُوبَ ابْتِدَاءً وَاَلَّذِي جُبَّ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ، وَالْمُرَادُ يَتَصَوَّرُ وُقُوعَهُ أَيْ مِنْ جَانِبِهِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، وَلَكِنْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ حَتَّى تُطِيقَهُ، وَلَوْ مَدْخُولًا بِهَا وَحَتَّى يُدْعَى لِدُخُولِ كَبِيرَةٍ مُطِيقَةٍ وَبِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّجْهِيزِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ. [قَوْلُهُ: وَبِزَوْجَتِهِ] أَيْ الْمُنَجَّزَةِ أَوْ الْمُعَلَّقَةِ كَقَوْلِهِ فِي حَقِّ أَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَوَاَللَّهِ لَا أَطَؤُهَا مُدَّتَهُ، فَيَلْزَمُ، وَالظَّاهِرُ مِثْلُهُ بَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْإِيلَاءَ غَيْرَ الْمُعَلَّقِ يَلْزَمُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ دُونَ الظِّهَارِ، وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ حَالَ الظِّهَارِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَهِيَ كَظَهْرِ أُمِّهِ قَبْلَ نُطْقِهِ، فَلَمْ يُزِدْ نُطْقُهُ شَيْئًا حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِخِلَافِ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ فَمَتَى وُجِدَ مِنْهُ كَانَ حَانِثًا. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا إيلَاءٌ] أَيْ مِنْ الْآنَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُضْرَبُ الْأَجَلُ حِينَ تُطِيقُ الْوَطْءَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَرَادَ إصْلَاحَ الْوَلَدِ] وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَإِنْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ، فَمُولٍ مِنْ الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَتْ صِيغَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَوْ مَا دَامَتْ تُرْضِعُ أَوْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ أَوْ الْحَوْلَيْنِ، اُنْظُرْ شَارِحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا إلَخْ] فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ أَيْ إذَا قُيِّدَ بِمُدَّةِ الْمَرَضِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُقَيَّدْ فَيَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَرَضُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا إيلَاءَ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُوقِعَهُ] أَيْ إلَّا أَنْ يُوقِعَهُ إلَخْ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ، إلَّا بَعْدَ الْأَجَلِ بِحَذْفِ الْعَاطِفِ أَيْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَوْ قَالَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إلَّا بَعْدَ أَجَلِ الْإِيلَاءِ وَإِيقَافِ السُّلْطَانِ، لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ، وَبَعْدُ فَفِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِيقَافِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّ كَوْنَهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِتَمَامِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ إيقَافٍ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِعَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ، وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ، أَيْ فَيُوقِفُهُ السُّلْطَانُ إمَّا فَاءَ أَوْ طَلَّقَ، وَالْحَقُّ لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ دُونَ وَلِيِّهَا صَغِيرَةً مُطِيقَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَلَوْ سَفِيهَةً، وَيَنْتَظِرُ إفَاقَةَ الْمَجْنُونَةِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا وَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا كَلَامٌ حَالَ الْجُنُونِ، وَالْإِغْمَاءِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلِسَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً، وَلَوْ رَضِيَتْ هِيَ لِحَقِّهِ فِي الْوَلَدِ حَيْثُ يُرْجَى مِنْهَا الْوَلَدُ هَذَا، إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الْوَطْءُ عَقْلًا كَرَتْقَاءَ أَوْ عَادَةً كَمَرِيضَةٍ أَوْ شَرْعًا كَحَائِضٍ وَمُحْرِمَةٍ وَإِلَّا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا وَلِسَيِّدِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاءُوا] أَيْ رَجَعُوا إلَى الْوَطْءِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ

وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي قُبُلِ الثَّيِّبِ وَافْتِضَاضِ الْبِكْرِ. ، وَإِنْ لَمْ يَفِئْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالطَّلَاقِ فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ ذَنْبٌ وَهُوَ الْإِضْرَارُ بِالْمَرْأَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْوَطْءِ [قَوْلُهُ: قَبْلَ الثَّيِّبِ] فَلَوْ غَيَّبَهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا يَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مَغِيبِ " الْحَشَفَةِ أَيْ فَلَا يَكْفِي تَغْيِيبُهَا مَعَ عَدَمِهِ فِي كَالْغَوْرَاءِ لِصِغَرِ الْحَشَفَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي مَغِيبِ الْحَشَفَةِ الْإِبَاحَةُ لَا فِي حَيْضٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْحِلَالِ الْيَمِينِ انْحِلَالُ الْإِيلَاءِ أَيْ لَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْفَيْئَةِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الِانْتِشَارُ كَمَا يَنْبَغِي ذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عج، وَالظَّاهِرُ، حِينَئِذٍ الِاكْتِفَاءُ بِانْتِشَارِهِ، وَلَوْ دَاخِلَ الْفَرْجِ وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِتَغْيِيبِهَا مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ تَمْنَعُ اللَّذَّةَ أَوْ كَمَالَهَا، كَالْغُسْلِ وَقَدْرُ الْحَشَفَةِ كَالْحَشَفَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الرَّجُلِ فِي حَالَةِ وَطْئِهِ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا فَيَنْحَلُّ الْإِيلَاءُ عَنْهُ بِذَلِكَ، لِنَيْلِهَا بِوَطْئِهِ مَا تَنَالُ فِي صِحَّتِهِ فَلَوْ آلَى عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ وَطَلَبَتْ الْفَيْئَةَ، وَفَاءً حَالَ جُنُونِهِ سَقَطَتْ مُطَالَبَتُهَا بِهَا، وَالْيَمِينُ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا صَحَّ يُسْتَأْنَفُ لَهُ أَجَلٌ وَوَطْءُ الْمُكْرَهِ لَغْوٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَفِئْ] أَيْ امْتَنَعَ فَقَالَ: لَا أَفِيءُ عِنْدَ طَلَبِ الزَّوْجَةِ أَوْ السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ] أَيْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ أَوْ صَالَحُوا الْبَلَدَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَاكِمٌ. قَالَهُ فِي الشَّامِلِ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ يَجْرِيَانِ أَيْضًا هُنَا، فَيُقَالُ: هَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَقَالَ: أَنَا أَفِيءُ وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَخْتَبِرُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ إلَى ثَلَاثِ مِرَارٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَ عَلَيْهِ وَطَلَاقُ الْمُولِي رَجْعِيٌّ وَهُوَ وَاحِدَةٌ فَلَوْ طَلَّقَ السُّلْطَانُ ثَلَاثًا خَطَأً أَوْ جَهْلًا سَقَطَ الزَّائِدُ.

[باب في الظهار]

33 -[بَابٌ فِي الظِّهَارِ] ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الظِّهَارِ (وَمَنْ تَظَاهَرَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا (مِنْ امْرَأَتِهِ) أَوْ أَمَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا بِمُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِنَسَبٍ، أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ صِهْرٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي (فَلَا يَطَؤُهَا) وَلَا يُقَبِّلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الظِّهَارِ] بَابُ الظِّهَارِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ ظَاهَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ] الْمُسْلِمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَ، وَالسَّيِّدَ فَلَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ ظِهَارٌ، وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَيْنَا، بِخِلَافِ إيلَائِهِ فَإِنَّنَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ عِنْدَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا فِي الْإِيلَاءِ فَرُبَّمَا تُسْقِطُهُ عِنْدَ التَّرَافُعِ فَيَسْقُطُ، وَالظِّهَارُ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِدُونِ كَفَّارَتِهِ. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الظِّهَارِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ] يَشْمَلُ السَّكْرَانَ وَتَذْكِيرُ الْوَصْفِ يَقْتَضِي أَنَّ الظِّهَارَ لَا يَقَعُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ظِهَارٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الطَّوْعِ فَلَا يَلْزَمُ ظِهَارُ الْمُكْرَهِ وَيَشْمَلُ السَّفِيهَ وَلِوَلِيِّهِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِالْعِتْقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ عَنْهُ لِإِجْحَافِهِ بِمَالِهِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَوْدَ الظِّهَارِ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ، وَلِلزَّوْجَةِ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ صَامَ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ لِوَلِيِّهِ. فَإِنْ أَبَى فَهُوَ مُضَارٌّ وَفِي صِحَّةِ الظِّهَارِ مِنْ عَاجِزٍ عَنْ الْوَطْءِ قَادِرٍ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَجْبُوبٍ وَخَصِيٍّ وَشَيْخٍ فَانٍ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: وَالْأَوَّلُ أَقْوَى [قَوْلُهُ: مِنْ امْرَأَتِهِ] ، وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ مُحْرِمَةً مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِمُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْإِحْرَامِ، فَلَا يَلْزَمُ الظِّهَارُ وَرَجْعِيَّتُهُ، وَالْأَمَةُ، وَلَوْ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَلَا مِنْ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَلَا مِنْ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] لَا مَفْهُومَ لَهُ فَالظِّهَارُ يَكُونُ مِنْ الْأَمَةِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ وَكِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ، فَالصَّرِيحُ مَا فِيهِ ظَهْرٌ مُؤَبَّدَةُ التَّحْرِيمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ وَطْءٍ مَنْكُوحَةً فِي عِدَّةٍ أَوْ بِكَوْنِهَا دَابَّةً. فَإِنْ قَالَ لِمَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الدَّابَّةِ كَانَ مُظَاهِرًا كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ، وَالظَّاهِرَةُ مَا سَقَطَ فِيهِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ الظَّهْرُ أَوْ مُؤَبَّدَةَ التَّحْرِيمِ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّي أَوْ فَرْجِهَا أَوْ كَظَهْرِ أَبِي أَوْ ابْنِي أَوْ غُلَامِي أَوْ فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ، وَالْخَفِيَّةُ كَاسْقِنِي فَالصَّرِيحُ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَرَادَهُ فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَقِيلَ: يُؤَاخَذُ بِالطَّلَاقِ لِنِيَّتِهِ وَلَا يَنْوِي فِيمَا دُونِ الثَّلَاثِ، وَبِالظِّهَارِ لِلَفْظِهِ وَقِيلَ: لَا يُؤَاخَذُ إلَّا بِالظِّهَارِ فَقَطْ، وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي تَنْصَرِفُ لِلْغَيْرِ بِنِيَّتِهِ. فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ كَأُمِّي وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءُ وَلَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَيَنْوِي، وَالْخَفِيَّةُ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ لِلظِّهَارِ إلَّا بِنِيَّةٍ كَاسْقِينِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: هَذَا التَّعْرِيفُ لِلْكِنَايَةِ الصَّرِيحَةِ، إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ قُصُورٌ فَالْمُنَاسِبُ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَهَا كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا بِظَهْرٍ مُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ [قَوْلُهُ: أَوْ صِهْرٍ] مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ: أُمُّ الزَّوْجَةِ، وَالرَّبِيبَةُ إذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُقَبِّلُهَا إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبْلَ إكْمَالِ الْكَفَّارَةِ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ كُلِّ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهَا مَنْعُهُ، وَوَجَبَ إنْ خَافَتْهُ رَفْعُهَا لِلْحَاكِمِ

وَلَا يَلْمُسُهَا وَلَا يَنْظُرُ إلَى صَدْرِهَا وَلَا إلَى شَعْرِهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوَّلُهَا (بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا طَرَفٌ مِنْ حُرِّيَّةٍ) أَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِتْقِ الْقُرْبَةُ، وَعِتْقُ الْكَافِرِ يُنَافِيهَا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ السَّلَامَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ إنْ مَنَعَ مِنْ كَمَالِ الْكَسْبِ، كَقَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ كَالْعَرَجِ الْخَفِيفِ، وَالْعَوَرِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الشَّرِكَةِ وَعَدَمِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَيَشْتَرِطُ فِيهَا أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا احْتِرَازًا مِمَّنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَأَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ شَوَائِبِ الْعِوَضِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ ظِهَارِهِ عَبْدًا عَلَى دِينَارٍ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مُشْتَرَاةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهَا فَكَانَتْ كَالْهِبَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَتَدَايَنَ وَاشْتَرَى رَقَبَةً وَأَعْتَقَهَا أَجْزَأَهُ كَمَنْ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ فَتَرَكَهُ وَاغْتَسَلَ. (فَإِنْ) عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ بِأَنْ (لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً وَلَا ثَمَنَهَا وَلَا قِيمَتَهَا (صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ انْكَسَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا وَيُؤَدِّبُهُ إنْ أَرَادَ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا مَعَهُ فِي بَيْتٍ إنْ أُمِنَ وَيَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا، بِشَرْطِ الِاسْتِتَارِ لِغَيْرِ وَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا لِجَوَازِ نَظَرِهِ لِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِغَيْرِ قَصْدِ لَذَّةٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا إلَى شَعْرِهَا أَيْ وَلَا كَفَّيْهَا وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّامِلِ: وَجَازَ كَوْنُهُ مَعَهَا فِي بَيْتٍ إنْ أُمِنَ عَلَيْهَا وَلَهُ النَّظَرُ لِوَجْهِهَا وَرَأْسِهَا وَأَطْرَافِهَا بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا لِصَدْرِهَا وَفِيهَا وَلَا لِشَعْرِهَا وَقِيلَ: يَجُوزُ اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ فِي كَبِيرِهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النَّظَرَ لِلصَّدْرِ وَالشَّعْرِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْوَجْهُ، وَالرَّأْسُ، وَالْأَطْرَافُ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا بِهَا اهـ. وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْعَوْدِ فَلَوْ كَفَّرَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَهَذَا الْوُجُوبُ مَا دَامَتْ الْمَرْأَةُ فِي الْعِصْمَةِ فَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ، وَتَتَحَتَّمُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُظَاهِرِ بِوَطْئِهِ لِلْمُظَاهِرِ مِنْهَا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا سَوَاءٌ بَقِيَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ طَلَّقَهَا وَسَوَاءٌ قَامَتْ بِحَقِّهَا فِي الْوَطْءِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَوْدِ فَقِيلَ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَقِيلَ: هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ مَعَ إرَادَةِ إمْسَاكِ الْعِصْمَةِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يُكَفِّرَ] غَايَةُ الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَ الْعَوْدَ ثُمَّ يَذْكُرَ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَفَّرَ قَبْلَ الْعَوْدِ لَا تُجْزِئُهُ. [قَوْلُهُ: بِعِتْقِ رَقَبَةٍ] أَيْ لَا جَنِينٍ فَلَا يُجْزِئُ وَلَكِنْ يُعْتَقُ بَعْدَ وَضْعِهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا اشْتِرَاطُ الْإِيمَانِ إلَخْ] أَيْ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَصَغِيرِ الْكِتَابَةِ وَصَغِيرِ الْمَجُوسِيِّ كَكَبِيرِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ دِينَهُ، فَقَوْلُهُ: وَعِتْقُ الْكَافِرِ أَيْ الْكِتَابِيِّ الْكَبِيرِ كَالْكَبِيرِ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: كَقَطْعِ الْيَدِ] أَيْ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ هُمَا أَوْ الْعَمَى أَوْ الْبُكْمِ أَوْ الْمَجْنُونِ، وَإِنْ قَلَّ أَوْ الْهَرَمِ الشَّدِيدِ أَوْ الْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَكَالْمُشْرِفِ، وَكَذَا قَطْعُ أُصْبُعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ الْأُصْبُعُ خِنْصَرًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَلَوْ زَائِدًا حَسَّ وَسَاوَى غَيْرَهُ فِي الْإِحْسَاسِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَطْعِ الذَّهَابُ، وَلَوْ خِلْقَةً فَإِذَا ذَهَبَ الْأُنْمُلَتَانِ فَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ. كَمَا فِي الْحَطَّابِ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ مَقْطُوعُ أُذُنَيْنِ وَأَصَمُّ وَمُجْذَمٌ وَأَبْرَصُ وَأَفْلَحُ بِالْحَاءِ مَقْطُوعُ الشَّفَتَيْنِ، بِخِلَافِ ذِي الْمَرَضِ الْخَفِيفِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَالْعَرَجُ الْخَفِيفُ أَيْ وَأَمَّا الْعَرَجُ الشَّدِيدُ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الشَّرِكَةِ إلَخْ] قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَعْتَقَ جَمِيعَهَا عَنْ ظِهَارِهِ، فَفِي الْإِجْزَاءِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ عَدَمُهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْبَعْضَ وَأَكْمَلَ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ، فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ. وَلَوْ كَانَ مَالِكًا لِلْجَمِيعِ فَأَعْتَقَ الْبَعْضَ لَمْ يُجْزِهِ [قَوْلُهُ: وَعَدَمِ شَائِبَةِ الْحُرِّيَّةِ] فَلَا يُجْزِئُ مُكَاتَبٌ وَمُدَبَّرٌ وَنَحْوُهُمَا مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَقِيلَ: بِالْإِجْزَاءِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ مَنْ اشْتَرَى الْمُدَبَّرَ أَوْ الْمُكَاتَبَ فَأَعْتَقَهُ، مَضَى الْعِتْقُ وَلَمْ يَنْقَضِ الْبَيْعُ فَإِنْ قُلْنَا بِنَقْضِهِ فَلَا يُجْزِئُ عِتْقُهُمَا هُنَا [قَوْلُهُ: عَلَى دِينَارٍ يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ] وَأَمَّا بِمَا فِي يَدِهِ فَيُجْزِئُ؛ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا تَكُونَ مُشْتَرَاةً بِشَرْطِ الْعِتْقِ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُحَقَّقَةَ الصِّحَّةِ لَا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً مَقْطُوعَةَ الْخَبَرِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ مِنْ الْعِتْقِ] أَيْ وَقْتَ إخْرَاجِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا ثَمَنَهَا] أَرَادَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَقَوْلُهُ

شَهْرٌ صَامَ أَحَدَهُمَا بِالْهِلَالِ وَتَمَّمَ الْمُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ، وَالتَّتَابُعَ وَاجِبَانِ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ نِيَّةٍ، وَإِذَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ اسْتَأْنَفَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ بِقَوْلِهِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] ، وَمَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ يَأْتِي. (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ بِأَنْ كَانَ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ، أَوْ مُسْتَعْطِشًا مَثَلًا (أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ (مُدَّيْنِ) بِمُدِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (لِكُلِّ مِسْكِينٍ) مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أَرْبَعَةَ أَمْدَادٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَلَا أَنْ يُعْطِيَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا مُدًّا لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّيْنِ، رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَشَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا بِمُدِّ هِشَامٍ، وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ بِمُدِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: " أَطْعَمَ هَذَا فِي حَقِّ الْحُرِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ ". وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَطَؤُهَا) يُرِيدُ وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يُبَاشِرُهَا (فِي لَيْلٍ، أَوْ نَهَارٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْكَفَّارَةُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ فَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ (فَإِنْ فَعَلَ) الْمُظَاهِرُ (ذَلِكَ) أَيْ مَا نُهِيَ عَنْهُ بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ مِنْهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ بَاشَرَهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْكَفَّارَةِ (فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) مِمَّا فَعَلَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى. (فَإِنْ كَانَ وَطْؤُهُ) أَوْ اسْتِمْتَاعُهُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا قِيمَتَهَا أَيْ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ فَقَطْ مِمَّا ذَكَرَ، وَلَوْ مُحْتَاجًا لَهُ لِأَجْلِ مَرَضٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ سُكْنَى مَسْكَنٍ لَا فَضْلَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ [قَوْلُهُ: وَتَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ وَنِيَّةُ الْكَفَّارَةِ] أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا بِحَيْثُ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ لَأَجَابَ بِذَلِكَ، وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ، وَلَوْ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرَيْنِ، وَإِنْ أَيْسَرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْهُ تَمَادَى وُجُوبًا، وَفِيمَا دُونَهُ يُنْدَبُ لَهُ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ دُخُولِهِ فِي الثَّانِي، وَإِلَّا لَنُدِبَ لِتَمَامِ الثَّالِثِ فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ فَلَوْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ وَلَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ وَجَبَ الرُّجُوعُ لِلْعِتْقِ عِنْدَ الْيَسَارِ. [قَوْلُهُ: الْبِنْيَةِ] بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ هَيْئَتِهِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا أَيْ ذَاتَهُ، وَقَوْلُهُ أَوْ مُسْتَعْطِشًا السِّينُ، وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ قَوِيَ الْعَطَشُ بِحَيْثُ يَضُرُّ بِهِ الصَّوْمُ [قَوْلُهُ: مِنْ عَيْشِ أَهْلِ الْبَلَدِ] كُلِّهِمْ أَوْ جُلِّهِمْ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، كَالشَّعِيرِ، وَالْقَمْحِ، وَالسَّلْتِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْأَقِطِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، وَالدَّخَنِ، وَالتَّمْرِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بُرًّا إنْ اقْتَاتُوهُ، وَإِنْ اقْتَاتُوا غَيْرَهُ فَقَدْرُهُ شِبَعًا، بِأَنْ يُقَالَ: إذَا شَبِعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُدِّ الْكَائِنِ مِنْ الْبُرِّ كَمْ يُشْبِعُهُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ كَالتَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ، فَيُقَالُ: كَذَا فَيُخْرِجُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمُعْتَمَدُ الشِّبَعُ زَادَ عَلَى مُدِّ هِشَامٍ أَوْ نَقَصَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي مِثْلُ مَكِيلَةِ الْقَمْحِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا اُقْتِيتَ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَاللَّحْمِ، وَالْقَطَانِيِّ أَجْزَأَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ قَالَهُ تت، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُرَاعَى فِي الْمُخْرَجِ مِنْ هَذِهِ أَنْ يَغْلِبَ اقْتِيَاتُهُ، وَكَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَكَانَ الِاقْتِيَاتُ مِنْ غَيْرِهَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجُ مِمَّا وُجِدَ مِنْهَا، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَشَارَ لَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: بِمُدِّ هِشَامٍ] وَهُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كَانَ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُدٌّ وَثُلُثَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ: مُدُّ هِشَامٍ قَدْرُ مُدَّيْنِ مِنْ أَمْدَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ] فَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ انْتَظَرَ حَيْثُ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ وَإِلَّا صَامَ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصَّوْمِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ خَرَاجَهُ إنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ كُلًّا مِنْهُمَا وَحَصَّلَ بِالصَّوْمِ ضَرَرًا فِي أَحَدِهِمَا فَلَهُ الْمَنْعُ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَلَا يُجْزِئُهُ وَلَوْ أَذِنَ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ إلَخْ] وَأُجِيبُ بِعَدَمِ التَّكْرَارِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ لِابْتِدَاءِ الْكَفَّارَةِ وَإِتْمَامِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مُخَصِّصٌ لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ [قَوْلُهُ: بِأَنْ وَطِئَ الْمُظَاهِرُ] أَيْ عَمْدًا؛ لِأَنَّ

(بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ بِإِطْعَامٍ، أَوْ صَوْمٍ فَلْيَبْتَدِئْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ وَسَكَتَ عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ. (وَلَا بَأْسَ بِعِتْقِ الْأَعْوَرِ فِي الظِّهَارِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ تَسُدُّ مَسَدَّ الْعَيْنَيْنِ (وَ) كَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِعِتْقِ (وَلَدِ الزِّنَا) ، وَالْآبِقِ، وَالسَّارِقِ، وَالزَّانِي (وَيُجْزِئُ الصَّغِيرُ) أَيْ عِتْقُهُ فِي الظِّهَارِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَهْدِ لِصِدْقِ اسْمِ الرَّقَبَةِ عَلَيْهِ (وَ) لَكِنَّ عِتْقَ (مَنْ صَلَّى وَصَامَ) أَيْ عَقَلَهُمَا (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ مَعَايِشِهِ بِخِلَافِ الرَّضِيعِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسِيَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَوْبَةٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ فَعَلَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ] ، وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي يَسِيرًا كَصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ غَلَطًا أَوْ نِسْيَانًا فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَأَمَّا وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا فَجَائِزٌ لَيْلًا وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَلَوْ عَالِمًا كَمَا لَا يُبْطِلُهُ نَهَارًا مَعَ النِّسْيَانِ.

[باب في اللعان]

[بَابٌ فِي اللِّعَانِ] ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى اللِّعَانِ، وَهُوَ الْإِبْعَادُ فَقَالَ: (وَاللِّعَانُ) أَيْ مَشْرُوعٌ رُخْصَةً، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ. قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] . وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيَّ وَهِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ لَاعَنَا زَوْجَتَيْهِمَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَقَوْلِهِ: (بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ، وَيُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تَسُدُّ مَسَدَّ الْعَيْنَيْنِ] أَيْ فِي الْبَصَرِ، وَالِاكْتِسَابِ، وَالْقُوَّةِ عَلَى الْحِرَفِ، وَالصَّنَائِعِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ:، وَالْآبِقُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ عَنْك وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ، إذْ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لَا يَعْلَمُ سَلَامَتَهُ، فَلَوْ عَلِمَ، وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَهُ بِصِفَةِ مَنْ يُعْتَقُ عَنْ ظِهَارٍ أَجْزَأَ، بِخِلَافِ الْجَنِينِ فَلَا يُجْزِئُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ بِصِفَةِ مَنْ يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْعِتْقِ لَا يُسَمَّى رَقَبَةً فَلَوْ أَعْتَقَ حَمْلَ أَمَتِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ظَنًّا عَدَمَ الْوَضْعِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَضَعَتْهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا بَهْرَامُ [قَوْلُهُ: فِي الْمَهْدِ] الْمَهْدُ مَا يُمَهَّدُ لِلصَّبِيِّ مِنْ مَضْجَعِهِ [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ عِتْقُ مَنْ صَلَّى وَصَامَ] أَيْ عَقَلَ أَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا يُثَابُ وَمَنْ تَرَكَهُمَا يُعَاقَبُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ مَنْ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرَّضِيعِ وَنَحْوِهِ] أَيْ، وَإِنْ أَجْزَأَ فَإِنْ أَعْتَقَهُ كَذَلِكَ فَكَبُرَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مُطْبَقًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ. تَتِمَّةٌ: لَا يَصِحُّ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ مُلَفَّقَةً مِنْ صَوْمِ شَهْرٍ وَإِطْعَامِ ثَلَاثِينَ وَمَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ أَعْتَقَ كَبِيرًا زَمِنًا لَزِمَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكَسْبِ وَيَمُوتَ الْكَبِيرُ. [بَابٌ فِي اللِّعَانِ] ِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِبْعَادُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ لَعَنَهُ لَعْنًا مِنْ بَابِ نَفَعَ طَرَدَهُ، وَأَبْعَدَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَاعَنَهُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا وَتَلَاعَنُوا لَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ الْآخَرَ اهـ. فَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمِصْبَاحِ أَنَّ اللِّعَانَ مَصْدَرُ لَاعَنَ لَا مَصْدَرُ لَعَنَ، وَأَنَّهُ لُغَةً: إبْعَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَا مُطْلَقُ إبْعَادٍ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّرْحِ، ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت شَارِحَ الْحَدِيثِ قَالَ اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ سَمَاعِيٌّ لَا قِيَاسِيٌّ، وَالْقِيَاسُ الْمُلَاعَنَةُ مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ، وَالْإِبْعَادُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِاللِّعَانِ دُونَ الْغَضَبِ تَغْلِيبًا لِلْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ تَسَبَّبَ وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَاهُ لُغَةً، وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ حَلِفُ الزَّوْجِ عَلَى زِنَا زَوْجَتِهِ أَوْ نَفْيِ حَمْلِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَحَلِفُهَا عَلَى تَكْذِيبِهِ، إنْ أَوْجَبَ نُكُولَهَا حَدَّهَا بِحُكْمِ قَاضٍ. خَرَجَ بِقَوْلِهِ: اللَّازِمِ الْحَمْلُ غَيْرُ اللَّازِمِ لَهُ فَإِنَّهُ لَا لِعَانَ فِيهِ، كَمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ خَصِيًّا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَحَلَّفَهَا إلَخْ، مَا إذَا حَلَفَ وَنَكَلَتْ وَلَمْ يُوجِبْ النُّكُولَ، حَدَّهَا كَمَا إذَا غُصِبَتْ فَأَنْكَرَ وَلَدَهَا وَثَبَتَ الْغَصْبُ فَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا، وَاللِّعَانُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِحُكْمِ قَاضٍ لِعَانُ الزَّوْجَةِ، وَالزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَلَيْسَ بِلِعَانٍ [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] وَاجِبَةٌ لِنَفْيِ الْحَمْلِ جَائِزَةٌ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا، وَالسِّتْرُ أَوْلَى قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: عُوَيْمِرًا] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ تَصْغِيرُ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ، وَقَوْلُهُ الْعَجْلَانِيَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ [قَوْلُهُ: لَاعَنَا زَوْجَتَيْهِمَا إلَخْ] أَيْ فَقَدْ رَمَى الْأَوَّلُ زَوْجَتَهُ بِأَنَّهُ رَآهَا مَعَ رَجُلٍ، وَالثَّانِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ [قَوْلُهُ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَيْ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: بَيْنَ كُلِّ زَوْجَيْنِ] ، وَلَوْ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ دَخَلَ أَوْ لَا، وَلَوْ فَاسِقَيْنِ، لِقَوْلِ الْمُوَازِيَةِ وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ أُخْتَهُ غَيْرَ عَالِمٍ وَقَدْ حَمَلَتْ وَأَنْكَرَ الْوَلَدَ فَإِنَّهُمَا يَتَلَاعَنَانِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ فَإِنْ نَكَلَتْ حُدَّتْ، وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَيَلْزَمُ الْوَلَدُ، وَكَذَا يَقَعُ اللِّعَانُ فِي شُبْهَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ شَبِيهٌ بِوَطْءِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ الْحَدِّ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الزَّوْجَيْنِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا وَاحْتَرَزَ بِالزَّوْجَيْنِ مِنْ السَّيِّدِ مَعَ أَمَتِهِ فَابْنُهَا مِنْهُ لَاحِقٌ بِهِ حَيْثُ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا، مِنْ غَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَلَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ أَوْ اسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ نَفْيُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا] أَيْ فَلَا يَصِحُّ اللِّعَانُ مِنْ كَافِرٍ لِكَافِرَةٍ نَعَمْ إنْ جَاءُوا إلَيْنَا وَرَضُوا بِأَحْكَامِنَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ

يُمْكِنُ حَمْلُهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ فَلَا يُلَاعِنُ الصَّغِيرَةَ إذْ لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ، وَتُلَاعَنُ الْكِتَابِيَّةُ وَالْأَمَةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ يُسْلِمُ زَوْجُهَا وَلَا تُسْلِمُ هِيَ، وَاللِّعَانُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَكُونُ (فِي نَفْيِ حَمْلٍ يُدَّعَى قَبْلَهُ الِاسْتِبْرَاءُ، أَوْ) يُدَّعَى (رُؤْيَةُ الزِّنَا كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّهَا وَضَمِّ الْحَاءِ وَيُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يَقُومَ بِفَوْرِهِ وَأَمَّا إذَا رَآهُ وَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا لِعَانَ. وَيُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ بِالرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَطَأَ بَعْدَهَا ع قَوْلَهُ: رُؤْيَةُ الزِّنَا إلَى آخِرِهِ يُرِيدُ غَيْرَ ذَاتِ الْحَمْلِ، وَاخْتُلِفَ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ فِي ذَاتِ الْحَمْلِ قُلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ كَمَا إذَا أَسْلَمَتْ تَحْتَهُ أَوْ غَرَّهَا أَوْ تَزَوَّجَهَا، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ غَيْرُ زِنًا فَيَتَلَاعَنَانِ فَإِنْ نَكَلَ هُوَ حُدَّ، وَإِنْ حَلَفَ الْأَيْمَانَ وَنَكَلَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانُ كَافِرٍ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الشَّهَادَةِ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ [قَوْلُهُ: يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ] هَذَا فِي نَفْيِ الْحَمْلِ فَلَا لِعَانَ عَلَى الْمَجْبُوبِ فِيهِ بَلْ يَنْتَفِي بِغَيْرِ لِعَانٍ، كَحَمْلِ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ، وَمِثْلُ الْمَجْبُوبِ ذَاهِبُ الْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ أَنْزَلَ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكَذَا قَائِمُ الذَّكَرِ مَقْطُوعُ الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى فَيَنْتَفِي بِغَيْرِ لِعَانٍ، وَأَمَّا مَقْطُوعُ الذَّكَرِ قَائِمُ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ مَقْطُوعُ الْيُمْنَى فَيُلَاعِنُ لِوُجُودِ الْيُسْرَى الَّتِي تَطْبُخُ الْمَنِيَّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَأَمَّا الْيُمْنَى فَلِنَبَاتِ الشَّعْرِ عِنْدَهُمْ وَأَمَّا فِي الرُّؤْيَةِ، وَالْقَذْفِ فَيَكُونُ، وَلَوْ مِنْ عِنِّينٍ أَوْ هَرِمٍ أَوْ خَصِيٍّ مُطْلَقًا أَوْ مَجْبُوبٍ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُمْكِنُ حَمْلُهَا] هَذَا فِي اللِّعَانِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ وَأَمَّا لِلرُّؤْيَةِ وَالْقَذْفِ فَشَرْطُهُ إطَاقَةُ الزَّوْجَةِ، وَلَوْ كِتَابِيَّةً وَغَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، لَكِنَّ الْبَالِغَةَ تُلَاعِنُ كَالزَّوْجِ، وَالْمُطِيقَةُ إنَّمَا يُلَاعِنُ زَوْجُهَا لَا هِيَ وَغَيْرُ الْمُطِيقَةِ لَا لِعَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُلَاعِنُ الصَّغِيرَةَ] أَيْ لَا يَحْصُلُ مِنْهُمَا مَعًا لِعَانٌ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُلَاعِنُ وَحْدَهُ إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الْوَطْءَ [قَوْلُهُ: وَتُلَاعَنُ الْكِتَابِيَّةُ إلَخْ] أَيْ بِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوْ الْوَلَدِ لَا الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ بَلْ يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا إسْقَاطَ الْحَمْلِ فَيَلْزَمُ لِعَانُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَلِعَانُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مَعَ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ لَا فِي الرَّمْيِ وَلَا فِي الرُّؤْيَةِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ نَفْيَ الْحَمْلِ فِي الرُّؤْيَةِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: يَدَّعِي قَبْلَهُ الِاسْتِبْرَاءَ] ، وَلَوْ بِحَيْضَةٍ وَمِثْلُ الِاسْتِبْرَاءِ دَعْوَاهُ عَدَمَ وَطْئِهَا بَعْدَ وَضْعِهَا الْحَمْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْمَنْفِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَ الْوَضْعَيْنِ مَا يَقْطَعُ الثَّانِيَ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَكَانَ الثَّانِي مِنْ تَتِمَّةِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ فِيهَا لَيْسَ كَعِدَّتِهَا. وَالثَّانِيَةُ الرِّدَّةُ، وَالثَّالِثَةُ الزِّنَا، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِيهَا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ يَدَّعِي قَبْلَهُ الِاسْتِبْرَاءَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَفْيُ حَمْلِ زَوْجَتِهِ، إلَّا إذَا اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرٍ قَوِيٍّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَزْلِهِ وَلَا عَلَى عَدَمِ مُشَابَهَتِهِ لَهُ، وَلَا عَلَى سَوَادِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَبْيَضَ وَلَا عَلَى كَوْنِهِ كَانَ يَطَؤُهَا بَيْنَ فَخْذَيْهَا حَيْثُ كَانَ يُنْزِلُ وَلَا عَلَى وَطْءٍ بِغَيْرِ إنْزَالٍ، حَيْثُ وَطِئَ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبُلْ حَتَّى وَطِئَهَا لِاحْتِمَالِ بَقَاءِ الْمَنِيِّ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ رُؤْيَةُ الزِّنَا] أَيْ فِي دَعْوَاهُ رُؤْيَةَ الزِّنَا الْمُرَادُ بِهَا التَّيَقُّنُ فَلَا تُشْتَرَطُ الرُّؤْيَةُ بِالْبَصَرِ، وَلَوْ مِنْ بَصِيرٍ، فَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ حَتَّى فِي رُؤْيَةِ الزِّنَا حَيْثُ يَتَيَقَّنُهُ بِحِسٍّ أَوْ جَسٍّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وَصْفِهِ أَنْ يَقُولَ كَالشُّهُودِ، رَأَيْت فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ فَقَوْلُهُ كَالْمِرْوَدِ إلَخْ، لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِذَا لَاعَنَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا فَإِنَّهُ يَنْتَفِي بِذَلِكَ اللِّعَانُ، مَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ وَفِي حُكْمِ السَّنَةِ مَا نَقَصَ مِنْهَا كَخَمْسَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ غَيْرِ سَقْطٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا كَانَ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا وَيُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى رُؤْيَةِ الزِّنَا أَنْ يَدَّعِيَهَا وَهِيَ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي عِدَّتِهَا، وَلَوْ لَمْ يُلَاعِنْ إلَّا بَعْدَ الْعَدَمِ. وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الْعَدَمِ أَنَّهُ رَآهَا تَزْنِي، وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ يُلَاعِنُ كَمَا ذَكَرَهُ عج أَيْ، وَإِنَّمَا يُحَدُّ وَأَمَّا اللِّعَانُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ فِي الْعِدَّةِ [قَوْلُهُ: شَرْطٌ آخَرُ] وَهُوَ أَنْ يَقُومَ بِفَوْرِهِ أَيْ بِأَنْ لَا يُؤَخِّرَ الْيَوْمَ، وَالْيَوْمَيْنِ بِلَا عُذْرٍ فِي التَّأْخِيرِ وَأُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَبَقِيَتْ زَوْجَتُهُ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً، وَحُدَّ لِلْمُسْلِمَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ تَأْخِيرُهُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رِيحًا فَيَنْفُشُ خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ، وَكَذَا الْوَطْءُ يَمْنَعُ اللِّعَانَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِي اللِّعَانِ بِالرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَطَأَ بَعْدَهَا] وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَلَا يَمْنَعُ اللِّعَانَ

[أحكام اللعان]

الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ لِعَانُهَا. (وَاخْتُلِفَ فِي اللِّعَانِ فِي الْقَذْفِ) مِنْ غَيْرِ دَعْوَى رُؤْيَةِ الْوَطْءِ وَلَا نَفْيِ حَمْلٍ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُلَاعِنُ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُلَاعِنُ. وَيَتَعَلَّقُ بِاللِّعَانِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا افْتَرَقَا بِاللِّعَانِ لَمْ يَتَنَاكَحَا أَبَدًا) ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: سُقُوطُ الْحَدِّ وَنَفْيُ النَّسَبِ وَقَطْعُ النِّكَاحِ، وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ وَهِيَ فَسْخٌ لَا طَلَاقٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) صِفَةُ اللِّعَانِ أَنَّهُ (يَبْدَأُ الزَّوْجُ) وُجُوبًا وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا بَدَأَتْ الزَّوْجَةُ هَلْ تُعِيدُ اللِّعَانَ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، أَوْ لَا تُعِيدُ، وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِذَا ابْتَدَأَ الزَّوْجُ (فَيَلْتَعِنُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ) فَإِنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ حَمْلٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَزَنَتْ، وَإِنْ كَانَ لِلرُّؤْيَةِ يَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي (ثُمَّ) بَعْدَ أَنْ يَلْتَعِنَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ (يُخَمِّسُ بِاللَّعْنَةِ) فَيَقُولُ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، كَذَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة يَقُولُ: إنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى لِلْآيَةِ (ثُمَّ) إذَا تَمَّ لِعَانُ الرَّجُلِ (تَلْتَعِنُ هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (أَرْبَعًا أَيْضًا) مُبْطِلَةً لَحَلِفِ الزَّوْجِ فَإِذَا قَالَ فِي نَفْيِ الْحَمْلِ عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَزَنَتْ، فَتَرُدُّ هِيَ ذَلِكَ فَتَقُولُ فِي الْأَرْبَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِرُؤْيَةِ الزِّنَا وَشَرْطُ اللِّعَانِ لِرُؤْيَةِ الزِّنَا أَنْ تَرْفَعَهُ لِلْحَاكِمِ [قَوْلُهُ: قُلْت الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِغَيْرِ الْحَامِلِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي اللِّعَانِ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَنَيْت وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِرُؤْيَةٍ أَوْ بِنَفْيِ حَمْلٍ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُلَاعِنُ، وَالْأَكْثَرُ يُحَدُّ قَالَهُ عج، وَمُرَادُهُ الْقَذْفُ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهِ لِيَتَيَقَّنَ رُؤْيَةً وَلَا يَسْتَنِدُ فِيهِ لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَالْوَلَدِ فَإِنْ تَيَقَّنَ مَا ذُكِرَ لَاعَنَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي اللِّعَانِ التَّيَقُّنُ، وَلَوْ بِغَيْرِ الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ اهـ. [أَحْكَامٍ اللِّعَان] [قَوْلُهُ: أَحَدَّهَا إلَخْ] وَهُوَ تَأْبِيدُ التَّحْرِيمِ [قَوْلُهُ: سُقُوطُ الْحَدِّ] أَيْ عَنْ الزَّوْجِ فِي الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ أَيْ أَوْ الْأَبِ فِي الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ أَوْ الذِّمِّيَّةِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلِعَانِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا لِعَانُ الْمَرْأَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا إنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، وَلَوْ أَمَةً وَسُقُوطُ الْأَدَبِ إنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً [قَوْلُهُ: وَنَفْيُ النَّسَبِ] هَذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهِ أَيْ قَطْعُ نَسَبِهِ مِنْ حَمْلٍ ظَاهِرٍ أَوْ سَيَظْهَرُ، وَقَوْلُهُ: وَقَطْعُ النِّكَاحِ هَذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهَا. وَالْأَوَّلُ وَهُوَ تَأْبِيدُ الْحُرْمَةِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَةَ اللِّعَانِ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: فَثَلَاثَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ أَوَّلُهَا: رَفْعُ الْحَدِّ أَوْ الْأَدَبُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا، ثَانِيهَا: إيجَابُ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَلَوْ أَمَةً، وَالْأَدَبُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ إنْ لَمْ تُلَاعِنْ، ثَالِثُهَا: قَطْعُ نِسْبَةٍ. وَثَلَاثَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى لِعَانِ الزَّوْجَةِ: رَفْعُ الْحَدِّ، وَفَسْخُ نِكَاحِهَا اللَّازِمِ، وَتَأْبِيدُ حُرْمَتِهَا، وَقَوْلُهُ: وَقَطْعُ النِّكَاحِ هُوَ الرَّابِعُ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى يُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ، وَإِذَا افْتَرَقَا بِاللِّعَانِ أَيْ بِسَبَبِهِ [قَوْلُهُ: وَتَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ لِعَانِهِمَا] فَالْفُرْقَةُ لَا تَحْصُلُ كَالْحُرْمَةِ إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: إنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ. [صِفَة اللِّعَانِ] [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ] جَعَلَ الشَّيْخُ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ أَنْسَبَ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا كَوْنُ الْحَمْلِ مِنْ الزَّانِي [قَوْلُهُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي] وَلَا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَى أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَإِنْ وَجَبَتْ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْحُقُوقِ، وَقَوْلُهُ لَرَأَيْتهَا الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْبَصِيرِ وَأَمَّا الْأَعْمَى فَيَقُولُ تَحَقَّقْته أَوْ عَلِمْت. وَهَكَذَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِ [قَوْلِهِ: فَيَقُولُ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ لِذَلِكَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَتُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى] أَيْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا أَنَّ الْإِتْيَانَ بِلَفْظِ أَنْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَكِنَّهُ الْأَوْلَى [قَوْلُهُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْت] أَيْ، وَإِنْ كَانَ قَالَ: مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي فَتَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْلِمْ حُكْمَ ذِكْرِ أَشْهَدُ وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ النَّاطِقِ، فَلَا يَكْفِي أَحْلِفُ وَلَا أُقْسِمُ كَمَا يَجِبُ لَفْظُ

مَرَّاتٍ: أُشْهِدُ اللَّهَ مَا زَنَيْت. وَإِذَا قَالَ فِي الرُّؤْيَةِ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي فَتَرُدُّ ذَلِكَ فَتَقُولُ فِي الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ: مَا رَآنِي أَزْنِي (وَ) بَعْدَ الرَّابِعَةِ (تُخَمِّسُ بِالْغَضَبِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) فَتَقُولُ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اللِّعَانُ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ، إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُسْلِمَةً وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً فَتُلَاعَنُ فِي كَنِيسَتِهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتَخْوِيفُهُمَا خُصُوصًا عِنْدَ الْخَامِسَةِ، يُقَالُ لَهُمَا هَذِهِ الْخَامِسَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ عَلَيْكُمَا الْعَذَابَ (وَإِنْ نَكَلَتْ هِيَ) أَيْ جَبُنَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ اللِّعَانِ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ (رُجِمَتْ إنْ كَانَتْ) بَالِغَةً (حُرَّةً مُحْصَنَةً بِوَطْءٍ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّعْنِ فِي خَامِسَةِ الرَّجُلِ، وَالْغَضَبِ فِي خَامِسَةِ الْمَرْأَةِ، أَيْ لِأَنَّ الرَّجُلَ مُبْعِدٌ لِأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فَنَاسَبَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّعْنَ مَعْنَاهُ الْبُعْدُ، وَالْمَرْأَةُ مُغْضِبَةٌ لِزَوْجِهَا وَلِأَهْلِهَا وَرَبِّهَا فَنَاسَبَهَا ذَلِكَ، فَلَوْ أَبْدَلَ الرَّجُلُ اللَّعْنَةَ بِالْغَضَبِ وَالْمَرْأَةُ الْغَضَبَ بِاللَّعْنَةِ لَمْ يَجُزْ. [قَوْلُهُ: أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ] أَيْ لِأَنَّ اللِّعَانَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَأَقَلُّ مَا تَظْهَرُ بِهِ تِلْكَ الشَّعِيرَةُ أَرْبَعَةٌ لَا لِاحْتِمَالِ نُكُولٍ أَوْ إقْرَارٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ بِاثْنَيْنِ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ لَا مِنْ أَرَاذِلِهِمْ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْطِعٌ لِلْحَقِّ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ التَّخْوِيفُ، وَالتَّغْلِيظُ عَلَى الْمُلَاعِنِ، وَلِلْمَوْضِعِ حَظٌّ وَلِهَذَا كَانَ لِعَانُ الذِّمِّيَّةِ فِي كَنِيسَتِهَا، وَالْيَهُودِيَّةِ فِي بَيْعَتِهَا، فَالْمُرَادُ بِالْأَشْرَفِ بِالنَّظَرِ لِلْحَالِفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَنِيسَةَ أَشْرَفُ الْبَلَدِ بِالنَّظَرِ لِلْحَالِفِ وَهِيَ الذِّمِّيَّةُ، أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْأَشْرَفِ حَقِيقَةً أَوْ ادِّعَاءً، وَالْحَاصِلُ أَنَّ وُقُوعَهُ بِأَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ وَاجِبٌ شَرْطًا، كَمَا فِي الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ رِضَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِدُونِهِ. وَذَكَرَ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرِ أَنَّ كَوْنَهُ بِأَشْرَفِ الْبَلَدِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ يُعَدُّ نُكُولًا، وَفِي مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَفِي الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً] أَيْ نَصْرَانِيَّةً فَتُلَاعِنُ فِي كَنِيسَتِهَا أَيْ، وَالْيَهُودِيَّةُ فِي بَيْعَتِهَا، وَالْمَجُوسِيَّةُ فِي بَيْتِ النَّارِ، وَإِنْ كَانَ لَا دِينَ لَهُمَا مِثْلُ الْوَثَنِيِّينَ، فَفِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، وَإِذَا فَرَغَ الْمُتَلَاعِنَانِ مِنْ تَلَاعُنِهِمَا جَمِيعًا تَفَرَّقَا، وَخَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ خَرَجَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ لَمْ يَضُرَّ لِعَانَهُمَا، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ تُجْمَعُ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْحُكَّامِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ] اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ إثْرَ صَلَاةٍ مَنْدُوبٌ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَبَعْدَ الْعَصْرِ أَحَبُّ إلَيَّ فَكَوْنُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ مُسْتَحَبٌّ ثَانٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُ الشَّارِحِ. قَالَ الْمُهَلَّبُ وَسَبَبُ كَوْنِ الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ شُهُودُ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ ذَلِكَ الْوَقْتَ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مُشَارَكَةً لَهُ فِي شُهُودِ الْمَلَائِكَةِ أَيْ وَارْتِفَاعُ الْأَعْمَالِ لِحَدِيثِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ» إلَخْ، وَذَكَرَ بَعْضٌ فِي وَجْهِ التَّغْلِيظِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَنَّهُ وَقْتٌ يَتُوبُ فِيهِ الْمُقَصِّرُ. لِكَوْنِهِ آخِرَ النَّهَارِ، وَيَشْتَغِلُ فِيهِ الْمُوَفَّقُ بِالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ فَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ أَقْبَحُ [قَوْلُهُ: وَتَخْوِيفُهُمَا] أَيْ يُنْدَبُ تَخْوِيفُهُمَا أَيْ ابْتِدَاءً قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي اللِّعَانِ، بِأَنْ يُقَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا: تُبْ إلَى اللَّهِ، وَيُذَكِّرُهُمَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَاب الْآخِرَةِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ بِلَا شَكٍّ [قَوْلُهُ: خُصُوصًا إلَخْ] أَيْ أَخُصُّ الْوَعْظَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ خُصُوصًا، أَيْ وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ خُصُوصًا أَيْ بَعْدَ الرَّابِعَةِ وَعِنْدَ التَّوَجُّهِ لِلْخَامِسَةِ [قَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُمَا] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ. وَالْقَوْلُ لَهُمَا بِأَنَّهَا الْمُوجِبَةُ أَيْ يُنْدَبُ الْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، بِأَنَّ الْخَامِسَةَ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْعَذَابِ أَيْ مَحِلُّ نُزُولِهِ، بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى اخْتِيَاره رَتَّبَ الْعَذَابَ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِالْعَذَابِ الرَّجْمُ أَوْ الْجَلْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ، إنْ لَمْ تَحْلِفْ وَعَلَى الرَّجُلِ إنْ بَدَأَتْ قَبْلَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ إعَادَتِهَا. [قَوْلُهُ: رُجِمَتْ] أَيْ ضُرِبَتْ بِالْحِجَارَةِ إلَى أَنْ تَمُوتَ مَا لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْحَلِفِ، فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كَاَلَّتِي تُقِرُّ عَلَى نَفْسِهَا بِالزِّنَا ثُمَّ تَرْجِعُ عَنْهُ. قَالَهُ فِي النُّكَتِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا نَكَلَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فَلَا يُمَكَّنُ

الْمُلَاعِنِ (أَوْ) مِنْ (زَوْجٍ غَيْرِهِ) وَاحْتُرِزَ بِالْبَالِغَةِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُحَدُّ وَبِالْحُرَّةِ مِنْ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ خَمْسِينَ جَلْدَةً مِنْ غَيْرِ رَجْمٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْمُلَاعَنَةِ إحْصَانٌ (جُلِدَتْ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَإِنْ نَكَلَ الزَّوْجُ) الْمُلَاعِنُ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ بَالِغَةً مُسْلِمَةً حُرَّةً (جُلِدَ) لَهَا (حَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً (وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ) ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُ ثَابِتٌ لَا يَنْفِيهِ إلَّا اللِّعَانُ وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْخُلْعِ فَقَالَ: (وَلِلْمَرْأَةِ) أَيْ وَيُبَاحُ لَهَا إذَا كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً غَيْرَ مِدْيَانَةٍ (أَنْ تَفْتَدِيَ) أَيْ تَخْتَلِعَ (مِنْ زَوْجِهَا) إذَا كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا (بِ) جَمِيعِ (صَدَاقِهَا، أَوْ) بِ (أَكْثَرَ) مِنْهُ وَإِبَاحَتُهُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا (إذَا لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ (عَنْ ضَرَرٍ بِهَا) مِثْلُ أَنْ يُنْقِصَهَا مِنْ النَّفَقَةِ، أَوْ يُكَلِّفَهَا شُغُلًا لَا يَلْزَمُهَا (فَإِنْ كَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ ذَلِكَ بَلْ يُحَدُّ [قَوْلُهُ: مُحْصَنَةً] يَتَضَمَّنُ كَوْنَهَا حُرَّةً مُسْلِمَةً بَالِغَةً عَاقِلَةً وُطِئَتْ وَطْئًا مُبَاحًا بِنِكَاحٍ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَقَوْلُهُ بِوَطْءٍ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ مُحْصَنَةً وَيُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ] أَيْ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَطْءُ مُبَاحًا بِانْتِشَارٍ مِنْ زَوْجٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُحَدُّ] يَعْنِي: إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ فَالزَّوْجُ يُلَاعِنُ دُونَهَا، وَإِنْ نَكَلَ حُدَّ وَلَا لِعَانَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ تُحَدَّ [قَوْلُهُ: جُلِدَتْ مِائَةَ جَلْدَةٍ] حَيْثُ كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً مُكَلَّفَةً فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَنِصْفُ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً يَلْزَمُهَا الْأَدَبُ لِأَذِيَّتِهَا لِزَوْجِهَا، وَرُدَّتْ لِحَاكِمِ مِلَّتِهَا بَعْدَ تَأْدِيبِهَا لِاحْتِمَالِ اسْتِحْقَاقِهَا الْحَدَّ بِنُكُولِهَا [قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ بَالِغَةً إلَخْ] أَيْ وَعَفِيفَةً لَا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا حَدَّ، وَقَوْلُهُ مُسْلِمَةً أَيْ وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَبُ بِنُكُولِهِ، وَكَذَا الْأَمَةُ. وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِبَالِغَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ وَلَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُطِيقُ الْوَطْءَ وَنَكَلَ يُحَدُّ لَهَا، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِكَوْنِهِمَا بَالِغَيْنِ لِنَحْتَرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَا غَيْرَ بَالِغَيْنِ أَوْ كَانَتْ هِيَ فَقَطْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: ثَمَانِينَ جَلْدَةً] حَيْثُ كَانَ حُرًّا مُكَلَّفًا فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا وَالزَّوْجَةُ بَالِغَةً فَإِنْ رَمَاهَا بِالزِّنَا فَلَا لِعَانَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ انْتَفَى عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَعَلَيْهَا الْحَدُّ [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى حُكْمُ الْقُيُودِ] أَيْ وَلَا يَخْفَى مَفْهُومُ الْقُيُودِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا الَّتِي هِيَ مُسْلِمَةٌ بَالِغَةٌ حُرَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. [قَوْلُهُ: وَلِلْمَرْأَةِ] وَلَوْ فِي الْعِدَّةِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً أَعْطَتْهُ مَالًا فِي الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. فَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ بَائِنَةٌ [قَوْلُهُ: أَيْ يُبَاحُ] أَيْ فَالْخُلْعُ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً أَوْ رِقًّا فَلَا يُبَاحُ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ فِي الصَّغِيرَةِ، وَالْحُرْمَةُ فِيمَا بَعْدَهَا وَحُرِّرَ أَيْ وَلَا يَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ سَفِيهَةً مُوَلَّى عَلَيْهَا أَمْ لَا وَمَنْ فِيهَا بَعْضُ رِقٍّ إذَا خَالَعَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ زَوْجَهَا عَلَى عِوَضٍ. دَفَعَتْهُ إلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِوَضَ لَا يَلْزَمُهَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَيُرَدُّ الْعِوَضُ فِي الْأَحْوَالِ الْمَذْكُورَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَسَقَطَ عَنْ الزَّوْجَةِ إنْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا تَتْبَعُ الْأَمَةُ إنْ عَتَقَتْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ خَالَعَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَكَانَ يَنْتَزِعُ مَالَهَا. أَمَّا غَيْرُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فِي مَرَضِ السَّيِّدِ إذَا خَالَعَهَا وُقِفَ الْمَالُ فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ صَحَّ الْخُلْعُ، وَإِنْ صَحَّ بَطَلَ وَرُدَّ الْمَالُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ إذَا خَالَعَتْ بِكَثِيرٍ فَيُرَدُّ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِعَجْزِهَا، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ فَإِنْ عَجَزَتْ بَطَلَ، وَإِنْ أَذِنَ صَحَّ، وَيَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ الْمُجْبِرِ عَنْ الْمُجْبَرَةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهَا بِجَمِيعِ مَهْرِهَا كَانَ الْمُجْبِرُ أَبًا أَوْ وَصِيًّا وَفِي خُلْعِ الْأَبِ عَنْ ابْنَتِهِ الْبَالِغِ الثَّيِّبِ السَّفِيهَةِ مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. خِلَافٌ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا] وَأَمَّا إذَا كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَلَا يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ هَذَا مَعْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ الْحُرْمَةُ وَجَعَلَهُ خَلِيلٌ شَرْطًا فِي إيجَابِ الْعِوَضِ عَلَى مُلْتَزِمِهِ حَيْثُ قَالَ وَمُوجِبُهُ زَوْجٌ مُكَلَّفٌ أَيْ وَمُوجِبُ الْعِوَضِ عَلَى مُلْتَزِمِهِ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، صُدُورُ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ أَوْ وَلِيِّ صَغِيرٍ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ غَيْرَهُمَا أَيْ فَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ بِطَلَاقِ مَنْ ذَكَرَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُهُ صُدُورُ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجٍ، وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ وَلِيِّ صَغِيرٍ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ سُلْطَانًا أَوْ مَقَامَ سُلْطَانٍ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ فِي الْجَمِيعِ، وَيَلْزَمُ الصَّغِيرَ الطَّلْقَةُ الْبَائِنَةُ أَوْ قَوْلُ الشَّارِحِ رَشِيدًا فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ

الِافْتِدَاءُ إنَّمَا هُوَ (عَنْ ضَرَرٍ بِهَا رَجَعَتْ) عَلَيْهِ (بِمَا أَعْطَتْهُ وَلَزِمَهُ الْخُلْعُ) وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الضَّرَرِ لَفِيفُ النَّاسِ وَالْجِيرَانِ حَتَّى النِّسَاءِ. (وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ) بَائِنَةٌ (لَا رَجْعَةَ فِيهَا إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ (بِرِضَاهَا) إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ عَلَى النِّكَاحِ، أَمَّا الْمُجْبَرَةُ فَإِنَّمَا يُرَاعَى رِضَا الْوَلِيِّ. (وَ) الْأَمَةُ (الْمُعْتَقَةُ) أَيْ الَّتِي عَتَقَتْ، وَهِيَ (تَحْتَ الْعَبْدِ) أَيْ فِي عِصْمَتِهِ قِنًّا كَانَ، أَوْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ يُحَالُ بَيْنَهُمَا وَيَثْبُتُ (لَهَا الْخِيَارُ) بَيْنَ (أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ، أَوْ تُفَارِقَهُ) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانَ فِي بَرِيرَةٍ ثَلَاثُ سُنَنٍ فَكَانَتْ إحْدَى السُّنَنِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ، فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا» ، وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ وَهَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQصُدُورُ الطَّلَاقِ مِنْ السَّفِيهِ مُوجِبٌ لِلصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُطَلِّقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيهِ أَوْلَى وَكَمُلَ لَهُ خُلْعُ الْمِثْلِ إنْ خَالَعَ بِدُونِهِ، وَلَا يَبْرَأُ الْمُخْتَلِعُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ لِلسَّفِيهِ بَلْ لِوَلِيِّهِ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ رَادًّا عَلَيْهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثِّقِينَ بَرَاءَةُ الْمُخْتَلِعِ بِدَفْعِ الْخُلْعِ لِلسَّفِيهِ دُونَ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ غَيْرِ مُتَمَوَّلٍ فَصَارَ كَالْهِبَةِ، وَمِثْلُهُ الْعَبْدُ الْبَالِغُ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ أَنْ يُخَالِعَ عَنْهُ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ، بَلْ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْبَالِغِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ لَا بِيَدِ السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: رَجَعَتْ عَلَيْهِ] ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ [قَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِ الضَّرَرِ] أَيْ الضَّرَرِ الْمَعْهُودِ الَّذِي لَهَا التَّطْلِيقُ بِهِ، أَيْ كَأَنْ يُنْقِصَهَا حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ أَوْ يُكَلِّفَهَا شُغُلًا لَا يَلْزَمُهَا خِدْمَتُهُ أَوْ يَشْتُمَهَا أَوْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا مُبَرِّحًا أَوْ لِغَيْرِ أَدَبٍ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهِ، كَمَا إذَا أَدَّبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ [قَوْلُهُ: لَفِيفُ النَّاسِ] أَيْ مِمَّنْ لَهُ بِهِ ارْتِبَاطٌ كَجِيرَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ،، وَاللَّفِيفُ الْجَمَاعَةُ الْمُجْتَمِعُونَ مِنْ فِرَقٍ، وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ عَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ فَلَا تَكُونُ عَدَالَتُهُمْ ثَابِتَةً، فَأَطْلَقَ اللَّفْظَ وَأَرَادَ بِهِ لَازِمَهُ مِنْ نَحْوِ الْخَدَمِ. وَقَوْلُهُ: وَالْجِيرَانُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ الْمُرَادُ جِيرَانٌ مِنْ اللَّفِيفِ بِدَلِيلِ التَّعْبِيرِ بِيَكْفِي، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى بَيِّنَةِ السَّمَاعِ، وَحَاصِلُ مَا فِيهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ بَعْدَ الْمُخَالَعَةِ أَنَّهَا مَا خَالَعَتْ إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ بِذَلِكَ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرُدُّ مَا خَالَعَهَا بِهِ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ السَّمَاعُ مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ لَوْ ذَكَرَتْ أَنَّهَا سَمِعَتْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْخَدَمِ وَنَحْوِهِمْ عُمِلَ عَلَى شَهَادَتِهَا، وَكَذَا بِالْأَوْلَى لَوْ اسْتَنَدَتْ لِلثِّقَاتِ فَقَطْ إذَا كَانُوا مِمَّنْ لَهُمْ بِهِ نَوْعُ ارْتِبَاطٍ كَجِيرَةٍ، وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّ السَّمَاعَ هُنَا كَالْقَطْعِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ مَعَ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ أَحَدِهِمَا فَهِيَ هُنَا بِخِلَافِ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي السَّمَاعِ مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي إذَا انْتَقَشَ فِي ذِهْنِك هَذَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَفِيفُ النَّاسِ أَيْ الَّذِي سُمِعَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ لَا أَنَّهُ نَفْسُ الْبَيِّنَةِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُجْبَرَةُ] أَيْ كَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ، وَالصَّغِيرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ الْمُعْتَقَةُ] سَيَأْتِي الشَّارِحُ يَقُولُ: أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا كَامِلًا فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ جَمِيعَهَا إنْ كَانَتْ كَامِلَةَ الرِّقِّ أَوْ بَاقِيَهَا إنْ كَانَتْ مُبَعَّضَةً، أَوْ عَتَقَتْ بِأَدَاءِ كِتَابَتِهَا أَوْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَعَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ السَّيِّدِ أَوْ رَأْسِ مَالِهِ. [قَوْلُهُ: يُحَالُ إلَخْ] أَيْ حَتَّى تَخْتَارَ بِغَيْرِ حَاكِمٍ وَهِيَ بَالِغَةٌ رَشِيدَةٌ أَوْ سَفِيهَةٌ وَبَادَرَتْ لِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا، فَإِنْ لَمْ تُبَادِرْ لِاخْتِيَارِ نَفْسِهَا أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَإِنَّمَا يَنْظُرُ لَهَا الْحَاكِمُ بِالْمَصْلَحَةِ، فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي الطَّلَاقِ فَيَأْمُرُهُ بِالطَّلَاقِ وَإِلَّا فَهَلْ يُطَلِّقُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ، ثُمَّ يَحْكُمُ قَوْلَانِ وَأَمْرُهُ بِهِ لِلصَّغِيرَةِ مُمْكِنٌ إنْ مَيَّزَتْ وَإِلَّا أَوْقَعَهُ لَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا. [قَوْلُهُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ] «قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ قَضِيَّاتٍ، أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يَبِيعُوهَا وَيَشْتَرِطُوا وَلَاءَهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَتْ: وَعَتَقَتْ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، قَالَتْ: وَكَانَ النَّاسُ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا وَتُهْدِي لَنَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَكُمْ هَدِيَّةٌ فَكُلُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ

بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، أَوْ بِطَلْقَتَيْنِ رِوَايَتَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَعَلَى الْأُولَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَعَلَيْهَا لَوْ عَتَقَ زَوْجُهَا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الطَّلْقَةَ بَائِنَةٌ، وَلِثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا شُرُوطٌ أَنْ يَكُونَ عِتْقُهَا كَامِلًا نَاجِزًا وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً وَأَلَّا تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا طَائِعَةً بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تَحْتَ الْعَبْدِ مِمَّا إذَا عَتَقَتْ تَحْتَ الْحُرِّ، فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهَا الْخِيَارُ. (وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ) كُلَّهَا، أَوْ بَعْضَهَا (انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا صَدَاقَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهُوَ كَمَالِهَا وَيَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا بُدَّ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا وَمِثْلُ مَا إذَا اشْتَرَاهَا مَا إذَا مَلَكَهَا بِهِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، أَوْ مَلَكَتْهُ هِيَ بِشِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ. (وَطَلَاقُ الْعَبْدِ) الْقِنِّ وَمَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ سَوَاءٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً (طَلْقَتَانِ) فَلَوْ عَتَقَ وَلَمْ يُوقِعْ طَلَاقًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَالثَّلَاثُ، وَلَوْ أَوْقَعَ نِصْفَهُ فِي حَالِ الرِّقِّ فَطَلْقَتَانِ. (وَعِدَّةُ الْأَمَةِ) الْقِنَّةِ وَمَنْ فِيهَا شَائِبَةُ رِقٍّ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْبُرْمَةُ عَلَى النَّارِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدُمٍ مِنْ أُدُمِ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَلَمْ أَرَ بُرْمَةً عَلَى النَّارِ وَفِيهَا لَحْمٌ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَكَرِهْنَا أَنْ نُطْعِمَك مِنْهُ، فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ» . قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: ثَلَاثُ سُنَنٍ أَيْ أَحْكَامٍ نَصَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا خَاصٌّ بِهَا وَقَدْ تَبَيَّنْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ [قَوْلُهُ: وَهَلْ بِطَلْقَةٍ] أَيْ وَهَلْ الْفِرَاقُ بِطَلْقَةٍ أَوْ الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَلَوْ قَالَ وَهَلْ هُوَ طَلْقَةٌ أَوْ طَلْقَتَانِ لَكَانَ أَوْضَحَ [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأُولَى أَكْثَرُ الرُّوَاةِ] وَهِيَ الرَّاجِحَةُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَائِنَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً لَمَا أَفَادَ الْخِيَارُ شَيْئًا. تَنْبِيهٌ: مَا قُلْنَاهُ مِنْ لُزُومِ طَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَيَّنَتْهَا أَوْ أَبْهَمَتْهَا بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي. [قَوْلُهُ: نَاجِزًا] احْتِرَازًا مِنْ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ، وَالْمُدَبَّرَةِ، وَالْمُكَاتَبَةِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً] فَلَوْ اخْتَارَتْ وَهِيَ حَائِضٌ جُبِرَتْ عَلَى الرَّجْعَةِ حَتَّى تَطْهُرَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَأَلَّا تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا طَائِعَةً] أَيْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ مِنْ مُقَدَّمَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَيَدْخُلْ فِيهِ مَا إذَا تَلَذَّذَتْ بِالزَّوْجِ، وَلَوْ جَهِلَتْ الْحُكْمَ بِأَنْ قَالَتْ: كُنْت أَجْهَلُ أَنَّ التَّمْكِينَ يُسْقِطُ خِيَارِي وَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، أَمَّا إنْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ وَمَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ خِيَارَهَا لِعُذْرِهَا، وَكَذَا يَسْقُطُ خِيَارُهَا، بِقَوْلِهَا: أُسْقِطُ خِيَارِي وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ الزَّوْجُ أَنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْعِتْقِ، وَالْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ: إذَا اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا، وَلَوْ اخْتَارَتْ الْمَقَامَ مَعَهُ لَمْ يَسْقُطْ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهَا. [قَوْلُهُ: انْفَسَخَ نِكَاحُهُ] أَيْ لِتَعَارُضِ الْحُقُوقِ [قَوْلُهُ: وَيَطَؤُهَا بِالْمِلْكِ] عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَصِيرُ بِالْحَمْلِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَأَشْهَبُ لَا يَجْعَلُهَا بِهَذَا الْحَمْلِ أُمَّ وَلَدٍ فَيَحْتَاجُ لِاسْتِبْرَاءٍ، يَتَمَيَّزُ بِهِ الْحَمْلُ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَالْحَمْلُ الَّذِي لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ زَرُّوقٌ عَلَى الْإِرْشَادِ [قَوْلُهُ: أَوْ مَلَكَتْهُ] لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا لَا بِالْمِلْكِ وَلَا بِالنِّكَاحِ. [قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ إلَخْ] ، وَإِنَّمَا كَانَ طَلْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ [قَوْلُهُ: فَطَلْقَتَانِ] ظَاهِرٌ فَالْبَاقِي طَلْقَتَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْعَبْدُ إذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ، فَيَبْقَى لَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لَا طَلْقَتَانِ. تَنْبِيهٌ: الْعِبْرَةُ بِالْوَلَايَةِ حِينَ النُّفُوذِ لَا حَالَ التَّعْلِيقِ وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ، وَلَوْ ذَا شَائِبَةٍ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، ثُمَّ أَنَّهُ أُعْتِقَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فَيَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ وَتَبْقَى مَعَهُ بِوَاحِدَةٍ.

عَبْدًا (حَيْضَتَانِ) صَوَابُهُ طُهْرَانِ لِيُوَافِقَ مَا تَقَدَّمَ، وَمَا يَأْتِي أَنَّ الْعِدَّةَ بِالطُّهْرِ لَا بِالْحَيْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَالْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ. (وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ كَالْحُرِّ) ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ أَنَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْحُرُّ يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْعِتْقُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ كَمَا قَدَّمْنَا (بِخِلَافِ مَعَانِي الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ) لَفْظُ مَعَانِي زَائِدٌ أَيْ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُشْطَرُ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرَّضَاعِ الْمُتَرْجَمِ لَهُ فَقَالَ: (وَكُلُّ مَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي الْحَوْلَيْنِ مِنْ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَإِنْ مَصَّةً) وَفِي نُسْخَةٍ، وَلَوْ مَصَّةً بِالنَّصْبِ خَبَرٌ لَكَانَ الْمُقَدَّرَةِ عَلَى النُّسْخَتَيْنِ؛ التَّقْدِيرُ: وَإِنْ كَانَ الْوَاصِلُ مِنْ اللَّبَنِ مَصَّةً (وَاحِدَةً) عَمَلًا بِمُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَفْصِيلٍ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، وَالْإِجْمَاعُ حَكَاهُ ع وَاسْتَثْنَوْا مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ سِتَّ مَسَائِلَ تَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ. وَيُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِكَثِيرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَرِّمُ مَا أُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا مَا قَرُبَ مِنْهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] وقَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ طُهْرَانِ إلَخْ] وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْحَيْضَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا يَتَضَمَّنَانِ الطُّهْرَيْنِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنْهُمَا [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ] أَيْ طَلَاقُ الْعَبْدِ طَلْقَتَانِ مُطْلَقًا كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ مُطْلَقًا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ التَّشْبِيهِ إلَخْ] الْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ هُوَ كَالْحُرِّ فِيهِ أَيْ فَلَا يَتَنَصَّفُ لَا أَنَّ كُلَّ مَا يُكَفِّرُ بِهِ الْحُرُّ يُكَفِّرُ بِهِ الْعَبْدُ [قَوْلُهُ: لَفْظُ مَعَانِي زَائِدٌ] وَيُجَابُ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْكَفَّارَةِ، وَالْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْفَضِيلَةُ وَتَأْكِيدُ الْحُرْمَةِ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي الْحُدُودِ، وَالطَّلَاقِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِخِلَافِ الْحُدُودِ] فَيُحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالشُّرْبِ نِصْفَ الْحُرِّ. [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا وَصَلَ] ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ [قَوْلُهُ: إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا وَصَلَ لِحَلْقِهِ وَرُدَّ لَمْ يُحَرِّمْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: التَّقْدِيرُ إلَخْ] هَذَا عَلَى نُسْخَةِ أَنَّ أَوْ، وَلَوْ كَانَ الْوَاصِلُ أَيْ عَلَى نُسْخَةِ لَوْ [قَوْلُهُ: مِنْ اللَّبَنِ] ، وَلَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ غَالِبٍ عَلَيْهِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ طَعْمٌ كَمَا صَوَّرَ بِهِ النَّاصِرُ فَلَا يُحَرِّمُ بَطَلَ حُصُولُ الْغِذَاءِ بِهِ أَمْ لَا، فَإِذَا خُلِطَ لَبَنُ امْرَأَةٍ بِلَبَنِ أُخْرَى صَارَ ابْنًا لَهُمَا تَسَاوَيَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَفُرُوعُ اللَّبَنِ كَالْجُبْنِ، وَالسَّمْنِ كَهُوَ كَانَ لَبَنَ حَيَّةٍ أَوْ مَيِّتَةٍ وقَوْله تَعَالَى {أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَاتِ اللَّبَنِ آدَمِيَّةً لَا بَهِيمَةً كَجِنِّيَّةٍ. فَلَوْ ارْتَضَعَ صَبِيَّانِ عَلَى بَهِيمَةٍ أَوْ جِنِّيَّةٍ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَرْأَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً تَلِدُ أَمْ لَا، وَلَا تَحْرِيمَ بِالْمَاءِ الْأَصْفَرِ أَوْ الْأَحْمَرِ [قَوْلُهُ: مَصَّةً] أَيْ ذَا مَصَّةٍ [قَوْلُهُ: وَاحِدَةً] تَأْكِيدٌ [قَوْلُهُ: عَمَلًا بِمُطْلَقٍ] أَيْ فَإِنَّهُ صَادِقٌ، وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ] أَيْ لَا بِعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَلَا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَقَوْلُهُ وَلَا تَفْصِيلَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ] أَيْ فِي كَوْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ يُحَرِّمُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا [قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ أَجْلِ النَّسَبِ أَيْ الذَّوَاتِ، وَالْأَعْيَانِ الَّتِي حَرَّمَهَا النَّسَبُ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ إلَخْ [قَوْلُهُ: حَكَاهُ] أَيْ حَكَى الْإِجْمَاعَ [قَوْلُهُ: مِنْ عُمُومِ الْحَدِيثِ] أَيْ مِنْ عُمُومِ مَا الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ [قَوْلُهُ: سِتُّ مَسَائِلَ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ سِتُّ نِسْوَةٍ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ وَصَلَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحْتَرَزًا فِي الْحَوْلَيْنِ فَقَطْ بَلْ مُحْتَرَزُ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: مَا أُرْضِعَ] أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي أُرْضِعَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا وَقَوْلِهِ بَعْدَ مَا أُرْضِعَ إلَخْ، أَنَّ اللَّبَنَ يَقَعُ مَفْعُولًا لِأُرْضِعَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَيُحْذَفُ فَاعِلُهُ وَيَقُومُ هَذَا الْمَفْعُولُ مَقَامَهُ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمِصْبَاحِ

فَأَخْبَرَ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَكَمَالِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ ثُمَّ فَسَّرَ الْقُرْبَ بِقَوْلِهِ: (كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ، وَالشَّهْرَيْنِ) ، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالثَّانِي رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ الَّتِي ضُعِّفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْآخَرَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ، وَقَدْ قِيلَ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَالْآخَرُ قَوْلُهُ فِي الْأَقْضِيَةِ، وَقَدْ قِيلَ يَقْضِي بِذَلِكَ فِي الْجِرَاحِ. (وَلَوْ فُصِلَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا اسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ اللَّبَنِ بِالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ لَمْ يُحَرِّمْ) الرَّضِيعَ (مَا أُرْضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ) لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَمَنْ اسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ عَنْ اللِّبَانِ فَقَدْ فُتِقَتْ أَمْعَاؤُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» . (وَيُحَرِّمُ بِالْوَجُورِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَهُوَ مَا صُبَّ فِي وَسَطِ الْفَمِ وَتَحْتَ اللِّسَانِ (، وَالسَّعُوطِ) بِفَتْحِ السِّينِ، وَهُوَ مَا صُبَّ فِي الْمَنْخَرِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّعُوطَ يُحَرِّمُ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ لِلْجَوْفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قَالَ أَرْضَعَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ] لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعِي [قَوْلُهُ: عَنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ] أَيْ أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَكَمَالَ مُدَّةِ الرَّضَاعِ سَنَتَانِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمَا قَالَهُ الْجُزُولِيُّ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ، وَالشَّهْرَيْنِ] أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ: وَنَحْوَهُ أَيْ فَتَكُونُ الزِّيَادَةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الزِّيَادَةُ شَهْرَانِ فَقَطْ الَّذِي هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: الَّتِي ضُعِّفَ فِيهَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ مَعَ أَنَّ كَلَامَهُ فِيهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: اسْتَغْنَى فِيهِ] أَيْ يَسْتَغْنِي بِالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ عَنْ اللَّبَنِ بِحَيْثُ لَا يُغْنِيهِ اللَّبَنُ لَوْ عَادَ إلَيْهِ عَنْهُمَا، هَذَا هُوَ الْمُرَادُ لَا أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَيْهِ اللَّبَنُ يَأْبَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: لَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ] أَيْ الرَّضَاعِ [قَوْلُهُ: إلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ] أَيْ الْإِرْضَاعُ فَتَقَ الْأَمْعَاءَ بِاعْتِبَارِ أَثَرِهِ وَهُوَ اللَّبَنُ جَمْعُ وَالتَّرَشُّدِ، كَعِنَبٍ وَأَعْنَابٍ أَيْ الْمَصَارِينُ، وَالْفَتْقُ النَّقْضُ أَيْ زَوَالُ انْطِبَاقِهَا، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَمَكُّنِ اللَّبَنِ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ صَلَاحُ الْوَلَدِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ عَطْفٌ لَازِمٌ [قَوْلُهُ: اللِّبَانِ] أَيْ اللَّبَنِ [قَوْلُهُ: فُتِقَتْ أَمْعَاؤُهُ] أَيْ بِالطَّعَامِ أَيْ تَمَكَّنَ الطَّعَامُ مِنْهَا بِحَيْثُ صَارَ صَلَاحُهَا بِهِ لَا بِاللِّبَانِ [قَوْلُهُ: إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ إلَخْ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَجَاعَةُ مَفْعَلَةٌ مِنْ الْجُوعِ يَعْنِي أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ إنَّمَا هُوَ الَّذِي يَرْضَعُ مِنْ جُوعِهِ وَهُوَ الطِّفْلُ، يَعْنِي أَنَّ الْكَبِيرَ إذَا رَضَعَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَعْهُمَا مِنْ الْجُوعِ. [قَوْلُهُ: وَيُحَرِّمُ] أَيْ الرَّضَاعُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ الْمُلْتَبِسُ بِالْوَجُورِ مِنْ الْتِبَاسِ الشَّيْءِ بِأَثَرِهِ، أَوْ يُحَرِّمُ اللَّبَنُ مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ [قَوْلُهُ: مَا صُبَّ فِي وَسَطِ الْفَمِ] أَيْ فَهُوَ نَفْسُ اللَّبَنِ الْمَصْبُوبِ وَيُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ وَقَوْلُهُ: وَتَحْتَ اللِّسَانِ فِي هَذَا الْقَيْدِ نَظَرٌ كَمَا أَفَادَهُ تت وَغَيْرُهُ وَأَسْقَطَهُ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ السِّينِ] أَيْ فَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِنَفْسِ اللَّبَنِ وَأَمَّا بِضَمِّ السِّينِ فَهُوَ مَصْدَرٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْبِسَاطِيِّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجُورِ، وَالسَّعُوطِ اسْمٌ لِنَفْسِ الْوُصُولِ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِآلَةٍ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ أَنَّ الرَّضَاعَ وُصُولُ اللَّبَنِ لِجَوْفِ الرَّضِيعِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ لَا ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ عَلَى مَحِلِّ خُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْ ثَدْيٍ لِطَلَبِ خُرُوجِهِ. تَنْبِيهٌ: الْحُقْنَةُ إذَا حَصَلَ بِهَا غِذَاءٌ بِالْفِعْلِ تُحَرِّمُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ عج وَانْظُرْ إذَا حَصَلَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ التَّحْرِيمَ، وَاسْتَظْهَرَ تت أَنَّ لَبَنَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَجُورِ تُفْهَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّعُوطِ بِالْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: إنَّ السَّعُوطَ يُحَرِّمُ إلَخْ] أَيْ إنَّ الرَّضَاعَ بِالسَّعُوطِ يُحَرِّمُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَصْرَ الْخِلَافِ عَلَى السَّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ، أَشَارَ لَهُ بَهْرَامُ فَقَدْ قَالَ: أَمَّا الْوَجُورُ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ كَذَلِكَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَأَمَّا السَّعُوطُ فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ إنْ وَصَلَ لِلْجَوْفِ وَلِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ يُحَرِّمُ مُطْلَقًا اهـ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهُ لِلْجَوْفِ] أَيْ بِأَنْ شَكَّ فِي وُصُولِهِ لِلْجَوْفِ

ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ حَرَّمَ وَإِلَّا فَلَا. (وَمَنْ أَرْضَعَ صَبِيًّا) ذَكَرَ الْفِعْلَ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} [الأحزاب: 31] (فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ) الْمُرْضِعَةِ لِلصَّبِيِّ (وَبَنَاتُ فَحْلِهَا مَا تَقَدَّمَ، أَوْ تَأَخَّرَ) (إخْوَةٌ لَهُ) أَيْ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: أَخَوَاتٌ لَهُ إلَّا إنَّهُ رَاعَى لَفْظَ مَا. (وَلِأَخِيهِ) أَيْ أَخِي الصَّبِيِّ مِنْ النَّسَبِ لَا مِنْ الرَّضَاعِ (نِكَاحُ بَنَاتِهَا) أَيْ بَنَاتِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَكَذَلِكَ لِأَخِيهِ نِكَاحُ أُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ لَا مِنْ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةُ الْأَبِ، وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ السِّتَّةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا الْعُلَمَاءُ، مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ، ثَانِيهَا: مَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَ وَلَدِك، ثَالِثُهَا: جَدَّةُ وَلَدِك، رَابِعُهَا: أُخْتُ وَلَدِك خَامِسُهَا: أُمُّ عَمِّك وَعَمَّتِك سَادِسُهَا: أُمُّ خَالِك وَخَالَتِك. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لِلْجَوْفِ بِأَنْ وَصَلَ لِلْحَلْقِ وَرُدَّ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ وَصَلَ لِلْجَوْفِ] أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ، وَكَذَا شَكًّا احْتِيَاطًا وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ. [قَوْلُهُ: ذَكَرَ الْفِعْلَ] أَيْ حَيْثُ قَالَ أَرْضَعَ وَلَمْ يَقُلْ أَرْضَعَتْ وَقَوْلُهُ مُرَاعَاةً لِلَّفْظِ، أَيْ لَفْظِ مَنْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْنُتْ} [الأحزاب: 31] فَلَوْ رَاعَى الْمَعْنَى لَقَالَ وَمَنْ تَقْنُتْ بِالتَّاءِ [قَوْلُهُ: فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ] ، وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ فَحْلِهَا الْيَوْمَ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فَأَوْلَادُ بَدَلَ بَنَاتٍ لِيَشْمَلَ الذُّكُورَ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَبَنَاتُ فَحْلِهَا] أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي حَصَلَ الرَّضَاعُ بِلَبَنِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ حَلَالٍ بَلْ، وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ. لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ مِنْهُ بِصَاحِبِهِ خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُخْتَصَرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّضِيعَ لَا يَكُونُ أَخًا لِأَوْلَادِ فَحْلِ الْمُرْضِعَةِ مِنْ غَيْرِهَا، إلَّا إذَا كَانَ قَدْ وَطِئَ الْمُرْضِعَةَ وَأَنْزَلَ قَبْلَ الْإِرْضَاعِ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ لَبَنِ ذَلِكَ الْفَحْلِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَخِيهِ نِكَاحُ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الَّذِي يُقَدِّرُ وَلَدًا لِلْمُرْضِعَةِ خُصُوصُ الرَّضِيعِ وَفُرُوعُهُ كَهُوَ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ وَأُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَعَمَّاتُهَا وَخَالَاتُهَا، كَمَا تَحْرُمُ عَلَى فُصُولِهِ وَلَا تُحَرَّمُ عَلَى أُصُولِهِ وَلَا عَلَى إخْوَتِهِ وَيَسْتَمِرُّ كُلُّ مَنْ رَضَعَ وَلَدًا لِصَاحِبِ اللَّبَنِ لِانْقِطَاعِهِ، وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ. [قَوْلُهُ: لَا مِنْ الرَّضَاعِ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ الرَّضَاعِ أَيْ فَيَكُونُ أَوْلَى، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ. تَنْبِيهٌ: يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَشَا أَمْ لَا، وَكَذَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَبِامْرَأَتَيْنِ إنْ فَشَا فِي هَاتَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ أَوْ أُمَّهَاتَهمَا، وَهَلْ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ مَعَ الْفُشُوِّ أَوْ لَا تُشْتَرَطُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْفُشُوِّ تَرَدَّدَ لَا بِامْرَأَةٍ، وَلَوْ فَشَا، وَلَوْ عَدْلًا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ إحْدَى الْمَسَائِلِ] أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ لِأَخِيهِ نِكَاحُ أُمِّهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا أُمُّ أَخِيك أَيْ أَوْ أُخْتِك رَضَاعًا؛ وَهِيَ نَسَبًا تَحْرُمُ عَلَيْك؛ لِأَنَّهَا إمَّا أُمُّك أَوْ زَوْجَةُ أَبِيك [قَوْلُهُ: ثَانِيهَا مَنْ أَرْضَعَتْ وَلَدَ وَلَدِك] ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَأَمَّا نَسَبًا فَهِيَ إمَّا بِنْتُك أَوْ زَوْجَةُ ابْنِك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَأَمَّا هَذِهِ وَهِيَ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُرْضِعَةُ وَلَدَ وَلَدِك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك. [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا جَدَّةُ وَلَدِك] فَهِيَ نَسَبًا إمَّا أُمُّك أَوْ أُمُّ زَوْجَتِك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك وَهَذِهِ الصُّورَةُ أَعْنِي إرْضَاعَ امْرَأَةِ وَلَدِك فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْك أُمُّهَا، وَقَوْلُهُ وَرَابِعُهَا أُخْتُ وَلَدِك فَهِيَ نَسَبًا بِنْتُك أَوْ بِنْتُ زَوْجَتِك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ وَلَدَك لَمْ تَحْرُمْ بِنْتُهَا الَّتِي هِيَ أُخْتُ وَلَدِك مِنْ الرَّضَاعِ، وَقَوْلُهُ: وَخَامِسُهَا أُمُّ عَمِّك وَعَمَّتِك فَهِيَ نَسَبًا إمَّا جَدَّتُك لِأَبِيك أَوْ حَلِيلَةُ جَدِّك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ عَمَّك أَوْ عَمَّتَك لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْك، وَقَوْلُهُ سَادِسُهَا أُمُّ خَالِك وَخَالَتِك فَهِيَ نَسَبًا إمَّا جَدَّتُك لِأُمِّك أَوْ زَوْجَةُ جَدِّك وَكِلْتَاهُمَا حَرَامٌ عَلَيْك، وَلَوْ أَرْضَعَتْ امْرَأَةٌ خَالَك أَوْ خَالَتَك لَمْ تَحْرُمْ لِفَقْدِ ذَلِكَ مِنْهَا.

[باب في العدة ونفقة المطلقة]

[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (الْعِدَّةِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ) ، وَقَدْ تَبَرَّعَ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَشْيَاءَ يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى الْكَلَامِ عَلَى النَّفَقَةِ. عَكْسُ مَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَمَّا الْعِدَّةُ فَهِيَ تَرَبُّصُ الْمَرْأَةِ زَمَانًا مَعْلُومًا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ عَلَامَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، مَعَ ضَرْبٍ مِنْ التَّعَبُّدِ. سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْعَدَدِ وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْفُرَيْعَةِ اُمْكُثِي فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَنَفَقَةِ الْمُطَلَّقَة] بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ الِاسْتِبْرَاءُ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا لِرَفْعِ عِصْمَةٍ أَوْ طَلَاقٍ [قَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ] أَيْ رَاجِحٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَصْلًا وَاحِدًا أَيْ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ بِخِلَافِ اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَفِيهِ فَصْلَانِ [قَوْلُهُ: فَهِيَ تَرَبُّصُ] أَيْ انْتِظَارٌ ثُمَّ هَذَا مُشْكِلٌ مَعَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ نَفْسُ الْأَقْرَاءِ وَنَفْسُ الْأَشْهُرِ لَا التَّرَبُّصُ الْمَذْكُورُ، وَقَوْلُهُ: الْمَرْأَةِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ امْتِنَاعِ الرَّجُلِ مِنْ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ حِينَ طَلَّقَ الرَّابِعَةَ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، أَوْ مِنْ نِكَاحِ الْأُخْتِ الْأُخْرَى عِنْدَ طَلَاقِ الْأُخْتِ مَثَلًا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً، لَا يُقَالُ لَهُ عِدَّةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِعِدَّةٍ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ نِكَاحٍ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْمَرَضِ. وَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ مُعْتَدٌّ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ مُعْتَدًّا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فَعَلَيْهِ يَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرَ جَامِعٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَعْرِيفٌ لِأَحَدِ قِسْمَيْ الْعِدَّةِ [قَوْلُهُ: زَمَانًا] أَيْ نِهَايَةَ زَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ أَشْهُرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَطْهَارًا فَلَا يَظْهَرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً لِزَمَنِهَا فَكَأَنَّهُ الْمُنْتَظِرُ [قَوْلُهُ: قَدَّرَهُ الشَّرْعُ] أَيْ قَدَّرَ نِهَايَتَهُ [قَوْلُهُ: عَلَامَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ] فَإِنْ قِيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ عِدَّةُ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا مِنْ الْوَفَاةِ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَكَذَا مَنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ إنَّمَا شُرِعَتْ فِيمَنْ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ الرَّحِم؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَحِقَ بِهِ، فَالْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِتَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ ظَاهِرَةٌ فِيمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا. وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَدْرِ سِنِّ مَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا حَدٌّ يُرْجَعُ إلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، حَمَلَ الْبَابَ مَحْمَلًا وَاحِدًا فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ حَتَّى عَلَى مَنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ حَسْمًا لِلْبَابِ، فَعُلِمَ أَنَّ أَصْلَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَتَأَمَّلْهُ قَالَهُ الْحَطَّابُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -[قَوْلُهُ: مَعَ ضَرْبٍ مِنْ التَّعَبُّدِ] أَيْ مَعَ نَوْعٍ مِنْ التَّعَبُّدِ فِيهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْعِدَّةِ إذَا كَانَتْ أَقْرَاءً أَنَّ الْجَمِيعَ لِلِاسْتِبْرَاءِ لَا الْأَوَّلَ فَقَطْ، وَالْبَاقِي تَعَبُّدٌ، كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ فَأَيْنَ التَّعَبُّدُ وَيُمْكِنُ أَنَّ التَّعَبُّدَ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ، وَكَذَا التَّعَبُّدُ ظَاهِرٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالنَّظَرِ لِخُصُوصِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا جُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَتَحَرَّكُ الْحَمْلُ، وَزِيدَتْ الْعَشَرَةُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَنْقُصُ الْأَشْهُرُ أَوْ تُبْطِئُ حَرَكَةُ الْجَنِينِ اهـ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْحُرَّةِ الَّتِي عِدَّتُهَا مَا ذَكَرَ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَهُوَ مُشْكِلٌ فِيهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ عِدَّتَهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ] أَيْ سُمِّيَتْ الْعِدَّةُ بِمَعْنَى التَّرَبُّصِ بِلَفْظِ عِدَّةٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْعَدَدِ أَيْ عَدَدِ الْأَقْرَاءِ أَوْ الشُّهُورِ، أَيْ لِاشْتِمَالِ التَّرَبُّصِ عَلَى الْعَدَدِ مِنْ اشْتِمَالِ الشَّيْءِ عَلَى قَيْدِهِ [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْوُجُوبُ] أَيْ هَذَا الِانْتِظَارُ وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْأَةِ [قَوْلُهُ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]

بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ: أَقْرَاءٌ وَشُهُورٌ وَحَمْلٌ، أَمَّا الْأَقْرَاءُ فَهِيَ لِلْمُطَلَّقَةِ ذَاتِ الْحَيْضِ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً وَإِلَى الْأُولَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ) ذَاتِ الْحَيْضِ (ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً لِشُمُولِ عُمُومِ الْآيَةِ الْجَمِيعَ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالْأَمَةُ) أَيْ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ الْقِنِّ (وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ) كَالْمُكَاتَبَةِ، وَالْمُدَبَّرَةِ ذَاتِ الْحَيْضِ (قُرْآنِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا سَوَاءٌ (كَانَ الزَّوْجُ فِي جَمِيعِهِنَّ) أَيْ جَمِيعِ مَنْ ذَكَرَ، وَهِيَ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ، وَالْكِتَابِيَّةُ، وَالْأَمَةُ وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ (حُرًّا، أَوْ عَبْدًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعِدَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّسَاءِ، وَالطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ (وَالْأَقْرَاءُ) عِنْدَنَا (هِيَ الْأَطْهَارُ الَّتِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ الْحَيْضُ. وَأَمَّا الشُّهُورُ فَتَعْتَدُّ بِهَا سِتَّةً أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الْمُطَلَّقَةُ (مِمَّنْ لَمْ تَحِضْ) لِصِغَرٍ وَيُوطَأُ مِثْلُهَا أُمِنَ حَمْلُهَا أَمْ لَا (أَوْ) كَانَتْ (مِمَّنْ قَدْ يَئِسَتْ مِنْ الْمَحِيضِ) كَبِنْتِ سَبْعِينَ سَنَةً فَعِدَّتُهَا (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ] فِيهِ أَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِهِ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235] إذْ الْمَعْنَى لَا تَقْرَبُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِأَنْ تَعْزِمُوا عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ حَوَاشِي التَّفْسِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ التَّرَبُّصُ الْمَذْكُورُ غَايَتَهُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُمْكُثِي» لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْأَمْرِ لَا مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: وَأَنْوَاعُهَا ثَلَاثَةٌ] أَيْ أَنْوَاعُ الْعِدَّةِ لَا يَخْفَى أَنَّ أَنْوَاعَ التَّرَبُّصِ تَرَبُّصَاتٌ، وَالْأَقْرَاءُ، وَالشُّهُورُ، وَالْحَمْلُ لَيْسَتْ تَرَبُّصَاتٍ [قَوْلُهُ: وَحَمْلٌ] أَيْ زَمَنُ الْحَمْلِ لَا أَنَّهُ نَفْسُ الْحَمْلِ لَا وَضْعُ الْحَمْلِ بَلْ الزَّمَنُ الَّذِي يَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ. قَالَ خَلِيلٌ وَعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ وَضْعُ حَمْلِهَا، قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ يَعْنِي أَنَّ الْحَامِلَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ حَمْلِهَا كُلِّهِ [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ] أَيْ الْبَالِغِ غَيْرِ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ خَلْوَةِ زَوْجِهَا الْبَالِغِ غَيْرِ الْمَجْبُوبِ خَلْوَةً، يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهَا خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ أَوْ زِيَارَةٍ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ فِي تِلْكَ الْخَلْوَةِ لِحَقِّ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولٌ وَلَا خَلْوَةٌ أُخِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِالدُّخُولِ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَقَرَّ هُوَ بِالدُّخُولِ لَزِمَهُ تَكْمِيلُ الصَّدَاقِ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَقَيَّدْنَا الْحُرَّةَ بِالْبَالِغَةِ لِقَوْلِهِ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَبِغَيْرِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ حَمْلِهَا، وَبِالزَّوْجِ الْبَالِغِ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الصَّبِيِّ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمَوْتِ وَبِغَيْرِ الْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّ زَوْجَتَهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقِهِ. وَأَمَّا الْخَصِيُّ الْقَائِمُ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعُ الْأُنْثَيَيْنِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ وَطْأَهُ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عَلَى زَوْجَتِهِ إذَا طَلَّقَهَا، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ قَائِمَ الْخَصْيِ فَهَذَا إنْ كَانَ يُولَدُ لِمِثْلِهِ فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَيَلْزَمُهُ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَلَا يُسْأَلُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ عَنْهُ [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ] ، وَلَوْ كَانَ يَأْتِيهَا فِي كُلِّ عَشْرِ سِنِينَ مَرَّةً، وَلَوْ فِي مُجْمَعٍ عَلَى فَسَادِهِ إنْ دَرَأَ الْحَدَّ وَإِلَّا فَزِنًا، وَتَمْكُثُ فِيهِ قَدْرَ عِدَّتِهَا وَتَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُطَلِّقِ بِأَوَّلِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي طُهْرٍ، وَالرَّابِعَةِ إنْ طَلُقَتْ فِي حَيْضٍ وَيُنْدَبُ لَهَا أَنْ لَا تَتَعَجَّلَ بِالْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ أَوْ بَعْضُهُ، قُلْنَا يُنْدَبُ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ مَا ذُكِرَ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الدَّمِ، وَلَوْ مُسِخَ الرَّجُلُ لَزِمَ زَوْجَتَهُ الْعِدَّةُ، عِدَّةُ طَلَاقٍ إنْ مُسِخَ حَيَوَانًا وَعِدَّةُ وَفَاةٍ إنْ مُسِخَ جَمَادًا فَلَوْ مُسِخَتْ هِيَ وَهِيَ رَابِعَةٌ تَزَوَّجَ مَكَانَهَا مُطْلَقًا جَمَادًا أَوْ حَيَوَانًا [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً] أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ وَأَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا فَتُدَبَّرُ [قَوْلُهُ: لِشُمُولِ عُمُومِ الْآيَةِ] أَيْ لِشُمُولِ الْآيَةِ الْجَمِيعَ مِنْ حَيْثُ عُمُومُهَا [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْقَافِ] وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ اللُّغَةِ [قَوْلُهُ: عِنْدَنَا] أَيْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ الْمُحْتَرِزُ فَقَطْ [قَوْلُهُ: بَيْنَ الدَّمَيْنِ] الْأَنْسَبُ بِلَفْظِ الْأَقْرَاءِ الدِّمَاءُ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ قُرْءٌ وَاحِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَقْرَاءِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ لِرَضَاعٍ أَوْ اسْتِحَاضَةٍ وَمَيَّزَتْ وَإِلَّا كَانَتْ مُرْتَابَةً. [قَوْلُهُ: وَيُوطَأُ مِثْلُهَا] وَأَمَّا مَنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَمَحِلُّ كَوْنِهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ مَا لَمْ تَرَ الْحَيْضَ فِي آخِرِهَا وَإِلَّا انْتَقَلَتْ لِلْأَقْرَاءِ [قَوْلُهُ: كَبِنْتِ سَبْعِينَ] أَيْ مَنْ أَوْفَتْ سَبْعِينَ لَا مَنْ دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الْمُتَمِّمَةِ لِلسَّبْعِينَ كَمَا أَفَادَهُ عج وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْ سَبْعِينَ عَامًا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ قَطْعًا فَإِذَا نَزَلَ دَمٌ عَلَيْهَا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْ خَمْسِينَ دَمُهَا حَيْضٌ قَطْعًا، وَلَا تَسْأَلُ فِيهِ النِّسَاءَ وَمَنْ بَلَغَتْ خَمْسِينَ وَلَمْ تَبْلُغْ سَبْعِينَ وَنَزَلَ عَلَيْهَا دَمٌ يُسْأَلُ فِيهِ النِّسَاءُ هَلْ

اتِّفَاقًا (فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ) ، أَوْ الْكِتَابِيَّةِ (وَ) عَلَى الْمَشْهُورِ (فِي الْأَمَةِ) وَتُعْتَبَرُ الشُّهُورُ بِالْأَهِلَّةِ فَإِذَا طَلُقَتْ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ عَمِلَتْ عَلَى الْأَهِلَّةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ وَكَمَّلَتْ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ مِنْ الشَّهْرِ الرَّابِعِ، وَلَا تَحْسِبُ يَوْمَ الطَّلَاقِ. وَالثَّالِثَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ الْأَمَةِ) الْمُسْتَحَاضَةِ (فِي الطَّلَاقِ سَنَةٌ) تِسْعَةُ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ عِدَّةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُمَيِّزَةً، أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا، وَعَلَى قَوْلٍ فِي الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ فِيهَا أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ لَا بِالسَّنَةِ، وَتَمْيِيزُ الدَّمِ يَكُونُ بِرَائِحَتِهِ، أَوْ بِلَوْنِهِ وَكَثْرَتِهِ، وَفَصَلَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ بِالنَّوْعِ الثَّالِثِ وَمَسْأَلَةٍ فَقَالَ: (وَعِدَّةُ الْحَامِلِ فِي وَفَاةٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ (أَوْ طَلَاقٍ) اتِّفَاقًا (وَضْعُ حَمْلِهَا) كُلِّهِ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ (سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً، أَوْ أَمَةً) مُسْلِمَتَيْنِ (أَوْ) حُرَّةً (كِتَابِيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ حَيْضٌ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَمَةِ إلَخْ] اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي الْحَرَائِرِ، وَالْأَمَةُ عِنْدَنَا كَالْحُرَّةِ، وَاخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ مَرَّةً كَقَوْلِنَا وَتَارَةً قَالَ شَهْرَانِ وَتَارَةً قَالَ شَهْرٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الثَّلَاثَةُ الْأَشْهُرِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَظْهَرُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا [قَوْلُهُ: الشُّهُورُ] أَيْ الثَّلَاثَةُ بِالْأَهِلَّةِ جَمْعُ هِلَالٍ أَيْ لَا بِالْعَدَدِ [قَوْلُهُ: عَمِلَتْ عَلَى الْأَهِلَّةِ] أَيْ جِنْسِ الْأَهِلَّةِ الْمُتَحَقِّقِ فِي شَيْئَيْنِ أَوْ أَرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ [قَوْلُهُ: وَكَمَّلَتْ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ] ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَسِرُ نَاقِصًا [قَوْلُهُ: وَلَا تَحْسِبُ يَوْمَ الطَّلَاقِ] أَيْ إنْ طَلُقَتْ بَعْدَ فَجْرِهِ أَيْ لَا تَعْتَبِرُهُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لَا مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مُعْتَبَرٌ فَلَا تُخْطَبُ وَلَا يُعْقَدُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ] وَمِثْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي ذَلِكَ مَنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ وَمِنْهُ الطَّرِبَةُ أَوْ تَأَخَّرَ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَبَّصَانِ تِسْعَةً لِلِاسْتِبْرَاءِ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةٍ، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ الرَّضَاعُ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَابَةَ بِتَأْخِيرِ الْحَيْضِ لِمَرَضٍ أَوْ بِلَا سَبَبٍ إذَا حَاضَتْ فِي السَّنَةِ تَنْتَظِرُ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ، أَوْ تَمَامَ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي أَتَاهَا، وَالسَّنَةُ الْمَذْكُورَةُ كَالْأُولَى مِنْهَا تِسْعَةٌ اسْتِبْرَاءً وَثَلَاثَةٌ عِدَّةً فَإِنْ انْتَهَتْ الْحَيْضَةُ الثَّانِيَةُ قَبْلَ مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ طُهْرِهَا انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ الثَّالِثَةَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ طُهْرِهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، وَإِذَا مَيَّزَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ دَمَ الْحَيْضِ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ انْتَظَرَتْ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ طَهُرَتْ مِنْ الْأُولَى، فَإِنْ مَضَتْ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ طَهُرَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ حَلَّتْ، وَإِنْ مَيَّزَتْ انْتَظَرَتْ الثَّالِثَةَ أَوْ تَمَامَ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ طُهْرِهَا مِنْ الثَّانِيَةِ، هَذَا مَا يُفِيدُهُ نَقْلُ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْكَبِيرِ اُنْظُرْ عج. [قَوْلُهُ: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ إلَخْ] وَهَلْ تُعْتَبَرُ التِّسْعَةُ مِنْ يَوْمِ الطَّلَاقِ أَوْ مِنْ يَوْمِ ارْتَفَعَتْ حَيْضَتُهَا، قَوْلَانِ أَيْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْعِدَّةُ سَنَةٌ تَسْمَحُ، وَالشَّابَّةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ فِي عُمُرِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، أَمَّا مَنْ حَاضَتْ فِي عُمُرِهَا ثُمَّ انْقَطَعَ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْأَقْرَاءِ أَوْ تَمَامِ سَنَةٍ بَيْضَاءَ [قَوْلُهُ: وَتَمْيِيزُ الدَّمِ يَكُونُ بِرَائِحَتِهِ] أَيْ رَائِحَةِ دَمِ الْحَيْضِ إلَخْ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا نَقَلَهُ زَرُّوقٌ عَلَى الْإِرْشَادِ، النِّسَاءُ يَزْعُمْنَ أَنَّهُنَّ يَعْرِفْنَهُ بِرَائِحَتِهِ، وَلَوْنِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَكَثْرَتُهُ. أَيْ دَمُ الْحَيْضِ كَثِيرٌ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ قَلِيلٌ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ [قَوْلُهُ: بِالنَّوْعِ الثَّالِثِ] أَيْ وَهُوَ الْحَمْلُ وَقَوْلُهُ: وَمَسْأَلَةٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: النَّوْعِ الثَّالِثِ، وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَالْمُطَلَّقَةُ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ إلَخْ] ، وَلَوْ تَسَبَّبَتْ فِي إخْرَاجِهِ، وَإِنْ دَمًا اجْتَمَعَ [قَوْلُهُ: فِي وَفَاةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِ الْفَاكِهَانِيِّ وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ مِنْ الْحَمْلِ، وَالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [قَوْلُهُ: وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ] وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَبَدًا حَيْثُ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ بِبَطْنِهَا، وَلَوْ مَيِّتًا، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ عِنْدَ جَمْعٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَعَنْ ابْنِ نَاجِي الْمَشْهُورُ، الِاكْتِفَاءُ بِمُضِيِّ أَقْصَى الْحَمْلِ فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ ابْنِ دَحُونٍ، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِهِ كُلِّهِ، وَلَوْ مَاتَ وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا لِلْحَمْلِ وَقَدْ مَاتَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِهِ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَحْظَةٍ] أَيْ، وَلَوْ وَضَعَتْهُ عَقِبَ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ بِلَحْظَةٍ [قَوْلُهُ: أَوْ حُرَّةً كِتَابِيَّةً] أَيْ، وَالزَّوْجُ مُسْلِمٌ احْتِرَازًا مِنْ الْكَافِرِ فَإِنَّ زَوْجَتَهُ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ إنْ دَخَلَ بِهَا. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ

{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَتَقْيِيدُنَا بِكُلِّهِ لِبَيَانِ أَنَّهَا لَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي، وَبِثَابِتِ النَّسَبِ احْتِرَازًا مِنْ زَوْجَةِ الصَّبِيِّ وَمَقْطُوعِ الذَّكَرِ فَإِنَّ زَوْجَتَهُمَا لَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ وَتُحَدُّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ زِنًا. وَحُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ حُكْمُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُطَلَّقَةُ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا) حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً صَحِيحًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ مَرِيضًا (لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] وَلَا مَفْهُومَ لِصِفَةِ الْإِيمَانِ هُنَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ، إنَّمَا شُرِعَتْ فِي الطَّلَاقِ لِاخْتِيَارِ حَالِ الرَّحِمِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرَّابِعَةِ مِمَّنْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ بِقَوْلِهِ: (وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ) غَيْرِ الْحَامِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً، أَوْ غَيْرَ مُسْتَحَاضَةٍ (مِنْ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً دَخَلَ بِهَا) الزَّوْجُ (أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً) كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا، أَوْ كَبِيرًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ. ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالنِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ فِيهِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مُخَصِّصَةٌ] قَالَ الْبِسَاطِيُّ فَإِنْ قُلْت قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] أَعَمُّ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] إلَخْ أَعَمُّ مِنْ الْحَامِلِ وَغَيْرِهَا فَلِمَ قَضَى عَلَى هَذِهِ بِتِلْكَ وَلَمْ يَعْكِسْ قُلْت وَضْعُ الْحَمْلِ أَدَلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ مِنْ الزَّمَانِ اهـ، وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلُ الْمُسْتَنِدُ لِشُبْهَةٍ فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي أَثْنَاءِ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعِ، وَالْعَشْرِ لَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَكَذَا إنْ كَانَ ابْنَ زِنًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مُلْحَقًا بِالزَّوْجِ، وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْضِي أَنَّهُ يَجْرِي فِي ذَلِكَ وَفِيمَا أُلْحِقَ بِغَيْرِهِ أَيْضًا [قَوْلُهُ: لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي] ، وَكَذَا لَوْ نَزَلَ بَعْضُ الْوَاحِدِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْحَمْلُ بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ وَبَقِيَ فِي بَطْنِهَا نَحْوُ عُضْوٍ مُنْفَصِلٍ كَمَا لَوْ تَقَطَّعَ الْحَمْلُ وَتَأَخَّرَ ذَلِكَ، أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي. وَاسْتَظْهَرَ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ بِوَضْعِ حَيَوَانٍ بَهِيمِيٍّ فَإِنْ طَلُقَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا بَعْدَ خُرُوجِ بَعْضِهِ حَلَّتْ بِخُرُوجِ بَاقِيهِ، وَلَوْ قَلَّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، فَإِنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَوْ الْمَوْتُ قَبْلَ خُرُوجِ بَقِيَّتِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالظَّاهِرُ الِاسْتِئْنَافُ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ بَاقِيهِ أَوْ الْآخَرُ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ زَوْجَتَهُمَا إلَخْ] أَيْ لَا مِنْ مَوْتٍ وَلَا مِنْ طَلَاقٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الطَّلَاقِ وَتَعُدُّ نِفَاسَهَا حَيْضَةً، أَيْ وَلَوْ حَاضَتْ زَمَنَ الْحَمْلِ وَعَلَيْهَا فِي الْوَفَاةِ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْوَضْعِ أَوْ تَمَامُ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرٍ فِي الْحُرَّةِ أَوْ الشَّهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فِي الْأَمَةِ [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ] ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَالصَّوَابُ حَذْفُ هَذَا [قَوْلُهُ: الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا] أَيْ الْمُطَلِّقُ أَوْ دَخَلَ وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ تُقِرَّ الزَّوْجَةُ بِهِ، أَوْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَمْ يَنْفِهِ فَتَجِبُ الْعِدَّةُ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِي الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ بُلُوغِ زَوْجٍ وَإِطَاقَةِ زَوْجَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَرْبًا مِنْ التَّعَبُّدِ [قَوْلُهُ: وَلَا مَفْهُومَ لِصِفَةِ الْإِيمَانِ هُنَا] أَيْ فِي قَوْلِهِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ صِفَةِ الْإِيمَانِ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ، فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ فَيَقُولُ وَلِأَنَّ إلَخْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً] أَيْ وَتُمَيِّزُ لِمَا سَيَأْتِي [قَوْلُهُ: مِنْ الْوَفَاةِ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُطَلَّقَةً طَلْقَةً رَجْعِيَّةً [قَوْلُهُ: صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً] ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّغِيرَةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ أَوْ الْكَبِيرَةُ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهَا [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً] أَيْ حَيْثُ كَانَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ مُسْلِمًا دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا أَرَادَ مُسْلِمٌ أَخْذَهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ ذِمِّيٍّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَأَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا أَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا فَتَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ [قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ] أَيْ أَوْ فَاسِدٍ مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى فَسَادِهِ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إلَّا بِدُخُولِ زَوْجٍ بَالِغٍ وَهِيَ مُطِيقَةٌ فَتَعْتَدُّ

[حكم الإحداد]

وَالْخَامِسَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَفِي الْأَمَةِ) أَيْ، وَالْعِدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ الْقِنِّ (وَمَنْ فِيهَا بَقِيَّةُ رِقٍّ) دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَمْ تَكُنْ حَامِلًا (شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ) وَقَوْلُهُ: (مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْحَيْضِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ فَتَقْعُدَ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ) لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ فِي الْوَفَاةِ، وَذَهَابُ الرِّيبَةِ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ، أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى السَّادِسَةِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا) الْأَمَةُ (الَّتِي لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، وَقَدْ بُنِيَ بِهَا فَلَا تُنْكَحُ فِي الْوَفَاةِ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) ظَاهِرُهُ أُمِنَ حَمْلُهَا أَمْ لَا، وَهُوَ وَرِوَايَةُ أَشْهَبَ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي التَّوْجِيهِ، لَا خِلَافَ فِي الْفِقْهِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْحَمْلُ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِمَنْ يُخَافُ عَلَيْهَا الْحَمْلُ قَالَ ك. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِمَّا تَبَرَّعَ بِهَا فِي الْبَابِ فَقَالَ: (، وَالْإِحْدَادُ) ، وَهُوَ لُغَةً الِامْتِنَاعُ وَشَرْعًا (أَلَّا تَقْرَبَ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ) عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ (شَيْئًا مِنْ الزِّينَةِ) ظَاهِرُهُ كَبِيرَةً كَانَتْ، أَوْ صَغِيرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْمُطَلَّقَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَحِلُّ بِانْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَمَأْمُونَةَ الْحَمْلِ إمَّا لِصِغَرِهَا أَوْ يَأْسِهَا أَوْ كَوْنِ الزَّوْجِ لَا يُولَدُ لَهُ أَوْ لَمْ تَحِضْ أَصْلًا تَحِلُّ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا غَيْرُ مَأْمُونَةِ الْحَمْلِ وَلَكِنْ تُتِمُّ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ قَبْلَ مَجِيءِ زَمَنِ حَيْضِهَا. وَقَالَ النِّسَاءُ لَا رِيبَةَ بِهَا أَوْ لَا تُتِمُّ وَلَكِنْ أَتَاهَا الْحَيْضُ فِيهَا أَوْ تَأَخَّرَ لِرَضَاعٍ كَمَرَضٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ، وَأَمَّا إنْ تَأَخَّرَ لِغَيْرِ عِلَّةٍ أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ أَوْ قَالَ النِّسَاءُ بِهَا رِيبَةٌ كَمَرَضٍ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَيْضَةِ أَوْ تَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ عِنْدَ التِّسْعَةِ حَلَّتْ وَإِلَّا انْتَظَرَتْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ تَزُولَ الرِّيبَةُ قَبْلُ، وَالْأَقْصَى قِيلَ أَرْبَعٌ وَقِيلَ خَمْسٌ [قَوْلُهُ: وَفِي الْأَمَةِ] أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَفَسَادِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ وَالْعِدَّةُ مِنْ الْوَفَاةِ إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفَ الْمُبْتَدَأِ لِدَلَالَةِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ] مَعَ أَيَّامِهَا حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ صَغِيرَةً أَوْ يَائِسَةً أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ مَجْبُوبٍ أَوْ صَغِيرٍ أَوْ رَأَتْ الْحَيْضَ فِي دَاخِلِهَا أَوْ لَمْ يَأْتِهَا أَصْلًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَحِضْ فِيهَا وَعَادَتُهَا الْحَيْضُ بَعْدَهُمَا فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَتَأَخُّرِهَا لِرَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ عَلَى مَا ذَكَرَ هُنَا، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ لَا لِشَيْءٍ مَكَثَتْ تِسْعَةً إلَّا أَنْ تَحِيضَ قَبْلَهَا، وَكَذَا إنْ ارْتَابَتْ بِجَسٍّ تَمْكُثُ تِسْعَةً إنْ لَمْ تَحِضْ قَبْلَهَا فَإِنْ حَاضَتْ أَثْنَاءَهَا حَلَّتْ، فَإِنْ لَمْ تَحِضْ وَتَمَّتْ التِّسْعَةَ حَلَّتْ إنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ فَإِنْ بَقِيَتْ انْتَظَرَتْ زَوَالَهَا أَوْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، فَإِنْ مَضَى أَقْصَاهُ حَلَّتْ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ بِبَطْنِهَا [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَرْتَبْ الْكَبِيرَةُ ذَاتُ الْحَيْضِ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِهِ] الْمُعْتَادُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَتَيْ الْحُرَّةِ، وَالْأَمَةِ مَعْنَى تِلْكَ الْعِبَارَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ تَنْتَظِرُ التِّسْعَةَ أَوْ الْحَيْضَةَ وَقَدْ أَفَادَهُ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -[قَوْلُهُ: وَذَهَابُ الرِّيبَةِ] أَيْ الْحَاصِلَةُ بِالتَّأْخِيرِ لَا بِالْجَسِّ وَقَوْلُهُ أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ هَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَأَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ زَادَ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ مَا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ فَقَالَ فَإِنْ مَضَتْ التِّسْعَةُ حَلَّتْ، إلَّا أَنْ تُحِسَّ بِبَطْنِهَا شَيْئًا فَإِنَّهَا تَبْقَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ طَرَأَتْ لَهَا رِيبَةُ الْبَطْنِ فِي آخِرِ التِّسْعَةِ أَوْ بَعْدَ كَمَالِهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ إنْ تَأَخَّرَ حَيْضُهَا لَا لِرِيبَةٍ وَلَا لِعُذْرٍ اهـ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ تَبْقَى أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُهُ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ إلَّا بِوَضْعِهِ أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ] أَيْ كَوْنُ الْإِنْكَاحِ فِي الْوَفَاةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ رِوَايَةُ أَشْهَبَ [قَوْلُهُ: ابْنُ رُشْدٍ إلَخْ] غَرَضُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ وَقَوْلُهُ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي التَّوْجِيهِ، التَّوْجِيهُ فِعْلُ الْمُوَجِّهِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: وَهَذَا اخْتِلَافٌ بِاعْتِبَارِ حَالَيْنِ، وَقَوْلُهُ شَهْرَانِ إلَخْ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ [قَوْلُهُ: يُؤْمَنُ عَلَيْهَا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ وَقَوْلُهُ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ [قَوْلُهُ: يُخَافُ عَلَيْهَا الْحَمْلُ] ، وَلَوْ شَكًّا هَذَا مَا ظَهَرَ قَالَ عج، وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْآيِسَةِ أَيْضًا [حُكْم الْإِحْدَادُ] [قَوْلُهُ: وَالْإِحْدَادُ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَلْفَ، وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ وَهُوَ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، فَنَقُولُ أَرَادَ الْإِحْدَادَ الْمَعْهُودَ شَرْعًا [قَوْلُهُ: أَنْ لَا تَقْرَبَ] بِالْفَتْحِ، وَالضَّمِّ وَعَرَّفَهُ

حُرَّةً، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً، وَالزِّينَةُ تَكُونُ بِأَشْيَاءَ أَحَدُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (بِحُلِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَالسِّوَارِ، وَالْخَلْخَالِ ذَهَبًا كَانَ، أَوْ فِضَّةً. وَثَانِيهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ كُحْلٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لِضَرُورَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ، وَثَالِثُهَا: إزَالَةُ الشَّعَثِ عَنْ نَفْسِهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ غَيْرِهِ) فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا تَطْلِي جَسَدَهَا بِالنُّورَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَسْتَحِدَّ وَتَنْتِفَ إبْطَهَا وَتُقَلِّمَ أَظْفَارَهَا وَتَحْتَجِمَ (وَتَجْتَنِبَ الصِّبَاغَ كُلَّهُ إلَّا الْأَسْوَدَ) فَإِنَّهُ لِبَاسُ الْحُزْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زِينَةَ قَوْمٍ فَتَجْتَنِبَهُ. (وَ) كَذَلِكَ (تَجْتَنِبُ الطِّيبَ كُلَّهُ) مُذَكَّرَهُ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَتْ رَائِحَتُهُ كَالْوَرْدِ وَمُؤَنَّثَهُ، وَهُوَ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ كَالْمِسْكِ، وَإِنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ الزِّينَةِ، وَالطِّيبِ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْعُوَانِ إلَى النِّكَاحِ (وَلَا تَخْتَضِبُ بِحِنَّاءٍ) بِالْمَدِّ لَيْسَ إلَّا أَنَّهَا مِنْ الزِّينَةِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الطِّيبِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ (وَلَا تَقْرَبُ دُهْنًا مُطَيَّبًا) وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا دُهْنَ مُطَيِّبٍ (وَلَا تَمْتَشِطُ بِمَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا) ، وَهُوَ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ فَقَالَ: (وَعَلَى الْأَمَةِ) الصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ (وَالْحُرَّةِ) الصَّغِيرَةِ، وَالْكَبِيرَةِ (الْإِحْدَادُ) لِمَا فِي أَبِي دَاوُد مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ» (وَاخْتُلِفَ فِي) وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى (الْكِتَابِيَّةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: تَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيَدْخُلُ تَرْكُ الْخَاتَمِ فَقَطْ لِلْمُبْتَذِلَةِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْوَفَاةِ] حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَيَشْمَلُ مَنْ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ وَتِلْكَ الْمَنْكُوحَةُ فَاسِدًا مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ] لَكِنْ إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَعَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَعَلَى وَلِيِّهَا [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَبِيرَةً] ، وَكَذَا إنْ ارْتَابَتْ فَعَلَيْهَا الْإِحْدَادُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الرِّيبَةُ، وَإِنْ بَلَغَتْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ [قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرَةً] ، وَلَوْ فِي الْمَهْدِ [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً] يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ [قَوْلُهُ: جَمْعُ حَلْيٍ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْجَمْعُ مَعَ أَنَّ الْمُفْرَدَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَيْضًا فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ [قَوْلُهُ: كَالسِّوَارِ، وَالْخَلْخَالِ] أَيْ وَكَالْخَاتَمِ، وَالْقُرْطِ [قَوْلُهُ: ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نُحَاسًا أَوْ حَدِيدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا تَرْكُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ حَتَّى مِنْ الْحَدِيدِ وَأَوْلَى الْجَوَاهِرِ، وَالْيَاقُوتُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبَاجِيُّ [قَوْلُهُ: وَلَا تَكْتَحِلُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ] فَتَسْتَعْمِلُهُ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا [قَوْلُهُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ] تَأْكِيدٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَرَادَ بِهِ الْإِذْنَ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ ضَرُورَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ، وَمُفَادُ قَوْلِهِ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْحَاجَةِ، وَقَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ أَيْ وَقَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ لِلطِّيبِ كَمَا أَفَادَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ [قَوْلُهُ: بِالنُّورَةِ] بِضَمِّ النُّونِ [قَوْلُهُ: تَسْتَحِدُّ] تُزِيلُ شَعْرَ عَانَتِهَا [قَوْلُهُ: وَتَحْتَجِمُ إلَخْ] مُوَافِقٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي كُلٍّ إزَالَةَ مَا يُكْرَهُ بَقَاؤُهُ [قَوْلُهُ: الصِّبَاغُ] ظَاهِرُهُ جَوَازُ لُبْسِ الْأَبْيَضِ وَلَوْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ تت [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ زِينَةَ قَوْمٍ] أَيْ أَوْ تَكُونَ نَاصِعَةَ الْبَيَاضِ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ تَجْتَنِبُ الطِّيبَ] فَلَا تَشُمُّهُ وَلَا تَعْمَلُهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَنْعَةٌ غَيْرُهُ إذَا كَانَتْ تُبَاشِرُ مَسَّهُ بِنَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَتْ يُبَاشِرُهُ لَهَا بِأَمْرِهَا كَخَادِمٍ لَمْ يُمْنَعْ [قَوْلُهُ: مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ] أَيْ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَخَفِيَتْ رَائِحَتُهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا أَعْظَمَ، وَقَوْلُهُ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ إخْفَاءُ لَوْنِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ قَدْ يُظْهِرُهُ إنْسَانٌ، وَقَوْلُهُ وَظَهَرَتْ رَائِحَتُهُ أَيْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ لَا لَوْنُهُ كَالْوَرْدِ فَإِنَّهُ يُتَمَتَّعُ بِرُؤْيَةِ لَوْنِهِ [قَوْلُهُ: وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الطِّيبِ] لَعَلَّهُ لِكَوْنِهَا ذَاتَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَلَا دُهْنَ مُطَيِّبٍ] مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ لِلصِّفَةِ كَصَلَاةِ الْأُولَى تت [قَوْلُهُ: بِمَا يَخْتَمِرُ فِي رَأْسِهَا] يَعْنِي مَا تُشَمُّ رَائِحَتُهُ، وَالْخَمِيرُ الطِّيبُ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ [قَوْلُهُ: الْمُمَشَّقُ] بِتَشْدِيدِ الشِّينِ أَيْ الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ عَلَى وَزْنِ حِمْلٍ وَهُوَ الْمَغْرَةُ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَلَا الْحُلِيِّ] فِي رِوَايَةِ

[أحكام الاستبراء]

عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورُهُمَا وُجُوبُ الْإِحْدَادِ. ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ مِنْ الْوَفَاةِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ فَقَالَ: (وَلَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ) طَلَاقًا بَائِنًا، أَوْ رَجْعِيًّا (إحْدَادٌ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِلْأَنْسَابِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَلَا مُحَامِيَ لَهُ عَنْ نَسَبِهِ فَجُعِلَ الْإِحْدَادُ زَاجِرًا وَقَائِمًا مَقَامَ الْمُحَامِي عَنْ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُحَامِي عَنْ نَسَبِهِ، وَالْمُحْتَاطُ لَهُ (وَتُجْبَرُ الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي الْوَفَاةِ) دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ (وَ) فِي (الطَّلَاقِ) إذَا دَخَلَ بِهَا لِحَقِّ الزَّوْجِ وَلَا تُجْبَرُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إذْ لَا عِدَّةَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ الْمُتَرْجَمِ لَهُ فَقَالَ: (وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا) ، وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ (حَيْضَةٌ) فِي كَلَامِهِ إشْكَالٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى الْحَيْضَةِ عِدَّةً، وَالْعِدَّةُ عِنْدَنَا إنَّمَا هِيَ الْأَقْرَاءُ، فَنَقُولُ: إنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِبْرَاءَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ الْعِدَّةِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهَا. ، وَالِاسْتِبْرَاءُ شَرْعًا الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الرَّحِمِ لِيُعْلَمَ هَلْ هِيَ بَرِيَّةٌ مِنْ الْحَمْلِ، أَوْ مَشْغُولَةٌ بِهِ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، وَهُوَ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الزَّوْجَاتِ، لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» . (وَكَذَلِكَ) عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ حَيْضَةٌ (إذَا أَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا هَذَا حُكْمُ اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ (وَ) أَمَّا (إنْ) كَانَتْ قَدْ (قَعَدَتْ عَنْ الْحَيْضِ) أَيْ يَئِسَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَمَّدٍ وَلَا تَلْبَسُ حُلِيًّا، وَإِنْ كَانَ حَدِيدًا [قَوْلُهُ: وَلَا مُحَامِيَ] أَيْ مُدَافِعَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ [قَوْلُهُ: عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي الْوَفَاةِ] مَفْهُومُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَوْجُهَا كَافِرًا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ، وَلَوْ فِي الْوَفَاةِ، إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً هَذَا إذَا كَانَ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: فِي الْوَفَاةِ، وَالطَّلَاقِ] فَفِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً غَيْرَ مُطِيقَةٍ، وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ، وَفِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ [أَحْكَام الِاسْتِبْرَاءِ] [قَوْلُهُ: وَهِيَ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْهُ] غَيْرُ مَانِعٍ لِصِدْقِهِ بِمَا لَيْسَ حُرٌّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا [قَوْلُهُ: حَيْضَةٌ] ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْوَفَاةِ أَيْ وَالْعِتْقِ أَوْ لَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَعِدَّتُهَا مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَنْ عَتَقَهُ فَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَهُ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهَا حَيْضَةٌ [قَوْلُهُ: لِقُوَّةِ الْخِلَافِ الَّذِي فِيهَا] ظَاهِرُهُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي تِلْكَ الْحَيْضَةِ بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُطْلِقُ عَلَيْهَا عِدَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِقُوَّةِ الْخِلَافِ الَّذِي فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَقَدْ قِيلَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَقِيلَ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ [قَوْلُهُ:، وَالِاسْتِبْرَاءُ شَرْعًا] أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ الِاسْتِقْصَاءُ، وَالْبَحْثُ، وَالْكَشْفُ عَنْ الْأَمْرِ الْغَامِضِ [قَوْلُهُ: لِيُعْلَمَ هَلْ هِيَ إلَخْ] أَيْ لِيُعْلَمَ جَوَابُ هَلْ هِيَ بَرِيَّةٌ، وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ فَلَا تُرَدُّ الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَمْلُهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِالْغَيْرِ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْحَيْضَةُ. [قَوْلُهُ: لَا تُوطَأُ إلَخْ] قَالَ تت وَأَصْلُهُ سَبَايَا أَوْطَاسَ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا لَا تُوطَأْ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ.» وَأَوْطَاسُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا طَاءٌ وَسِينٌ مُهْمَلَتَانِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ، وَادٍ فِي دِيَارِ هَوَازِنَ وَسَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا إلَخْ] حَالَ حَيَاتِهِ وَأَرَادَ الْغَيْرُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَلَا مَفْهُومَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بَلْ كُلُّ أَمَةٍ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا لَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمَةَ تَأْتَنِفُ حَيْضَةً بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَلَوْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَسْتَأْنِفُ إنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَا إنْ كَانَتْ غَيْرَهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا شَبَّهَ أُمَّ الْوَلَدِ بِالْحُرَّةِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَدْ قَعَدَتْ] أَيْ أُمُّ الْوَلَدِ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا

مِنْهُ لِكِبَرِ سِنِّهَا (فَ) اسْتِبْرَاؤُهَا (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) (وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ حَيْضَةٌ) وَاحِدَةٌ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ سَوَاءٌ (انْتَقَلَ الْمِلْكُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ سَبْيٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَالْإِرْثِ، وَالصَّدَقَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الزَّوْجَاتِ، بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَلَّا يَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا بِنَفْسِهَا، أَوْ بِإِخْبَارِ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ امْرَأَةٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي حَوْزَتِهِ، وَإِلَى هَذَا الْمُحْتَرَزِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ هِيَ فِي حِيَازَتِهِ) بِرَهْنٍ، أَوْ وَدِيعَةٍ مَثَلًا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا (قَدْ حَاضَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَاهَا) الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: ثُمَّ مَلَكَهَا لِيَشْمَلَ الشِّرَاءَ وَغَيْرَهُ (فَ) إنَّهُ (لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ) خُرُوجًا مُتَبَاعِدًا بِحَيْثُ يُغَابُ عَلَيْهَا. ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا احْتِرَازًا مِمَّنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَاسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ فِي الْبَيْعِ) الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ، وَالصَّدَقَةَ وَنَحْوَهُمَا (إنْ كَانَتْ) مِمَّنْ (تُوطَأُ) ظَاهِرُهُ أُمِنَ حَمْلُهَا أَمْ لَا (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَبَيَّنُ فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ. ثَالِثُهَا: أَلَّا تَكُونَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الْمِلْكِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، رَابِعُهَا: أَنْ تَكُونَ حَلَالًا بَعْدَ الْمِلْكِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ حَرَامًا بَعْدَهُ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ عَمَّتَهُ فَإِنَّهُ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا. (وَ) كَذَا الْأَمَةُ (الْيَائِسَةُ مِنْ الْمَحِيضِ) اسْتِبْرَاؤُهَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَ) أَمَّا الْأَمَةُ (الَّتِي لَا تُوطَأُ) لِصِغَرِ سِنِّهَا كَبِنْتِ سِتِّ سِنِينَ (فَ) إنَّهُ (لَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا) (وَمَنْ ابْتَاعَ) أَمَةً (حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ مَلَكَهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ) كَالْمِيرَاثِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ (فَلَا يَقْرَبُهَا) بِوَطْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَاسْتِبْرَاؤُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ] وَأَمَّا الْحَامِلُ فَاسْتِبْرَاؤُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ [قَوْلُهُ: وَاحِدَةٌ] تَأْكِيدُ [قَوْلِهِ: مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ] أَيْ غَالِبًا لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْجَارِيَةَ الَّتِي يُؤْمَنُ حَمْلُهَا تَسْتَبْرِئُ [قَوْلُهُ: أَوْ سَبْيٌ] أَيْ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ [قَوْلُهُ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَعْلَمَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا] أَيْ فَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى إخْبَارِهَا أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ بَلْ لَا بُدَّ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهَا فِي حَوْزَتِهِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِخْبَارِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ امْرَأَةٍ، أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهَا فَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهَا، وَذَهَبَ الْأَقْفَهْسِيُّ إلَى أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهَا. تَنْبِيهٌ: إذَا غَصَبَ الْأَمَةَ شَخْصٌ وَغَابَ عَلَيْهَا غَيْبَةً يُمْكِنُ شَغْلُهَا مِنْهُ فَإِنَّهَا إذَا رَجَعَتْ لِسَيِّدِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا كَانَتْ مِنْ عَلَى الرَّقِيقِ أَوْ وَخْشِهِ وَلَا تُصَدَّقُ هِيَ وَلَا هُوَ إذَا أَنْكَرَ أَوْ أَنْكَرَتْ الْوَطْءَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ السَّابِي إذَا غَابَ وَيُمْكِنُ إدْخَالُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إنْشَاءً أَوْ تَمَامًا. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ خُرُوجًا] أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَمَلَتْ مِنْ زِنًا أَوْ اغْتِصَابٍ، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى هَذَا بِأَمَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ فِي أَمَتِهِ وَيُزَادُ قَيْدٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، أَيْ وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا وَإِلَّا وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا لِسُوءِ الظَّنِّ. وَكَذَا مَنْ اشْتَرَى أَمَةً مَمْلُوكَةً لِشَخْصٍ غَائِبٍ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا أَوْ لِشَخْصٍ مَجْبُوبٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مُحْرِمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ [قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يُغَابُ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُتَبَاعِدًا أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ لِمَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِحَيْثُ لَا يُغَابُ عَلَيْهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ إلَيْهِ أَيْ إلَى كَوْنِهِ يُوطَأُ مِثْلُهَا [قَوْلُهُ: الْأَحْسَنُ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَيْعِ الشِّرَاءَ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ أُمِنَ حَمْلُهَا أَمْ لَا] أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَخْ] أَيْ وَيَتَبَيَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَكْتَفِي فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأَمَةُ الْيَائِسَةُ] أَيْ وَاَلَّتِي تَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا عَنْ عَادَتِهَا بِلَا سَبَبٍ أَوْ بِسَبَبِ رَضَاعٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ اُسْتُحِيضَتْ وَلَمْ تُمَيِّزْ، فَإِنَّهَا تَمْكُثُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ وَيَنْظُرُ لَهَا النِّسَاءُ، وَلَوْ وَاحِدَةً، فَإِنْ لَمْ تَرْتَبْ حَلَّتْ، وَإِنْ ارْتَابَتْ بِحِسِّ بَطْنٍ فَتَمْكُثُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ زَالَتْ الرِّيبَةُ حَلَّتْ وَإِلَّا مَكَثَتْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ [قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تُوطَأُ] أَيْ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، وَلَوْ وُطِئَتْ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: كَبِنْتِ سِتِّ سِنِينَ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَوْ سَبْعٍ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ

[نفقة المطلقة]

(وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا) بِشَيْءٍ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوَطْءِ كَالْقُبْلَةِ (حَتَّى تَضَعَ) الْحَمْلَ كُلَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ مِنْ زِنًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ حَلَّ لَهُ مِنْهَا مَا عَدَا الْوَطْءَ وَأَمَّا الْوَطْءُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ دَمِ النِّفَاسِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي الْبَابِ فَقَالَ: (وَالسُّكْنَى) وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ (لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولًا بِهَا) يُوطَأُ مِثْلُهَا حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدَةً، أَوْ أَكْثَرَ رَجْعِيًّا، أَوْ بَائِنًا، وَلَوْ خُلْعًا، وَتَقْيِيدُنَا الزَّوْجَ بِمَا إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَتَأَتَّ مِنْهُ الْوَطْءُ، فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لِزَوْجَتِهِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْحَيْضِ، أَوْ بِالْأَشْهُرِ وَبِمَنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا احْتِرَازًا مِمَّنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا إذْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي الطَّلَاقِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهَا (وَلَا نَفَقَةَ) لِلْمُطَلَّقَةِ (إلَّا لِلَّتِي طَلُقَتْ) طَلَاقًا (دُونَ الثَّلَاثِ) وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ (وَلِلْحَامِلِ) الَّتِي طَلُقَتْ سَوَاءٌ (كَانَتْ مُطَلَّقَةً) طَلْقَةً (وَاحِدَةً) ، أَوْ اثْنَتَيْنِ (أَوْ ثَلَاثًا) وَتَقْيِيدُهُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لِلْأُولَى بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِمَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا احْتِرَازًا مِنْ الْخُلْعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُخْتَلِعَةِ إلَّا فِي الْحَمْلِ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُلَاعِنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) أَمَّا الْأُولَى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْهَبِ] وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَحْرُمُ مِنْ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا، وَالْمَسْبِيَّةِ إلَّا الْوَطْءُ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْوَطْءُ] ، وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ، وَالرُّكْبَةِ. تَنْبِيهٌ: الْمَزْنِيُّ بِهَا، وَالْمُغْتَصَبَةُ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ سَيِّدِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَا عَلَى سَيِّدِهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، وَلَوْ وَطْءً. نَعَمْ يُكْرَهُ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَالسُّكْنَى لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ] كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَنَقَدَ كِرَاءَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ، وَكَذَلِكَ لِلْمَحْبُوسَةِ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ السُّكْنَى فَتَدْخُلُ الْمَحْبُوسَةُ بِزِنًا غَيْرَ عَالِمَةٍ، وَكَمُغْتَصَبَةٍ أَوْ فَسْخِ نِكَاحِهِ الْفَاسِدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ لِعَانٍ. وَلَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْفَاسِدِ، وَنَحْوَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتٍ مِنْ الْحَبْسِ بِسَبَبِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيَّةً] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كِتَابِيَّةً [قَوْلُهُ: رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا] لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَائِنِ يَسْتَمِرُّ الْمَسْكَنُ، وَكَذَا فِي الرَّجْعِيِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَفَّى عَنْهَا بِدَلِيلِ انْتِقَالِهَا أَيْ الرَّجْعِيَّةِ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ خُلْعًا] بَالَغَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا لِمَا بَذَلَتْهُ مِنْ الْمَالِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَتَأَتَّ إلَخْ] أَيْ كَالْمَجْبُوبِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ] أَيْ إنْ لَوْ طُلِبَتْ مِنْهَا [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِمَّنْ لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا] ، وَلَوْ وُطِئَتْ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهَا] أَيْ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَحَاصِلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ فَلَهَا السُّكْنَى. [نَفَقَة الْمُطَلَّقَة] [قَوْلُهُ: وَلَا نَفَقَةَ إلَّا الَّتِي إلَخْ] يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ دُونَ الْبَائِنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ فِي حُكْمِ الزَّوْجَةِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ النَّفَقَةُ وَجَبَتْ الْكِسْوَةُ. [قَوْلُهُ: وَلِلْحَامِلِ إلَخْ] لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ نَفَقَةِ الْحَامِلِ كَوْنُ الزَّوْجِ حُرًّا، وَالزَّوْجَةِ حُرَّةً لَا إنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ النَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ رِقٌّ لَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً، وَالزَّوْجُ حُرًّا لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ فَيَلْزَمُ أَبَاهُ إرْضَاعُهُ وَنَفَقَتُهُ إلَّا أَنْ يَعْدَمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ، فَعَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ سَيِّدَهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ [قَوْلُهُ: لِلْمُخْتَلِعَةِ] لَا مَفْهُومَ لَهَا بَلْ كُلُّ مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا لَا نَفَقَةَ لَهَا مَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْحَمْلِ] أَيْ اللَّاحِقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَالَعَهَا عَلَى إسْقَاطِهَا فَتَسْقُطُ [قَوْلُهُ: وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُلَاعِنَةِ] كَانَ اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْحَمْلِ أَوْ بِرُؤْيَةِ الزِّنَا غَيْرَ ظَاهِرَةِ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ مُؤَبِّدُ التَّحْرِيمِ، وَالْحَمْلَ مَنْفِيٌّ عَنْ أَبِيهِ فَإِنْ

الثَّانِيَةُ فَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ مُؤَبَّدُ التَّحْرِيمِ، وَالْحَمْلُ مَنْفِيٌّ عَنْ أَبِيهِ بِاللِّعَانِ، وَاقْتَضَى كَلَامُهُ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى، وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا نَفَقَةَ) وَلَا كِسْوَةَ (لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ وَفَاةٍ) سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَمْ لَا صَغِيرَةً كَانَتْ، أَوْ كَبِيرَةً دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً؛ لِأَنَّهُ بِمَوْتِ الزَّوْجِ صَارَ الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ (وَلَهَا) أَيْ وَلِلْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ (السُّكْنَى إنْ كَانَتْ) مَدْخُولًا بِهَا وَكَانَتْ (الدَّارُ لِلْمَيِّتِ، أَوْ) كَانَ الْمَيِّتُ (قَدْ) اكْتَرَاهَا وَ (نَقَدَ كِرَاءَهَا) وَقَيَّدْنَا بِمَدْخُولٍ بِهَا احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْكَنَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَاحْتَرَزَ بِنَقْدِ كِرَاءَهَا مِمَّا إذَا اكْتَرَاهَا وَلَمْ يَنْقُدْ كِرَاءَهَا فَإِنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا (وَلَا تَخْرُجُ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ بَيْتِهَا) خُرُوجَ نُقْلَةٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُعْتَدَّةً (فِي طَلَاقٍ، أَوْ وَفَاةٍ حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ) وَقَيَّدْنَا بِخُرُوجِ نُقْلَةٍ احْتِرَازًا مِنْ خُرُوجِهَا فِي تَصَرُّفِ حَوَائِجَهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ لَكِنْ لَا تَبِيتُ إلَّا فِي بَيْتِهَا، وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ، ثَمَّ ضَرُورَةٍ كَخَوْفِ سُقُوطِ الدَّارِ، أَوْ اللُّصُوصِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ، وَلَوْ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ، أَوْ لَهَا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا (إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَلْحَقَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ. إنْ كَانَ مُوسِرًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ الطَّلَاقَ بَائِنٌ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ فِيهِ طَلَاقٌ لَا فَسْخٌ [قَوْلُهُ: مُؤَبِّدُ التَّحْرِيمِ] ذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْبَيْنُونَةِ يُسْقِطُ النَّفَقَةَ وَقَوْلُهُ: مُؤَبِّدُ بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَمْلُ مَنْفِيٌّ عَنْ أَبِيهِ أَيْ فَكَمَا لَا نَفَقَةَ لَهَا مِنْ حَيْثُ الْبَيْنُونَةُ، كَذَلِكَ لَا نَفَقَةَ لِحَمْلِهَا لِنَفْيِهِ عَنْ أَبِيهِ بِاللِّعَانِ [قَوْلُهُ: وَاقْتَضَى كَلَامُهُ] أَيْ مِنْ حَيْثُ اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ النَّفَقَةِ [قَوْلُهُ: وَالْحَمْلُ مَنْفِيٌّ عَنْ أَبِيهِ] أَشْعَرَ هَذَا أَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا لِرُؤْيَةِ الزِّنَا وَهِيَ حَامِلٌ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَقَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ لَا سُكْنَى لَهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ رُشْدٍ لِانْقِطَاعِ الزَّوْجِيَّةِ وَأَسْبَابِهَا [قَوْلُهُ: وَلَا كِسْوَةَ] وَتَرَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا كِسْوَةَ لَهَا لِدُخُولِهَا فِي مَفْهُومِ النَّفَقَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا [قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الدَّارُ لِلْمَيِّتِ إلَخْ] وَهِيَ أَحَقُّ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَالْغُرَمَاءِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَسْكَنَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ] أَيْ لِقَصْدِ الدُّخُولِ بِهَا، وَإِنْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَأَمَّا إذَا أَسْكَنَهَا لِيَحْفَظَهَا عَمَّا يُكْرَهُ فِيهَا السُّكْنَى حَيْثُ كَانَتْ مُطِيقَةً وَإِلَّا فَلَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَهَا السُّكْنَى بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْكَنَهَا مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ لِقَصْدِ الدُّخُولِ مُطْلَقًا أَوْ لِيَحْفَظَهَا عَمَّا يُكْرَهُ حَيْثُ كَانَتْ مُطِيقَةً وَإِلَّا فَلَا [قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا اكْتَرَاهَا وَلَمْ يَنْقُدْ كِرَاءَهَا] فَلَا سُكْنَى لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ لَهَا سُكْنَى إذَا كَانَتْ وَجِيبَةً وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُشَاهَرَةً فَلَا سُكْنَى لَهَا، وَهَذَا حَيْثُ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا بَائِنًا فَلَهَا السُّكْنَى مُطْلَقًا وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً نَقَدَ كِرَاءَهُ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا] بَلْ، وَلَوْ نَقَلَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَاتُّهِمَ عَلَى النَّقْلِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ، أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَإِنْ بِشَرْطٍ فِي إجَارَةِ رَضَاعٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَتَفْسَخُ الْإِجَارَةَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُ الطِّفْلِ بِإِرْضَاعِهَا فِي مَحِلِّهَا [قَوْلُهُ: خُرُوجَ نُقْلَةٍ] بِضَمِّ النُّونِ الِانْتِقَالُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ [قَوْلُهُ: فِي تَصَرُّفِ حَوَائِجِهَا] الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ مِنْ خُرُوجِهَا لِأَجْلِ تَصَرُّفِهَا فِي حَوَائِجِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ] أَيْ لَكِنْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُونَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، فَفِي الْأَمْصَارِ وَسَطَ النَّهَارِ وَفِي غَيْرِهَا طَرَفَيْ النَّهَارِ، فَلَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا قَهْرًا عَلَيْهَا، وَلَوْ بِالْأَدَبِ. [قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجُ، وَلَوْ لِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ] فَلَوْ خَرَجَتْ لَهَا وَبَلَغَهَا مَوْتُ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقُهَا رَجَعَتْ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، وَوَجَدَتْ ثِقَةً تَرْجِعُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَتْ تُدْرِكُ شَيْئًا مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهَا مَا لَمْ تُحْرِمْ، فَإِنْ أَحْرَمَتْ فَلَا تَرْجِعُ لَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ الْوَضْعِ بِحَيْثُ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا إنْ رَجَعَتْ، وَأَمَّا فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْقُرْبِ كَالْخُرُوجِ لِرِبَاطٍ أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ فَتَرْجِعُ، وَلَوْ وَصَلَتْ بَلْ، وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا نِصْفَ سَنَةٍ. وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ فَبَلَغَهَا الْمَوْتُ أَوْ الطَّلَاقُ فِي أَثْنَاءِ

[أحكام الرضاعة]

أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ) الَّتِي انْقَضَتْ مُدَّةُ كِرَائِهَا (وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ كِرَاءَ الْمِثْلِ) مِثْلُ أَنْ تَكُونَ بِأَرْبَعَةٍ وَيَزِيدَ دِرْهَمَيْنِ فَلَوْ زَادَ دِرْهَمًا كَانَ مِمَّا يُشْبِهُ؛ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ رَبَّ الدَّارِ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يَكُونُ لَهُ إخْرَاجُهَا إذَا زَادَ غَيْرُهُ فِي الْمَسْكَنِ وَطَالَبَهَا بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَأَبَتْ، وَأَمَّا إذَا رَضِيَتْ بِهَا فَلَا مَقَالَ لَهُ فَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِهَا (فَلْتَخْرُجْ) (وَ) إذَا خَرَجَتْ فَإِنَّهَا (تُقِيمُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ) وَيَصِيرُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ فَيَلْزَمُهَا فِيهِ مَا كَانَ يَلْزَمُهَا فِي الْأَوَّلِ (حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى رَضَاعِ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا فَقَالَ: (وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَ (وَلَدَهَا) إذَا كَانَتْ (فِي الْعِصْمَةِ) أَيْ عِصْمَةِ أَبِيهِ، أَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَلَيْسَ لَهَا أَجْرٌ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَمْصَارِ جَارٍ عَلَى أَنَّ الْأُمَّهَاتِ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ أُجْرَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَكْثَرُهُ حَوْلَانِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا تُرْضِعُ) لِعُلُوِّ قَدْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ الصَّبِيُّ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ كَانَ الْأَبُ مَلِيًّا، أَوْ مُعْدَمًا، أَوْ يَقْبَلُ غَيْرَهَا. إلَّا أَنَّ الْأَبَ فَقِيرٌ، أَوْ مَيِّتٌ، وَالْوَلَدَ فَقِيرٌ وَأَنَّثَ الْفِعْلَ نَظَرًا لِلْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرِيقِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الِاعْتِدَادِ بِأَيِّ مَحِلٍّ شَاءَتْ أَقْرَبُهُمَا أَوْ أَبْعَدُهُمَا [قَوْلُهُ: الَّتِي انْقَضَتْ مُدَّةُ كِرَائِهَا] أَيْ أَوْ انْقَضَتْ الْعَارِيَّةُ الْمَحْدُودَةُ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ تَكُونَ إلَخْ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ كِرَاءَ الْمِثْلِ، أَيْ بَلْ طَلَبَ أَزْيَدَ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مُكْتَرَاةً بِأَرْبَعَةٍ وَهِيَ كِرَاءُ الْمِثْلِ، وَيُرِيدُ زِيَادَةَ دِرْهَمَيْنِ فَهَذَا لَا يُشْبِهُ كِرَاءَ الْمِثْلِ. وَأَمَّا إذَا أَرَادَ زِيَادَةَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ خَمْسَةً، فَإِنَّهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كِرَاءَ الْمِثْلِ إلَّا إنَّهَا تُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، فَقَوْلُهُ: وَيَزِيدَ دِرْهَمَيْنِ أَيْ فَيَكُونُ الزَّائِدُ مَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ أَنْ لَوْ ضَمَّ ذَلِكَ إلَى الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ زَادَ دِرْهَمًا كَانَ مِمَّا يُشْبِهُ أَيْ فَيَكُونُ مَا حَصَلَ بِهِ الشَّبَهُ مَا كَانَ قَدْرَ الْخَمْسِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ هَذَا إلَخْ] هَذَا كَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ نَسَبَهُ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: إنَّمَا يَكُونُ لَهُ إخْرَاجُهَا] ظَاهِرُ هَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُسَاوِيَةً لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ تُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، أَوْ لَا تُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ مُكْتَرَاةً بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ تُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ تَزِيدُ عَلَى مَا يُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ مُكْتَرَاةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ كَانَ الْحَالُ كَذَلِكَ، فِيمَا إذَا كَانَتْ مُكْتَرَاةً بِمَا يُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ لَا مَكَانَ أَنْ تَكُونَ مُكْتَرَاةً بِمَا يُشْبِهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَيَزِيدُ زِيَادَةً يَكُونُ الْكِرَاءُ مِمَّا يُشْبِهُ أَيْضًا أَوْ يَزِيدُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فِي الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا ذَلِكَ الْمَزِيدُ، إذَا كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ كِرَاءُ الْمِثْلِ أَوْ مَا يُشْبِهُ وَأَمَّا إنْ حَصَلَ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ فَإِنْ رَضِيَ مِنْهَا بِكِرَاءِ الْمِثْلِ أَوْ مَا يُشْبِهُ، لَزِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا إلَّا بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا، وَإِلَّا فَلَهُ إخْرَاجُهَا وَيُقَالُ فِي الثَّانِي: إنَّهُ إذَا زَادَ مَا يُشْبِهُ لَزِمَهَا، وَإِنْ زَادَ مَا لَا يُشْبِهُ وَرَضِيَ مِنْهَا بِمَا يُشْبِهُ لَزِمَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا يَخْرُجُ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ لَهُ إخْرَاجُهَا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْقِسَمِ الثَّالِثِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَرِّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا كَانَ زَادَ عَلَى مَا يُشْبِهُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ إخْرَاجَهَا، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ وَلَمْ تَرْضَ بِذَلِكَ الزَّائِدِ، وَأَمَّا لَوْ قَبِلَ مِنْهَا مَا يُشْبِهُ لَزِمَهَا أَوْ رَضِيَتْ بِالْمَزِيدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ إخْرَاجُهَا [أَحْكَام الرَّضَاعَة] قَوْلُهُ وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُرْضِعَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَانٌ فَإِنَّهَا تَسْتَأْجِرُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهَا وَلَا يَكْفِي الطِّفْلَ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ انْقَطَعَ لَبَنُهَا أَوْ حَمَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ مَجَّانًا، فَعَلَيْهَا خُلْفُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَمِنْ مَالِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الِابْنِ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحِلِّ [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا] سَيَأْتِي مَفْهُومُهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ] أَيْ وَلَهَا الْأَجْرُ مِنْ مَالِ الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ مَالِ الِابْنِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَانَ الْأَبُ مَلِيًّا وَحِينَئِذٍ تَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الْأَبِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُعْدَمًا وَحِينَئِذٍ تَأْخُذُ مِنْ مَالِ الِابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَا شَيْءَ لَهَا [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْأَبَ فَقِيرٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَيِّتٌ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَقِيرٌ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ، وَقَوْلُهُ، وَالْوَلَدُ فَقِيرٌ رَاجِعٌ

[أحكام الحضانة]

(وَالْمُطَلَّقَةُ) طَلَاقًا بَائِنًا، أَوْ رَجْعِيًّا وَخَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ (رَضَاعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ أَجْرَ رَضَاعِهَا إنْ شَاءَتْ) ، وَإِنْ لَمْ تَشَأْ لَمْ تَأْخُذْ، وَهَذَا التَّخْيِيرُ ثَابِتٌ لَهَا إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَيُقْضَى لَهَا حِينَئِذٍ بِهِ إذَا قَالَ الزَّوْجُ عِنْدِي مَنْ تُرْضِعُهُ بِلَا شَيْءٍ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، أَمَّا إذَا طَلَبَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَالْخِيَارُ لِلزَّوْجِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، أَوْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرَّضَاعَ حَقٌّ لَهَا لَا عَلَيْهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِلْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا مِنْهَا أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آخِرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ الْحَضَانَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَهُوَ الْجَذْبُ، كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَنْبِهَا، وَهِيَ فِي الشَّرْعِ الْكَفَالَةُ، وَالتَّرْبِيَةُ، وَالْقِيَامُ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْمَحْضُونِ وَمَصَالِحِهِ، وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا يَحِلُّ أَنْ يُتْرَكَ الطِّفْلُ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ فَإِذَا قَامَ بِهِ قَائِمٌ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَلَا يَتَعَيَّنُ إلَّا عَلَى الْأَبِ، أَوْ عَلَى الْأُمِّ فِي حَوْلَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلطَّرَفَيْنِ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تُرْضِعَ وَإِلَّا اسْتَأْجَرَتْ، وَقَوْلُنَا: الْأَبُ فَقِيرٌ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ إذْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا حَيًّا وَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَ فَلَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: عِنْدِي مَنْ يُرْضِعُهُ مَجَّانًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا مَيِّتًا فَقَدْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فَإِنْ مَاتَ مَلِيًّا أُخِذَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ مَالُهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ مُعْدِمًا وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ فَمِنْهُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَنَّثَ الْفِعْلَ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا تُرْضِعُ بِالتَّاءِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْفَاكِهَانِيِّ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ لَكَانَتْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ [قَوْلُهُ: وَلِلْمُطَلَّقَةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا] أَيْ بِالْأُجْرَةِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَبِيهِ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى أَبِيهِ [قَوْلُهُ: وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ] ظَاهِرُ تَقْرِيرِ شَارِحِنَا أَنَّ هَذِهِ فِي الْمُطَلَّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَكُونَ ضَرُورِيَّ الذِّكْرِ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى أَبِيهِ إلَّا لِكَوْنِهِ تَصْرِيحًا بِالتَّخْيِيرِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى شَرِيفَةِ الْقَدْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ تَكْرَارًا، فَقَالَ وَلَهَا أَيْ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ لِعُلُوِّ قَدْرِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَدَهَا وَتَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا مِنْ أَبِيهِ إنْ شَاءَتْ، وَلَوْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا فِي الْعِصْمَةِ انْدَفَعَ تَكْرَارُ هَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْأُمِّ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ مِنْ شَرِيفَةِ قَدْرٍ أَوْ بَائِنٍ أَنْ تَرْجِعَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ [قَوْلُهُ: إنَّ الرَّضَاعَ حَقٌّ لَهَا لَا عَلَيْهَا] اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الرَّضَاعِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلْأُمِّ أَوْ عَلَى الْأُمِّ وَذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْأُمِّ، وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَعَلَى أَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ لَهَا، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْفِقْهِ أَنَّ لَهَا الْأُجْرَةَ فِي مَسَائِلَ وَلَا أُجْرَةَ لَهَا فِي أُخْرَى فَإِذَا كَانَ الْحَالُ كَذَلِكَ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ الْخِلَافُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يُقَالُ حَقٌّ عَلَيْهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ قَدْرٍ، وَحَقٌّ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا وَحَقٌّ عَلَيْهَا إذَا أَعْدَمَ الْأَبُ [أَحْكَام الْحَضَانَةُ] [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا] ، وَالْأَشْهَرُ الْفَتْحُ وَلِذَا قَدَّمَهُ [قَوْلُهُ: مَأْخُوذَةٌ إلَخْ] لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاشْتِقَاقَ؛ لِأَنَّ الْحِضْنَ بِالْكَسْرِ لَيْسَ مَصْدَرًا قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَذْبُ بِالْجِيمِ، وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ، وَالصَّوَابُ الْجَنْبُ، وَيُرَجِّحُ ذَلِكَ قَوْلُ التَّنْبِيهِ: الْحَضَانَةُ مَصْدَرُ حَضَنْت الصَّبِيَّ حَضَانَةً تَحَمَّلْت مُؤْنَتَهُ وَتَرْبِيَتَهُ، وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّاعِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَجَمْعُهَا أَحْضَانٌ وَهُوَ الْجَنْبُ كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَانِبِهَا، وَهُوَ مَا تَحْتَ الْإِبْطِ إلَى الْكَشْحِ وَهُوَ الْخَصْرُ اهـ. [قَوْلُهُ: كَأَنَّهَا تَضُمُّهُ إلَى جَنْبِهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمَّ مُحَقَّقٌ عُرْفًا فَالتَّعْبِيرُ بِكَأَنَّ غَيْرُ مُنَاسِبٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّعْبِيرُ بِهِ نَظَرًا إلَى الْعَقْلِ أَوْ أَنَّهَا لِلتَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الشَّرْعِ الْكَفَالَةُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ مَعْنًى لُغَوِيٌّ لِلْحَضَّانَةِ، وَإِذَا نَظَرْت وَجَدْت الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ عَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَتَعْبِيرُهُ يُؤْذِنُ بِالْمُغَايَرَةِ [قَوْلُهُ: وَالتَّرْبِيَةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ، وَالْقِيَامُ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْمَحْضُونِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَخْ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِابْنِ رُشْدٍ [قَوْلُهُ: فَإِذَا قَامَ بِهِ] أَيْ بِالْكَفَالَةِ بِمَعْنَى الْقِيَامِ [قَوْلُهُ: سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ] كَمَا هُوَ شَأْنُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ زَادَ غَيْرُهُ فَإِذَا لَمْ يَقُومُوا بِهِ فَهُمْ عَاصُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

رَضَاعَةٍ، إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا مَالَ لَهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَكِنْ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا. ، وَالْحَضَانَةُ تَكُونُ فِي النِّسَاءِ وَفِي الرِّجَالِ، وَلَهَا شُرُوطٌ مُشْتَرَكَةٌ وَمُخْتَصَّةٌ فَالْمُشْتَرَكَةُ الْعَقْلُ وَأَلَّا يَكُونَ زَمِنًا وَلَا عَاجِزًا وَأَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُنْثَى، وَأَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا فِي دِينِهِ وَأَلَّا يَكُونَ بِهِ جُذَامٌ وَلَا بَرَصٌ مُضِرَّانِ وَأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ، وَالْمُخْتَصَّةُ بِالذَّكَرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْضُنُ الطِّفْلَ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ سُرِّيَّةٍ وَأَنْ يَكُونَ عَاصِبًا لَا غَيْرُهُ، إلَّا الْأَخُ لِلْأُمِّ، وَالْمُخْتَصُّ بِالْأُنْثَى أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَحْضُونِ دَخَلَ بِهَا وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ عَلَيْهِ فَبِنْتُ الْخَالَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُعَاقَبُونَ عَلَى فِعْلِهِمْ اهـ. [قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى الْأَبِ] أَيْ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: فِي حَوْلَيْ رَضَاعِهِ] ظَاهِرٌ فِي رُجُوعِهِ لِلْأُمِّ وَسَكَتَ عَنْهُ فِي جَانِبِ الْأَبِ، وَالظَّاهِرُ لَا فَرْقَ [قَوْلُهُ: وَلَا مَالَ لَهُ] يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْأَبِ وَيَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الطِّفْلِ هَذَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، وَمُقْتَضَى مَا بَعْدَهُ تَرْجِيحُ الثَّانِي أَفَادَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا] أَيْ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا أَبَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ قَالَ عج، ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الْحَضَانَةَ تَتَعَيَّنُ عَلَى الْأَبِ وَعَلَى الْأُمِّ بِشَرْطِهَا لَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْمَحْضُونِ وَلَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْحَاضِنِ، إذْ عَلَى الْأَوَّلِ يَسْتَوِي الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ وَعَلَى الثَّانِي يَسْتَوِي الْجَمِيعُ أَيْضًا، فِي الْحُكْمِ قُلْت لَعَلَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبِ، وَالْأُمِّ بِشَرْطِهَا ثُمَّ إنَّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي وُجُوبِ الْحَضَانَةِ عَلَى الْأُمِّ غَيْرُ التَّفْصِيلِ فِي وُجُوبِ الرَّضَاعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ يُفِيدُ اخْتِلَافَ الرَّضَاعِ، وَالْحَضَانَةِ اهـ. أَقُولُ بَعْدَ هَذَا فَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَالْحَضَانَةُ تَكُونُ فِي النِّسَاءِ، وَالرِّجَالِ الْمُبَيِّنُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ تَقْدِيمِ الْأُمِّ وَتَأْخِيرِ الْأَبِ بَعْدُ، وَأَنَّهَا تَسْتَمِرُّ فِي حَقِّ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَفِي حَقِّ الْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا الزَّوْجُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَائِدٌ عَلَيْهَا لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنَى الْإِرْضَاعِ، وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَبِ أَيْ فِي صُوَرِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَيْ أَوْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَهِيَ غَيْرُ شَرِيفَةٍ فَتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ. [قَوْلُهُ: فَالْمُشْتَرَكَةُ الْعَقْلُ] فَالْمَجْنُونُ، وَلَوْ غَيْرَ مُطْبَقٍ لَا حَضَانَةَ لَهُ، وَكَذَا مَنْ بِهِ طَيْشٌ [قَوْلُهُ: وَلَا عَاجِزًا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ هَذَا: وَالْكَفَاءَةُ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْمَحْضُونِ، فَالزَّمِنُ، وَالْمُسِنُّ، وَالْأَعْمَى، وَالْأَخْرَسُ، وَالْأَصَمُّ لَا حَضَانَةَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ مَنْ يَحْضُنُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ حِرْزًا إلَخْ] أَيْ إمَّا مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَضَانَةِ فِي مُطِيقَةِ أَوْ مِنْ إطَاقَتِهَا بَعْدَ مُدَّةٍ فَيُشْتَرَطُ حِرْزٌ مَكَانَهَا حِينَئِذٍ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ، وَالْمَالِ فَلَا يُخْشَى سَرِقَةُ مَالِهَا. وَمِثْلُ الْأُنْثَى الذَّكَرُ إذَا كَانَ يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا فِي دِينِهِ] لَا إنْ كَانَ شِرِّيبًا يَذْهَبُ يَشْرَبُ وَيَتْرُكُ ابْنَتَهُ مَثَلًا يَدْخُلُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ [قَوْلُهُ: وَأَلَّا يَكُونَ بِهِ جُذَامٌ وَلَا بَرَصٌ مُضِرَّانِ] وَأَمَّا الْخَفِيفُ فَلَا يَمْنَعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَلَّا تَقُومَ بِهِ الْعَاهَاتُ الْمُضِرَّةُ الَّتِي يُخْشَى حُدُوثُ مِثْلِهَا بِالْوَلَدِ، وَلَوْ جَرَبًا دَامِيًا وَحَكَّةً، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ قُصُورٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَرَبَ يُدْمِي، وَالْحَكَّةَ لَا تُدْمِي، وَلَوْ كَانَ بِالْمَحْضُونِ أَيْضًا إذْ قَدْ يَحْصُلُ بِانْضِمَامِهِمَا زِيَادَةٌ فِي جُذَامِ الْمَحْضُونِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا] أَيْ قَامَ بِهِ نَوْعٌ مِنْ الرُّشْدِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَالِغِ فِي أَنَّ لَهُ الْحَضَانَةَ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ قَدْ يَكُونُ لَهُ حِفْظٌ، وَيَكُونُ مَنْ يَحْضُنُهُ يَحْضُنُ مَعَهُ الْمَحْضُونَ الصَّغِيرَ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الْقَسْوَةِ فَمَنْ عُلِمَ مِنْهُ قِلَّةُ الْحَنَانِ، وَالشَّفَقَةِ إمَّا لِطَبْعِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْ الْمَحْضُونِ قُدِّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ] . وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْحَضَانَةُ مِنْ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنَّهَا تُمْنَعُ أَنْ تُغَذِّيَ الطِّفْلَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ [قَوْلُهُ: مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ] أَيْ مِنْ زَوْجَةٍ مُسْتَوْفَاةٍ لِشُرُوطِ الْحَاضِنِ أَوْ سُرِّيَّةٍ أَوْ أَمَةِ خِدْمَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ كَذَلِكَ أَوْ مُتَبَرِّعَةٍ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً مِنْ زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ إلَخْ] إنَّمَا سَقَطَ حَقُّهَا حَيْثُ تَزَوَّجَتْ لِاشْتِغَالِهَا بِالزَّوْجِ عَنْ الطِّفْلِ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي السُّقُوطِ الدُّخُولُ إذْ قَبْلَهُ لَمْ يَحْصُلْ اشْتِغَالٌ عَنْ الْوَلَدِ، فَلَيْسَ الدَّعْوَى لِلدُّخُولِ كَالدُّخُولِ وَمَحِلُّ السُّقُوطِ بِالدُّخُولِ، وَالِانْتِقَالِ لِمَنْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَعْلَمْ بِالدُّخُولِ وَبِالْحُكْمِ، وَيَسْكُتُ الْعَامَ وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ حَضَانَتُهَا

وَنَحْوُهَا لَا حَضَانَةَ لَهَا. (وَالْحَضَانَةُ) حَقٌّ (لِلْأُمِّ) حُرَّةً كَانَتْ، أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً رَشِيدَةً، أَوْ سَفِيهَةً (بَعْدَ الطَّلَاقِ) وَبَعْدَ الْوَفَاةِ مَا لَمْ تُسْقِطْهَا (إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ) أَيْ إنْزَالِهِ فِي النَّوْمِ لِرُؤْيَةِ جِمَاعٍ، أَوْ غَيْرِهِ (وَ) إلَى (نِكَاحِ الْأُنْثَى) بِمَعْنَى الْعَقْدِ عَلَيْهَا (وَدُخُولٍ بِهَا) ق ظَاهِرُ قَوْلِهِ إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ سَوَاءٌ كَانَ زَمِنًا أَمْ لَا وَقَالَ فِيمَا يَأْتِي وَلَا زَمَانَةَ بِهِمْ فَهَلْ يُحْمَلُ هَذَا عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا (وَذَلِكَ) أَيْ الْحَضَانَةُ تَنْتَقِلُ (بَعْدَ الْأُمِّ إنْ مَاتَتْ، أَوْ نَكَحَتْ) أَجْنَبِيًّا مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ وَدَخَلَ بِهَا (لِلْجَدَّةِ) أُمِّ الْأُمِّ ثُمَّ جَدَّةِ الْأُمِّ، وَإِنْ بَعُدَتْ. قَالَهُ ابْنُ رَشِيقٍ وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا الْحَضَانَةَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالطِّفْلِ فِي مَسْكَنٍ غَيْرِ مَسْكَنِ الْأُمِّ الَّتِي سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا (ثُمَّ) بَعْدَ جَدَّةِ الْأُمِّ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ (لِلْخَالَةِ) أَيْ خَالَةِ الطِّفْلِ أُخْتِ أُمِّهِ الشَّقِيقَةِ ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ الْخَالَةِ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِخَالَةِ خَالَةِ الطِّفْلِ، وَهِيَ أُخْتُ جَدَّةِ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا لِلْجَدَّةِ الَّتِي لِلْأَبِ أَيْ أُمِّ الْأَبِ ثُمَّ جَدَّةِ الْأَبِ لِأَبِيهِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَضَانَةٌ كَخَالِهِ وَتَزَوَّجَ بِالْحَضَانَةِ غَيْرَ الْأُمِّ، أَوْ كَانَ وَلِيًّا لِلْمَحْضُونِ كَابْنِ عَمِّهِ أَوْ كَانَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ الْحَاضِنَةِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَ مَنْ تَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ، وَإِلَّا اسْتَمَرَّتْ الْحَضَانَةُ لِذَاتِ الزَّوْجِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُبَاشَرَةِ فَمَنْ اتَّصَفَ بِضِدِّهَا سَقَطَ حَقُّهُ جُمْلَةً، إلَّا الْقُدْرَةَ فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ فَالْحَاضِنُ الْمُسِنُّ لَوْ طَلَبَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحْضُنُ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمَةً عَلَيْهِ] فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَحِمٍ وَلَمْ تَكُنْ مَحْرَمَةً عَلَيْهِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَحِمٍ لَهُ كَالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ بِالصُّهَارَةِ أَوْ الرَّضَاعِ [قَوْلُهُ: أَوْ سَفِيهَةً] هَذَا مُرُورٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ أَوَّلًا. وَأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا مُرُورٌ عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ الرُّشْدِ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَرُشْدٌ وَضَعَّفَ اللَّقَانِيُّ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ وَاعْتَمَدَ مَا لِابْنِ عَرَفَةَ [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُسْقِطْهَا] مَحِلُّ الْإِسْقَاطِ مَا عَدَا الصُّورَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَهُمَا إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَا مَالَ لِلْوَلَدِ أَوْ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْهَا ثُمَّ طَلَبَتْهَا فَلَا تَرْجِعُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: الذَّكَرِ] أَيْ الْمُحَقَّقِ فَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ تَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا، وَالْمَدَارُ عَلَى عَلَامَةِ الْبُلُوغِ بِغَيْرِ الْإِنْبَاتِ، فَلَا يُعْتَبَرُ هُنَا الْبُلُوغُ بِالْإِنْبَاتِ لِلْخِلَافِ فِيهِ [قَوْلُهُ: وَإِلَى نِكَاحِ الْأُنْثَى إلَخْ] وَلَا يَكْفِي الدَّعْوَةُ لِلدُّخُولِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الدُّخُولِ، وَإِنْ صَغِيرَيْنِ وَاسْتَمَرَّتْ نَفَقَتُهَا عَلَى أَبِيهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ سَقَطَتْ بِالتَّزْوِيجِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ فَفُسِخَ فَتَعُودُ الْحَضَانَةُ. [قَوْلُهُ: فَهَلْ يُحْمَلُ إلَخْ] لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَوْ بَلَغَ، وَلَوْ زَمِنًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ أَوْ مَجْنُونًا سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْأُمِّ [قَوْلُهُ: أَوْ نَكَحَتْ أَجْنَبِيًّا مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ] أَيْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ تَزَوَّجَتْ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ مِمَّنْ لَهُ الْحَضَانَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَحْرَمًا عَلَيْهِ كَالْعَمِّ، وَالْجَدِّ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ عَلَيْهِ كَابْنِ الْعَمِّ أَوْ مِمَّنْ لَا حَضَانَةَ لَهُ وَهُوَ مَحْرَمٌ عَلَيْهِ، كَالْخَالِ، وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَجْنَبِيًّا [قَوْلُهُ: لِلْجَدَّةِ أُمِّ الْأُمِّ] فِي كَلَامِهِ قُصُورٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ثُمَّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَيَشْمَلُ جِهَةَ الذُّكُورِ وَجِهَةَ الْإِنَاثِ، لَكِنَّ جِهَةَ الْإِنَاثِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الذُّكُورِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَنْفَرِدَ بِالطِّفْلِ] لَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْحَضَانَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى عَنْ الَّتِي سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا [قَوْلُهُ: ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ] أَيْ فَهِيَ بَعْدَ الَّتِي لِلْأُمِّ وَرَجَّحَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ، أَنْ لَا حَضَانَةَ لِلْخَالَةِ أُخْتِ الْأُمِّ مِنْ الْأَبِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ أُخْتُ جَدَّةِ الطِّفْلِ لِأُمِّهِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْخَالَةَ الَّتِي خَالَتُهَا حَاضِنَةٌ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أُخْتَ الْأُمِّ شَقِيقَةً أَوْ لِأُمٍّ لَا لِأَبٍ؛ لِأَنَّ خَالَتَهَا أَجْنَبِيَّةٌ مِنْ الْمَحْضُونِ فَلَا تَسْتَحِقُّ حَضَانَةً [قَوْلُهُ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا إلَخْ] أَسْقَطَ الشَّارِحُ مَرْتَبَةً قَبْلَ الْجَدَّةِ وَهِيَ عَمَّةُ الْأُمِّ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ عَمَّةِ الْأُمِّ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا الْجَدَّةُ [قَوْلُهُ: ثُمَّ جَدَّةِ الْأَبِ لِأَبِيهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ثُمَّ

ذَوِي رَحِمِ الْأُمِّ أَحَدٌ) مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَمِمَّنْ لَمْ نَذْكُرْ مِثْلُ خَالَةِ الْأُمِّ وَلَا مِنْ غَيْرِ ذَوِي رَحِمِ الْأُمِّ، وَهِيَ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ وَجَدَّةُ أَبِي الْأَبِ، (فَ) الْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ لِلْحَضَّانَةِ (الْأَخَوَاتُ) فَتُقَدَّمُ الشَّقِيقَةُ ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ. (وَ) يَلِي الْأَخَوَاتِ (الْعَمَّاتُ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ (فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا) صَوَابُهُ يَكُنَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِلْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ لَكِنْ ذَكَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ؛ التَّقْدِيرُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مَوْجُودًا، أَوْ كَانَ إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ لِمَانِعٍ (فَ) الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَضَانَةِ حِينَئِذٍ (الْعَصَبَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْأَبَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْعَمَّاتِ، وَالْأَخَوَاتِ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْأَبَ يَلِي جَدَّةَ الْأَبِ وَتَلِيهِ أُخْتُ الطِّفْلِ وَتَلِيهَا عَمَّتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ لَا حَضَانَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْعَصَبَةِ وَيَلِيهِ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُهُ، وَيُقَدَّمُ الشَّقِيقُ فِي الْجَمِيعِ ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّذِي لِلْأَبِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَوَجْهُ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْحَاضِنِينَ عَلَى بَعْضٍ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ قُوَّةُ الشَّفَقَةِ فِي الْمُقَدَّمِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّخْمِيُّ: لَوْ عُلِمَ مِمَّنْ قَدَّمْنَا قِلَّةُ الْحَنَانِ، وَالْعَطْفِ بِجَفَاءٍ، أَوْ قَسَاوَةٍ فِي الطَّبْعِ، أَوْ لِأَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَأَبِيهِ، وَعُلِمَ مِمَّنْ أَخَّرْنَاهُ الْحَنَانُ، وَالْعَطْفُ لَقُدِّمَ عَلَى مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْقَسَاوَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ فَيَشْمَلُ جِهَةَ الذُّكُورِ وَجِهَةَ الْإِنَاثِ، لَكِنَّ جِهَةَ الْإِنَاثِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى جِهَةِ الذُّكُورِ فَعَلَى هَذَا تَقَدَّمَ أُمُّ أُمِّ الْأُمِّ عَلَى أُمِّ الْجَدِّ خِلَافًا لِظَاهِرِ الشَّارِحِ [قَوْلُهُ: مِثْلُ خَالَةِ الْأُمِّ] أَيْ الَّتِي هِيَ أُمُّ الْخَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْجَدَّةُ لِلْأَبِ] أَيْ الْجَدَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ. وَقَوْلُهُ وَجَدَّةُ أَبِي الْأَبِ الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنْ يَقُولَ وَجَدَّةُ الْأَبِ [قَوْلُهُ: فَالْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ لِلْحَضَانَةِ الْأَخَوَاتُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَبُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخَوَاتِ [قَوْلُهُ: الْعَمَّاتُ] الْمُرَادُ عَمَّتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَمَّةُ أُخْتَ الْأَبِ أَوْ أُخْتَ أَبِي الْأَبِ، وَبَعْدَ الْعَمَّةِ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَهِيَ بَعْدَ عَمَّةِ الْأَبِ وَسَوَاءٌ أُخْتُ أُمِّ الْأَبِ أَوْ أُخْتُ أُمِّ أَبِيهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِنْتُ الْأَخِ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ثُمَّ بِنْتُ الْأُخْتِ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِلْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ رَاجِعٌ لِلْعَمَّاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ [قَوْلُهُ: عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ] أَيْ مِنْ كَوْنِ الشَّقِيقَةِ تُقَدَّمُ ثُمَّ الَّتِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّتِي لِلْأَبِ وَقَوْلُهُ لَا حَضَانَةَ لَهُ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْعَصَبَةِ] أَيْ فَبَعْدَ بِنْتِ الْأُخْتِ الْوَصِيُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى إنْ كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا، وَكَذَا أُنْثَى، وَالْوَصِيُّ ذَكَرًا، وَالْمَحْضُونَةُ لَا تُطِيقُ كَمُطِيقَةٍ إنْ تَزَوَّجَ الْوَصِيُّ بِأُمِّهَا أَوْ جَدَّتِهَا وَتَلَذَّذَ حَتَّى صَارَتْ مَحْرَمًا، وَإِلَّا فَلَا حَضَانَةَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِثْلُ الْوَصِيِّ وَصِيُّ الْوَصِيِّ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي [قَوْلُهُ: وَيَلِيهِ الْأَخُ] الشَّقِيقُ ثُمَّ الَّذِي لِلْأُمِّ ثُمَّ الَّذِي لِلْأَبِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ ابْنُهُ] أَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهُوَ الْجَدُّ فَالْجَدُّ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِهِ، وَهَلْ الْمُرَادُ هُنَا الْجَدُّ دِنْيّة أَيْ، وَإِنْ عَلَا احْتِمَالَانِ لِابْنِ رُشْدٍ رَاجِعْ تَحْقِيقَ الْمَبَانِي. [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعَمُّ] أَيْ عَمُّ الْمَحْضُونِ وَأَمَّا الْجَدُّ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ، ثُمَّ يَلِي مَرْتَبَةَ الْعَمِّ وَابْنِهِ الْمَوْلَى الْأَعْلَى وَهُوَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَصُورَتُهُ: إنْسَانٌ انْتَقَلَ إلَيْهِ حَضَانَةٌ وَهُوَ مَوْلَى أَعْلَى فَوُجِدَ قَدْ مَاتَ وَلَهُ عَتِيقٌ فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَنْتَقِلُ لِلْعَتِيقِ، وَانْظُرْ هَلْ لِعَصَبَةِ الْأَسْفَلِ نَسَبًا حَضَانَةٌ أَمْ لَا. تَنْبِيهٌ: إذَا حَصَلَ اتِّحَادٌ كَمُعْتَقَيْنِ وَعَمَّيْنِ مَثَلًا فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْوَى شَفَقَةً وَحَنَانًا عَلَى الْمَحْضُونِ، وَيُقَدَّمُ الْأَسَنُّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَالظَّاهِرُ الْقُرْعَةُ فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا صِيَانَةٌ وَفِي الْآخَرِ شَفَقَةٌ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ ذِي الشَّفَقَةِ. تَتِمَّةٌ: الَّذِي يَقْبِضُ نَفَقَةَ الْمَحْضُونِ الْحَاضِنُ قَهْرًا عَلَى الْأَبِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِالْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ بِالسَّعَةِ وَعَدَمِهَا، وَإِذَا ادَّعَى الْحَاضِنُ ضَيَاعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَالسُّكْنَى تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَأُجْرَةُ مَحِلِّ الْحَاضِنِ عَلَى أَبِي الْمَحْضُونِ وَلَا يَلْزَمُ الْحَاضِنَةَ شَيْءٌ وَلَا تَسْتَحِقُّ الْحَاضِنَةُ شَيْئًا لِأَجْلِ

[باب النفقة]

أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ مَا تَرْجَمَ لَهُ، وَهُوَ النَّفَقَةُ فَقَالَ: (وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ النَّفَقَةُ) مِنْ قُوتٍ وَإِدَامٍ وَكِسْوَةٍ وَنَفَقَةٍ وَمَسْكَنٍ (إلَّا عَلَى زَوْجَتِهِ) بِالْعَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا (سَوَاءٌ كَانَتْ غَنِيَّةً، أَوْ فَقِيرَةً) مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً حُرَّةً، أَوْ أَمَةً بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ مُمَكِّنَةً مِنْ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَادَةِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ طَلَبَتْ أَمَرَا زَائِدًا عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهَا، أَوْ طَلَبَ هُوَ أَنْقَصَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ (وَ) لَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا النَّفَقَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَضَانَتِهَا، لَا نَفَقَةً وَلَا أُجْرَةَ حَضَانَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ أُمَّ الْمَحْضُونِ وَهِيَ فَقِيرَةٌ، وَالْمَحْضُونُ مُوسِرٌ وَإِلَّا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ فِي مَالِهِ مِنْ حَيْثُ فَقْرُهَا، وَلَوْ لَمْ تَحْضُنْهُ [بَاب النَّفَقَة] [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ النَّفَقَةُ] أَيْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَحْرَارِ غَيْرِ الْأَقَارِبِ لِغَيْرِ اضْطِرَارٍ أَوْ الْتِزَامٍ [قَوْلُهُ: إلَّا عَلَى زَوْجَتِهِ] الَّتِي دَخَلَ بِهَا، وَلَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَرِيضَةً، وَلَوْ مُشْرِفَةً أَوْ الَّتِي دَعَتْهُ لِلدُّخُولِ بِهَا، وَهِيَ مُطِيقَةٌ لِوَطْئِهِ مَعَ بُلُوغِهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ بَالِغًا] وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ فَلَا تَجِبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ بَالِغَةً رَشِيدَةً فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ فَقَدْ سَلَّطَهُ وَلِيُّهَا عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطِيقَةً] هَذَا شَرْطٌ فِي الَّتِي دَعَتْهُ لِلدُّخُولِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُشْرِفًا. [قَوْلُهُ: مُمَكِّنَةً] أَيْ فَإِذَا أَطَاقَتْهُ لَكِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ فَإِذَا لَمْ تَدْعُهُ فَلَا نَفَقَةَ [قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِالْعَادَةِ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِوُسْعِهِ وَحَالِهَا إنْ سَاوَاهَا حَالُهُ فَإِذَا زَادَ حَالُهَا اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ فَقَطْ، فَإِنْ نَقَصَتْ حَالَتُهَا عَنْ حَالَتِهِ، وَعَنْ وُسْعِهِ اُعْتُبِرَ وُسْعُهُ مُتَوَسِّطًا لَا حَالُهَا فَقَطْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى عَادَةِ أَمْثَالِهَا الْمُرَادُ بِهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ لَهَا وَعَادَةُ أَمْثَالِهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَيَجِيءُ عَلَى ذِكْرِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تُزَادُ مَا تَقْوَى بِهِ إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا تَأْكُلُ إلَّا الْمُقَدَّرَ لَهَا شَيْءٌ، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهُ فَيَلْزَمُ الْمُقَدِّرَ وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرَ وَلَا ثِيَابَ الْمُخْرِجِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا] أَيْ عَنْ النَّفَقَةِ مِنْ كَامِلِ الْقُوتِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَخَنٍ أَوْ ذُرَةٍ مَأْدُومٍ أَوْ غَيْرِ مَأْدُومٍ، وَالْكِسْوَةُ، وَلَوْ مِنْ غَلِيظِ الْكَتَّانِ فَمَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَوْ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا عَجَزَ مِنْ نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ الْحَاضِرَةِ أَوْ الْمُسْتَقْبَلَةِ، لِمَنْ يُرِيدُ سَفَرًا دُونَ الْمَاضِيَةِ وَرَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَشَكَتْ ضَرَرَ ذَلِكَ وَأَثْبَت الزَّوْجِيَّةَ، وَلَوْ بِالشُّهْرَةِ أَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ فَيُفْصَلُ بَيْنَ كَوْنِ الزَّوْجِ ثَابِتَ الْعُسْرِ، فَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتَ الْعُسْرِ مَعَ ادِّعَاءِ الْعُسْرِ فَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ فِي الْأُولَى أَوْ أَنْفَقَ أَوْ طَلَّقَ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَبَعْدَ التَّلَوُّمِ فِي الْأُولَى بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ يُرْتَجَى لَهُ أَمْ لَا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا زَمَنَ التَّلَوُّمِ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ ثُمَّ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَوُّمِ ثَانِيًا، وَإِذَا مَرِضَ أَوْ سُجِنَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ التَّلَوُّمِ فَإِنَّهُ يُزَادُ لَهُ بِقَدْرِ مَا يُرْتَجَى لَهُ بِشَيْءٍ، وَهَذَا إنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ مِنْ الْمَرَضِ وَخَلَاصُهُ مِنْ السَّجْنِ عَنْ قُرْبٍ، وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ. وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ وَعَدَمِ الْوِجْدَانِ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ وَيَجْرِي فِيهِ قَوْلُنَا، وَهَلْ يُطَلِّقُ الْحَاكِمُ أَوْ يَأْمُرُهَا بِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الَّذِي ثَبَتَ عُسْرُهُ وَتُلُوِّمَ لَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَمَعْنَى ثُبُوتِ الْعُسْرِ فِي الْغَائِبِ عَدَمُ وُجُودِ مَا يُقَابِلُ النَّفَقَةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَالتَّلَوُّمُ لِلْغَائِبِ مَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ تُعْلَمْ غَيْبَتُهُ أَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إنْ قَرُبَتْ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ الْعُدُولُ يَقُومُونَ مَقَامَ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ، وَفِي كُلِّ أَمْرٍ يَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ عَدْلٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِالْمَلَاءِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ، وَالطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ عَلَى قَوْلٍ وَيُسْجَنُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا عَلَى آخَرَ فَإِنْ سُجِنَ وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ كَمَا أَنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ بِلَا تَلَوُّمٍ إنْ لَمْ يَجِبْ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ حِينَ رَفَعَتْهُ [قَوْلُهُ: وَعَجْزِهِ] عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ أَيْ فَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ

فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا (عَلَى أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ) الْحُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ كَانَا، أَوْ كَافِرَيْنِ إذَا كَانَ حُرًّا، وَاعْتَرَفَ بِفَقْرِهِمَا أَمَّا إذَا أَنْكَرَ فَقْرَهُمَا فَعَلَى الْأَبَوَيْنِ إثْبَاتُ عَدَمِهِمَا وَلَا يَحْلِفَانِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُمَا عُقُوقٌ (وَ) الْأُخْرَى (عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ) أَمَّا لُزُومُ النَّفَقَةِ (عَلَى) الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ (الذُّكُورِ) (حَتَّى يَحْتَلِمُوا وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (لَا زَمَانَةَ) أَيْ لَا آفَةَ (بِهِمْ) تَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَسْبِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الزَّمَانَةَ إذَا طَرَأَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا أَثَرَ لَهَا، فَلَا تَعُودُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) أَمَّا لُزُومُهَا (عَلَى الْإِنَاثِ) الْأَحْرَارِ فَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْهِنَّ (حَتَّى يَنْكِحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ) أَيْ يَطَأَهُنَّ (أَزْوَاجُهُنَّ) ، أَوْ يُدْعَى إلَى الدُّخُولِ، وَهُوَ بَالِغٌ، وَالزَّوْجَةُ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا، فَإِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَزِمَهَا الْمَقَامُ مَعَهُ بِلَا نَفَقَةٍ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعِلْمِ إنْ كَانَ مِنْ السُّؤَالِ لِشُهْرَةِ حَالِهِ وَعَلَى عَدَمِهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَسْأَلُ نَعَمْ إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ أَوْ اشْتَهَرَ بِالْعَطَاءِ، ثُمَّ تَرَكَ السُّؤَالَ أَوْ انْقَطَعَ الْعَطَاءُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يُمْسِكُ الْحَيَاةَ فَقَطْ فَهُوَ كَالْعَاجِزِ، لَا إنْ قَدَرَ عَلَى قُوتِ زَوْجَتِهِ الْكَامِلِ مِنْ الْخُبْزِ مَأْدُومًا أَوْ غَيْرَ مَأْدُومٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا قِيَامَ لَهَا، وَلَوْ دُونَ مَا يَكْتَسِبُهُ فُقَرَاءُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وَغِنًى أَوْ قَدَرَ عَلَى سَتْرِ جَمِيعِ بَدَنِهَا، وَلَوْ عَلَى غَلِيظِ الْكَتَّانِ أَوْ الْجِلْدِ، وَلَوْ غَنِيَّةً فَلَا قِيَامَ لَهَا وَالْقَادِرُ بِالتَّكَسُّبِ كَالْقَادِرِ بِالْمَالِ إنْ تَكَسَّبَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى التَّكَسُّبِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الطَّلَاقُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَاكِمِ رَجْعِيٌّ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الرَّجْعَةِ إلَّا إذَا وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ يَسَارًا يَقُومُ بِوَاجِبِ مِثْلِهَا، بِحَيْثُ يَجِدُ شَيْئًا يَظُنُّ مَعَهُ إدَامَةَ النَّفَقَةِ وَأَمَّا لَوْ تَجَمَّدَتْ لَهَا نَفَقَةٌ فِيمَا مَضَى فَلَهَا الطَّلَبُ حَيْثُ تَجَمَّدَتْ زَمَنَ يُسْرِهِ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَنْهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى أَبَوَيْهِ] أَيْ النَّفَقَةُ عَلَى أَبَوَيْهِ كَانَ الشَّخْصُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ [قَوْلُهُ: الْفَقِيرَيْنِ] أَيْ الْمُعْسِرَيْنِ بِنَفَقَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا دَارٌ وَخَادِمٌ لَا فَضْلَ فِيهَا، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبَوَانِ قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَا قَادِرَيْنِ عَلَى الْكَسْبِ. وَلَوْ بِصَنْعَةٍ فِيهَا عَلَيْهِمَا مَعَرَّةٌ لِاتِّصَافِهِمَا بِهَا قَبْلَ وُجُودِ الْوَلَدِ غَالِبًا، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ الْفَقِيرَةُ بِفَقِيرٍ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الْبِنْتُ لَوْ تَزَوَّجَتْ بِفَقِيرٍ، وَلَوْ قَدَرَ زَوْجُ الْأُمِّ أَوْ الْبِنْتِ عَلَى بَعْضِ النَّفَقَةِ لَزِمَ الْأَبَ أَوْ الْوَلَدَ كَمَا لَهَا [قَوْلُهُ: الْحُرَّيْنِ] أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَيْنِ غَنِيَّانِ بِسَيِّدِهِمَا [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ حُرًّا] ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى أَبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ نَفْسِهِ [قَوْلُهُ: إثْبَاتُ عَدَمِهِمَا] أَيْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلِفَانِ مَعَ ذَلِكَ] أَيْ وَإِنْ كَانَ الْعُسْرُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَيَمِينٍ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ أَيْضًا أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمِ أَبَوَيْنِ وَخَادِمِ زَوْجَةِ أَبِيهِ الْمُتَأَهِّلَةِ، لِذَلِكَ وَظَاهِرُهُ. وَلَوْ تَعَدَّدَ الْخَادِمُ وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُحْتَاجَيْنِ لِلْخَادِمِ [قَوْلُهُ: عَلَى صِغَارِ وَلَدِهِ] أَيْ مُبَاشَرَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ [قَوْلُهُ: الْأَحْرَارِ] ، وَلَوْ كَانُوا كُفَّارًا وَأَمَّا الْأَرِقَّاءُ فَنَفَقَتُهُمْ عَلَى سَيِّدِهِمْ لَا عَلَى آبَائِهِمْ، وَلَوْ أَحْرَارًا وَلَا عَلَى الْأَبِ الرَّقِيقِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ، وَلَوْ حُرًّا، وَنَفَقَةُ وَلَدِهِ الْحُرِّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ كَانَ مُتَخَلِّفًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْعِتْقِ فَنَفَقَتُهُ عَلَى مُعْتِقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ [قَوْلُهُ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا زَمَانَةَ بِهِمْ] بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ مَرَضًا دَائِمًا تَحْقِيقُ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا صَنْعَةَ تَقُومُ بِهِ عَلَى الْأَبِ الْحُرِّ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَيَجِدُ مَا يَكْتَسِبُ فِيهِ. أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ صَنْعَةٌ لَا مَعَرَّةَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ أَوْ عَلَيْهِمَا فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَفَرَغَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَوَجَبَ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَالِ أَوْ كَانَ فِيهَا مَعَرَّةٌ عَلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ أَوْ عَلَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ أَيْ تَجِبُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ كَاسِدَةٌ أَوْ دَفَعَ الْأَبُ مَالَ الصَّغِيرِ قِرَاضًا وَسَافَرَ الْعَامِلُ وَلَمْ يَجِدْ مُسَلِّفًا فَتَعُودُ عَلَى الْأَبِ، وَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى فَتَسْتَمِرُّ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ. وَلَوْ كَانَ يُجَنُّ حِينًا بَعْدَ حِينٍ فَإِذَا بَلَغَ قَادِرًا عَلَى الْبَعْضِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَالِدِ تَتْمِيمُهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ [قَوْلُهُ: أَيْ يَطَأَهُنَّ إلَخْ] لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ الْخَلْوَةُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَطْءٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ

تَعُودُ نَفَقَتُهَا عَلَى الْأَبِ إنْ كَانَتْ بَالِغَةً وَتَعُودُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ (وَلَا نَفَقَةَ) عَلَى الرَّجُلِ (لِمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ) الْمَذْكُورِينَ (مِنْ الْأَقَارِبِ) كَالْجَدِّ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرَابَةِ إنَّمَا تَجِبُ ابْتِدَاءً لَا انْتِقَالًا وَنَفَقَةُ الْجَدِّ لَازِمَةٌ لِلِابْنِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى بَنِيهِ وَنَفَقَةُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَازِمَةٌ لِأَبِيهِمْ فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى جَدِّهِمْ (وَإِنْ اتَّسَعَ) أَيْ أَيْسَرَ الزَّوْجُ (فَعَلَيْهِ) وُجُوبًا (إخْدَامُ زَوْجَتِهِ) الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا لِخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ إمَّا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَسْتَأْجِرُ لَهَا مَنْ يَخْدُمُهَا، أَوْ يَشْتَرِي لَهَا خَادِمًا، وَلَا تَطْلُقُ بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَاحْتُرِزَ بِ اتَّسَعَ مِمَّا إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ خِدْمَتُهَا؛ لِأَنَّهَا عَلَى ذَلِكَ دَخَلَتْ، وَتَكُونُ عَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ كَالطَّبْخِ، وَالْعَجْنِ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ كَالطَّحْنِ، إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ، أَوْ تَكُونَ هُنَاكَ عَادَةٌ فَتُحْمَلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ كَالشَّرْطِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ وُجُوبًا (أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبِيدِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُنْثَى تَسْتَمِرُّ عَلَى أَبِيهَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا الْبَالِغُ الْمُوسِرُ، أَيْ يَخْتَلِي بِهَا، وَلَوْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ أَوْ يُدْعَى لِلدُّخُولِ أَيْ بِشَرْطِ الْإِطَاقَةِ [قَوْلُهُ: وَتَعُودُ إنْ كَانَتْ غَيْرَ بَالِغَةٍ] ، وَلَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا. تَنْبِيهٌ: تُوَزَّعُ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِمْ؛ الْغَنِيُّ بِحَسَبِ حَالِهِ، وَالْفَقِيرُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ، بِحَسَبِ حَالِهِ كَانَ ذَلِكَ الْغَنِيُّ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَاخْتُلِفَ فِي حَمْلِ الْوَلَدِ عَلَى الْمَلَاءِ أَوْ لِعَدَمٍ إذَا طَلَبَهُ الْأَبَوَانِ وَادَّعَى الْعَجْزَ عَلَى قَوْلَيْنِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَخٌ مَلِيءٌ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَلَاءِ حَتَّى يُثْبِتَ الْعَدَمَ وَنَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفَقَةِ الِابْنِ وَمَنْ لَهُ أَبٌ وَوَلَدٌ فَقِيرَانِ، وَقَدَرَ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدِهِمَا فَقِيلَ يَتَحَاصَّانِ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الِابْنُ. وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ وَتُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى نَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ، وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْأَبِ، وَالصَّغِيرِ مِنْ الْوَلَدِ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ عِنْدَ الضِّيقِ فَلَوْ تَسَاوَى الْوَلَدَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا وَأُنُوثَةً تَحَاصًّا، كَذَا يَنْبَغِي أَيْ كَمَا يَقَعُ التَّحَاصُصُ فِي الزَّوْجَاتِ عِنْدَ الضِّيقِ وَنَفَقَةُ نَفْسِهِ مُقَدَّمَةٌ حَتَّى عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ فِي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْأُمِّ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ الْيَتِيمِ الْفَقِيرِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَوَّازِ إلَّا أُجْرَةَ الرَّضَاعِ لِمَنْ يَلْزَمُهَا وَلَا لَبَانَ لَهَا. [قَوْلُهُ: الَّتِي لَا تَخْدُمُ نَفْسَهَا إلَخْ] ، وَلَوْ احْتَاجَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَيْ لِكَوْنِهِ هُوَ ذَا قَدْرٍ تَزِرِي خِدْمَةَ زَوْجَتِهِ بِهِ، فَإِنَّهَا أَهْلٌ لِلْإِخْدَامِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَمِثْلُ الْأَهْلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَهْلًا إلَّا أَنَّ فِي صَدَاقِهَا ثَمَنَ خَادِمٍ فَإِنَّهَا إذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ تُجَابُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَادِمُ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَوْ تَنَازَعَا عَلَى الْقُدْرَةِ عُلِمَ الْإِخْدَامُ، فَفِي تَعْيِينِ الْمَقْبُولِ مِنْهُمَا قَوْلَانِ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى عَدَمِهِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَلَى ذَلِكَ دَخَلَتْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ طَرَأَ عَجْزُهُ فَإِنَّ لَهَا الْكَلَامَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْعَجْزِ عَنْهُ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ عَلَيْهَا الْخِدْمَةُ] أَيْ زَوْجَةِ الْفَقِيرِ، وَلَوْ كَانَتْ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ عَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ] إمَّا بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا [قَوْلُهُ: كَالطَّبْخِ إلَخْ] أَيْ لَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَا لِضُيُوفِهِ [قَوْلُهُ: كَالطَّحْنِ] وَكَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ مِنْ الدَّارِ أَوْ خَارِجِهَا وَلَا تُمْلَكُ الْخَادِمُ ذَاتُ الْأَهْلِ بِالْإِخْدَامِ إذَا لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهَا بِصِيغَةِ هِبَةٍ أَوْ تَمْلِيكٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهَا مُخْدَمَةٌ بِالْفَتْحِ، وَإِذَا اشْتَرَطَ الْإِخْدَامَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَمْ يَضُرَّ إنْ وَجَبَ بِأَنْ كَانَتْ أَهْلًا أَوْ كَانَ أَهْلَهُ، وَإِلَّا فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَصَحَّ بَعْدَهُ وَأُلْغِيَ الشَّرْطُ وَلَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ نَسْجٌ وَلَا غَزْلٌ وَلَا خِيَاطَةٌ وَلَا تَطْرِيزٌ لِتُطْعِمَ نَفْسَهَا أَوْ تَكْتَسِيَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّكَسُّبِ وَلَا تُلْزَمُ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَةَ نِسَاءِ بَلَدِهَا [قَوْلُهُ: أَنْ يُنْفِقَ عَلَى عَبِيدِهِ] ، وَلَوْ بِشَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ كَمُدَبَّرٍ أَوْ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ، وَلَوْ أَشْرَفَ الرَّقِيقُ عَلَى الْمَوْتِ. وَالْإِنْفَاقُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُسْرِفْ وَلَا يُقْتِرْ وَيَنْظُرُ لِوُسْعِهِ، وَحَالِ الْعَبِيدِ فَلَيْسَ النَّجِيبُ كَالْوَغْدِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ الْمُخْدَمِ بَلْ نَفَقَتُهُ عَلَى مُخْدِمِهِ، وَالْمُكَاتَبُ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُشْتَرَكُ، وَالْمُبَعَّضُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ بِيعَ إنْ وُجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ. وَكَانَ مِمَّا يُبَاعُ، وَإِلَّا أُخْرِجَ عَنْ مِلْكِهِ فَأُمُّ الْوَلَدِ لَا تُبَاعُ فَقِيلَ تُزَوَّجُ وَقِيلَ: تُعْتَقُ وَاخْتِيرَ، وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ

فِي حَيَاتِهِمْ (وَيُكَفِّنَهُمْ إذَا مَاتُوا) ، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى» . وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ الْمَرْأَةُ تَقُولُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ: أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ تَكْفِينِ الْعَبِيدِ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَاتُّفِقَ عَلَيْهِ. (وَاخْتُلِفَ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ) الْحُرَّةِ وَقِيلَ، وَالْأَمَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا، أَوْ الَّتِي دُعِيَ إلَى الدُّخُولِ بِهَا (فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) وَسَحْنُونٌ وَشَهْرٌ هُوَ (فِي مَالِهَا) وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ غَنِيَّةً كَانَتْ، أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّ الْكَفَنَ مِنْ تَوَابِعِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ إنَّمَا كَانَتْ لِمَعْنًى، وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ، وَقَدْ ذَهَبَ بِالْمَوْتِ، وَإِذَا ذَهَبَ الْمَتْبُوعُ ذَهَبَ التَّابِعُ. (وَقَالَ) مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ وَ (عَبْدُ الْمَلِكِ) قِيلَ: هُوَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقِيلَ: هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ هُوَ (فِي مَالِ الزَّوْجِ) ، وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً؛ لِأَنَّ عَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةِ بَاقِيَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُغَسِّلُهَا وَيَطَّلِعُ عَلَى عَوْرَتِهَا، وَالْمُوَارَثَةُ قَائِمَةٌ بَيْنَهُمَا (وَقَالَ) مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَ (سَحْنُونٌ) أَيْضًا (إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً فَهُوَ فِي مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَ) هُوَ (فِي مَالِ الزَّوْجِ) وَوَجْهُهُ يَرْجِعُ لِلتَّوْجِيهَيْنِ، وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ كَفَنِ الْأَبَوَيْنِ، وَالْبَنِينَ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ كَالرَّقِيقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُقَالُ لَهُمَا: اخْدِمَا بِمَا يُنْفَقُ عَلَيْكُمَا إنْ كَانَ لَهُمَا خِدْمَةٌ وَإِلَّا عَتَقَا [قَوْلُهُ: وَيُكَفِّنُهُمْ إذَا مَاتُوا] ، وَكَذَا سَائِرُ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا إذَا كَانَ مَلِيًّا فَلَوْ كَانَ مُعْدَمًا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَالْعَبْدُ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا كَفَنٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ بِهِ الْعَبْدُ وَيُكَفَّنُ السَّيِّدُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ] أَيْ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَالْأَصْلُ الدَّانِي، وَالْفَرْعُ الْقَرِيبُ، وَالرَّقِيقُ [قَوْلُهُ: مَا فِي الصَّحِيحِ] أَيْ مَا فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحِ أَيْ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَالْبُخَارِيِّ أَوْ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَيْ جِنْسِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِمُلَاحَظَةِ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ [قَوْلُهُ: مَا تَرَكَ عَنْ غِنًى] أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يُجْحِفْ بِالْمُتَصَدِّقِ وَقَوْلُهُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا وَهِيَ الْمُعْطِيَةُ وَقَوْلُهُ السُّفْلَى أَيْ السَّائِلَةُ، وَقَوْلُهُ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أَيْ بِمَنْ تَجِبُ عَلَيْك نَفَقَتُهُ وَقَوْلُهُ أَطْعِمْنِي بِهَمْزَةِ قَطْعٍ [قَوْلُهُ: تَدَعُنِي] بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ إلَى مَنْ تَكِلُنِي. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَالَ الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ وَقْفٌ عَلَى عِيَالِي أَوْ هَذِهِ الْعَلُوفَةُ عَلَى الْعِيَالِ تَدْخُلُ زَوْجَتُهُ فِي الْعِيَالِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَالْأَمَةُ] ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ عَلَى السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالزَّوْجِ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ [قَوْلُهُ: هُوَ فِي مَالِهَا] ، وَكَذَا سَائِرُ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَفَّنَهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا [قَوْلُهُ: غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً] ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا [قَوْلُهُ: هُوَ مَالُ الزَّوْجِ] أَيْ الْكَفَنُ وَمُؤَنُ التَّجْهِيزِ أَيْ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ لَهَا النَّفَقَةُ لِبُلُوغِهِ وَيُسْرِهِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً] . وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا [قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مَلِيئَةً] أَيْ بِحَيْثُ يُوجَدُ عِنْدَهَا مَا تُكَفَّنُ بِهِ [قَوْلُهُ: سَحْنُونٌ] فِي السِّينِ وَجْهَانِ الْفَتْحُ، وَالضَّمُّ قَالَ عج الْكَثِيرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْفَتْحُ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالضَّمُّ، وَهُوَ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي مَالِهَا] ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَنِيًّا وَقَوْلُهُ فِي مَالِ الزَّوْجِ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ فَقِيرًا [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَذْهَبَ إلَخْ] فَلَوْ مَاتَ أَبُو شَخْصٍ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُهُ وَنَفَقَةُ كُلٍّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ تَكْفِينِ الْجَمِيعِ فَيُقَدَّمُ الْوَلَدُ وَقَضِيَّةُ الْإِجْرَاءِ عَلَى النَّفَقَةِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَالْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى تَكْفِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ،، وَالظَّاهِرُ الِاقْتِرَاعُ عِنْدَ تَسَاوِي الْوَلَدَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا: بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ قَالَ الشَّيْخُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي فِي السَّتْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُقَسَّمٌ بَيْنَهُمَا [قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ يَرْجِعُ لِلتَّوْجِيهَيْنِ] فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ لَوْ عَلَّلْنَا بِهِ الْغَنِيَّةَ تَجِدُهُ يَأْتِي فِي الْفَقِيرَةِ

[باب في البيوع]

[36 - بَابٌ فِي الْبُيُوعِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ] (بَابٌ فِي الْبُيُوعِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ) أَيْ شَابَهَهَا كَالْإِجَارَةِ، وَالشَّرِكَةِ وَجَمَعَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ، هَذَا بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْبُيُوعِ، وَمَا لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الْبَيْعِ، نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَوَّلُهَا الْعَاقِدُ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْيِيزُ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ، وَفِي بَيْعِ السَّكْرَانِ تَرَدُّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْبُيُوعِ] ِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ [قَوْلُهُ: كَالْإِجَارَةِ] الشَّبَهُ ظَاهِرٌ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا عَقْدٌ عَلَى شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضِ الذَّاتِ فِي الْبَيْعِ الْمَنْفَعَةُ فِي الْإِجَارَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالشِّرْكَةِ الشَّبَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بَاعَ بَعْضَ مَالِهِ بِبَعْضِ مَالِ الْآخَرِ. [قَوْلُهُ: وَجَمَعَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ] كَبَيْعِ النَّقْدِ وَبَيْعِ الدَّيْنِ، وَالصَّحِيحِ، وَالْفَاسِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ لَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ، وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْأَعَمِّ إلَى صَرْفٍ وَمُرَاطَلَةٍ وَسَلَمٍ وَهِبَةِ ثَوَابٍ، وَيَتَنَوَّعُ بِاعْتِبَارَيْنِ آخَرَيْنِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَمِنْ حَيْثُ حُكْمُهُ، فَالْأَوَّلُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالثَّانِي خَمْسَةٌ. فَالْأَوَّلُ بَيْعُ مُسَاوَمَةٍ وَبَيْعُ مُزَايَدَةٍ وَهُمَا جَائِزَانِ اتِّفَاقًا وَبَيْعُ مُرَابَحَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَالْأَحَبُّ خِلَافُهُ وَبَيْعُ اسْتِئْمَانٍ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِهِ. وَالثَّانِي خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الْإِبَاحَةُ وَهِيَ الْأَصْلُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَمَنْ اُضْطُرَّ لِشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ، وَالنَّدْبُ كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً لَا ضَرُورَةَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ مَنْدُوبٌ فِي مِثْلِ هَذَا، وَالْكَرَاهَةُ كَبَيْعِ الْهِرِّ أَوْ السَّبُعِ لَا لِأَخْذِ جِلْدِهِ، وَالتَّحْرِيمُ كَالْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ [قَوْلُهُ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَالْمُرَادُ بِالْمِلْكِ مِلْكُ الذَّاتِ وَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، بِقَوْلِهِ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ فَيَخْرُجُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَالنِّكَاحُ يُدْخِلُ هِبَةَ الثَّوَابِ، وَالصَّرْفِ، وَالْمُرَاطَلَةِ، وَالسَّلَمِ. وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخُصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدَ عِوَضَيْهِ غَيْرَ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيِّنٌ غَيْرَ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ الدَّاخِلَةُ فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ لَا مُكَايَسَةَ فِيهَا أَيْ لَا مُغَالَبَةَ، وَالصَّرْفُ، وَالْمُرَاطَلَةُ، وَالْمُبَادَلَةُ الْعِوَضَانِ فِيهَا مِنْ الْعَيْنِ، وَالسَّلَمُ الْمُعَيَّنُ فِي الْعَيْنِ وَهِيَ رَأْسُ الْمَالِ وَأَمَّا غَيْرُ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي الذِّمَّةِ وَمَعْنَى كَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ. وَتَعْبِيرُ ابْنِ عَرَفَةَ بِالْعَيْنِ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَغْلَبِيٌّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا أَوْ عَرْضًا [قَوْلُهُ: بِوَجْهٍ جَائِزٍ] قَالَ بَعْضُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْفَاسِدَ لَا يُقَالُ فِيهِ بَيْعٌ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْبَيْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْفَاسِدِ أَيْضًا وَذَكَرَ بَعْضٌ آخَرُ فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْصَدَ فِي تَعْرِيفِهَا إلَّا مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَمَعْرِفَتُهُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِمَعْرِفَةِ الْفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِ الْفَاسِدِ [قَوْلُهُ: التَّمْيِيزُ] هُوَ أَنَّهُ إذَا كُلِّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ [قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لَصِبًا، أَوْ جُنُونٍ] أَيْ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا [قَوْلُهُ: وَفِي بَيْعِ السَّكْرَانِ تَرَدُّدٌ] أَيْ طَرِيقَتَانِ طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ أَنَّ بَيْعَهُ وَشِرَاءَهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهَذَا فِي السَّكْرَانِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ أَصْلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ السَّكْرَانِ أَوْ لَمْ يَلْزَمْ كَإِقْرَارِهِ وَسَائِرِ عُقُودِهِ، بِخِلَافِ جِنَايَاتِهِ وَعِتْقِهِ وَطَلَاقِهِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّا لَوْ فَتَحْنَا

وَالتَّكْلِيفُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ دُونَ الِانْعِقَادِ، وَالْإِسْلَامُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ، وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ الثَّانِي الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ مَعْلُومًا لِلْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْرَ مَنْهِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْبَابَ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ مَا بِيَدِهِ. وَكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ مِنْهُ، لَأَدَّى إلَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ وَقَتْلِهِ وَإِتْلَافِهِ وَعِتْقِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُلْزِمْهُ ذَلِكَ لَتَسَاكَرَ النَّاسُ لِيُتْلِفُوا أَمْوَالَ غَيْرِهِمْ وَيَسْتَبِيحُوا دِمَاءَهُمْ. وَالْمُرَادُ السُّكْرُ الْحَرَامُ وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ [قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ] أَيْ الرُّشْدُ، وَالطَّوْعُ فَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَلَا السَّفِيهِ وَلَا الْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ رَشِيدًا فَمَنْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ طَلَبُ مَالٍ ظُلْمًا فَبَاعَ شَيْئًا لِوَفَائِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا قَدَرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَلَى خَلَاصِ شَيْئِهِ الَّذِي بَاعَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ بِلَا غُرْمِ ثَمَنٍ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الظَّالِمِ أَوْ وَكِيلِهِ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الظَّالِمَ أَوْ وَكِيلَهُ قَبَضَهُ مِنْ الْمَظْلُومِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ جَهِلَ، هَلْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلظَّالِمِ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِرَبِّ الْمَتَاعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ دَفَعَهُ لِلظَّالِمِ أَوْ بَقِيَ عِنْدَهُ أَوْ صَرَفَهُ فِي مَصَالِحِهِ أَمْ لَا، وَكَذَا إنْ عُلِمَ بَقَاؤُهُ عِنْدَهُ أَيْ الْمَظْلُومِ وَتَلِفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَرَفَهُ فِي مَصْلَحَتِهِ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ أَوْ أَتْلَفَهُ عَمْدًا لَرَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنَّ بَائِعَهُ مُكْرَهٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إذَا كَانَ شَيْءُ الْمُكْرَهِ وَهُوَ الَّذِي بَاعَهُ قَائِمًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا إنْ فَاتَ بِيَدِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي فَيَرُدُّ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَلَوْ أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ دُونَ الْمَالِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِالثَّمَنِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ وَهَلْ يُصَدَّقُ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ كَالْمُودِعِ أَوْ لَا خِلَافَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَاحْتَرَزْنَا بِالْإِكْرَاهِ الْحَرَامِ مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ، كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانَ عَلَى الْبَيْعِ لِوَفَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُنْفِقَ لِلنَّفَقَةِ، وَالْخَرَاجُ الْحَقُّ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَازِمٌ جَائِزٌ شِرَاؤُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَيُلْجَأُ إلَى بَيْعِ مَا يَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ فَكَالْإِكْرَاهِ الظُّلْمُ. تَنْبِيهٌ: لَا فَرْقَ فِي بَيْعِ الْمَظْلُومِ مَتَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَهُ قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَمَّا لَوْ بَاعَ قَرِيبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ مَالَ أَنْفُسِهِمَا لِيُخَلِّصَهُ، وَلَوْ مِنْ الْعَذَابِ، فَلَيْسَ بِبَيْعِ مَضْغُوطٍ إلَّا الْوَالِدَيْنِ إذَا عُذِّبَ وَلَدُهُمَا فَبَاعَا أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمَا فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ [قَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي شِرَاءِ الْمُصْحَفِ إلَخْ] أَيْ فِي الْجَوَازِ وَدَوَامِ الْمِلْكِ مَعَ الصِّحَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَبِيعَ لِلْكَافِرِ مُسْلِمًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ مُصْحَفًا أَوْ جُزْأَهُ مَعَ الصِّحَّةِ، وَلَكِنْ يُجْبَرُ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ عَلَى إخْرَاجِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ مِلْكِهِ، إمَّا بِبَيْعٍ أَوْ بِعِتْقٍ نَاجِزٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا بَانَ عَنْهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ إنْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا] أَيْ طَهَارَةً أَصْلِيَّةً لَا كَزِبْلٍ وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ وَأَمَّا مَا كَانَ طَاهِرًا طَهَارَةً أَصْلِيَّةً وَعَرَضَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، لَكِنْ يَجِبُ تَبَنِّيهِ عِنْدَ الْبَيْعِ كَانَ الْغُسْلُ يُفْسِدُهُ أَوْ يُنْقِصُهُ أَوْ لَا كَانَ الْمُشْتَرِي يُصَلِّي أَمْ لَا [قَوْلُهُ: مُنْتَفَعًا بِهِ] ، وَلَوْ يَسِيرًا كَالتُّرَابِ أَوْ مُتَرَقِّبًا كَالْمِهَارِ الصِّغَارِ. وَالْمُرَادُ الِانْتِفَاعُ الشَّرْعِيُّ فَيُخْرِجُ آلَاتِ اللَّهْوِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، كَمَا لَا يُبَاعُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَأَمَّا مُبَاحُ الْأَكْلِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ أَشْرَفَ لِإِمْكَانِ ذَكَاتِهِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُشْرِفْ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ مُحَرَّمًا، وَمَا أُخِذَ فِي السِّيَاقِ فَيَحْرُمُ بَيْعُهُ، وَلَوْ مَأْكُولًا [قَوْلُهُ: مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ] فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَآبِقٍ فَبَيْعُهُ فِي إبَاقِهِ فَاسِدٌ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَيُفْسَخُ، وَإِنْ قُبِضَ، وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ الْمُهْمَلَةُ، وَكَذَا الْمَغْصُوبُ إذَا بِيعَ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُمْتَنِعًا مِنْ دَفْعِهِ، وَلَا تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ مُقِرًّا أَوْ غَيْرَ مُقِرٍّ أَوْ كَانَ غَاصِبُهُ مُنْكِرًا أَوْ تَأْخُذُهُ الْأَحْكَامُ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ، وَالْمَشْهُورُ مَنْعُهُ أَمَّا لَوْ كَانَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِغَاصِبِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْغَاصِبَ عَزَمَ عَلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ [قَوْلُهُ: مَعْلُومًا لِلْمُتَبَايِعَيْنِ] أَيْ وَإِلَّا فَسَدَ الْبَيْعُ وَجَهْلُ أَحَدِهِمَا كَجَهْلِهِمَا هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْخِيَارِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ مَعَ جَهْلِ الْمُشْتَرِي، وَالْجَهْلُ إنْ

[الربا وأنواعه وما يتعلق به]

عَنْ اتِّخَاذِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ. الثَّالِثُ: مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ، وَمَا شَارَكَهُمَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الرِّضَا كَالْمُعَاطَاةِ. وَافْتَتَحَ الْبَابَ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَحَرَّمَتْهُ السُّنَّةُ أَيْضًا، وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَمَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَلَّقَ بِالْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ أَوْ التَّفْصِيلِ فَقَطْ أَفْسَدَ الْعَقْدَ، أَمَّا إنْ جُهِلَتْ جُمْلَتُهُ وَعُلِمَ تَفْصِيلُهُ فَلَا يَضُرُّ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ كُلِّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَيُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ. مِثَالُ الْجُمْلَةِ، وَالتَّفْصِيلِ وَاضِحٌ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ كَعَبْدَيْ رَجُلَيْنِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ أَوْ أَحَدُهُمَا لِأَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَوْ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاوُتِ كَثُلُثٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ الْآخَرِ أَوْ عَكْسِهِ وَيَبِيعَانِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً بِكَذَا فَالثَّلَاثُ فَاسِدَةٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ كُلٍّ أَوْ سُدُسُهُ أَوْ نِصْفُهُ وَلِلْآخَرِ الْبَاقِي فَلَا جَهْلَ. فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا جَهْلَ فِي الثَّمَنِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فَيَجُوزُ، وَالْمَنْعُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَفِ الْجَهْلُ، فَإِنْ انْتَفَى جَازَ، كَمَا إذَا سَمَّيَا أَيْ عَيَّنَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَقَعُ الشِّرَاءُ بِهِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمُشْتَرِي لَهُ أَوْ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَهُ وَقَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ثُلُثَ مَا يَدْفَعُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا دَفَعَهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَيْهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَوَّمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ عَلَى حَسَبِ الْقِيمَتَيْنِ أَوْ يَتَسَاوَيَا [قَوْلُهُ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ اتِّخَاذِهِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ اتِّخَاذُهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فَيَقْتَضِي أَنَّ كَلْبَ الصَّيْدِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: غَيْرَ مَنْهِيٍّ عَنْ بَيْعِهِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ] الْإِيجَابُ مِنْ الْبَائِعِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَالْإِيجَابُ مَصْدَرُ أَوْجَبَ أَيْ أَثْبَتَ، وَلَمَّا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُبْتَدِئَ فِي الْأَصْلِ عُدَّ مُثْبِتًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ، إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا دَلَّ صَرِيحًا كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت أَوْ الْتِزَامًا كَخُذْ وَهَاتِ وَعَاوَضْتُكَ هَذَا بِهَذَا، وَقَوْلُهُ: كَالْمُعَاطَاةِ دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ إشَارَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ جَانِبٍ، وَقَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ أَوْ قَوْلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلٌ مِنْ الْآخَرِ. أَمَّا الْمُعَاطَاةُ فَهِيَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَيُعْطِيَهُ الْمَثْمُونَ أَوْ الْعَكْسُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ مِنْ الْبَائِعِ وَلَا اسْتِيجَابٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ فِعْلٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمْثِلَةُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ ظَاهِرَةٌ، وَالْمُعَاطَاةُ الْمَحْضَةُ الْعَارِيَّةُ عَنْ قَوْلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اللُّزُومِ فِيهَا مِنْ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَالْمُثَمَّنِ فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنْ دَفَعَ ثَمَنَ رَغِيفٍ لِشَخْصٍ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّغِيفَ، وَأَمَّا أَصْلُ وُجُودِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِهِمَا فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ وُجِدَ بِذَلِكَ أَصْلُ الْعَقْدِ لَا لُزُومُهُ، وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ: بِعْتُك وَلَا يَشْتَرِطُ كَمَا قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي فَوْرِيَّةَ الْإِيجَابِ بَلْ الْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ مَا تَأَخَّرَ. [الربا وَأَنْوَاعه وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَصَدَ التِّلَاوَةَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لِلتَّنْصِيصِ عَلَى التِّلَاوَةِ وَلِلتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا لَا مَدْلُولًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ قَصْدِ التِّلَاوَةِ يَكُونُ مَدْلُولًا أَيْ دَعْوَةً مُفْتَقِرَةً لِلدَّلِيلِ [قَوْلُهُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]] أَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْجَوَازُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أَيْضًا] أَيْ كَمَا حَرَّمَهُ الْكِتَابُ [قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ] أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ إلَخْ] فِي التَّفْرِيعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً، فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ [قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ] أَيْ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ [قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَبِلَا عَطَشٍ وَبِلَا مُعَاقَبَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا قُتِلَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ إنْ سَبَقَهُ الْفَجْرُ وَلَا تُلَفَّقُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا فَرْقَ

بَاعَ بَيْعَ رِبًا غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ يُؤَدَّبُ خَاصَّةً إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَيُفْسَخُ، فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ. وَالْأَلِفُ، وَاللَّامُ الَّتِي فِي الرِّبَا لِلْعَهْدِ وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ: (وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ) وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فِي الدُّيُونِ إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ) دَيْنَهُ (وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ) أَيْ يَزِيدَ (لَهُ فِيهِ) مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ أَنْوَاعِ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ رِبَا نَسَاءٍ وَهُوَ هَذَا، وَرِبَا مُزَابَنَةٍ وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَرِبَا فَضْلٍ وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَيُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ دُونَ عِيَالِهِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ بَيْعَ رِبًا] أَرَادَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا، وَهُوَ بَيْعُ رِبَوِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ حَلَالًا لِأَجَلٍ [قَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ] بِأَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ حَرَامًا كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي فِيهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رَأْسُ مَالِهِ] كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ التَّأَمُّلِ. تَنْبِيهٌ: فَإِنْ قَبَضَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ رَدَّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَهُوَ لَهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بَلْ يَسْقُطُ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِلْعَهْدِ] أَيْ الْمَعْهُودِ خَارِجًا عِلْمًا لَا ذِكْرًا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً عَلَى طَرِيقَةِ فَنِّ الْمَعَانِي أَوْ الْمَعْهُودِ ذِهْنًا عَلَى طَرِيقَةِ النَّحْوِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ. الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ بَيْعٍ التَّفَاضُلُ فِيهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَا فِي اللِّسَانِ الزِّيَادَةُ فَعَلَى هَذَا الْأَلِفُ، وَاللَّامُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ] أَيْ الْأَزْمِنَةُ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَفَادَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ. فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ رِبَا أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ نِسْبَةً إلَى الْجَهْلِ بِقِسْمَيْهِ مُرَكَّبًا وَبَسِيطًا. [قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ دَيْنَهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ بِتَقْدِيرِ دَيْنِهِ مَفْعُولًا لِيَقْضِيَهُ يُعْلَمُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَقْضِيَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ، وَيَحْتَمِلُ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَلَامِهِ أَنْ يَعُودَ عَلَى الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ لَهُ يَعُودُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَضَمِيرُ يُرْبِي عَائِدٌ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَضَمِيرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الدَّيْنِ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَنَقُولُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ الرِّبَا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي الدُّيُونِ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَقْضِهِ دَيْنَهُ يَزِيدُ لَهُ فِيهِ أَيْ أَنَّ رِبَاهُمْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ. وَهَلْ قَوْلُهُ فِي الدُّيُونِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ أَوْ كَانُوا يَتَعَاطَوْنَ بَقِيَّةَ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَيَكُونُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهَا؟ [قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ أَيْ يَزِيدَ لَهُ فِيهِ] أَيْ وَيُؤَخِّرَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ، وَإِنْ وَقَعَ وَأَخَّرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، وَفِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْحُرْمَةِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ رَهْنًا أَوْ حَمِيلًا لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ عِنْدَ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ سَلَفٍ عَلَى رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ وَمِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ حِينَ التَّأْخِيرِ قَدْرَ الدَّيْنِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضٍ تَبِعَهُ الشَّيْخَانِ وَظَاهِرُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ حِينَ كَتْبِي هَذَا مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ أَنَّهُ نَوْعَانِ فَقَطْ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: رِبَا نَسَاءٍ إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ بَلْ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: مُزَابَنَةً] مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ مَعْلُومٍ] اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ بَيْعَ إرْدَبِّ سِمْسِمٍ بِقِنْطَارٍ مِنْ زَيْتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُزَابَنَةِ. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ شَمِلَ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ رِبًا أَصْلًا، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْفَاكِهَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ لَكِنْ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلهُ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَإِلَّا فَلَا نِزَاعَ فِي الْجَوَازِ.

بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ) بِالْمَدِّ، وَالْهَمْزِ كَخَطِيئَةٍ (بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ) مِنْهُ (الذَّهَبُ) أَيْ بَيْعُ الذَّهَبِ (بِالذَّهَبِ) يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا، وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» الْحَدِيثَ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ مَسَائِلَ مِنْهَا: الْمُبَادَلَةُ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ مَسْكُوكَةً عَدًّا بِأَوْزَانٍ مِنْهَا سُدُسًا سُدُسًا فَأَقَلَّ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ مُتَفَاضِلًا زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِهِ] احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ. وَلَوْ بِنَاقِلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَبَيْعِ إنَاءِ نُحَاسٍ بِنُحَاسٍ كَانَا جُزَافَيْنِ أَوْ كَانَ الْجُزَافُ أَحَدَهُمَا. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ] سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ مَصُوغَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ [قَوْلُهُ: يَدًا بِيَدٍ] أَيْ ذَا يَدٍ كَائِنَةٍ مَعَ يَدٍ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَكِلَاهُمَا أَعْنِي يَدًا بِيَدٍ وَمُتَفَاضِلًا حَالٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ حَالٌ مِنْهُمَا، وَالثَّانِي حَالٌ مِنْ الْأَحَدِ الْمُقَدَّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِهِمَا مَقْبُوضَيْنِ، وَحَالَةُ كَوْنِ أَحَدِهِمَا ذَا فَضْلٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مُتَفَاضِلَيْنِ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ] أَيْ إلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلَيْنِ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ، أَيْ مَعَ الْحُلُولِ، وَالتَّقَابُضِ بِالْمَجْلِسِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَشِفُّوا] بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَا تُفَضِّلُوا، وَالشِّفُّ بِكَسْرِ الشِّينِ الزِّيَادَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى النُّقْصَانِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ] تَمَامُهُ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ، أَيْ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جَمَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، أَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تَشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ» . وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» . [قَوْلُهُ: مِنْهَا إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا الْمُسَافِرُ يَكُونُ مَعَهُ الْعَيْنُ غَيْرُ مَسْكُوكَةٍ. وَلَا تَرُوجُ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا لِلسَّكَّاكِ لِيَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا مَسْكُوكًا وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ أُجْرَةِ السِّكَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ زَائِدَةٌ، وَعَلَى كَوْنِهَا عَرْضًا تُفْرَضُ مَعَ الْعَيْنِ عَيْنًا، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُسَافِرِ مِنْ السَّفَرِ عِنْدَ تَأْخِيرِهِ لِضَرْبِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ إعْطَاءِ دِرْهَمٍ وَأَخْذِ نِصْفِهِ وَيَأْخُذُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ طَعَامًا اُنْظُرْهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: سُدُسًا إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي تَسْمَحُ بِهِ النُّفُوسُ. [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ دِرْهَمٍ] الْأَوْلَى فِي كُلِّ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فَرَضَهُ فِي الدَّنَانِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ الْمُبَادَلَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ، أَنْ تَقَعَ بِلَفْظِ الْمُبَادَلَةِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مُبَادَلَةً أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَنْ تَكُونَ مَسْكُوكَةً لَا مَسْكُورًا وَتِبْرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ السِّكَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: مَسْكُوكَةً وَأَنْ يَكُونَ التَّعَامُلُ بِهِ عَدًّا لَا وَزْنًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: عَدًّا، وَأَنْ يَكُونَ دُونَ سَبْعَةٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَنْ يُعْطِيَ سِتَّةَ دَنَانِيرَ، فَلَوْ زَادَتْ عَلَى السِّتَّةِ وَلَمْ تَصِلْ لِلسَّبْعَةِ فَيَمْتَنِعُ وَلِلَّهِ دَرُّ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ: سِتَّةٌ وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ لَا وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَعَةِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَزْنٍ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا فِي الْوَزْنِ جَازَتْ الْمُبَادَلَةُ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ. [قَوْلُهُ: وَالْفِضَّةُ] قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ فِضَّةً لِانْفِضَاضِهَا؛ لِأَنَّهَا تَنْفَضُّ وَتَنْكَسِرُ، وَسُمِّيَ الذَّهَبُ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ بِالْقُرْبِ أَوْ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ عَنْ صَاحِبِهِ الْفَقْرَ، وَالْبُؤْسَ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَكَأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تَقْتَضِي التَّسْمِيَةَ. [قَوْلُهُ: إلَّا يَدًا بِيَدٍ] أَيْ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَدَدِ.

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرِّبَا فِي الطَّعَامِ (وَ) قَسَّمَ ذَلِكَ سِتَّةَ أَقْسَامٍ (الطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ) الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ (وَ) مِنْ (الْقَطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْفُولُ، وَالْحِمَّصُ، وَالْبَسِيلَةُ وَأَوْلَاهَا الْجُلْبَانُ، وَالْكِرْسِنَّةُ (وَ) مِنْ (شَبَهِهَا) أَيْ الْقَطْنِيَّةِ (مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ) وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ بِنْيَةُ الْآدَمِيَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ (أَوْ إدَامٌ) وَهُوَ مَا يَتَّبِعُ الْقُوتَ مِنْ مُصْلِحَاتِهِ كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ (لَا يَجُوزُ) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَالطَّعَامُ أَيْ الطَّعَامُ كُلُّهُ لَا يَجُوزُ (الْجِنْسُ) أَيْ بَيْعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ (مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ) وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْعَادِيِّ، وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: مِمَّا يُدَّخَرُ إلَى آخِرِهِ أَنَّ عِلَّةَ رِبَا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُرَاطَلَةٌ وَمُبَادَلَةٌ وَصَرْفٌ، فَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَالْمُبَادَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، وَالصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ، وَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الْجَمِيعِ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بِعَدَمِهَا، وَلَوْ قَرِيبًا أَوْ غَلَبَةً، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَتَجِبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ وَفِي الْمُبَادَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي النُّقُودِ، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا عَلَى الثَّانِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَمْنَعْ الرِّبَا فِيهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهَا النَّاسُ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ، وَحُمِلَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْفُلُوسِ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ كَمَا قَالَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ. [قَوْلُهُ: الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ] فِيهِ قُصُورٌ فَالْأَحْسَنُ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: مِنْ الْحُبُوبِ ذَوَاتِ السَّنَابِلِ وَهِيَ الْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ وَذَوَاتِ الْأَغْلَافِ وَهِيَ الذُّرَةُ، وَالدَّخَنُ، وَالْأُرْزُ اهـ. وَمُفَادُهُ أَنَّ الْقَطْنِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْحُبُوبِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَعَلَهَا فِي التَّحْقِيقِ ذَاتَ الْمَزَاوِدِ فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْقَافِ] أَيْ أَوْ ضَمِّهَا وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ، وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُجْمَعُ عَلَى قَطَانِيٍّ. [قَوْلُهُ: وَالْبَسِيلَةُ] هِيَ الْمَعْرُوفَةُ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ بِالْبَسِيلَةِ. [قَوْلُهُ:، وَالْكِرْسِنَّةُ] بِكَسْرِ الْكَافِّ وَتَشْدِيدِ النُّونِ. قَالَ تت: قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ. الْبَاجِيُّ: هِيَ الْبِسِلَّةُ. وَتَرَكَ الشَّارِحُ مِنْ الْقَطَانِيِّ ثَلَاثَةً التُّرْمُسَ، وَاللُّوبِيَا، وَالْعَدَسَ فَالْقَطَانِيُّ ثَمَانِيَةٌ بِزِيَادَةِ الْكِرْسِنَّةِ عَلَى أَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ، وَسُمِّيَتْ الْقُطْنِيَّةُ قُطْنِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَحَلِّ وَلَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شَبَهِهَا أَيْ الْقُطْنِيَّةِ] جَعَلَ مَا ذَكَرَ مُشَبَّهًا لِلْقُطْنِيَّةِ دُونَ الْحُبُوبِ مَعَ أَنَّهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْهُمَا أَيْ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَالِادِّخَارِ لَا فِي الصِّفَةِ أَشَارَ لَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْقُوتِ الْمُشَبَّهِ فَقَوْلُهُ: كَاللَّحْمِ، وَالسَّمْنِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ، وَإِلَّا فَهُوَ شَامِلٌ لِلْحَبِّ، وَالْقَطَانِيِّ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ التَّمْرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالزَّيْتَ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ، وَالْبَصَلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَهُ مُصْلِحًا يُنَافِي كَوْنَهُ أُدْمًا. [قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ] أَيْ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ. [قَوْلُهُ: بِالْمِكْيَالِ الشَّرْعِيِّ إنْ وُجِدَ] أَيْ وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الرِّبَوِيِّ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الرِّبَا، فَلَا يُبَاعُ قَمْحٌ مِثْلًا بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَلَا نَقْدٌ بِمِثْلِهِ كَيْلًا، وَالْمُرَادُ بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ الشَّرْعِيَّيْنِ مَا وَضَعَهُمَا السُّلْطَانُ كَذَا ذَكَرُوا أَيْ فَمَا اعْتَبَرَهُ السُّلْطَانُ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ عُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، فَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوا. وَلَوْ خَالَفَ وَضْعُ السُّلْطَانِ وَضْعَ مَنْ قَبْلَهُ كَأَنْ يَكُونَ وَضَعَ مَنْ قَبْلَهُ الْكَيْلَ فِي الْقَمْحِ وَوَضَعَ هُوَ الْوَزْنَ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ الشَّارِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ مِعْيَارٌ مُعَيَّنٌ فَبِالْعَادَةِ الْعَامَّةِ كَاللَّحْمِ، وَالْجُبْنِ فِي كُلِّ بَلَدٍ أَوْ الْخَاصَّةِ كَالْأُرْزِ الْمُخْتَلِفِ الْعَادَةِ فِيهِ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، فَلَا يَخْرُجُ فِي بَلَدٍ عَمَّا اعْتَادَتْهُ، وَلَوْ اُعْتِيدَ بِوَجْهَيْنِ اُعْتُبِرَ بِأَيِّهِمَا إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا فَأَكْثَرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْزُونَيْنِ وَلَا مَكِيلَيْنِ كَالْبَيْضِ فَبِالتَّحَرِّي، وَإِنْ اقْتَضَى مُسَاوَاةَ بَيْضَةِ بِبَيْضَتَيْنِ فَإِنْ عَسِرَ الْوَزْنُ فِيمَا اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ عَنْ الشَّارِعِ وَزْنًا لِكَوْنِهِ فِي سَفَرٍ أَوْ بَادِيَةٍ جَازَ التَّحَرِّي إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ تَحَرِّيهِ لِكَثْرَتِهِ جِدًّا، وَأَمَّا الْكَيْلُ، وَالْعَدَدُ فَلَا يَعْسُرَانِ إذْ يَجُوزُ الْكَيْلُ بِغَيْرِ الْمَعْهُودِ كَذَا فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ إلَخْ] فِيهِ بَحْثٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِنَوْعٍ مِنْ الرِّبَوِيِّ فَلَا يَكُونُ إشَارَةً لِعِلَّةٍ عَامَّةٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ

الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ. ثَانِيهِمَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ) أَيْ بَيْعُهُ (بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِهِ كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ) ثَالِثُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِ) جَوَازِ (بَيْعِ الْفَوَاكِهِ وَ) بَيْعِ (الْبُقُولِ، وَمَا لَا يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ) ع: اُنْظُرْ قَوْلَهُ، وَمَا لَا يُدَّخَرُ هَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَمْ لَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَمَا لَا يُدَّخَرُ تَفْسِيرًا يَعْنِي وَهُوَ مَا لَا يُدَّخَرُ. وَذَكَرَ احْتِمَالًا آخَرَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الْفَوَاكِهُ الَّتِي لَا تُدَّخَرُ أَصْلًا كَالتُّفَّاحِ، وَالْمِشْمِشِ يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ نَادِرًا فِي قُطْرٍ دُونَ قُطْرٍ كَالْكُمَّثْرَى يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ) مَا قَالَهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا مُنَاجَزَةً، وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ. وَأَمَّا الْبُقُولُ إنْ كَانَتْ لَا تُدَّخَرُ أَصْلًا كَالْخَسِّ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُدَّخَرُ غَالِبًا وَتُدَّخَرُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ كَاللِّفْتِ بِالْخَلِّ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانَتْ تُدَّخَرُ غَالِبًا كَالثُّومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّبَوِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْعِلَّةَ لَمَّا اتَّحَدَتْ فِي الْوَاقِعِ صَحَّ الْأَخْذُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: إنَّ عِلَّةَ إلَخْ] أَيْ عَلَامَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤَثِّرَةَ إذْ الْمُؤَثِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: رِبَا الْفَضْلِ] وَأَمَّا عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا النَّسَاءِ فَهِيَ مُطْلَقُ الطَّعْمِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ لَا لِلتَّدَاوِي، وَأَمَّا عِلَّةُ حُرْمَةِ رِبَا الْمُزَابَنَةِ فَهِيَ الْغَرَرُ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَانْظُرْهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَرُمَ. وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَطْعُومِ. [قَوْلُهُ: الِاقْتِيَاتُ] مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ، وَمَعْنَى الِادِّخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى الْأَمْرِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً، فَلَوْ اُدُّخِرَ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ كَالْبِطِّيخِ، وَالتُّفَّاحِ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ، وَالِادِّخَارُ إمَّا بِالشَّخْصِ وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ بِالنَّوْعِ كَاللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا بِشَخْصِهِ إلَّا أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِالنَّوْعِ، فَبَقَاءُ النَّوْعِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ فَهُوَ، وَإِنْ لَمْ يُدَّخَرْ فَهُوَ مَوْجُودٌ نَوْعًا، وَيُجْلَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ، وَالِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ، وَالْإِصْلَاحُ فِي الْمُصْلِحِ مِنْ فِلْفِلٍ وَمِلْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا كَانَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ عِلَّةً لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمُقَابِلُهُ أَقْوَالُ الِاقْتِيَاتِ، وَالِادِّخَارِ، وَغَلَبَةِ الْعَيْشِ، وَالِاقْتِيَاتِ فَقَطْ، وَالِادِّخَارُ لِلْأَكْلِ غَالِبًا فَقَطْ، فَالتِّينُ، وَالزَّيْتُ، وَالْبَيْضُ، وَالْجَرَادُ رِبَوِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ لِلِادِّخَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ التَّادَلِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ فِي بَعْضِ الْمَجَالِسِ أَنَّ حَدَّهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ. [قَوْلُهُ: كَانَ مِنْ جِنْسِهِ] كَقَمْحٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ] كَالْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يُدَّخَرُ كَالرُّمَّانِ، وَالْبِطِّيخِ لِدُخُولِ رِبَا النَّسَاءِ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ فَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْبَوَادِي مِنْ شِرَاءِ الْبَصَلِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَلَى الْبَابِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ وَيَأْتُونَ بِالطَّعَامِ لَيْسَ بِجَائِزٍ ذَكَرَهُ الْجُزُولِيُّ. [قَوْلُهُ: بِجَوَازِ بَيْعِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَيْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ لَا بَأْسَ بِمَعْنَى يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَذَكَرَ احْتِمَالًا آخَرَ] وَهُوَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعِنَبَ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ عَلَى قَوْلٍ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَمْ لَا، وَهَلْ يُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ أَوْ بِحَالِهِ، فَمَنْ اعْتَبَرَهُ بِأَصْلِهِ أَجْرَى فِيهِ الرِّبَا، وَمَنْ اعْتَبَرَهُ بِحَالِهِ لَمْ يُجْرِ فِيهِ الرِّبَا اهـ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: بَيْعُ الْفَوَاكِهِ كَالْخَوْخِ، وَالْمِشْمِشِ. وَقَوْلُهُ: وَالْبُقُولُ كَالْخَسِّ، وَالْهُنْدُبَا مِنْ كُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَمَا لَا يُدَّخَرُ أَيْ وَكُلُّ مَا لَا يُدَّخَرُ مِنْ الْخُضَرِ وَهِيَ كُلُّ مَا يَخْرُجُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ كَالْمُلُوخِيَّةِ، وَالْأَمْرُ وَاضِحٌ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ الْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ] مَبْنِيٌّ عَلَى

وَالْبَصَلِ امْتَنَعَ التَّفَاضُلُ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: (وَسَائِرِ الْإِدَامِ، وَالطَّعَامِ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَالشَّرَابِ) مِثْلُ الْعَسَلِ، وَالْخَلِّ أَيْ: يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِيهِ (إلَّا الْمَاءِ وَحْدَهُ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ وَبَيْعُهُ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا. خَامِسُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الشَّرَابِ (وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ، وَالثِّمَارِ بِالطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ) لِحَدِيثِ «فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . سَادِسُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ (إلَّا فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ) وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ. وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُنَاجَزَةً أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا هُوَ فَقَالَ: (وَالْقَمْحُ، وَالشَّعِيرُ، وَالسُّلْتُ) وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ كَأَنَّهُ حِنْطَةٌ (كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ) الْكَافُ زَائِدَةٌ، مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: هُمَا جِنْسَانِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَدَلِيلُ كُلٍّ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ. ابْنُ بَشِيرٍ: اتَّفَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْعِلَّةَ الِادِّخَارُ فَقَطْ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ الْعَسَلِ] الْعَسَلُ الْمُخْتَلِفُ الْأَصْلِ أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي اسْتِعْمَالِهَا، وَأَمَّا الْخُلُولُ فَكُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْحُمُوضَةُ كَمَا أَنَّ الْأَنْبِذَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَغَى مِنْهَا الشُّرْبُ، وَالْمُرَادُ بِالنَّبِيذِ مَا بَقِيَ عَلَى حَلَاوَتِهِ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى الْحُمُوضَةِ كَمَا فِي بَهْرَامَ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءَ وَحْدَهُ] اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَذْبُ هُوَ مَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ، وَلَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْقَيْسُونِيِّ وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَثَانِيهِمَا الْأُجَاجُ وَهُوَ مَا لَا يُشْرَبُ لِمَرَارَتِهِ كَالْبَحْرِ الْمَالِحِ وَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ، فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ. وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ جَازَ، وَلَوْ إلَى أَجَلٍ، وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْقِلَّةِ، وَالْكَثْرَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ، وَيَمْتَنِعُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ إنْ كَانَ هُوَ الْمُعَجَّلَ فَفِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ هُوَ الْكَثِيرَ فَفِيهِ تُهْمَةُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا] أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: مَسْأَلَةِ التَّفَاضُلِ وَبَيْعِ الطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَذْبِ كَمَا أَفَادَهُ صَرِيحُ بَعْضِهِمْ، فَالْمُقَابَلُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَهُ رِبَوِيًّا خَرَّجَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنَعَ بَيْعَهُ بِالطَّعَامِ لِأَجَلٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ، وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ بِأَنَّ رِبَا النَّسَاءِ أَعَمُّ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ رِبَا الْفَضْلِ. [قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ] أَيْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» . [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ] شَمَلَ كَلَامُهُ مَا يُدَّخَرُ مِنْهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ لَكِنْ قَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمَشْهُورَ جَوَازُ التَّفَاضُلِ فِيهَا، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْخُضَرِ، وَالْفَوَاكِهِ وَبَيْنَ مَنْعِهِ فِي الطَّعَامِ أَنَّ الطَّعَامَ فِيهِ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ، وَإِنْ اُدُّخِرَ بَعْضُهُ لَا يُقْتَاتُ غَالِبًا. [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ] عَلَّلَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَحُكْمُ الْمُسْتَثْنَى عُلِمَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَعَ الْفَوَاكِهِ الْخُضَرَ وَذَكَرَ مَعَهَا هُنَاكَ الْبُقُولَ اهـ. [قَوْلُهُ: ضَرْبٌ] أَيْ نَوْعٌ [قَوْلُهُ: كَجِنْسٍ وَاحِدٍ] أَيْ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ. وَقَوْلُهُ: فِيمَا يَحِلُّ أَيْ مِنْ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ. وَقَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ أَيْ مِنْ عَدَمِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْكَافُ زَائِدَةٌ] أُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اتِّحَادُ جِنْسِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ فَلَمْ يَلْزَمْ اتِّحَادٌ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ كُلٍّ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ. قَالَ السُّيُورِيُّ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ: إنَّهُمَا جِنْسَانِ أَيْ الْقَمْحَ، وَالشَّعِيرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ

الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّ طَحْنَ هَذِهِ الْحُبُوبِ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ أُصُولِهَا. وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ (وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ) أَعْلَاهُ وَرَدِيئُهُ أَسْوَدُهُ وَأَحْمَرُهُ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ (وَ) كَذَلِكَ (التَّمْرُ) يَابِسُهُ (كُلُّهُ) عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ قَدِيمًا وَجَدِيدًا (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا، وَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَالْقَطْنِيَّةُ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا (أَصْنَافٌ فِي) بَابِ (الْبُيُوعِ وَ) هَذَا لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَلْ (اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ) الْإِمَامِ (مَالِكٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا أَصْنَافٌ وَرِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا صِنْفٌ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي) الْمُدَوَّنَةِ فِي بَابِ (الزَّكَاةِ أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ) وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَا اتَّحَدَ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَاخْتَلَفَ مِنْ الْحُبُوبِ، وَالْقَطَانِيِّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا اتَّحَدَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَدْ أَرْبَى» . وَقَالَ ك: وَتَمَسَّكَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِهِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ فَاشِيًّا بِأَنَّهَا جِنْسٌ. وَتَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَيْهِمْ نَزَلَتْ أَوَّلًا، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِيهَا فَيُلْتَفَتُ إلَى عَوَائِدِهِمْ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَمْحَ، وَالشَّعِيرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ السُّلْتَ يَلْحَقُ بِهِمَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ اهـ كَلَامُ التَّحْقِيقِ، وَالشَّيْخُ زَرُّوقٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَمْحِ، وَالشَّعِيرِ قَالَ: وَفِي إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي السُّلْتِ مِثْلُهُمَا نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ عَدَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ] الْمُنَاسِبُ التَّفْرِيعُ. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا] أَيْ وَأَمَّا مُتَمَاثِلًا فَيَجُوزُ، وَهَلْ الْجَوَازُ إنْ وَزْنًا هُوَ حَمْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ أَوْ الْجَوَازُ مُطْلَقًا أَيْ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا وَهُوَ حَمْلُ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْعَجِينِ] فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَجِينِ بِالدَّقِيقِ لَكِنْ يُتَحَرَّى مَا فِي الْعَجِينِ مِنْ الدَّقِيقِ هَذَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ رِبَوِيٍّ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ. [قَوْلُهُ: وَالزَّبِيبُ] ، وَكَذَا الْعِنَبُ كُلُّهُ جِنْسٌ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِمَّا ذَكَرَ التَّمَاثُلُ وَيَحْرُمُ فِيهِ التَّفَاضُلُ. [قَوْلُهُ: أَعْلَاهُ] أَيْ جَيِّدُهُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ التَّمْرُ يَابِسُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّمْرَ لَا يَكُونُ إلَّا يَابِسًا فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ يَابِسُهُ بِالضَّمِيرِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ الْيَابِسُ فَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ، وَيُجَابُ بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّمْرَ صِنْفٌ، وَالرُّطَبَ صِنْفٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ إمَّا بَلَحٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ أَوْ بُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ، فَالْأَقْسَامُ خَمْسَةٌ لَا سِتَّةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَمْسَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَهِيَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ صُورَةً الْمُكَرَّرُ مِنْهَا عَشْرَةٌ وَبَاقِي ذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ بَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالْأَرْبَعِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الْبَلَحِ الْكَبِيرِ بِمِثْلِهِ وَبِالثَّلَاثِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الْبُسْرِ بِمِثْلِهِ وَبِالِاثْنَيْنِ بَعْدَهُ، وَبَيْعُ الرُّطَبِ بِمِثْلِهِ وَبِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْجَائِزُ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْعُ كُلٍّ بِمِثْلِهِ وَبَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَهُ. وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ، وَأَمَّا مَا بَلَغَ حَدَّ الرَّامِخِ فَهُوَ رِبَوِيٌّ بِخِلَافِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الرَّامِخِ فَلَيْسَ بِطَعَامٍ أَصْلًا، وَأَمَّا الطَّلْعُ، وَالْإِغْرِيضُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ إلَّا الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ فَلَا يُبَاعُ الْقَمْحُ الْيَابِسُ بِالْبَلِيلَةِ وَلَا الْفُولُ الْيَابِسُ بِالنَّابِتِ وَلَا النَّبِيذُ بِالتَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبُ مُتَمَاثِلًا وَأَوْلَى مُتَفَاضِلًا بِخِلَافِ الْخَلِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهَا، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا لِبُعْدِ الْخَلِّ عَنْ التَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ. وَأَمَّا الْخَلُّ، وَالنَّبِيذُ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَالتَّنَاجُزِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِقُرْبِ الْخَلِّ مِنْ النَّبِيذِ. [قَوْلُهُ: قَدِيمًا وَجَدِيدًا إلَخْ] فَيَجُوزُ فِيهِ التَّمَاثُلُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُبَاعُ جَدِيدٌ بِقَدِيمٍ؛ لِأَنَّهُ جَافٌّ بِرَطْبٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا صِنْفٌ إلَخْ] رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ. وَقَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَيْ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهَا أَصْنَافٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ يُقَدَّمُ مَا فِيهَا عَلَى الْمَوَّازِيَّةِ. وَالْحَاصِلُ عَلَى مَا فِي تت أَنَّهُ قِيلَ إنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الْبَابَيْنِ، وَقُلْ: أَصْنَافٌ فِيهِمَا، وَقِيلَ: صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَصْنَافٌ فِي الْبُيُوعِ أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْأُرْزُ، وَالدَّخَنُ، وَالذُّرَةُ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ فِي الْبُيُوعِ، وَالزَّكَاةِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمُقْتَاتُ مُقَيَّدٌ

أَجْنَاسِ الْقُوتِ فَقَالَ: (وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ) الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْمَعْزِ (وَ) مِنْ (الْوَحْشِ) كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ كُلِّهِ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا وَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا، (وَ) كَذَلِكَ (لُحُومُ الطَّيْرِ كُلِّهِ) إنْسِيُّهُ وَوَحْشِيُّهُ، وَإِنْ كَانَ طَيْرَ مَاءٍ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ (وَ) كَذَلِكَ (لُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلِّهِ صِنْفٌ) وَاحِدٌ (وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ) فَلَا يُبَاعُ شَحْمُ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بِلَحْمِهَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَا شَحْمُ الْحُوتِ بِالْحُوتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ (وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ) مِنْ الْأَنْعَامِ (وَجُبْنُهُ وَسَمْنُهُ صِنْفٌ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ. ك: وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَالِكٌ وَلَا أَصْحَابُهُ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ عِنْدِي مِنْ مُشْكِلَاتِ الرِّسَالَةِ. وَقَالَ ق: قَالَ الْجُزُولِيُّ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ صِنْفٌ، وَجُبْنُهُ صِنْفٌ، وَسَمْنُهُ صِنْفٌ فَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ يَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ صِنْفٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا وَلَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ قَوِيٍّ بِحَيْثُ يَبْعُدُ عَنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ كَقَلْيِ الْقَمْحِ أَوْ طَبْخِهِ أَوْ جَعْلِهِ خُبْزًا لَا بِطَحْنِهِ، وَلَوْ عُجِنَ وَلَا بِصَلْقِهِ إلَّا التُّرْمُسُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ جِنْسًا آخَرَ بِصَلْقِهِ وَوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ حَتَّى صَارَ حُلْوًا. وَأَمَّا صَلْقُ الْقَمْحِ أَوْ الْفُولِ أَوْ الْحِمَّصِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ فَلِذَا لَا يُبَاعُ الْيَابِسُ بِالْمَصْلُوقِ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْحُبُوبِ إلَخْ] لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْحُبُوبِ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ مَا اتَّحَدَ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَطَانِيُّ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ مِمَّا اتَّحَدَ جِنْسُهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَجْنَاسِ الْقُوتِ] أَيْ الْمُقْتَاتِ وَأَرَادَ الْجِنْسَ اللُّغَوِيَّ الشَّامِلَ لِلنَّوْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مِنْ أَجْنَاسِ الْقُوتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ] ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ طَبْخِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَبْخِهَا بِأَبْزَارٍ أَمْ لَا. وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الطَّبْخَ بِالْأَبْزَارِ نَاقِلٌ فَالْمُرَادُ نَاقِلٌ لَهُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَمُرَادُهُ: ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَيْ الْمُبَاحَةِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ مَعَ الْمَكْرُوهِ مِثْلُ السَّبُعِ، وَالضَّبُعِ، وَالْمُهْرِ فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُكْرَهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ مُفَادُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَبْقَاهَا بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْأَنْعَامِ بِالْخَيْلِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا. [قَوْلُهُ: وَلُحُومُ الطَّيْرِ إلَخْ] أَيْ الْمُبَاحِ، وَأَمَّا الْمُبَاحُ مَعَ الْمَكْرُوهِ مِثْلُ الْوَطْوَاطِ فَيُكْرَهُ التَّفَاضُلُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الطَّيْرَ عِنْدَنَا كُلَّهُ مُبَاحٌ مَا عَدَا الْوَطْوَاطَ فَفِي. عَجٍّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ الطَّيْرِ مَا جَرَى فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ طَيْرَ مَاءٍ] أَيْ طَيْرًا بَرِّيًّا يُلَازِمُ الْمَاءَ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ] أَيْ مِنْ سَمَكٍ وَتِمْسَاحٍ وَآدَمِيِّ الْمَاءِ وَكَلْبِهِ وَخِنْزِيرِهِ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ الصِّيرُ بِتَمْلِيحِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَفِي عج أَنَّ الْبَطَارِخَ فِي حُكْمِ الْمُودَعِ فِي السَّمَكِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيُبَاعُ بِالسَّمَكِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَمَا يُبَاعُ الطَّيْرُ وَلَحْمُهُ بِبِيضِهِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا. [قَوْلُهُ: مِنْ شَحْمٍ] أَيْ أَوْ كَبِدٍ أَوْ قَلْبٍ أَوْ طِحَالٍ أَوْ رَأْسٍ بَلْ الْعَظْمُ، وَالْجِلْدُ، وَالْمَرَقُ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَظْمُ مُتَّصِلًا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ فِي حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ. وَأَمَّا لَوْ انْفَصَلَ عَنْ اللَّحْمِ فَلَا يَكُونُ كَهُوَ إذَا كَانَ يُمْكِنُ أَكْلُهُ كَالْقَرْقُوشَةِ لَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا كَنَوَى الْبَلَحِ، وَمَحَلِّ كَوْنِ اللَّحْمِ جِنْسًا مَا لَمْ يُنْقَلْ اللَّحْمُ عَنْ أَصْلِهِ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ. وَالنَّقْلُ يَكُونُ بِالطَّبْخِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَبْزَارِ، وَلَوْ كَأُرْزٍ أَوْ بَصَلٍ زِيَادَةً عَلَى الْمِلْحِ، وَمِثْلُ طَبْخِهِ بِالْأَبْزَارِ شَيُّهُ أَوْ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاءِ بِأَبْزَارٍ، وَأَمَّا بِغَيْرِ أَبْزَارٍ فَلَا يُنْقَلُ اللَّحْمُ النِّيءُ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ، وَلَوْ طُبِخَ لَحْمٌ مِنْ جِنْسَيْنِ فِي قِدْرٍ أَوْ قُدُورٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَأَمَّا بِأَبْزَارٍ فَقِيلَ بَاقِيَانِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَقِيلَ: صَارَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَنْعَامِ] لَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ بَلْ جَمِيعُ الْأَلْبَانِ حَتَّى مِنْ الْآدَمِيِّ صِنْفٌ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ جَوَازُ إلَخْ] أَيْ أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ بَيْعِ اللَّبَنِ بِالسَّمْنِ مُتَمَاثِلًا، وَكَذَا بِالْجُبْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قَالَ الْجُزُولِيُّ] أَيْ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ لَكِنْ يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ إيهَامُ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالسَّمْنِ أَوْ الْجُبْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ

ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ نَوْعًا مِنْ أُصُولِ الرِّبَا فَقَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا) رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِالطَّعَامِ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا (إذَا كَانَ شِرَاؤُهُ) أَيْ شِرَاءُ الْمُبْتَاعِ (ذَلِكَ) الطَّعَامِ (عَلَى وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ عَدَدٍ) ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ هَذَا الْقَيْدِ زِيَادَةَ إيضَاحٍ فَقَالَ: (بِخِلَافِ الْجُزَافِ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَلْبَانِ صِنْفٌ، وَجَمِيعَ الْأَسْمَانِ صِنْفٌ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا مَعَ غَيْرِهَا أَصْنَافٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ جَمِيعِ الْأَلْبَانِ صِنْفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَلْبَانِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْأَلْبَانَ مَعَ الزُّبْدِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَكَذَا مَعَ الْجُبْنِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّبَنَ مَعَ فُرُوعِهِ سَبْعَةٌ: حَلِيبٌ وَمَخِيضٌ وَمَضْرُوبٌ وَجُبْنٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَأَقِطٌ، وَالصُّوَرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ بَيْعِ الْأَنْوَاعِ بِبَعْضِهَا أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ فَبَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ بِنَوْعِهِ مُتَمَاثِلًا جَائِزٌ يَدًا بِيَدٍ فَهَذِهِ سَبْعٌ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَلِيبِ، وَالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا وَهَذِهِ ثَمَانِ صُوَرٍ، وَكَذَا بَيْعُ الْمَخِيضِ بِالْمَضْرُوبِ مُتَمَاثِلًا فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشَرَ جَائِزَةً، وَبَقِيَ ثَلَاثُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ بَيْعُ الْأَقِطِ بِالْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ وَبَيْعُ الْجُبْنِ بِالْأَقِطِ، وَالْبَاقِيَةُ مَمْنُوعَةٌ وَهِيَ بَيْعُ الْحَلِيبِ بِالزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ، وَالْجُبْنِ وَبِالْأَقِطِ وَبَيْعُ الزُّبْدِ بِمَا بَعْدَهُ وَبَيْعُ السَّمْنِ بِمَا بَعْدَهُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَخِيضُ، وَالْمَضْرُوبُ كِلَاهُمَا لَبَنٌ اُسْتُخْرِجَ زُبْدُهُ، فَالْمَخِيضُ الَّذِي يُمْخَضُ فِي الْقِرْبَةِ، وَالْمَضْرُوبُ هُوَ الَّذِي يُعْمَلُ آنِيَةً بِصِنَاعَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الزُّبْدِ اهـ. وَذَكَرَ أَيْضًا فِي التَّحْقِيقِ عَنْ الْجُزُولِيِّ فِي تَتْمِيمِ كَلَامِ الْجُزُولِيِّ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ بَيْعِ الزُّبْدِ بِالزُّبْدِ مُتَمَاثِلًا مَا لَمْ يَكُنْ بَعْضُهُ أَيْبَسَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ، وَكَذَا فِي الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ. بِالْمَعْنَى وَفِي عَجَّ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْجُبْنِ، وَلَوْ كَانَ الْجُبْنُ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ؛ لِأَنَّ التَّجْبِينَ نَاقِلٌ. وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ حَلِيبٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ فَيَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ رَطْبٌ بِيَابِسٍ. وَقَالَ عج: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ جَوَازُ بَيْعِ الْجُبْنِ بِالْجُبْنِ مُتَمَاثِلًا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي الْأَقِطِ بِالْأَقِطِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مُرَاعَاةٌ لِاتِّحَادِ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْحَلِيبِ، وَالْمَأْخُوذَةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا فِي أَقِطٍ مِنْ حَلِيبٍ بِأَقِطٍ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ وَجْهَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ، وَالْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَقِطِ نَاقِلٌ. وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الْحَطَّابُ لِذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مَنْعُ الْحَلِيبِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ مَخِيضٍ أَوْ مَضْرُوبٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْجُبْنُ مِنْ الْحَلِيبِ وَمِنْ غَيْرِهِ صِنْفًا وَاحِدًا نَزَلَ الْجُبْنُ مِنْ غَيْرِهِ مَنْزِلَةَ الْجُبْنِ مِنْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَقِطِ وَفِي مَنْعِ بَيْعِ الزُّبْدِ أَوْ السَّمْنِ بِالْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ نَظَرٌ لِتَبَاعُدِ مَنْفَعَةِ الزُّبْدِ، وَالسَّمْنِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْجُبْنِ، وَالْأَقِطِ اهـ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ وَجْهَ إلَخْ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَخِيضِ أَوْ الْمَضْرُوبِ بِالْأَقِطِ لَا بُدَّ مِنْ التَّمَاثُلِ، وَفِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ الْجَائِزَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمُمَاثَلَةِ فِي بَيْعِ كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ السَّبْعَةِ بِمِثْلِهَا، وَكَذَا إذَا بِيعَ الْمَخِيضُ أَوْ الْمَضْرُوبُ بِحَلِيبٍ فَإِنْ بِيعَا بِزُبْدٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ جُبْنٍ أَيْ مِنْ حَلِيبٍ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمُمَاثَلَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الرِّبَا] أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا فَأَنْوَاعُهُ بِانْضِمَامِ هَذَا إلَى الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَعَلَّهُ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِهِمْ تَبِعَهُ وَإِلَّا فَالْمَفْهُومُ مِنْ خَلِيلٍ اثْنَانِ فَقَطْ رِبَا الْفَضْلِ، وَالنَّسَاءِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا] أَيْ طَعَامَ مُعَاوَضَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَالِيَّةً كَالشِّرَاءِ مَثَلًا، أَوْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ كَأَخْذِ الرَّجُلِ طَعَامًا مِنْ زَوْجَتِهِ فِي مُقَابَلَةِ خُلْعٍ أَوْ إفْتَاءٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَسَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا أُحِبُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى خِطَابِهِمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْعَ وَأَمَّا مَا أُخِذَ مِنْ الشُّوَنِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إذْ أَصْلُهُ صَدَقَةٌ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ، وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَخْ] قِيلَ:

عَدَدٍ، فَإِنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ. ك؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ. وَقَالَ ق: النَّظَرُ إلَى الْجُزَافِ قَبْضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا جَعَلْنَا قَبْضًا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ: قَبْلَ قَبْضِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. (وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ) رِبَوِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ (أَوْ) كُلُّ (إدَامٍ) كَالشَّحْمِ، وَاللَّحْمِ (أَوْ) كُلُّ الْأَبْزَارِ كَالْمِلْحِ أَوْ (كُلُّ شَرَابٍ) لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ (إلَّا الْمَاءُ وَحْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ، وَكَرَّرَ الطَّعَامَ لِيُنَبِّهَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ لَا يُمْنَعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا إذَا كَانَ رِبَوِيًّا (وَمَا يَكُونُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ) كَالْعَسَلِ يُرَكَّبُ (وَ) مَا يَكُونُ مِنْ (الزَّرَارِيعُ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ) وَتُؤْكَلُ عَلَى حَالِهَا كَالسَّلْقِ، وَالْجَزَرِ وَمَا يَكُونُ مِنْ الزَّرَارِيعِ الَّتِي يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ لِغَيْرِ الْأَكْلِ كَالْكَتَّانِ (فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فِيمَا) أَيْ الَّذِي (يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ) فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ (التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَالتَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهَا (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الطَّعَامِ الْقَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ) فَيَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْ الْمُقْرِضِ وَغَيْرِهِ بِشَرْطِ النَّقْدِ، وَلَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَبُّدٌ وَقِيلَ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ غَرَضَ الشَّارِعِ سُهُولَةُ الْوُصُولِ إلَى الطَّعَامِ لِيَتَوَصَّلَ إلَيْهِ الْقَوِيُّ، وَالضَّعِيفُ، وَلَوْ جَازَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَرُبَّمَا أَخْفَى بِإِمْكَانِ شِرَائِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَبَيْعِهِ خُفْيَةً فَلَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ الْفَقِيرُ وَلِأَجْلِ نَفْعِ الْكَيَّالِ، وَالْجَمَّالِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] ، وَعَنْ مَالِكٍ مَنْعُهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ] أَيْ وَأَمَّا مَا أُخِذَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْعَقْدِ وَالشَّارِحُ لَمْ يُتِمَّ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ وَتَتْمِيمُهُ بِخِلَافِ الْجُزَافِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْعَقْدِ فَجَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَسَاوَى تَعْلِيلَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ. [قَوْلُهُ: النَّظَرُ إلَى الْجُزَافِ قَبْضٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: لَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْضًا، وَالطَّعَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَالْجُزَافُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. [قَوْلُهُ: دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ] الْمُنَاسِبُ دَاخِلٌ تَحْتَ اسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ. وَقَوْلُهُ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ أَيْ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي كُلٍّ [قَوْلُهُ: إدَامٌ] الْإِدَامُ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا وَجَمْعُهُ أُدْمٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ وَيُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُفْرَدِ، وَيُجْمَعُ عَلَى آدَامٍ مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: كَالْمِلْحِ] فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الْمِلْحَ لَيْسَ مِنْ الْأَبْزَارِ، وَالْأَبْزَارُ جَمْعُهَا أَبَازِيرُ وَاحِدُهَا بِزْرٌ بِكَسْرٍ فِي الْأَصَحِّ وَيُفْتَحُ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ لَيْسَ بِرِبَوِيٍّ] الْأَوْلَى لَيْسَ بِطَعَامٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ، وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ مِنْ أَنَّهُ طَعَامٌ فَمُؤَوَّلٌ بِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الشَّرَفِ، وَالِاحْتِرَامِ وَفِي أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْغِذَاءُ كَالطَّعَامِ الْحَقِيقِيِّ. [قَوْلُهُ: وَكَرَّرَ الطَّعَامَ إلَخْ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لِمَ كَرَّرَ الطَّعَامَ إلَّا أَنَّ الْأَنْسَبَ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِأَدَاةِ التَّشْبِيهِ الْمُقْتَضِي لِتَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: لِيُنَبِّهَ] أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرُ بِأَدَاةِ الْعُمُومِ،، وَالْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: كَالْعَسَلِ يُرَكَّبُ] أَيْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ فَيُجْعَلُ دَوَاءً، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَعْنِي أَدْوِيَةَ الْحُكَمَاءِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الزَّرَارِيعِ] صَوَابُهُ " الزَّرَائِعِ "؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ زَرِيعَةٌ خَفِيفَةُ الرَّاءِ، وَالتَّشْدِيدُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: كَالسِّلْقِ] أَيْ وَكَزَرِيعَةِ السِّلْقِ، وَالسِّلْقُ بِكَسْرِ السِّينِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ وَكَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَبْيَضِ وَحَبِّ الْبَصَلِ، وَيُتَوَقَّفُ فِي كَوْنِ تِلْكَ الزَّرَائِعِ تُؤْكَلُ أَيْ شَأْنُهَا الْأَكْلُ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنَّمَا تُرَادُ لِلزَّارِعَةِ فَتَدَبَّرْ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ الَّتِي لَا يُعْتَصَرُ مِنْهَا زَيْتٌ أَيْ شَأْنُهَا أَنَّهَا لَا تُعْتَصَرُ احْتِرَازًا عَنْ حَبِّ السِّمْسِمِ، وَالْقُرْطُمِ وَحَبِّ الْفُجْلِ الْأَحْمَرِ، وَالزَّيْتُونِ فَهَذِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، وَكَذَا مُصْلِحُ الطَّعَامِ كَمِلْحٍ وَبَصَلٍ وَثُومٍ وَتَابِلٍ كَفِلْفِلٍ وَكُزْبَرَةٍ وَأَنِيسُونَ وَشَمَارِ وَكَمُّونَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ. [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْأَكْلِ كَالْكَتَّانِ] أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ] أَيْ وَصْفُ ذَلِكَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ الْبَيْعِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْطُوفِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ] أَيْ يَجُوزُ لِمَنْ اقْتَرَضَ طَعَامًا مِنْ شَخْصٍ لَمْ يَشْتَرِهِ أَوْ اشْتَرَاهُ وَقَبَضَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ مُقْرِضِهِ، وَلَوْ

[البيوع الفاسدة]

لِأَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ لِلْمُقْرِضِ يَكُونُ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَكُونُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (وَ) كَذَا (لَا بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ) فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَهُوَ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِي الْبَعْضِ (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ بِ (التَّوْلِيَةِ فِيهِ) وَهُوَ أَنْ يُوَلِّيَ مَا اشْتَرَاهُ لِآخَرَ (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ بِ (الْإِقَالَةِ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَهُوَ أَنْ يُقِيلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْعَكْسُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَقَالَ: (وَكُلُّ عَقْدٍ بِبَيْعٍ) وَهُوَ مَا كَانَ لِتَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ (أَوْ) بِ (إجَارَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْهَمْزَةِ مَعَ الْمَدِّ وَعَدَمِهِ وَهِيَ الْعَقْدُ عَلَى مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ (أَوْ) بِ (كِرَاءٍ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى مَنْفَعَةِ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاقْتَرَضَهُ عَلَى الْكَيْلِ وَكَمَا يَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُهُ وَفَاءً عَنْ قَرْضٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْقَرْضِ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرٍ لَمْ يَقْبِضْهُ احْتِرَازًا عَمَّنْ اشْتَرَى طَعَامًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ ثُمَّ أَقْرَضَهُ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُقْتَرِضِ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَجْرِي هَذَا الْقَيْدُ فِي الطَّعَامِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ، وَالْمَوْهُوبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُقْرِضِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بَيْعُهُ، وَقَوْلُهُ: بِشَرْطِ النَّقْدِ أَيْ يَبِيعُهُ لِلْمُقْرِضِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى النَّقْدِ أَيْ الْحُلُولِ، وَظَاهِرُهُ النَّقْدُ بِالْفِعْلِ وَانْظُرْهُ وَيُقَيَّدُ بِمَا يُفِيدُهُ عج عَلَى خَلِيلٍ بِمَا إذَا كَانَ بَاعَهُ بِغَيْرِ طَعَامٍ وَإِلَّا امْتَنَعَ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرِ يَدٍ بِيَدٍ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا عِنْدَ بَيْعِهِ لِلْمُقْرِضِ عَلَى النَّقْدِ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الْقَرْضِ قَدْرَ أَجَلِ السَّلَمِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا يُعَدُّ لَغْوًا فَكَأَنَّ الْمُقْرِضَ أَسْلَمَ الْمُقْتَرَضَ. [قَوْلُهُ: مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ] أَيْ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُقْرِضِ. وَقَوْلُهُ: فِي دَيْنٍ وَهُوَ الثَّمَنُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ وَهُوَ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُقْرِضِ. [قَوْلُهُ: فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ] أَيْ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ أَيْ وَكَذَلِكَ الْمَوْزُونُ، وَالْمَعْدُودُ، وَالْجُزَافُ أَحْرَى فِي الْجَوَازِ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ قَبْضِهِ وَأَحْرَى بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ] هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: حَقِيقَةُ الشِّرْكَةِ هُنَا جَعْلُ مُشْتَرٍ قَدْرًا لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِاخْتِيَارِهِ بِمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ بِمَنَابِهِ مِنْ ثَمَنِهِ. [قَوْلُهُ: فِي الْبَعْضِ] الْمُنَاسِبِ فِي الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُوَلِّيَ إلَخْ] فَحَقِيقَتُهَا أَنْ يَجْعَلَ الطَّعَامَ الَّذِي اشْتَرَاهُ لِغَيْرِ بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ وَهُوَ فِي الطَّعَامِ غَيْرُ جُزَافٍ قَبْلَ كَيْلِهِ رُخْصَةً، فَمَنْ اشْتَرَى حِصَّةً مِنْ الطَّعَامِ عَلَى الْكَيْلِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا لِغَيْرِهِ بِثَمَنِهَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا بَأْسَ إلَخْ] إنَّمَا جَازَتْ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتُ فِي طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِشَبَهِهَا بِالْقَرْضِ فِي الْمَعْرُوفِ. تَنْبِيهٌ: شَرَطُوا لِجَوَازِ التَّوْلِيَةِ، وَالشِّرْكَةِ أَنْ يَسْتَوِيَ عَقْدَاهُمَا فِيهِمَا حُلُولًا وَتَأْجِيلًا وَرَهْنًا وَحَمِيلًا، وَفِي رَأْسِ الْمَالِ، وَأَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا لَا عَرْضًا غَيْرَ مِثْلِيٍّ بِاتِّفَاقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا مِثْلِيًّا فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا أَشْهَبَ، وَلَعَلَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ قَدْ تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَأَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْمُشْرِكُ بِالْكَسْرِ عَلَى الْمُشْرَكِ بِفَتْحِهَا أَنْ يَنْقُدَ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُقِيلَ إلَخْ] لَكِنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الْإِقَالَةُ فِي الْجَمِيعِ وَكَوْنُ الطَّعَامِ بِبَلَدِ الْإِقَالَةِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَكَوْنُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَيُمْنَعُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ مُؤْتَنَفٌ لِأَجَلِهِ، وَإِذَا كَانَتْ فِي سَلَمٍ وَجَبَ فِيهِ تَعْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا فِي الْإِقَالَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ الْإِقَالَةُ مِنْ الْبَعْضِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَرْضًا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ مُطْلَقًا أَوْ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا مَا لَمْ يُقْبَضْ أَوْ قُبِضَ، وَلَمْ يَغِبْ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ غَيْبَةً لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهَا، وَأَمَّا لَوْ غَابَ غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِيهَا لَمْ تَجُزْ فِي الْبَعْضِ، وَالطَّعَامُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَمَفْهُومُ الْمَكِيلِ قَبْلَ قَبْضِهِ جَوَازُ الْإِقَالَةِ مِنْ الْجَمِيعِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا أَوْ مَكِيلًا بَعْدَ قَبْضِهِ بِالْأَوْلَى. [الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ] [قَوْلُهُ: أَوْ بِإِجَارَةٍ إلَخْ] قَدَّرَ الْبَاءَ لِكَوْنِهِ مُلَاحَظًا تَقْدِيرُهَا فِي قَوْلِهِ بَيْعٌ، وَالتَّقْدِيرُ وَكُلُّ عَقْدٍ يَكُونُ بِبَيْعٍ أَوْ بِإِجَارَةٍ أَيْ يَكُونُ مُتَلَبِّسًا بِبَيْعٍ إلَخْ. مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ، وَلَا دَاعِيَ لِذَلِكَ لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِجَعْلِ الْإِضَافَةِ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ:

[مسائل ممنوعة في البيع]

لَا يَعْقِلُ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ (بِخَطَرٍ أَوْ غَرَرٍ) أَيْ وَكَانَ فِيهِ خَطَرٌ أَوْ غَرُورُهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا جُهِلَتْ عَيْنُهُ وَقِيلَ: مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ، وَالْعَطَبِ (فِي ثَمَنٍ أَوْ مَثْمُونٍ أَوْ أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ) مِثَالُهُ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً بِبَعِيرِهِ الشَّارِدِ، وَمِثَالُهُ فِي الْمَثْمُونِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ عَبْدَهُ الْآبِقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَمِثَالُهُ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَةً إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَقْدَمُ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَرَرِ وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مَجْهُولٍ وَلَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ) مُكَرَّرٌ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا قَبْلَهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ التَّدْلِيسُ) وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بِسِلْعَتِهِ عَيْبًا فَيَكْتُمَهُ عَنْ الْمُشْتَرِي (وَلَا) يَجُوزُ (الْغِشُّ) وَهُوَ أَنْ يَخْلِطَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَخَلْطِ الْعَسَلِ بِالْمَاءِ (وَلَا) تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَدَمِهِ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْمَدِّ تَكُونُ الْهَمْزَةُ مَكْسُورَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَعَ عَدَمِ الْمَدِّ تَكُونُ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً وَهُوَ أَجْرٌ عَلَى وَزْنِ فَلْسٍ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيُسْتَعْمَلُ الْأَجْرُ بِمَعْنَى الْإِجَارَةِ وَبِمَعْنَى الْأُجْرَةِ وَجَمْعُهُ أُجُورٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ اهـ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِكِرَاءٍ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ أَيْ كَسَفِينَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ] أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِأَوْ يُنَافِي ذَلِكَ. فَالْمُنَاسِبُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمَا مُتَبَايِنَانِ، فَالْخَطَرُ مَا لَمْ يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ كَقَوْلِهِ: بِعْنِي فَرَسَك بِمَا أَرْبَحُ غَدًا، وَالْغَرَرُ مَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ وَشَكَّ فِي تَمَامِهِ كَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ السَّلَامَةِ] ، وَالْعَطَبِ هَذَا لَا يَشْمَلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرَدُّدٌ بَيْنَ السَّلَامَةِ، وَالْعَطَبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ فَاسِدِ بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ الْغَرَرَ بِقَوْلِهِ: مَا شَكَّ فِي حُصُولِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ أَوْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ غَالِبًا، مِثَالُ الْأَوَّلِ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ، وَمِثَالُ الثَّانِي بَيْعُ الْحَيَوَانِ الَّذِي فِي السِّبَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا شِرَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ] خَبَرُ كُلٍّ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً وَقَرَتَهُ بِالْفَاءِ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْ الْعُمُومِ فَاكْتَسَبَ شَبَهًا بِالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: وَمِثَالُهُ إلَخْ] مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ هُوَ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثَالَيْ الثَّمَنِ، وَالْمَثْمُونِ يَأْتِيَانِ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِلْغَرَرِ، وَمِثَالُ الْأَجَلِ يَأْتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا جُهِلَتْ عَيْنُهُ مَعْنَاهُ شَيْءٌ جُهِلَتْ عَيْنُهُ فَيُصَدَّقُ بِقُدُومِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ قُدُومَ زَيْدٍ مِنْ حَيْثُ زَمَنُهُ مَجْهُولٌ. قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي: وَمِثَالُ الْغَرَرِ فِي الْإِجَارَةِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَبْدٍ آبِقٍ، وَمِثَالُهُ فِي الْمَثْمُونِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِشَيْءٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَلَا يُسَمِّي لَهُ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ، وَمِثَالُهُ فِيهَا فِي الْأَجَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ وَمِثَالُهُ فِي الْكِرَاءِ فِي الثَّمَنِ أَنْ يَكْتَرِيَ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا بِجَنِينٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ، وَمِثَالُهُ فِي الْمَثْمُونِ أَنْ يَكْتَرِيَ حَانُوتًا وَلَا يُسَمِّيَ مَا يَضَعُ فِي الْحَانُوتِ وَلَا مَا يَزْرَعُ فِي الْأَرْضِ وَلَا عَادَةً، وَمِثَالُهُ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَارًا أَوْ أَرْضًا إلَى أَنْ يَقْدَمَ غُلَامُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَرَرِ] كَبَيْعِهَا بِقِيمَتِهَا. وَقَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مَجْهُولٍ كَبَيْعِ مَا فِي صُنْدُوقِهِ أَوْ مَا فِي يَدِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ إلَخْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ارْتَكَبَهُ إيضَاحًا لِلْمُبْتَدِي. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ مَا فِي الْغَرَرِ الْفَسْخُ قَبْلَ الْفَوَاتِ، فَإِنْ حَصَلَ الْفَوَاتُ بِتَغَيُّرِ الذَّاتِ فِي الْبَيْعِ أَوْ اُسْتُوْفِيَتْ الْمَنَافِعُ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْكِرَاءِ فَالْوَاجِبُ فِي الْبَيْعِ غُرْمُ قِيمَةِ السِّلْعَةِ حَيْثُ اُتُّفِقَ عَلَى الْفَسَادِ، أَوْ الثَّمَنُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ، وَالْوَاجِبُ فِي الْمَنَافِعِ أُجْرَةُ أَوْ كِرَاءُ الْمِثْلِ إلَّا الْغَرَرُ الْيَسِيرُ لِلْحَاجَةِ لَمْ يُقْصَدْ فَلَا يَضُرُّ كَأَسَاسِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ وَكَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ، وَأَمَّا السَّمَكُ فِي الْمَاءِ، وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ فَمُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا. وَقُلْنَا لَمْ يُقْصَدْ احْتِرَازًا عَنْ يَسِيرٍ يُقْصَدُ كَشِرَاءِ حَيَوَانٍ بِشَرْطِ الْحَمْلِ حَيْثُ كَانَ حَمْلُهُ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْضُ مَا قَبْلَهُ] أَيْ لِأَنَّ هَذَا فِي الْبَيْعِ فَقَطْ، وَمَا تَقَدَّمَ أَعَمُّ. [مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فِي الْبَيْع] [قَوْلُهُ: كَخَلْطِ الْعَسَلِ بِالْمَاءِ] أَوْ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ، وَكَسَقْيِ الْحَيَوَانِ عِنْدَ بَيْعِهِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ سَمِينٌ، وَكَتَطْرِيزِ الْكِتَابِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مُقَابَلٌ،

(الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ بِالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ أَوْ يَرْقُمُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ، وَلَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ (وَلَا) يَجُوزُ (الْخَدِيعَةُ) وَهِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ بِالْكَلَامِ حَتَّى يُوقِعَهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: تَعَالَ اشْتَرِ مِنِّي وَأَنَا أُرَخِّصُ لَك. وَقَوْلُهُ: (وَلَا) تَجُوزُ (كِتْمَان الْعُيُوبِ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ التَّدْلِيسُ (وَلَا) يَجُوزُ (خَلْطُ دَنِيءٍ) بِالْهَمْزِ (بِجَيِّدٍ) كَخَلْطِ حِنْطَةٍ دَنِيئَةٍ بِجَيِّدَةٍ (وَلَا) يَجُوزُ (أَنْ يَكْتُمَ مِنْ أَمْرِ سِلْعَتِهِ مَا) أَيْ شَيْئًا (إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ) كَثَوْبِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُجَذَّمِ (أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ) أَيْ الشَّيْءِ (أَبْخَسَ) أَيْ أَنْقَصَ (لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (فِي الثَّمَنِ) كَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ إذَا كَانَ نَجِسًا أَوْ مَغْسُولًا، وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . ك: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ إفْرَاطِ الْغِشِّ خَلْطَ جَيِّدٍ بِرَدِيءٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْخَدِيعَةُ بِالْكَذِبِ فِي الثَّمَنِ] أَيْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنَا أَخَذْتُهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَأَنَا أُنْقِصُ لَك مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا يَقُولَ أَنَا أُنْقِصُهَا وَوَجْهُ كَوْنِهَا خَدِيعَةً إبْهَامُ أَنَّهَا جَيِّدَةٌ لِكَوْنِهَا بِثَمَنٍ كَثِيرٍ [قَوْلُهُ: أَوْ يَرْقُمَ عَلَيْهَا] بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِالْكَذِبِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ وَحْيًا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا غِشٌّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَذِبٌ، وَحُكْمُهُمَا مُخْتَلِفٌ فِي الْمُرَابَحَةِ فَفِي الْكَذِبِ عِنْدَ قِيَامِ السِّلْعَةِ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ الْكَذِبَ وَرِبْحَهُ بِخِلَافِ الْغِشِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَإِنْ حَطَّ عَنْهُ بَائِعُهُ مَا غَشَّهُ بِهِ، فَالْمُشْتَرِي فِي حَالَةِ الْغِشِّ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَرُدَّهَا وَيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْفَوَاتِ فَفِي الْغِشِّ أَقَلُّ الثَّمَنِ، وَالْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي الْكَذِبِ يُخَيَّرُ الْبَائِعُ بَيْنَ أَخْذِ الثَّمَنِ الصَّحِيحِ وَرِبْحِهِ أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْكَذِبِ وَرِبْحِهِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَخْدَعَهُ إلَخْ] بِتَفْسِيرِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ يُفْهَمُ أَنَّ عَطْفَ الْخَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَابَةِ عَطْفٌ مُغَايِرٌ. [قَوْلُهُ: وَأَنَا أُرَخِّصُ لَك] أَيْ أَوْ يُجْلِسُهُ عِنْدَهُ وَيُحْضِرُ لَهُ شَيْئًا مِنْ الْمَأْكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ [قَوْلُهُ: دَنِيءٌ] بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى دُونٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْقَرِيبِ فَهُوَ غَيْرُ مَهْمُوزٍ ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ ك، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْغِشِّ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لِلِاخْتِيَارِ حَذْفَ قَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ التَّدْلِيسِ الَّذِي قَدَّمَهُ، وَمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا كِتْمَانُ الْعُيُوبِ تَفْسِيرَ التَّدْلِيسِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا خَلْطُ دَنِيءٍ بِجَيِّدٍ تَفْسِيرٌ لِلْغِشِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وَأَمَّا إنْ خَلَطَهُ لِعَيْشِهِ وَبَاعَ فَضْلَةً اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ كَمَا فِي تت. تَنْبِيهٌ: يُعَاقَبُ مَنْ غَشَّ بِسَجْنٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إخْرَاجٍ مِنْ السُّوقِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَدْ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ يَصِحُّ رَدُّهُ بَعْدَ مُدَّةٍ يُرْجَى فِيهَا أَنَّهُ قَدْ تَابَ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ [قَوْلُهُ: مَا إذَا ذَكَرَهُ كَرِهَهُ الْمُبْتَاعُ] مَفْهُومُهُ أَنَّ مَا لَا يَكْرَهُهُ الْمُبْتَاعُ لَا يَجِبُ بَيَانُهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ غَيْرُهُ [قَوْلُهُ: كَثَوْبِ الْمَيِّتِ] فَسَّرَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ لِيُفِيدَ مُغَايَرَتَهُ لِلتَّدْلِيسِ [قَوْلُهُ: أَيْ أَنْقَصَ] الْمَعْنَى أَشَدُّ بَخْسًا أَيْ أَشَدُّ نَقْصًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ لَيْسَتْ مُرَادَةً فَالْمُرَادُ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ ذَا نَقْصٍ. وَقَوْلُهُ: كَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ إلَخْ مَثَّلَ الشَّارِحُ بِمَا يُفِيدُ مُغَايَرَةَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ كَانَ ذِكْرُهُ لِمَا قَبْلَهُ أَيْ يَبِيعُهُ ثَوْبًا جَدِيدًا فِيمَا يَقَعُ فِي ذِهْنِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مَغْسُولًا، وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ إلَخْ] ذِكْرُ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ دُونَ الْبَقِيَّةِ فَفِيهِ قُصُورٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْخِدَاعِ فِي الْبَيْعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ: إذَا بَايَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ» وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ بَابِ مَا يَمْحَقُ الْكَذِبَ، وَالْكِتْمَانَ فِي الْبَيْعِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» أَوْ قَالَ: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ» أَيْ صَاحِبُهَا. وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ دَلِيلَ مَنْعِ بَيْعِ الْغَرَرِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» ] قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: أَيْ لَيْسَ مَهْدِيًّا بِهَدْيِنَا وَلَا مُتَّبِعًا لِسُنَّتِنَا؛ لِأَنَّ

[خيار النقيصة]

أَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَحَرُّجِ الْغِشِّ، وَالْخَدِيعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَمْنُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الْمَكْرِ، وَالْحِيَلِ عَلَى النَّاسِ، وَالتَّوَصُّلِ إلَى أَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا) أَوْ غَيْرَهُ (فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا) يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُبْتَاعِ الْخِيَارُ بَيْنَ (أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الَّذِي وَجَدَهُ بِهِ (أَوْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ) إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّضَا أَوْ يَسْكُتَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا خِيَارَ لَهُ. وَقَيَّدْنَا بِ يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّدْلِيسُ بِهِ إمَّا لِظُهُورِهِ كَالْعَوَرِ وَإِمَّا لِخَفَائِهِ كَالْخَشَبَةِ يَنْشُرُهَا فَيَجِدُهَا مَعْفُونَةً أَوْ جَوْزًا يَكْسِرُهُ فَيَجِدُهُ فَارِغًا فَإِنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي وَبِقَوْلِنَا: يُنْقِصُ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِهِ، أَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاصِيَ عِنْدَنَا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ، نَعَمْ لَوْ اعْتَقَدَ حِلَّ ذَلِكَ كَفَرَ اهـ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى فَسَادِ بَيْعِ الْغَرَرِ كَجَنِينٍ، وَالطَّيْرِ، وَالْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا] أَيْ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَهُوَ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ فِي تَحْرِيمِ إلَخْ لَا وَجْهَ لِذِكْرِ هَذَيْنِ وَإِحَالَةُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمَا [قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَمْنُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ] أَيْ ثَبَتَ تَحْرِيمُهَا فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَسَعُ أَحَدًا يُخَالِفُ بَلْ أُجْمِعَ عَلَيْهَا وَهَلْ ثُبُوتُهَا كُلُّهَا تَصْرِيحًا أَوْ الْبَعْضُ تَصْرِيحًا، وَالْبَعْضُ الْتِزَامًا تُرَاجَعُ الْأَحَادِيثُ. [قَوْلُهُ: وَالْحِيَلِ] الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ: وَالْحِيلَةُ وَعَطْفُ الْحِيَلِ عَلَى الْمَكْرِ عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ كَالْمُرَادِفِ وَقَوْلُهُ: وَالتَّوَصُّلِ عَطْفُ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. [خِيَار النَّقِيصَة] [قَوْلُهُ: فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا] لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي حِينَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ وَكَتَمَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِ الْبَيَانِ يَكُونُ مُدَلِّسًا وَيَأْثَمُ. وَمِثْلُ الْقَدِيمِ الْحَادِثُ زَمَنَ خِيَارِ التَّرَوِّي. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْبِسَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ] فَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَاعُ حَبْسَهُ مَعَ الْأَرْشِ وَأَبَى الْبَائِعُ أَنْ يُعْطِيَ الْأَرْشَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْشِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ، وَأَمَّا إنْ فَاتَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ بِبَعْضِ وُجُوهِ الْفَوَاتِ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ، وَإِنَّمَا لَهُ الْأَرْشُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّضَا] أَيْ أَوْ يَأْتِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ [قَوْلُهُ: أَوْ يَسْكُتَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ] اعْلَمْ أَنَّ السُّكُوتَ لِعُذْرٍ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ مُطْلَقًا وَلِغَيْرِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْيَوْمِ رُدَّ بِلَا يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ كَالْيَوْمِ حَلَفَ وَرُدَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا رَدَّ لَهُ. وَانْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِنَحْوِ الْيَوْمِ كَذَا نَظَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي عَلَى خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إمَّا لِظُهُورِهِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَلَّ لَيْسَ بِصَوَابٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الظَّاهِرِ كَالْعَوَرِ كَمَا لَهُ ذَلِكَ فِي الْخَفِيِّ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ رَأَى الْعَيْبَ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْلِفُ مُطْلَقًا وَيَرُدُّ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ تَمَسَّكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْبَائِعُ وَلَا رَدَّ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ نَكَلَ فَلِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَيْبُ خَفِيًّا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَحْلِفُ إلَّا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْإِرَادَةَ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ: وَلَمْ يَحْلِفْ مُشْتَرٍ اُدُّعِيَتْ رُؤْيَتُهُ إلَّا بِدَعْوَى الْإِرَادَةِ [قَوْلُهُ: كَالْخَشَبَةِ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعْفُونَةً أَنَّهَا كَذَاتِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ، بَلْ الْمُرَادُ يَجِدُهَا مُتَغَيِّرَةً أَوْ مُثَقَّبَةً. وَقَوْلُهُ أَوْ جَوْزًا بِالنَّصْبِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالْمُنَاسِبُ جَوْزٍ بِالْجَرِّ مَعْطُوفٍ عَلَى الْخَشَبَةِ أَيْ وَكَمَرَارَةِ نَحْوُ الْقِثَّاءِ وَعَدَمِ حَلَاوَةٍ نَحْوُ الْبِطِّيخِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي] أَيْ لَا قِيمَةَ لَهُ فِيمَا وَجَدَهُ مِنْ الْجَوْزِ الْفَارِغِ، وَالْخَشَبِ الْمُسَوَّسِ، وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ وُجُودُ تَغَيُّرٍ بِبَطْنِ الشَّاةِ أَوْ بِلَحْمِهَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج فِي شَرْحِهِ لِخَلِيلٍ، ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّدَّ بِهِ فَيُعْمَلُ بِشَرْطِهِ، وَكَذَا إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِنَا يُنْقِصُ إلَخْ] مِثَالُ الَّذِي يُنْقِصُ الْعَوَرَ، وَالْقَطْعَ، وَلَوْ أُنْمُلَةً أَوْ خِصَاءٌ وَعُسْرٌ وَزْنًا وَشُرْبٌ وَبَخَرٌ وَوُجُودُ وَالِدَيْنِ أَوْ وَلَدٍ لَا أَخٍ وَلَا جَدٍّ وَجُذَامُ أَبٍ أَوْ جُنُونُهُ بِطَبْعٍ لَا بِمَسِّ جِنٍّ وَكَرَهَصٍ وَعَثْرٍ وَحَرَنٍ وَعَدَمِ حَمْلٍ مُعْتَادٍ وَكَالدُّبُرِ وَتَقْوِيسِ الذِّرَاعَيْنِ وَقِلَّةِ الْأَكْلِ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ أَوْ الْعَاقِلِ الَّذِي يَنْقُصُ عَمَلُهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ أَكْلِهِ، وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأَكْلِ فَلَيْسَتْ عَيْبًا فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْعَبْدِ، وَالْأَمَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا عَيْبٌ حَيْثُ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ

يَسِيرًا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ يَسِيرًا فَلَا خِيَارَ لَهُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي الرِّبَاعِ، وَالْعَقَارِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ خَاصَّةً، وَاخْتُلِفَ فِي الْعُرُوضِ فَقِيلَ: لَا خِيَارَ لَهُ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: لَهُ الْخِيَارُ وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُبْتَاعِ إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فِي حَبْسِهِ أَوْ رَدِّهِ فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ) أَيْ الْمَبِيعُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُبْتَاعِ (عَيْبٌ مُفْسِدٌ) أَيْ مُنْقِصٌ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُبْتَاعِ (أَنْ يَرْجِعَ) عَلَى الْبَائِعِ (بِقِيمَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ مِنْ الثَّمَنِ) الَّذِي أَخَذَهُ (أَوْ يَرُدَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ (وَيَرُدَّ مَعَهُ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ) الْحَادِثُ (عِنْدَهُ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا أَقْبَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْيِيرِ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا بِأَكْلِهِ فَوَجَدَهُ أَكُولًا قَالَهُ الشَّيْخُ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ يَسِيرًا يُنْقِصُ] اعْلَمْ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا جِدًّا لَا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ كَسُقُوطِ شُرَّافَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ قَلِيلًا لَا جِدًّا كَصَدْعٍ يَسِيرٍ بِحَائِطٍ لَمْ يُخَفْ عَلَى الدَّارِ السُّقُوطُ مِنْهُ خِيفَ عَلَى الْجِدَارِ أَمْ لَا، أَوْ كَثِيرًا كَصَدْعِ حَائِطٍ خِيفَ عَلَى الدَّارِ السُّقُوطُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جِدًّا فَلَا رَدَّ بِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا قِيمَةَ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا جِدًّا وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ فَلَا رَدَّ لَهُ أَيْضًا لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِأَرْشِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْقَلِيلِ لَا جِدًّا فَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ لِلْعَادَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ وَيَرْجِعَ بِثَمَنِهِ أَوْ يَتَمَسَّكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ كَانَ يَسِيرًا يُنْقِصُ مِنْ الثَّمَنِ يَسِيرًا عَلَى الْمُتَوَسِّطِ. [قَوْلُهُ: فِي الرَّبَاعِ جَمْعُ رَبْعٍ مَنْزِلُ الْقَوْمِ] أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ فَعَطَفَ الْعَقَارَ عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْضِ، وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَهُ الْخِيَارُ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ثَابِتٌ فِي الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ إلَّا فِي الدُّورِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَثْنَى] أَيْ مَحَلَّ مَا تَقَدَّمَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا لَوْ تَغَيَّرَ عِنْدَهُ قَبْلَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ فَتَغَيُّرُهُ عَلَى أَقْسَامٍ مُتَوَسِّطٍ وَمُخْرِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ كَهَرَمِ الدَّابَّةِ وَقَطْعِ الشَّفَةِ قَطْعًا غَيْرَ مُعْتَادٍ وَقَلِيلٍ جِدًّا، وَأَشَارَ لِلتَّوَسُّطِ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ [قَوْلَهُ: أَيْ مُنْقِصٌ مِنْ الثَّمَنِ كَثِيرًا] مُرَادُهُ بِهِ الْمُتَوَسِّطُ كَعَجَفِ الدَّابَّةِ أَوْ عَمَى أَوْ شَلَلِ أَوْ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ، وَأَمَّا الْمُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ كَكِبَرِ الصَّغِيرِ وَهَرَمِ الْكَبِيرِ وَافْتِضَاضِ الْبِكْرِ فَهُوَ مُفَوِّتٌ لِلرَّدِّ وَمُوجِبٌ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِأَرْشِ الْقَدِيمِ فَيُقَوَّمُ سَالِمًا مِنْ كُلِّ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ سَالِمٌ، فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ يُقَالُ: وَمَا قِيمَتُهُ مَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ، فَإِذَا قِيلَ ثَمَانِيَةٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخُمُسِ الثَّمَنِ فِي هَذَا الْمِثَالِ. وَأَمَّا إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ قَلِيلٌ جِدًّا كَرَمَدٍ وَصُدَاعٍ وَخَفِيفِ حُمَّى وَوَطْءِ ثَيِّبٍ فَحُكْمُهُ كَالْمُتَوَسِّطِ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: أَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَذَهَابُ الْأُنْمُلَةِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ فِي الرَّائِعَةِ وَذَهَابُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِالْقَدِيمِ، وَلَوْ قَلَّ بِخِلَافِ الْحَادِثِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يُتَوَقَّعُ تَدْلِيسُهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الشَّامِلِ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَيْ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَرْجِعَ] . حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَبِالْقَدِيمِ وَبِالْحَادِثِ حَيْثُ اخْتَارَ الرَّدَّ وَوَجْهُ تَقْوِيمِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ مَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ يُونُسَ بِقَوْلِهِ: يُقَوَّمُ صَحِيحًا وَمَعِيبًا بِالْقَدِيمِ لِيُعْلَمَ النَّقْصُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَسْقُطَ نِسْبَتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَيَصِيرَ مَا عَدَا الْمُسْقِطَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الثَّمَنِ، أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَادِثِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ صَحِيحًا مِائَةً وَمَعِيبًا بِالْقَدِيمِ ثَمَانِينَ، فَالنَّقْصُ عِشْرُونَ فَيُنْقَصُ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَةٌ، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسِينَ يُنْقَصُ خَمْسَةٌ وَهُوَ عَشَرَةٌ، وَإِذَا قَوَّمْنَاهُ ثَالِثًا بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ، وَالْقَدِيمِ بِسِتِّينَ فَقَدْ نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْعَيْبَيْنِ عَنْ قِيمَتِهِ بِعَيْبِهِ الْقَدِيمِ رُبْعُهُ اهـ. أَيْ فَيُرَدُّ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ عَشَرَةٌ الَّتِي هِيَ رُبْعُ الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّمَاسُكَ قَوَّمَ تَقْوِيمَيْنِ صَحِيحًا وَبِالْقَدِيمِ فَقَطْ لِيُعْلَمَ النَّقْصُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَرْجِعَ بِهِ أَوْ يُسْقِطَ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَصِيرَ الثَّمَنُ مَا عَدَاهُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّقْوِيمِ يَوْمُ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانُ الْمُشْتَرِي يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كَوْنِ الْمَبِيعِ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا، ثُمَّ الصَّحِيحُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ الْمَبِيعَةِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَبِيعُ أَمَةً مُوَاضَعَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَأُجْرَةُ الْمُقَوِّمِ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَابِ الْفَسَادِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ

[خيار التروي]

بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا مَقَالَ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا. ، وَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ أَنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ فَهُوَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ إنْ رَضِيَ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالرَّدِّ. (وَإِنْ رَدَّ) الْمُبْتَاعُ (عَبْدًا) كَانَ (أَوْ غَيْرَهُ بِ) سَبَبِ (عَيْبٍ وَ) لِلْحَالِ أَنَّهُ (قَدْ اسْتَغَلَّهُ) غَلَّةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْخِدْمَةِ (فَلَهُ غَلَّتُهُ) إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ فَإِذَا فُسِخَ فَالْغَلَّةُ حِينَئِذٍ لِلْبَائِعِ كَالْغَلَّةِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْوَلَدِ» . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى خِيَارِ النَّقِيصَةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى خِيَارِ التَّرَوِّي فَقَالَ: (وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ) مِنْ الْبَائِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لَا مَقَالَ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا] أَيْ لَا نَقُولُ إنَّ لَهُ مَقَالًا مُطْلَقًا بَلْ يُفَصِّلُ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَقْبَلُهُ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ فَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَمَاسَكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَهُوَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَرَّرَهُ لِي بَعْضُ شُيُوخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الرَّاجِحُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْعَيْبِ الَّذِي يَثْبُتُ أَنَّهُ قَدِيمٌ. وَأَمَّا لَوْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِي قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ أَوْ تَنَازَعَا فِي وُجُودِ عَيْبٍ مِثْلِهِ يَخْفَى وَعَدَمِ وُجُودِهِ فَالْحُكْمُ فِي الثَّانِي قَبُولُ قَوْلِ الْبَائِعِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ إلَّا بِشَهَادَةٍ عَادَةٍ لِلْمُشْتَرِي وَمَعْنَى شَهَادَةِ الْعَادَةِ أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إنَّهُ حَادِثٌ، وَكُلُّ مَنْ قَطَعَتْ لَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فَالْقَوْلُ لَهُ بِلَا يَمِينٍ وَمَنْ رُجِّحَتْ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ وَعِنْدَ الْإِشْكَالِ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ] أَيْ ثَبَتَ مُوجِبُ الرَّدِّ عِنْدَ حَاكِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالرَّدِّ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِبًا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى ضَمَانِهِ إلَّا بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ [قَوْلُهُ: كَالْخِدْمَةِ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْكِرَاءِ، وَذَكَرَ أَيْضًا عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ أَنَّ اللَّبَنَ، وَالسَّمْنَ لَهُ، وَأَمَّا الصُّوفُ فَمَا كَانَ بَيْنَ الرَّدِّ، وَالشِّرَاءِ فَلِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ الصُّوفُ تَامًّا يَوْمَ الشِّرَاءِ رُدَّ مِثْلُهُ إنْ فَاتَ وَلَا بُدَّ مِنْ لُزُومِ الْبَيْعِ فَلَا غَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ الْفُضُولِيِّ مَعَ عِلْمِهِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الْغَلَّةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: فَلَهُ غَلَّتُهُ إلَخْ] الْمُرَادُ غَلَّةٌ لَا يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا دَالًّا عَلَى الرِّضَا وَهِيَ مَا نَشَأَ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ كَلَبَنٍ، وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْخِصَامِ إلَّا لِطُولِ سُكُوتِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ عَنْ تَحْرِيكٍ، وَاسْتَوْفَاهَا قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ كَرُكُوبِهِ دَابَّةً وَاسْتِخْدَامِ رَقِيقٍ أَوْ بَعْدَهُ حَيْثُ كَانَ اسْتِيفَاؤُهَا غَيْرَ مُنْقِصٍ كَسُكْنَى الدَّارِ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لَهُ مِنْ غَيْرِ غَايَةٍ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الرِّضَا فَلَا فَسْخَ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَاسْتِخْدَامِ الرَّقِيقِ، وَلَوْ فِي زَمَنِ الْخِصَامِ وَسُكْنَى الدَّارِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فِي غَيْرِ زَمَنِ الْخِصَامِ [قَوْلُهُ: «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] فِيمَنْ ابْتَاعَ غُلَامًا وَأَقَامَ عِنْدَهُ مُدَّةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى الرَّسُولِ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَالَ صَاحِبُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . [قَوْلُهُ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ] قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَغَلَّتُهُ لَهُ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَابَ حُكِمَ بِتَلَفِهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا الْعَبْدُ كَذَلِكَ فَوَجَبَ إذَا رَدَّهُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ لَهُ [قَوْلُهُ: كَالْوَلَدِ] سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا حَامِلًا لَهُ أَوْ حَمَلَتْ عِنْدَهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يُنْقِصَهَا ذَلِكَ فَيَرُدَّ مَعَهَا مَا نَقَصَهَا. ابْنُ يُونُسَ: إنْ كَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يُجْبِرُ النَّقْصَ جَبَرَهُ اهـ. تَنْبِيهٌ: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ بِالشُّفْعَةِ لَا غَلَّةَ لِلشَّفِيعِ عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا اسْتَغَلَّهُ، وَالتَّفْلِيسِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَالْفَسَادِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَنْ صَارَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ إمَّا بِشِرَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ؛ لِأَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ [خِيَار التَّرَوِّي] [قَوْلُهُ: خِيَارُ النَّقِيصَةِ] عَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: لَقَبٌ بِتَمْكِينِ الْمُبْتَاعِ مِنْ رَدِّ مَبِيعِهِ عَلَى بَائِعِهِ لِنَقْصِهِ

أَوْ الْمُبْتَاعِ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ بَيْعُ وَقْفٍ بَتَّهُ أَوْ لَا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ (جَائِزٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْقَوْلِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَالْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ. وَيُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْخِيَارِ شَرْطٌ وَهُوَ (إذَا ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا) فَإِنْ اشْتَرَطَا الْخِيَارَ وَلَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَيُضْرَبُ لِلسِّلْعَةِ أَجَلُ الْخِيَارِ فِي مِثْلِهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ (قَرِيبًا) وَنِهَايَتُهُ (إلَى مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ) الْمَبِيعَةُ (أَوْ) إلَى (مَا تَكُونُ فِيهِ الْمَشُورَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْمَشُورَةَ؛ لِأَنَّهَا أَصْلٌ، وَالِاخْتِبَارُ فَرْعٌ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: ادْفَعْ إلَيَّ السِّلْعَةَ لِأَخْتَبِرَهَا، وَقَالَ الْبَائِعُ: لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ حَالَةِ بِيَعٍ عَلَيْهَا غَيْرِ قِلَّةِ كَمِّيَّةٍ قَبْلَ ضَمَانِهِ مُبْتَاعَهُ، فَقَوْلُهُ لِنَقْصِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا أَقَالَهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمَبِيعِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ. وَقَوْلُهُ: غَيْرِ قِلَّةِ كَمِّيَّةٍ صِفَةٌ لِحَالَةٍ أَخْرَجَ بِهِ صُورَةَ اسْتِحْقَاقِ الْجُلِّ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ ضَمَانِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّقْصِ وَمُبْتَاعُهُ فَاعِلٌ بِالْمَصْدَرِ وَلَمْ يَقُلْ قَبْلَ بَيْعِهِ لِيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْعَيْبُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي السِّلْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي مُدَّةِ ضَمَانِ الْبَائِعِ كَالْحَادِثِ فِي الْمَبِيعِ الْغَائِبِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَفِي الْأَمَةِ زَمَنَ مُوَاضَعَتِهَا. [قَوْلُهُ: التَّرَوِّي] أَيْ فِي أَخْذِ السِّلْعَةِ وَرَدِّهَا [قَوْلُهُ: بَيْعٌ وَقَفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ] خَرَجَ الْبَيْعُ اللَّازِمُ ابْتِدَاءً وَلَكِنْ يَئُولُ إلَى خِيَارٍ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ فَهَذَا لَمْ يَتَوَقَّفْ بَتُّهُ أَوَّلًا وَيُسَمَّى كَمَا تَقَدَّمَ خِيَارَ النَّقِيصَةِ، وَهَذَا الْخِيَارُ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَنَا كَالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] إلَخْ] أَيْ وَالْبَيْعُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ عَلَى الْخِيَارِ أَوْ الْبَتِّ [قَوْلُهُ: لَا بِالْمَجْلِسِ] أَيْ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ. قَالَ عج: إنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فِي الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَلِي فِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَدْخُولِ فِيهِ عَلَى مَشُورَةِ شَخْصٍ قَرِيبٍ وَلَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِمُجَرَّدِ جَهْلِ زَمَنِ الْخِيَارِ، ثُمَّ قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي عَدَمُ الْفَسَادِ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ لِقِصَرِ زَمَنِ الْمَجْلِسِ عُرْفًا عَنْ مُدَّةِ الْمَشُورَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي كَمَا إذَا كَانَ لَهُمْ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ فِي أَجَلِ الْخِيَارِ وَقَدْ دَخَلُوا عَلَى الْخِيَارِ وَلَمْ يُصَرِّحَا بِالْأَجَلِ إلَّا أَنَّهُمَا دَاخِلَانِ مَعْنًى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ أَصْلًا لَمْ يُصَرِّحَا بِشَيْءٍ أَوْ عُرْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْأَجَلِ الشَّرْعِيِّ بِكَثِيرٍ وَقَدْ دَخَلُوا مَعْنًى عَلَيْهِ أَوْ دَخَلُوا صَرِيحًا عَلَى مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الشَّرْعِيِّ بِكَثِيرٍ، أَوْ دَخَلُوا عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ كَإِلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَلَا يُعْلَمُ لِقُدُومِهِ أَمَدٌ كَانَ لَهُمْ عُرْفٌ أَمْ لَا فِي هَذَيْنِ وَلَا شَكَّ فِي الْفَسَادِ فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَفَسَدَ لِمُدَّةٍ زَائِدَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ بِشَيْءٍ وَلَا يُصَرِّحَا بِشَيْءٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَرَطَا الْخِيَارَ وَلَمْ يَضْرِبَا لِذَلِكَ أَجَلًا وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً مَعْلُومَةً وَلَا مَجْهُولَةً صَحَّ، وَحُمِلَ عَلَى الْخِيَارِ مِثْلُ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَيَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْجَائِزِ مَا هُوَ صَحِيحٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ فَاسِدٌ. فَقَوْلُهُ: صَحَّ الْبَيْعُ أَيْ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا أَنَّهُ يُعَارِضُ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ: وَمَنْ ابْتَاعَ شَيْئًا بِالْخِيَارِ وَلَمْ يَضْرِبَا لَهُ أَمَدًا جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ لَهُ مِنْ الْأَمَدِ مَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: أَجَلُ الْخِيَارِ فِي مِثْلِهَا] سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، فَالْخِيَارُ فِي الثَّوْبِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَى مَا تُخْتَبَرُ فِيهِ تِلْكَ السِّلْعَةُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَكَذَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُ قَوْلِهِ أَوْ إلَى مَا تَكُونُ فِيهِ الْمَشُورَةُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَصْلٌ، وَالِاخْتِبَارُ فَرْعٌ] اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّهُ عَلَى الْمَشُورَةِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَشُورَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ أَيْ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ، أَيْ وَأَمَّا لِلِاخْتِبَارِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ خُصُوصًا وَقَدْ وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْأَصَالَةِ كَثْرَةَ الْوُقُوعِ، وَالْفَرْعِيَّةُ عَدَمُهَا. [قَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ] مُحَصِّلُ مَا تَتَّضِحُ بِهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِاخْتِبَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي

أَدْفَعُهَا لَك، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ لِأَجْلِ الْمَشُورَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْأَصْلَ. وَالْمَشُورَةُ تَكُونُ فِي قِلَّةِ الثَّمَنِ أَوْ كَثْرَتِهِ، وَفِي الْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى الْبَيْعِ، وَالِاخْتِبَارُ يَكُونُ فِي حَالَةِ السِّلْعَةِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ السِّلْعَةِ، فَالْخِيَارُ فِي الثَّوْبِ الْيَوْمُ، وَالْيَوْمَانِ وَشَبَهُ ذَلِكَ، وَفِي الدَّابَّةِ تُرْكَبُ الْيَوْمُ، وَالْيَوْمَانِ، وَالثَّلَاثَةُ، وَفِي الرَّقِيقِ الْخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَالْجُمُعَةُ لِاخْتِبَارِ حَالِهِ وَعَمَلِهِ، وَفِي الدَّارِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَرُوِيَ، وَالشَّهْرَانِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَشُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِهِ فَمَحَلُّ السِّلْعَةِ عِنْدَ الْبَائِعِ إذَا تَنَازَعَا فِيمَنْ تَكُونُ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لِاخْتِبَارِ أَكْلِ السِّلْعَةِ أَوْ عَمَلِهَا أَوْ لَبَنِهَا فَمَحَلُّهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسْلِيمُهَا لِلْمُشْتَرِي إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَاتَّفَقَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا وَادَّعَى كُلٌّ نَقِيضَ قَصْدِ صَاحِبِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: لَاخْتَبَرَهَا] أَيْ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ لِأَجْلِ الِاخْتِبَارِ [قَوْلُهُ: فِي قِلَّةِ الثَّمَنِ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ، أَيْ فَالْبَائِعُ يَقُولُ: أُشَاوِرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ كَثِيرًا بِعْت، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا رَدَدْت، وَالْمُشْتَرِي بِعَكْسِهِ. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ نَاظِرٌ لِلْمُشْتَرِي. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْبَيْعِ نَاظِرٌ لِلْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: فَالْخِيَارُ فِي الثَّوْبِ إلَخْ] وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ الْمَعْرُوضِ وَمِنْهَا الْكُتُبُ، وَالْمِثْلِيَّاتُ [قَوْلُهُ: وَشَبَهُ ذَلِكَ] قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَكَثَلَاثَةٍ فِي ثَوْبٍ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إلْحَاقُ السُّفُنِ بِالثَّوْبِ فَيَكُونُ الْخِيَارُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَظَّرَ فِيهَا بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَفِي الدَّابَّةِ تُرْكَبُ] اعْلَمْ أَنَّ الدَّابَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ لَيْسَ شَأْنُهَا أَنْ تُرْكَبَ كَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ أَوْ شَأْنُهَا أَنْ تُرْكَبَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ اخْتِبَارُهَا بِالرُّكُوبِ بَلْ كَانَ الْمَقْصُودُ اخْتِبَارُ حَالِهَا بِكَثْرَةِ أَكْلٍ وَقِلَّتِهِ، فَالْخِيَارُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامِ وَنَحْوِهَا. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ اخْتِبَارُهَا بِرُكُوبِهَا فِي الْبَلَدِ فَالْخِيَارُ فِيهَا يَوْمٌ وَشَبَهُهُ لَكِنْ تُرْكَبُ عَلَى الْعَادَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ اخْتِبَارُ رُكُوبِهَا خَارِجَ الْبَلَدِ فَالْخِيَارُ فِيهَا بَرِيدٌ وَنَحْوُهُ، فَلَوْ شَرَطَ اخْتِبَارَهَا لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ كَمَعْرِفَةِ أَكْلِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا إذَا تُقُرِّرَ ذَلِكَ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَفِي الدَّابَّةِ تُرْكَبُ الْيَوْمَ، وَالْيَوْمَيْنِ، وَالثَّلَاثَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي دَابَّةٍ لَيْسَ شَأْنُهَا أَنْ تُرْكَبَ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا [قَوْلُهُ: وَالْخَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَالْجُمُعَةَ] بَلْ وَالْعَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَاسْتِخْدَامُهُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْخِدْمَةُ يَسِيرَةً لَا ثَمَنَ لَهَا، وَأَنْ يَكُونَ الرَّقِيقُ مِنْ عَبِيدِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانَ ذَا صَنْعَةٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَتُهَا بِدُونِهِ وَهُوَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ، وَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ أَوْ تَجْرِهِ لِلْمُشْتَرِي وَلِلْمُشْتَرِي اسْتِخْدَامُ الْأُنْثَى دُونَ غَيْبَتِهِ عَلَيْهَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْأَمَةُ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ وَتَأْتِي وَقْتَ الْخِدْمَةِ. وَقَوْلُهُ: وَعَمَلِهِ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ [قَوْلُهُ: وَفِي الدَّارِ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ] وَهُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَيْ لِاخْتِبَارِ جُدُرِهَا وَأُسُسِهَا وَمَرَافِقَهَا وَمَكَانِهَا وَجِيرَانِهَا، وَمِثْلُ الدَّارِ الْأَرْضُ وَبَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ كَمَا أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ: وَرُوِيَ، وَالشَّهْرَانِ] جَعَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافًا وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ تَفْسِيرًا لِلْمَذْهَبِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْكُنَهَا إذَا كَانَ كَثِيرًا بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاخْتِبَارِ حَالِ الْمَبِيعِ أَمْ لَا، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِهِ هَذَا إذَا كَانَ بِلَا أَجْرٍ فَإِنْ كَانَ بِهِ جَازَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَسِيرًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِاخْتِبَارِ حَالِهَا فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الْكَثِيرِ، وَإِنْ كَانَ لِاخْتِبَارِ حَالِهَا فَتَجُوزُ بِشَرْطٍ وَبِدُونِهِ، وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ، وَمُدَّةُ الْخِيَارِ فِي الْفَوَاكِهِ، وَالْخُضَرِ قَدْرُ مَا يُشَاوِرُ النَّاسَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا فَسَادٌ، وَاسْتُظْهِرَ أَنَّ يَابِسَهَا كَلَوْزٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ بَعْضٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ الْحَرْثُ عَلَيْهَا، وَالطَّحْنُ، وَالْحَمْلُ، وَالدَّرْسُ، وَالسَّقْيُ اهـ. فَيَكُونُ الْخِيَارُ كَيَوْمٍ. وَقَرَّرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الدَّابَّةِ الطَّيْرُ كَالدَّجَاجِ، وَالْإِوَزِّ فَالْخِيَارُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ وَنَحْوُ الدَّجَاجِ، وَالطُّيُورِ وَبَقِيَّةِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا عَمَلَ لَهَا مُدَّةَ الْخِيَارِ مَا لَا تَتَغَيَّرُ فِيهِ. تَتِمَّةٌ: بَقِيَ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْمَشُورَةَ وَاخْتِبَارَ حَالِ الْمَبِيعِ

أَيْ مَشُورَةِ شَخْصٍ هُوَ الْمَشْهُورُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَوْ قُرْبُ غَيْبَتِهِ أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ مَشُورَةَ شَخْصٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ كَمَا يَفْسُدُ إذَا كَانَ أَمَدُ الْخِيَارِ زَائِدًا عَلَى التَّحْدِيدِ السَّابِقِ أَوْ مَجْهُولًا كَقَوْلِهِ: إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَلَا أَمَدَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا أَمَارَةَ. (وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي) بَيْعِ (الْخِيَارِ وَلَا فِي) الْبَيْعِ عَلَى (عُهْدَةِ الثَّلَاثِ) وَهِيَ بَيْعُ الرَّقِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ مُدَّةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ. (وَلَا) يَجُوزُ أَيْضًا النَّقْدُ (فِي) بَيْعِ الْأَمَةِ (الْمُوَاضَعَةُ) وَهِيَ أَنْ تُوقَفَ الْجَارِيَةُ الْعَلِيَّةُ أَوْ الَّتِي أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا عَلَى يَدِ أَمِينٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَلْ رَحِمُهَا مَشْغُولٌ أَمْ لَا، وَلَا تُجْعَلُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ لَا أَهْلَ لَهُ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُجْعَلَ عَلَى يَدِ الْمُبْتَاعِ لِلتُّهْمَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَيُجْزِئُ وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إذَا كَانَ (بِشَرْطِ النَّقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَصِيرُ بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ الْبَيْعُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحُكْمَ فِيهِ كَمَا إذَا كَانَ لِاخْتِبَارِ حَالِ الْمَبِيعِ، أَيْ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَبِيعِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ لِلتَّرَوِّي فِي الثَّمَنِ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اشْتَرَطَ مَشُورَةَ شَخْصٍ بَعِيدٍ عَنْ مَوْضِعِهِ] الْمُرَادُ بِالْبُعْدِ أَنْ لَا يُعْلَمَ مَا عِنْدَهُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا أَيْ كَالسِّتَّةِ أَيَّامٍ زِيَادَةً عَنْ الشَّهْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّارِ بِأَمَدٍ بَعِيدٍ أَيْ لَهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ أَرَ تَحْدِيدَ الْبُعْدِ. [قَوْلُهُ: كَمَا يَفْسُدُ إذَا كَانَ أَمَدُ الْخِيَارِ زَائِدًا عَلَى التَّحْدِيدِ السَّابِقِ] أَيْ أَنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ فَاسِدًا إذَا وَقَعَ عَلَى خِيَارٍ أَكْثَرَ مِنْ خِيَارِ تِلْكَ السِّلْعَةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ بِكَثِيرٍ. تَنْبِيهٌ: مَا يَقْطَعُ الْخِيَارَ إمَّا قَوْلٌ كَ رَضِيتُ أَوْ فِعْلٌ كَكِتَابَةِ الْعَبْدِ أَوْ تَزْوِيجِهِ أَوْ قَصْدُ تَلَذُّذٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا أَمَارَةَ] أَيْ وَلَا عَلَامَةَ وَهُوَ عَطْفٌ مُغَايِرٌ [قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلْعُيُوبِ بَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ بِكُلِّ مَا حَدَثَ فِيهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِهَا حَتَّى الْمَوْتِ مَا عَدَا ذَهَابَ الْمَالِ، فَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ مَالَهُ ثُمَّ ذَهَبَ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ [قَوْلُهُ: وَابْتِدَاؤُهُ] الْأَنْسَبُ وَابْتِدَاؤُهَا أَيْ الْمُدَّةِ أَيْ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلَا يُحْسَبُ ذَلِكَ الْيَوْمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ [قَوْلُهُ: أَوْ الَّتِي إلَخْ] أَيْ الْوَخْشُ الَّتِي أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا. وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَتَوَاضَعُ وَهِيَ الْوَخْشُ الَّتِي لَمْ يُقِرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا فَإِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ عِنْدَ مُشْتَرِيهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ لِثَمَنِهَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ غَلَبَةُ تَوَقُّعِ حَمْلٍ مَنْ تَتَوَاضَعُ وَنُدْرَةُ حَمْلِ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ هَلْ رَحِمُهَا إلَخْ] أَيْ بِحَيْضَةٍ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ يَائِسَةً مِنْ الْحَيْضِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا أَمِنَتْ الْحَمْلَ أَمْ لَا. وَقَوْلُ الشَّارِحِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَيْ رَجُلٌ لَهُ أَهْلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَكِنْ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ وَيُكْتَفَى بِامْرَأَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ زَمَنَ الْمُوَاضَعَةِ كَانَ عَيْبًا فِي الْعَلِيَّةِ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي رَدِّهَا، وَالتَّمَاسُكِ بِهَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا مَنْعُهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ يُفْسَخُ بَيْعُهَا [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ أَنْ تُجْعَلَ عَلَى يَدِ الْمُبْتَاعِ] ، وَكَذَا الْبَائِعُ أَيْ إنْ كَانَ كُلٌّ مَأْمُونًا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بِشَرْطِ النَّقْدِ إلَخْ] ظَاهِرُ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ أُسْقِطَ بَلْ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ نَقْدٌ بِالْفِعْلِ وَلَا يُقَالُ الْعِلَّةُ إنَّمَا تَظْهَرُ مَعَ النَّقْدِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ النَّقْدُ بِالْفِعْلِ يَصْحَبُ الشَّرْطَ غَالِبًا نَزَلَ غَيْرُ الْحَاصِلِ مَنْزِلَةَ الْحَاصِلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَسَائِلُ تَفْسُدُ مَعَ شَرْطِ النَّقْدِ لَا مَعَ عَدَمِهِ: بَيْعُ الْغَائِبِ وَأَرْضٌ لَمْ يُؤْمَنْ رَيُّهَا وَجُعْلٌ وَإِجَارَةٌ بِجَذِّ زَرْعٍ وَأُجْبِرَ تَأَخَّرَ شَهْرًا. وَبَقِيَ مَسَائِلُ أَرْبَعٌ يَمْتَنِعُ النَّقْدُ فِيهَا، وَلَوْ تَطَوُّعًا أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَمُنِعَ، وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٌ وَكِرَاءٌ ضَمِنَ وَسَلَّمَ بِخِيَارٍ فَقَوْلُهُ بِخِيَارٍ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعِ مَسَائِلَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّقْدُ، وَلَوْ تَطَوُّعًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ فَسْخِ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ. وَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَكِرَاءٌ ضَمِنَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَضْمُونُ، وَالْمُعَيَّنُ سَوَاءٌ.

فِي ذَلِكَ (وَالنَّفَقَةُ) ، وَالْكِسْوَةُ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ وَعَلَى عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَعَلَى الْمُوَاضَعَةِ (وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ) مَا ذَكَرَهُ فِي النَّفَقَةِ فِي الثَّلَاثِ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الضَّمَانِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْعُهْدَةِ، وَالْمُوَاضَعَةِ. وَأَمَّا فِي الْخِيَارِ فَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَضَمَانُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَيَبْرَأَ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرُ الْمُوَاضَعَةِ بَيَّنَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ فِي كُلِّ الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَتَوَاضَعُ) وُجُوبًا (لِلِاسْتِبْرَاءِ) جَارِيَتَانِ الْجَارِيَةُ (الَّتِي) تَكُونُ (لِلْفِرَاشِ فِي الْأَغْلَبِ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا إذْ الْغَالِبُ فِيمَنْ هِيَ كَذَلِكَ أَنْ تُوطَأَ، فَنَزَلَ الْأَغْلَبُ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ (أَوْ) الْجَارِيَةُ (الَّتِي أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا) خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ حَمَلَتْ فَتُرَدُّ (وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ فِي الْحَمْلِ) إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ عَلْيَاءَ وَلَمْ يَطَأْهَا الْبَائِعُ، فَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ حَمْلِهَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: مَوْضُوعُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ دَخَلَا عَلَى شَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا لَوْ شَرَطَا عَدَمَ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ جَارِيًا بِعَدَمِهَا كَمَا فِي بِيَاعَاتِ مِصْرَ فَلَا يَضُرُّ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ وَلَكِنْ لَا يُقَرَّانِ عَلَى تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ بَلْ تُنْزَعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَيُجْبَرَانِ عَلَى وَضْعِهَا تَحْتَ يَدٍ أَمِينَةٍ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَارَةً يَصِيرُ بَيْعًا] أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَيْ لَا يُتَّهَمَانِ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى التَّرَدُّدِ إذَا كَانَ النَّقْدُ تَطَوُّعًا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ إنَّمَا يَضُرُّ إذَا كَانَا دَاخِلَيْنِ عَلَيْهِ بِاشْتِرَاطِ النَّقْدِ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: وَالنَّفَقَةُ] مُبْتَدَأٌ، وَالضَّمَانُ عَطْفٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْبَائِعِ خَبَرٌ [قَوْلُهُ: وَالْكِسْوَةُ] حُلَّةٌ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْكِسْوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ النَّفَقَةِ الْكِسْوَةَ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] أَيْ الَّذِي لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ كَالْحَيَوَانِ، وَلَوْ صَغِيرًا وَمِثْلُهُ الْعَقَارُ. وَقَوْلُهُ: فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ أَيْ إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ، وَلَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ وَصِفَةُ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا أَنْ يَقُولَ: لَقَدْ ضَاعَتْ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ أَوْ تَلِفَتْ فِي دَعْوَى التَّلَفِ، وَمَا فَرَّطْت. وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ مَا فَرَّطْت. [قَوْلُهُ: فَضَمَانُهُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي. وَعِبَارَةُ تت: وَأَمَّا بَيْعُ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْمُبْتَاعِ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ الْمُبْتَاعُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ظَهَرَ هَلَاكُهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ خَفِيَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ وَادَّعَى هَلَاكَهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ اُسْتُظْهِرَ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ، وَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ بِحَضَرٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ الْجِيرَانُ لَمْ يُصَدَّقْ وَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ اهـ. وَهِيَ أَتَمُّ مِنْ عِبَارَةِ شَارِحِنَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَنَّ الْمَبِيعَ هَلَكَ أَيَّامَ الْخِيَارِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ انْقِضَاءَهَا، وَالْمُشْتَرِي الْبَقَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي أَنْكَرَ التَّقَضِّي [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَتَوَاضَعُ] تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمُوَاضَعَةِ بِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ إيقَافِ الْجَارِيَةِ الْعَلِيَّةِ أَوْ الَّتِي أَقَرَّ الْبَائِعُ بِوَطْئِهَا تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَقَوْلُهُ: فِي الْأَغْلَبِ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَوْنِ الْمُقَدَّرِ الَّذِي أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الَّتِي تَكُونُ إلَخْ. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ ذَاتُ زَوْجٍ وَذَاتُ حَمْلٍ وَمُعْتَدَّةٌ مِنْ وَفَاةٍ أَوْ مِنْ طَلَاقٍ وَمُسْتَبْرَأَةٌ مِنْ غَصْبٍ وَمُسْتَبْرَأَةٌ مِنْ زِنًا، وَكَذَا الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ احْتِيَاطًا لِلْأَنْسَابِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ وَخْشًا] الْوَاوُ لِلْحَالِ [قَوْلُهُ: عَلْيَاءَ] بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَعَ الْمَدِّ وَضَمِّهَا مَعَ الْقَصْرِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَطَأْهَا الْبَائِعُ] أَيْ أَوْ وَطِئَ وَاسْتَبْرَأَ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ فَلَا وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ التَّبَرِّي امْتَنَعَ إنْ وَطِئَ، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ عَلَيْهِ أَوْ وَخْشًا ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ أَوْ

الْمَشْهُورِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ (حَمْلًا ظَاهِرًا) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ حِمْلِهَا، وَقَيَّدْنَا بِالْعَلْيَاءِ احْتِرَازًا مِنْ الْوَخْشِ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ مِنْ حِمْلِهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ ظَاهِرًا أَمْ لَا، إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّيِّدِ وَكَانَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهِيَ مَرِيضَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَلْيَاءِ وَغَيْرِهَا كَثْرَةُ الْغَرَرِ فِيهَا وَقِلَّتُهُ فِي الْوَخْشِ إذْ الْعَلِيَّةُ يَحُطُّ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا إذَا ظَهَرَ بِهَا بِخِلَافِ الْوَخْشِ (وَالْبَرَاءَةُ فِي الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الرَّقِيقِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَرَاءَةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْجَوَازُ مُقَيَّدٌ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ) أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ بِهِ عَيْبًا وَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَلَا يُفِيدُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُجْمِلُ فِي الْبَيَانِ. وَالْآخَرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ أَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَثَلًا فَبَاعَهُ بِقُرْبِ مَا اشْتَرَاهُ وَشَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَإِنَّهُ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQخَفِيَّتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْ أَوْ اسْتَبْرَأَ جَازَ التَّبَرِّي فِي ظَاهِرَتِهِ عَلِيَّةً أَوْ وَخْشًا، وَفِي خَفِيَّتِهِ فِي الْوَخْشِ دُونَ الْعَلِيَّةِ وَأَمَّا إذَا قَصَدَ اسْتِزَادَةَ الثَّمَنِ امْتَنَعَ فِي ثَمَانِ صُوَرٍ عَلِيَّةً أَوْ وَخْشًا ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ أَمْ لَا وَطِئَهَا ادَّعَى اسْتِبْرَاءً أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِمَا قَصَدَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِزَادَةِ فِي الْوَخْشِ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يُقْصَدُ مِنْ الْبَهِيمَةِ كَثِيرًا، وَعَلَى التَّبَرِّي فِي الرَّائِعَةِ لِنَقْصِ ثَمَنِهَا بِالْوَطْءِ غَالِبًا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُسِخَ وَيَلْزَمُ مِنْ الْفَسْخِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ، وَالْمُقَابِلُ يَقُولُ بِعَدَمِ الْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ حَمْلًا ظَاهِرًا] جَعَلَ حَمْلًا فِي الْمَتْنِ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا، عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي الْحَمْلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إلَّا الْحَمْلِ بِالْجَرِّ بَدَلَ مِنْ الْحَمْلِ الْمَجْرُورِ بِمِنْ وَهُوَ الْأَوْلَى فِي الْمُسْتَثْنَى بَعْدَ النَّفْيِ أَوْ شَبَهِهِ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّيِّدِ] أَيْ وَمَحَلُّ جَوَازِ التَّبَرِّي مِنْ الْحَمْلِ الظَّاهِرِ مُطْلَقًا، وَالْخَفِيِّ فِي الْوَخْشِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ سَيِّدِهَا بَلْ إذَا وَطِئَهَا وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ لَا يَجُوزُ التَّبَرِّي مِنْ حِمْلِهَا. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ فِي السَّادِسِ أَوْ السَّابِعِ يَجُوزُ بَيْعُهَا مُطْلَقًا، كَانَتْ مِمَّا يَعْقِلُ أَمْ لَا، وَالتَّفْصِيلُ، أَيْ بَيْنَ الَّتِي كَمَّلَتْ سِتَّةً أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُتَوَلِّيَةَ لِلْعَقْدِ، أَيْ بَائِعَةً لَا مَعْقُودًا عَلَيْهَا فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الظَّاهِرِ، وَالْخَفِيِّ فِي الرَّائِعَةِ حَيْثُ جَازَ التَّبَرِّي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي قُلْت هُوَ الْغَرَرُ فِي الْخَفِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَجُوزُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِخِلَافِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ فَلَا غَرَرَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَرَاءَةُ فِي الرَّقِيقِ] أَيْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مُشْتَرِيهِ عَدَمَ رَدِّهِ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ يَظْهَرُ كَإِبَاقٍ أَوْ سَرِقَةٍ قَالَ ابْنُ عُمَرَ يُرِيدُ فِي غَيْرِ الْحَمْلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلُ: وَلَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَمْلِ إلَّا حَمْلًا ظَاهِرًا فَإِنْ تَبَرَّأَ أَوْ حَصَلَ عَيْبٌ فِيهِ فَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ لِلْمُبْتَاعِ أَنَّهُ مَا عَلِمَهُ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُبْتَاعِ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ عَلِمَهُ وَكَتَمَهُ أَوَّلًا وَقِيلَ لَا تُرَدُّ عَلَيْهِ اهـ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الرَّقِيقِ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُمْكِنُهُ التَّحَيُّلُ بِكَتْمِ عُيُوبِهِ أَوْ بَعْضِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَحَيُّلٌ فَلَا يَجُوزُ لِبَائِعٍ نَحْوُ جَمَلِ التَّبَرِّي مِنْ عَيْبِهِ فَشَرْطُ الْبَرَاءَةِ فِيهِ بَاطِلٌ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فَمَتَى ظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ وَثَبَتَ قَدَمُهُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُبْتَاعُ عِنْدَ الْعَقْدِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ تَبَرَّأَ الْبَائِعُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَقِيلَ تُفِيدُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَرْضٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْبَائِعُ إلَخْ] يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الرَّقِيقَ مُبَاعٌ، وَأَمَّا عَبْدُ الْقَرْضِ فَلَا يَجُوزُ التَّبَرِّي فِيهِ لَا أَخْذًا وَلَا رَدًّا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِدُخُولِهِ عَلَى سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَدَائِهِ إلَى تُهْمَةِ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجْمُلُ فِي الْبَيَانِ] فَإِذَا كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا كَالْعَوَرِ، وَالْقَطْعِ فَيُرِيهِ لَهُ وَنَحْوُ الْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةِ وَصَفَهُ وَصْفًا شَافِيًا بَعْدَ بَيَانِ أَنَّهُ بِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ يَأْبَقُ أَوْ يَسْرِقُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُفَصِّلُ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ: أَبَقَ عِنْدِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ سَرَقَ مِرَارًا الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ رُبَّمَا يَغْتَفِرُ سَرِقَةَ نَحْوِ الرَّغِيفِ، وَلَا يَكْفِي الْإِجْمَالُ بِأَنْ يَقُولَ فِيهِ جَمِيعُ الْعُيُوبِ، وَإِذَا قَالَ سَارِقٌ فَقِيلَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْ يَسِيرِ السَّرِقَةِ دُونَ الْمُتَفَاحِشِ، وَعَلَيْهِ الْبِسَاطِيُّ، وَالنَّقْلُ يُوَافِقُهُ. وَقِيلَ: لَا يَنْفَعُهُ مُطْلَقًا. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ:، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي الْيَسِيرِ، وَالْكَثِيرِ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ]

يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلَا يُفَرَّقُ) بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ (بَيْنَ الْأُمِّ) مِنْ النَّسَبِ فَقَطْ (وَبَيْنَ وَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ) وَنَحْوِهِ كَهِبَةِ الثَّوَابِ سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَافِرًا، وَالْآخَرُ مُسْلِمًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمٌ، وَالْآخَرُ كَافِرٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّفْرِقَةَ مُمْتَنِعَةٌ، وَلَوْ رَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ فِي الْحَضَانَةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأُمِّ فَإِنْ رَضِيَتْ بِالتَّفْرِقَةِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَتَقْيِيدُنَا الْأُمَّ بِالنَّسَبِ احْتِرَازًا مِنْ الْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ وَبِفَقَطْ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَبِ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّفْرِقَةِ مُغَيَّا بِغَايَةٍ وَهِيَ (حَتَّى يَثْغِرَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى حَتَّى تَسْقُطَ أَسْنَانُهُ قَالَهُ ك، وَفِي ضَبْطِ غَرِيبٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ يُثْغِرَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الثَّاءِ أَيْ تَسْقُطَ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ، أَوْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَمْ تَنْبُتْ أَسْنَانُهُ بَعْدَ سُقُوطِ الرَّوَاضِعِ اهـ. فَإِذَا أَثْغَرَ جَازَتْ التَّفْرِقَةُ حِينَئِذٍ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ أُمِّهِ فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَنَامِهِ وَقِيَامِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ أَيْضًا [قَوْلُهُ: أَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُ إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ لَظَهَرَ لَهُ لَا إنْ بَاعَهُ بِفَوْرِ شِرَائِهِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِذَلِكَ وَهُوَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَبَيْنَ وَلَدِهَا] يَسْتَثْنِي الْحَرْبِيَّةَ فَإِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا لِلْمُعَاهَدِ التَّفْرِقَةُ، وَيُكْرَهُ لَنَا الِاشْتِرَاءُ مِنْهُ مُفَرَّقًا، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي، وَالْبَائِعُ عَلَى الْجَمْعِ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ غَيْرِهِمَا أَوْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُسِخَ رَجَعَ إلَى مِلْكِ الْمُعَاهَدِ، وَالْكَرَاهَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ، وَانْظُرْ هَلْ يُجْبَرَانِ عَلَى الْجَمْعِ أَيْضًا إذَا حَصَلَتْ التَّفْرِقَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ يُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُمْتَنَعُ مِنْ التَّفْرِقَةِ، وَيُفَرَّقُ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الظَّرْفُ. وَقَوْلُهُ: بَيْنَ الْأُمِّ أَيْ دِنْيّة فَلَا تَحْرُمُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْجَدَّةِ وَوَلَدِ وَلَدِهَا [قَوْلُهُ: كَهِبَةِ الثَّوَابِ] أَيْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلثَّوَابِ أَيْ أَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا أُجْرَةً أَوْ صَدَاقًا مِنْ كُلِّ عَقْدٍ مُعَاوَضَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِسْمَةُ فَمَنْ مَاتَ عَنْ جَارِيَةٍ وَأَوْلَادِهَا الصِّغَارِ لَا يَجُوزُ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَاحِدٌ الْأُمَّ، وَالْآخَرُ الْوَلَدَ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا صَدَقَةً أَوْ هِبَةً لِغَيْرِ ثَوَابٍ فَلَا يَحْرُمُ، وَاخْتُلِفَ فَقِيلَ: يُجْبَرَانِ عَلَى جَمْعِهِمَا بَعْدُ فِي مِلْكٍ، وَقِيلَ: يُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ وَتَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْعِتْقِ، وَيُكْتَفَى بِجَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ] وَسَوَاءٌ كَانَ وَلَدُهَا مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ زِنًا، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَأُمُّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْمَسْبِيَّةُ مَعَ صَغِيرٍ تَدَّعِيهِ أَنَّهُ وَلَدُهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا حَيْثُ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى صِدْقِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَتَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ الْمَانِعَةُ لِلتَّفْرِقَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ مَالِكَيْهِمَا أَوْ دَعْوَى الْأُمِّ مَعَ قَرِينَةِ صِدْقِهَا، وَتَصْدِيقُ الْمَسْبِيَّةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ لَا فِي غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ الْبُنُوَّةِ فَلَا يَخْتَلِي بِهَا إذَا كَبِرَ وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ هِيَ لَا تَرِثُ مَنْ أَقَرَّتْ بِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَيَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ يَحُوزُ جَمِيعَ الْمَالِ. [قَوْلُهُ:، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأُمِّ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَتْ إلَخْ وَعَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْوَلَدِ فَيُمْنَعُ، وَلَوْ رَضِيَتْ [قَوْلُهُ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِالتَّفْرِقَةِ صَحَّ الْبَيْعُ] أَيْ وَجَازَ كَمَا يُفِيدُهُ اللَّقَانِيُّ [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ] أَيْ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ أُمِّهِ بِالْمَرْعَى [قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ تَثْبُتْ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ ثَلَاثَةٌ، وَالْأَوَّلُ مِنْهَا مُغَايِرٌ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ جَعْلُهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَنَصُّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَوْ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ، وَيَجُوزُ أَيْضًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ

[حكم البيوع الفاسدة إذا وقعت]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ فَقَالَ: (وَكُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ) كَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ (فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ) عَبْدُ الْوَهَّابِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي (فَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا (الْمُبْتَاعُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ) عَلَى الْمَشْهُورِ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى جِهَةِ أَمَانَتِهِ، وَإِنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ ك: قُلْت جَعْلُهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِيمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ نَاقِلٍ، وَفِي هَذِهِ جَعَلَهُ نَاقِلًا، وَهَذَا اضْطِرَابٌ فِي التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إذَا مَكَّنَهُ الْبَائِعُ مِنْ قَبْضِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَحَيْثُ قُلْنَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي ـــــــــــــــــــــــــــــQثَانِيهِ مَعَ الْمُثَلَّثَةِ فَقَطْ أَيْ يَنْبُتُ بَدَلَ رَوَاضِعِهِ بَعْدَ سُقُوطِهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ الثَّانِيَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ إلَّا بَعْدَ نَبَاتِ مَا سَقَطَ مِنْ الرَّوَاضِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ نَبَاتُهَا فِي زَمَنٍ مُعْتَادٍ فَإِنْ نَبَتَتْ فِي غَيْرِ زَمَنِ اعْتِيَادِ نَبَاتِهَا أَيْ سَقَطَتْ الرَّوَاضِعُ مِنْ قَبْلِ زَمَنِ سُقُوطِهَا عَادَةً وَنَبَتَ بِهَا حِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: فَإِذَا أَثْغَرَ أَيْ: مُعْتَادًا. وَقَوْلُهُ: لِاسْتِغْنَائِهِ إلَخْ هَكَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِي الْأُخْرَى جَازَتْ التَّفْرِقَةُ حَيْثُ اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ فِي أَكْلِهِ إلَخْ. وَهِيَ تُفِيدُ قَيْدًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ: وَهُوَ أَنَّ مُجَرَّدَ إنْبَاتِهَا غَيْرُ كَافٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِهَا مَبْلَغًا يَأْكُلُ بِهِ تَأَمَّلْ. قَالَهُ عج: وَأَفَادَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا أَثْغَرَ أَيْ سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ وَنَبَتَتْ كُلُّهَا لَا بَعْضُهَا، وَلَوْ الْمُعْظَمُ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَامَلْ نَبَاتُهَا جَازَتْ التَّفْرِقَةُ، وَالْمُرَادُ الْإِثْغَارُ الْمُعْتَادُ وَيُكْتَفَى بِبُلُوغِهِ زَمَنَهُ الْمُعْتَادَ وَهُوَ بَعْدَ السَّبْعِ، وَلَوْ لَمْ يُثْغِرْ بِالْفِعْلِ إلَخْ. تَنْبِيهٌ: لَوْ حَصَلَتْ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ فَيُفْسَخُ إنْ لَمْ يَجْمَعَاهُمَا فِي مِلْكٍ إلَّا أَنْ يَمْضِيَ زَمَنُ الْحُرْمَةِ بِأَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى حَصَلَ الْإِثْغَارُ الْمُعْتَادُ، وَإِلَّا مَضَى وَيُضْرَبُ بَائِعُ التَّفْرِقَةِ وَمُبْتَاعُهَا كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَعْتَادَاهُ، وَمَحَلُّ الضَّرْبِ إنْ عَلِمَا حُرْمَتَهُ وَإِلَّا عُذِرَا بِالْجَهْلِ. [حُكْمِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَقَعَتْ] [قَوْلُهُ: وَكُلُّ بَيْعٍ فَاسِدٍ] أَيْ لِعَقْدِهِ أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ مَثْمُونِهِ أَوْ أَجَلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ فَقْدِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ كَالنَّسَاءِ، وَالتَّفَاضُلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَالْبَيْعِ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا فَسَدَ لِعَقْدِهِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَهُ] أَيْ الْمَبِيعُ أَيْ قَبْضًا مُسْتَمِرًّا بَعْدَ بَتِّ الْبَيْعِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً شِرَاءً فَاسِدًا فَقَبَضَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْبَائِعِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلَكَتْ، فَإِنَّ ضَمَانَهَا مِنْ بَائِعِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَبْضَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبَتِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ إذَا وَقَعَ عَلَى خِيَارِ الضَّمَانِ فِيهِ مِنْ الْبَائِعِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الضَّمَانُ ضَمَانُ أَصَالَةٍ لَا ضَمَانُ رِهَانٍ، فَلَا يَنْتَفِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: أَيْ الْمَبِيعَ الْمَفْهُومَ مِنْ السِّيَاقِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَوْ الْمَفْهُومَ مِنْ بَيْعٍ. [قَوْلُهُ: ك قُلْت جَعَلَهُ] أَيْ عَبْدُ الْوَهَّابِ [قَوْلُهُ: اضْطِرَابٌ فِي التَّعْلِيلِ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ يَقْتَضِي أَنَّهُ انْتَقَلَ لِمِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ فَيُنَافِي قَوْلَهُ سَابِقًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ أَيْ بِحَسَبِ زَعْمِهِ أَيْ فَلَمَّا قَبَضَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ بِحَسَبِ زَعْمِهِ وَتَعَدَّى وَأَخَذَهُ ضَمِنَهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ لَهُ الْمِلْكُ بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: وَحَيْثُ قُلْنَا يَضْمَنُهُ الْمُشْتَرِي] أَيْ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ فَاسِدًا أَشْعَرَ بِأَنَّهُ مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ الْمَيْتَةِ، وَالزِّبْلِ، وَالْكَلْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ قَبَضَهُ وَأَدَّى ثَمَنَهُ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ. تَنْبِيهٌ: إذَا رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَفُوزُ الْمُشْتَرِي بِغَلَّتِهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْفَسَادِ وَبِوُجُوبِ

فَإِنَّهُ يَكُونُ (مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ) لَا مِنْ يَوْمِ عَقْدِهِ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ يَوْمَ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ صَحِيحًا (فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا بِأَنْ حَالَ) عَلَيْهِ (سُوقُهُ) أَيْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ أَوْ نَقْصٍ فِيهِ (أَوْ تَغَيَّرَ فِي بَدَنِهِ) أَيْ فِي نَفْسِهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ مِثْلَهُ (يَوْمَ قَبْضِهِ) لَا يَوْمَ الْفَوَاتِ وَلَا يَوْمَ الْحُكْمِ (وَلَا يَرُدُّهُ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمُقَوَّمِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا جَبْرًا، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الرَّدِّ جَازَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ لِئَلَّا يَكُونَ بَيْعًا ثَانِيًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ (وَإِنْ كَانَ) مِثْلِيًّا (مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ) أَوْ يُعَدُّ (فَلْيَرُدَّ مِثْلَهُ وَلَا يُفِيتُ الرِّبَاع حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ) مَا ذَكَرَهُ أَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ مُفِيتٌ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمُقَوَّمِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ فِيهِ كَالْعَقَارِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَسْخِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مَوْقُوفًا شِرَاءً فَاسِدًا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ فَيَجِبُ رَدُّهَا حَيْثُ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ غَيْرِ رَشِيدٍ، وَأَمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ رَشِيدٍ وَبَاعَهُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ فَإِنَّهُ يَفُوزُ الْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ، وَلَوْ عَلِمَ بِأَنَّهُ وَقْفٌ وَكَمَا يَفُوزُ الْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِكُلْفَةِ الْحَيَوَانِ إذَا كَانَتْ الْغَلَّةُ قَدْرَ الْكُلْفَةِ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا لَوْ زَادَتْ الْكُلْفَةُ عَلَى الْغَلَّةِ أَوْ كَانَ لَا غَلَّةَ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالزَّائِدِ فِي الْأُولَى أَوْ بِكُلِّهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ مَعَ كَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ، وَذَلِكَ فِيمَا إذَا حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ فَاسِدًا مَا لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ كَبِنَاءٍ وَصَبْغٍ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْغَلَّةِ لَهُ كَسُكْنَاهُ وَلُبْسِهِ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَضْمَنُ يَوْمَ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ صَحِيحًا] أَيْ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ وَوَقَعَ بَتًّا فَيَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ لِلْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ بِأَنْ كَانَ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ فَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُهُ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ بِكَيْلِ مَا يُكَالُ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَمًا يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ، وَكَذَا فِي مَسَائِلَ أُخَرَ فَلْتُرَاجَعْ فِي خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ حَالَ عَلَيْهِ إلَخْ] إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ دُونَ الْعَقَارِ، وَالْمِثْلِيِّ، فَإِنْ تَغَيَّرَ السُّوقُ لَا يُفِيتُهُمَا وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الرَّغْبَةُ فِيهِمَا بِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ، وَسَيُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: أَيْ فِي نَفْسِهِ] أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَدَنِ الذَّاتُ فَيَصْدُقُ بِالْجَمَادِ لَا خُصُوصِ الْحَيَوَانِ كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ بَدَنٍ [قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ] كَأَنْ تَتَغَيَّرَ الدَّابَّةُ بِسِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ بِخِلَافِ سِمَنِ الْأَمَةِ، وَأَمَّا هُزَالُ الْأَمَةِ فَمُفِيتٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مُقَوَّمًا] قَدْرُهُ لِمُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا [قَوْلُهُ: بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُمْ لَزِمَهُ ذَلِكَ بَالِغًا مَا بَلَغَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ مُتَرَقِّيًا إلَى أَعْلَى نِهَايَةٍ مِنْ قَوْلِهِمْ بَلَغْت الْمَنْزِلَ إذَا وَصَلْته اهـ. ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الْأَوَّلِ، وَالتَّقْدِيرُ وَاصِلَةً تِلْكَ الْقِيمَةُ إلَى قَدْرٍ يَئُولُ إلَى اتِّصَافِهِ بِأَنَّهَا وَصَلَتْهُ فَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، وَقَوْلُهُ. وَلَا يَوْمَ الْحُكْمِ أَيْ الْحُكْمِ بِالْقِيمَةِ [قَوْلُهُ: جَازَ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ] هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَشَهَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ، وَمُقَابِلُهُ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا إسْقَاطُ التَّنَازُعِ، وَبَعْدَ أَنْ عَلِمْت الْمَشْهُورَ فَيُقَيَّدُ عِنْدَ كَوْنِ الْمَبِيعِ جَارِيَةً أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُوَاضَعَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ دَيْنٌ عَلَى الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْبَائِعُ فِيهَا جَارِيَةً فِيهَا مُوَاضَعَةٌ فَهُوَ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ. فَائِدَةٌ: إذَا وَجَبَ رَدُّ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ يُقَاصِصُهُ بِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَأُجْرَةُ الْمُقَوِّمِ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ جَمِيعًا. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ أَوْ يُعَدُّ] احْتِرَازًا عَنْ الْمِثْلِيِّ الْمُشْتَرَى جُزَافًا فَإِنَّهُ يُحَرَّزُ وَيُقَوَّمُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ وَلَا يُرَدُّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُقَوَّمَ فِي الْفَوَاتِ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ مَا لَمْ تُعْلَمْ مَكِيلَتُهُ بَعْدُ، فَيَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ أَشَارَ لَهُ الْحَطَّابُ [قَوْلُهُ: فَلْيُرَدَّ مِثْلُهُ] فَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْلِيُّ فَالْقِيمَةُ كَثَمَرٍ فَاتَ إبَّانُهُ وَتُعْتَبَرُ يَوْمَ التَّعَذُّرِ. تَنْبِيهٌ: مَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ، وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ فَيَمْضِي بِالثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ غَيْرُ مُفِيتٍ فِيهِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ مِنْ أَنَّهُ مُفِيتٌ فِيهِ وَمِمَّا يُفِيتُهُ أَيْضًا طُولُ زَمَانِ الْحَيَوَانِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الطُّولِ فَفِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ شَهْرٌ، وَفِي كِتَابِ السَّلَمِ مِنْهَا لَيْسَ الشَّهْرَانِ وَلَا

الْمِثْلِيِّ، وَالْمُقَوَّمِ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّ فِيهِ الْقَضَاءُ بِالْمِثْلِ، وَالْقِيمَةِ كَالْفَرْعِ لَا يَعْدِلُ إلَيْهَا مَعَ إمْكَانِ الْأَصْلِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَقَارِ، وَالْمُقَوَّمِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ لِلْقُنْيَةِ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ كَثْرَةُ الثَّمَنِ وَلَا قِلَّتُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ (وَلَا يَجُوزُ سَلَفٌ يَجُرُّ مَنْفَعَةً) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حِنْطَةٌ رَدِيئَةٌ يُسَلِّفُهَا لِمَنْ يَأْخُذُ مِنْهُ عِوَضَهَا جَيِّدًا (وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَسَلَفٌ) لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ» . وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ تَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ تَشْتَرِيَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا بِدِينَارٍ نَقْدًا، فَكَأَنَّ الْبَائِعَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ سِلْعَةٌ وَدِينَارٌ نَقْدًا يَأْخُذُ عَنْهُمَا عِنْدَ الْأَجَلِ دِينَارَيْنِ أَحَدُهُمَا عِوَضٌ عَنْ السِّلْعَةِ وَهُوَ بَيْعٌ، وَالثَّانِي عِوَضٌ عَنْ الدِّينَارِ الْمَنْقُودِ وَهُوَ سَلَفٌ (وَكَذَلِكَ) لَا يَجُوزُ (مَا قَارَنَ السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ وَلِمَا تَقَدَّمَ لَهُ مَنْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثَةُ بِفَوْتٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ التَّغَيُّرُ. قَالَ الْمَازِرِيُّ أَيْ لَيْسَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافٌ حَقِيقِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ لَفْظِيٌّ فِي شَهَادَةٍ أَيْ شَهَادَةٍ وَحُضُورٍ، أَيْ أَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ عَلَى حَيَوَانٍ بِحَسَبِ مَا عَايَنَهُ فَمَرَّةً رَأَى أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ يُفِيتُهُ الشَّهْرُ لِسُرْعَةِ تَغَيُّرِهِ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ لَا يُفِيتُهُ الثَّلَاثَةُ لِعَدَمِ ذَلِكَ، وَكَذَا يُفِيتُهُ نَقْلُ الْعُرُوضِ كَالْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ، وَالْمِثْلِيِّ كَقَمْحٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ إذَا كَانَ بِكُلْفَةٍ مِنْ كِرَاءٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ أَوْ مَكْسٍ فَيَرُدُّ قِيمَةَ الْعَرْضِ، وَمِثْلُ الْمِثْلِيِّ فِي مَحَلِّهِمَا وَاحْتَرَزْنَا بِكُلْفَةٍ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ نَقْلَهُ لَا يُفِيتُهُ إلَّا فِي خَوْفِ طَرِيقٍ، وَالْمُرَادُ شَأْنُهُ الْكُلْفَةُ، وَلَوْ نَقَلَهُ بِعَبِيدِهِ مَثَلًا، وَكَذَا يُفِيتُ وَطْءُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا رَفِيعَةً أَوْ وَخْشًا لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ، وَكَذَا يُفِيتُهُ خُرُوجُهُ عَنْ يَدِ مُبْتَاعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ بَيْعٍ صَحِيحٍ أَوْ حَبْسٍ، وَكَذَا رَهْنُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ شُرُوحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَالْقِيمَةُ كَالْفَرْعِ] مُفَادُهُ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ فَوَاتِهِ يَرُدُّ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِفَوَاتِهِ وَيَرُدُّ مِثْلَهُ حِينَئِذٍ كَمَا قِيلَ فِي ذَهَابِ دَابَّةٍ مِنْ أَنَّهُ فَوْتٌ وَيَرُدُّ مِثْلَهُ. [قَوْلُهُ: يَجُرُّ مَنْفَعَةً] أَيْ لِغَيْرِ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ جَرَّ لِلْمُقْرِضِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَلَا يَقَعُ جَائِزًا إلَّا إذَا تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ] أَوْ يُقْرِضَ مَقْصُوصًا لِيَأْخُذَ جَيِّدًا، وَأَحْرَى الدُّخُولُ عَلَى أَكْثَرِ كَمِّيَّةٍ وَكَدَفْعِ ذَاتٍ يَشُقُّ حَمْلُهَا لِيَأْخُذَ بَدَلهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ، وَقَصْدُهُ إرَاحَتُهُ مِنْ حِمْلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْخَوْفِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا مَنْعَ، وَحُكْمُ الْقَرْضِ الْمَمْنُوعِ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَّا أَنْ يُفَوَّتَ بِمَا يُفَوَّتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ فَلَا يُرَدُّ، وَيَلْزَمُ الْمُقْتَرِضَ الْقِيمَةُ فِي الْمُقَوَّمِ، وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَيَجُوزُ إقْرَاضُ الْمَجْهُولِ كَمِلْءِ غِرَارَةٍ بِمِثْلِهَا مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَجَهْلِ الْأَجَلِ، وَمَا لَا يُبَاعُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَصُورَةُ ذَلِكَ] هَذَا مِثَالٌ لِلِاتِّهَامِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالسَّلَفِ،، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَلَا يُمْنَعُ إلَّا الْبَيْعُ، وَالسَّلَفُ إذَا كَانَ بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ، وَالْإِخْلَالُ إمَّا مِنْ حَيْثُ كَثْرَتُهُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ نَقْصِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَمَحَلُّ الْفَسَادِ عِنْدَ الشَّرْطِ مَا لَمْ يُسْقِطَاهُ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ الْإِسْقَاطُ قَبْلَ فَوَاتِ السِّلْعَةِ لَا إنْ كَانَ بَعْدَ فَوَاتِهَا، وَيَجِبُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقِيمَةِ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسَلِّفَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّفَ الْبَائِعَ أَخَذَهَا بِالنَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسَلِّفَ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَقَلُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ غَابَ عَلَى السَّلَفِ بِحَيْثُ انْتَفَعَ بِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ، وَهَذَا فِي الْمُقَوَّمِ، وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَالْوَاجِبُ مِثْلُهُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ] عِبَارَةُ تت أَحْسَنُ، وَنَصُّهُ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَا قَارَنَ السَّلَفَ مِنْ إجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ بِشَرْطِ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْعِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ مَعَ السَّلَفِ كَالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ

السَّلَفِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خَشِيَ تَوَهُّمَ طَرْدِ ذَلِكَ رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّلَفُ) بِمَعْنَى الْقَرْضِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى لِيَنْتَفِعَ بِهِ آخُذُهُ ثُمَّ يَرُدُّ لَهُ مِثْلَهُ أَوْ عَيْنَهُ (جَائِزٌ) أَيْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ (فِي كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ سَائِرِ الْمُمْتَلَكَاتِ الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا (إلَّا فِي الْجَوَارِي) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إعَارَةِ الْفُرُوجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَرْضُ لِامْرَأَةٍ أَوْ لِذِي مَحْرَمٍ أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةَ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَقِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكِرَاءَ لَيْسَا مِنْ الْبَيْعِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا لَا خُصُوصِيَّةَ لَهُمَا بِذَلِكَ بَلْ النِّكَاحُ، وَالشِّرْكَةُ، وَالْقِرَاضُ، وَالْمُسَاقَاةُ، وَالصَّرْفُ لَا يَجُوزُ شَرْطُ السَّلَفِ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ كُلَّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَ السَّلَفِ، وَأَمَّا اجْتِمَاعُ السَّلَفِ مَعَ الصَّدَقَةِ أَوْ الْهِبَةِ إنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ أَوْ الْوَاهِبِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ الْبَيْعِ مَعَ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فِي النَّظْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: عُقُودٌ مَنَعْنَاهَا مَعَ الْبَيْعِ سِتَّةٌ ... وَيَجْمَعُهَا فِي اللَّفْظِ جَصٌّ مُشَنَّقُ فَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شِرْكَةٌ ... نِكَاحٌ قِرَاضٌ مَنْعُ هَذَا مُحَقَّقُ ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ جَمْعُ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: خُشِيَ تَوَهُّمُ طَرْدِ ذَلِكَ] أَيْ اسْتِمْرَارُ الْمَنْعِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّلَفُ جَائِزٌ] وَيَمْلِكُ الْمُقْتَرِضُ الشَّيْءَ الْمُقْرَضَ بِالْقَوْلِ، وَلَا يَلْزَمُ رَدُّهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ مُدَّةً ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَجْرَى عَلَى الْعَارِيَّةِ الْمُنْتَفِي فِيهَا شَرْطُ الْأَجَلِ، وَالْعَادَةِ، وَفِيهَا خِلَافٌ فَقِيلَ لَهُ رَدُّهُ، وَلَوْ بِالْقُرْبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ أَنْ يُبْقِيَهُ لَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ أَعَارَهُ لِمِثْلِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْعَادَةِ إذْ قَدْ تَزِيدُ عَلَيْهِ الْعَادَةُ بِفَرْضِ وُجُودِهَا اهـ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْقَرْضِ] يُوهِمُ أَنَّ فِي السَّلَفِ إجْمَالًا بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: بِمَعْنًى وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ السَّلَمُ. [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ، وَعَبَّرَ بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةٍ، وَالطَّاعَةُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَأْمُورُ، وَالْعِبَادَةُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَمَعَ النِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: لِلَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُرْبَةِ بِمَعْنَى التَّقَرُّبِ وَقَوْلُهُ: لِيَنْتَفِعَ بِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دَفْعُ الْمَالِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لِلَّهِ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ دَفْعُ الْمَالِ وَقَوْلُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ تَعْلِيلٌ لِلْمُعَلَّلِ مَعَ عِلَّتِهِ [قَوْلُهُ: لِيَنْتَفِعَ] أَيْ لِقَصْدِ أَنْ يَنْتَفِعَ انْتَفَعَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا فَانْطَبَقَ عَلَى مَا بَعْدَهُ، وَأَرَادَ تَعْرِيفَ الْقَرْضِ الْجَائِزِ شَرْعًا فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ عَيْنُهُ فَيَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ الَّذِي اقْتَرَضَهُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ عَيْنَ الَّذِي اقْتَرَضَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِنَقْصٍ فَوَاضِحٌ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ، وَلَوْ تَغَيَّرَ بِزِيَادَةٍ فَاسْتَظْهَرُوا وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِقَبُولِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ مَنْدُوبٌ] لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَائِزِ الْمَأْذُونُ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيصَالِ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ وَتَفْرِيجِ كُرْبَتِهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ أَوْ حُرْمَتَهُ أَوْ كَرَاهَتَهُ وَتَعَسُّرَ إبَاحَتِهِ [قَوْلُهُ: الَّتِي يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ، وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ فَيَدْخُلُ جِلْدُ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغُ وَلَحْمُ الْأُضْحِيَّةِ وَمِلْءُ الظَّرْفِ الْمَجْهُولِ [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْجَوَارِي] فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَتُرَدُّ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَالْقِيمَةُ وَلَا تُرَدُّ كَاسْتِيلَادِهَا وَلَا يَغْرَمُ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ وَلَدِهَا وَلَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَكَذَا الْقِيمَةُ لَازِمَةٌ لِلْمُقْتَرِضِ بِفَوَاتِهَا بِوَطْءٍ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا كَغَيْبَتِهِ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى رَدِّهَا إلَّا فِيمَا إذَا فَاتَتْ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى رَدِّهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَتْمِيمٌ لِلْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ ذَاتَهَا عِوَضٌ عَمَّا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إعَارَةِ الْفُرُوجِ] أَيْ لِأَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نَفْسَ الذَّاتِ الْمُقْتَرَضَةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ رَدُّهَا بَعْدَ التَّلَذُّذِ [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ فِي سِنِّ مَنْ لَا تُوطَأُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَجِبُ

[تعجيل الدين وتأخيره بزيادة]

قَوْلِهِ إلَّا فِي الْجَوَارِي (وَكَذَلِكَ تُرَابُ الْفِضَّةِ) ك: أَيْ لَا يَجُوزُ قَرْضُهُ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي رِوَايَتِنَا (وَلَا تَجُوزُ الْوَضِيعَةُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى تَعْجِيلِهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ضَعْ وَتُعَجَّلْ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ إلَى أَجَلٍ فَيُسْقِطُ بَعْضَهُ وَيَأْخُذُ بَعْضَهُ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ فَيَقُولُ لَهُ رَبُّ الدَّيْنِ: عَجِّلْ لِي خَمْسِينَ وَأَنَا أَضَعُ عَنْك خَمْسِينَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ هَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ عَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ عُدَّ مُسَلِّفًا فَكَأَنَّ الدَّافِعَ أَسْلَفَ رَبَّ الدَّيْنِ خَمْسِينَ لِيَأْخُذَ مِنْ ذِمَّتِهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ مِائَةً فَفِيهِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ رَدَّ إلَيْهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا كَانَ لَهُ أَوَّلًا وَهِيَ الْمِائَةُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يَجُوزُ (التَّأْخِيرُ بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ) كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَخِّرْنِي وَأَزِيدَكَ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ خَمْسَةُ دَنَانِيرَ إلَى أَجَلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ: أَخِّرْنِي وَأَنَا أُعْطِيك أَكْثَرَ مِمَّا لَك عَلَيَّ (وَ) كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (تَعْجِيلُ عَرَضٍ عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدَك مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ ثَوْبٍ مَوْصُوفَةٍ فَيَقُولُ لَك: خُذْ ثِيَابَك فَتَقُولُ لَهُ أَنْتَ: اُتْرُكْهَا عِنْدَك لَا حَاجَةَ لِي بِهَا الْآنَ، فَيَقُولُ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ: خُذْهَا وَأَزِيدَك عَلَيْهَا خَمْسَةً مَثَلًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْخَمْسَةَ فِي مُقَابَلَةِ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْهُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ (وَلَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ ذَلِكَ) الْعَرَضِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا (إذَا كَانَ) الْعَرَضُ (مِنْ قَرْضٍ) ، وَالْآخَرُ (إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ) مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الثِّيَابُ دَنِيَّةً، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَكُونَ إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، فَيَجُوزُ أَنْ يَطُولَ الْأَمَدُ وَهِيَ عِنْدَهُ فَيَطَؤُهَا وَيَرُدُّهَا بِعَيْنِهَا اهـ. [تَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ بِزِيَادَةٍ] [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَحَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازَهُ [قَوْلُهُ: عَلَى آخَرَ دَيْنٌ] عَرْضًا أَوْ عَيْنًا أَوْ طَعَامًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، فَإِنَّ ضَعْ وَتُعَجَّلْ يَدْخُلُهُمَا بِخِلَافِ حُطَّ الضَّمَانَ عَنِّي وَأَزِيدَك فَهُوَ خَاصٌّ بِالْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: فَفِيهِ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ] . وَيَدْخُلُهُ أَيْضًا التَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْفِضَّتَيْنِ وَيَدْخُلُهُ النَّسَاءُ فَهِيَ ثَلَاثُ عِلَلٍ، وَيَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ مِنْ قَرْضٍ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ الْعِلَلُ الثَّلَاثُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ دَخَلَهُ عِلَّتَانِ مِنْ الثَّلَاثِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَالنَّسَاءُ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ بَيْعٍ دَخَلَهُ أَرْبَعُ عِلَلٍ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ، وَالرَّابِعُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا دَخَلَهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ رُدَّ إلَيْهِ] ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى انْقَضَى الْأَجَلُ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْبَاقِيَ الَّذِي كَانَ أَسْقَطَ عَنْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ [قَوْلُهُ: عَلَى الزِّيَادَةِ فِيهِ] كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، كَانَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْمِدْيَانِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ فَسْخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ تَأْخِيرَ الدَّيْنِ أَجَلًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ أَوْ مَعَ تَرْكِ بَعْضِهِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ بَلْ مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الزِّيَادَةِ] كَانَتْ فِي الْكَمِّيَّةِ أَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَالشَّارِحُ مَثَّلَ لِلْأُولَى. وَقَوْلُهُ: إذَا كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَيْ أَوْ مِنْ سَلَمٍ، وَمِثَالُ الزِّيَادَةِ مِنْ الْجِنْسِ كَيْفًا أَنْ تُعَجِّلَ الْعَدَدَ عَلَى وَصْفٍ أَجْوَدَ مِنْ الْمُشْتَرَطِ، وَمِثَالُهَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَنْ يُعَجِّلَ الْأَثْوَابَ عَلَى وَصْفِهَا مَعَ زِيَادَةِ دِرْهَمٍ أَوْ طَعَامٍ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ أَنَّ التَّعْجِيلَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ جَائِزٌ حَيْثُ رَضِيَ الْمُسَلَّمُ بِتَعْجِيلِهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ مِنْ حَقِّهِمَا فِي الْعُرُوضِ، وَأَمَّا التَّعْجِيلُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَقَلَّ عَدَدًا أَوْ أَدْنَى صِفَةً فَيَمْتَنِعُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ] فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ إسْقَاطِ الضَّمَانِ؟ قُلْت: إسْقَاطُ الضَّمَانِ لَيْسَ مُتَمَوَّلًا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِعِوَضٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَخْذُ عِوَضِهِ مِنْ بَابِ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْعَرْضُ مِنْ قَرْضٍ] ؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدَك لَا تَكُونُ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْقَرْضِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَمَنْ حَقِّهِمَا، وَلِذَلِكَ لَوْ عَجَّلَ الْمُقْتَرِضُ الْقَرْضَ قَبْلَ أَجَلِهِ وَفِي مَحَلِّهِ يَلْزَمُ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ إنْ كَانَ جَمِيعَ الْحَقِّ أَوْ بَعْضَهُ لِعُسْرِهِ بِالْبَاقِي. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ]

[الزيادة في القرض عند الأجل]

فَيَقُولُ لَهُ: أُعْطِيك أَجْوَدَ مِنْهَا إنْ تَعَجَّلْتهَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ لَا تَجُوزُ. وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ وَتَأْخِيرِهِ بِزِيَادَةٍ وَتَعْجِيلِ الْعَرَضِ فِي الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ وَتَعْجِيلِهِ فِي الْقَرْضِ بِزِيَادَةٍ فِي الصِّفَةِ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ فَقَالَ: (وَمَنْ رَدَّ فِي الْقَرْضِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا (أَكْثَرَ عَدَدًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ) بِالْمَدِّ الزَّنَاتِيِّ: مَجْلِسُ الْقَضَاءِ هُوَ حُلُولُ الْأَجَلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يَقْضِيهِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ (فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي) جَوَازِ (ذَلِكَ) بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ أَحَدُهَا (إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطٌ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: لَا أُسَلِّفُك إلَّا عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي عَلَى مَا أَسْلَفْتُك (وَ) ثَانِيهَا أَنْ (لَا) يَكُونَ فِيهِ (وَأْيٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ الْوَعْدُ الصَّرِيحُ (وَ) ثَالِثُهَا أَنْ (لَا) يَكُونَ (عَادَةٌ) وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ (فَأَجَازَهُ) أَشْهَبُ ع: ظَاهِرُهُ فِيمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَالْمَنْصُوصُ لِأَشْهَبَ فِيمَا قَلَّ مِثْلُ زِيَادَةِ الدِّينَارِ فِي الْمِائَةِ، وَالْإِرْدَبِّ فِي الْمِائَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَشْهَبَ قَوْلٌ عَامٌّ فِي الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ (وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُجِزْهُ) تَأْكِيدٌ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَقَالَ: (وَمَنْ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ مِنْ بَيْعٍ) مُؤَجَّلٍ (أَوْ) مِنْ (قَرْضٍ مُؤَجَّلٍ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّنَانِيرُ أَوْ الدَّرَاهِمُ (أَنْ يُعَجِّلَهُ) أَيْ يُعَجِّلَ مَا عَلَيْهِ (قَبْلَ أَجَلِهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْأَجَلِ لَهُ فَإِذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ لَزِمَ الْمُقْرِضَ قَبُولُهُ وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّعْجِيلُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، أَمَّا إذَا كَانَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَوْلَى إذَا كَانَ دَفْعُ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الصِّفَةِ مُتَّصِلَةٌ فَلَا تُهْمَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَضَاءُ الْقَرْضِ بِمُسَاوٍ وَأَفْضَلَ صِفَةً حَلَّ الْأَجَلُ أَوْ لَا كَانَ الْقَرْضُ عَيْنًا أَوْ لَا، وَأَمَّا بِأَقَلَّ صِفَةً أَوْ قَدْرًا أَوْ بِهِمَا فَجَائِزٌ إنْ حَلَّ لَا إنْ لَمْ يَحِلَّ فَلَا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ وَتُعَجَّلْ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ] أَيْ الذَّاتِ [الزِّيَادَة فِي القرض عِنْد الْأَجَل] [قَوْلُهُ: عَلَى تَعْجِيلِ الدَّيْنِ] أَيْ بِوَضِيعَةٍ [قَوْلُهُ: بِزِيَادَةٍ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَتَأْخِيرُهُ [قَوْلُهُ: الزَّنَاتِيُّ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ] ضَعِيفٌ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي يَقْضِيهِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ تت وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ إلَخْ] إلَّا أَنَّ مِنْ الْغَيْرِ ابْنُ عُمَرَ فَزَادَ وَقَالَ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ مِنْ أَنْ يَزِيدَهُ بَعْدَ الِاقْتِضَاءِ فَذَلِكَ جَائِزٌ اهـ. [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ جَوَازُ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ نَفْيُ الثَّلَاثَةِ [قَوْلُهُ: الْوَعْدُ الصَّرِيحِ] مُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَعْدٌ غَيْرُ صَرِيحٍ يَكُونُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ كَأَنْ يَقُولَهُ لَهُ يَحْصُلُ خَيْرٌ بِحَيْثُ يَفْهَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ، وَعِبَارَةُ غَيْرِ وَاحِدٍ تُفِيدُ أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ " الصَّرِيحُ " [قَوْلُهُ: وَلَا عَادَةٌ] خَاصَّةٌ بِالْمُسْتَقْرِضِ بِأَنْ يَزِيدَ عِنْدَ الْقَضَاءِ أَمْ لَا. تَحْقِيقُ [قَوْلِهِ: وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ] وَجْهُ الْجَوَازِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحْسَنُ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً وَخَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» [قَوْلُهُ: أَوْ أَكْثَرَ إلَخْ] قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ أَشْهَبَ يُجِيزُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً أَوْ كَثِيرَةً كَمَنْ اسْتَلَفَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَقَضَى أَحَدَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْنُ الْقَاسِمِ يُحَرِّمُهُ مُطْلَقًا اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ] أَيْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ، وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ قَالَ وَمُقَابِلُهُ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ يُفِيدُهُ تت. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعَامُلُ بِالْعَدَدِ فَيَجُوزُ قَضَاءُ ذَلِكَ الْعَدَدِ كَانَ مِثْلَ وَزْنِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ أَزْيَدَ فِي الْعَدَدِ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْوَزْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ قَضَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْعَدَدِ فَإِنْ سَاوَى الْأَقَلُّ وَزْنَ جَمِيعِ الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا كَانَ بِالْوَزْنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ ذَلِكَ الْوَزْنَ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ أَوْ نَقَصَ أَوْ سَاوَى، وَلَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَكْثَرَ مُطْلَقًا، وَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِأَقَلَّ حَيْثُ حَلَّ الْأَجَلُ، وَإِذَا كَانَ بِهِمَا فَاخْتَارَ عج إلْغَاءَ الْعَدَدِ وَغَيْرُهُ إلْغَاءَ الْوَزْنِ. [تَعْجِيل الدِّين مِنْ غَيْر زِيَادَة] [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ] مُسَاوِيًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَعْلَى [قَوْلُهُ: لَزِمَ الْمُقْرِضَ]

[بيع الثمر قبل بدو صلاحه]

غَيْرِهَا فَلَا إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ أَوْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا (وَكَذَلِكَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ (أَنْ يُعَجِّلَ الْعُرُوضَ، وَالطَّعَامَ مِنْ قَرْضٍ لَا مِنْ بَيْعٍ) فَلَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرُهُ، وَلَوْ قَرُبَ الْأَجَلُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمَيْنِ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبَيْعِ، وَالْقَرْضِ فِي الْعُرُوضِ، وَالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ تُرْصَدُ بِهِ الْأَسْوَاقُ وَيُتَحَيَّنُ فِيهِ الْأَحَايِينُ، فَلِلْمُشْتَرِي غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ إلَى وَقْتِهِ لِيَنْتَفِعَ بِالرِّبْحِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُقْرِضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصِدَ النَّفْعَ بِمَا أَقْرَضَ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا مِنْ بَيْعٍ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَوْتِ، وَالْفَلَسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: فِيمَا يَأْتِي وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ تَفْلِيسِهِ كُلُّ دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرِ) بِمُثَلَّثَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ذَاتِ الْأَشْجَارِ مَا دَامَتْ خَضْرَاءَ (أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَجَلَ دَيْنِ الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ [قَوْلُهُ: وَأُجْبِرَ] لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْوُجُوبِ الْجَبْرُ أَتَى بِهِ [قَوْلُهُ: فِي بَلَدِ الْقَرْضِ] الرَّاجِحُ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الْقَرْضِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ، وَالْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ] أَيْ يَخْرُجَ الْمَدِينُ مَعَ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَذْهَبُ مَعَهُ لِبَلَدِ الْقَرْضِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ الْقَضَاءُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَجَلَ دَيْنِ الْعَيْنِ مِنْ حَقِّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ كَانَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ، وَلَا فَرْقَ فِي جَبْرِ صَاحِبِ الْعَيْنِ عَلَى قَبُولِهَا بَيْنَ كَوْنِ الدَّفْعِ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُلْفَةَ فِي حَمْلِ الْعَيْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ الْعَيْنِ غَيْرَهَا مِمَّا يَخِفُّ حَمْلُهُ كَالْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ فِي الْقَرْضِ، وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِالْعُرُوضِ فِي غَيْرِ هَذَا. قَالَ عج: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ لُزُومُ قَبُولِ دَيْنِ الْعَيْنِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْقَرْضِ بِأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إلَّا أَنْ يَتَّفِقَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ خَوْفٌ وَهِيَ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يُجْبِرُ مَنْ هِيَ لَهُ عَلَى قَبُولِهَا قَبْلَ الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِمَا قَبْضُهَا، وَلَا يُنْظَرُ لِذَلِكَ فِي عَيْنِ الْقَرْضِ وَيُقَيَّدُ أَيْضًا لُزُومُ الْقَبُولِ بِأَنْ يُعَجَّلَ جَمِيعُهُ أَوْ بَعْضُهُ مَعَ عُسْرِ الْبَاقِي، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ أَعْلَى؛ لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْأَقَلِّ حَرَامٌ وَتَعْجِيلَ الْأَكْثَرِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا فَوْقَ رُجْحَانِ الْمِيزَانِ فِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ حَرَامٌ فِي الْقَرْضِ بِخِلَافِ ثَمَنِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِأَكْثَرَ إذَا كَانَ عَيْنًا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَوْ قَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ: فَلَهُ أَنْ يُعَجِّلَهُ قَبْلَ أَجَلِهِ فَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا قَبُولُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّعْجِيلِ لُزُومُ الْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ الْمُرَادُ. [قَوْلُهُ: الْعُرُوض إلَخْ] الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا. قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَفِي الصِّحَاحِ: الْعَرْضُ الْمَتَاعُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّهَا عَيْنٌ اهـ. قُلْت:، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ هُنَا بِالْعَرْضِ مَا عَدَا الطَّعَامَ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَيَحْتَاجُ لِنُكْتَةٍ، وَمَا عَدَا الْعَقَارَ، وَالْعَيْنَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لَا مِنْ بَيْعٍ إلَخْ] فَلَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الدَّيْنِ، وَالْعَرْضِ، وَالطَّعَامِ قَبُولُهُ قَبْلَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي عَرْضِ الْبَيْعِ وَمِنْهُ السَّلَمُ مِنْ حَقِّهِمَا، فَإِذَا عَجَّلَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَبُولُ دَيْنِ الْقَرْضِ، وَالْعَيْنِ مُطْلَقًا أَعْنِي فِي بَلَدِ الْقَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا وَغَيْرِ الْعَيْنِ حَيْثُ كَانَ الدَّفْعُ فِي بَلَدِ الْقَرْضِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُ غَيْرِ الْعَيْنِ كَمَا لَا يَلْزَمُ قَبُولُ الْعَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ خَوْفٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ:، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا احْتَاجَتْ إلَى كَبِيرِ حَمْلٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا كَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: الْأَحَايِينَ] جَمْعُ أَحْيَانٍ وَهُوَ جَمْعُ حِينٍ، فَظَهَرَ أَنَّ أَحَايِينَ جَمْعُ الْجَمْعِ وَيَتَحَيَّنُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الْأَزْمِنَةُ فَقَدْ يُسَاوِي فِي هَذَا الْحِينِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَفِي حِينٍ آخَرَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ. [قَوْلُهُ: تَنْبِيهٌ إلَخْ] قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا تَعَجَّلَ قَبْلَ الْأَجَلِ وَبِالْمَوْتِ أَوْ الْفَلَسِ حَلَّ الْأَجَلُ كَمَا يَأْتِي [بَيْع الثمر قَبْل بدو صلاحه] [قَوْلُهُ: ذَاتِ الْأَشْجَارِ] كَعِنَبٍ وَبَلَحٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ حَبٍّ كَقَمْحٍ وَفُولٍ

حَبٍّ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ) بُدُوُّ صَلَاحِ الثَّمَرِ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ، وَبُدُوُّ صَلَاحِ الْحَبِّ أَنْ يَيْبَسَ. وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ التَّبْقِيَةِ أَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى التَّبْقِيَةِ أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فُسِخَ، أَمَّا إذَا وَقَعَ بِشَرْطِ الْجِدَادِ فِي الْحَالِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَجَائِزٌ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَأَنْ تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ، وَأَنْ لَا يَتَمَالَأَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ (وَيَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ الثَّمَرِ (إذَا بَدَا) أَيْ ظَهَرَ (صَلَاحُ بَعْضِهِ، وَإِنْ) كَانَ الْبَعْضُ الْمَزْهُوُّ (نَخْلَةً) وَاحِدَةً (مِنْ نَخِيلٍ كَثِيرَةٍ) مَا لَمْ تَكُنْ بَاكُورَةً، فَإِنْ كَانَتْ بَاكُورَةً لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْحَائِطِ بِطَيِّبِهَا وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَحْدَهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَدَمُ الْجَوَازِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا فِي الْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ] ، وَالْحَدِيثُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبْتَاعُ الثَّمَرَةُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَتَذْهَبَ عَنْهَا الْآفَةُ» قَالَ: بُدُوُّ صَلَاحِهِ حُمْرَتُهُ وَصُفْرَتُهُ اهـ بِلَفْظِهِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْمَرَّ أَوْ يَصْفَرَّ] وَيَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ ظُهُورُ الْحَلَاوَةِ فِي الْبَلَحِ الْخَضْرَاوِيِّ وَأَمَّا بُدُوُّهُ فِي نَحْوِ الْعِنَبِ، وَالتِّينِ، وَالْمِشْمِشِ فَظُهُورُ الْحَلَاوَةِ، وَفِي الْمَوْزِ بِالتَّهَيُّؤِ لِلنُّضْجِ، وَفِي ذِي النَّوْرِ بِانْفِتَاحِهِ كَالْوَرْدِ، وَالْيَاسَمِينِ، وَفِي الْبُقُولِ، وَاللِّفْتِ، وَالْجَزَرِ، وَالْفُجْلِ، وَالْبَصَلِ بِإِطْعَامِهَا وَاسْتِقْلَالِ وَرَقِهَا إلَى حَالَةٍ يَعْرِفُونَهَا تَصْلُحُ لِلْقَطْعِ، وَأَمَّا الْبِطِّيخُ الْمَعْرُوفُ بِالْعَبْدَلَاوِيّ، وَالْقَاوُونِ فَقِيلَ بِالِاصْفِرَارِ وَقِيلَ بِالتَّهَيُّؤِ لَهُ، وَأَمَّا الْأَخْضَرُ فَبِتَلَوُّنِ لُبِّهِ بِالسَّوَادِ، وَالْحُمْرَةِ، وَقَصَبُ السُّكَّرِ فَبِظُهُورِ حَلَاوَتِهِ، وَأَمَّا الْجَوْزُ، وَاللَّوْزُ فَبِأَخْذِهِ فِي الْيَبَسِ، وَأَمَّا الْقُرْطُمُ، وَالْبِرْسِيمُ فَإِذَا بَلَغَ أَنْ يُرْعَى دُونَ فَسَادٍ، وَأَمَّا الْفَقُّوسُ، وَالْخِيَارُ وَنَحْوُهُمَا فَبِانْعِقَادِهِ تت. [قَوْلُهُ: وَصَلَاحُ الْحَبِّ أَنْ يَيْبَسَ] فَلَوْ عَقَدَ عَلَيْهِ فَرِيكًا فُسِخَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ بِقَبْضِهِ بَعْدَ جَدِّهِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى التَّبْقِيَةِ] وَحَيْثُ فُسِخَ فَضَمَانُ الثَّمَرَةِ مِنْ الْبَائِعِ مَا دَامَتْ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ، فَإِذَا جَدَّهَا رُطَبًا رَدَّ قِيمَتَهَا وَتَمْرًا رَدَّهُ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا رَدَّ مِثْلَهُ إنْ عَلِمَ، وَإِلَّا رَدَّ قِيمَتَهُ هَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ. قَالَ عج: وَمَا ذَكَرَ فِي الرُّطَبِ مِنْ رَدِّ قِيمَتِهِ فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ قَائِمًا أَوْ فَاتَ وَعُلِمَ وَزْنُهُ، وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مَا يُقَالُ فِي التَّمْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يُوزَنُ فَيَرُدُّ عَيْنُهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ اهـ. [قَوْلُهُ: أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ إلَخْ] بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَى طَوْرٍ إلَى طَوْرٍ آخَرَ [قَوْلُهُ: أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ] كَالْحِصْرِمِ فَإِنَّهُ بِطِّيخٌ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ كَالْكُمَّثْرَى فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ خَاصًّا بِهَذَا بَلْ كُلُّ بَيْعٍ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ فِي أُمُورٍ فَاحْتَاجَ إلَى شُرُوطٍ مِنْهَا هَذَا فَلِذَا ضَمَّهُ لَهَا. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَدْعُوَ إلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ] سَوَاءٌ كَانَ الِاحْتِيَاجُ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَتَمَالَأَ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّمَالُؤِ هُنَا أَنْ يَتَوَافَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَوَافُقُهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ [قَوْلُهُ: أَيْ الثَّمَرِ] الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الثَّمَرِ خَاصَّةً دُونَ الْحَبِّ. قَوْلُهُ: إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ وَأَوْلَى كُلُّهُ فَإِذَا كَانَ زَرْعًا وَبَدَا صَلَاحُ كُلِّهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا إنْ لَمْ يَسْتَتِرْ، فَإِنْ اسْتَتَرَ فِي أَكْمَامِهِ كَقَمْحٍ فِي سُنْبُلِهِ وَبِزْرِ كَتَّانٍ فِي جَوْزِهِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ جُزَافًا لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَيَصِحُّ كَيْلًا، وَأَمَّا شِرَاءُ مَا ذَكَرَ مَعَ قِشْرِهِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ بَاقِيًا فِي شَجَرِهِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَلَمْ يَسْتَتِرْ بِوَرَقِهِ فِيمَا لَهُ وَرَقٌ وَإِلَّا امْتَنَعَ بَيْعُهُ جُزَافًا أَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ نَخْلَةً] وَيَلْحَقُ بِالثَّمَرِ الْمَقَاثِئ، وَافْهَمْ أَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الْبَلَحِ لَا يَكْفِي فِي حِلِّ بَيْعِ نَحْوِ الْعِنَبِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمَقَاثِئِ، وَالثَّمَرِ. وَأَمَّا بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ الزَّرْعِ فَلَا يَكْفِي فِي حِلِّ بَيْعِ بَاقِيهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يُبْسِ حَبِّ جَمِيعِ الزَّرْعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَرِ، وَالْمَقَاثِئِ يَكْتَفِي بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَعْضِ الْجِنْسِ، وَالزَّرْعُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِبُدُوِّ صَلَاحِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنَّ الثَّمَرَ إذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ يَتْبَعُهُ الْبَاقِي سَرِيعًا وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْقِثَّاءِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ وَلِشِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ لِأَكْلِ الثِّمَارِ رَطْبَةً: [قَوْلُهُ: نَخْلَةً وَاحِدَةً] مَنْصُوبٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِ كَانَ الْمُضْمِرَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِكَثْرَةِ حَذْفِهَا مَعَ اسْمِهَا بَعْدَ إنْ، وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ

[مسائل متنوعة في البيع]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مَمْنُوعَةٍ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِي الْأَنْهَارِ) جَمْعُ نَهْرٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا (وَ) لَا بَيْعُ مَا فِي (الْبِرَكِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جَمْعُ بِرْكَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْضًا وَهِيَ الْغُدُرُ الْمَحْفُورَةُ الْمُقَطَّعَةُ (مِنْ الْحِيتَانِ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شِرَاءِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ» أَيْ لِلْغَرَرِ، وَالْغَرَرُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَكَوْنُهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) آدَمِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ هُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَقَوْلُهُ: (وَلَا بَيْعُ مَا فِي) بُطُونِ (سَائِرِ الْحَيَوَانِ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَكْرَارٌ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ نِتَاجِ) بِكَسْرِ النُّونِ (مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ) بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى مِنْ الْفِعْلِ وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» فَسَّرَهُ ابْنُ وَهْبٍ بِنِتَاجِ مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ شِدَّةِ الْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ جَنِينُ مَا يَلِدُ جَنِينُ هَذِهِ النَّاقَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَفْعُهَا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ عَلَى جَعْلِهِ فَاعِلًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ، وَإِنْ بَدَا نَخْلَةٌ أَيْ صَلَاحُ نَخْلَةٍ وَلَا مَفْهُومَ لِنَخْلَةٍ بَلْ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ دَالِيَةٍ فِي الْكَرْمِ أَوْ زَيْتُونَةٍ فِي الزَّيْتُونِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ بَاكُورَةً] أَيْ وَهِيَ الَّتِي تَسْبِقُ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ تَتَابُعُ الطِّيبِ [مَسَائِل مُتَنَوِّعَة فِي الْبَيْع] [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا] لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ عَيْنُهُ حَرْفُ حَلْقٍ كَشَهْرٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْغُدُرُ] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِغَدْرِهَا أَهْلَهَا بِانْقِطَاعِهَا عِنْدَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ تت [قَوْلُهُ: الْمَحْفُورَةُ] كَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ وَنُسْخَةِ تت، وَالتَّحْقِيقُ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ الْحَصُورَةُ بِالصَّادِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَحْفُورَ مَحَلُّهَا وَتَكُونُ الْبِرْكَةُ عَلَى كَلَامِهِ نَفْسَ الْمَاءِ الْمُجْتَمَعِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ السَّيْلِ مَثَلًا. وَفِي الْفَاكِهَانِيِّ سُمِّيَتْ الْبِرْكَةُ بِذَلِكَ لِإِقَامَةِ الْمَاءِ فِيهَا فَهِيَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ عَلَى كَلَامِهِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْحِيتَانِ] قَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلٍّ مَحْصُورٍ كَبِرْكَةٍ صَغِيرَةٍ بِحَيْثُ يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَيَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَإِلَّا جَازَ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَالِكِ الْأَرْضِ مَنْعُ الِاصْطِيَادِ مِنْهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ اصْطِيَادُ الْغَيْرِ يَضُرُّ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ كَأَنْ تَكُونَ الْبِرْكَةُ فِي وَسَطِ زَرْعِ صَاحِبِ الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لِلْغَرَرِ] وَلِذَلِكَ كَانَ مِثْلُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالنَّحْلِ خَارِجًا عَنْ الْجَبْحِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهَا وَتَسَلُّمِهَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ النَّحْلُ فِي جَبْحِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ بِدُونِ جَبْحِهِ وَيَدْخُلُ الجبح تَبَعًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى الْجَبْحِ وَسَكَتَ عَنْ النَّحْلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ النَّحْلُ وَلَا يَدْخُلُ الْعَسَلُ فِي الصُّورَتَيْنِ [قَوْلُهُ: هَلْ هُوَ حَيٌّ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ كَوْنَهُ حَيًّا فَلَعَلَّ الْأَوْلَى لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. وَقَوْلُهُ: نَاقِصٌ أَوْ تَامٌّ أَيْ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ أَوْ تَامُّهَا لَا نَاقِصٌ عَنْ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ تَامُّهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُعْلَمُ [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَيْ إنْ كَانَ الْجَنِينُ عَامًّا، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِجَنِينِ الْأَمَةِ فَلَا تَكْرَارَ تت. [قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ نِتَاجِ مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ] هَذَا أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَنِينُ الْجَنِينِ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ] أَيْ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَمْ تُسْمَعْ إلَّا مَبْنِيَّةً لِلْمَفْعُولِ مُرَادًا بِهَا الْفَاعِلَ نَحْوُ زَهَا عَلَيْنَا أَيْ تَكَبَّرَ. [قَوْلُهُ: فَسَّرَهُ ابْنُ وَهْبٍ] وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ بَيْعُ الْجَزُورِ إلَى أَنْ تُنْتَجُ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّذِي فِي بَطْنِهَا فَهُوَ الْبَيْعُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ. أَقُولُ: فَعَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ وَهْبٍ يَكُونُ حَبَلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْمُوَحَّدَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ،، وَالْحَبَلَةُ اسْمٌ جَمْعُ حَابِلٍ كَظَالِمِ وَظَلَمَةٍ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ جَمْعُ حَابِلَةٍ فَمَصْدُوقُ الْمُضَافِ جَنِينُ الْجَنِينِ الْوَاقِعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَمَصْدُوقُ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْجَنِينُ الَّذِي فِي الْبَطْنِ حِينَ الْمَبِيعِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ أَوْ يُجْعَلَ اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَالْحَبَلُ مُخْتَصٌّ بِالْآدَمِيَّاتِ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِهِنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا حَمْلٌ إلَّا مَا فِي حَدِيثِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَنِينُ مَا

(وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْإِبِلِ) لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ» . ج: إنْ كَانَ النَّزْوُ مَضْبُوطًا بِمَرَّاتٍ أَوْ زَمَانٍ جَازَ، وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ كَرَاهَتَهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَإِنَّ أَخْذَ الْأَجْرِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُفْسَخْ وَلَمْ يُرَدَّ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْآبِقِ) فِي حَالِ إبَاقِهِ لِلْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَاضِرًا وَبُيِّنَ لَهُ غَايَةُ إبَاقِهِ جَازَ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْبَعِيرِ الشَّارِدِ) لِلْغَرَرِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (وَنُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْكِلَابِ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» (وَاخْتُلِفَ فِي) جَوَازِ (بَيْعِ مَا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْكِلَابِ لِلْحِرَاسَةِ، وَالصَّيْدِ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ (وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْمَأْذُونَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلِدُ] أَيْ مَا يَلِدُهُ جَنِينٌ أَيْ جَنِينُ الَّذِي يَلِدُهُ جَنِينُ هَذِهِ النَّاقَةِ، وَانْظُرْ فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُبَاعَ ابْنُ ابْنِ مَا فِي بَطْنِهَا فَيُخَالِفُ قَوْلُهُ نِتَاجُ مَا تُنْتَجُ النَّاقَةُ، فَاَلَّذِي عَلَى طِبْقِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ جَنِينُ الْجَنِينِ، وَإِذَا امْتَنَعَ بَيْعُ الْجَنِينِ فَكَيْفَ بِجَنِينِ الْجَنِينِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ جَنِينُ مَا تَلِدُ لِلْبَيَانِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَبَلَةَ اسْمٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ وَحَبَلُهَا وَلَدُ ذَلِكَ الَّذِي فِي الْبَطْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ مَا فِي ظُهُورِ الْإِبِلِ] الْمُرَادُ الْفُحُولُ مُطْلَقًا بِأَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْفَحْلِ لِصَاحِبِ النَّاقَةِ أَبِيعُك مَا يَتَكَوَّنُ مِنْ مَاءِ فَحْلِ هَذَا فِي بَطْنِ نَاقَتِك أَوْ نَاقَتِي، وَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إلَّا أَنْ يَفُوتَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ. [قَوْلُهُ: ضِرَابِ] بِكَسْرِ الضَّادِ وَهُوَ النَّزْوُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ فَالدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعِيَ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: النَّزْوُ] مَصْدَرٌ بِفَتْحِ النُّونِ عَلَى وَزْنِ قَتَلَ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَزَا الْفَحْلُ نَزْوًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَنَزَوَانًا وَثَبَ اهـ. [قَوْلُهُ: بِمَرَّاتٍ أَوْ زَمَانٍ جَازَ] أَيْ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَوْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَعَطَفَ بِأَوْ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْوَاضِحَةِ إنْ سَمَّى يَوْمًا أَوْ شَهْرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَمِّيَ نَزَوَاتٍ، فَإِنْ حَصَلَ الْحَمْلُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا اُنْتُفِعَ [قَوْلُهُ: كَرَاهَتَهُ] ظَاهِرُ بَهْرَامَ أَيْ مُطْلَقًا كَانَ النَّزْوُ مَضْبُوطًا بِمَا ذَكَرَ أَوْ لَا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ، وَمُفَادُ الْحَدِيثِ الْحُرْمَةُ. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ لَمْ يَفْسَخْ وَلَمْ يَرُدَّ رُبَّمَا يُقَوِّي الْكَرَاهَةَ، وَعَطْفُ لَمْ يَرُدَّ تَفْسِيرٌ. وَقَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْ فَفِي مُسْلِمٍ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ» . [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ] أَيْ فَبَيْعُهُ فَاسِدٌ وَضَمَانُهُ مِنْ بَائِعِهِ وَيَفْسَخُ، وَإِنْ قَبَضَ، وَإِذَا عَرَفَ أَنَّهُ عِنْدَ رَجُلٍ جَازَ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُوصَفُ لَهُ إذَا وُصِفَ لِلسَّيِّدِ حَالُهُ الْآنَ إنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَتَغَيَّرَ فِيهِ، وَكَانَ الْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ لَا إنْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْقُرْبِ، وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ صِفَتَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَصْفِ وَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ نَقْدُ الثَّمَنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الَّذِي عَنْهُ الْآبِقُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَمِثْلُهُ مَنْ لَمْ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ. قَالَ عج: وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْبَعِيرِ الشَّارِدِ. [قَوْلُهُ: وَبَيَّنَ لَهُ غَايَةَ إبَاقِهِ] الْغَايَةَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: غَايَةُ إبَاقِهِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا، وَبِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ كَأَنْ يَقُولَ: إنَّ غَايَةَ إبَاقِهِ إلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّة مَثَلًا [قَوْلُهُ: عَنْ بَيْعِ الْكِلَابِ] الْمَنْعُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي اتِّخَاذِهِ، وَإِذَا وَقَعَ كَانَ بَاطِلًا. [قَوْلُهُ: وَمَهْرِ الْبَغِيِّ] بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ التَّحْتِيَّةِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْمُؤَنَّثُ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا، وَسُمِّيَ مَهْرًا مَجَازًا لِكَوْنِهِ عَلَى صُورَتِهِ، وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ بِضَمِّ الْحَاءِ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى كِهَانَتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ الْمُنَاوِيُّ: شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَأْخُذُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَاهِنِ، وَالْعَرَّافِ أَنَّ الْكَاهِنَ إنَّمَا يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنْ الْكَوَائِنِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ، وَالْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأُمُورِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ بَيْعِ إلَخْ] قَالَ تت: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ وَهُنَاكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِالْكَرَاهَةِ، فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ وَعَقَدَ عَلَى الْكَلْبِ فَالْحُكْمُ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ. وَقِيلَ: وَإِنْ طَالَ وَقِيلَ يَمْضِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَصَوَّبَهُ ابْنُ نَاجِي، وَهَذَا فِيمَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْكِلَابِ، وَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ

اتِّخَاذِهِ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهِ فَلَا قِيمَةَ فِيهِ ك: لَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي جَوَازِ قَتْلِ الْكِلَابِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اتِّخَاذِهَا لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا (وَ) كَذَا لَا يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ وَهُوَ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ، وَالنَّهْيُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ مَالِكٍ مَخْصُوصٌ بِاللَّحْمِ مِنْ نَوْعِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (مِنْ جِنْسِهِ) مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ لَحْمَ بَقَرٍ بِغَنَمٍ مَثَلًا، وَقَيَّدَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَنْعَ بِمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ اللَّحْمُ فَإِنْ طُبِخَ جَازَ. وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَبَيْعِ لَحْمِ الْغَنَمِ بِالطَّيْرِ وَقَيَّدَ ق ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ نَقْدًا، أَمَّا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (بَيْعَتَانِ) وَفِي نُسْخَةٍ بَيْعَتَيْنِ وَهِيَ مُؤَوَّلَةٌ بِتَقْدِيرِ وَلَا بَيْعُ بَيْعَتَيْنِ (فِي بَيْعَةٍ) لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ (وَ) صَوَّرُوا (ذَلِكَ) بِصُورَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّخَاذُهُ مِنْهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَأَنَّهُ إنْ بِيعَ فُسِخَ الْبَيْعُ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ] عَلَى تَقْدِيرِ جَوَازِ بَيْعِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِإِبَاحَةِ الْبَيْعِ فَأَحْرَى أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَغُرْمِ قِيمَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَحْمِ أَوْ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْبَيْعِ، وَالضَّمَانِ [قَوْلُهُ: لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الطَّلَبَ فَلَا يُوَافِقُ قَوْلُهُ أَوَّلًا فِي جَوَازِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِذْنِ، وَلِذَا ذَكَرَ بَعْضٌ أَنَّهُ يُنْدَبُ قَتْلُهَا [قَوْلُهُ: بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ] أَيْ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَهُوَ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ. تت: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ فَالْمَعْلُومُ اللَّحْمُ، وَالْمَجْهُولُ الْحَيَوَانُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْنَى الْمُزَابَنَةِ] مِنْ قَوْلِهِمْ نَاقَةٌ زَبُونٌ إذَا مُنِعَتْ مِنْ حِلَابِهَا، وَمِنْهُ الزَّبَانِيَةُ لِدَفْعِهِمْ الْكُفَّارَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ عَنْ مُرَادِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْغَالِبُ، فَإِذَا عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ انْتَفَى هَذَا تَحْقِيقُ [قَوْلِهِ: عِنْدَ مَالِكٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ وَمُقَابِلُهُ كَمَا يُفِيدُهُ بَهْرَامُ تَخْصِيصُهُ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُرَادُ إلَّا لِلذَّبْحِ لِظُهُورِ الْقَصْدِ إلَى الْمُزَابَنَةِ [قَوْلُهُ: مَخْصُوصٌ بِاللَّحْمِ مَعَ نَوْعِهِ] ، وَلَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ] أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ اللُّغَوِيَّ الصَّادِقَ بِالنَّوْعِ وَبِالصِّنْفِ فَلَا يُنَافِي قَوْلُهُ مَخْصُوصٌ بِاللَّحْمِ مِنْ نَوْعِهِ [قَوْلَهُ: فَإِنْ طُبِخَ جَازَ] ، وَلَوْ طُبِخَ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ لَكِنَّ شَرْطَ جَوَازِهِ التَّعْجِيلُ وَإِلَّا حَرُمَ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ فَلَا يَجُوزُ] يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ لَا يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِأَجَلٍ كَمَا هُوَ نَصُّ ق إلَّا أَنَّ الشَّارِحَ اخْتَصَرَ الْعِبَارَةَ. تَتْمِيمٌ: اعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَبَيْعِ الْحَيَوَانِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسٍ وَهِيَ لَحْمٌ وَحَيَوَانٌ يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ وَلَهُ مَنْفَعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَمَا لَا تَطُولُ حَيَاتُهُ كَطَيْرِ الْمَاءِ، وَالشَّارِفِ، وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ إلَّا اللَّحْمُ كَخَصِيِّ الْمَعْزِ أَوْ قُلْت كَخَصِيِّ الضَّأْنِ فِي مِثْلِهَا الْمُكَرَّرِ مِنْهَا عَشَرَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةَ عَشَرَ الْجَائِزُ مِنْهَا اثْنَتَانِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِلَحْمٍ وَبَيْعُ حَيَوَانٍ يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ بِمِثْلِهِ، وَصُوَرُ بَيْعِ الْحَيَوَانِ مِثْلُ عَشْرٍ يَجُوزُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ كَمَا عَلِمْت وَتَمْتَنِعُ تِسْعَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّحْمَ بِاللَّحْمِ مِنْ جِنْسِهِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّمَاثُلِ وَالتَّنَاجُزِ، وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ يَكْفِي التَّنَاجُزُ كَمَا فِي بَيْعِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ، وَلَوْ لَحْمًا نِيئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا، وَأَمَّا حَيَوَانٌ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَا لِلْقَنِيَّةِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ لِأَجَلٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ نَقْدًا لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا لَحْمًا، وَأَمَّا بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَمَا يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ فَيَجُوزُ نَقْدًا لَا إلَى أَجَلٍ إنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ، وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَا يُرَادُ لِلْقَنِيَّةِ كَمَا لَا يُبَاعُ بِلَحْمٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَوْ نَقْدًا وَلَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِأَجَلٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ كِرَاءً لِأَرْضٍ وَلَا قَضَاءً عَلَى دَرَاهِمَ أُكْرِيَتْ الْأَرْضُ بِهَا [قَوْلُهُ: بَيْعَتَانِ] أَيْ جَمَعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، أَيْ فِي عَقْدٍ وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ [قَوْلُهُ: مَا صَحَّ فِي نَهْيِهِ] فَفِي الْمُوَطَّأِ، وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً وَاحِدَةً بِثَمَنَيْنِ مُخْتَلِفِينَ وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً إمَّا بِخَمْسَةٍ نَقْدًا أَوْ عَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ قَدْ لَزِمَتْهُ بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ) ، وَلَوْ عُكِسَ لَجَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ لَا يَخْتَارُ إلَّا الْأَقَلَّ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَبْعَدَ فِي الْأَجَلِ (وَ) الْأُخْرَى (أَنْ يَبِيعَهُ إحْدَى سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ) كَثَوْبٍ وَشَاةٍ بِدِينَارٍ عَلَى اللُّزُومِ فَشَرْطُ الْمَنْعِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا كَوْنُ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ لِلْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا لِلْغَرَرِ إذْ لَا يَدْرِي الْبَائِعُ بِمَ بَاعَ، وَلَا الْمُشْتَرِي بِمَ اشْتَرَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى اللُّزُومِ جَازَ (وَ) كَذَا (لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَمِيمٍ سَاكِنَةٍ اسْمٌ لِلْيَابِسِ (بِالرُّطَبِ) بِضَمِّ الرَّاءِ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَا إذًا» . مَالِكٌ: فَلَا يُبَاعُ إذًا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنَاهُ فَلَا بَأْسَ إذًا (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مِثْلًا بِمِثْلٍ) ؛ لِأَنَّ التَّمَاثُلَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ؛ لِأَنَّ الرُّطَبَ إذَا يَبِسَ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْيَابِسِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ، وَالْجَهْلُ بِالتَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ، وَالتَّفَاضُلُ فِيهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ (رَطْبٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ بَيْعُهُ (بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: (مِنْ سَائِرِ الثِّمَارِ، وَالْفَوَاكِهِ) لَكَانَ أَوْلَى لِيُدْخِلَ فِيهِ الْحُبُوبَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ بِيعَ رَطْبٌ بِيَابِسٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذْ التَّفَاضُلُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ جَائِزٌ. ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ بَيْعِ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَلَوْ كَانَ جَدِيدًا بِقَدِيمٍ وَمَنَعَ عَبْدُ الْمُلْكِ الْجَدِيدَ بِالْقَدِيمِ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ مِنْ جِنْسِهِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ بَعْضِ الَّذِي (نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْمُزَابَنَةِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُزَابَنَةُ، إذْ الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنَّ الرَّطْبَ مَعْلُومٌ، وَالْيَابِسَ مَجْهُولٌ إذْ لَا يُدْرَى مِقْدَارُ مَا فِيهِ مِنْ الرَّطْبِ، وَالْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا لَا تَخْتَصُّ بِالرِّبَوِيِّ، وَإِنْ وَقَعَتْ مُفَسَّرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» [قَوْلُهُ: بِثَمَنَيْنِ] أَيْ فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْبَيْعَتَيْنِ الثَّمَنَيْنِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، أَيْ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ [قَوْلُهُ: إحْدَى سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ] أَيْ بِغَيْرِ الْجَوْدَةِ، وَالرَّدَاءَةِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ لِلْجَهْلِ بِالْمُثَمَّنِ فِي صُورَةِ الشَّارِحِ الَّتِي هِيَ اتِّحَادُ الْمُثَمَّنِ أَوْ الثَّمَنِ إذَا اخْتَلَفَ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَدْرِي الْبَائِعُ] هَذِهِ الْعِلَّةُ إنَّمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْأُولَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى اللُّزُومِ جَازَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْخِيَارِ فِيمَا يُعَيِّنُهُ كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْجَوْدَةِ، وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْأَجْوَدِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ أَحَدَ طَعَامَيْنِ وَإِلَّا امْتَنَعَ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُعَدُّ مُنْتَقِلًا. [قَوْلُهُ: قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ] هَذَا بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ إذْ الشَّأْنُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ إذَا يَبِسَ [قَوْلُهُ: وَلَا رَطْبٌ بِيَابِسٍ] فَلَا يُبَاعُ الْفُولُ الْحَارُّ بِالْيَابِسِ وَلَا الْقَمْحُ بِالْبَلِيلَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةُ مَعَ عَدَمِ انْتِقَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَمَّسِ بِالْيَابِسِ، وَالْقَمْحِ بِالْهَرِيسَةِ يَدًا بِيَدٍ لِانْتِقَالِ الْمُدَمَّسِ، وَالْمَطْبُوخِ عَنْ أَصْلِهِ، كَمَا يَجُوزُ الْيَابِسُ بِالرَّطْبِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَنْ الْأَصْلِ [قَوْلُهُ: وَمَنَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ] وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ يُعْتَبَرُ الْحَالُ فَتَجُوزُ الْمُمَاثَلَةُ أَوْ الْمَآلُ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْقُصَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: بَيْعٌ مَعْلُومٌ] كَبَيْعِ وَسْقِ تَمْرٍ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ عَلَى رَأْسِهَا، وَمِثَالُ بَيْعِ الْمَجْهُولِ بِالْمَجْهُولِ كَبَيْعِ تَمْرِ نَخْلَةٍ لَمْ يَجُدُّ بِتَمْرِ نَخْلَةٍ لَمْ يَجُدُّ أَيْضًا [قَوْلُهُ: وَالْيَابِسُ مَجْهُولٌ] الْعِبَارَةُ فِيهَا قَلْبٌ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ فَالْيَابِسُ مَعْلُومٌ، وَالرَّطْبُ مَجْهُولٌ [قَوْلُهُ: وَالْمُزَابَنَةُ عِنْدَنَا لَا تَخْتَصُّ بِالرِّبَوِيِّ] . حَاصِلُهُ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ مِنْ الطَّعَامِ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِطَعَامٍ أَصْلًا كَالْحَدِيدِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَجْهُولٍ مِنْهُ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الرِّبَوِيُّ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ أَجْزَأَ مُطْلَقًا تَبَيَّنَ

فِي الْحَدِيثِ بِالرِّبَوِيِّ؛ لِأَنَّ ثَمَّ عُمُومَاتٍ يَدْخُلُ تَحْتَهَا غَيْرُ الرِّبَوِيِّ كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ (وَلَا يُبَاعُ جُزَافٌ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ (بِمَكِيلٍ مِنْ صِنْفِهِ) رِبَوِيًّا مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ أَمْ لَا كَصُبْرَةِ قَمْحٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ مِنْهُ لِلْمُزَابَنَةِ (وَ) كَذَا (لَا) يُبَاعُ (جُزَافٌ بِجُزَافٍ مِنْ صِنْفِهِ) كَذَلِكَ كَصُبْرَةِ قَمْحٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِصُبْرَةِ قَمْحٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا لِلْمُزَابَنَةِ أَيْضًا، وَاحْتَرَزَ بِصِنْفِهِ مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ سَوَاءٌ تَبَيَّنَ الْفَضْلُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ الْأَجْنَاسُ، وَقَيَّدْنَا بِالرِّبَوِيِّ إلَى آخِرِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ الطَّعَامُ الْوَاحِدُ غَيْرَ رِبَوِيٍّ دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْجُزَافِ بِالْمَكِيلِ، وَالْجُزَافِ بِالْجُزَافِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ (إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ) عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ؛ أَحَدُهَا أَنْ يَقَعَ (عَلَى الصِّفَةِ) ج: ظَاهِرُ أَنَّهُ لَوْ بِيعَ دُونَ صِفَةٍ وَلَا تَقَدُّمِ رُؤْيَةٍ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَهُوَ نَصُّ مَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُ مَا فِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مِنْهَا جَوَازُهُ وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَالْأَبْهَرِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ لِجَهْلِهِ حِينَ الْعَقْدِ اهـ. ثَانِيهَا: أَنْ يَصِفَهُ غَيْرُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُوثَقُ بِوَصْفِهِ إذْ قَدْ يَقْصِدُ الزِّيَادَةَ فِي الصِّفَةِ لِيُنْفِقَ سِلْعَتَهُ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَعْرِفُ مَا وُصِفَ لَهُ. رَابِعُهَا: أَلَّا يَكُونَ الْمَبِيعُ بَعِيدًا جِدًّا. خَامِسُهَا: أَلَّا يَكُونَ قَرِيبًا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ. سَادِسُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَضْلُ أَوْ لَا كَانَا رِبَوِيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا طَعَامَيْنِ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: وَإِنْ وَقَعَتْ مُفَسَّرَةً فِي الْحَدِيثِ إلَخْ] فِي الصَّحِيحِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ،، وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ كَيْلًا وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْعِنَبِ كَيْلًا اهـ. تت [قَوْلُهُ: كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ] أَيْ وَمِنْ الْغَرَرِ بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ أَوْ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ] أَيْ رِبَوِيٌّ مُطْلَقًا تَبَيَّنَ الْفَضْلُ أَوْ لَا [قَوْلُهُ: مِمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ] أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ، وَمِثْلُ الْجِنْسَيْنِ فِي الْجَوَازِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ إذَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ الْقَوِيَّةُ فَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ أَوْ تَدْخُلُهُ صَنْعَةٌ يَسِيرَةٌ كَقِطْعَةِ نُحَاسٍ جُعِلَتْ صَحْنًا أَوْ إبْرِيقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمَا لَمْ يَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ قَوِيَّةٌ، وَلَوْ جُهِلَ قَدْرُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ الْأَجْنَاسُ] أَيْ رِبَوِيَّةً أَمْ لَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْبَيْعُ] وَوَجْهُهُ عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إلَخْ] بِأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَلَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بَلْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ فَقَطْ أَوْ لَا يَدْخُلهُ رِبًا أَصْلًا كَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمَ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْمُزَابَنَةِ، وَإِنْ انْتَفَتْ خَلَفَهَا عِلَّةُ الْفَضْلِ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَ هَذَا الْفَضْلُ مُكَرَّرًا مَعَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الرَّطْبِ، وَالْيَابِسِ بِالْيَابِسِ أَوْ الرَّطْبِ بِالرَّطْبِ، وَزَادَ هُنَا أَيْضًا الْجَوَازَ مَعَ تَبَيُّنِ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي السَّلَمِ الثَّالِثُ مِنْهَا جَوَازُهُ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَصِفَهُ غَيْرُ الْبَائِعِ إلَخْ] أَيْ إنْ حَصَلَ نَقْدُ الثَّمَنِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا فِيهِ وَإِلَّا جَازَ، وَلَوْ بِوَصْفِهِ عَلَى الرَّاجِحِ. [قَوْلُهُ: أَلَّا يَكُونَ الْمَبِيعُ بَعِيدًا] أَيْ كَخُرَاسَان مِنْ إفْرِيقِيَّةَ هَذَا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَتِّ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: خَامِسُهَا أَلَّا يَكُونَ قَرِيبًا] ضَعِيفٌ قَالَ عج: مَا مُحَصِّلُهُ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ. وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ حَيْثُ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي

(وَلَا يُنْقَدُ فِيهِ بِشَرْطٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ تَارَةً بَيْعًا إنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِمْضَاءَ وَتَارَةً سَلَفًا إنْ اخْتَارَ الرَّدَّ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّقْدَ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ مَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ) أَيْ مَكَانَ الْبَيْعِ الْغَائِبِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا أَوْ عَقَارًا كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمَيْنِ (أَوْ يَكُونَ) الْمَبِيعُ الْغَائِبُ بَعِيدًا بُعْدًا غَيْرَ مُتَفَاحِشٍ وَهُوَ (مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ) غَالِبًا (مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ فَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْعَيْنِ بِشَرْطٍ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِيهِ مَعَ الْعَبْدِ، وَقَيَّدْنَا الْبُعْدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَفَاحِشٍ احْتِرَازًا مِنْ الْمُتَفَاحِشِ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا (، وَالْعُهْدَةُ) وَهِيَ تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ بِالْبَائِعِ بَعْدَ الْعَقْدِ مِمَّا يُصِيبُهُ فِي مُدَّةٍ خَاصَّةً (جَائِزَةٌ) يَقْضِي بِهَا (فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQرُؤْيَتِهِ عُسْرٌ أَوْ فَسَادٌ كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْخِيَارِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا امْتَنَعَ مَعَ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ الْمَبِيعُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَمَنًا وَأَلَّا يُسَلَّمَ فَيَكُونُ سَلَفًا. [قَوْلُهُ: وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّقْدَ إلَخْ] هَذَا حَيْثُ بِيعَ عَلَى اللُّزُومِ وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ سَوَاءٌ بِيعَ عَلَى الْخِيَارِ الْمُبَوَّبِ لَهُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ مَنْ رَأَيْت مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، أَوْ عَلَى خِيَارٍ بِالرُّؤْيَةِ وَأَخَذَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ مِنْ الْعِلَّةِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقْرَبَ مَكَانُهُ إلَخْ] . حَاصِلُهُ أَنَّ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا مُطْلَقًا عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ، وَأَمَّا بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ فِي الْعَقَارِ مُطْلَقًا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ أَيْ غَيْرُ بَعِيدٍ جِدًّا وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَرْعِ الدَّارِ فِي وَصْفِهَا دُونَ وَصْفِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ، وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ مَكَانُهُ وَهُوَ يَوْمَانِ ذَهَابًا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَيُشْتَرَطُ أَلَّا يُبَاعَ بِوَصْفِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا مَا بِيعَ بِوَصْفِ الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَكَذَا مَا بِيعَ عَلَى الْخِيَارِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ، وَلَوْ تَطَوُّعًا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ أَصْلًا] أَيْ بَيْعُ الْبَتِّ، وَأَمَّا بَيْعُ الْخِيَارِ فَجَائِزٌ وَقَوْلُهُ أَصْلًا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ الْغَائِبِ، وَحَاصِلُهُ إنْ كَانَ عَقَارًا وَأَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ سَالِمًا يَكُونُ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَمْ لَا قَرُبَ مَكَانُهُ أَوْ بَعُدَ حَيْثُ بِيعَ جُزَافًا، وَأَمَّا مَا بِيعَ مُذَارَعَةً فَالضَّمَانُ مِنْ الْبَائِعِ. قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَلِي وَقْفَةٌ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ جُزَافًا مَعَ غَيْبَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْوَصْفِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَغَيْرِ الْعَقَارِ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَكَذَا الْعَقَارُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ سَلَامَتَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ خِلَافَهُ وَإِلَّا عَمِلَ بِالشَّرْطِ، وَتَحْصِيلُ الْغَائِبِ وَإِحْضَارُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ، وَشَرْطُهُ إيَّاهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ ضَمَانِهِ مِنْهُ يُفْسِدُ بَيْعَهُ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ مُبْتَاعِهِ فَجَائِزٌ وَهُوَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ تَعَلُّقُ إلَخْ] هَذَا مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ وَأَمَّا اللُّغَوِيُّ فَأَشَارَ لَهُ اللَّقَانِيُّ بِقَوْلِهِ: الْعُهْدَةُ لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَهْدِ وَهُوَ الْإِلْزَامُ، وَالِالْتِزَامُ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَلُّقُ إلَخْ كَوْنُ الْمَبِيعِ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَفَادَهُ اللَّقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: فِي مُدَّةٍ خَاصَّةٍ إلَخْ] حَتَّى الْمَوْتِ مَا عَدَا ذَهَابَ الْمَالِ فَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ مَالَهُ لِلْعَبْدِ ثُمَّ ذَهَبَ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ فِي الْعُهْدَةِ وَبَقِيَ مَالُهُ انْتَقَضَ بَيْعُهُ وَلَيْسَ لِمُبْتَاعِهِ حَبْسُ مَالِهِ بِثَمَنِهِ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ مَالُهُ جُلَّ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا شَيْءَ لَهُ مِنْهُ كَانَ غَيْرَ مَنْظُورٍ إلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْمَالَ لِنَفْسِهِ فَلَهُ رَدُّهُ بِذَهَابِ مَالِهِ. [قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَازَ يَرْجِعُ لِاشْتِرَاطِهَا أَوْ حَمْلِ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا، أَوْ اعْتِبَارِهَا عِنْدَ جَرْيِ الْعَادَةِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَيَقْبَلَهُ الْبَائِعُ. [قَوْلُهُ: وَيَقْضِي بِهَا] لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ الْجَوَازِ الْقَضَاءُ أَتَى بِهِ، وَهَذَا بِحَسَبِ الْمَعْنَى، وَالْفِقْهِ وَإِلَّا فَالْمَجْرُورُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ بِكَوْنٍ عَامٍّ أَيْ ثَابِتَةً وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ أَوْ مِنْ

الرَّقِيقِ) خَاصَّةً دُونَ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى كِتْمَانِ مَا بِهِ مِنْ الْعُيُوبِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُمُ عَيْبَهُ كَرَاهِيَةً فِي الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَلَا يَقْضِي بِهَا إلَّا (إنْ اُشْتُرِطَتْ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْبَلَدِ) أَوْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَقْضِي بِهَا وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: صُغْرَى فِي الزَّمَانِ كُبْرَى فِي الضَّمَانِ، وَكُبْرَى فِي الزَّمَانِ صُغْرَى فِي الضَّمَانِ (فَ) الْأُولَى (عُهْدَةُ الثَّلَاثِ) أَيْ، ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، مِنْ اسْتِقْبَالِ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَإِذَا اشْتَرَى نَهَارًا أَلْغَى ذَلِكَ الْيَوْمَ وَاسْتَقْبَلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بَتًّا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْخِيَارِ فَمِنْ يَوْمِ إمْضَاءِ الْبَيْعِ وَهَذِهِ (الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ وَجَدَ دَاءً فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ رَدَّهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ وَجَدَ دَاءً بَعْدَ الثَّلَاثَةِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَبِهِ هَذَا الدَّاءُ وَكَذَلِكَ نَفَقَتُهُ وَكِسْوَتُهُ عَلَيْهِ وَغَلَّتُهُ لَهُ» . (وَ) الثَّانِيَةُ (عُهْدَةُ السَّنَةِ) وَهِيَ جَائِزَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَسْتَقْبِلُ بِهَا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ بَعْدَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَالضَّمَانُ فِيهَا عَلَى الْبَائِعِ (مِنْ) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (الْجُنُونُ) الَّذِي يَكُونُ بِمَسِّ جَانٍّ لَا مَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَائِزَةً ابْتِدَاءً. [قَوْلُهُ: دُونَ الْحَيَوَانِ] مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ قَصَدَ الْإِيضَاحَ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعُيُوبِ] أَلْ لِلْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: كَرَاهِيَةً فِي الْمُشْتَرِي] أَيْ فَيُخْفِيهِ يُرِيدُ ضَرَرَهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ الْبَائِعِ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: إنْ اُشْتُرِطَتْ] أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَحْمِلْ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى عَلَى عُهْدَةِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَلَى الْعُهْدَةِ إذَا لَمْ يَجْرِ بِهَا عَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ ضَمَانُ الدَّرَكِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: أَوْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا] أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِذَلِكَ، وَإِنْ صَارَ عَادَةً بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إذَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهَا صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مُعْتَادَةً بِتَكَرُّرِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] فَإِنْ قُلْت: كَانَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ لَيَالٍ لِأَجْلِ تَذْكِيرِ الْعَدَدِ قُلْت: الْمَعْدُودُ إذَا حُذِفَ يَجُوزُ تَذْكِيرُ الْعَدَدِ وَتَأْنِيثُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا. [قَوْلُهُ: أَلْغَى ذَلِكَ الْيَوْمَ] أَيْ فَيُلْغَى الْيَوْمُ الْمَسْبُوقُ بِالْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْخِيَارِ] لَا يَخْفَى أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي أَيَّامِ الْمُوَاضَعَةِ فَالزَّمَانُ يُحْسَبُ لَهُمَا فَإِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ الْعُهْدَةِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الدَّمِ انْتَظَرَتْهُ [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ] أَيْ بِلَيَالِيِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَجَدَ دَاءً فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ] لَعَلَّ الْعُدُولَ عَنْ قَوْلِهِ فِيهَا الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، فَالْمُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ كَوْنُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَالْمُرَادُ أَيُّ حَادِثٍ، وَلَوْ مَوْتًا أَوْ غَرَقًا أَوْ حَرْقًا أَوْ سُقُوطًا مِنْ عَالٍ أَوْ قَتْلَ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ] أَيْ فَتَشْهَدُ إمَّا مُعْتَمِدَةً عَلَى رُؤْيَةٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَادَةٍ قَاطِعَةٍ أَوْ لِحَادِثَةٍ بِحُدُوثِ زَمَنِهَا [قَوْلُهُ: أَنَّهُ اشْتَرَاهُ] أَيْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَبِهِ هَذَا الدَّاءُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ هَذَا الدَّاءَ حَدَثَ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ وَهُوَ بَعْدَ الشِّرَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ دَاءٌ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يَدْرِي هَلْ حَدَثَ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ تَقْطَعَ عَادَةٌ، وَأَوْلَى شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ إخْبَارٍ عَنْ رُؤْيَةٍ أَوْ تُظَنُّ عَادَةٌ بِحُدُوثِهِ زَمَنَهَا فَمِنْ الْبَائِعِ دُونَ يَمِينِ الْمُشْتَرِي فِي الْأُولَى وَبِهَا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنْ قَطَعْت بِأَنَّ بَعْدَهَا فَمِنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ يَمِينٍ عَلَى الْبَائِعِ كَأَنْ ظَنَّتْ أَوْ شَكَّتْ مَعَ يَمِينِ الْبَائِعِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي عُهْدَةِ السُّنَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَبِهِ هَذَا الدَّاءُ آخِرَ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَكِسْوَتُهُ] أَيْ مَا يَقِيهِ مِنْ الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ هُوَ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَغَلَّتُهُ لَهُ] وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا جَنَى إنْسَانٌ عَلَى الْمَبِيعِ زَمَنَ الْعُهْدَةِ فَإِنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْمُشْتَرِي مَالَهُ، وَكَذَا مَا وَهَبَ لِلْعَبْدِ فِي أَيَّامِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَثْنَى مَالَ الرَّقِيقِ فَإِنَّ مَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ فِي أَيَّامِهَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ جَائِزَةٌ يَقْضِي بِهَا؛ لِأَنَّهُ جَارٍ عَلَى الْعُهْدَةِ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ] أَيْ دَلِيلُنَا عَلَى الْعُهْدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَذَا عُهْدَةُ الثَّلَاثِ أَفَادَهُ التَّوْضِيحُ. [قَوْلُهُ: يُسْتَقْبَلُ بِهَا إلَخْ] بَلْ وَتَكُونُ بَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: بِمَسِّ جَانٍّ] أَيْ أَوْ بِطَبْعٍ [قَوْلُهُ: لَا مَا يَكُونُ مِنْ ضَرْبَةٍ] أَيْ أَوْ طَرْبَةِ أَوْ

[السلم وما يتعلق به]

مِنْ ضَرْبَةٍ وَنَحْوِهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ (وَالْجُذَامُ، وَالْبَرَصُ) ، وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ هَذِهِ الْعُهْدَةُ بِهَذِهِ الْأَدْوَاءِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَهَا تَتَقَدَّمُ وَيَظْهَرُ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ دُونَ فَصْلٍ بِحَسَبِ مَا أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ فِيهِ بِاخْتِصَاصِ تَأْثِيرِ ذَلِكَ السَّبَبِ بِذَلِكَ الْفَصْلِ، فَانْتَظَرَ بِذَلِكَ الْفُصُولَ الْأَرْبَعَةَ وَهِيَ السَّنَةُ كُلُّهَا حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ وَمِنْ التَّدْلِيسِ. تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ حَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَدَاخُلِ الْعُهْدَتَيْنِ قَوْلَيْنِ مَشْهُورُهُمَا عَدَمُ التَّدَاخُلِ فَعُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ الثَّلَاثِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي التَّقْرِيرِ؛ لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ الْبَائِعِ وَفِي السَّنَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي: إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْعُهْدَةِ بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ فَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهَا عَنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ فَلَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ بِهِ، فَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَلَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ، وَلَا يَكُونُ بِإِسْقَاطِهِ لِحَقِّهِ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ مُسْقِطًا لِمَا مَضَى مِنْهَا الثَّالِثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَيُمْنَعُ بِشَرْطٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَجُوزُ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا فِي عُيُوبٍ يَسِيرَةٍ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ مِنْهَا فَيُؤْمَنُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي تَارَةٍ بَيْعًا وَتَارَةٍ سَلَفًا كَمَا تَقَدَّمَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى السَّلَمِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ) وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ أَيْضًا وَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَائِزِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ لَكِنَّهُ جُعِلَ لَقَبًا عَلَى مَا لَمْ يُتَعَجَّلْ فِيهِ قَبْضُ الْمَثْمُونِ فَحَقِيقَتُهُ تَقْدِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَوْفٍ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ بِهِ لِإِمْكَانِ زَوَالِهِ بِمُعَالَجَةٍ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ كَذَا ذَكَرُوا، وَمَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الْجُنُونَ بِالطَّبْعِ كَالْجُنُونِ بِمَسِّ الْجَانِّ ذَكَرَهُ النَّاصِرُ وَكَلَامُ الْبَاجِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ كَالْجُنُونِ بِطَرْبَةٍ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ] أَيْ فَإِنَّهُ يَرَاهُ مُوجِبًا لِلرَّدِّ سَوَاءٌ كَانَ بِضَرْبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ فِي السَّنَةِ بِغَيْرِ جُنُونٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ الْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ] أَيْ الْمُحَقَّقَيْنِ وَفِي مَشْكُوكِهِمَا خِلَافٌ بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحَاصِلِ مِنْ تِلْكَ الْأَدْوَاءِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ لَا إنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهَا دَاخِلَ السَّنَةِ وَزَالَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا رَدَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِعَوْدِهِ، وَيَسْقُطُ كُلٌّ مِنْ الْعُهْدَتَيْنِ بِالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مَسَائِلَ لَا عُهْدَةَ فِيهَا مِنْهَا الْمُنْكَحُ بِهِ، وَالْمُخَالَعُ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا عُهْدَةَ فِيهَا لِمُقْتَضَى الْعَادَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَيُعْمَلُ بِهَا كَمَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: الْأَدْوَاءِ] جَمْعُ دَاءٍ [قَوْلُهُ: تَأْثِيرِ ذَلِكَ السَّبَبِ] أَرَادَ بِهِ الْأَمَارَةَ لَا التَّأْثِيرَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَلَفَ الْمَبِيعِ إلَخْ] أَيْ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ اخْتَلَفَ الزَّمَنُ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ إلَخْ] ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِحَمْلِ السُّلْطَانِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ السُّلْطَانَ إذَا نَهَجَ مَنْهَجًا يُتَّبَعُ وَلَا يُخَالَفُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ فِي الْإِسْقَاطِ مُخَالَفَةٌ لَهُ بَلْ الْإِسْقَاطُ مُحَقِّقٌ لَهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ] بِأَنْ قَالَ مَا حَدَثَ بَعْدُ فَهُوَ عَلَيَّ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ حَدَثَ فِي الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُسْقِطْ فِيهِمَا الْعُهْدَةَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْعُهْدَةَ إنَّمَا أَسْقَطَهَا فِي الثَّالِثِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ] أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِي الْخِيَارِ وَلَا فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ، الْغَالِبُ السَّلَامَةُ مِنْهَا فَيَأْمَنُ وُقُوعَهُ فِي تَارَةٍ سَلَفًا وَتَارَةٍ بَيْعًا. [السَّلَم وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: وَيُقَالُ لَهُ السَّلَفُ أَيْضًا] وَهَلْ السَّلَفُ بِمَعْنَى الْقَرْضِ يُقَالُ لَهُ سَلَمٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ] الْمُنَاسِبُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ النَّوْعَ يُضَافُ لِجِنْسِهِ، فَأَرَادَ

الثَّمَنِ وَتَأْخِيرُ الْمَثْمُونِ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَشُرُوطٌ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَشُرُوطٌ فِي أَجَلِهِ، فَاَلَّتِي فِي رَأْسِ الْمَالِ خَمْسَةٌ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا مُعَيَّنًا مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مُعَجَّلًا مُغَايِرًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ، وَاَلَّتِي فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ تِسْعَةٌ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ وَاَلَّتِي فِي الْأَجَلِ شَيْئَانِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الشَّيْخُ هَذِهِ الشُّرُوطَ كُلَّهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بَعْضَهَا غَيْرَ مَرْتَبَةٍ فَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ شُرُوطِ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ: (فِي الْعُرُوضِ الرَّقِيقِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالطَّعَامِ، وَالْإِطْعَامِ، وَالْإِدَامِ) ق: حَصَرَ غَالِبَ مَا يُسَلَّمُ فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَمَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَنَصَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَثْمُونًا اهـ. قُلْت: أَمَّا الْعُرُوض فَجَمْعُ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَمَعْلُومٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَوْلِهِ نَوْعُ بَيْعٍ مِنْ الْبُيُوعِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ إلَخْ] لَا مَوْقِعَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُبْهَمٌ فَيُبَيِّنُ بِقَوْلِهِ جُعِلَ لَقَبًا إلَخْ بِدُونِ زِيَادَةِ لَكِنَّ. [قَوْلُهُ: جُعِلَ] أَيْ لَفْظُ السَّلَمِ وَقَوْلُهُ لَقَبًا أَيْ اسْمًا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا لَمْ] أَيْ عَلَى عَقْدٍ. [قَوْلُهُ: فَحَقِيقَتُهُ تَقْدِيمُ الثَّمَنِ] فِيهِ مُسَامَحَةً؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الثَّمَنِ لَيْسَ حَقِيقَةً لِذَلِكَ الْبَيْعِ [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] أَيْ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَقَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ أَيْ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» اهـ. وَقَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ أَيْ فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ فِيمَا ذَكَرَ لَا يَخُصُّ السَّلَمَ كَكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا يُذْكَرُ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ، وَيُشْتَرَطُ فِي السَّلَمِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا التَّأْخِيرُ، وَهَذَا الشَّرْطُ أُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا] أَيْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ كَخَمْسَةِ دَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ. وَقَوْلُهُ: مُعَيَّنًا أَيْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ مُعَيَّنًا كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: أُسْلِمُك هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الْمَعِيبَةَ فَلَوْ قَالَ لَهُ: أُسْلِمُك خَمْسَةَ دَنَانِيرَ مُحَمَّدِيَّةٍ مَثَلًا فِي إرْدَبِّ قَمْحٍ تَدْفَعُهُ لِي فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَلَمًا هَذَا مَدْلُولُ عِبَارَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ إذْ مِثْلُ ذَلِكَ السَّلَمِ صَحِيحٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنًا مَعْلُومًا أَيْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ مَعْلُومًا تَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُ إلَخْ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: مُعَجَّلًا] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَتَأْخِيرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [قَوْلُهُ: مُغَيِّرًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُمَاثِلًا لَهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَرْضٌ، وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ السَّلَمِ فَإِنْ قَصَدْت مِنْهُ نَفْعَك أَوْ نَفْعَكُمَا مَعًا مُنِعَ، وَإِنْ قَصَدْت بِهِ نَفْعَ الْمُقْتَرِضِ صَحَّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُغَايَرَةَ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ جَانِبِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ تَقُولَ: مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لِلْمُسْلَمِ وَأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي تَسْمِيَتِهِ سَلَمًا لَا فِي الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: تِسْعَةٌ] بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا] احْتَرَزَ عَنْ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُ عِنْدَنَا [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا لَمَا جَازَ السَّلَمُ فِيهِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي فَاكِهَةِ الشِّتَاءِ لِيَأْخُذَهَا فِي الصَّيْفِ أَوْ بِالْعَكْسِ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ؛ لِأَنَّ خُصُوصَ الْمَوَاضِعِ فِيهَا مَقْصُودَةٌ لِلْعُقَلَاءِ، فَإِنْ عَيَّنَ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ كَانَ سَلَمًا فِي مَجْهُولٍ قَالَهُ صَاحِبُ النُّكَتِ. [قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ تَمَلُّكُهُ] فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ وَجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ. [قَوْلُهُ: مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ] قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: احْتِرَازًا مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ الَّذِي يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَهْلَكُ قَبْلَ

وَأَمَّا الطَّعَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْبُرَّ، وَالْإِدَامُ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ كَاللَّحْمِ، وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ بِقَوْلِهِ: (بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) ق: لِأَنَّ الصِّفَةَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ الْجِنْسِ لَا الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْهَا وَإِلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ شَرْطَيْ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: (وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ) احْتَرَزَ بِالْأَجَلِ مِنْ الْحَالِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ الْحَالُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِالْمَعْلُومِ مِنْ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَهُ السَّلَمُ، وَدَلِيلُهُمَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَسْلِفُوا فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» الْحَدِيثَ: وَأَشَارَ إلَى أَحَدِ شُرُوطِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ: (وَيُعَجِّلُ رَأْسَ الْمَالِ) يَعْنِي جَمِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى قُبِضَ الْبَعْضُ وَأُخِّرَ الْبَعْضُ فَسَدَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يُؤَخِّرُهُ) أَيْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ (إلَى مِثْلِ يَوْمَيْنِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْضِهِ فَيَدُورُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ. [قَوْلُهُ: مَعْلُومَ الْجِنْسِ] أَيْ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا تَعَيَّنَ الْجِنْسُ إمَّا قَمْحًا أَوْ شَعِيرًا أَوْ ذُرَةً، وَإِنْ كَانَ فَاكِهَةً تَعَيَّنَ إمَّا زَبِيبًا أَوْ تَمْرًا أَوْ نَبْقًا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُهُ: وَالْقَدْرِ أَيْ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَقْدِيرِهِ مِنْ الْوَزْنِ أَوْ الْكَيْلِ أَوْ الْعَدَدِ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَادِيرِ الْمُعْتَادَةِ فِيهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ احْتِرَازًا مِنْ الْجُزَافِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالصِّفَةِ] أَيْ فَإِنْ كَانَ طَعَامًا ذَكَرَ مَا يَصِفُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا ذَكَرَ النَّوْعَ، وَاللَّوْنَ، وَالذُّكُورَةَ، وَالْأُنُوثَةَ. [قَوْلُهُ: مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ] احْتِرَازًا مِنْ تُرَابِ الْمَعَادِنِ، وَالصَّوَّاغِينَ، وَالنِّيلَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالطِّينِ أَوْ الْحِنَّاءِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا تَتَغَيَّرُ فِي الْأَسْوَاقِ] فَأَقَلُّهُ نِصْفُ شَهْرٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْقَلُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ سَيَأْتِي يَقُولُ الْمُرَادُ بِالْعُرُوضِ مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ وَلَا خَفَاءَ فِي شُمُولِهِ لِلْعَقَارِ. [قَوْلُهُ: مَضْمُونًا فِي الذِّمَّةِ] لَا يُؤْخَذُ هَذَا لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: أُسْلِمُك فِي هَذَا الثَّوْبِ آخُذُهُ مِنْك عِنْدَ الْأَجَلِ [قَوْلُهُ: وَالْحَيَوَانِ] أَيْ غَيْرِ النَّاطِقِ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: وَنَصَّ عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَخْ] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ. [قَوْلُهُ: مَا سِوَى الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ قَدْ حَصَرَ جَمِيعَ مَا يُسْلَمُ فِيهِ وَلَمْ يُبْقِ شَيْئًا وَيَكُونُ ذِكْرُ الرَّقِيقِ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَقْفَهْسِيِّ فِي قَوْلِهِ غَالِبٌ أَوْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ فِيهِ تَكْرَارًا أَوْ عَلَيْهِمَا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ] أَيْ وَأَمَّا فِي الْعُرْفِ فَالطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ مِثْلُ الشَّرَابِ اسْمٌ لِمَا يُشْرَبُ أَشَارَ لَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ] بَلْ أَشَارَ إلَى أَرْبَعَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مَعْلُومَةٍ يُفِيدُ أَنَّ الصِّفَةَ تَحْصُرُهُ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا وَجَدْت تت نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ أَنَّهُ مِمَّا تَحْصُرُهُ الصِّفَةُ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْهَا] أَيْ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْأَجَلِ غَالِبًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشَارَةَ لِهَذَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ] أَقُولُ: وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَعْرُوفِ يُفِيدُ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلًا بِجَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: فَسَدَ] أَيْ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ] أَيْ ابْتِدَاءُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. [قَوْلُهُ: إلَى مِثْلِ إلَخْ] مِثْلُ زَائِدَةٌ [قَوْلُهُ: أَوْ ثَلَاثَةٍ] أَيْ حَيْثُ حَصَلَ الْقَبْضُ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا لَجَازَ تَأْخِيرُهُ، وَلَوْ لِأَجَلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَكِنْ بِدُونِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا مَعَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْعَيْنِ. وَأَمَّا الْعَرْضُ، وَالطَّعَامُ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ حَيْثُ كُيِّلَ الطَّعَامُ وَأُحْضِرَ الْعَرْضُ وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهِمَا.

ثَلَاثَةٍ) عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ، بَلْ إذَا عُقِدَ السَّلَمُ عَلَى النَّقْدِ وَأُخِّرَ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ جَازَ، وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُعَجَّلًا وَبَالَغَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ) التَّأْخِيرُ الْمَذْكُورُ (بِشَرْطٍ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي مِنْ شَرْطَيْ الْأَجَلِ بِقَوْلِهِ: (وَأَجَلُ السَّلَمِ أَحَبُّ إلَيْنَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِالضَّمِيرِ نَفْسَهُ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ أَجَلِ السَّلَمِ (أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَلَفْظُ أَحَبُّ لِلْوُجُوبِ. ع: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ أَجَلَ السَّلَمِ مَا تَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَفْسِيرًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَصَوَّبَهُ ج، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ قَبْضُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، وَالْمُسْلَمِ فِيهِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَلَدٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْأَجَلُ الْمَذْكُورُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ عَلَى أَنْ يُقْبَضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ (بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَتَكُونُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَجَلَ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ اخْتِلَافُ الْأَسْعَارِ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً) لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ نِصْفَ يَوْمٍ وَلِمَا ذُكِرَ أَنَّ أَقَلَّ أَجَلِ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَمَنْ أَسْلَمَ) فِي شَيْءٍ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) عَلَى أَنَّهُ (يَقْبِضُهُ بِبَلَدٍ أَسْلَمَ فِيهِ فَقَدْ أَجَازَهُ) بِمَعْنَى أَمْضَاهُ (غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ الْعُلَمَاءِ) مِنْهُمْ مَالِكٌ (وَكَرِهَهُ) بِمَعْنَى فَسَخَهُ (آخَرُونَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عَلَى النَّقْدِ] أَيْ الْحُلُولِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مُعَجَّلًا] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْجِيلَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ هُوَ التَّعْجِيلُ حَقِيقَةً وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّأْخِيرَ ثَلَاثَةً يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ التَّعْجِيلُ أَوْ التَّأْخِيرُ ثَلَاثًا [قَوْلُهُ: وَأَجَلُ السَّلَمِ] أَيْ وَأَقَلُّ أَجَلِ السَّلَمِ [قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنَى بِالضَّمِيرِ نَفْسَهُ] أَيْ وَكَأَنَّهُ قَالَ أَجَلُ السَّلَمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى مَا نَخْتَارُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِ أُحِبُّ لِلْوُجُوبِ قَالَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ أَيْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلَفْظُ أُحِبُّ لِلْوُجُوبِ لَا حَاجَةَ لَهُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَغَيَّرُ إلَخْ] أَيْ وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَجَلِ فَمُنْتَهَاهُ مَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَيْهِ وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ الْبَائِعُ إلَيْهِ غَالِبًا كَأَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ أَوْ سِتِّينَ إنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّأْجِيلِ بِالْمَوْتِ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مَسَافَةُ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ يَوْمَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِشُرُوطِ أَنْ يَدْخُلَا عَلَى قَبْضِهِ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ إلَى الْبَلَدِ. وَأَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ الْخُرُوجُ فَوْرًا وَيَخْرُجُ الْمُسْلِمُ بِالْفِعْلِ، وَأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ فِي الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ بِغَيْرِ رِيحٍ كَالْمُنْحَدِرِينَ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَّا بِنِصْفِ الشَّهْرِ. [قَوْلُهُ: يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً] الْأَوَّلُ هُوَ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَالثَّانِي هُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّالِثُ كَمَا فِي تت فَأَوْ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ [قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الرَّاجِحُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ [قَوْلُهُ: فَقَدْ أَجَازَهُ إلَخْ] أَيْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَالثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ أَجَلٌ مَعْلُومٌ وَلَا تَحْدِيدَ فِي الْحَدِيثِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نُقْصَانٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَمْضَاهُ] لَيْسَ هَذَا لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ يُمْضِي بَلْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ بَلْ الْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَابِلَ يَقُولُ بِالْفَسْخِ، فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ [قَوْلُهُ: مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاسِمِ] هَذَا لَا يُنَاسِبُهُ مَا فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ.

تَنْبِيهٌ: ك: قَوْلُهُ يَقْبِضُهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ رِوَايَتُنَا، وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ فَقَبَضَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، فَعَلَى الْمُضَارِعِ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْمَاضِي يَكُونُ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ أَصْلَ مَا دَخَلَا عَلَيْهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ) أَيْ مَالِ السَّلَمِ (مِنْ جِنْسِ مَا أُسْلِمَ فِيهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ أَزْيَدَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَقِنْطَارِ حَدِيدٍ فِي قِنْطَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا أَوْ كَانَ أَنْقَصَ كَثَوْبَيْنِ فِي ثَوْبٍ مِنْ جِنْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ وَإِذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ مِثْلَ السَّلَمِ فِيهِ صِفَةً وَقَدْرًا فَيَجُوزُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ) تَكْرَارٌ ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (أَوْ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جِنْسِ السَّلَمِ فِيهِ فِي الْخِلْقَةِ، وَالْمَنْفَعَةِ كَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْبِغَالِ أَوْ رَقِيقِ الْكَتَّانِ فِي رَقِيقِ الْقُطْنِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مُتَقَارِبَةٌ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَأَجَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ سَلَمِ الشَّيْءِ مِنْ جِنْسِهِ فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يُقْرَضَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: الْقَوْلُ بِالْفَسْخِ هُوَ الرَّاجِحُ فَالرَّاجِحُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ التَّحْدِيدِ بِنِصْفِ الشَّهْرِ إنْ كَانَ يُقْبَضُ فِي بَلَدٍ الْعَقْدُ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يُقْبَضُ بِبَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَيَكْتَفِي مَسَافَةَ مَا بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ. تَنْبِيهٌ: إذَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ فَسَدَ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ صِفَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ، وَكَمَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بِالزَّمَانِ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ كَالْحَصَادِ أَوْ الدِّرَاسِ، وَيُعْتَبَرُ مِيقَاتُ مُعْظَمِ مَا ذُكِرَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَمَنِ الْعَقْدِ، وَمَا ذُكِرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ. [قَوْلُهُ: دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ] أَيْ دَخَلَا عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ بِبَلَدِ السَّلَمِ [قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ] الْحَاصِلُ أَنَّ دَفْعَ الشَّيْءِ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَعَكْسِهِ مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ، وَالنَّقْدَيْنِ، وَالْعِلَّةُ مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ، وَالنَّقْدَيْنِ وَهُوَ قَرْضٌ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى لَفْظِ السَّلَمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْقَرْضِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَمَحُّضُ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ، وَالنَّقْدَيْنِ فَيَمْتَنِعُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْقَرْضِ فَيَجُوزُ حَيْثُ تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا أَوْ الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَحَلُّ الْبَيْعِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ اخْتِلَافٌ وَإِلَّا فَيَجُوزُ سَلَمُ صَغِيرَيْنِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسُهُ، أَوْ صَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يُؤَدِّ لِلْمُزَابَنَةِ، فَإِنْ أَدَّى إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَطُولَ الْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ إلَى أَنْ يَصِيرَ فِيهِ الصَّغِيرُ كَبِيرًا أَوْ يَلِدَ فِيهِ الْكَبِيرُ صَغِيرًا مُنِعَ لِأَدَائِهِ فِي الْأَوَّلِ إلَى ضَمَانٍ بِجُعْلٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اضْمَنْ لِي هَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا فَإِنْ مَاتَ فَفِي ذِمَّتِك، وَإِنْ سَلِمَ عَادَ إلَيَّ وَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لَك ضَمَانُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَفِي الثَّانِي إلَى الْجَهَالَةِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا عَلَى صَغِيرٍ يَخْرُجُ مِنْهُ وَلَا يَدْرِي أَيَخْرُجُ مِنْهُ أَوْ لَا فَتَدَبَّرْ. وَالِاخْتِلَافُ فِي الْحُمُرِ بِالْفَرَاهَةِ وَهِيَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ فَيَجُوزُ سَلَمُ الْحِمَارِ الْفَارَّةِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا فَرَاهَةَ فِيهِمَا، وَالْبِغَالُ مِنْ جِنْسِ الْحَمِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ، وَفِي الْخَيْلِ بِالسَّبْقِ لَا بِالْهَمْلَجَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيْرِ إلَى أَنْ يَنْضَمَّ لَهَا الْبَرْذَنَةُ بِأَنْ يَصِيرَ جَافِيَ الْأَعْضَاءِ فَيَجُوزُ سَلَمُ الْهِمْلَاجِ الْغَلِيظِ جَافِي الْأَعْضَاءِ فِي مُتَعَدِّدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْجِمَالِ بِكَثْرَةِ الْحَمْلِ، وَفِي الْبَقَرِ بِقُوَّةِ الْعَمَلِ وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّ الْبَقَرَ، وَالْجَوَامِيسَ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ فِي الْأَمْصَارِ كَمَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْمَعْزُ، وَالضَّأْنُ، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ اخْتِلَافَ الضَّأْنِ بِكَثْرَةِ الصُّوفِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَيَخْتَلِفُ بِبُلُوغِ الْغَايَةِ فِي الْغَزْلِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَالطَّيْرُ بِالتَّعْلِيمِ لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا بِالْبَيْضِ، وَالذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: فَأَجَازَ ذَلِكَ] وَيَجُوزُ أَيْضًا سَلَمُ غَلِيظِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ، وَيَجُوزُ سَلَمُ رَقِيقِ الْغَزْلِ فِي غَلِيظِهِ وَعَكْسُهُ [قَوْلُهُ: اقْتَصَرَ إلَخْ] قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ تَكَلَّمَ عَلَى جَوَازِ سَلَمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فِي

قَرْضًا شَيْئًا) وَفِي نُسْخَةٍ بَيِّنًا (فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا) وَجَوَازُ الْقَرْضِ فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ (النَّفْعُ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَسَلِّفِ) أَمَّا إذَا كَانَ النَّفْعُ لِلْمُسَلِّفِ فَلَا يَجُوزُ (وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ) أَيْ بَيْعُهُ (بِدَيْنٍ) لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: هُوَ بِالْهَمْزَةِ النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ. وَقَالَ ج: حَقِيقَةُ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مِثْلُ أَنْ تَتَقَدَّمَ عِمَارَةُ الذِّمَّتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ كَمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَلِثَالِثٍ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ رَابِعٍ، فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الدَّيْنِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِلْآخَرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَبَاعَهُ مِنْ ثَالِثٍ بِدَيْنٍ (وَتَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ مَالِ السَّلَمِ (بِشَرْطٍ إلَى مَحِلِّ السَّلَمِ) أَيْ أَجَلِهِ (أَوْ) إلَى (مَا بَعُدَ مِنْ الْعُقْدَةِ) أَيْ عَنْ عُقْدَةِ السَّلَمِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيرَ كُلٍّ مِنْ الذِّمَّتَيْنِ مَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَك شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ فَتَفْسَخَهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَا تَتَعَجَّلَهُ) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ إلَى سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِغَالِ وَأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ جَوَازُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ اتِّحَادُ الْبِغَالِ، وَالْحُمُرِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ] إنْ قُلْت سَلَفُ الشَّيْءِ فِي مِثْلِهِ صِفَةً وَمِقْدَارًا قَرْضٌ، وَإِنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَلِمَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ إلَخْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يُسْلِمَهُ؟ قُلْت: يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْلَمُ، وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ النَّقْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْقَرْضِ، وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ غَيْرَ رِبَوِيٍّ اهـ عج. [قَوْلُهُ: قَرْضًا إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَرْضُ مَا تُعْطِيهِ غَيْرَك مِنْ الْمَالِ لِتُقْضَاهُ، وَالْجَمْعُ قُرُوضٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ، وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَقْرَضْته الْمَالَ إقْرَاضًا. فَقَوْلُهُ: شَيْئًا بَدَلٌ مِنْ " قَرْضًا " وَنُكْتَةُ الْبَدَلِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَاقِعٌ عَلَى مَفْعُولِهِ مُجَرَّدًا عَنْ وَصْفِهِ لَأَنْ لَا يَحْصُلَ إلَّا بِهِ أَيْ لِأَنَّ وَصْفَ الْمَالِ بِكَوْنِهِ قَرْضًا إنَّمَا هُوَ بَعْدَ أَنْ يُقْرَضَ. وَقَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ بَيِّنًا أَيْ مُتَعَيِّنًا قَدْرُهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الشَّكِّ فِي التَّمَاثُلِ وَهُوَ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ هَذَا مَا ظَهَرَ وَحَرَّرَهُ. [قَوْلُهُ: الْكَالِئِ] مَهْمُوزٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِلْأِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَهُوَ الْحِفْظُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَكْلَأُ صَاحِبَهُ أَيْ يَحْرُسُهُ لِأَجْلِ مَالِهِ عِنْدَهُ. وَلِهَذَا نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِكَثْرَةِ الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُشَاجَرَةِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ [قَوْلُهُ: النَّسِيئَةُ بِالنَّسِيئَةِ] أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَقَضِيَّةُ اسْتِدْلَالِ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ شَامِلٌ لِلثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ حَقِيقَةَ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مَوْجُودَةٌ فِيهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ فَيَكُونُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَهُ إطْلَاقَانِ عَلَى مَا يَعُمُّ الثَّلَاثَةَ وَعَلَى مَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْهَا وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَاجِي بِقَوْلِهِ: حَقِيقَةُ بَيْعٍ إلَخْ، وَمِثْلُ زَائِدَةٍ وَيَكُونُ إفْرَادُ الْمُصَنِّفِ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَشَدِّيَّتِهِ ثُمَّ فِي الْمَقَامِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي التَّحْقِيقِ وتت نَهَى عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ بِدُونِ لَفْظِ بَيْعٍ، فَالْأَوْلَى لِشَارِحِنَا إسْقَاطُهَا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِهِ مَجَازٌ فِي الْحَدِيثِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَكْلُوءِ بِالْمَكْلُوءِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ. [قَوْلُهُ: تَأْخِيرُ إلَخْ] هَذَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ [قَوْلُهُ: أَيْ أَجَلِهِ] تَفْسِيرٌ لِمَحَلِّ الْمُضَافِ لِلسَّلَمِ [قَوْلُهُ: أَيْ عَنْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَنْ بِمَعْنَى عَنْ [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ] أَيْ فَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ كُلِّيٌّ، وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِهِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ تَعْمِيرَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَظْهَرُ فِي فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَأَنَّ تَعْمِيرَ الذِّمَّتَيْنِ مُتَقَرِّرٌ فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ أَحَدُ الْأَقْسَامِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْ [قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَفْصِيلٌ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ يَجُوزُ. وَلَوْ إلَى حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ، وَأَمَّا النَّقْدُ فَلَا يَجُوزُ وَيُفْسَخُ، وَلَوْ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ، وَالطَّعَامُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّرْطِ وَيَفْسُدُ وَعِنْدَ عَدَمِهِ فَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكِلْ الطَّعَامَ وَيُحْضِرْ الْعَرْضَ وَإِلَّا جَازَ [قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ آخَرَ] أَيْ مُخَالِفًا

فَتَفْسَخَهَا فِي عَشْرَةِ أَثْوَابٍ مَثَلًا، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ أَوْ دُونَهُ فَقَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي النَّظَرِ، وَالْمَنْعُ وَهُوَ أَشْهَرُ، وَمُنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ النَّهْيُ عَنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ مُعَلَّلٌ أَوْ لَا، فَمَنْ عَلَّلَ بِالزِّيَادَةِ أَجَازَ إذْ لَا زِيَادَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قَالَ: بِالْمَنْعِ، وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْأَجَلِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الرِّبَا الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، إمَّا أَنْ يَقْضِيَ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْأَجَلِ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْك حَالًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ السِّلَعَ الْمُعَيَّنَةَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهَا قَبْلَ شِرَائِهَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَةَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ لَا يَدْرِي هَلْ يَبِيعُهَا فُلَانٌ أَمْ لَا، وَهَلْ يَكُونُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ أَوْ يَكُونُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ فَيَخْسَرُ الزَّائِدَ، وَيَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّلَمَ الْحَالَّ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ عِنْدَهُ عَلَى أَنْ يَمْضِيَ لِلسُّوقِ فَيَشْتَرِيَهُ وَيَدْفَعَهُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَجِدَهُ أَوْ لَا، وَإِذَا وَجَدَهُ فَإِمَّا بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهُ فَيُؤَدِّيَ مِنْ عِنْدِهِ مَا يُكْمِلُ بِهِ الثَّمَنَ، وَذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَجِدَهُ بِأَقَلَّ فَيَأْكُلَ مَا بَقِيَ بَاطِلًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ. تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ ج كَلَامَ الشَّيْخِ بِقَوْلِهِ: هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ الْغَالِبُ وُجُودَهُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ إلَيْهِ عَلَى الْحُلُولِ إجْرَاءً لَهُ مَجْرَى الْقَبْضِ كَالْقَصَّابِ، وَالْخَبَّازِ الدَّائِمِ الْعَمَلِ انْتَهَى. وَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ جَوَازُ الشِّرَاءِ مِنْ الصَّانِعِ الدَّائِمِ الْعَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ، وَأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا فِي ذِمَّتِهِ، وَلَوْ فِي عَدَدِهِ أَوْ صِفَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا فَفَسَخَهُ فِي عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ كَانَ دَيْنُهُ عَرْضًا فَفَسَخَهُ فِي عَيْنٍ أَوْ كَانَ عَيْنًا وَفَسَخَهَا فِي عَيْنٍ أَجْوَدَ وَأَوْلَى أَكْثَرَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَشْهُرُ] قَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَأَسْعَدَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ. تَنْبِيهٌ: فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَشَدُّ الثَّلَاثَةِ فِي الْحُرْمَةِ وَيَلِيهِ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَأَخَفُّهَا ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَأْسِ الْمَالِ التَّأْخِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَأَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ أَشَدُّ حُرْمَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَإِجْمَاعًا، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَتَحْرِيمُهُمَا بِالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ إلَخْ] أَيْ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك] فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْفَسَادُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً [قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ] قَدْ يُقَالُ: هَذَا أُجْرَةٌ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَبِيعُ لَهُ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: إنَّهُ أَرَادَ السَّلَمَ الْحَالَ] فَالْبَيْعُ وَقَعَ عَلَى السِّلْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا بَائِعُهَا وَلِذَلِكَ مُنِعَ، وَأَمَّا لَوْ طَلَب شَخْصٌ مِنْ آخَرَ سِلْعَةً لِيَشْتَرِيَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا عِنْدَهُ فَنَصَّ عَلَيْهَا الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: جَازَ لِمَطْلُوبٍ مِنْهُ بِسِلْعَةٍ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْ الْغَيْرِ وَيَبِيعَهَا بَعْدَ اشْتِرَائِهَا لِطَالِبِهَا [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مِنْ السَّفَهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ] قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا فِعْلُ مَكَارِمِ أَخْلَاقٍ مَعَ الْمُسَلِّمِ إذْ الشِّرَاءُ بِكَثِيرٍ، وَالْبَيْعُ بِقَلِيلٍ لَا يَنْحَصِرُ فِي السَّفَهِ [قَوْلُهُ: كَالْقَصَّابِ] إلَخْ هُوَ الْجَزَّارُ؛ لِأَنَّهُ يُقَطِّعُ الشَّاةَ عُضْوًا عُضْوًا مِنْ قَصَبَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا قَطَّعَ الشَّاةَ عُضْوًا عُضْوًا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: الدَّائِمِ] أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعَمَلُ [قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ عَلَى الْحُلُولِ] أَيْ لِكُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ [قَوْلُهُ: انْتَهَى] أَيْ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي قَالَ عج عَقِبَ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي هَذَا: قُلْت هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الشِّرَاءَ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالسَّلَمِ فِي شُرُوطِهِ إلَّا فِي ضَرْبِ الْأَجَلِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَفِي التَّوْضِيحِ الْمَشْهُورُ] وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْمَنْعُ [قَوْلُهُ: كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا] أَيْ يَتَعَاقَدُ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا مَثَلًا وَلِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ، وَبَقِيَ صُورَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَأْخُذَ جُمْلَةً مِنْهُ يُفَرِّقُهَا عَلَى أَيَّامٍ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ: وَيَكُونُ بَيْعًا بِالنَّقْدِ لَا سَلَمًا فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الثَّمَنِ اهـ. [قَوْلُهُ:

[مسائل بيوع الآجال]

يَشْرَعَ فِي الْأَخْذِ وَلَا يَشْتَرِطُ ضَرْبَ الْأَجَلِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا كَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًّا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ النَّقْدَ فِي ذَلِكَ أَوْ أَخَّرَهُ انْتَهَى. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً تِسْعَةٌ جَائِزَةٌ وَثَلَاثَةٌ مَمْنُوعَةٌ كُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ بَعْضُهَا بِالْمَنْطُوقِ وَبَعْضُهَا بِالْمَفْهُومِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى سِتَّةٍ مِنْهَا ثِنْتَانِ بِالْمَنْطُوقِ وَأَرْبَعَةٌ بِالْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا تَشْتَرِهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ) مِثَالُ الْأُولَى أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ بِخَمْسَةٍ نَقْدًا، وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ أَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا بِخَمْسِينَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَاتَانِ اللَّتَانِ بِالْمَنْطُوقِ وَهُمَا مَمْنُوعَتَانِ؛ لِأَنَّهُمَا دَخَلَهُمَا ثَلَاثُ عِلَلٍ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ قَلِيلًا لِيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَتَفَاضُلٌ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْفِضَّتَيْنِ وَتَأْخِيرٌ بَيْنَهُمَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: بِأَقَلَّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْمِثْلِ نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ إلَى ثَلَاثَةٍ: وَاحِدَةٌ بِالْمَنْطُوقِ مَمْنُوعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَهُ] أَيْ تَكُونَ مَادَّتُهُ الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَوْجُودَةً عِنْدَهُ كَالْقَمْحِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ لَهُ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ دَائِمُ الْعَمَلِ. وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَخْذِ أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ الْأَجَلِ] لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَجَلَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَخْذِ [قَوْلُهُ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا كَغَيْرِهِ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: آخُذُ مِنْهُ سَنَةً كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ يَأْخُذُ مِنْهُ جُمْلَةً وَيُفَرِّقُهَا عَلَى مِائَةِ يَوْمٍ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا] أَيْ بِأَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى أَلْفِ رَغِيفٍ يَأْتِي بِهَا حَالًا. قُلْت: وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا فَهَذَا مُؤَجَّلٌ إلَّا أَنَّهُ مَجْهُولٌ. وَقَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ قَدَّمَ النَّقْدَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ سَلَمًا أَصْلًا بَلْ هُوَ مُتَبَايِنٌ لَهُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى عِبَارَةِ ابْنِ نَاجِي الَّتِي قَالَ فِيهَا عج: قُلْت هَذَا يُفِيدُ إلَى آخِرِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ نَاجِي بَعِيدٌ لِقَوْلِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كُنَّا نَبْتَاعُ اللَّحْمَ مِنْ الْجَزَّارِينَ أَيْ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ بِسُعْرٍ مَعْلُومٍ كُلَّ يَوْمِ رِطْلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِشَرْطِ أَنْ يُدْفَعَ الثَّمَنُ مِنْ الْعَطَاءِ. قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَعْرُوفًا أَيْ وَمَأْمُونًا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. وَلَا يُضْرَبُ فِيهِ أَجَلٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ اهـ. قُلْت: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الصَّوَابُ مُقْتَضَى عِبَارَةِ التَّوْضِيحِ خِلَافًا لِمَا أَفَادَتْهُ عِبَارَةُ ابْنِ نَاجِي فَتَأَمَّلْ [مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ] [قَوْلُهُ: عَلَى مَسَائِلِ بُيُوعِ الْآجَالِ] أَيْ عَلَى بَعْضِ مَسَائِلِ النَّوْعِ الْمَعْرُوفِ بِبُيُوعِ الْآجَالِ [قَوْلُهُ: تِسْعَةٌ جَائِزَةٌ] ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ عَيْنَ مَا بَاعَهُ نَقْدًا أَوْ بِدُونِ الْأَجَلِ أَوْ لِلْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثَلَاثٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَضَابِطُ الْجَائِزِ مِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ تَقُولَ: مَتَى اتَّفَقَ الثَّمَنَانِ فَالْجَوَازُ وَلَا يُنْظَرُ لِاخْتِلَافِ الْأَجَلِ، وَكَذَا إذَا اتَّفَقَ الْأَجَلَانِ فَالْجَوَازُ وَلَا يُنْظَرُ إلَى اخْتِلَافِ الثَّمَنَيْنِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْأَجَلَانِ، وَالثَّمَنَانِ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْبَلَدِ السَّابِقَةِ بِالْعَطَاءِ فَإِنْ دَفَعَتْ قَلِيلًا وَعَادَ إلَيْهَا كَثِيرًا فَالْمَنْعُ وَإِلَّا فَالْجَوَازُ. [قَوْلُهُ: بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بُيُوعِ الْآجَالِ، وَمِثْلُ بَيْعِك بَيْعُ وَكِيلِك أَوْ عَبْدُك غَيْرُ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمَأْذُونِ حَيْثُ كَانَ يَتَّجِرُ لَك. وَقَوْلُهُ: فَلَا تَشْتَرِهَا أَيْ هَذِهِ السِّلْعَةَ الْمُبَاعَةَ أَنْتَ أَوْ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَيْ أَوْ مِمَّنْ نَزَلَ مَنْزِلَتَهُ مِمَّنْ ذُكِرَ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَا بَاعَهُ لِأَجَلٍ لِغَيْرِ نَفْسِهِ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ لَكُرِهَ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ شِرَاؤُهُ لِابْنِهِ الْمَحْجُورِ شِرَاءَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِمَنْ فِي حِجْرِهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ الْأَجْنَبِيِّ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَوْ شِرَاءُ مَحْجُورِهِ لَهُ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا يَشْتَرِي بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ نَفْسِهِ [قَوْلُهُ: سَلَفٍ بِزِيَادَةٍ] الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا فِي التَّعْلِيلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ، وَالتَّأْخِيرَ مَوْجُودَانِ حَتَّى فِي بَعْضِ صُوَرِ الْجَوَازِ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ [قَوْلُهُ: إذْ لَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ] أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ الَّذِي تَقَدَّمَ وَهُوَ سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ، وَإِنْ وُجِدَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَالتَّأْخِيرُ فِي صُورَتَيْنِ، وَالتَّفَاضُلُ

[بيع الجزاف]

وَثِنْتَانِ بِالْمَفْهُومِ جَائِزَتَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِأَكْثَرَ) أَيْ، وَكَذَا إذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا تَشْتَرِهَا بِأَكْثَرَ (سَنَةً إلَى أَبْعَدَ مِنْ أَجَلِهِ) مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلًا سِلْعَةً بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ أَرْبَعُ عِلَلٍ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْفِضَّتَيْنِ، وَالتَّأْخِيرُ بَيْنَهُمَا وَسَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ دَفَعَ مِائَةً يَأْخُذُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ مِائَةً وَخَمْسِينَ، وَمَفْهُومُ " بِأَكْثَرَ " أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ إذْ لَا تُهْمَةَ ثُمَّ أَشَارَ إلَى بَقِيَّةِ التِّسْعَةِ الْجَائِزَةِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا) أَيْ إذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَاشْتَرَيْتهَا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ (إلَى الْأَجَلِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ) الشِّرَاءُ بِأَقَلَّ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْمِثْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْكَلَامِ (كُلُّهُ جَائِزٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ حِينَئِذٍ تُتَّقَى (وَتَكُونُ مُقَاصَّةً) فَإِذَا بِعْت سِلْعَةً بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَيْتهَا بِمِائَةٍ إلَى الْأَجَلِ فَهَذَا فِي ذِمَّتِهِ مِائَةٌ، وَهَذَا كَذَلِكَ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ يَقْطَعُ هَذِهِ الْمِائَةَ فِي الْمِائَةِ، وَإِذَا بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا إلَى الشَّهْرِ بِخَمْسِينَ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاصَّا فَيَجْعَلُ الْخَمْسِينَ فِي مُقَابَلَةِ الْخَمْسِينَ وَيُزِيدُ لَهُ خَمْسِينَ. وَإِذَا بَاعَهَا بِمِائَةٍ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ إلَى ذَلِكَ الشَّهْرِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ تَقَاصَّا فَتَكُونُ الْمِائَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْمِائَةِ وَيَزِيدُ لَهُ الْآخَرُ خَمْسِينَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَيَانِ شُرُوطِهِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْجُزَافِ) مُثَلَّثُ الْجِيمِ وَهُوَ مَا جُهِلَ قَدْرُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ كَيْلُهُ أَوْ عَدَدُهُ وَاسْتَعْمَلَ " لَا بَأْسَ " هُنَا بِمَعْنَى الْجَوَازِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَفِي الصَّحِيحِ كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ جُزَافًا وَلِجَوَازِهِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَسْكُوكٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ) أَوْ يُعَدُّ (سِوَى الدَّنَانِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي إحْدَاهُمَا. وَقَوْلُهُ: الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ أَيْ ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ [قَوْلُهُ: وَتَكُونُ مُقَاصَّةً] إنَّمَا جَازَتْ الصُّوَرُ كُلُّهَا عِنْدَ اتِّفَاقِ الْأَجَلِ لِوُجُودِ الْمُقَاصَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَاهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الْمُقَاصَّةَ فِيمَا أَصْلُهُ مَمْنُوعٌ لَجَازَ؛ لِأَنَّ ضَابِطَ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْجَائِزَ ابْتِدَاءً لَا يَمْنَعُهُ إلَّا شَرْطُ نَفْيِ الْمُقَاصَّةِ، وَالْمَمْنُوعَ ابْتِدَاءً لَا يُصَيِّرُهُ جَائِزًا إلَّا شَرْطُ الْمُقَاصَّةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَحْرُمُ شِرَاءُ غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْعِهَا كَأَنْ بَاعَ لَهُ فَرَسًا فَاشْتَرَى رَقِيقًا أَوْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ كَثِيرًا، فَالصُّوَرُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَى مِثْلَهَا مِنْ نَوْعِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى عَيْنَ مَا بَاعَ فِي امْتِنَاعِ ثَلَاثِ صُوَرٍ هَذَا إنْ لَمْ يَغِبْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا بَعْدَ غَيْبَتِهِ فَزِيدَ صُورَتَانِ وَهُمَا كَوْنُ الشِّرَاءِ الثَّانِي بِأَقَلَّ لِلْأَجَلِ أَوْ لِأَبْعَدَ، وَإِنْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً كَمَا لَوْ بَاعَهُ فَرَسًا وَاشْتَرَى مِنْهُ أُخْرَى فَتَجُوزُ الصُّوَرُ كُلُّهَا. [بَيْع الجزاف] [قَوْلُهُ: أَوْ وَزْنِهِ] الْأَوْلَى إسْقَاطُ قَوْلِهِ أَوْ وَيَكُونُ مَعَ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِقَدْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى] أَيْ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ عَامٌّ. [قَوْلُهُ: كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَايَعُونَ إلَخْ] أَيْ يَتَعَاطَوْنَ بَيْعَ الثِّمَارِ جُزَافًا عَلَى رُءُوسِ الْأَشْجَارِ، وَيَلْحَقُ بِالثِّمَارِ غَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ عَشْرَةُ شُرُوطٍ] وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ أَنْ يُصَادِفَ كَوْنَهُ جُزَافًا فَلَا يَصِحُّ الْجُزَافُ الْمَدْخُولُ عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ لِلْجَزَّارِ أَوْ الْعَطَّارِ: اصْنَعْ لِي كَوْمًا مَثَلًا وَأَنَا أَشْتَرِيهِ مِنْك، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ عِنْدَنَا بِمِصْرَ مِنْ شِرَاءِ الْفُولِ الْحَارِّ أَوْ الْمِلْحِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهُ مُجْزَفًا فَيَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ شِرَائِهِ إنْ كَانَ فِي ظَرْفِهِ بِأَنْ يَفْتَحَ وَرَقَةَ الْفِلْفِلِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَشْتَرِطَ زِيَادَةً وَإِلَّا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ وَانْظُرْهُ إنْ كَانَ مَنْقُولًا فَمُسَلَّمٌ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يُكَالُ] كَالْحِنْطَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يُوزَنُ كَالْعَسَلِ، وَالسَّمْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ يُعَدُّ] كَالْبِطِّيخِ وَغَيْرِهِ، وَأَسْقَطَهُ وَزَادَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمَعْدُودِ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ جُزَافًا فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ عَلَى حَدِّ {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] .

وَالدَّرَاهِمِ مَا كَانَ مَسْكُوكًا) أَيْ مَا دَامَتْ مَسْكُوكَةً فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ شِرَاؤُهَا جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْمُخَاطَرَةِ، وَالْقِمَارِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمَشْهُورُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ إنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا وَزْنًا جَازَ، وَإِنْ كَانَ عَدَدًا امْتَنَعَ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا غَيْرَ مَسْكُوكَيْنِ جَازَ بَيْعُهُمَا جُزَافًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا نِقَارُ) بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى فَجَرَاتٍ (الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ فَذَلِكَ) أَيْ شِرَاءُ الْجُزَافِ (فِيهِمَا جَائِزٌ) إذَا لَمْ يُتَعَامَلْ بِهِمَا أَمَّا إذَا تُعُومِلَ بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا. ثَانِيَ الشُّرُوطِ: أَنْ لَا تَكُونَ آحَادُهُ مَقْصُودَةً كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ وَلَمْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ، وَالثِّيَابِ جُزَافًا) وَقَيَّدْنَا بِلَمْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا قُصِدَتْ آحَادُهُ وَقَلَّ ثَمَنُهُ كَالرُّمَّانِ، وَالْبَيْضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ احْتِرَازًا مِنْ الْقَلِيلِ الَّذِي يُعْلَمُ قَدْرُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) أَيْ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ (مَا يُمْكِنُ عَدُّهُ بِلَا مَشَقَّةٍ جُزَافًا) كَالْحِيتَانِ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ كَقَمْحٍ أَوْ شَعِيرٍ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ مِنِّي صُبْرَةً مِنْ طَعَامٍ. خَامِسُهَا: أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مَعَ مَكِيلٍ. سَادِسُهَا: أَنْ لَا يَكْثُرَ جِدًّا. سَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا بِالْبَصَرِ. ثَامِنُهَا: أَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَيْ مَا دَامَتْ إلَخْ] مَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ مُدَّةُ دَوَامِهَا مَسْكُوكَةً، وَالتَّأْوِيلُ بِالدَّوَامِ لَا حَاجَةَ لَهُ فَلَوْ قَالَ مُدَّةُ وُجُودِهَا مَسْكُوكَةً لَكَفَى وَكَانَ تَامَّةٌ وَمَسْكُوكَةً حَالٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الْفِعْلِ وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْمُخَاطَرَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَخَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَعَلَ مَا يَكُونُ الْخَوْفُ فِيهِ أَغْلَبَ اهـ. لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَلَا مُفَاعَلَةَ. وَقَوْلُهُ: وَالْقِمَارِ إلَخْ أَيْ الْمُغَالَبَةُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَدَدًا امْتَنَعَ] ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَدَدًا وَوَزْنًا وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا أَطْلَقَ اتِّكَالًا عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْمَسْكُوكَ إنَّمَا يُتَعَامَلُ بِهِ عَدَدًا. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ النُّونِ] جَمْعُ نُقْرَةٍ بِالضَّمِّ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَفَجَرَاتٌ جَمْعُ فَجْرَةٍ بِمَعْنَى قِطْعَةٍ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تُعُومِلَ بِهِمَا فَلَا يَجُوزُ] أَيْ عَدَدًا، وَمَا يُتَعَامَلُ بِهِ بِالْوَجْهَيْنِ كَذَلِكَ أَيْ يَمْتَنِعُ كَمَا ذَكَرَهُ عج فِي حَاشِيَتِهِ، وَأَمَّا وَزْنًا فَقَطْ فَيَجُوزُ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّبْرَ، وَالْحُلِيَّ الْمَكْسُورَ، وَكَذَا الْمَسْكُوكُ الْمُتَعَامَلُ بِهِ وَزْنًا فَقَطْ يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَالْفُلُوسُ الْجُدُدُ كَالنَّقْدِ فَإِنْ كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا عَدَدًا فَقَطْ أَوْ عَدَدًا وَوَزْنًا امْتَنَعَ بَيْعُهَا جُزَافًا، وَإِنْ تُعُومِلَ بِهَا وَزْنًا فَقَطْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَامَلَ بِهِ عَدَدًا يُقْصَدُ أَفْرَادُهُ بِخِلَافِ الْمُتَعَامَلِ بِهِ وَزْنًا فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ إلَخْ] أَيْ، وَكَذَا الْحَيَوَانَاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمُقَوَّمَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهَا حَالَةَ كَوْنِ شِرَائِهَا جُزَافًا؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَفْرَادِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَاطَرَةِ، وَالْمُقَامَرَةِ وَهِيَ حَرَامٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ مَا يُمْكِنُ عَدُّهُ إلَخْ] أَيْ لِسُهُولَةِ الْعَدِّ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا، وَلَوْ أَمْكَنَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ بِلَا مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ الْمَشَقَّةُ لِتَوَقُّفِهِمَا عَلَى مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ أَوْ مُعْتَادٍ. [قَوْلُهُ: كَالْحِيتَانِ] أَيْ الْقَلَائِلِ الَّتِي لَا مَشَقَّةَ فِي عَدِّهَا. [قَوْلُهُ: رَابِعُهَا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَخُصُّ الْجُزَافَ. [قَوْلُهُ: خَامِسُهَا أَنْ لَا يَشْتَرِيَهُ مَعَ مَكِيلٍ] أَيْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ عَنْ أَصْلِهِ كَمَكِيلِ أَرْضٍ وَجُزَافِ حَبٍّ بِخِلَافٍ لَوْ وَقَعَ كُلٌّ عَلَى الْأَصْلِ كَجُزَافِ أَرْضٍ مَعَ مَكِيلِ حَبٍّ فَيَجُوزُ، كَمَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْجُزَافَيْنِ، وَالْمَكِيلَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي الْحُبُوبِ الْكَيْلُ، وَالْأَرْضِ الْجُزَافُ. [قَوْلُهُ: سَادِسُهَا أَنْ لَا يَكْثُرَ جِدًّا] بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ وَإِلَّا امْتَنَعَ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَلَوْ مَعْدُومًا. [قَوْلُهُ: سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا بِالْبَصَرِ] أَيْ وَلِذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي بَصِيرًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْمَى جُزَافًا وَلَا شِرَاؤُهُ لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي الرُّؤْيَةُ، وَلَوْ قَبْلَ الْعَقْدِ وَيَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِهِ الْمُتَّصِلِ بِبَاقِيهِ كَالصُّبْرَةِ يُرَى ظَاهِرُهَا، وَالْغِرَارَةِ، وَالْحَاصِلُ الْكَبِيرُ، وَكَرُؤْيَةِ بَعْضٍ مَغِيبِ الْأَصْلِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ قِلَالِ الْخَلِّ الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّ فَتْحَهَا يُفْسِدُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مَمْلُوءَةً، أَوْ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي نَقْصَهَا، وَلَوْ بِإِخْبَارِ الْبَائِعِ وَصِفَةِ مَا فِيهَا. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ

الْمُتَعَاقِدَانِ اعْتَادَا الْحَزْرَ فِي ذَلِكَ. تَاسِعُهَا: أَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ بِمِقْدَارِهِ. عَاشِرُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ (وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ) كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا وَفِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبِعْهُ (فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ) أَيْ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ عَلَى النَّخْلِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) لِنَفْسِهِ فَيَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ لَهُ مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّخْلَ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى شَرْطٍ. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ابْتَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» . (وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرُ النَّخْلِ (مِنْ) الْأَشْجَارِ ذِي (الثِّمَارِ) كَالْعِنَبِ، وَالزَّيْتُونِ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ، ثُمَّ فَسَّرَ التَّأْبِيرَ بِقَوْلِهِ: (وَالْإِبَارُ) فِي النَّخْلِ (التَّذْكِيرُ) بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الثَّمَرَةِ دَقِيقًا يَكُونُ فِي فَحْلِ النَّخْلِ (وَإِبَارُ الزَّرْعِ) عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَرْئِيًّا بِالْبَصَرِ فَالْغَائِبُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ. [قَوْلُهُ: اعْتَادَ الْحَزْرَ فِي ذَلِكَ] أَيْ أَوْ يُوَكِّلَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ بِمِقْدَارِهِ] فَلَوْ عَلِمَاهُ مَعًا لَجَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا. وَإِنْ أَعْلَمَ الْعَالَمُ الْجَاهِلَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَسَدَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ لَمْ يَفْسُدْ. نَعَمْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْجَاهِلِ كَظُهُورِ عَيْبٍ فِي السِّلْعَةِ دَلَّسَ بِهِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: عَاشِرُهَا أَنْ يَكُونَ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ] أَيْ لَا مُرْتَفِعَةٍ وَلَا مُنْخَفِضَةٍ فِي ظَنِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَالَ الْعَقْدِ، فَإِنْ عَلِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَدَمَ الِاسْتِوَاءِ حَالَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكْثُرُ فِيهِ الْغَرَرُ لِعَدَمِ حَزْرِهِ، وَإِنْ كَشَفَ الْغَيْبَ عَنْ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ مِنْهُمَا. وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: اسْتِوَاءُ الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْحَزْرِ لَا فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ شَرْطَ الشَّرْطِ شَرْطٌ. تَنْبِيهٌ: قَالَ اللَّقَانِيُّ: هَذَا الشَّرْطُ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ فَإِنْ انْتَفَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيُخْبَرُ مَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَهُوَ فِي الْجَوَازِ، وَالصِّحَّةِ. [قَوْلُهُ: أُبِّرَتْ كُلُّهَا أَوْ أَكْثَرُهَا] أَمَّا لَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ أَصْلًا أَوْ أُبِّرَ مِنْهَا دُونَ النِّصْفِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ أُبِّرَ النِّصْفُ لَكَانَ كُلٌّ عَلَى حُكْمِهِ فَالْمُؤَبَّرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيْرُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ لِغَيْرِ الْمُؤَبَّرِ فَصَحَّحَ فِي الشَّامِلِ الْجَوَازَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُبْقًى. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَشَهَرَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ كَمَنْعِ اسْتِثْنَاءِ الْجَنِينِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرًى وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَإِنْ قُلْت: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُبِّرَتْ كُلُّهَا قُلْت: أَجَابَ الْبِسَاطِيُّ بِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْأَكْثَرَ مَنْزِلَةَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ يُعْطَى حُكْمُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ فِي أُبِّرَتْ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ اسْمُ جَمْعٍ يَجُوزُ فِي الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَيْهِ التَّذْكِيرُ، وَالتَّأْنِيثُ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَبِعْهُ] أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ] فُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ تَنَازَعُوا فِي الِاشْتِرَاطِ وَعَدَمِهِ لَكَانَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ حَتَّى يُثْبِتَ الْمُشْتَرِي اشْتِرَاطَهُ. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْبَعْضِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِأَصِلْهَا، وَاشْتِرَاطُ بَعْضِهَا يَقْتَضِي قَصْدَ بَيْعِهَا لِذَاتِهَا وَعَدَمَ التَّبَعِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا إلَخْ] هَذَا مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ مُفَرَّقًا. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُهَا إلَخْ] فَالْمُؤَبَّرُ كُلُّهُ أَوْ جُلُّهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي وَغَيْرُهُ لِلْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: ذِي الثِّمَارِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ ذَاتِ التِّمَارِ بِالتَّاءِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَجْعَلَ إلَخْ] أَيْ لِئَلَّا تَسْقُطَ ثَمَرَتُهَا. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بَلَغَ حَدَّ الْإِبَارِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَبَّرْ بِالْفِعْلِ كَمَا قَالَ الْبَاجِيُّ، وَأَمَّا غَيْرُ النَّخْلِ كَالْخَوْخِ، وَالتِّينِ فَالتَّأْبِيرُ فِيهِ أَنْ تَبْرُزَ الثَّمَرَةُ فِيهِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَتَتَمَيَّزُ بِحَيْثُ تَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ. [قَوْلُهُ: الزَّرْعِ] الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ ذِي الثَّمَرِ كَالْبِرْسِيمِ، وَالْقُرْطِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَقِيلَ: إنَّ إبَارَ الزَّرْعِ

(خُرُوجُهُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ) كُلُّهُ قَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ. ك وَمَعْنَى " يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ " أَيْ يَشْتَرِطَهُ لِلْعَبْدِ لَا لِنَفْسِهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ امْتَنَعَ إنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا، وَالْمَالُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً: انْتَهَى. وَقَالَ ق: قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِنَفْسِهِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَشْتَرِي مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا حِصَّةَ لَهُ فِي الثَّمَنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ، وَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا، وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَشْتَرِي مِنْك هَذَا الْعَبْدَ، وَمَالَهُ فَهَاهُنَا يُرَاعَى فِيهِ الرِّبَا فَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِعَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كُلَّهُ فَلَوْ اشْتَرَطَ بَعْضَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ وَلِهَذَا قَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِقَوْلِنَا: " كُلَّهُ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQخُرُوجُهُ مِنْ يَدِ بَاذِرِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: خُرُوجُهُ] فَمَنْ ابْتَاعَ أَرْضًا ذَاتَ زَرْعٍ ظَاهِرٍ لِلنَّاظِرِ يَكُونُ زَرْعُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي، وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا مَبْذُورَةً لَمْ يَبْرُزْ زَرْعُهَا فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ بَذْرَهَا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا] أَيْ جَمِيعَهُ احْتِرَازًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ، وَالْمُبَعَّضِ فَإِنَّ مَالَ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ انْتِزَاعُهُ إلَّا بِمُوَافَقَةِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا كَانَ لَهُ. وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنَّ مَالَهُ يَبْقَى بِيَدِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ فِي يَوْمِ نَفْسِهِ وَلَا يَنْتَزِعُهُ مُشْتَرٍ وَلَا بَائِعٌ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، وَإِذَا مَاتَ وَارِثُهُ الْمُتَمَسِّكُ بِالرِّقِّ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ بَاعَ بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَإِذَا دَفَعَهُ صَدَاقًا أَوْ خَالَعَتْهُ الزَّوْجَةُ فَمَالُهُ لِلزَّوْجِ فِي الْأُولَى وَلِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا لِشَرْطٍ فِيهِمَا، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِنَّ مَالَهُ يَتْبَعُهُ، وَلَوْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُنْتَزَعُ مَالُهُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ سَيِّدِهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَقِيلَ: مَالُهُ يَتْبَعُهُ فَيَكُونُ لِلْمُعْطَى لَهُ، وَقِيلَ: يَبْقَى لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ] وَأَحْرَى وَلَدُهُ وَاسْتَثْنَى مِنْ مَالِهِ ثِيَابَ مِهْنَتِهِ أَيْ خِدْمَتِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَى ذَاتِ الْعَبْدِ يَتَنَاوَلُهَا، وَاخْتُلِفَ لَوْ اشْتَرَطَهَا الْبَائِعُ هَلْ يُوَفَّى لَهُ بِشَرْطِهِ أَوْ خِلَافٌ. [قَوْلُهُ: امْتَنَعَ إنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا، وَالْمَالُ ذَهَبًا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا، وَالْآخَرُ فِضَّةً فَلَا يُؤْخَذُ الْمَنْعُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَجُوزُ إذَا اجْتَمَعَ الْبَيْعُ، وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ أَوْ يَكُونُ الْجَمِيعُ دِينَارًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَبْدِ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ مَالُهُ وَأَنْ يَشْتَرِطَ جَمِيعَهُ وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ق] هَذِهِ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ] أَيْ نَوْعِهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا، وَمَالُ الْعَبْدِ فِضَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ الْبَيْعُ، وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ أَوْ يَكُنْ الْجَمْعُ دِينَارًا،، وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَا إذَا كَانَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ، وَالصَّرْفُ فِي دِينَارٍ وَإِلَّا مُنِعَ فَتَدَبَّرْ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي: إنَّ مَالَ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ لِبَيْعِهِ كَالْعَدَمِ عَلَى الْمَعْرُوفِ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا وَلَا يُرَاعَى فِيهِ رِبًا وَلَا صَرْفٌ مُسْتَأْخَرٌ وَلَا تَفَاضُلٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي سَوَاءٌ قَالَ: أَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ أَوْ أَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ، وَمَالَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى " وَمَالَهُ " مَعَ مَالِهِ قَالَ عج. وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي عَلَى الْمَعْرُوفِ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرَطَ لَهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ. تَنْبِيهٌ: إسْنَادُ الْمَالِ لِلْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ بِدَلِيلِ جَوَازِ انْتِزَاعِ السَّيِّدِ لِمَالِهِ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ] وَقَالَ أَشْهَبُ بِالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْجَوَازِ] وَكَانَ الْأَصْلُ مَنْعُهُ حَتَّى يُنْظَرَ

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَهُ مَالٌ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ بِيَدِ الْعَبْدِ أَوْ عَلَى يَدِ أَمِينٍ أَوْ كَانَ دَيْنًا عَلَى السَّيِّدِ (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْجَوَازِ (بِشِرَاءِ) بِالْمَدِّ، وَالْقَصْرِ (مَا فِي الْعِدْلِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ) ك: كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ الْمُكْتَتَبَةُ لِمَا فِي الْعِدْلِ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ زَمَانِنَا الدَّفْتَرُ (بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) فَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي فِي الْبَرْنَامَجِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ وَفَسْخِهِ (وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ لَا يُنْشَرُ وَلَا يُوصَفُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ لَجَازَ ع: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي إخْرَاجِهِ (أَوْ) أَيْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ (فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ) وَقَوْلُهُ: (لَا يَتَأَمَّلَاهُ) بِحَذْفِ النُّونِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ عَلَى أَنْ لَا نَافِيَةٌ جَرَتْ مَجْرَى النَّهْيِ فَتَجْزِمُ، وَفِي بَعْضِهَا بِإِثْبَاتِهَا وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ عَائِدٌ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ. وَالْمُبْتَاعُ هُوَ الَّذِي يَتَأَمَّلُهُ وَحْدُهُ قِيلَ وَهُوَ مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ: (وَلَا يَعْرِفَانِ مَا فِيهِ) مَفْهُومُ كَلَامِهِ لَوْ كَانَ فِي لَيْلٍ مُقْمِرٍ جَازَ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ فِي لَيْلٍ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْعَيْنِ لَكِنَّهُ أُجِيزَ لِمَا فِي حِلِّ الْعَدْلِ مِنْ الْحَرَجِ، وَالْمَشَقَّةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ تَلْوِيثِ مَا فِيهِ وَمُؤْنَةُ شِدَّةٍ إنْ لَمْ يُرْضِهِ الْمُشْتَرِي فَأُقِيمَتْ الصِّفَةُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ. [قَوْلُهُ: كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ إلَخْ] أَصْلُهُ الزِّمَامُ اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ] وَفِي عِبَارَةٍ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَكَسْرِهِمَا، وَقَالَ ق: بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَالْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا الصِّفَةُ إلَخْ] قَالَ عج:، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ حَفِظَ الْبَائِعُ عَدَدَ مَا فِي الْعِدْلِ وَصِفَتَهُ وَبَاعَهُ عَلَى عَدَدِهِ وَوَصْفِهِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْعِدْلِ] أَيْ الصِّفَةُ لِمَا فِي الْعِدْلِ الْمُكْتَتَبَةُ أَوْ الْمُكْتَتَبَةُ لِبَيَانِ مَا فِي الْعِدْلِ، وَمُفَادُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْفُرْسِ الصِّفَةُ غَيْرُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الِاصْطِلَاحِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الِاصْطِلَاحُ هُوَ مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْفُرْسِ فَلْتُرَاجَعْ، وَالْعِدْلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ حَالٌ مِنْ الْبَرْنَامَجِ، وَالتَّقْدِيرُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُلْتَبِسًا بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْبَرْنَامَجِ الدَّفْتَرَ لَا الصِّفَةَ كَمَا قَالَهُ شَارِحُنَا. [قَوْلُهُ: بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ] أَيْ بَيَانِ عِدَّةِ الثِّيَابِ وَأَصْنَافِهَا وَذَرْعِهَا وَصِفَتِهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَازَعَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْمُبْتَاعِ، وَالْغَيْبَةِ عَلَيْهِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي فِي الْعِدْلِ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي الدَّفْتَرِ وَقَدْ ضَاعَ الدَّفْتَرُ مَثَلًا أَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مَا وُجِدَ فِي الْعِدْلِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ مَا فِي الْعِدْلِ مُوَافِقٌ لَمَّا فِي الْبَرْنَامَجِ، وَلَوْ وُجِدَ الدَّفْتَرُ وَلَمْ يَدَّعِ مَا ذُكِرَ لَوَجَبَ الرُّجُوعُ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَهُ عَلَى غَيْرِهَا إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ وَاحِدًا وَخَمْسِينَ وَكَانَ فِي الْبَرْنَامَجِ خَمْسُونَ شَارَكَهُ الْبَائِعُ بِجُزْءٍ مِنْ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ، فَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ ثَوْبًا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ فَإِنْ كَثُرَ النَّقْصُ رُدَّ الْبَيْعُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ إلَخْ] أَيْ يَشْتَرِطُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يُنْشَرُ لَهُ وَلَا يُوصَفُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا سَبَقَ لَهُ رُؤْيَةٌ بَلْ يَبِيعُهُ عَلَى اللُّزُومِ بِمُجَرَّدِ لَمْسِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ لَجَازَ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ جِنْسَهُ، وَلَوْ نَشَرَ لَجَازَ، وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ. [قَوْلُهُ: الْمَشْهُورُ لَا يَجُوزُ] إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَشْرِهِ فَسَادُهُ فَيَتَّفِقُ عَلَى الْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: لَا يَتَأَمَّلَاهُ] حَالٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اللُّزُومِ كَانَ بَاطِلًا وَيَجُوزُ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ. [قَوْلُهُ: جَرَتْ مَجْرَى النَّهْيِ] أَيْ أَوْ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِحَذْفِ نُونِ الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُبْتَاعُ هُوَ الَّذِي يَتَأَمَّلُهُ وَحْدَهُ] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُطْلَبُ الْعِلْمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْبَائِعُ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَا عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: قِيلَ وَهُوَ مُرَادِفٌ إلَخْ] وَقِيلَ لَيْسَا مُتَرَادِفَيْنِ فَمَعْنَى الْأَوَّلِ لَا يَتَأَمَّلَا صِفَتَهُ وَقَدْرَهُ، وَمَعْنَى الثَّانِي لَا يَعْرِفَا مَا فِيهِ مِنْ الْعُيُوبِ. قُلْت. مُقْتَضَى الْمُرَادَفَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لَيْلًا، وَلَوْ تَأَمَّلَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْأُمَّهَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَبِيعِ لَا تُدْرَكُ لَيْلًا. وَفِي الْبُرْزُلِيِّ إذَا كَانَ الْعَاقِدُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِالْقَمَرِ مِثْلُ النَّهَارِ جَازَ. قَالَ عج: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي شَهَادَةٍ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي

[سوم الإنسان علي سوم أخيه]

مُقْمِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُقْمِرٍ (وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ) ذَاتُ الْحَوَافِرِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا (فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ) وَكَذَلِكَ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ (وَلَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ» قَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ. خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسُومَ عَلَى سَوْمِ الذِّمِّيِّ (، وَذَلِكَ) النَّهْيُ عَنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ مَحَلُّهُ (إذَا رَكِنَا) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا قِيلَ هُوَ بِمَعْنَى (وَتَقَارَبَا) وَهُوَ أَنْ يَمِيلَ الْبَائِعُ إلَى الْمُبْتَاعِ، وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمُبْتَاعِ حِينَئِذٍ ج: وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ هَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا، وَسَمِعَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ يُؤَدَّبُ فَاعِلُ ذَلِكَ ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فَقَالَ: (لَا فِي أَوَّلِ التَّسَاوُمِ) قَبْلَ التَّرَاكُنِ فَإِنَّ سَوْمَ الرَّجُلِ عَلَى سَوْمِ الْآخَرِ حِينَئِذٍ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لَدَخَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ (وَالْبَيْعُ) عِنْدَنَا (يَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ) وَبِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْإِشَارَةِ، وَالْمُعَاطَاةِ (، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَوَّنَةِ] هُوَ الرَّاجِحُ بَلْ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ نَهَارًا عَلَى الْبَتِّ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ كَانَ بَاطِلًا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَأَمَّا أَشْهَبُ فَفَصَّلَ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّ جَسَّهُ بِالْيَدِ يُبَيِّنُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إذْ بِهِ يُعْرَفُ سَمِينُهُ وَهَزِيلُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ مِنْ الطُّيُورِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا اللَّحْمُ قَالَ الشَّيْخُ. وَمُلَخَّصُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ عُلِمَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ إدْرَاكُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي النَّهَارِ عَنْ إدْرَاكِهِ لَهُمَا فِي اللَّيْلِ جَازَ بَيْعُهُ وَإِلَّا فَلَا. [سَوْم الْإِنْسَان عَلَيَّ سَوْم أخيه] [قَوْلُهُ: وَلَا يَسُومُ] فِيهِ أَنْ لَا نَاهِيَةٌ وَكَانَ الْوَاجِبُ حَذْفَ الْوَاوِ مِنْ يَسُومُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ لَفْظًا إنْشَاءٌ مَعْنًى وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ. تَنْبِيهٌ: قَالَ تت: وَالسَّوْمُ فِي الْمُبَايَعَةِ طَلَبُ كَمِّيَّةِ الثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: إذَا رَكَنَا إلَخْ] ابْنُ الْعَرَبِيِّ: صَوَابُهُ إذَا رَكَنَ بِغَيْرِ أَلِفٍ اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الرُّكُونَ يَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِلطَّالِبِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا] فَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ أَوْ قَتَلَ يَقْتُلُ وَزِيدَ ثَالِثٌ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَمِيلَ إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ بِاللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ] أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ سِلْعَةً أُخْرَى يُرَغِّبَهُ فِيهَا حَتَّى يُعْرِضَ عَنْ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ هَلْ يُفْسَخُ أَمْ لَا] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ جَارٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَحَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ لِمَالِكٍ قَوْلَيْنِ فِي النَّهْيِ هَلْ هُوَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَالْفَسْخُ عَلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ دُونَ الْأَوَّلِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ، قُلْت: قَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمَدُ الْفَسْخَ وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْبَائِعِ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ إذَا خَطَبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ بَعْدَ التَّرَاكُنِ أَنَّهُ يُفْسَخُ إنْ لَمْ يَدْخُلْ أَيْ فَالْفَسْخُ هُنَا إنْ لَمْ يَفُتْ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ. [قَوْلُهُ: ابْنَ الْقَاسِمِ يُؤَدِّبُ إلَخْ] أَطْلَقَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ يُونُسَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: لَعَلَّهُ يُرِيدُ مَنْ يَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ الزَّجْرِ، وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ. [قَوْلُهُ: لَا فِي أَوَّلِ التَّسَاوُمِ] صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ التَّقَيُّدِ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ التَّزَايُدَ مُطْلَقًا مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ قَبْلَ التَّرَاكُنِ إذَا أَرَادَ السَّائِمُ أَيْ يَشْتَرِيهَا لَا إنْ قَصَدَ غُرُورَ الْغَيْرِ فَيَحْرُمُ. [قَوْلُهُ: جَائِزٌ] لَعَلَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا قَرَّرُوهُ أَنَّ بَيْعَ الْمُسَاوِمَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُزَايَدَةِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الضَّغَائِنَ. [قَوْلُهُ: الْبَاعَةِ] جَمْعُ بَائِعٍ [مَا يَنْعَقِد بِهِ الْبَيْع] [قَوْلُهُ: يَنْعَقِدُ] أَيْ يَلْزَمُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ تُوجَدُ حَقِيقَتُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ الْمُوَافِقِ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْبَيْعَ أَيْ يَنْعَقِدُ أَيْ لَا يَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ مِنْ الْمَجْلِسِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَالْإِشَارَةِ، وَالْمُعَاطَاةِ أَيْ

[الإجارة وما يتعلق بها]

الْمُتَبَايِعَانِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنَّ التَّفَرُّقَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا» مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ، وَهُنَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْبُيُوعِ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا شَاكَلَهَا وَبَدَأَ بِالْإِجَارَةِ، وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، فَقَالَ: (وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ رَجُلًا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ» . وَلَهَا أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ، أَمَّا أَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَشَرْطُهُمَا التَّمْيِيزُ، وَالتَّكْلِيفُ شَرْطَ لُزُومٍ، وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَالْمُسْلِمُ كَمَا فِي عَاقِدِي الْبَيْعِ. الثَّانِي: الْأُجْرَةُ، وَهِيَ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً مُنْتَفَعًا بِهَا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا مَعْلُومَةً. الثَّالِثُ: الْمَنْفَعَةُ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً احْتِرَازًا مِنْ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ، وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّقْوِيمِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُهَا لِيَسْتَوْقِدَ مِنْهَا نَارًا، وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَضَمِّنَةً اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ قَصْدًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ لِاسْتِيفَاءِ ثَمَرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاطَاةَ مِنْ جَانِبِ وَاحِدٍ يُوجَدُ بِهَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ لَا لُزُومُهُ. [قَوْلُهُ: الْمُتَبَايِعَانِ] تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزِ. [قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ إلَخْ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَرْجَحُ وَأَقَلُّ تَكَلُّفًا لِلتَّأْوِيلِ اهـ. [الْإِجَارَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِالْإِجَارَةِ] مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْأَجْرِ بِمَعْنَى الثَّوَابِ. يُقَالُ: اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعْمَلَهُ عَمَلًا بِأُجْرَةٍ أَيْ بِثَوَابٍ يُثِيبُهُ عَلَى عَمَلِهِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ] هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الْكِرَاءَ، وَعَرَّفَهَا عج بِقَوْلِهِ: بَيْعُ مَنْفَعَةِ عَاقِلٍ بِعِوَضٍ ثُمَّ أَقُولُ: وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بَيْعًا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَلَا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ. [قَوْلُهُ: مَعْلُومًا] أَيْ بِالْعَادَةِ أَوْ بِالشَّرْطِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ بِالْعَادَةِ أَوْ بِالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي] بِبِنَاءِ الْفَاعِلِ وَمَعْنَاهُ أَعْطَى الْأَمَانَ بِاسْمِي أَوْ بِذِكْرِي أَوْ بِمَا شَرَعْتُهُ مِنْ دِينِي، ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ لِلْمُسْتَجِيرِ لَك ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ عَهْدُ اللَّهِ ثُمَّ تَغْدِرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَكَذَا فِي شَرْحِ التَّرْغِيبِ، وَالتَّرْهِيبِ. [قَوْلُهُ: بَاعَ رَجُلًا] فِي نُسْخَةٍ حُرًّا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَاعَ نَفْسَ الْحُرِّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ، وَهَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ. [قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ شَرْطُ لُزُومٍ] الْمُرَادُ بِهِ الرُّشْدُ، وَالطَّوْعُ فَعَقْدُ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ عَلَى سِلَعِهِمَا أَوْ عَلَى نَفْسِهِمَا صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلِوَلِيِّهِمَا فَسْخُهُ وَإِمْضَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَزِمَ الْمُسْتَأْجِرَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إنْ عَقَدَ السَّفِيهُ أَوْ الْمُكْرَهُ إكْرَاهًا حَرَامًا يَكُونُ لِوَلِيِّ السَّفِيهِ، وَلِلْمُكْرَهِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ الْإِجَازَةُ أَوْ الْفَسْخُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقْدُ السَّفِيهِ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا كَلَامَ لِوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي إجَارَتِهِ نَفْسِهِ مُحَابَاةٌ. [قَوْلُهُ: كَمَا فِي عَاقِدِي الْبَيْعِ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّ الْإِسْلَامَ، وَالْمُصْحَفَ شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الصِّحَّةِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَقُلْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالطَّعَامِ، وَمَا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ لِصِحَّةِ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَعَدَمِ صِحَّةِ كَوْنِهِمَا أُجْرَةً لِأَرْضِ الزِّرَاعَةِ. [قَوْلُهُ: الْغِنَاءِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْغِنَاءَ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِعَارِضٍ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الصِّحَّةِ إذَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً. [قَوْلُهُ: وَآلَاتِ الطَّرَبِ] أَيْ وَصَوْتِ آلَاتِ الطَّرَبِ [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً تَحْتَ التَّقْوِيمِ] الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ تَحْتَ التَّقْوِيمِ قَبُولُهَا إيَّاهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ نَارٍ] وَلَا التُّفَّاحَةِ لِشَمِّهَا؛ لِأَنَّ تَأَثُّرَهَا لَيْسَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُرُورِ الزَّمَنِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ] أَيْ مُشْتَمِلَةٍ [قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْأَشْجَارِ] ، وَكَذَا لَا تُسْتَأْجَرُ الشَّاةُ لِأَخْذِ نِتَاجِهَا أَوْ صُوفِهَا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْإِرْضَاعِ وَمَسْأَلَةُ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا عَيْنٌ أَوْ بِئْرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَاحْتَرَزَ أَيْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ قَصْدًا مِنْ إجَارَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا يَذْهَبُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ

يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَأَنْ تَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ أَرْضِ الزِّرَاعَةِ، وَمَاؤُهَا غَامِرٌ، وَأَنْ تَكُونَ غَيْرَ حَرَامٍ فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ حَائِضٍ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ بِنَفْسِهَا، وَأَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ كَمَا إذَا اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ لِيَرْكَبَهَا مَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ كَحَمِيرِ الْمُكَارِيَةِ عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَإِنَّهَا جَارِيَةٌ فِي رُكُوبِهَا. وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَثَلَاثَةٌ أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا ضَرَبَا لِذَلِكَ أَجَلًا وَسَمَّيَا الثَّمَنَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ إجَارَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مِنْ الْإِجَارَاتِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ أَجَلٍ وَهُوَ مَا تَكُونُ غَايَتُهُ الْفَرَاغَ مِنْهُ كَالْخِيَاطَةِ، وَالنَّسْجِ، وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى ضَرْبِ أَجَلٍ وَهُوَ مَا لَا غَايَةَ لَهُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ بِأَعْيَانِهَا، وَأَمَّا الثَّانِي: فَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ ج: أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقَعْ تَسْمِيَةٌ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ عُرْفٌ لَا يَخْتَلِفُ فَيَجُوزُ، وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ أَرْضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ لَهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَأْجَرُوهُ كَمَا يُعْطَى الْحَجَّامُ، وَالْحَمَّامِيُّ، وَالْمَنْعُ مِنْهُ حَرَجٌ فِي الدِّينِ وَغُلُوٌّ فِيهِ انْتَهَى. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَوْصُوفًا أَوْ لَهُ عُرْفٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمُتَآجِرَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحُكْمِ التَّبَعِ وَلَمْ يُقْصَدْ ثَمَّ فِي الْكَلَامِ بَحْثٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُحَدَّثَ عَنْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالضَّمِيرُ فِي فَيَكُونُ عَائِدٌ عَلَى الْإِجَارَةِ لَا الْمَنْفَعَةِ [قَوْلُهُ: وَمَاؤُهَا غَامِرٌ] أَيْ فَالْمَنْفَعَةُ وَهِيَ الزِّرَاعَةُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهَا أَيْ وَنَدَرَ انْكِشَافُهُ أَيْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ إنْ انْكَشَفَتْ. وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ أَسْتَأْجِرُ مِنْك أَرْضَك إنْ انْكَشَفَتْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ النَّقْدِ، فَمَتَى حَصَلَ النَّقْدُ، وَلَوْ تَطَوُّعًا وُجِدَ الْمَنْعُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَنْكَشِفُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ. [قَوْلُهُ: لِكَنْسِ مَسْجِدٍ بِنَفْسِهَا] أَيْ فَالْمَنْفَعَةُ وَهِيَ كَنْسُهَا الْمَسْجِدَ بِنَفْسِهَا حَرَامٌ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ أَنْ تَكُونَ مُبَاحَةً إلَخْ. قُلْت: لَا تَكْرَارَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُرَادٌ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ ذَاتُهَا مُبَاحَةً فَصَوْتُ آلَاتِ الطَّرَبِ حَرَامٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ كَنْسِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ إنَّمَا هِيَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا حَائِضًا، وَلَوْ انْتَفَى الْحَيْضُ لَانْتَفَتْ الْحُرْمَةُ، نَعَمْ يَبْقَى إشْكَالٌ فِي الْغِنَاءِ فَإِنَّ ذَاتَه مَكْرُوهَةٌ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا تَلْحَقُهُ لِعَارِضٍ فَتَدَبَّرْ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهَا فَتَجُوزُ. [قَوْلُهُ: جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ] أَيْ جِنْسٌ هُوَ الْمَنْفَعَةُ. [قَوْلُهُ: كَمَا إذَا اكْتَرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا] أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْحِمْلِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ الْمَحْمُولَ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لِيَرْكَبَهَا أَيْ يَقُولُ لَهُ أَكْتَرِي مِنْك الدَّابَّةَ لِأَرْكَبَهَا. [قَوْلُهُ: الْمُكَارِيَةِ] جَمْعُ مُكَارِي بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إلَخْ] وَاخْتُلِفَ إذَا جُمِعَ بَيْنَ الزَّمَنِ، وَالْعَمَلِ كَأَنْ قَالَ لَهُ: خِطْ هَذَا الثَّوَابَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِدِرْهَمٍ فَقِيلَ: يَفْسُدُ إذَا كَانَ الزَّمَنُ مُسَاوِيًا لِلْعَمَلِ، وَأَوْلَى إذَا كَانَ الْعَمَلُ أَكْثَرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّمَنُ أَوْسَعَ مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مُطْلَقًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَإِنْ عَمِلَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَ لَهُ فَلَهُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ عَمِلَهُ فِي أَكْثَرَ فَيُقَالُ: مَا أُجْرَتُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُ؟ فَإِذَا قِيلَ خَمْسَةٌ مَثَلًا فَيُقَالُ: مَا أُجْرَتُهُ عَلَى عَمَلِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ؟ فَإِذَا قِيلَ أَرْبَعٌ حُطَّ عَنْهُ مِنْ الْمُسَمَّى خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الْأُجْرَةِ الَّتِي سَمَّاهَا إلَّا عَلَى الْعَمَلِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ. [قَوْلُهُ: بِأَعْيَانِهَا] ، وَكَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً كَخَمْسِينَ نَعْجَةً. [قَوْلُهُ: وَسُمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أُعْطِيَ حُكْمُ الْعُرْفِ وَلَيْسَ مِنْ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ. [قَوْلُهُ: لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ] أَيْ فِيمَا يُعْطِيهِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَفِيمَا يَقْصِدُهُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: إذَا فَرَغَ] أَيْ حَيْثُ كَانَ إذَا فَرَغَ الْخَيَّاطُ فَرْضُ مَسْأَلَةٍ إذْ مِثْلُهُ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: كَمَا يُعْطَى الْحَجَّامُ] أَيْ لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَأْجَرُوهُ عَلَى شَيْءٍ مَعْرُوفٍ فِي الْجُمْلَةِ كَالْقَدْرِ الَّذِي يُعْطَاهُ الْحَجَّامُ الَّذِي يَتَعَاطَى الْحِجَامَةَ. وَقَوْلُهُ: حَرَجٌ أَيْ ضِيقٌ. . وَقَوْلُهُ: وَغُلُوٌّ أَيْ زِيَادَةٌ وَهُوَ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ، وَاعْلَمْ

[الجعالة وما يتعلق بها]

تَتْمِيمٌ: قَدْ تَكُونُ الْإِجَارَةُ مَكْرُوهَةً مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ لَا يَنَالُهُ مِنْ ذَلِكَ ذُلٌّ وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ يَنَالُهُ بِذَلِكَ ذُلٌّ أَوْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِمَعْرُوفٍ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ حَرَامٌ. . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجَعَالَةِ، وَهِيَ أَنْ يُجَاعِلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ. عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَهُ إنْ أَكْمَلَ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ وَذَهَبَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ بَاطِلًا، وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] وَلِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ. ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْجُعَلِ نَظَرٌ لِجَوَازِ إقْرَارِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ. ج: لَا نَظَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ لَفْظَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ اسْتَجَازُوهُ وَمَضَوْا عَلَيْهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: قَدْ تَكُونُ الْإِجَارَةُ مَكْرُوهَةً] الْأَصْلُ فِيهَا الْجَوَازُ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ] أَيْ إمَامًا بِالنَّاسِ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ فِي الْمَكْتُوبَةِ عِنْدِي أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ وَحُكِمَ بِهَا كَالْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَلِّينَ. وَأَمَّا إذَا أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفِ الْمَسْجِدِ فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا] كَالْحَجِّ وَأَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ مِنْ كُلِّ عِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَلَا تَجُوزُ احْتِرَازًا مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِ الْجِنَازَةِ وَحَفْرِ الْقَبْرِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ جَائِزَةٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِذِمِّيٍّ إلَخْ] . حَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ يَسْتَبِدُّ بِعَامِلٍ الْكَافِرُ وَلَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا اكْتَرَاهُ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ كَكَوْنِهِ مُقَارِضًا أَوْ سَاقِيًا لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِدَّ بِعَمَلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالصَّانِعِ لَهُ فِي حَانُوتِهِ بِأَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ فَهُوَ مَحْظُورٌ كَالْخِدْمَةِ فِي بَيْتِهِ، وَالْإِرْضَاعِ لَهُ، وَيُفْسَخُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ فَيَمْضِي وَتَكُونُ لَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ كَانَ فِي فِعْلٍ مُحَرَّمٍ حَرُمَ كَعَمَلِ الْخَمْرِ وَرَعْيِ الْخِنْزِيرِ، وَإِنْ فَاتَ بِالْعَمَلِ مَضَى وَتَصَدَّقَ بِالْكِرَاءِ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ. وَقَوْلُنَا: حَرُمَ أَيْ حُرْمَةً قَوِيَّةً فَلَا يُنَافِي أَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ حَرَامٌ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ. [قَوْلُهُ: يَنَالُهُ بِذَلِكَ ذُلٌّ] كَأَنْ يَمْشِيَ وَرَاءَهُ مَثَلًا فَهَذَا يُفْسَخُ مَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ فَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِالْعِوَضِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا فِيهِ حَرَامٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مِمَّا هُوَ حَرَامٌ كَالسَّرِقَةِ. [الْجَعَالَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] [قَوْلُهُ: الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِمَنْ} [يوسف: 72] إلَخْ] أَيْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ. [قَوْلُهُ: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ} [يوسف: 72]] أَيْ بِالصُّوَاعِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {جَعَلَ السِّقَايَةَ} [يوسف: 70] الْمِشْرَبَةَ {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: 70] قِيلَ كَانَتْ مِشْرَبَةً جُعِلَتْ صَاعًا يُكَالُ بِهَا، وَقِيلَ: كَانَتْ تُسْقَى الدَّوَابُّ بِهَا وَكَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ وَقِيلَ مِنْ ذَهَبٍ. [قَوْلُهُ: فِي الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ] قِصَّةُ الرَّهْطِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ لُدِغَ سَيِّدُهُمْ رَوَاهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: «انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا عِنْدَنَا لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ: إنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَقَدْ سَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَلَمْ يَنْفَعْهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ قَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ الْفَاتِحَةَ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ يَمْشِي، وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ أَيْ عِلَّةٌ فَأَوْفُوهُمْ جُعْلَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَذْكُرَ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَمَا يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ اقْتَسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَالْقَطِيعُ مِنْ الْغَنَمِ الْفِرْقَةُ. وَقَوْلُهُ: لَا رَقْيَ مِنْ بَابِ رَمْيَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجُعَلِ] أَيْ عَلَى جَوَازِهِ أَيْ عَلَى جَوَازِ الْجُعَلِ الَّذِي هُوَ الْجَعَالَةُ الْمُتَقَدِّمُ تَعْرِيفُهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى

يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ» . مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» يَقْتَضِي صَرْفَ مَا أَخَذُوهُ لِلرُّقْيَةِ لَا لِلضِّيَافَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِيمَا قَلَّ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَثُرَ، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ، أَحَدُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعَلِ) بِمَعْنَى الْجَعَالَةِ (أَجَلٌ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي غَرَرِ الْجُعَلِ إذْ قَدْ يَقْتَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ عَمَلُهُ بَاطِلًا أَوْ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَتَى شَاءَ، وَالْجَعَالَةُ تَكُونُ (فِي) أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ كَ (رَدِّ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بَيْعِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) ثَانِيهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُعَلِ بِمَعْنَى الْمَأْخُوذَةِ فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ إيَّاهُ يَعُودُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ] أَيْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّاقِي، وَقَوْلُهُ: إنَّهَا أَيْ الْفَاتِحَةُ وَرُقْيَةٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَدْرَاكَ أَيْ أَعْلَمَك أَنَّهَا رُقْيَةٌ، وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَمَا عِلْمُك أَنَّهَا رُقْيَةٌ. قَالَ: حَقٌّ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي. [قَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِيمَا قَلَّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا كَثُرَ] أَيْ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَانْظُرْ مَا ضَابِطُ الْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِجَوَازِهِ شُرُوطٌ] وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ أَرْكَانَهُ وَهِيَ أَرْبَعٌ: الْعَاقِدَانِ، وَالْعَمَلُ، وَالْعِوَضُ وَشَرْطُ الْعَاقِدِ التَّأَهُّلُ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ صِحَّةً وَلُزُومًا، وَشَرْطُ الْجُعَلِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ أَنْ يَصِحَّ كَوْنُهُ أُجْرَةً وَلَا يُشْتَرَطُ إيقَاعُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بَلْ يُسْتَحَقُّ الْجُعَلُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُعَاقَدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَحْضَرَ الْعَبْدَ الْآبِقَ مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَجَبَ الْجُعَلُ وَقَعَ مِنْ رَبِّهِ الْتِزَامٌ أَوْ لَا، وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا لَهُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَبْقِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلِبَاسٍ لَا نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهَا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى رَبِّ الْآبِقِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْجَعَالَةِ] مُفَادُهُ أَنَّ الْجُعَلَ لَيْسَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْعَقْدِ الْمَعْلُومِ، وَالْجُعَلُ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ، وَيُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْأُجْرَةُ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِقَوْلِهِ: بِمَعْنَى إلَخْ وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْجُعَلِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا مِنْهُ الْعَقْدُ وَمُرَادًا مِنْهُ الْأَجْرُ، وَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي الْجَعَالَةِ إذْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْأَجْرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْجَعَالَةِ] بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّ] إنْ انْقَضَى الْعَمَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَجَلِ [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ] مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ أَيْ لَا يُضْرَبُ فِي الْجُعْلِ أَجَلٌ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا حَالَةُ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْعَمَلَ مَتَى شَاءَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا الْجُعْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَيَلْزَمُ الْجَاعِلَ دُونَ الْعَامِلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُرَدُّ عَلَى الشَّارِحِ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لِمَ كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ جَائِزٍ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ فَغَرَرُهُ قَوِيٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّرْطِ فَقَدْ دَخَلَ ابْتِدَاءً عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَغَرَرُهُ خَفِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَالْجَعَالَةُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ بَعْضُهُ يَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى بَيْعٍ أَوْ شِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ اقْتِضَاءِ دَيْنٍ، وَكَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُيِّنَ فِيهَا مِقْدَارٌ مَخْصُوصٌ مِنْ الْأَذْرُعِ كَانَ إجَارَةً، وَإِنْ عَاقَدَهُ عَلَى إخْرَاجِ الْمَاءِ كَانَ جُعْلًا وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى إحْضَارِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ بَعِيرٍ شَارِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يُجْهَلُ فِيهِ الْعَمَلُ، وَبَعْضُهُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجَعَالَةُ وَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ كَالْمُعَاقَدَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْجَاعِلِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَيْ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ جَاعَلَهُ عَلَى إخْرَاجِ مَائِهَا. [قَوْلُهُ: كَرَدِّ آبِقٍ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَجْهَلَانِ مَكَانَهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ عَلِمَ الْجَاعِلُ فَقَطْ وَجَهِلَ الْعَامِلُ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الْجُعْلِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَ الْمَجْعُولُ لَهُ فَقَطْ فَلَا شَيْءَ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ حَيْثُ عَلِمَ مَكَانَهُ وَرَبُّهُ لَا يَعْلَمُ، وَمَنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِخَلِيلٍ. وَيَنْبَغِي إذَا عَلِمَاهُ أَنَّ لَهُ جَعْلَ مِثْلِهِ نَظَرًا لِسَبْقِ الْجَاعِلِ بِالْعَدَاءِ اهـ.

(وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمَجْعُولِ لَهُ (إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ) نَحْوُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بَهْرَامُ: وَلَعَلَّهُ فِيمَا لَا يَحْصُلُ لِلْجَاعِلِ فِيهِ نَفْعٌ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَمَتَى حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارُ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ انْتَهَى. مِثَالُ ذَلِكَ إذَا طَلَب الْآبِقَ فِي نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَجِدْهُ بِهَا فَإِنَّهُ وَقَعَ النَّفْعُ لِلْجَاعِلِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُتِمَّ الْعَمَلَ لَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: 72] مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يُنْقَدَ بِشَرْطٍ إذْ قَدْ لَا يُتِمُّ الْعَمَلَ فَيَكُونُ تَارَةً جُعْلًا وَتَارَةً سَلَفًا، وَيَجُوزُ النَّقْدُ بِغَيْرِ شَرْطٍ إذْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ (وَالْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ) بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ (إذَا تَمَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَبِعْ وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ، وَإِنْ بَاعَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْإِجَارَةِ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ إذَا تَعَلَّقَتْ بِمَنَافِعَ كَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمَنَافِعِ مِثَالُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعَرِّفَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَلَخَّصَ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا مَكَانَهُ فُسِخَ الْعَقْدُ، وَإِذَا تَمَّ الْعَمَلُ فَقَدْ عَلِمْت حُكْمَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَخْ] فَإِذَا تَمَّ الْعَمَلُ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ الْمُسَمَّى لَهُ وَجُعْلَ مِثْلِهِ إنْ لَمْ تَكُنْ تَسْمِيَةً حَيْثُ كَانَتْ عَادَتُهُ الْإِتْيَانَ بِالْإِبَاقِ، وَلَوْ اسْتَحَقَّ الشَّيْءَ الْمُجَاعَلَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ بِحُرِّيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي تَحْصِيلِهِ بِخِلَافِ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّهِ لَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ، وَمِثْلُ الْمَوْتِ هَرَبُهُ أَوْ أَسْرُهُ أَوْ غَصْبُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَغْلِبُ كَوْنَهُ نَاشِئًا عَنْ عَدَاءِ الْجَاعِلِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: إلَّا بِتَمَامٍ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَبُّهُ عَلَى التَّمَامِ أَوْ جَاعَلَ عَلَيْهِ أَوْ أَتَمَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ عَبِيدِهِ، فَالْمُرَادُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِالْعَمَلِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَوَّلِ بِنِسْبَةِ عَمَلِ الثَّانِي سَوَاءٌ عَمِلَ الثَّانِي قَدْرَ عَمَلِ الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِثْلُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْأَوَّلِ خَمْسَةً عَلَى حَمْلِ خَشَبَةٍ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَبَلَّغَهَا نِصْفَ الطَّرِيقِ وَتَرَكَهَا، فَجَعَلَ لِلْآخَرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى تَبْلِيغِهَا النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ عَشَرَةً؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنُوبُ فِعْلَ الْأَوَّلِ مِنْ إجَارَةِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا اُسْتُؤْجِرَ نِصْفُ الطَّرِيقِ بِعَشَرَةٍ عَلِمَ أَنَّ قِيمَةَ إجَارَتِهِ يَوْمَ اُسْتُؤْجِرَ عِشْرُونَ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ قَدْ رَضِيَ أَنْ يَحْمِلَهَا جَمِيعَ الطَّرِيقِ بِخَمْسَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا كَانَ عَقْدُ الْجَعَالَةِ مُنْحَلًّا مِنْ جَانِبِ الْمَجْعُولِ لَهُ بَعْدَ الْعَمَلِ فَلَمَّا تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ حَمَلَ نِصْفَ الْمَسَافَةِ صَارَ تَرْكُهُ لَهُ إبْطَالًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ. [قَوْلُهُ: بَهْرَامُ] بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ [قَوْلُهُ: مِثَالُ ذَلِكَ إذَا طَلَبَ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ وَلَا اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي النَّاحِيَةِ الْفُلَانِيَّةِ نَعَمْ إذَا تَعَاقَدَ مَعَ آخَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَيَنْظُرَ إلَيْهِ فِي بَقِيَّةِ النَّوَاحِي وَأَتَى بِهِ يَسْتَحِقُّ بِحَسَبِ فِعْلِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَنْقُدَ بِشَرْطٍ] أَيْ لَا يَشْتَرِطُ النَّقْدَ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ بِالْفِعْلِ لِمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَالْأَجِيرُ عَلَى الْبَيْعِ] أَيْ عَلَى السَّمْسَرَةِ لَا عَلَى الْبَيْعِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ أُجْرَةً إذَا لَمْ يَبِعْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ] الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ الْأُجْرَةُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَبِيعَ أَيْ الْبَيْعَ الْمُتَلَبِّسَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَيَكُونُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ شَهْرًا مَثَلًا وَأَحْضَرَ لَهُ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فَلْيَأْتِهِ بِمَتَاعٍ آخَرَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ أَوْ يَدْفَعَ لَهُ جَمِيعَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَمَلِهِ شَهْرًا قَالَ عج: ثُمَّ إنَّ تَعْيِينَ الْمَبِيعِ يَشْمَلُ تَعَيُّنَهُ بِالشَّخْصِ كَبِعْ لِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الثِّيَابَ أَوْ بِالْعَدِّ كَبِعْ لِي ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبًا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا بِالشَّخْصِ، وَالثَّانِي مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ مِثَالُهُ إلَخْ هـ. [قَوْلُهُ: وَجَبَ لَهُ جَمِيعُ الْأَجْرِ] أَيْ الْمُشْتَرَطِ أَوْ الْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ قَدْ اسْتَوْفِي مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ النِّدَاءُ عَلَى السِّلْعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يُعَرِّفَهُ] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْبَيْعِ

[الكراء وما يتعلق به]

بَاعَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ رُبْعُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ عَلَى التَّدْرِيجِ إلَى أَنْ يَسْتَكْمِلَ الدِّرْهَمَ بِتَعْرِيفِهِ الْأَيَّامَ الْأَرْبَعَةَ. وَإِنْ لَمْ يَبِعْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ الْأَيَّامَ الْأَرْبَعَةَ فَلَهُ أَخْذُ الدِّرْهَمِ كَامِلًا، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ فِي الْجُعَلِ أَجَلٌ وَقَالَ: هُنَا إذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَهَذِهِ مُنَاقَضَةٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُنَاقَضَةَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا فِي الْجُعَلِ، وَمَا قَالَهُ هُنَا فِي الْإِجَارَةِ، وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ فِيمَا لَا تُعْرَفُ غَايَتُهُ إلَّا بِضَرْبِ الْأَجَلِ قَالَهُ ع. (وَالْكِرَاءُ) بِالْمَدِّ لَا غَيْرُ ع: يُسْتَعْمَلُ الْكِرَاءُ فِيمَا لَا يَعْقِلُ، وَالْإِجَارَةُ فِيمَنْ يَعْقِلُ، وَالْكِرَاءُ هُوَ بَيْعُ مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ أَوْ مِلْكُ مَنَافِعَ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومَةٍ (كَالْبَيْعِ فِيمَا يَحِلُّ) يَعْنِي مِنْ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ، وَالْأُجْرَةِ الْمَعْلُومَةِ (وَ) فِيمَا (يَحْرُمُ) يَعْنِي مِنْ جَهْلِ الْأَجَلِ وَنَحْوِهِ، وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ إلَى آخِرِهِ بِمَسْأَلَةِ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا إلَى أَجَلٍ فَإِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَالَ فِيهَا: إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ جَازَ، وَيُؤْخَذُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِرَاءِ، وَالْإِجَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: (وَمَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اكْرِ لِي هَذِهِ الدَّابَّةَ وَيُعَيِّنُهَا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا لِأُسَافِرَ عَلَيْهَا (إلَى بَلَدِ كَذَا) مَثَلًا (فَمَاتَتْ) أَوْ غُصِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ (انْفَسَخَ الْكِرَاءُ فِيمَا بَقِيَ) وَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْخُصُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ التَّعْرِيفُ لِأَجْلِ حُصُولِهِ [قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَجُوزُ إلَخْ] هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا يَفْتَرِقُ فِيهِ الْإِجَارَةُ مِنْ الْجُعْلِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، الثَّانِي: لَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهَا لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ الثَّانِي. الثَّالِثُ: عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ بِخِلَافِهَا تت. [الْكِرَاء وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: بَيْعُ مَنَافِعَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الْإِجَارَةَ، وَكَذَا الَّذِي بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِلْكٌ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمِلْكَ ثَمَرَةُ الْمَبِيعِ فَالْأَظْهَرُ التَّعْرِيفُ الْأَوَّلُ [قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ إلَخْ] بَيَّنَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَى فَوْقِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَجَازَ فِي الْكِرَاءِ تَأْخِيرَ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ إنْ لَمْ يَنْقُدْ اهـ. وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِطَعَامٍ وَبِمَا تُنْبِتُهُ، وَإِنْ غَيْرَ خَشَبٍ، وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْخَشَبِ، وَالْحَلْفَاءِ، وَالْحَشِيشِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَانِعٌ [قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَقْبِضَهَا إلَى أَجَلٍ إلَخْ] أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُكْرِيَ دَابَّتَهُ الْمُعَيَّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَا يَقْبِضُهَا إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ لِيَسْتَوْفِيَ مَنَافِعَهَا. وَقَوْلُهُ: إذَا نَقَدَ أَيْ إذَا اشْتَرَطَ النَّقْدَ نَقَدَ بِالْفِعْلِ أَوَّلًا لَا يُقَالُ تَعْلِيلُ الْمَنْعِ لِلنَّقْدِ وَتَرَدُّدُ الْمَنْقُودِ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ، وَالثَّمَنِيَّةِ لَا يُفِيدُ فَسَادَهُ إلَّا بِالنَّقْدِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ شَرْطُ النَّقْدِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّقْدِ بِشَرْطٍ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا شَهْرًا لِإِفَادَةِ جَوَازِ مَا دُونَهُ كَالْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا، وَمُقَابِلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ، وَلَوْ نَقَدَ [قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ الْفَرْقُ إلَخْ] ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي الدَّابَّةِ بِالِاكْتِرَاءِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاكْتِرَاءَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَقَالَ بَعْدُ: وَكَذَا الْأَجِيرُ فَعَبَّرَ فِي الْعَاقِلِ بِالْأَجِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِلِ فَهِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةِ حَيَوَانٍ يَعْقِلُ [قَوْلُهُ: مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً بِعَيْنِهَا] احْتَرَزَ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ فِي زَمَنٍ إبَّانَ الْكِرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيلِ الْكِرَاءِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ الشُّرُوعِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْإِبَّانِ فَيَكْفِي تَعْجِيلُ نَحْوِ الدِّينَارِ، وَالدِّينَارَيْنِ [قَوْلُهُ: وَيُعَيِّنُهَا بِالْإِشَارَةِ] أَيْ فَلَا بُدَّ فِي كَوْنِهَا مُعَيَّنَةً مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا مَعَ حُضُورِهَا، فَالْمَضْمُونَةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُعَيَّنْ بِهَذَا الْمَعْنَى بِأَنْ قَالَ: أَكَتْرِي مِنْكَ دَابَّةً أَوْ دَابَّتَك، وَلَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً وَمُشَاهَدَةً وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا، وَقَالَ لَهُ: دَابَّتَك الْفُلَانِيَّةَ الْبَيْضَاءَ أَوْ السَّوْدَاءَ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ سِوَاهَا فَلَا تَنْفَعُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهَا وَيَلْزَمُ الْمُكْرِي أَنْ يَأْتِيَ لِلْمُكْتَرِي بِبَدَلِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ غُصِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ] أَيْ أَوْ رَدَّهُ التَّخَوُّفُ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ الْوَادِي أَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ بِهَا دَبْرَةٌ مُنْتِنَةٌ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الرُّكُوبُ مَعَهَا تَحْقِيقُ [قَوْلِهِ: انْفَسَخَ الْكِرَاءُ إلَخْ] وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِالْبَدَلِ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ أَوْ نَقَدَ وَاضْطُرَّ كَمَا إذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرِّضَا بِالْبَدَلِ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فِي مَنَافِعَ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجَدُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. [قَوْلُهُ: بِقِيمَةٍ أُخْرَى إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَعَلَيْهِ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ وَيُعْرَفُ

وَقَدْ يَغْلُو. وَمِنْ قَوْلِهِ: (وَكَذَا الْأَجِيرُ) إجَارَةً ثَابِتَةً فِي عَيْنِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى خِدْمَةِ بَيْتٍ أَوْ رِعَايَةِ غَنَمٍ (يَمُوتُ) فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي بَاقِي الْمُدَّةِ، وَقَيَّدْنَا بِثَابِتَةٍ فِي عَيْنِهِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُؤَاجَرُ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ مِنْ تَرِكَتِهِ (وَ) كَذَا (الدَّارُ تَنْهَدِمُ) كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا أَوْ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ أَوْ أُحْرِقَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ (قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الْكِرَاءِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُدَّةُ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَاةً فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ، وَيُعْطِي بِحِسَابِ مَا سَكَنَ وَقَيَّدْنَا بِكُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ انْهَدَمَ مِنْهَا لَا يَضُرُّ بِالْمُكْتَرِي وَلَا يَنْقُصُ مِنْ كِرَائِهَا كَالشُّرَّافَاتِ فَإِنَّهُ كَالْعَدَمِ، وَلَا قِيَامَ لِلْمُكْتَرِي بِهِ (وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ عَلَى الْحِدَاقِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَنْ يُحَدِّقَ الْمُعَلِّمُ الْقُرْآنَ أَيْ يُحَفِّظَهُ، وَاسْتَعْمَلَ لَا بَأْسَ هُنَا كَالْمُدَوَّنَةِ لِلْإِبَاحَةِ، وَالْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِالْقِيمَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ الْمَسَافَةُ كُلُّهَا فَيُقَالُ: بِكَمْ تُكْرَى هَذِهِ الْمَسَافَةُ؟ فَيُقَالُ: بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يُقَالُ: مَا قِيمَةُ هَذَا الَّذِي سَارَ مِنْهَا؟ فَيُقَالُ: خَمْسَةُ دَنَانِيرَ فَتَنْسُبُهَا مِنْ الْعَشَرَةِ فَتَجِدُهَا نِصْفًا فَيَرْجِعُ عَلَى الْمُكْتَرِي بِنِصْفِ الْكِرَاءِ، وَكَذَا فِي تت وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ وَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى إلَخْ يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ رَأْسًا، وَيُلْتَفَتُ إلَى قِيمَةٍ أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَرْخُصُ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ قَدْ يَكُونُ أَرْخَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ أَزِيدَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يَمُوتُ إلَخْ] أَيْ أَوْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ [قَوْلُهُ: بَلْ يُؤَاجِرُ إلَخْ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَوَلِّي أَمْرَ التَّرِكَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهَا مَنْ يُتِمُّ الْعَمَلَ [قَوْلُهُ: وَكَذَا الدَّارُ تَنْهَدِمُ] أَيْ الْمُعَيَّنَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ] أَيْ أَوْ يَحْصُلُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَبِيرَةٌ أَيْ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَهَطْلٍ أَيْ بِأَنْ صَارَ يَتَتَابَعُ الْمَطَرُ مِنْهَا، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ فَسْخِ الْكِرَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَدْفَعُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا سَكَنَ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَمِرَّ سَاكِنًا وَيَدْفَعُ جَمِيعَ الْكِرَاءِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَبَقِيَ مَا إذَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ وَلَا يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ خِيَارٌ لِلْمُكْتَرِي وَيَلْزَمُهُ السُّكْنَى وَيُحَطُّ عَنْهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ النَّقْصِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَادِثَ فِي الدَّارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. رَابِعُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَالشُّرَّافَاتِ. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ مَا لَوْ طَلَبَ الْمُكْتَرِي مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يُصْلِحَهَا لَهُ بَعْدَ حُصُولِ انْهِدَامِهَا، وَالْحُكْمُ عَدَمُ الْجَبْرِ، وَلَوْ كَانَ الِانْهِدَامُ يَضُرُّ بِالسَّاكِنِ وَخِيرَتُهُ تَنْفِي ضَرَرَهُ فَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهَا فَيُحْمَلُ عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ مَنْقُوضًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ أَنْقَاضِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ وَقْفًا فَيَلْزَمُ الْمُكْرِيَ الْإِصْلَاحُ لِحَقِّ الْوَقْفِ. وَإِنْ أَصْلَحَهَا الْمُكْتَرِي مِنْ مَالِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ قَائِمًا، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ النَّاظِرُ حَيْثُ أَصْلَحَ مَا يَحْتَاجُ لِلْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، وَيَنْبَغِي أَخْذُ النَّفَقَةِ مِنْ فَائِضِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَمِنْ غَلَّتِهِ الْمُسْتَقْبَلَةِ. [قَوْلُهُ: مُشَاهَرَةً] أَيْ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُسَانَاةً أَيْ كَكُلِّ سَنَةٍ بِكَذَا وَمِثْلُ ذَلِكَ مُيَاوَمَةً كَكُلِّ يَوْمٍ بِكَذَا، وَضَابِطُ ذَلِكَ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَالْكِرَاءُ فِيهِ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا بِقَدْرِ مَا نُقِدَ، وَمُقَابِلُ ذَلِكَ الْوَجِيبَةُ وَهِيَ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهِ مَحْدُودَةً كَسَنَةِ كَذَا، وَالْكِرَاءُ فِيهَا لَازِمٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ. وَظَاهِرُ الشَّرْحِ عَدَمُ انْفِسَاخِ الْكِرَاءِ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، وَيُرَادُ بِالْمُشَاهَرَةِ مَا كَانَتْ الْمُدَّةُ فِيهَا غَيْرَ مَحْدُودَةٍ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ شَهْرٍ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ] أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّةَ تَنْفَسِخُ أَيْ الْكِرَاءُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: كَالشُّرَّافَاتِ] أَيْ إذَا كَانَتْ الشُّرَّافَاتُ لَا تُنْقَصُ؛ لِأَنَّ مِنْ الشُّرَّافَاتِ مَا يُنْقَصُ هَدْمُهُ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى الشُّرَّافَاتِ الَّتِي لَا تُنْقَصُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ [قَوْلُهُ: بِتَعْلِيمِ الْمُعَلِّمِ] أَيْ الْقُرْآنَ بِأُجْرَةٍ عَلَى الْحِدَاقِ أَيْ عَلَى الْحِفْظِ لِلْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ غَيْبًا أَوْ فِي الْمُصْحَفِ قَوْلُهُ: وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ك

أَنَّهُ يَجُوزُ لِمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ أَنْ يُجَاعِلَ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَتَحَدَّقُوا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ كَرِهَ مَالِكٌ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ لَا مَحَالَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَإِنَّهَا مَظْعُونَةٌ يَجُوزُ فِيهَا الْخِلَافُ، فَكَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ النَّحْوِ، وَالْأُصُولِ وَنَحْوِهِمَا (وَ) كَذَلِكَ (لَا) بَأْسَ (بِمُشَارَطَةِ) أَيْ بِمُجَاعَلَةِ (الطَّبِيبِ عَلَى الْبُرْءِ) حَتَّى يَبْرَأَ، وَهِيَ عَلَى أَقْسَامٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ مِنْهَا مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَالْأَدْوِيَةُ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَالْأَدْوِيَةُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ (وَلَا يُنْتَقَضُ) بِمَعْنَى لَا يَنْفَسِخُ (الْكِرَاءُ بِمَوْتِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّاكِنِ) ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْتَأْجَرِ بَاقِيَةٌ وَتُكْرِي الْوَرَثَةُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُنْتَقَضُ الْكِرَاءُ (بِمَوْتِ غَنَمِ الرِّعَايَةِ) وَلْيَأْتِ بِمِثْلِهَا. ك: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْ الصِّحَاحِ، وَالْقَامُوسِ أَنَّهُ بِالْمُعْجَمَةِ، وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّهُ بِالْمُهْمَلَةِ تَابِعٌ فِيهِ لِلشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَهُوَ غَرِيبٌ. قَالَ الْحَطَّابُ: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الصِّحَاحِ حَذَقَ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ، وَالْعَمَلَ يَحْذِقُهُ حَذْقًا وَحِذْقًا إذَا مَهَرَ فِيهِ وَحَذِقَ بِالْكَسْرِ حِذْقًا لُغَةٌ فِيهِ هـ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْذِقَ الْمُعَلَّمُ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالْمُعَلَّمُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَاعِلُ يَحْذِقُ. وَقَوْلُهُ: أَيْ يَحْفَظُهُ أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَكَذَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مُشَاهَرَةً أَيْ قِرَاءَتِهِ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ حِفْظٍ، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُشَاهَرَةِ، وَالْحُذَّاقِ عَلَى الْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَحَدَّقُوا] بِيَاءٍ وَتَاءٍ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالْمُنَاسِبُ حَتَّى يَحْدِقُونَ بِحَذْفِ التَّاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ] . وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: لَا يَجُوزُ عَلَى التَّعْلِيمِ إلَّا مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مُشَاهَرَةً أَوْ غَيْرَهَا [قَوْلُهُ: كِتَابُ اللَّهِ] أَيْ تَعْلِيمُ كِتَابِ اللَّهِ [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] وَأَيْضًا تَعْلِيمُ الْفِقْهِ بِأُجْرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، وَأَيْضًا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِ يُؤَدِّي إلَى تَقْلِيلِ طَالِبِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى تَعْلِيمِ النَّحْوِ] وَأَمَّا الْأَخْذُ عَلَى تَعْلِيمِ عِلْمِ الْفَرَائِضِ كَالْمُنَاسَخَاتِ فَهُوَ جَائِزٌ [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُجَاعَلَةِ] صَرِيحٌ فِي كَوْنِهَا جَعَالَةً فَيُنَافِي التَّمْثِيلَ فَإِنَّ الْمِثَالَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَا الْجَعَالَةِ فَجَعْلُهَا جَعَالَةً تَسْمَحُ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَبْرَأَ أَيْ عِلَاجُهُ حَتَّى يَبْرَأَ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَهُ إلَخْ] فَإِنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَبَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ كُلُّهَا، وَإِنْ بَرِئَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ لِاحْتِمَالِ الْبُرْءِ أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ سَلَفًا [قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ] بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَحُكْمُ هَذِهِ كَالْأُولَى إنْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَبَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ، وَإِنْ بَرِئَ فِي نِصْفِ الْأَجَلِ فَلَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ. قُلْت:، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْجَوَازُ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ اجْتِمَاعُ بَيْعٍ وَهُوَ ثَمَنُ الدَّوَاءِ وَإِجَارَةٍ وَهُوَ جَائِزٌ، وَمِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أُعَاقِدُكَ بِكَذَا عَلَى عِلَاجِ هَذَا الْمَرِيضِ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ بَرِئَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالدَّوَاءُ مِنْ الطَّبِيبِ. فَقِيلَ: يَجُوزُ وَقِيلَ لَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةُ الْمُنَاسِبِ حَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَا كَمَا فَعَلَ بَعْضٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى الْبُرْءِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالْبُرْءِ وَهِيَ مَا إذَا عَاقَدَهُ عَلَى الْبُرْءِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ أَخَذَهَا الطَّبِيبُ وَإِلَّا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، وَالدَّوَاءُ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ الطَّبِيبِ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَرِئَ الْعَلِيلُ يَدْفَعْ الْأُجْرَةَ وَثَمَنَ الدَّوَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ يَدْفَعْ قِيمَةَ الدَّوَاءِ وَلَمْ يَجُزْ لِأَدَائِهِ إلَى اجْتِمَاعِ جُعَلٍ وَبَيْعٍ. [قَوْلُهُ: بِمَوْتِ الرَّاكِبِ] أَوْ تَعَذُّرِهِ لِسَفِينَةٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلَوْ كَانَ الرَّاكِبُ عَرُوسًا تُزَفُّ عَلَى الْمَرْكُوبِ فِي زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكِرَاءُ إنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ عُذْرٍ، وَإِلَّا لَزِمَ الْكِرَاءُ، وَالْمُكْتَرِي أَنْ يُكْرِيَهَا فِي مِثْلِهِ [قَوْلُهُ: وَتُكْرِي الْوَرَثَةُ] أَيْ وَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ تُكْرِيَ فَتَأَمَّلْ [قَوْلُهُ: بِمَوْتِ غَنَمِ الرِّعَايَةِ] لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا إذَا آجَرَهُ عَلَى رِعَايَةِ الْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أَوْ الْخَيْلِ أَوْ الْبِغَالِ أَوْ الْحَمِيرِ أَوْ الْإِوَزِّ أَوْ الدَّجَاجِ أَوْ غَيْرِهَا الْحُكْمُ كَمَا قَالَ. [قَوْلُهُ:

يَأْتِي بِمِثْلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ خُلْفَهَا وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا حَتَّى يَشْتَرِطَ وَهُوَ نَصٌّ لَهُ فِي الْجُعَلِ، وَالْإِجَارَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ (وَمَنْ اكْتَرَى كِرَاءً مَضْمُونًا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: اكْرِ لِي دَابَّةً لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا كَذَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا (فَمَاتَتْ الدَّابَّةُ فَلْيَأْتِ بِغَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذِهِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَ الرَّاكِبُ لَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ) مُكَرَّرٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلْيَكْتَرُوا مَكَانَهُ غَيْرَهُ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً وَنَقَدَ كِرَاهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ بَلْ تُكْرِي وَرَثَتُهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ الدَّابَّةَ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْقَدْرِ، وَالْحَالِ، وَلَا يُكْرُونَهَا لِمَنْ هُوَ بَادِنٌ أَعْظَمُ مِمَّنْ مَاتَ عَنْهَا. ج، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ فَلَا يُكْرُونَهَا إلَّا لِرَجُلٍ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلْيَأْتِ بِمِثْلِهَا إلَخْ] فَإِنْ لَمْ يَأْتِ دَفَعَ جَمِيعَ الْأَجْرِ. وَقَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ أَيْ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَلَفِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ جَمِيعِ الْأَجْرِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ شَيْئًا وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا شَرْطَ الْخَلَفِ، وَأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِ إنَّمَا هُوَ لِلُّزُومِ الْخَلْف وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى رِعَايَةِ الْغَنَمِ الْمُعَيَّنَةِ إلَّا إذَا شَرَطَ الْخَلَفَ وَإِلَّا فَسَدَ كَمَا تُفِيدُهُ الْمُدَوَّنَةُ وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى رِعَايَةِ غَنَمٍ مُعَيَّنَةٍ إلَّا بِشَرْطِ أَنَّ كُلَّ مَا مَاتَ مَثَلًا يُخْلِفُهُ رَبُّهُ وَإِلَّا فُسِخَ وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ حَيْثُ اطَّلَعَ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ كَأَنْ يَتَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى رِعَايَةِ عِشْرِينَ نَعْجَةً مَثَلًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْخَلَفُ وَيَدْفَعُ رَبُّهَا جَمِيعَ الْكِرَاءِ، أَوْ يَأْتِي بِالْخَلَفِ وَقَوْلُهُ: بِمِثْلِهَا أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ إذَا أَتَى بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَتَى بِمَعْزٍ لِمَا فِي رَعْيِهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ الْأَوْلَادِ إلَّا لِعُرْفٍ، وَحَيْثُ انْتَفَى لَزِمَ رَبَّهَا الْإِتْيَانُ بِرَاعٍ لَهَا وَرَعَاهَا وُجُوبًا مَعَ الْأُمَّهَاتِ؛ لِأَنَّ رَعْيَهَا بِدُونِ أُمَّهَاتِهَا يُتْعِبُ رَاعِيَ الْأُمِّ، فَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ أَشْخَاصًا وَلَا عَدَدًا كَأَنْ تَرْعَى لِي غَنَمًا فَجَائِزٌ وَأَتَى لَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَى رَعْيِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ جَمِيعَ مَنْفَعَتِهِ، وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا، وَلَوْ قَدَرَ فَإِنْ فَعَلَ كَانَ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْغَنَمِ، وَكَذَا فِي الْمُعَيَّنَةِ عِنْدَ شَرْطِ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا غَيْرَهَا وَإِلَّا فَلَهُ رَعْيُ الْغَيْرِ أَوْ بِشَرِيكٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلرَّاعِي أَنْ يَأْتِيَ بِبَدَلِهِ حَيْثُ كَانَ مُعَيَّنًا إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ عُرْفٍ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ بِشَرْطٍ حَيْثُ مَاتَتْ أَوْ سُرِقَتْ إلَّا لِتَقْصِيرٍ وَقَبْلَ قَوْلِهِ بِيَمِينٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَ مِنْهَا وَادَّعَى خَوْفَ مَوْتِهِ، وَهَذَا فِي رَاعٍ كُلِّفَ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: كِرَاءً مَضْمُونًا] هُوَ مَا قَابَلَ الْمُعَيَّنَ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ فِي الْمَضْمُونَةِ حَتَّى يَصِحَّ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهَذِهِ الْعَيْنِ] إلَّا أَنَّ الْمُكْرِيَ إذَا أَتَى بِدَابَّةٍ لِلْمُكْتَرِي وَرَكِبَهَا لَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ بِرُكُوبِهِ عَلَيْهَا اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهَا حَتَّى لَوْ فَلَّسَ الْمُكْرِي بَعْدَ قَبْضِهَا يَكُونُ الْمُكْتَرِي أَحَقَّ بِهَا إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمُعَيَّنَةِ بِرُكُوبِهِ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَهَذِهِ فِي الْمَضْمُونَةِ [قَوْلُهُ: وَلْيَكْتَرُوا] صَوَابُهُ لِيَكْرُوا كَمَا قَالَهُ تت [قَوْلُهُ: دَابَّةً] أَيْ أَوْ سَفِينَةً [قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ] وَهُوَ الْحَاكِمُ عِنْدَ فَقْدِهِمْ [قَوْلُهُ: لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ] وَأَوْلَى دُونَهُ [قَوْلُهُ: وَالْحَالِ] عَطْفُ مُرَادِفٍ. [قَوْلُهُ: هُوَ بَادِنٌ] أَيْ عَظِيمُ الْبَدَنِ لِكَثْرَةِ لَحْمِهِ، وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْمُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ بُدَّنٌ مِثْلُ رَاكِعٍ وَرُكَّعٍ. وَقَوْلُهُ: أَعْظَمُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِبَادِنٍ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ احْتَرَزَ عَنْ بَادِنٍ مِثْلِهِ أَوْ دُونِهِ فَيَجُوزُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ فَلَا يَكْرُونَهَا إلَّا لِرَجُلٍ] ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ نَحِيفَةً جِدًّا، وَالرَّجُلُ بَادِنًا جِدًّا وَانْظُرْهُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ عِنْدَ عَقْدِ الْكِرَاءِ بَلْ يَصِحُّ عَقْدُ الْكِرَاءِ مُدَّةً عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّقِيلُ وَلَا الْمَرِيضُ وَلَا مَعْرُوفٌ بِكَثْرَةِ نَوْمٍ أَوْ بِعَقْرِ الدَّوَابِّ. فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى حَمْلِ آدَمِيٍّ وَأَتَى لَهُ بِامْرَأَةٍ لَزِمَهُ حَمْلُهَا حَيْثُ لَمْ تَكُنْ ثَقِيلَةً وَأَمَّا عَلَى حَمْلِ رَجُلٍ فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَرْأَةُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا رَجُلٌ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ وَقَعَ عَقْدُ الْكِرَاءِ عَلَى رَجُلٍ.

أَثْقَلُ عَلَى الْبَهِيمَةِ لِرِخْوِ عُضْوِهَا وَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ (وَمَنْ اكْتَرَى مَاعُونًا) كَالْفَأْسِ (أَوْ غَيْرَهُ) كَالثَّوْبِ، وَالدَّابَّةِ (فَ) أَنَّهُ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي هَلَاكِهِ بِيَدِهِ وَهُوَ مُصَدَّقٌ) فِي تَلَفِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا اسْتَأْجَرَهُ (إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ) فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هَلَكَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ تُرَى بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَمَفْهُومُ بِيَدِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْغَيْرِ يَضْمَنُ. (وَالصُّنَّاعُ) الَّذِينَ نَصَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلصَّنْعَةِ الَّتِي مَعَاشُهُمْ مِنْهَا كَالْخَيَّاطِينَ (ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ) أَيْ ضَامِنُونَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ فِيمَا عَمِلُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ أَوْ حَوَانِيتِهِمْ (عَمِلُوهُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ) وَبِهَذَا قَضَى الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَضْمَنُوا وَيُصَدَّقُوا فِيمَا يَدَّعُونَ مِنْ التَّلَفِ لَسَارَعُوا إلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ وَاجْتَرَءُوا عَلَى أَكْلِهَا، ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ مَالِكًا كَثِيرًا مَا يَبْنِي مَذْهَبَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ يُقْتَلُ ثُلُثُ الْعَامَّةِ لِإِصْلَاحِ الثُّلُثَيْنِ. الْمَازِرِيُّ: وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَالَ تت: وَعَلَى الْمُكْرِي تَسْلِيمُ مَا الْعَادَةُ تَسْلِيمُهُ مَعَهَا مِنْ إكَافٍ وَبَرْذَعَةٍ وَحِزَامٍ وَسَرْجٍ فِي الْفَرَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ كَالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: كَالْفَأْسِ] الْمَاعُونُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَنَافِعِ الْبَيْتِ كَقِدْرٍ وَفَأْسٍ وَقَصْعَةٍ وَمُنْخُلٍ وَقُفَّةٍ وَنَحْوِهَا. [قَوْلُهُ: فِي تَلَفِهِ] أَيْ أَوْ ضَيَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ وَعَلَى تَصْدِيقِهِ فَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا أَوْ يَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَقْوَالٌ. تت: وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَرْجِيحُهُ، وَإِذَا ادَّعَى ضَيَاعَهُ قَبْلَ الِانْتِفَاعِ بِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُجْرَةُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُصَدَّقُ، وَالْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُصَدَّقُ وَيُصَدَّقُ فِي الضَّيَاعِ كَالرَّدِّ إذَا قَبَضَهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ يَدِهِ] أَيْ بِأَنْ أَكْرَاهُ الْمُكْتَرِي لِغَيْرِهِ وَادَّعَى تَلَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ إنْ أَكْرَاهُ لِغَيْرِ أَمِينٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْرَاهُ لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْأَمَانَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ إذَا أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ أَثْقَلُ مِنْهُ أَوْ أَضَرُّ وَهُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِي الثِّقَلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْأَمَانَةِ، وَإِذَا أَكْرَى لِغَيْرِ أَمِينٍ فَلِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُكْتَرِيَ الثَّانِيَ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَ التَّلَفُ بِسَبَبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ فِي الْمُكْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ وَكَانَ غَيْرَ عَالِمٍ، وَكَذَا إنْ عَلِمَ بِالتَّعَدِّي، وَلَوْ كَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّعَدِّي وَلَمْ يَكُنْ التَّلَفُ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنْ عَلِمَ بِأَنَّهَا فِي يَدِ مَنْ أَكْرَاهَا بِكِرَاءٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي عَدَمِ الْمُكْتَرِي الْأَوَّلِ، وَأَمَّا إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَحُكْمُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِكْرَاءِ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ الْجَوَازُ إذَا كَانَ دَارًا، وَالْمَنْعُ إذَا كَانَ ثَوْبًا وَخِلَافٌ فِي الدَّابَّةِ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: نَصَبُوا أَنْفُسَهُمْ لِلصَّنْعَةِ] أَيْ لِعَامَّةِ النَّاسِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّانِعِ الْخَاصِّ لِجَمَاعَةٍ [قَوْلُهُ: ضَامِنُونَ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ] أَيْ مِنْ مَصْنُوعِهِمْ احْتِرَازًا مِنْ غَيْرِهِ كَظَرْفِ الْمَصْنُوعِ كَقُفَّةِ الطَّحْنِ وَجَفِيرِ السَّيْفِ يُدْفَعُ مَعَ السَّيْفِ ثُمَّ يَدَّعِي ضَيَاعَ مَا ذُكِرَ فَيَضْمَنُ الْقَمْحَ، وَالسَّيْفَ دُونَ الْقُفَّةِ، وَالْجَفِيرِ، وَلَوْ كَانَ الْمَصْنُوعُ يَحْتَاجُ لَهُمَا. وَقَوْلُهُ: لَمَّا غَابُوا عَلَيْهِ أَيْ وَهُوَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّنْعَةِ تَغْرِيرٌ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ، فَإِذَا دَفَعَ شَخْصٌ غُلَامَهُ لِمَنْ يُعَلِّمُهُ وَقَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ وَغَابَ عَلَيْهِ وَادَّعَى هُرُوبَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ أَوْ كَانَ فِيهَا تَغْرِيرٌ كَثَقْبِ اللُّؤْلُؤِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَحَرْقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ [قَوْلُهُ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُمْ] أَيْ لِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَصْنُوعٍ يَوْمَ دَفْعِهِ. قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لِرَبِّهِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَدْفَعُ الْأُجْرَةَ وَآخُذُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إلَّا أَنْ يُقِرَّ الصَّانِعُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَ الْعَمَلِ [قَوْلُهُ: فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا] أَيْ: سُكُوتِيًّا [قَوْلُهُ: وَاجْتَرَءُوا عَلَى أَكْلِهَا] بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: أَبُو الْمَعَالِي هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَالْمَعَالِي] كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ جَمْعُ مَعْلَاةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَكْسَبُ الشَّرَفِ [قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَقْتُلُ ثُلُثَ الْعَامَّةِ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَحَلُّهُ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ مُفْسِدُونَ بِارْتِكَابِ أَمْرٍ لَا يَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يُوجِبُ الْقَتْلَ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَخْرِيبِ أَمَاكِنِ النَّاسِ وَلَا

عَنْ مَالِكٍ صَحِيحٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَشْهَبَ خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ ضَامِنُونَ، وَلَوْ شَرَطُوا عَدَمَ الضَّمَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَمَّا غَابُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَوْ عَمِلُوهُ فِي بَيْتِ رَبِّ السِّلْعَةِ أَوْ كَانَ رَبُّهَا مُلَازِمًا لَهُمْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْحَمَّامِ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ الْمُكْرِي لَا حَارِسُ الثِّيَابِ، وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُفَرِّطَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَرَّرَ ع وَق كَلَامَهُ بِعَكْسِ هَذَا. وَلَفْظُ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْحَمَّامِ حَارِسُ الثِّيَابِ سَوَاءٌ كَانَ يَحْرُسُهَا بِأُجْرَةٍ أَوْ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَهَذَا إذَا سُرِقَتْ أَوْ تَلِفَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُهَا فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا فَأَعْطَيْتهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَكَذَا إذَا قَالَ: رَأَيْت مَنْ أَخَذَهَا فَظَنَنْت أَنَّهُ صَاحِبُهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ، وَهِيَ قَوْلَةُ لِمَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اهـ. (وَ) كَذَا (لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ السَّفِينَةِ) إذَا غَرِقَتْ مِنْ مَدٍّ أَوْ عِلَاجٍ أَوْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ يُرِيدُ إلَّا فِيمَا حُمِلَ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْإِدَامِ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْصُلُ انْزِجَارُهُمْ لَا بِحَبْسِهِمْ وَلَا بِضَرْبِهِمْ إلَّا بِقَتْلِ ثُلُثِهِمْ هَذَا مَحَلُّ الْجَوَازِ. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِلْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ: ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يُخَيَّرُ فِي تَعْيِينِ الثُّلُثِ مِنْ جَمْعِ الْمُفْسِدِينَ مَعَ نَظَرِهِ بِالْمَصْلَحَةِ فِيمَنْ هُوَ أَشَدُّ فَسَادًا مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ لَوْ كَانَ لَا يَحْصُلُ إصْلَاحُ الْمُفْسِدِينَ إلَّا بِقَتْلِ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمُفْسِدِينَ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ ارْتِكَابِهِ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ اهـ. [قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْقَاسِمِ] كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا ضَمَانَ حِينَئِذٍ وَلَا أُجْرَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَتَاعِ لِرَبِّهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطُوا عَدَمَ الضَّمَانِ] أَيْ وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: لَوْ عَمِلُوهُ فِي بَيْتِ رَبِّ السِّلْعَةِ] أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ حَضْرَتِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمَانَ مَشْرُوطٌ بِالْغَيْبَةِ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَأَلَّا تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَأَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلصَّنْعَةِ الْعَامَّةِ، وَأَلَّا يَكُونَ فِي الصَّنْعَةِ تَغْرِيرٌ، وَبَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ أَلَّا يَكُونَ الصَّانِعُ أَحْضَرَهُ لِرَبِّهِ مَصْنُوعًا عَلَى الصَّنْعَةِ الْمَطْلُوبَةِ، وَيَتْرُكُهُ رَبُّهُ اخْتِبَارًا فَيَضِيعُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ حَيْثُ كَانَ الْإِحْضَارُ بَعْدَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْضَرَهُ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ أَوْ ادَّعَاهُ لِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارٍ أَوْ أَبْقَاهُ عِنْدَهُ حَتَّى يَقْبِضَ أُجْرَتَهُ فَيَضْمَنُهُ. [قَوْلُهُ: وَقَرَّرَ ابْنُ عُمَرَ] مَا قَرَّرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ يَحْرُسُهَا بِأُجْرَةٍ] كَانَ الْحَارِسُ أَجْنَبِيًّا أَوْ كَانَ رَبَّ الْحَمَّامِ، وَمِثْلُ حَارِسِ الْحَمَّامِ غَيْرُهُ مِنْ حَارِسِ الْكُرُومِ، وَالدُّورِ وَغَيْرِهَا، فَالْخُفَرَاءُ فِي الْحَارِثِ، وَالْأَسْوَاقِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّطُوا وَإِلَّا ضَمِنُوا كَذَا قَالَ جَدُّ عج. وَأَمَّا عج فَكَانَ يُقَرِّرُ مَا نَقَلَهُ تت فِي شَرْحِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ الْآنَ تَضْمِينُ الْخُفَرَاءِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَضْمَنُ] ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ ثِيَابَهُ عَلَى الْأُجْرَةِ وَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ الرِّهَانِ. قَالَهُ عج، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ حَتَّى فِي حَالَةِ عَدَمِ الضَّمَانِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الصُّنَّاعِ حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا كَمَا سَبَقَ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّهُ لِانْتِفَاعِ الْمُغْتَسِلِ هُنَا بِالْمَاءِ، وَمَا يُوَارِي الْعَوْرَةَ إذْ الْأُجْرَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا يُقَابِلُ ذَلِكَ لَا فِي الْحِرَاسَةِ بَلْ وَلَوْ جَعَلَ لَهُ الْأُجْرَةَ عَلَى حِرَاسَتِهِ اهـ. كَذَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. تَتِمَّةٌ: كُلُّ مَنْ قِيلَ بِضَمَانِهِ مِنْ صَانِعٍ أَوْ حَارِسٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ سَرِقَةٌ إذَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا ضَمِنَهُ ثُمَّ وُجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ لَا لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ عِنْدَهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ مِلْكِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ] أَيْ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلَا ضَمَانَ [قَوْلُهُ: عَلَى صَاحِبِ السَّفِينَةِ] الْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ النُّوتِيَّ الَّذِي يَخْدُمُ فِيهَا أَيْ لَا يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَا النَّفْسَ إذَا غَرِقَتْ بِفِعْلٍ سَائِغٍ وَإِلَّا ضَمِنَ الْمَالَ، وَالدِّيَةَ

[الشركة وما يتعلق بها من أحكام]

يَضْمَنُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ أَوْ يَصْحَبَهُ رَبُّهُ فَلَا ضَمَانَ (وَلَا كِرَاءَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ السَّفِينَةِ (إلَّا عَلَى الْبَلَاغِ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي السُّفُنِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْجُعْلِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ الْمَطْلُوبُ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأُجْرَةَ وَقِيلَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِحِسَابِ مَا سَارَ. وَاسْتُظْهِرَ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْكِرَاءِ إلَى الْإِجَارَةِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهِ إلَى الْجُعَلِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ مَعْلُومَةٌ، وَالْأُجْرَةَ مَعْلُومَةٌ فَيَكُونُ لَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الشِّرْكَةِ فَقَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالشِّرْكَةِ بِالْأَبْدَانِ) بَعْضُهُمْ لَمْ يُثْبِتْ فِيهَا إلَّا كَسْرَ الشِّينِ وَسُكُونَ الرَّاءِ. وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَهِيَ إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ مَعَ نَفْسِهِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ دَلِيلُهَا مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ زُهْرَةَ بْنَ مَعْبَدٍ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيَقُولَانِ لَهُ: أَشْرِكْنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ دَعَا لَك بِالْبَرَكَةِ فَيُشْرِكَهُمَا فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَالِهِ هَذَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُمْ وَإِلَّا قُتِلَ بِهِمْ. [قَوْلُهُ: مِنْ مَدٍّ] أَيْ زِيَادَةِ الْبَحْرِ [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا حُمِلَ إلَخْ] هَكَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ نَاجِي لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمُؤَلِّفِ، وَالْمُدَوَّنَةِ، وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تت وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ الْغَرَضُ] أَيْ إذَا غَرِقَتْ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ جَمِيعُ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لَوْ لِرَبِّهَا، وَأَمَّا لَوْ غَرِقَ الْبَعْضُ وَسَلِمَ الْبَعْضُ الْآخَرُ وَاسْتَأْجَرَ رَبُّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ كِرَاءَ مَا بَقِيَ إلَى مَحَلِّ الْغَرَقِ عَلَى حَسَبِ الْكِرَاءِ الْأَوَّلِ لَا بِنِسْبَةِ الثَّانِي وَلَيْسَ لَهُ كِرَاءُ مَا ذَهَبَ بِالْغَرَقِ، وَأَمَّا لَوْ غَرِقَتْ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا تَمَكَّنَ رَبُّ الشَّيْءِ مِنْ إخْرَاجِ مَا فِيهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْكِرَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ] مَوْضِعُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا غَرِقَتْ كُلُّهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّحْقِيقِ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ [الشَّرِكَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ أَحْكَام] [قَوْلُهُ: إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ] الْأَوْلَى الشَّخْصَيْنِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ شَرِيكَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّرْكَةِ، فَقَوْلُ: إذْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّخْصَيْنِ لِصَاحِبِهِ أَخْرَجَ الْوَكَالَةَ، وَالْقِرَاضَ. وَقَوْلُهُ: مَعَ نَفْسِهِ أَخْرَجَ الْقِرَاضَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ تَصَرَّفْ فِي هَذَا الْمَالِ وَحْدَك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِي وَلَك بِشَرْطِ أَلَّا أَتَصَرَّفَ مَعَك، وَيَقُولُ لَهُ الْآخَرُ: تَصَرَّفْ فِي هَذَا الْمَالِ لِي وَلَك، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا وَلَا أَتَصَرَّفُ مَعَك فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّخْصَيْنِ لِصَاحِبِهِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ لَكِنْ لَيْسَ مَعَ نَفْسِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: زُهْرَةَ] قَالَ. فِي التَّقْرِيبِ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ [قَوْلُهُ: ابْنَ مَعْبَدٍ] بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ. [قَوْلُهُ: جَدُّهُ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ. وَقَوْلُهُ: فَيَقُولَانِ لَهُ أَيْ لِجَدِّهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ. وَقَوْلُهُ: أَشْرِكْنَا بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ اجْعَلْنَا شَرِيكَيْنِ لَك فِي الطَّعَامِ الَّذِي اشْتَرَيْته [قَوْلُهُ: دَعَا لَك] أَيْ لِأَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ حُمَيْدٍ «ذَهَبَتْ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ أَيْ عَاقِدْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: هُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ» . فَقَوْلُهُ: بِالْبَرَكَةِ أَيْ فِي مَالِكَ وَأَحْوَالِك وَأَعْمَالِك. وَقَوْلُهُ: فَيَشْرَكُهُمَا بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَالرَّاءِ. وَقَوْلُهُ: أَصَابَ أَيْ مِنْ الرِّبْحِ وَرُبَّمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّقْلِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا لِلتَّكْثِيرِ، وَالثَّانِي أَشْبَهُ بِالسِّيَاقِ، وَالرَّاحِلَةُ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ الْمُخْتَارُ لِلرُّكُوبِ الذَّكَرُ أَوْ الْأُنْثَى فَهَاؤُهَا لِلْمُبَالَغَةِ. وَقَوْلُهُ: كَمَا هِيَ أَيْ جَمِيعُهَا، ثُمَّ يَحْتَمِلُ الْمُرَادُ نَفْسُهَا أَوْ مَحْمُولُهَا وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَيْءٌ كَثِيرٌ أَوْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْبَرَكَةِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ كَثِيرًا مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ مَا يُسَاوِي الشَّيْءَ الْكَثِيرَ جِدًّا وَهُوَ قِيمَةُ تِلْكَ الرَّاحِلَةِ أَوْ مَحْمُولِهَا بَلْ أَوْ هُمَا مَعًا، بَلْ هَذَا هُوَ الْأَكْثَرُ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْضِ الْوَاسِعِ مِنْ شَرْحِهِ الْمِشْكَاةِ لِابْنِ حَجَرٍ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الشِّرْكَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ لَا الشِّرْكَةِ الْمُبَوَّبِ لَهَا الْمَعْرِفَةُ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.

[أركان الشركة]

إلَى الْمَنْزِلِ، وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى جَوَازِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَقِيلَ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا حَتَّى يَحْصُلَ الْخَلْطُ. وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَيُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، وَأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ مَعَ غَيْرِهِ فَكُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَيَتَوَكَّلَ جَازَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ، وَمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُشَارَكَةٌ كَالْعَبْدِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. الثَّانِي: الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ فَيَكْفِي قَوْلُهُمْ: اشْتَرَكْنَا إذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ عُرْفًا، وَكَذَا خَلْطُ الْمَالَيْنِ، وَالْعَمَلُ بِهِمَا. الثَّالِثُ: الْمَحَلُّ وَهُوَ الْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ وَتَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ] أَيْ لِأَنَّهَا قَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ مَثَلًا [قَوْلُهُ:، وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] هَذَا ظَاهِرٌ فِي شِرْكَةِ الْأَمْوَالِ فَقَطْ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَحْصُلَ الْخَلْطُ إلَخْ] هَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [أَرْكَان الشَّرِكَة] [قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهَا إلَخْ] أَرَادَ بِالرُّكْنِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْأَرْكَانَ إنَّمَا هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي شِرْكَةِ الْأَمْوَالِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَعَ غَيْرِهِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهُ مُشَارَكَةٌ كَالْعَبْدِ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ مُشَارَكَةُ عَبْدٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا سَفِيهٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَتَوَكُّلِهِ عَلَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ مُرَجَّحَتَيْنِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَحْجُورِ الزَّوْجَةُ فَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي لَوَازِمِ عِصْمَتِهَا، وَأَوْرَدَ شِرْكَةَ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ، وَشِرْكَةَ الذِّمِّيِّ لِمُسْلِمٍ لِصِحَّةِ شِرْكَتِهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ تَوَكُّلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ، وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ لَكِنَّ جَوَازَهَا فِي الْأَوَّلِ بِلَا قَيْدٍ، وَفِي الثَّانِي بِقَيْدِ حُضُورِ الْمُسْلِمِ لِتَصَرُّفِ الْكَافِرِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ وَقْتَ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فَلَا يَجُوزُ. وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَ لِلْمُسْلِمِ شَكٌّ فِي عَمَلِ الذِّمِّيِّ بِالرِّبَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] ، وَإِنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ نُدِبَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِرِبْحِهِ وَرَأْسِ الْمَالِ جَمِيعًا لِوُجُوبِ إرَاقَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ حَلَالٍ، وَإِنْ تَحَقَّقَ عَمَلُهُ بِالرِّبَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ فَقَطْ، وَإِنْ تَحَقَّقَ تَجْرُهُ بِخَمْرٍ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّصَدُّقُ بِرَأْسِ مَالِهِ، وَالرِّبْحِ مَعًا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ بَيْنَ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَتَوَكُّلُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ يَجْتَمِعَانِ فِي حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ رَشِيدٍ غَيْرِ عَدُوٍّ وَلَا كَافِرٍ، وَيَنْفَرِدُ التَّوْكِيلُ فِي عَدُوٍّ وَكَافِرٍ فَإِنَّهُمَا أَهْلُهُ دُونَ التَّوَكُّلِ، وَيَنْفَرِدُ التَّوَكُّلُ فِي مَحْجُورٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ عَلَى إحْدَى طَرِيقَتَيْنِ دُونَ التَّوْكِيلِ [قَوْلُهُ: الدَّالَّةُ عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ] الشِّرْكَةُ هِيَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالصِّيغَةُ مِنْ أَرْكَانِهَا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: الثَّانِي الصِّيغَةُ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ إلَخْ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الشِّرْكَةِ [قَوْلُهُ: فَيَكْفِي قَوْلُهُمْ اشْتَرَكْنَا] أَيْ الَّذِي هُوَ الصِّيغَةُ، أَيْ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: اشْتَرَكْنَا وَهِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا إذَا وَقَعَ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيُوَافِقُهُ الْآخَرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ] أَيْ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ. وَقَوْلُهُ، وَكَذَا خَلْطُ الْمَالَيْنِ هَذَا هُوَ الْقَائِمُ مَقَامَ الصِّيغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ الظَّاهِرُ حَذْفُهُ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَالُ، وَالْأَعْمَالُ] أَيْ مَا يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ، وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. تَنْبِيهٌ: تَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْمُفَاصَلَةَ فَلَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ نَضُوضَ الْمَالِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ كَالْقِرَاضِ. [أَقْسَام الشَّرِكَة] [قَوْلُهُ: وَتَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةٍ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ نَوَّعُوهَا إلَى شِرْكَةِ أَبْدَانٍ وَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ عَمَلٍ وَشِرْكَةِ مُفَاوَضَةٍ

أَقْسَامٍ شِرْكَةُ وُجُوهٍ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ، وَهِيَ أَنْ يَبِيعَ الْوَجِيهُ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ وَحُكْمُهَا الْفَسَادُ لِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهِ إجَارَةً، وَالْآخَرُ: أَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مِنْ أَمْلِيَاءِ السُّوقِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْأَمْلِيَاءَ إنَّمَا يَتَّجِرُونَ فِي جَيِّدِ السِّلَعِ، وَأَنَّ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. وَشَرِكَةُ أَمْوَالٍ تَأْتِي وَشَرِكَةُ أَبْدَانٍ، وَهِيَ جَائِزَةٌ بِشُرُوطٍ أَحَدِهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا عَمِلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ) اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ أَوْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَصَرَّحَ ع بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَأَجَازَا فِي الْعُتْبِيَّةِ تَعَدُّدَ الْمَكَانِ إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. ثَانِيهَا: اتِّحَادُ الْعَمَلِ أَوْ تَقَارُبُهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (عَمَلًا وَاحِدًا) كَخَيَّاطَيْنِ (أَوْ مُتَقَارِبًا) بِأَنْ يَتَوَقَّفَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا عَلَى عَمَلِ الْآخَرِ كَمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ الْغَزْلَ لِلنَّسْجِ، وَالْآخَرُ يَنْسِجُ، أَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ صَنْعَتُهُمَا. وَلَمْ تَتَلَازَمْ كَخَيَّاطٍ وَحَدَّادٍ لَمْ تَجُزْ الشِّرْكَةُ لِلْغَرَرِ إذْ قَدْ تُتَّفَقُ صَنْعَةُ هَذَا دُونَ هَذَا فَيَأْخُذُ مِنْ صَاحِبِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، ثَالِثُهَا: أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ يَتَقَارَبَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ عَمَلِ الْآخَرِ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الشِّرْكَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى قَدْرِ التَّفَاوُتِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ، فَلَوْ كَانَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ النِّصْفَ لَمْ يَجُزْ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ بِهَا التَّعَاوُنَ فَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ. خَامِسُهَا: أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ بَيْنَهُمَا بِشِرَاءٍ أَوْ كِرَاءٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ نِصْفَ الْآلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ لِابْنِ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا شِرْكَةُ الْأَمْوَالِ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ شِرْكَةُ مُفَاوَضَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشِرْكَةِ عَنَانٍ وَشِرْكَةِ جَبْرٍ وَشِرْكَةِ ذِمَمٍ، وَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ وُجُوهٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَشْمَلُ شِرْكَةَ الْوُجُوهِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَيْهَا الْوَجْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَجَاهَةُ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: الْخَامِلِ] هُوَ السَّاقِطُ الَّذِي لَا نَبَاهَةَ لَهُ كَذَا فَسَّرُوا،، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يُرْغَبُ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ لِظَنِّ أَنَّ مَتَاعَهُ غَيْرُ جَيِّدٍ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْفَسَادُ] فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَجِيهِ جُعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى مِنْ الْوَجِيهِ فَيَنْبَغِي أَنَّ السِّلْعَةَ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً خُيِّرَ عَلَى مُقْتَضَى الْغِشِّ، وَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْأَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ يُوسُفُ الزَّرْقَانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ أَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ. [قَوْلُهُ: ظَنًّا مِنْهُمْ] وَلَا يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ] هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عَمَلًا وَاحِدًا. وَقَوْلُهُ: أَمْ لَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ مُتَقَارِبًا. [قَوْلُهُ: إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ] ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَتَّحِدْ بَلْ تَقَارَبَا تَكُونُ جَائِزَةً بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَوَفَّقَ الْأَشْيَاخُ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ بِحَمْلِ الْعُتْبِيَّةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَكَانَانِ بِسُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ سُوقَيْنِ نَفَاقُهُمَا وَاحِدٌ أَوْ تَجَوُّلُ أَيْدِيهِمَا بِالْعَمَلِ فِي الْمَكَانَيْنِ جَمِيعًا أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِمَكَانٍ عَلَى أَخْذِ الْأَعْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا طَائِفَةً مِنْ الْعَمَلِ يَذْهَبُ بِهَا لِحَانُوتِهِ يَعْمَلُ فِيهَا لِرِفْقِهِ بِهِ لِسِعَتِهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ إلَخْ] أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُجَهِّزُ الدَّقِيقَ، وَالْآخَرُ يَعْجِنُ أَنْ يَخْبِزَ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَتَقَارَبَا] أَيْ عُرْفًا كَعَمَلِ أَحَدِهِمَا مَا يَنْقُصُ أَوْ يَزِيدُ عَنْ الثُّلُثِ يَسِيرًا، وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ كَذَلِكَ، فَإِنْ احْتَاجَا مَعَ الصَّنْعَةِ لِمَالٍ أَخْرَجَ كُلٌّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ لَا أَزْيَدَ حَيْثُ كَانَ الْقَصْدُ الصَّنْعَةَ لَا الْمَالَ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لَهُ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ] لَمَّا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ. حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ التَّعَاوُنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، وَعَمَلُ كُلٍّ يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ رَفِيقِهِ. وَقَضِيَّةُ الشَّارِحِ أَنَّ قَصْدَ التَّعَاوُنِ يَكْفِي، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بَعْدُ تَعَاوُنٌ بِالْفِعْلِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تُفِيدُهُ الْعُتْبِيَّةُ، فَقَدْ سُئِلَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ صَيَّادِينَ مَعَهُمْ شِبَاكٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَعَالَوْا نَتَعَاوَنُ، وَمَا أَصَبْنَا فَبَيْنَنَا، فَنَصَبَ أَحَدُهُمْ شَبَكَةً فَأَخَذَ صَيْدًا وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَيْنِ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ فِيمَا أَصَابَ؛ لِأَنَّهَا شِرْكَةٌ لَا تَحِلُّ. قَالَ فِي الْبَيَانِ: لِأَنَّ شِرْكَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَا فِيهِ تَعَاوُنٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِرَاكِ] أَيْ لَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً وَتَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَكَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ آلَةً وَأَجَّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ آلَتِهِ بِنِصْفِ آلَةِ الْآخَرِ، وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورَ وَيَدْخُلُ فِي الْعَمَلِ الطَّلَبُ، وَالصَّيْدُ وَقِرَاءَةُ

وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ اتِّفَاقًا، وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْغَيْبَةِ، وَالْحُضُورِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالْكِرَاءِ، وَالِاكْتِرَاءِ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مُفَاوَضَةٌ. الثَّانِي: شِرْكَةُ عِنَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَتَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْأَمْوَالِ) الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ إجْمَاعًا وَبِالطَّعَامِ الْمُتَّفِقِ صِفَةً وَنَوْعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَطْفَالِ إذَا كَانَ كُلٌّ يُحَفِّظُ الْقُرْآنَ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يُحَفِّظُ النِّصْفَ الْأَعْلَى، وَالْآخَرُ الْأَسْفَلَ قِيلَ: لَا يَجُوزُ وَقِيلَ: يَجُوزُ حَيْثُ وُجِدَ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَعْلَى وَمَنْ يَقْرَأُ مِنْ الْأَسْفَلِ لِحُصُولِ التَّعَاوُنِ. [قَوْلُهُ: مُفَاوَضَةً] بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا مِنْ تَفَاوَضَ الرَّجُلَانِ فِي الْحَدِيثِ إذَا شَرَعَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّيْخُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَتَجُوزُ الشِّرْكَةُ بِالْأَمْوَالِ صَادِقٌ بِهَا كَمَا يَصْدُقُ بِالْعِنَانِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ] أَيْ ذُو أَنْ يَجْعَلَ؛ لِأَنَّ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ مُحْتَوِيَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَا أَنَّهَا نَفْسُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ كَوْنِ الرِّبْحِ، وَالْخُسْرِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، فَمَتَى دَخَلَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَسَدَتْ، وَأَمَّا إنْ دَخَلَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ سَكَتَا فَلَا تَفْسُدُ قَالَ عج. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: أَنْ يَجْعَلَ مَا إذَا اشْتَرَطَ كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُرَاجَعَةَ فَيُقَالُ لَهَا شِرْكَةُ عِنَانٍ بَقِيَ مَا إذَا قَالَا: اشْتَرَكْنَا مُقْتَصِرَيْنِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مِنْ شِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ، وَلَكِنْ فِي ابْنِ نَاجِي وَابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ فِي قَوْلِ: كُلُّ تَصَرُّفٌ مُقْتَصِرِينَ عَلَيْهِ قَوْلَيْنِ فِي كَوْنِهَا مُفَاوَضَةً أَمْ لَا اهـ. وَاسْتَظْهَرَ عج الْفَسَادَ فِيمَا إذَا اُشْتُرِطَ عَلَى أَحَدِهِمَا نَفْيُ الِاسْتِبْدَادِ، وَأُطْلِقَ لِلْآخَرِ التَّصَرُّفُ وَلَا يُفْسِدُ شِرْكَةَ الْمُفَاوَضَةِ انْفِرَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِمَالٍ يَعْمَلُ فِيهِ لِنَفْسِهِ عَلَى حِدَةٍ إذَا اسْتَوَيَا فِي عَمَلِ الشِّرْكَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْكِرَاءِ، وَالِاكْتِرَاءِ] أَيْ وَغَيْرُ ذَلِكَ كَأَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ سِلْعَةً اشْتَرَاهَا هُوَ أَوْ صَاحِبُهُ بِمَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَابَاةً فَتَكُونُ كَالْمَعْرُوفِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا جَرَّ بِهِ نَفْعًا لِلتِّجَارَةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ مِنْهُ إقَالَتُهُ خَوْفَ عَدْمِ الْغَرِيمِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّظَرِ. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْعَيْنِ عَلَى الْأَكْثَرِ] أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْثَرِ أَيْ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخَذَ بِعِنَانِ صَاحِبِهِ أَيْ بِلِجَامِهِ، وَبِفَتْحِهَا أَيْ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْأَكْثَرِ مِنْ عَنَّ يَعِنُّ إذَا عَرَضَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ أَنَّ الدَّنَانِيرَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَطْ أَوْ الدَّرَاهِمَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَطْ، وَأَنْ تَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهَا أَيْ ذَهَبًا وَوَرِقًا مِنْ جَانِبٍ وَمِنْ الْآخَرِ كَذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ، فَيُشْتَرَطُ مُسَاوَاةُ ذَهَبِ أَحَدِهِمَا لِذَهَبِ الْآخَرِ وَزْنًا وَصَرْفًا وَقِيمَةً وَفِضَّةِ أَحَدِهِمَا لِفِضَّةِ الْآخَرِ كَذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِيمَا ذُكِرَ عَمِلَا عَلَى الْقِيمَةِ، وَالصَّرْفِ أَوْ لَمْ يَعْمَلَا عَلَيْهِمَا بِأَنْ عَمِلَا عَلَى الْوَزْنِ وَأَلْغَيَا مَا ذُكِرَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا وَزْنًا أَدَّى إلَى بَيْعِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ مُتَفَاضِلًا، وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَقْتَ الْمُعَاقَدَةِ وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ. [وَاعْلَمْ] أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّفَاقِ وَزْنِهِمَا وَقِيمَتِهَا وَصَرْفِهِمَا أَنْ يَكُونَ مَا أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا مُتَّفِقًا فِيمَا ذُكِرَ مَعَ مَا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ أَوْ مَعَ مَا يُقَابِلُهُ مِمَّا أَخْرَجَهُ الْآخَرُ لَا الْأَوَّلُ فَقَطْ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مِثْقَالَيْنِ، وَالْآخَرُ عَشَرَةً وَأَخَذَ كُلٌّ قَدْرَ نَصِيبِهِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَلَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ وَلَا يُقْصَدُ فِي الصَّرْفِ أَوْ الْقِيمَةِ لَا الْوَزْنِ سَوَاءٌ جَعَلَاهَا عَلَى وَزْنِ رَأْسِ الْمَالَيْنِ وَأَلْغَيَا مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَضْلِ أَوْ عَمِلَاهَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ، وَلِلَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الِاخْتِلَافُ الْيَسِيرُ فِيهِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ إذَا اجْتَمَعَ الْيَسِيرُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا. تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الصَّرْفُ تَفْسُدُ، وَإِذَا وَقَعَتْ فُسِخَتْ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ رَأْسُ مَالِهِ بِعَيْنِهِ فِي سِكَّتِهِ، وَالرِّبْحُ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ السِّكَّةِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِتِبْرٍ وَمَسْكُوكٍ، وَلَوْ تَسَاوَيَا وَزْنًا إنْ كَثُرَ فَضْلُ السِّكَّةِ، وَإِنْ سَاوَتْهَا جَوْدَةُ التِّبْرِ فَقَوْلَانِ، وَكَذَا لَا تَجُوزُ بِذَهَبٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوَرِقٍ مِنْ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَلَوْ عَجَّلَ كُلٌّ مَا أَخْرَجَهُ لِاجْتِمَاعِ الشِّرْكَةِ

عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ قِيلَ: لِأَنَّهُ بَيْعُ إطْعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا بَاعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ فَإِنَّمَا هُوَ (عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (وَ) عَلَى أَنْ يَكُونَ (الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ مَا شَرَطَا مِنْ الرِّبْحِ لِكُلِّ وَاحِدٍ) فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا مَثَلًا مِائَةً، وَالْآخَرُ مِائَتَيْنِ فَالرِّبْحُ، وَالْخُسْرَانُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ وَيَسْتَوِيَا فِي الرِّبْحِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا إلَى آخِرِهِ. الثَّالِثُ: شِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ وَتُسَمَّى قِرَاضًا أَيْضًا وَعَبَّرَ بِهِ فَقَالَ: (وَالْقِرَاضُ جَائِزٌ) بِشُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ (بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ) ظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَا مَغْشُوشَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَ التَّعَامُلُ بِهِمَا بِالْعَدَدِ أَوْ بِالْوَزْنِ (وَقَدْ أُرْخِصَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِرَاضِ (بِنِقَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ بِمَعْنَى فَجَرَّاتُ (الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ) ج: اُخْتُلِفَ فِي الْقِرَاضِ بِالنِّقَارِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ: الْمَنْعُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْجَوَازُ وَكُلُّ هَذَا إذَا كَانَ لَا يُتَعَامَلُ بِهَا وَأَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالصَّرْفِ فَإِنْ عَمِلَا فَلِكُلٍّ رَأْسُ مَالِهِ وَيَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ لِكُلِّ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ دِينَارٌ وَلِكُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمٌ وَكَذَلِكَ الْوَضِيعَةُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَكَلَامُهَا هَذَا حَيْثُ اتَّفَقَ مَا أَخْرَجَاهُ، وَكَذَا تَصِحُّ إذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَرْضًا، وَالْآخَرُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ عَرْضًا اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ، وَالْقِيمَةِ أَوْ اخْتَلَفَا وَيُعْتَبَرُ فِي الشِّرْكَةِ بِالْعَرْضِ كَانَ مِنْ جَانِبٍ أَوْ جَانِبَيْنِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاشْتِرَاكِ حَيْثُ كَانَتْ صَحِيحَةً، وَإِنْ فَسَدَتْ فَرَأْسُ مَالِ كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَا بِيعَ بِهِ الْعَرْضُ إنْ عُرِفَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَانْظُرْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمَ الْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ مَالِكٌ] أَيْ مَنَعَ الْمُتَّفَقَ صِفَةً وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَأَوْلَى عِنْدَ الِاخْتِلَافِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ] أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بَاعَ نِصْفَ طَعَامِهِ بِنِصْفِ طَعَامِ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ قَبْضٌ لِبَقَاءِ يَدِ كُلٍّ عَلَى مَا بَاعَ، فَإِذَا بَاعَاهُ لِأَجْنَبِيٍّ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ بَائِعًا لِلطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَوْ حَصَلَ خَلْطُ الطَّعَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَمِرُّ طَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي ضَمَانِ بَائِعِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ مُشْتَرِيهِ وَقَبْضُهُ وَتَفْرِيغُهُ فِي وِعَاءِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا. [قَوْلُهُ: فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَإِذَا دَخَلَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يَأْتِي بِرُبْعِ الْمَالِ، وَيَعْمَلُ الرُّبْعَ وَلَهُ رُبْعُ الرِّبْحِ، وَالْآخَرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَمَلِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرِّبْحِ جَازَتْ الشِّرْكَةُ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ كَمَا تَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ فِي الرِّبْحِ، وَإِذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً بِدُخُولِهِمَا عَلَى التَّفَاوُتِ فَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ مِثَالُ ذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عِشْرِينَ مِثْلًا، وَالْآخَرُ عَشَرَةً وَشَرَطَا التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ، وَالْعَمَلِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَمِلَا فَإِنَّ الرِّبْحَ يُقَسَّمُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْعِشْرِينَ عَلَى صَاحِبِ الْعَشَرَةِ بِفَاضِلِ الرِّبْحِ، وَهُوَ السُّدُسُ وَيَنْزِعُهُ مِنْهُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ لِيَكْمُلَ لَهُ الثُّلُثَانِ وَيَرْجِعَ صَاحِبُ الْعَشَرَةِ بِفَاضِلِ عَمَلِهِ وَهُوَ أَجْرُ سُدُسِ الْعَمَلِ. وَمَفْهُومُ الِاشْتِرَاطِ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ الرُّبْعِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ لِجَارٍ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَخْتَلِفَ إلَخْ أَيْ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ التَّفَاوُتِ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّفَاوُتُ بِأَنْ دَخَلَا عَلَى التَّسَاوِي أَوْ سَكَتَا صَحَّتْ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: شِرْكَةُ مُضَارَبَةٍ] هَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ السَّيْرُ أَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِنَصِيبٍ كَمَا قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَتُسَمَّى قِرَاضًا أَيْضًا] بِكَسْرِ الْقَافِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ وَهُوَ الْقَطْعُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِقِطْعَةٍ مِنْ الرِّبْحِ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْقِرَاضُ أَرْكَانُهُ الْعَاقِدَانِ وَهُمَا كَالْوَكِيلِ، وَالْمُوَكِّلِ، وَالْمَالُ، وَالصِّيغَةُ، وَالْجُزْءُ الْمَعْمُولُ لِلْعَامِلِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَا مَغْشُوشِينَ] أَيْ حَيْثُ تُعُومِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرْجَ كَالْكَامِلَةِ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النَّقْدِ الْخَالِصِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَامَلِ بِهِ فَكَالْعَرْضِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الَّذِي يُعْطَى عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ مِثْلُهُ مَغْشُوشًا. [قَوْلُهُ: فَجَرَاتُ إلَخْ] وَمِثْلُهَا التِّبْرُ. [قَوْلُهُ: عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ] الْمُعْتَمَدُ الْمَنْعُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ يُتَعَامَلُ بِهَا

ذَلِكَ (وَلَا يَجُوزُ) الْقِرَاضُ (بِالْعُرُوضِ) وَلَا شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ فِي الْأَصْلِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ إذَا كَانَ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي كَمْ يَرْبَحُ فِي الْمَالِ فَيَعْمَلُ مِقْدَارَ الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لَهُ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ لَا يَدْرِي هَلْ يَرْبَحُ أَمْ لَا وَهَلْ يَرْجِعُ إلَيْهِ رَأْسُ مَالِهِ أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ غَرَرًا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَهُ لِلضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى التَّعَامُلِ بِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَجُوزَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ، وَمَا عَدَاهُ مَمْنُوعٌ بِالْأَصْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّقَارِ، وَالْعُرُوضِ أَنَّ الْعُرُوضَ لَا يُتَعَامَلُ بِأَعْيَانِهَا، وَالنِّقَارُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ. (وَ) إذَا امْتَنَعَ الْقِرَاضُ بِهَا فَإِنَّ الْعَامِلَ (يَكُونُ إنْ نَزَلَ) أَيْ وَقَعَ الْقِرَاضُ بِهَا (أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا) وَيَكُونُ (عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ لِابْنِ رُشْدٍ نَقَلْنَاهُ فِي الْأَصْلِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي بَيْعِ الْعُرُوضِ، وَأَمَّا عَمَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ] أَيْ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا مَسْكُوكَ وَإِلَّا مُنِعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُرَادُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً. وَأَمَّا بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِالْوُقُوعِ، وَالْفُلُوسِ الْجُدُدِ كَالنِّقَارِ إنْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ جَازَ جَعْلُهَا رَأْسَ مَالِ قِرَاضٍ وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بِالْعُرُوضِ] أَيْ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ حَمَلَ الْعُرُوضَ عَلَى الْمُقَوَّمَاتِ وَحِينَئِذٍ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَزِيدَ الْمَعْدُودَاتِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلِيَّ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ، وَلَوْ حَمَلَ الْعُرُوضَ عَلَى مَا عَدَا الْعَيْنَ لَشَمَلَ الْمِثْلِيَّ بِأَنْوَاعِهِ كَمَا يُفِيدُ تت. وَكَانَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْعُرُوضِ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ حَيْثُ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالتَّعَامُلِ بِهَا وَيَدْخُلُ الْحَدِيدُ، وَالرَّصَاصُ، وَالْوَدْعُ لَوْ انْفَرَدَتْ بِالتَّعَامُلِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي] الْأَوْلَى حَذْفُ كَانَ يَقُولُ إذْ الْعَامِلُ بَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ إذْ الْعَامِلُ لَا يَدْرِي، هَلْ يَرْبَحُ أَوْ لَا وَعَلَى تَقْدِيرِ الرِّبْحِ كَمْ مِقْدَارُهُ، وَالشَّارِعُ حَقِيقَةً اللَّهُ تَعَالَى، وَالْمُصْطَفَى مَجَازٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَلِحَاجَةِ النَّاسِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَقَوْلُهُ فَيَجِبُ أَيْ يَتَعَيَّنُ. [قَوْلُهُ: مِقْدَارُ مَا جَوَّزَهُ الشَّارِعُ] وَهُوَ النَّقْدُ الْمَضْرُوبُ لَا يُقَالُ الشَّارِعُ لَمْ يُجَوِّزْهُ بِالتِّبْرِ وَلَا بِالْجُدُدِ وَلَا بِنِقَارِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، فَلِمَاذَا رَخَّصَ فِيهَا الْجَوَابُ؟ مَا قَالَهُ الشَّارِعُ أَنَّ النِّقَارَ أَيْ، وَمَا شَابَهَهُ أَعْيَانٌ وَأَثْمَانٌ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ، وَالْجُدُدُ عِنْدَ انْفِرَادِ التَّعَامُلِ بِهَا كَذَلِكَ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا مِنْ النُّقُودِ. [قَوْلُهُ: بِالْأَصْلِ] أَيْ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَوْلُهُ: أَعْيَانٌ أَيْ يُتَعَامَلُ بِأَعْيَانِهَا بِحَيْثُ تَكُونُ ثَمَنًا فَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لَهُ. وَقَوْلُهُ وَرُءُوسُ أَمْوَالٍ لَا يَخْفَى أَنَّ مِمَّا مَا صَدَقَاتُ رَأْسِ الْمَالِ الْمَالُ الَّذِي يُدْفَعُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ يَتَّجِرُ فِيهِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمُصَادَرَةُ ثُمَّ فِي الْمَقَامِ إشْكَالٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ النِّقَارَ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَعْنَى أَنَّهَا قَدْ يُتَعَامَلُ بِهَا عَلَى فَرْضِ ضَرْبِهَا، وَهَذَا مَفْقُودٌ بِالْفَرْضِ. [قَوْلُهُ: أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا] أَيْ الْعُرُوضِ فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ بَيْعَهَا حَيْثُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ بَيْعِهَا، فَقَوْلُهُ أَجِيرًا أَيْ كَأَجِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَأْجَرْ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ] أَيْ إذَا اتَّجَرَ بِالثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَفْصِيلٌ] وَهُوَ مَا نَصُّهُ يُرِيدُ إذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ الْقِرَاضِ لِثَمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ الْعُرُوض، أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ نَفْسَهُ أَوْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْعَقْدِ أَوْ يَوْمَ التَّفَاضُلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَجِيرًا فِي بَيْعِهَا وَيُرَدُّ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ فِي الثَّمَنِ أَيْ فِي الْعَمَلِ بِهِ إذَا لَمْ يَعْثُرْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى رَبِّهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَأُجْرَةِ الْمَالِ أَنَّ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ، وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ: خُذْ هَذَا الثَّوْبَ اذْهَبْ بِهِ إلَى فُلَانٍ يَبِيعُهُ، فَإِذَا بَاعَهُ وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَخُذْ مِنْهُ وَاعْمَلْ بِهِ قِرَاضًا بَيْنِي وَبَيْنِك، أَيْ فَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ ثَمَنَ الثَّوْبِ فَهُوَ جَائِزٌ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَتَهُ تُفِيدُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ تَفْصِيلٌ آخَرُ مُغَايِرٌ لِتَفْصِيلِ ابْنِ رُشْدِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ هُوَ عَيْنُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَيَجْرِي فِيهِ تَقْيِيدُ ابْنِ رُشْدٍ. وَنَصَّ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: كَفُلُوسٍ وَعَرْضٍ إنْ تَوَلَّى ذَلِكَ تَشْبِيهًا فِي الْمَنْعِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَجْرُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ اهـ. فَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: وَكَلَامُ

فِي الْقِرَاضِ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ قِرَاضُ مِثْلِهِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ ثَمَّ رِبْحٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ. ثُمَّ بَيَّنَ أُمُورًا يَسْتَبِدُّ بِهَا الْعَامِلُ دُونَ رَبِّ الْمَالِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْعَامِلِ) أَيْ وُجُوبًا (كِسْوَتُهُ وَطَعَامُهُ) الْمُرَادُ بِهِ نَفَقَتُهُ ذَهَابًا وَإِيَابًا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا السَّفَرُ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ تَنْمِيَةَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا سَافَرَ لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ أَوْ لِحَجٍّ أَوْ لِغَزْوٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ لَهُ بَالٌ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إذَا سَافَرَ فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ) ظَاهِرُهُ كَانَ السَّفَرُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا بِالنِّسْبَةِ لِلطَّعَامِ (وَ) أَمَّا الْكِسْوَةُ فَ (إنَّمَا يُكْتَسَى فِي السَّفَرِ الْبَعِيدِ) لَا الْقَرِيبِ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا لَا قَلِيلًا، وَحَدُّ الْقَرِيبِ مِثْلُ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ خَمْسُونَ دِينَارًا ذَهَبًا فَأَكْثَرُ (وَلَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ رَضِيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَلِّفِ فِيمَا إذَا جَعَلَ ثَمَنَ الْعَرْضِ الْمَبِيعِ بِهِ هُوَ الْقِرَاضَ، وَأَمَّا إذَا جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ نَفْسَ الْعَرْضِ أَوْ قِيمَتَهُ الْآنَ أَوْ يَوْمَ الْمُفَاصَلَةِ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ تَوَلَّى بَيْعَهُ غَيْرُهُ اهـ. وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُنَافِي تَفْصِيلَ ابْنِ رُشْدٍ. تَتِمَّةٌ: كَمَا اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ نَقْدًا مَضْرُوبًا أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسَلَّمًا وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ يَدِهِ فَلَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك قِرَاضًا أَيْ وَكَذَا لَا يَصِحُّ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ لِي قِرَاضًا بِالرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَك أَوْ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَك، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ مَجْهُولَ الْكَمِّيَّةِ مَعْلُومَ النِّسْبَةِ كَرُبْعِ الرِّبْحِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ لَا غَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ. وَاسْتَنْبَطَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ لَفْظِهِ الْخَاصَّ بَلْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّتُهَا بِالْمُعَاطَاةِ. [قَوْلُهُ: ذَهَابًا وَإِيَابًا] أَيْ كَإِقَامَتِهِ بِالْبَلَدِ الَّتِي يَتَّجِرُ بِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ فَإِنْ بَنَى بِهَا أَيْ أَوْ دُعِيَ لِلدُّخُولِ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْإِنْفَاقُ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ فَإِنَّ لَهُ الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَفِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ حِينَئِذٍ. [قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا السَّفَرُ] فَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ السَّفَرِ إنْفَاقٌ أَيْ مَا لَمْ يَشْغَلْهُ التَّزَوُّدُ لِلسَّفَرِ عَنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يُقْتَاتُ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَهُ النَّفَقَةُ [قَوْلُهُ: لِزِيَارَةِ أَهْلِهِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُنْفِقُ لَا فِي ذَهَابِهِ وَلَا فِي إيَابِهِ إلَّا فِي السَّفَرِ لِبَلَدِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّمَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ فِي مُدَّةِ الذَّهَابِ، وَالْإِقَامَةِ لَا فِي مُدَّةِ رُجُوعِهِ لِبَلَدٍ لَيْسَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ، وَالْفَرْقُ أَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ أَوْ الْقُرْبَةِ الرُّجُوعُ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى كَالذَّهَابِ فَلَا يُنْفَقُ بِخِلَافِ رُجُوعِهِ مِنْ بَلَدِ الزَّوْجَةِ. فَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الزَّوْجَةُ الْمَدْخُولُ بِهَا لَا الْأَقَارِبُ، وَمِثْلُ الزَّوْجَةِ السُّرِّيَّةُ وَمِثْلُ سَفَرِ الْحَجِّ، وَالْغَزْوِ السَّفَرُ لِسَائِرِ الْقُرَبِ كَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَلَا فَرْقَ فِي سُقُوطِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْإِنْفَاقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِلْمَالِ أَوْ مَتْبُوعَةً، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْفَاقُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَإِنْ أَنْفَقَ فِي سَفَرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَإِنْ هَلَكَ أَوْ زَادَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَالِ الْقِرَاضِ بِطُرُوِّ حَادِثٍ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ رَبَّهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي إذَا أَنْفَقَ سَرَفًا أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَادُ وَيَلْحَقُ بِالْإِنْفَاقِ الْجَائِزِ أُجْرَةُ نَحْوِ حَجَّامٍ وَصَاحِبِ حَمَّامٍ وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ لَهُ التَّاجِرُ عُرْفًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُدَاوَاةِ، وَيَجُوزُ لَهُ إكْرَاءُ خَادِمٍ فِي السَّفَرِ مِنْ مَالٍ يَتَحَمَّلُهُ إنْ كَانَ أَهْلًا لَأَنْ يَخْدُمَهُ خَادِمٌ وَإِلَّا لَمْ يُسْتَخْدَمْ كَفِي حَضَرٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِعَمَلِهِ بِنَفْسِهِ فِي الْقِرَاضِ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِخْدَامِهِ، وَإِنْ تَأَهَّلَ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْمَالُ لَمْ يُسْتَخْدَمْ. وَأَمَّا عَدَمُ الْبِنَاءِ بِزَوْجَةٍ وَكَوْنِهِ لِغَيْرِ حَجٍّ وَغَزْوٍ وَقُرْبَةٍ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِخْدَامِ [قَوْلُهُ: إذَا سَافَرَ إلَخْ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ إذَا اتَّجَرَ بِهِ فِي بَلَدٍ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَا يُنْفِقُ مِنْهُ يَسِيرًا وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ الَّذِي لَهُ بَالٌ] أَيْ فَلَا نَفَقَةَ فِي الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالْكَثْرَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ بِالْعُرْفِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لِأَحَدٍ لِمَا تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ، وَوَقَعَ لِمَالِكٍ السَّبْعُونَ يَسِيرٌ وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِي الْخَمْسِينَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى السَّفَرِ الْبَعِيدِ، وَالثَّانِي عَلَى الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْقَرِيبِ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُعْدِ السَّفَرِ بُعْدُ مَسَافَتِهِ، أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَرُبَتْ مَسَافَتُهُ وَطَالَ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ فَلَوْ فَسَّرَ الْبَعْدَ بِمَا تَطُولُ فِيهِ الْمُدَّةُ لَشَمِلَهَا أَيْ بِحَيْثُ يُمْتَهَنُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْمَالِ الْكَثِيرِ] أَيْ فِي النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ

[باب المساقاة]

بِذَلِكَ صُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَ السِّلَعِ وَيَبْقَى بَعْضُهَا وَيَكُونَ فِيهَا رَأْسُ الْمَالِ فَيَقُولُ لَهُ: نَقْتَسِمُ هَذَا الَّذِي نَضَّ فَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَهْلَكُ السِّلْعَةُ الْبَاقِيَةُ، وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى شِرْكَةِ الْمُضَارَبَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمْسُونَ دِينَارًا إمَّا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ صَدَقَاتِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُخَالِفُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْكِسْوَةِ شُرُوطَ الْإِنْفَاقِ كُلِّهَا وَيُزَادُ عَلَيْهَا الْبُعْدُ بِمَعْنَى طُولِ الزَّمَنِ بِحَيْثُ يُحْتَاجُ فِيهِ لِلْكِسْوَةِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ الْمَكَانُ الَّذِي هُوَ بِهِ [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنِضَّ] بِكَسْرِ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَضَّ يَنِضُّ إذَا صَارَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. قَالَ عج: وَكَسْرُ النُّونِ هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي لَامِيَّةِ الْأَفْعَالِ، وَالصِّحَاحِ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ فِيهَا رَأْسُ الْمَالِ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَأْسُ مَالٍ فَهُوَ أَوْلَى فِي الْمَنْعِ [قَوْلُهُ: فَيَقُولُ لَهُ نَقْتَسِمُ هَذَا الَّذِي نَضَّ] أَيْ، وَالسِّلَعُ بَاقِيَةٌ عَلَى الْقِرَاضِ قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي عَقِبَ قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ قَدْ تَهْلِكُ السِّلْعَةُ أَوْ يَتَحَوَّلُ سُوقُهَا فَيُنْقَضُ رَأْسُ الْمَالِ مِنْهَا، وَيَجُوزُ أَيْ يَأْخُذُ السِّلْعَةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ بِقِيمَتِهَا اهـ. زَادَ عج: وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَقْتَسِمَا السِّلَعَ كُلَّهَا بِقِيمَتِهَا اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُفَادَ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مَا نَضَّ إذَا قُدِّرَ رَأْسُ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ مِنْ السِّلَعِ رِبْحًا أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْقِرَاضِ أَوْ الْمُفَاصَلَةِ، أَوْ جَعَلَ مَا نَضَّ رِبْحًا، وَيَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ بَقِيَّةَ السِّلَعِ فِي رَأْسِ مَالِهِ وَيَنْفَصِلَانِ أَوْ يَقْتَسِمَانِ جَمِيعَ السِّلَعِ بِأَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْمَالِ جُمْلَةً مِنْهَا فِي رَأْسِ مَالِهِ وَيَجْعَلَا مَا بَقِيَ مِنْهَا رِبْحًا يَقْتَسِمَانِهِ وَيَنْفَصِلَا جَازَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَمِثْلُ صُورَةِ الشَّارِحِ فِي الْمَنْعِ مَا إذَا جَعَلَا جُمْلَةً مِنْهَا فِي مُقَابَلَةِ رَأْسِ الْمَالِ وَبَقِيَّةَ السِّلَعِ رِبْحًا يَقْتَسِمَانِهِ مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى الْقِرَاضِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَضَّ الْمَالُ وَتَمَّ عَمَلُ الْقِرَاضِ فَإِنْ كَانَ بِبَلَدِ رَبِّ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ تَحْرِيكُهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَلَهُ تَحْرِيكُهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ رَبِّ الْمَالِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْعَامِلِ أَيْ مَعَ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا فِي تَلَفِهِ الْمَالَ وَخُسْرِهِ وَضَيَاعِهِ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ التُّجَّارُ، وَكَذَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ لِرَبِّهِ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهُ بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهِ، وَإِذَا حَصَلَ فِي رَأْسِ الْمَالِ خُسْرٌ وَحَصَلَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ رِبْحٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ جَبْرُ الْخُسْرِ بِالرِّبْحِ، وَلَوْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ خِلَافَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِ الْعَامِلِ لَا إنْ قَبَضَهُ رَبُّهُ بَعْدَ الْخُسْرِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ قِرَاضًا مُؤْتَنَفًا. [بَابُ الْمُسَاقَاةِ] [قَوْلُهُ: عَلَى الْمُسَاقَاةِ] مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا. [قَوْلُهُ: لِتَقَارُبِهِمَا] أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي كُلِّ الْإِجَارَةِ بِجُزْءٍ مَجْهُولٍ.

[بَابُ الْمُسَاقَاةِ] ثُمَّ عَقَّبَهَا بِالْكَلَامِ عَلَى الْمُسَاقَاةِ لِتَقَارُبِهِمَا فَقَالَ: (وَالْمُسَاقَاةُ) مِنْ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ وَهُوَ قَلِيلٌ نَحْوَ سَافَرَ وَعَافَاهُ اللَّهُ، وَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ كَرْمَهُ أَوْ حَائِطَ نَخْلِهِ مَثَلًا لِمَنْ يَكْفِيهِ الْقِيَامَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السَّقْيِ وَالْعَمَلِ عَلَى أَنَّ مَا أَطْعَمَ اللَّهُ مِنْ ثَمَرِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ وَحُكْمُهَا أَنَّهَا (جَائِزَةٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ» وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَالْإِجَارَةِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ وُجُودِهَا، وَمِنْ الْإِجَارَةِ بِالْمَجْهُولِ وَلَهَا شُرُوطٌ مِنْهَا الْعَاقِدَانِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ الْإِجَارَةِ، وَمِنْهَا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْمُسَاقَاةِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُفَاعَلَةِ] أَيْ مِنْ صِيَغِ الْمُفَاعَلَةِ. وَقَوْلُهُ: الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْوَاحِدِ، ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ اللُّغَةِ كَمَا هُوَ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ وَهُوَ ظَاهِرُ الصِّحَاحِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَلِيلٌ] أَوْ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلَّقِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ عَنْ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَعَافَاهُ اللَّهُ] أَيْ مِنْ الْمُعَافَاةِ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ وَحْدَهُ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهَا اصْطِلَاحًا إلَخْ] . مُفَادُهُ أَنَّ كَوْنَهَا مِنْ صِيَغِ الْمُفَاعَلَةِ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَالْمُسَاقَاةُ أَنْ يُعْمِلَ رَجُلٌ رَجُلًا فِي نَخِيلٍ أَوْ كُرُومٍ لِيَقُومَ بِإِصْلَاحِهَا عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِمَّا يَفْعَلُهُ [قَوْلُهُ: كَرْمَهُ] وِزَانُ فَلْسٍ الْعِنَبُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ حَائِطُ كَرْمِهِ لِمُنَاسَبَةِ الْمَعْطُوفِ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ] أَيْ بِمَا يَحْتَاجُ الْكَرْمُ أَوْ الْحَائِطُ [قَوْلُهُ: وَالْعَمَلِ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، وَنُكْتَةُ ذِكْرِ الْخَاصِّ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعَامِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُعْظَمَ عَمَلِهَا السَّقْيُ أَيْ وَالْبَعْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُسْقَى إلَّا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْمُؤَنِ يَقُومُ مَقَامَ السَّقْيِ [قَوْلُهُ: نِصْفَيْنِ] خَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَإِنْ أَمْكَنَ دُخُولُهُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ عَلَى جُزْءٍ إلَخْ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ [قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الثَّمَرَةِ] أَيْ كَثُلُثٍ أَوْ رُبْعٍ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ عَدَمُ شُمُولِ مُسَاقَاتِهِ عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِلْعَامِلِ مَعَ أَنَّهَا مُسَاقَاةٌ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ لِلْعَامِلِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا أَنَّهَا جَائِزَةٌ] أَيْ فَالْحُكْمُ ثُبُوتُ الْجَوَازِ وَلَوْ أَبْقَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ الْمُفَادُ أَنَّ حُكْمَهَا الْجَوَازُ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْجَوَازَ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ. [قَوْلُهُ: أَهْلَ خَيْبَرَ] مَدِينَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ حُصُونٍ وَمَزَارِعَ وَنَخْلٍ كَثِيرٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرُدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى جِهَةِ الشَّامِ عَلَى شَطْرٍ أَيْ نِصْفٍ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا] أَيْ مِنْ أَرْضِهَا بِوَاسِطَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ مِنْ ثَمَرٍ [قَوْلُهُ: الْمُخَابَرَةِ] مَأْخُوذَةٌ مِنْ خَبَرْتُ الْأَرْضَ شَقَقْتهَا لِلزِّرَاعَةِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ [قَوْلُهُ: وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا] بَحْثٌ فِيهِ بِأَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ مُكْتَرَاةٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنَّمَا الْمُكْتَرَى الْعَامِلُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَأَتَّى فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَالْبَيَاضِ الْمُشْتَرَطِ عَلَى الْعَامِلِ زَرْعُهُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا [قَوْلُهُ: وَمِنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ] أَيْ بَاعَهَا بِمَنَافِعِ الْعَامِلِ [قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةِ بِهَا] أَيْ أَجْرُ الْعَامِلِ نَفْسِهِ بِهَا قَبْلَ طِيبِهَا بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: وَقَبْلَ وُجُودِهَا] أَيْ أَوْ قَبْلَ وُجُودِهَا [قَوْلُهُ: مِنْهَا الْعَاقِدَانِ] فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ

تَكُونَ بِلَفْظِ سَاقَيْت فَلَا تَنْعَقِدُ بِ عَامَلْتُكَ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ فِي الْأُصُولِ الثَّابِتَةِ الَّتِي تُجْنَى ثِمَارُهَا وَيَبْقَى أَصْلُهَا كَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فِي الْأُصُولِ) وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَقَبْلَ جَوَازِ بَيْعِهَا لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُهَا لَا ضَرُورَةَ حِينَئِذٍ لِلْمُسَاقَاةِ، وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَأَقَلُّهُ إلَى الْجِذَاذِ وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَيْهِ. وَمِنْهَا أَنْ يُسَاقَى عَلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مَعْلُومٍ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا كَالثُّلُثَيْنِ أَوْ قَلِيلًا كَالرُّبْعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ) وَاحْتَرَزْنَا بِالْمَشَاعِ مِنْ الْمُسَاقَاةِ عَلَى آصُعٍ أَوْ أَوْسُقٍ مَعْدُودَةٍ، وَبِالْمَعْلُومِ مِنْ الْمُسَاقَاةِ عَلَى جُزْءٍ مَجْهُولٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُ (وَ) مِنْهَا أَنْ يَكُونَ (الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْمُسَاقَى) بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ الْعَامِلُ وَالْعَمَلُ الْقِيَامُ بِمَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مِنْ السَّقْيِ وَالْإِبَّارِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالْجِذَاذِ وَإِقَامَةِ الْأَدَوَاتِ مِنْ الدِّلَاءِ وَالْمَسَاحِي وَالْأُجَرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ الْعَاقِدَانِ مِنْ الشُّرُوطِ بَلْ رُكْنَانِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ [قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ الْإِجَارَةِ] أَيْ صِحَّةً وَلُزُومًا [قَوْلُهُ: فَلَا تَنْعَقِدُ بِ عَامَلْتُكَ] أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِلَّا فَسَحْنُونٌ يَقُولُ بِانْعِقَادِهَا بِ عَامَلْتُكَ. قَالَ جَمْعٌ مِنْ الشُّيُوخِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ السَّقْيِ كَقَوْلِهِ: سَاقَيْت أَوْ أَنَا مُسَاقِيك أَوْ أَعْطَيْتُك حَائِطِي مُسَاقَاةً، وَالرَّاجِحُ كَمَا قُلْنَا قَوْلُ سَحْنُونَ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِ عَامَلْتُكَ وَيَكْفِي فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ رَضِيت أَوْ قَبِلْت أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ كَمَا لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِفَايَةِ الْمُعَاطَاةِ فِيهَا صِحَّتُهَا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ فِي الْأُصُولِ إلَخْ] ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِهَا فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَصِحُّ فِي الزَّرْعِ كَالْقَصَبِ وَالْبَصَلِ وَالْمَقَاثِئِ بِشُرُوطٍ، أَحَدُهَا: عَجْزُ رَبِّ الزَّرْعِ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ. ثَانِيهَا: أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ الْمَوْتَ بِتَرْكِ السَّقْيِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَبْرُزَ مِنْ الْأَرْضِ. رَابِعُهَا: أَنْ لَا يَبْدُوَ صَلَاحُهُ. وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي نَحْوِ الْقُطْنِ وَالْوَرْدِ مِمَّا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَصْلُهُ فَبَعْضُهُمْ أَلْحَقَهُ بِالشَّجَرِ وَبَعْضُهُمْ بِالزَّرْعِ فَيَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ بِالشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الزَّرْعِ. [قَوْلُهُ: وَقَبْلَ جَوَازِ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِثْمَارِ فِي عَامِهِ كَانَ فِيهِ حَمْلٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا وَأَنْ لَا يَخْلُفَ الْأَصْلُ كَالْبَقْلِ وَالْقَصَبِ وَلَا ثَمَرُهُ كَالْمَوْزِ، أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْإِثْمَارِ أَوْ مَا يَخْلُفُ تَبَعًا وَإِلَّا جَازَ، وَالتَّبَعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّابِعُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ [قَوْلُهُ: وَإِنْ أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْجِذَاذِ وَإِذَا كَانَ يَتَكَرَّرُ فِي الْعَامِ فَيُحْمَلُ انْتِهَاؤُهَا عَلَى الْجِذَاذِ الْأَوَّلِ إنْ تَمَيَّزَتْ الْبُطُونُ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ثَانٍ، وَأَمَّا مَا يُطْعِمُ بُطُونًا وَلَا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فَلَا تَجُوزُ مُسَاقَاتُهُ إلَّا تَبَعًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ لَكِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا إذَا أُقِّتَتْ لَا تُؤَقَّتُ إلَّا بِالْجِذَاذِ أَيْ أَوْ بِالشُّهُورِ الْعَجَمِيَّةِ لِأَنَّ كُلَّ ثَمَرَةٍ تُجَذُّ فِي وَقْتِهَا لَا بِالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهَا تَدُورُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْقِيتِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَقَّتْ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْجِذَاذِ وَظَهَرَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مُحْتَرَزَ أَقَلِّهِ الشَّهْرُ الْعَجَمِيُّ وَالْأَوْلَى حَذْفُ إلَى، وَيَكُونُ وَأَقَلُّهُ أَيْ الْأَجَلِ الْمَعْلُومِ الْجِذَاذُ [قَوْلُهُ: عَلَى آصُعٍ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْآصُعَ أَوْ الْأَوْسُقَ شَائِعَةٌ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: احْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا سَاقَاهُ عَلَى رُبْعٍ مِنْ نَخَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ [قَوْلُهُ: عَلَى جُزْءٍ مَجْهُولٍ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: أُعْطِيك جُزْءًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ عِنْدَ النَّاسِ، وَإِذَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَمِلًا عَلَى أَصْنَافِ أَوْ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِهَا مُتَّفِقًا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ شَائِعًا فِي جَمِيعِ الْحَائِطِ احْتَرَزَ عَمَّا شَاعَ فِي نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْحَائِطِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْوَصْفِ فَتَدْخُلُ مُسَاقَاةُ الْحَائِطِ الْغَائِبِ إنْ وُصِفَ حَيْثُ كَانَ يَصِلُ إلَيْهِ قَبْلَ كَمَالِ طِيبِهِ [قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ الْقِيَامُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَمَلَ نَفْسُ السَّقْيِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَفِي الْعِبَارَةِ تَسَمُّحٌ [قَوْلُهُ: بِمَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ] أَيْ عُرْفًا مِمَّا ذَكَرَ وَلَا يَلْزَمُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّصِّ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالتَّنْقِيَةِ] أَيْ تَنْقِيَةُ مَنَافِعِ الشَّجَرِ [قَوْلُهُ: الْأَدَوَاتِ] جَمْعُ أَدَاةٍ أَيْ الْآلَةِ [قَوْلُهُ: وَالْأُجَرَاءِ وَالدَّوَابِّ] مَعْطُوفَانِ عَلَى الدِّلَاءِ وَالْمَسَاحِي أَيْ عَلَيْهِ الْأُجَرَاءُ وَالدَّوَابُّ

وَالدَّوَابِّ وَنَفَقَتِهِمْ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا هُوَ الْعَمَلُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلَّهُ عَلَى الْعَامِلِ (وَ) مِنْهَا أَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ (لَا يَشْتَرِطُ) بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسَاقَى (عَمَلًا) آخَرَ (غَيْرَ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ) مِثْلَ أَنْ يُسَاقِيَهُ، وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا أَوْ يَطْحَنَ لَهُ إرْدَبًّا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالثَّمَرَةِ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ جُوِّزَتْ لِلضَّرُورَةِ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَحَلِّ الْوُرُودِ (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ (عَمَلَ شَيْءٍ يُنْشِئُهُ) أَيْ يُحْدِثُهُ (فِي الْحَائِطِ إلَّا مَا) أَيْ شَيْئًا (لَا بَالَ) أَيْ لَا خَطَرَ (لَهُ) لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ عَلَيْهِ (مِنْ سَدِّ الْحَظِيرَةِ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ (وَ) مِنْ (إصْلَاحِ الضَّفِيرَةِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرِ الْمُشَالَةِ، أَمَّا الْحَظِيرَةُ فَهِيَ الْحَائِطُ الْمُحِيطَةُ بِالْبُسْتَانِ (وَشَدِّ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ تَرْمِيمُ بِنَائِهَا وَالْعِيدَانَ الَّتِي تُجْعَلُ بِأَعْلَاهَا مِنْ شَوْكٍ وَجَرِيدٍ يَمْنَعُ التَّسَوُّرَ عَلَيْهَا. (وَ) أَمَّا الضَّفِيرَةُ فَ (هِيَ مُجْتَمَعُ الْمَاءِ) ثُمَّ يُفَرَّغُ كَالصِّهْرِيجِ، وَأَمَّا بِنَاؤُهَا مِنْ أَصْلِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْشِئَ بِنَاءَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ (وَالتَّذْكِيرُ) أَيْ التَّلْقِيحُ (عَلَى الْعَامِلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلَيْهِ شِرَاءَ مَا يُلَقِّحُ بِهِ وَتَعْلِيقَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِ: (وَتَنْقِيَةُ مَنَاقِعِ الشَّجَرِ) جَمْعُ مَنْقَعٍ بِفَتْحِ الْقَافِ مَوْضِعٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ (وَإِصْلَاحُ مَسْقَطِ الْمَاءِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعُ السُّقُوطِ (مِنْ الْغَرْبِ) وَهُوَ الدَّلْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ لَمْ يَكُونَا فِي الْحَائِطِ [قَوْلُهُ: وَنَفَقَتِهِمْ] أَيْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالْأُجَرَاءِ الَّذِينَ أُمِرَ بِالْإِتْيَانِ بِهِمْ، بَلْ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ مِنْ دَوَابَّ وَأُجَرَاءَ لِرَبِّ الْحَائِطِ، وَيُلْغَزُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيُقَالُ: رَجُلٌ لَهُ رَقِيقٌ وَدَوَابُّ لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ شَرِكَةٌ وَنَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ نَعَمْ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ إلَّا أُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ هُوَ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْحَائِطِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ فَأُجْرَتُهُ عَلَى رَبِّهِ. وَكَذَا لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَنْ يُخْلِفَ مَا مَاتَ أَوْ مَرِضَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ الَّتِي فِي الْحَائِطِ يَوْمَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، وَخَلَفُ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِوَضَ] أَيْ عِوَضَ الثَّمَرَةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ لَهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ يَكُونُ الْمَعْنَى وَمِنْ شُرُوطِ الْمُسَاقَاةِ عَدَمُ جَوَازِ اشْتِرَاطِ عَمَلٍ آخَرَ إلَخْ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِجَعْلِهِ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يُحْذَفَ قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: عَمَلًا آخَرَ غَيْرَ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ] أَيْ مِمَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ الْحَائِطِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَالٌ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: أَنْ يَبِيعَ لَهُ ثَوْبًا] أَيْ يَكُونُ سِمْسَارًا فِي بَيْعِهِ [قَوْلُهُ: مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ] كُلُّ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ الْأَوَّلُ: الْإِجَارَةُ بِالْمَجْهُولِ. الثَّانِي: كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا. الثَّالِثُ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا بَلْ قَبْلَ وُجُودِهَا. الرَّابِعُ: الْغَرَرُ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَدْرِي أَتَسْلَمُ الثَّمَرَةُ أَمْ لَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَتِهَا لَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ مِقْدَارُهَا [قَوْلُهُ: أَيْ يُحْدِثُهُ] أَيْ كَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ إنْشَاءِ عَيْنٍ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ بَالٌ [قَوْلُهُ: لَا خَطَرَ لَهُ] أَيْ لَا قَدْرَ لَهُ [قَوْلُهُ: الْمُشَالَةِ] أَيْ الْمُرْتَفِعَةِ [قَوْلُهُ: وَسَدِّ إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ عَلَيْهِمَا، وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَعْنَى يَخْتَلِفُ فَالْمَعْنَى عَلَى السِّينِ الْمُهْمَلَةِ سَدُّ الْفُرْجَةِ الْكَائِنَةِ فِي ذَاتِ الْحُفَيْرَةِ، وَعَلَى الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ إصْلَاحُ الْحُفَيْرَةِ بِالْأَحْبُلِ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَمْسِكُ الْحَظِيرَةَ مِنْ الْحَظْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ [قَوْلُهُ: تَرْمِيمُ بِنَائِهَا] أَيْ سَدُّ الْخَلَلِ الَّذِي فِي الْحَائِطِ، وَأَمَّا أَصْلُ الْبِنَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَالْعِيدَانِ] عَطْفٌ عَلَى تَرْمِيمٍ، أَيْ وَجَعْلُ الْعِيدَانِ وَقَوْلُهُ: يَمْنَعُ أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّوْكِ وَالْجَرِيدِ. وَقَوْلُهُ: التَّسَوُّرَ أَيْ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: مُجْتَمَعُ الْمَاءِ] أَيْ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِ الْمَاءِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ عَلَيْهِ إلَخْ] لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّعْلِيقُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي قَوْلٍ] وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقِيلَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ [قَوْلُهُ: مَوْضِعٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ] الْمَاءُ فَاعِلُ يَسْتَنْقِعُ أَيْ مَوْضِعٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَمَنْقَعُ الْمَاءِ بِالْفَتْحِ مُجْتَمَعُهُ وَالْمَاءُ مُسْتَنْقَعٌ فَاعِلٌ [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي لَامِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ، وَاَلَّذِي فِيهَا الْكَسْرُ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ تت فَإِنْ قُلْت: اسْمُ الْمَكَانِ مِنْ الَّذِي مُضَارِعُهُ بِالضَّمِّ أَوْ بِالْفَتْحِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَلَا

الْكَبِيرُ (وَتَنْقِيَةُ الْعَيْنِ) وَهُوَ كَنْسُهَا مِمَّا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ وَرَقٍ (وَشَبَهِ ذَلِكَ) مِنْ عَمَلِ الْمُسَاقَاةِ أَيْ مِثْلِ الْجِذَاذِ وَالْجَرِينِ ق قَوْلُهُ: (جَائِزٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَذَا وَشَبَهُهُ جَائِزٌ بَعْدَ (أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ) وَفِي كَلَامِهِ مُشَاحَّةٌ وَهِيَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَالْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْمُسَاقَى الشَّامِلِ لِلتَّذْكِيرِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ أَنَّ التَّذْكِيرَ وَمَا بَعْدَهُ جَائِزٌ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِالشَّرْطِ فَتَأَمَّلْ وَمِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ عَلَى إخْرَاجِ مَا فِي الْحَائِطِ مِنْ الدَّوَابِّ) وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي لِرَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْحَائِطِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ. بَهْرَامُ: قَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ لَا عَلَى الْكَرَاهَةِ (وَمَا مَاتَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّوَابِّ الَّتِي فِي الْحَائِطِ (فَعَلَى رَبِّهِ خَلَفُهُ) وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَامِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى عَمَلٍ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَلَوْ شُرِطَ خَلَفُهُمْ عَلَى الْعَامِلِ لَمْ يَجُزْ (وَ) أَمَّا (نَفَقَةُ الدَّوَابِّ) أَيْ عَلَفُهُمْ (وَ) نَفَقَةُ (الْأُجَرَاءِ) جَمْعُ أَجِيرٍ أَيْ إطْعَامُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ فَ (عَلَى الْعَامِلِ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَجَمِيعَ الْمُؤَنِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ الَّتِي تَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا الثَّمَرَةُ لِأَنَّ الْعِوَضَ عَلَى ذَلِكَ يَقَعُ. وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ خَلَفُ مَا رَثَّ مِنْ الدِّلَاءِ وَالْأَحْبُلِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا حَتَّى تَهْلِكَ أَعْيَانُهَا وَأَمَدُ انْتِهَائِهَا مَعْلُومٌ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَصِحُّ مَا يُفِيدُهُ تت. قُلْت: مَا ذَكَرْته هُوَ الْقِيَاسُ. وَهَذَا مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي لَامِيَّةِ الْأَفْعَالِ. قَالَ شَارِحُهَا: وَمِمَّا جَاءَ بِالْكَسْرِ فَقَطْ شُذُوذًا اسْمُ الْمَكَانِ مِنْ لَحَنَ وَسَقَطَ وَشَرَقَ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: مَوْضِعُ السُّقُوطِ] أَيْ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْغَرْبِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ الْمَصْدَرَ، وَفِي الْحَقِيقَةِ التَّعَلُّقُ بِالْمَصْدَرِ [قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلِ الْجِذَاذِ] أَيْ: وَرَمِّ نَحْوِ قُفَّةٍ وَتَهْيِئَةِ قَنَاةِ الْمَاءِ [قَوْلُهُ: الْجَرِينِ] هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ الثِّمَارُ وَجَمْعُهُ جُرُنٌ كَبَرِيدٍ وَبُرُدٍ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ، فَحِينَئِذٍ فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَالْوَضْعُ فِي الْجَرِينِ [قَوْلُهُ: تَقْدِيرُهُ هَذَا] أَيْ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ: وَشَبَهُ ذَلِكَ قُلْت لَا دَاعِيَ إلَى ذَلِكَ إذْ لَوْ جَعَلَهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَحَذَفَ إخْبَارَ مَا بَعْدَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ الْعَكْسِ لَكَانَ أَوْضَحَ أَوْ الْخَبَرِ عَنْ الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِهِ بِالْمَذْكُورِ [قَوْلُهُ: أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ] فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ فَاعِلِ جَائِزٍ [قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِ مُشَاحَّةٌ] أُجِيبُ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ الِاشْتِرَاطِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ أَصَالَةً لِأَنَّ بَعْضَ الْمَسَائِلِ تَفْسُدُ بِاشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِنْهَا فَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ الشَّرْطِ لَهُ مَعَ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ تَنْقِيَةَ الْعَيْنِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ لَا عَلَى الْعَامِلِ [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ بَعْدَ أَنَّ التَّذْكِيرَ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ سَابِقًا عَلَى الْعَامِلِ لَيْسَ مِنْ الْمُصَنِّفِ. وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالتَّذْكِيرُ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ جَائِزٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: مِنْ الرَّقِيقِ إلَخْ] فَإِنْ وَقَعَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي صُلْبِ عَقْدِهَا فَسَدَتْ فَإِنْ حَصَلَ عَمَلٌ وَجَبَ بِهِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ بِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ [قَوْلُهُ: وَمَا مَاتَ] أَيْ أَوْ مَرِضَ أَوْ أَبَقَ [قَوْلُهُ: أَيْ الدَّوَابِّ الَّتِي فِي الْحَائِطِ] أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ وَهِيَ فِي الْحَائِطِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ عَلَى عَمَلٍ إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الدَّوَابُّ الَّتِي وَقَعَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَهِيَ فِي الْحَائِطِ [قَوْلُهُ: فَعَلَى الْعَامِلِ] اُنْظُرْ إذَا كَانَتْ إجَارَةُ الْأُجَرَاءِ الَّذِينَ فِي الْحَائِطِ قَبْلُ بِالنَّفَقَةِ هَلْ تَكُونُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَوْ عَلَى الْعَامِلِ لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ اهـ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ إنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَأَمَّا أُجْرَةُ مَنْ كَانَ فِي الْحَائِطِ فَعَلَى رَبِّهِ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً أَوْ مُشَاهَرَةً، وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ إلَّا أُجْرَةُ مَا اسْتَأْجَرَهُ هُوَ [قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ] أَيْ بِالْعَامِلِ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا عُلِمَ تَعَلُّقُهَا بِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: الَّتِي تَنْقَطِعُ بِانْقِطَاعِهَا الثَّمَرَةُ] أَيْ أَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ إذَا انْقَطَعَتْ انْقَطَعَتْ الثَّمَرَةُ أَيْ لَمْ تَتِمَّ قَدْ يُقَالُ: هَذَا مَوْجُودٌ فِي الْأُجَرَاءِ الَّتِي فِي الْحَائِطِ قَبْلُ فَإِنَّ الثَّمَرَةَ تَنْقَطِعُ أَيْ تَنْعَدِمُ بِانْعِدَامِ الْأُجَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ مَعَ أَنَّهَا عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَهْلِكَ أَعْيَانُهَا] أَيْ فَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِأَحْبُلٍ وَنَحْوِهَا فَتَكُونُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ

الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْضًا (زَرِيعَةُ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ بَذْرُ (الْبَيَاضِ الْيَسِيرِ) أَيْ الْأَرْضِ الْخَالِيَةِ عَنْ الشَّجَرِ وَالْيَسِيرُ الثُّلُثُ فَمَا دُونَهُ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلْغِي) أَيْ يَتْرُكَ (ذَلِكَ) الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ (لِلْعَامِلِ وَهُوَ) أَيْ الْإِلْغَاءُ (أَحَلُّ) لَهُ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ هُنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِيَسْلَمَ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ يُتْرَكُ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرَ الثُّلُثِ مِنْ الْجَمِيعِ فَأَقَلَّ) ق: اُنْظُرْ كَيْفَ بَيَّنَ أَنَّ الْيَسِيرَ يَدْخُلُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ وَأَنَّ الْكَثِيرَ لَا يَدْخُلُ، وَسَكَتَ عَنْ الْإِلْغَاءِ هَلْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَقَلَّ، وَيُعْرَفُ الْيَسِيرُ مِنْ الْكَثِيرِ بِأَنْ يُقَوَّمَ كِرَاءُ الْأَرْضِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَيُقَوَّمَ الثَّمَرُ عَلَى انْفِرَادِهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالدَّابَّةِ] أَيْ فَمُدَّةُ حَيَاتِهِمَا مَجْهُولَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ عَمَلُهُمَا بِذِمَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ لَفَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ [قَوْلُهُ: وَكَسْرِ الرَّاءِ] أَيْ الْمُخَفَّفَةِ وَالتَّشْدِيدُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُ الْبَيَاضِ فِي عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا عَلَى حِدَةٍ أَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ النَّخْلِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْمَجْعُولُ لِلْعَامِلِ فِيهِ مُوَافِقًا لِجُزْءِ الْحَائِطِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ عَلَى الْعَامِلِ وَأَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْبَيَاضِ مُنْفَرِدًا ثُلُثَ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ فَسَدَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ وَيُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فِي الْحَائِطِ وَإِلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ فِي الْبَيَاضِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ كَوْنَ الْبَذْرِ عَلَى الْعَامِلِ وَكِرَاءَ الْبَيَاضِ يَسِيرًا أَيْ قَدْرًا إلَخْ. كَمَا إذَا كَانَ الْبَيَاضُ يُسَاوِي مِائَةً وَقِيمَةُ الثَّمَرَةِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْهَا بَعْدَ إسْقَاطِ مَا أُنْفِقَ عَلَيْهَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ [قَوْلُهُ: الْبَيَاضُ إلَخْ] سُمِّيَ الْبَيَاضُ بَيَاضًا لِإِشْرَاقِ أَرْضِهِ بِضَوْءِ الشَّمْسِ نَهَارًا وَنُورِ الْكَوَاكِبِ لَيْلًا، وَسُمِّيَ مَا اسْتَتَرَ بِالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ سَوَادًا لِحَجْبِهَا لَهُ عَنْ الْإِشْرَاقِ [قَوْلُهُ: لَهُ] مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَصْلِهِ مَجْرُورٌ بِلَا مُقَدَّرَةٍ أَيْ أُحِلَّ لَهُ أَيْ لِرَبِّ الْحَائِطِ أَوْ الْعَامِلِ مِنْ اشْتِرَاطِ إدْخَالِهِ فِي الْمُسَاقَاةِ [قَوْلُهُ: بِمَا هُوَ خَيْرٌ] أَيْ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ [قَوْلُهُ: بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ] عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ يُتْرَكُ لِلْعَامِلِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ أَوْ الْعَامِلُ أَوْ هُمَا مَعًا أَوْ يَسْكُتَا عَنْهُ، أَمَّا إنْ اشْتَرَطَهُ رَبُّ الْحَائِطِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَطَاهُ فَيَجُوزُ بِشُرُوطٍ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ نَصَّ عَلَيْهِ ع وَق. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَذْرُ الْبَيَاضِ عَلَى الْعَامِلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِهِ فَسَدَ الْعَمَلُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ دَفَعَ شَيْئًا لِأَهْلِ خَيْبَرَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ الْمُشْتَرَطُ فِيهِ مُوَافِقًا لِجُزْءِ الْمُسَاقَاةِ، وَأَمَّا إذَا سَكَتَا عَنْهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُلْغَى لِلْعَامِلِ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ وَتَأَمَّلْهُ. تَنْبِيهٌ: هَذَا الْإِلْغَاءُ لِلْعَامِلِ مَشْرُوطٌ بِالسُّكُوتِ أَوْ اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْبَيَاضُ كَثِيرًا] بِحَيْثُ يَكُونُ كِرَاؤُهُ مُنْفَرِدًا فَوْقَ ثُلُثِ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ [قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ] أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْغَى لِلْعَامِلِ بَلْ يَبْقَى لِرَبِّهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْعَامِلُ أَيْضًا [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ] أَيْ الْبَيَاضُ لَا بِقَيْدِهِ السَّابِقِ [قَوْلُهُ: كَيْفَ بَيَّنَ] أَيْ لِمَ بَيَّنَ، أَيْ اُنْظُرْ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ بَيَّنَ أَنَّ الْيَسِيرَ يَدْخُلُ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ وَالْكَثِيرُ لَا يَدْخُلُ، وَسَكَتَ عَنْ جَوَابِ السُّؤَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِلْغَاءِ وَهُوَ هَلْ يَجُوزُ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: هَلْ يَجُوزُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ الْإِلْغَاءِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُلْغَى ذَلِكَ إلَخْ مُفِيدٌ لِهَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ أَنَّ جَوَازَ الْإِلْغَاءِ إذَا كَانَ يَسِيرًا فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَهَذَا يَكْفِي فِي الْبَيَانِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ إلَخْ] وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُلَخَّصُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَيَاضَ الْيَسِيرَ يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي الْمُسَاقَاةِ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَخْتَصُّ بِهِ الْعَامِلُ إنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ اشْتَرَطَهُ، وَيَفْسُدُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِاشْتِرَاطِ رَبِّهِ لَهُ إنْ كَانَ يَنَالُهُ سَقْيُ الْعَامِلِ كَمَا يَفْسُدُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِإِدْخَالِ

[المزارعة وما يتعلق بها]

وَيُنْسَبُ كِرَاؤُهُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ طَرْحِ قِيمَةِ الْمُؤْنَةِ، وَالْعَمَلُ مِثَالُ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: كَمْ قِيمَةُ ثَمَرَةِ هَذَا النَّخْلِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ مِنْهَا؟ فَيُقَالُ: ثَلَاثُونَ دِينَارًا فَقَالَ: بِكَمْ يُؤَاجَرُ عَلَيْهَا مَنْ يَعْمَلُ فِيهَا إلَى الْجِدَادِ؟ فَيُقَالُ: بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَتَنْقُصُهَا مِنْ الثَّلَاثِينَ تَبْقَى عِشْرُونَ ثُمَّ يُقَالُ أَيْضًا: بِكَمْ يُكْرَى هَذَا الْبَيَاضُ لِمَنْ يَعْلَمُهُ؟ فَيُقَالُ: بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَتُضِيفُهَا إلَى الْعِشْرِينَ فَتَكُونُ ثَلَاثِينَ تُنْسِيهَا مِنْهَا فَتَجِدُهَا ثُلُثًا فَتَعْلَمُ أَنَّ الْبَيَاضَ يَسِيرٌ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَيَاضِ عِشْرِينَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ فِي مُسَاقَاةِ النَّخْلِ لِأَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُغَارَسَةُ مَقِيسَةً عَلَى الْمُسَاقَاةِ عَقَّبَهَا بِهَا فَقَالَ: (وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ) وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِالْمُزَارَعَةِ وَلِجَوَازِهَا شُرُوطٌ أَحَدُهَا: الْمُتَعَاقِدَانِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ الشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ. ثَانِيهَا: السَّلَامَةُ مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَمْتَنِعُ كِرَاؤُهَا بِهِ كَالطَّعَامِ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ. رَابِعُهَا: أَنْ يَتَسَاوَى الْعَاقِدَانِ فِي الرِّبْحِ عَلَى نِسْبَةِ مَا يَلْزَمُهُمَا. خَامِسُهَا: خَلْطُ الْبَذْرِ إنْ كَانَ مِنْ عِنْدِهِمَا. سَادِسُهَا: أَنْ يَكُونَ مُقَابِلُ الْأَرْضِ مِنْ بَقَرٍ وَعَمَلٍ مُسَاوِيًا لِأُجْرَةِ الْأَرْضِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ كِرَاءُ الْأَرْضِ مِائَةً وَالْعَمَلُ يُسَاوِي خَمْسِينَ وَالْبَقَرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ سُنَّةَ الشَّرِكَةِ التَّسَاوِي ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَمَانِيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَثِيرِ أَوْ اشْتِرَاطِهِ لِلْعَامِلِ أَوْ إلْغَائِهِ لَهُ بَلْ يَبْقَى لِرَبِّهِ، وَالْمُعْتَبَرُ يَسَارَتُهُ وَكَثْرَتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّةِ الْعَامِلِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَيُنْسَبُ كِرَاؤُهُ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ] الضَّمِيرُ فِي كِرَاؤُهُ لِلْأَرْضِ بِمَعْنَى الْبَيَاضِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ قِيمَةِ بِمَعْنَى إلَى، أَيْ إلَى قِيمَةِ الثَّمَرَةِ وَالْمُطَابِقُ لِمِثَالِهِ أَنْ يَقُولَ: وَيَعْرِفُ الْيَسِيرَ مِنْ الْكَثِيرِ بِأَنْ يُقَوِّمَ الثَّمَرَ عَلَى انْفِرَادِهِ ثُمَّ يُسْقِطَ مِنْهُ مَا لِلْعَامِلِ، ثُمَّ يُقَالُ كَمْ يُكْرَى هَذَا الْبَيَاضُ لِمَنْ يَعْمَلُهُ ثُمَّ يُضِيفُهُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرِ بَعْدَ مَا أَسْقَطَ مَا لِلْعَامِلِ، ثُمَّ يَنْسُبُ قِيمَةَ الْبَيَاضِ إلَى قِيمَةِ الثَّمَرِ وَمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَيُقَالُ بِعَشْرَةٍ إلَخْ] وَهِيَ قِيمَةُ الْمُؤْنَةِ وَالْعَمَلِ [الْمُزَارَعَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] [قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَتْ الْمُغَارَسَةُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَئِمَّتِنَا فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ فَجَعَلُوا الْمُغَارَسَةَ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُزَارَعَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَمُفَادُ عج اعْتِمَادُهُ وَفِيهَا رِسَالَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ وَنَظَمَهَا عج وَشَرَحَهَا قَالَ: إنَّ الْمُغَارَسَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْمُزَارَعَةِ الَّتِي فِي خَلِيلٍ وَإِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْمُغَارَسَةِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: وَالشَّرِكَةُ فِي الزَّرْعِ جَائِزَةٌ] وَعَقْدُهَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْبَذْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ وَلَوْ لَمْ يَنْضَمَّ لِلْبَذْرِ حَرْثٌ، وَأَمَّا الْحَرْثُ بِدُونِ بَذْرٍ فَلِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْفَسْخَ لَهُ ذَلِكَ وَمَنْ لَهُ عَمَلٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ أَوْ يَقْتَسِمَانِ الْأَرْضَ إنْ كَانَ الْعَمَلُ لَهُمَا وَالْأَرْضُ لَهُمَا وَإِنَّمَا لَمْ تَلْزَمْ بِالْعَقْدِ كَشَرِكَةِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ بِالْمَنْعِ فِيهَا مُطْلَقًا فَضَعُفَ الْأَمْرُ فِيهَا فَلَا بُدَّ فِي لُزُومِهَا مِنْ أَمْرٍ قَوِيٍّ وَهُوَ الْبَذْرُ [قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ الشَّرِكَةِ وَالْإِجَارَةِ] أَيْ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، فَأَهْلِيَّةُ الشَّرِكَةِ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ فَلَا تَصِحُّ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ وَلَا سَفِيهَيْنِ وَلَا بَيْنَ صَبِيٍّ وَرَشِيدٍ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِجَارَةُ لَعَلَّ الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا ذُكِرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: كَالطَّعَامِ] وَلَوْ لَمْ تُنْبِتْهُ كَالْعَسَلِ أَوْ بِمَا تُنْبِتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا كَقُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ إلَّا الْخَشَبَ وَنَحْوَهُ [قَوْلُهُ: أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ] ظَاهِرُهُ تَعَيُّنُ هَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ لَا يَتَعَدَّى بِهَا عَنْ مَحَلِّهَا، قَالَ: فَلَوْ عَقَدَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِلَفْظِ شَرِكَةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَتَدَبَّرْ اهـ. [قَوْلُهُ: خَلَطَ الْبَذْرَ إنْ كَانَ] وَلَوْ كَانَ الْخَلْطُ حُكْمًا بِأَنْ يُخْرِجَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَذْرَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ يَخْلِطَاهُ حَتَّى وَصَلَ إلَى الْفَدَّانِ، وَيَبْذُرُ كُلُّ وَاحِدٍ بَذْرَهُ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْ بَذْرِ صَاحِبِهِ فَإِنْ تَمَيَّزَ بِأَنْ بَذَرَ كُلٌّ فِي نَاحِيَةٍ فَلَا يَصِحُّ وَلِكُلٍّ مَا نَبَتَ حَبُّهُ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ سَحْنُونَ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْخَلْطِ لَا حِسًّا وَلَا حُكْمًا، وَعَلَيْهِ فَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَلَوْ كَانَ بَذْرُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَاحِيَةٍ بِحَيْثُ صَارَ مُتَمَيِّزًا [قَوْلُهُ: سَادِسُهَا إلَخْ] هَذَا ظَاهِرٌ إذَا دَخَلَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أُجْرَةُ الْبَقَرِ وَالْعَمَلِ خَمْسِينَ مَثَلًا وَأُجْرَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَالْبَذْرُ عَلَى حَسَبِ كُلٍّ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ

مَسَائِلَ: أَرْبَعَةٌ جَائِزَةٌ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالرَّابِعَةُ مُتَأَخِّرَةٌ وَأَرْبَعَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَفْهُومِ وَثَلَاثَةٌ بِالْمَنْطُوقِ، أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْجَائِزَةُ فَأَشَارَ إلَى أَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: (إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ) قَالُوا: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: وَالزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الزَّرِيعَةِ، وَأَمَّا إذَا تَفَاضَلَا فِيهَا مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ وَالْآخَرُ الثُّلُثَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ وَثَانِيهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَاكْتَرَيَا الْأَرْضَ) يُرِيدُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَثَالِثُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ كَانَتْ) أَيْ الْأَرْضُ (بَيْنَهُمَا) وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمَمْنُوعَةُ الْمَأْخُوذَةُ بِالْمَنْطُوقِ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَمَّا إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا وَمِنْ عِنْدِ الْآخَرِ الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِمَا) مَعًا (وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ) بَيَانُ أَخْذِهَا مِنْهُ هُوَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَخْرَجَ الْبَذْرَ وَالْآخَرُ الْأَرْضَ وَالْعَمَلَ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى مَخْرَجِ الْبَذْرِ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَخْرَجَ الْبَذْرَ وَالْعَمَلَ وَالْآخَرُ الْأَرْضَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَيْهِمَا أَيْ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ وَالْآخَرُ الْبَذْرَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الرَّابِعَةِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْمَسَائِلِ الْجَائِزَةِ بِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَا اكْتَرَيَا الْأَرْضَ) يُرِيدُ أَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا وَيُعْطِيهِ الْآخَرُ كِرَاءَ نِصْفِهِ (وَالْبَذْرُ مِنْ عِنْدِ وَاحِدٍ وَعَلَى الْآخَرِ الْعَمَلُ جَازَ) ذَلِكَ (إذَا تَقَارَبَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ) الْبَذْرِ وَالْعَمَلُ مَفْهُومُهُ إذَا لَمْ تَتَقَارَبْ لَا تَجُوزُ، وَهَذِهِ هِيَ الْمُكَمِّلَةُ لِلْأَرْبَعَةِ الْمَمْنُوعَةِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالرَّابِعِ وَتَدَبَّرْهُ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الزَّرِيعَةُ إلَخْ] يُصَوِّرُ بِمَا تَقَدَّمَ لَهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَأُجْرَةُ الْبَقَرِ وَالْعَمَلِ كَذَلِكَ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً وَالرِّبْحُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الزَّرِيعَةِ أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا الْمُقْتَضَى مُسَاوَاتُهُمَا فِي الرِّبْحِ [قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْآخَرِ] أَيْ بِشَرْطِ مُسَاوَاتِهِ لِأُجْرَةِ الْأَرْضِ فِي الْقِيمَةِ أَوْ مُقَارَبَتِهِ كَأَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْأَرْضِ تِسْعَةَ عَشَرَ وَقِيمَةُ الْعَمَلِ عِشْرِينَ أَوْ عَكْسُهُ، وَأَمَّا لَوْ تَبَاعَدَتْ فَلَا جَوَازَ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّرْعِ قَدْرَ مَا أَخْرَجَ، وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الْحَرْثُ لَا الْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ. [قَوْلُهُ: فَفِيهِ تَفْصِيلٌ إلَخْ] قَالَ: فِيهِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَالْآخَرُ الثُّلُثُ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ الثُّلُثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْعَمَلِ يُقَابِلُ الثُّلُثَ مِمَّا أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَالْعَمَلُ مُقَابِلُ الْأَرْضِ وَالثُّلُثِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْعَمَلِ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ ثُلُثَيْ الزَّرِيعَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّرِيعَةِ فَيَجُوزُ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الزَّرِيعَةِ، وَالْعَمَلُ يُقَابِلُ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُقَابِلُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَ الْآخَرَ وَالْعَمَلَ مُقَابِلُ الْأَرْضِ فَفِيهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِمَا تُنْبِتُ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. وَقَوْلُ التَّحْقِيقِ وَالْعَمَلُ مُقَابِلُ الْأَرْضِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَاوَتْ قِيمَةُ الْعَمَلِ قِيمَةَ الْأَرْضِ مَعَ الثُّلُثِ الْبَاقِي وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الزَّرِيعَةِ الْمُرَادُ أَخْذُ كُلِّ قَدْرِ مَا أَخْرَجَ مِنْ الزَّرِيعَةِ. وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ مُقَابِلُ الْأَرْضِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَامِلَ قَابَلَ الْأَرْضَ مُقَابَلَةً بِحَسَبِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَمَلِ مَثَلًا عِشْرُونَ، وَقِيمَةَ الْأَرْضِ عَشْرَةٌ وَلِرَبِّ الْعَمَلِ الثُّلُثَانِ. [قَوْلُهُ: أَوْ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا وَاكْتَرَيَا الْأَرْضَ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ يُصَدَّقُ بِالْمُنَاصَفَةِ وَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَتَدَبَّرْ فَقَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا أَيْ بِحَسَبِ مَا لِكُلٍّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّسَاوِي [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ أَيْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا] أَيْ مِلْكًا لِذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. وَقَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا وَالزَّرِيعَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا قُلْت: وَتُصَدَّقُ هَذِهِ بِالْمُنَاصَفَةِ وَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْمَمْنُوعَةُ] أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ] وَهُوَ الْأَقْرَبُ [قَوْلُهُ: إذَا تَقَارَبَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْبَذْرِ] كَمَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا عَشْرَةً وَالْآخَرِ

[الجوائح]

مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَمْ لَا (وَلَا يُنْقَدُ) بِشَرْطٍ (فِي كِرَاءِ أَرْضٍ غَيْرِ مَأْمُونَةِ) الرَّيِّ (قَبْلَ أَنْ تُرْوَى) لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا وَتَارَةً سَلَفًا، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَقْدٍ أَوْ بِنَقْدٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَائِزٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ غَيْرِ مَأْمُونَةٍ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَأْمُونَةَ الرَّيِّ لَجَازَ النَّقْدُ فِيهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ عَقَّبَهَا بِالْجَوَائِحِ جَمْعُ جَائِحَةٍ وَهِيَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا، وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ تَسَاوِيهِمَا قَالَهُ تت وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ وَقَابِلُهَا مُسَاوٍ وَتَسَاوَيَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَاسُ عَلَى هَذَا بَاقِي مَا يَزِيدُ فِيهِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ كَمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةً وَقِيمَةُ الْآخَرِ مِائَةً وَعَشْرَةً وَهَكَذَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَمْ لَا] أَقُولُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ مُقَاوَمَةَ الْبَذْرِ لِلْعَمَلِ أَوْ الْقُرْبِ لَزِمَ أَنَّ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُنَاصَفَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً. تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ أَنْ يَتَبَرَّعَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فُسِخَتْ قَبْلَ الْفَوَاتِ بِالْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْفَوَاتِ بِهِ فَإِنْ تَكَافَئَا عَمَلًا أَيْ وَقَعَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي قَدْرِهِ فَبَيْنَهُمَا وَتَرَادُّوا غَيْرَ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ، فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْبَذْرِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمِثْلِ نِصْفِ بَذْرِهِ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ بِأُجْرَةِ نِصْفِ أَرْضِهِ وَهَذِهِ فَاسِدَةٌ لِمُقَابَلَةِ الْأَرْضِ الْبَذْرَ، فَلَوْ كَانَ الْعَامِلُ أَحَدَهُمَا وَكَانَ لَهُ مَعَ عَمَلِهِ إمَّا أَرْضٌ وَالْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ أَوْ بَذْرٌ وَالْأَرْضُ مِنْ الْآخَرِ فَالزَّرْعُ يَكُونُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا وَمَكِيلَةُ الْبَذْرِ لِصَاحِبِهِ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةُ الْبَقَرِ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ الْبَقَرُ مِنْ عِنْدِهِ. وَكَذَا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَى عَمَلِهِ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ أَوْ بَذْرٍ أَوْ بَقَرٍ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخُمَاسِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ حَيْثُ وَقَعَتْ فَاسِدَةً، وَحَاصِلُهَا أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا الْبَذْرَ وَالْأَرْضَ وَالْبَقَرَ وَعَلَى الْآخَرِ عَمَلُ يَدِهِ فَقَطْ وَلَهُ مِنْ الزَّرْعِ جُزْءٌ كَرُبْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَتَكُونُ صَحِيحَةً إنْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الشَّرِكَةِ لَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِطْلَاقِ فَتَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً، وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الْحَرْثُ لَا الْحَصَادُ وَالدِّرَاسُ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَتَى شُرِطَ عَلَيْهِ أَزْيَدُ مِنْ الْحَرْثِ فَسَدَتْ، وَالْعُرْفُ كَالشَّرْطِ وَأَمَّا لَوْ تَطَوَّعَ بِأَزْيَدَ مِنْ الْحَرْثِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَالْحِفْظِ وَالسَّقْيِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلَهُ حِصَّةٌ مِنْ التِّبْنِ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ. [قَوْلُهُ: غَيْرِ مَأْمُونَةِ الرَّيِّ] أَيْ كَأَرْضِ الْمَطَرِ وَأَرْضِ الْعَيْنِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَكُونُ تَارَةً بَيْعًا إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهَا بِصَدَدِ أَنْ تُرْوَى فَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ الْبَائِعُ ثَمَنًا، وَبِصَدَدِ أَلَّا تُرْوَى فَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ سَلَفًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] فَإِنْ قُلْت: إنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ وَالثَّمَنِيَّةِ مَوْجُودٌ فِي حَالَةِ النَّقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قُلْت: نَعَمْ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَأْمُونَةَ الرَّيِّ] أَيْ كَأَرْضِ النِّيلِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَحْرِ الشَّدِيدَةِ الِانْخِفَاضِ، وَكَأَرْضِ الْمَطَرِ فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ فَيَجُوزُ عَقْدُ الْكِرَاءِ فِيهَا عَلَى النَّقْدِ وَلَوْ مَعَ الشَّرْطِ كَمَا يَجُوزُ عَقْدُ كَرَائِهَا وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ كَالثَّلَاثِينَ سَنَةً. وَأَمَّا الَّتِي رُوِيَتْ بِالْفِعْلِ أَوْ تَحَقَّقَ رَيُّهَا وَتَمَكَّنَ الْمُكْتَرِي مِنْ زَرْعِهَا فَيَجِبُ نَقْدُ الْكِرَاءِ فِيهَا حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ تَأْجِيلُ الْكِرَاءِ وَإِلَّا عُمِلَ بِالشَّرْطِ وَالْمَغْمُورَةُ بِالْمَاءِ وَيَنْدُرُ انْكِشَافُهَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا عَلَى تَقْدِيرِ انْكِشَافِهَا وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا. وَلَوْ تَطَوُّعًا، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ انْكِشَافُهَا عَادَةً فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ كِرَائِهَا حَتَّى تَنْكَشِفَ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: لَجَازَ النَّقْدُ] أَيْ شَرْطُ النَّقْدِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ] وَعِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ أَرْضَ الْمَطَرِ لَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا إلَّا لِعَامٍ وَاحِدٍ قُرْبَ إبَّانِهَا، وَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا حَتَّى تُرْوَى، وَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِ تَمَامِ كَلَامِهِ [الْجَوَائِح] [قَوْلُهُ: جَمْعُ جَائِحَةٍ] بِيَاءٍ بَعْدَ الْأَلِفِ ثُمَّ حَاءٍ

وَالْجَيْشِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ السَّارِقُ جَائِحَةً لِأَنَّهُ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ لَوْ عُلِمَ بِهِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ السَّارِقَ جَائِحَةٌ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ تَكُونُ الْجَائِحَةُ الْآفَاتِ السَّمَاوِيَّةَ وَالْجَيْشَ وَالسَّارِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَهَا شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (ثَمَرَةً) مِنْ أَيِّ الثِّمَارِ دُونَ أَصْلِهَا بَعْدَ الزَّهْوِ قَبْلَ كَمَالِ طِِيبِهَا (فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ فَأُجِيحَ بِبَرْدٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْحَجَرُ النَّازِلُ مَعَ الْمَطَرِ وَذَكَّرَ الْفِعْلَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى (أَوْ) أُجِيحَ بِ (جَرَادٍ أَوْ جَلِيدٍ) وَهُوَ الْمَاءُ الْجَامِدُ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ لَهُ لَمَعَانٌ كَالزُّجَاجِ (أَوْ) أُجِيحَ بِ (غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ كَالثَّلْجِ وَالرِّيحِ دَخَلَ فِي عِبَارَتِهِ الْجَيْشُ وَالسَّارِقُ (فَإِنْ أُجِيحَ قَدْرُ الثُّلُثِ فَأَكْثَرُ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا بَاعَ الْمَرْءُ الثَّمَرَةَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الضَّمَانُ» . وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ (وَ) أَمَّا (مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ) أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُهْمَلَةٍ تَحْقِيقٌ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَا أَتْلَفَ مِنْ مَعْجُوزٍ عَنْ دَفْعِهِ عَادَةً قَدْرًا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ نَبَاتٍ بَعْدَ بَيْعِهِ قَوْلُهُ: مِنْ مَعْجُوزٍ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ. وَقَوْلُهُ قَدْرًا مَفْعُولُ أَتْلَفَ وَأَطْلَقَ فِي الْقَدْرِ حَتَّى يَعُمَّ الثِّمَارَ وَغَيْرَهَا إلَّا أَنَّ الثِّمَارَ فِيهَا شَرْطُ الثُّلُثِ وَأَطْلَقَ فِي الثَّمَرِ ظَاهِرُهُ أَيَّ تَمْرٍ كَانَ وَكَذَلِكَ النَّبَاتُ كَالْبُقُولِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ فِي قَدْرِهَا. [قَوْلُهُ: مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ] أَيْ أَنَّ لَوْ عَلِمَ بِهِ [قَوْلُهُ: كَالْبَرْدِ] بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ وَكَالْحَرِّ وَقَوْلُهُ: وَالْجَيْشُ أَيْ الْكَثِيرُ [قَوْلُهُ: وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ حَكَى الْخِلَافَ فَقَالَ: وَهَلْ هِيَ مَا لَا يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ كَسَمَاوِيٍّ وَجَيْشٍ أَوْ وَسَارِقٍ خِلَافٌ [قَوْلِهِ: وَالسَّارِقُ] مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ السَّارِقُ وَإِلَّا فَلَا، وَيَتْبَعُهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ مُعْدَمًا. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْأَظْهَرُ فِي عُدْمِهِ غَيْرُ مَرْجُوٍّ يُسْرُهُ عَنْ قُرْبِ أَنَّهُ جَائِحَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ [قَوْلُهُ: وَلَهَا شُرُوطٌ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَهَا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيْعٍ وَأَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ قَدْ بَقِيَتْ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ وَأَنْ تَكُونَ بِيعَتْ مُفْرَدَةً وَأَنْ تَكُونَ مِمَّا أُجِيحَ الثُّلُثُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. فَقَوْلُهُ هُنَا مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَخْ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّالِثُ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ: وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ كَوْنُ الثَّمَرَةِ بِيعَتْ مُفْرَدَةً عَنْ أَصْلِهَا فَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ بِالْإِرَادَةِ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ مُفْرَدَةً عَنْ أَصْلِهَا، وَالْأُخْرَى أَنْ تُشْتَرَى الثَّمَرَةُ مُفْرَدَةً ثُمَّ يُشْتَرَى الْأَصْلُ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَظْهَرْ لِي أَخْذُهُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: دُونَ أَصْلِهَا] الصُّوَرُ أَرْبَعٌ مَا إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ أَوَّلًا دُونَ أَصْلِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى الْأُصُولَ ثَانِيًا، فَهَاتَانِ فِيهِمَا الْجَائِحَةُ وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَاهُمَا مَعًا أَوْ الْأَصْلَ أَوَّلًا ثُمَّ اشْتَرَى الثِّمَارَ فَهَاتَانِ لَا جَائِحَةَ فِيهِمَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ دُونَ أَصْلِهَا أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا أَوَّلًا دُونَ أَصْلِهَا فَيُصَدَّقُ بِمَا إذَا اشْتَرَى الْأَصْلَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوَّلًا [قَوْلُهُ: بَعْدَ الزَّهْوِ] أَيْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ بِيعَتْ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى شَرْطِ الْجَذِّ، أَيْ وَحَصَلَتْ الْجَائِحَةُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُجَذُّ فِيهَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَوْ حَصَلَتْ بَعْدَهَا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ جَذِّهَا فِيهَا عَلَى عَادَتِهَا. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْبَاءِ] أَيْ وَالرَّاءِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَجَرُ] أَيْ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْحَجَرَ لَا أَنَّهُ حَجَرٌ [قَوْلُهُ: وَأُجِيحَ بِجَرَادٍ] جَمْعُ جَرَادَةٍ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَالْبَقَرَةِ، سُمِّيَ جَرَادًا لِأَنَّهُ يُجَرِّدُ الْأَرْضَ بِأَكْلِ مَا عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَاءُ الْجَامِدُ] أَيْ يَجْمُدُ بَعْدَ نُزُولِهِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ أُجِيحَ قَدْرُ الثُّلُثِ] وَلَوْ كَانَ الثُّلُثُ مُلَفَّقًا مِنْ صَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ] الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى وَضْعِ الْجَائِحَةِ بِقَيْدِ ذَهَابِ الثُّلُثِ فَمُقَابِلُهُ مَا لِلشَّافِعِيِّ مِنْ وَضْعِهَا مُطْلَقًا، وَمَا لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ عَدَمِ وَضْعِهَا مُطْلَقًا فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مُقَابِلَ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ طَائِفَتَانِ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ أَيْ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُوَطَّأِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى وَضْعِ الْجَائِحَةِ بِدُونِ قَيْدِهِ فَيَكُونُ مُقَابِلُ الْكَثِيرِ فِرْقَةً وَاحِدَةً تَقُولُ بِعَدَمِ الْوَضْعِ مُطْلَقًا وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُوَطَّأِ وَحُرِّرَ.

ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ لِوَضْعِ الْجَائِحَةِ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَحْضًا احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَهْرًا فَإِنَّهَا إذَا أُجِيحَتْ لَا قِيَامَ لَهَا بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُكَارَمَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مُشْتَرَاةً مُنْفَرِدَةً عَنْ أَصْلِهَا كَمَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامَهُ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَاةً مَعَ أَصْلِهَا فَإِنَّهَا لَا جَائِحَةَ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ. ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مُبْقَاةً عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا. ثَالِثُهَا: أَنْ يَبْلُغَ مَا أُجِيحَ الثُّلُثَ لَا أَقَلَّ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ الْهَوَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَرْمِيَ بَعْضَ الثَّمَرَةِ وَيَأْكُلَ الطَّيْرُ مِنْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ الْمُبْتَاعُ عَلَى إصَابَةِ الْيَسِيرِ وَالْيَسِيرُ الْمُحَقَّقُ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَمُرَادُهُ بِالثُّلُثِ: ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ لَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَائِحَةَ فِي الثَّمَرَةِ إنَّمَا هِيَ نُقْصَانُهَا وَفَسَادُهَا لَا رُخْصُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَرَةَ لَوْ لَمْ تُصِبْهَا آفَةٌ سِوَى رُخْصِهَا فَإِنَّهُ لَا قِيَامَ لِلْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَلَا يُنْظَرُ إلَى ثُلُثِ الْقِيمَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْدِيدِ فِي وَضْعِ الْجَائِحَةِ بِالثُّلُثِ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ الْجَائِحَةِ غَيْرَ الْعَطَشِ، أَمَّا إذَا كَانَ سَبَبُهَا الْعَطَشَ فَلَا تَحْدِيدَ. بَلْ يُوضَعُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا كَانَتْ تُشْرَبُ مِنْ الْعُيُونِ أَوْ مِنْ السَّمَاءِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ثُبُوتُ الْجَائِحَةِ فِيمَا ذَكَرَ وَلَوْ اشْتَرَطَ إسْقَاطَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: لَوْ أُجِيحَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَهُ: خُذْ ثَمَنَك وَرُدَّ لِي ثَمَرِي وَكَذَا لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إذَا أُجِيحَ النِّصْفُ فَأَكْثَرُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: خُذْ ثَمَرَك وَارْدُدْ عَلَيَّ ثَمَنِي وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِقَدْرِ مَا فَسَدَ إنْ كَانَ الثُّلُثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْعٍ] وَلَوْ مِنْ عَرِيَّتِهِ وَصُورَتُهَا أَعْرَى شَخْصًا مِنْ حَائِطِهِ ثَمَرَ نَخَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ، فَإِذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِخِرْصِهَا فَأُجِيحَتْ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ عَنْهُ مِنْ الْخِرْصِ. [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مَهْرًا] أَيْ وَلَا مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ [قَوْلُهُ: لَا قِيَامَ لَهَا بِذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] هَذَا خِلَافُ مَا شَهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ الثَّمَرَةَ الْمَدْفُوعَةَ مَهْرًا فِيهَا الْجَائِحَةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: كَمَا قَيَّدْنَا بِهِ] يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَرِيحًا وَإِنْ فُهِمَ بِالْإِرَادَةِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَاةً مَعَ أَصْلِهَا] أَيْ أَوْ اشْتَرَى الْأَصْلَ ثُمَّ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ فَلَا جَائِحَةَ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا جَائِحَةَ فِيهَا عَلَى الْمَشْهُورِ] وَقِيلَ بِثُبُوتِهَا إنْ عَظُمَ خَطَرُهَا قَالَهُ أَصْبَغُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِ الْجَائِحَةِ فِيهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْأَصْلَ ثُمَّ الثَّمَرَةَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فَقِيلَ: بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ وَقِيلَ بِعَدَمِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ مُبْقَاةً عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ فَلَا جَائِحَةَ فِيهَا. حَاصِلُهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ فَرَوَى سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِيهَا الْجَائِحَةَ وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ، وَرَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُوضَعُ إلَّا إذَا بَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طَيِّبُهَا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ سَحْنُونًا أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا الْجَارِيَةُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: ثُلُثُ الْمَكِيلَةِ] أَيْ فَأَكْثَرَ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَوَائِحَ لِتَكَرُّرِهَا بَعْدَ الْمُشْتَرِي كَالدَّاخِلِ عَلَى ذَلِكَ وَلِنُدُورِ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ ذَهَابِ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ ذَهَابُ ثُلُثِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَعَيَّبَتْ، وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ فَإِذَا أَذْهَبَ التَّعْيِيبُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ [قَوْلُهُ: لَا ثُلُثُ الْقِيمَةِ] فَإِذَا كَانَ الْمُجَاحُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ فَلَا جَائِحَةَ وَلَوْ سَاوَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ نِصْفَ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ [قَوْلُهُ: وَفَسَادُهَا] أَيْ تَغَيُّرُهَا وَتَعِيبُهَا وَإِنْ لَمْ تَهْلِكْ لَكِنْ فِي ذَهَابِ الْعَيْنِ يُنْظَرُ إلَى ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ، وَفِي التَّعْيِيبِ يُنْظَرُ إلَى ثُلُثِ الْقِيمَةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ سَبَبُهَا الْعَطَشَ إلَخْ] وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي وَضْعِ جَائِحَةِ الْعَطَشِ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طَيِّبُهَا، وَأَنْ تَكُونَ اُشْتُرِيَتْ مُفْرَدَةً أَمْ لَا، وَيَجْرِي هَذَا فِي الْبُقُولِ أَيْضًا لَكِنْ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْإِفْرَادُ كَوَرَقِ التُّوتِ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: بَلْ يُوضَعُ

[العرايا]

فَأَكْثَرَ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ فِي الْحَائِطِ صِنْفَانِ مَثَلًا كَبَرْنِيِّ وَصَيْحَانِيٍّ وَأُصِيبَ أَحَدُهُمَا اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنْ الْجَمِيعِ لَا مِنْ الْمُصَابِ فَقَطْ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا لَا جَائِحَةَ فِيهِ فَقَالَ: (وَلَا جَائِحَةَ فِي الزَّرْعِ) لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بَعْدَ يُبْسِهِ (وَ) كَذَا (لَا) جَائِحَةَ (فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ) (وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الْبُقُولِ) كَالْبَصَلِ وَالسِّلْقِ (وَإِنْ قُلْت) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ غَالِبَهَا مِنْ الْعَطَشِ (وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَّا) إذَا كَانَتْ (قَدْرَ الثُّلُثِ) ثُمَّ عَقَّبَ الْجَوَائِحَ بِالْعَرَايَا وَهِيَ آخِرُ مَا ذَكَرَهُ مِمَّا شَاكَلَ الْبُيُوعَ وَهِيَ جَمْعُ عَرِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَرَوْتُهُ أَعْرُوهُ إذَا طَلَبْت مَعْرُوفَهُ، فَهِيَ فَعْلِيَّةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ عَطِيَّةٌ وَهِيَ فِي الِاصْطِلَاحِ أَنْ يَمْنَحَ الرَّجُلُ الْآخَرَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ يَأْكُلُهَا هُوَ وَعِيَالُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا] لِأَنَّ السَّقْيَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَشْبَهَ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ [قَوْلُهُ: وَأُصِيبَ أَحَدُهُمَا] أَيْ أَوْ أُجِيحَ بَعْضُ مَنْ كَانَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا بَعْدَ يُبْسِهِ إلَخْ] فَتَأْخِيرُهُ مَحْضُ تَفْرِيطٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ [قَوْلُهُ: وَلَا جَائِحَةَ فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا اُشْتُرِيَ قَبْلَ الْيُبْسِ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا اُشْتُرِيَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَفِيهِ الْجَائِحَةُ أَيَّامَ جِذَاذِهِ أَوْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ لَا لِغَيْرِهِ، وَكَذَا مَا كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِيهِ الْجَائِحَةُ وَلَوْ تَنَاهَى طَيِّبُهُ وَجُذَّ فِي أَيَّامِهِ لَا إنْ تَأَخَّرَ هَذَا إذَا اشْتَرَى عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ عَلَى الْقَطْعِ فَفِيهِ الْجَائِحَةُ أَيَّامَ جِذَاذِهِ لَا إنْ بَقِيَ حَتَّى انْتَهَى طَيِّبُهُ [قَوْلُهُ: كَالْبَصَلِ وَالسِّلْقِ] الْحَاصِلُ أَنَّ الْبُقُولَ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْبَصَلِ وَالْخَسِّ وَالْجَزَرِ وَالسِّلْقِ وَالْكُزْبَرَةِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْت] إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجَاحُ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا، وَإِنَّمَا وُضِعَتْ وَإِنْ قَلَّتْ لِعُسْرِ مَعْرِفَةِ ثُلُثِهَا لِأَنَّهَا تُقْطَعُ شَيْئًا فَشَيْئًا. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهَا تُوضَعُ مُطْلَقًا. تَنْبِيهٌ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ بَيْعِ مُغَيَّبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ، وَهَلْ يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ وَرَقِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ النَّاصِرُ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَلْعِ شَيْءٍ مِنْهُ وَيَرَاهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ ظَاهِرُ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ. [الْعَرَايَا] [قَوْلُهُ: بِالْعَرَايَا] أَيْ بِبَيْعِ الْعَرَايَا [قَوْلُهُ: مِمَّا شَاكَلَ الْبُيُوعَ] قَدْ يُقَالُ: إنَّ بَيْعَهَا بَيْعُ حَقِيقَةٍ لَا مِمَّا شَاكَلَ الْبُيُوعَ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى وَإِنْ أَرَادَ ذَاتَ الْعَرِيَّةِ، فَنَقُولُ: هِيَ عَطِيَّةٌ مِنْ الْعَطَايَا [قَوْلُهُ: مِنْ عَرَوْته] أَيْ مَصْدَرِ عَرَوْته أَيْ عَرْوًا إذْ هُوَ مِنْ بَابِ قَتَلَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: أَيْ عَطِيَّةٌ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عَرِيَّةٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ لِقَوْلِهِ إذَا طَلَبْت مَعْرُوفَهُ حَيْثُ يُرِيدُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ أَنْ يَقُولَ أَيْ طَلِيبَةً بِمَعْنَى مَطْلُوبَةٍ، وَعَرِيَّةٌ أَصْلُهَا عَرْيِوَةٌ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً وَتُدْغَمُ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيَّ مُطْلَقُ عَطِيَّةٍ وَالظَّاهِرُ عَطِيَّةٌ مَخْصُوصَةٌ. فَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا اصَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَدَخَلَتْ الْهَاءُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا ذُهِبَ بِهَا مَذْهَبَ الْأَسْمَاءِ مِثْلَ النَّطِيحَةِ وَالْأَكِيلَةِ، فَإِذَا جِيءَ بِهَا مَعَ النَّخْلَةِ حُذِفَتْ الْهَاءُ، وَقِيلَ: نَخْلَةٌ عَرِيٌّ كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَمْنَحَ الرَّجُلُ إلَخْ] مُفَادُهُ أَنَّ الْعَرِيَّةَ اصْطِلَاحًا نَفْسُ إعْطَاءِ الثَّمَرَةِ لَا نَفْسُ الثَّمَرَةِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ هَلْ هِيَ هِبَةُ الثَّمَرَةِ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ، وَالصَّوَابُ مَا عَرَّفَهَا بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّهَا مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرٍ تَيَبَّسَ لِإِطْلَاقِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ بِإِضَافَةِ الْبَيْعِ لَهَا أَفَادَهُ الْأَبِيُّ [قَوْلُهُ: الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا وَكَذَا مَا بَعْدَهُ [قَوْلُهُ: ثَمَرَ نَخْلَةٍ] أَيْ مِنْ جِنَانِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْرَى رَجُلًا ثَمَرَ نَخْلٍ آخَرَ لَكَانَتْ عَرِيَّةً بَاطِلَةً لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ كَمَنْ ابْتَدَأَ عَطِيَّةً مِنْهُ بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَمْضِي بِإِجَازَتِهِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ [قَوْلُهُ: ثُمَّ

وَحُكْمُهَا الرُّخْصَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ وَمِنْ رُجُوعِ الْإِنْسَانِ فِي هِبَتِهِ وَمِنْ الْمُزَابَنَةِ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» الشَّكُّ مِنْ شَيْخِ مَالِكٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا» وَلَهَا شُرُوطٌ، أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْعَرِيَّةِ وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (وَمَنْ أَعْرَى) فَلَوْ أَعْطَاهُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَجُزْ. ثَانِيهَا: أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ أُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: (ثَمَرَ نَخَلَاتٍ) وَقَوْلِهِ: (لِرَجُلٍ مِنْ جِنَانِهِ) الرَّجُلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ. ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيهَا مُعْرِيَهَا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ. رَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي جُمْلَتَهَا لَا بَعْضَهَا وَأُخِذَ هَذَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْتَرِيهَا] ظَاهِرُهُ دُخُولُ حَقِيقَةِ الشِّرَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْعَرِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا أَعْرَاهُ عَامَيْنِ مَثَلًا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ الْآنَ قَبْلَ وُجُودِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الزَّهْوِ كَمَا يَأْتِي، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَرَادَ الشِّرَاءَ الشَّرْعِيَّ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الرُّخْصَةُ] أَيْ مِنْ حَيْثُ بَيْعُهَا. وَقَوْلُهُ: أُصُولٍ أَيْ قَوَاعِدَ مَعْلُومَةٍ وَجَعْلُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ قَوَاعِدَ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ الرِّبَا حَرَامٌ [قَوْلُهُ: مِنْ رِبَا الْفَضْلِ] إنْ أُرِيدَ بِالتَّفَاضُلِ تَحَقُّقُهُ نَافَى قَوْلَهُ الْآتِي وَكَانَ بِخِرْصِهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِهَا فَهُوَ مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا بَعْدُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُزَابَنَةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُغَالَبَةِ أَيْ الْمَنْظُورُ لَهُ الْمُغَالَبَةُ بِخِلَافِ التَّفَاضُلِ، وَعِبَارَةُ تت مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ رِبَا الْفَضْلِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِنَوْعِهَا كَيْلًا مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ وَالشَّكُّ فِيهَا كَتَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ [قَوْلُهُ: وَمِنْ رُجُوعِ الْإِنْسَانِ فِي هِبَتِهِ] لَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمُزَابَنَةِ] أَيْ الْمُغَالَبَةِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَكَانَ يَخْرُصُهَا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ جَذَّهَا فَوَجَدَهَا أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الزَّائِدَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهَا مُزَابَنَةٌ ابْتِدَاءً وَإِنْ طُلِبَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِرَدِّ الزَّائِدِ بَعْدَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بَيْعٌ] أَيْ بَيْعُهَا بَيْعٌ [قَوْلُهُ: أَرْخَصَ] بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الرَّاءِ السَّاكِنَةِ مِنْ الْإِرْخَاصِ [قَوْلُهُ: بِخِرْصِهَا] أَيْ بِكَيْلِهَا [قَوْلُهُ: بِمَا دُونَ] أَيْ فِيمَا دُونَ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ [قَوْلُهُ: أَوْسُقٍ] جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا [قَوْلُهُ: الشَّكُّ مِنْ شَيْخِ مَالِكٍ] هُوَ دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ هَلْ قَالَ شَيْخُهُ أَبُو سُفْيَانَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَبِسَبَبِ هَذَا الشَّكِّ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ فَقَصَرَ فِي الْمَشْهُورِ الْحُكْمَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ اتِّبَاعًا لِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَصَرَ الْجَوَازَ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَأَقَلَّ عَمَلًا بِالْمُحَقَّقِ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ شَكَّ فِيهَا وَالْعَرَايَا رُخْصَةٌ أَصْلُهَا الْمَنْعُ فَيُقْصَرُ الْجَوَازُ عَلَى الْمُحَقَّقِ. تَنْبِيهٌ: صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُعْرِي بِالْكَسْرِ وَالْمُعْرَى بِالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ] بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُرَادُ الرُّطَبُ. وَقَوْلُهُ: بِالتَّمْرِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ الْيَابِسَةِ [قَوْلُهُ: يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا] أَيْ الْمُشْتَرُونَ الَّذِينَ صَارُوا مُلَّاكًا لِلثَّمَرَةِ أَيْ الْمُعْرَى وَعِيَالُهُ رُطَبًا بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ، وَلَيْسَ التَّقَيُّدُ بِالْأَكْلِ قَيْدًا بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ [قَوْلُهُ: وَلَهَا شُرُوطٌ] أَيْ لِبَيْعِهَا شُرُوطٌ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْعَرِيَّةِ] كَأَعَرْتُكَ وَأَنْتَ مُعْرًى لَا بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ أَوْ الْهِبَةِ وَالْمِنْحَةِ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَيْبَسُ] أَيْ بِالْفِعْلِ إذَا تُرِكَتْ، وَلَا يُكْتَفَى بِيُبْسِ نَوْعِهَا وَذَلِكَ كَثَمَرِ نَخْلِ غَيْرِ مِصْرَ لَا ثَمَرِ مَا ذُكِرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَلَا فِي مَوْزٍ وَلَا رُمَّانٍ وَلَا تُفَّاحٍ لِأَنَّهَا لَا تَيْبَسُ. وَقَوْلُهُ: يُدَّخَرُ الْمُرَادُ إنَّ شَأْنَ الْيَابِسِ أَنْ يُدَّخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِادِّخَارِ بِالْفِعْلِ [قَوْلُهُ: أُخِذَ هَذَا إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ قَدْ لَا يَيْبَسُ كَنَخْلِ مِصْرَ [قَوْلُهُ: مِنْ جِنَانِهِ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ هَذَا هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَعْرَى لَهُ ثَمَرَ الْجِنَانِ كُلَّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ أَمْ لَا وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْعِلَّةِ هَلْ هِيَ الضَّرُورَةُ أَوْ كَفَّارَةُ الْمُؤْنَةِ؟ . وَقَالَ ق: قَوْلُهُ مِنْ جِنَانِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَعْرَى لَهُ نَخَلَاتٍ مُتَفَرِّقَةً مِنْ جِنَانِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهَا بِخِرْصِهَا وَفِيهِ خِلَافٌ اهـ[قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِيهَا مُعْرِيَهَا أَوْ مَنْ تَنَزَّلَ

قَوْلِهِ: (فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا) . خَامِسُهَا: أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إذَا أَزْهَتْ) أَيْ بَدَا صَلَاحُ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ غَيْرِهِ. سَادِسُهَا: أَلَّا يَشْتَرِيَهَا إلَّا (بِخِرْصِهَا) بِكَسْرِ الْخَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ بِالْحَدِيثِ أَيْ بِكَيْلِهَا، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمْ فِي هَذِهِ النَّخْلَةِ مِنْ وَسْقٍ؟ فَيُقَالُ: كَذَا وَكَذَا وَهَلُمَّ إلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ يُقَالُ: كَمْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إذَا جَفَّ؟ فَيُقَالُ: وَسْقٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ جَازَ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ، وَيُعْطَى الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ وَهُوَ وَاهِبُ الثَّمَرَةِ ذَلِكَ عِنْدَ جِذَاذِ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ. سَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بِهِ مِنْ نَوْعِ الْعَرِيَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (تَمْرًا) يُرِيدُ مِنْ نَوْعِهِ إنْ صَيْحَانِيًّا فَصَيْحَانِيٌّ، وَإِنْ بَرْنِيًّا فَبَرْنِيُّ مُسَاوٍ لَهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ. ثَامِنُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مُؤَخَّرًا إلَى الْجِذَاذِ. تَاسِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُعْرِي وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (يُعْطِيهِ ذَلِكَ عِنْدَ الْجِذَاذِ) عَاشِرُهَا: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ الْمُشْتَرَاةُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ وَإِلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْزِلَتَهُ] أَيْ مِنْ وَارِثٍ وَمَوْهُوبٍ وَمُشْتَرٍ لِلْأُصُولِ مَعَ الثِّمَارِ فَقَطْ، بَلْ وَإِنْ قَامَ مَقَامَهُ بِاشْتِرَاءِ بَقِيَّةِ الثَّمَرَةِ الَّتِي وَقَعَتْ الْعَرِيَّةُ فِي بَعْضِهَا فَقَطْ دُونَ أَصْلِهَا فَيَشْتَرِي مِنْ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ وَمَنْ تَنَزَّلَ مَنْزِلَتَهُ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا مِنْ غَاصِبِهَا [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى جُمْلَتُهَا لَا بَعْضُهَا] اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِدُخُولِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ وَخُرُوجِهِ عَلَيْهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَا يُرِيدُ اطِّلَاعَهُ أَوْ لِلْمَعْرُوفِ بِالرِّفْقِ بِالْمُعْرَى بِالْفَتْحِ بِكِفَايَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ، فَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا لِغَيْرِهِمَا كَالتَّجْرِ وَبِهِ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْضَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خَلِيلٌ، فَقَالَ: يَشْتَرِي بَعْضَهَا بِنَاءً عَلَى مُلَاحَظَةِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ. نَعَمْ اخْتِلَافٌ بَيْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَاللَّخْمِيِّ فَعَلَّلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ التَّعْلِيلَ بِالْمَعْرُوفِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ آتٍ عَلَى كَلَامِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى طَرِيقِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لَكَانَ أَحْسَنَ [قَوْلُهُ: يَبْدُو صَلَاحُهَا] أَيْ حِينَ الشِّرَاءِ نَصَّ عَلَى هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَاصًّا بِالْعَرِيَّةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِأَجْلِ الرُّخْصَةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْبَاجِيُّ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، وَفَسَّرَ الزَّهْوَ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَعَمَّمَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْبَلَحِ الْمُخْتَصِّ بِالزَّهْوِ الَّذِي هُوَ الِاحْمِرَارُ أَوْ الِاصْفِرَارُ. [قَوْلُهُ: أَيْ بَدَا صَلَاحُ مَا هِيَ فِيهِ] أَيْ مَا الْعَرِيَّةُ فِيهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَدَا صَلَاحُ مَا عَدَاهَا مِنْ الثَّمَرِ وَلَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا هِيَ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَهُوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَخَلِيلٍ وَمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بُدُوُّ صَلَاحِهَا هِيَ [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْخَاءِ] وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ اسْمٌ لِلْفِعْلِ [قَوْلُهُ: أَيْ بِكَيْلِهَا] أَيْ بِقَدْرِ كَيْلِهَا أَيْ لَا بِأَقَلَّ وَلَا بِأَكْثَرَ، وَحِينَئِذٍ يَصْلُحُ جَعْلُهُ شَرْطًا وَلَيْسَ الْكَيْلُ شَرْطًا لِأَنَّ جَعْلَهُ شَرْطًا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تُبَاعُ بِغَيْرِ خِرْصِهَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ إذْ يَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِالْعَيْنِ وَالْعَرْضِ [قَوْلُهُ: وَيُعْطَى الْمُعْرَى إلَخْ] الْمُرَادُ أَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِهَا بَلْ دَخَلَا عَلَى التَّوْفِيَةِ عِنْدَ الْجِذَاذِ أَوْ سَكَتَا، فَالْمُضِرُّ الدُّخُولُ عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِهَا وَأَمَّا تَعْجِيلُهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يَضُرُّ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْمَوْهُوبُ عَلَى الْأَخْذِ؟ أَشَارَ ابْنُ يُونُسَ إلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي أَنَّهَا كَالْقَرْضِ أَوْ كَالْبَيْعِ اهـ. فَإِنْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِهَا فُسِخَ فَإِنْ جَذَّهَا رُطَبًا رَدَّ مِثْلَهُ إنْ وَجَدَ وَإِلَّا فَقِيمَتُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَالْجِذَاذُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ هُوَ قَطْعُ ثِمَارِ النَّخْلِ وَقَوْلُهُ ذَلِكَ أَيْ مُقَابِلُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ أَشَارَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّ الْإِشَارَةَ لِمَعُونَةِ الْإِرَادَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ. [قَوْلُهُ: إنْ صَيْحَانِيًّا إلَخْ] فَلَا يُبَاحُ صَيْحَانِيٌّ بِبَرْنِيِّ وَلَا جَيِّدٌ بِرَدِيءٍ هَذَا مَدْلُولُهُ وَفِيهِ إجْمَالٌ بَيِّنٌ ابْنُ عُمَرَ. الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِمَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ نَوْعِهَا مِثْلُ أَنْ يُعْطِيَهُ فِيهَا أَعْلَى ذَلِكَ النَّوْعِ فَإِنْ كَانَ لِيَكْفِيَهُ مُؤْنَتَهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يُعْطِيهِ الْأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَ رَدِيئًا لِيَأْخُذَ طَيِّبًا اهـ. [قَوْلُهُ: ثَامِنُهَا أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ إلَخْ] مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ يُعْطَى إلَخْ [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُعْرِي] أَيْ لَا فِي حَائِطٍ مُعَيَّنٍ اتِّبَاعًا لِلرُّخْصَةِ، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فُسِخَ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِلَيْهِمَا أَشَارَ إلَخْ

أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُعْرِي وَلَا لِغَيْرِهِ (شِرَاءُ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إلَّا بِالْعَيْنِ وَالْعَرْضِ) نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ عِنْدَ الْجِذَاذِ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَشْجَارٍ مُعَيَّنَةٍ [قَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ الْمُشْتَرَاةُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ] أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ أَكْثَرَ وَهَذَا فِي الْعَرِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْرَاهُ عَرَايَا فِي حَوَائِطَ فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ لَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا إنْ كَانَتْ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عُقُودٍ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ، فَكَعَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَشْتَرِي مِنْهَا إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ وَاتِّحَادِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِالْعَيْنِ] أَيْ يَشْتَرِيهَا كُلَّهَا بِالْعَيْنِ أَوْ الْعَرْضِ، وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْأَكْثَرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِخِرْصِهَا وَالزَّائِدَ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

[باب في الوصايا]

[38 - بَابٌ فِي الْوَصَايَا وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَلَاءِ] (بَابٌ فِي الْوَصَايَا وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْوَلَاءِ) ذَكَرَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ سِتَّةَ أَشْيَاءَ لِكُلٍّ مِنْهَا حَقِيقَةٌ وَحُكْمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، أَمَّا الْوَصَايَا فَجَمْعُ وَصِيَّةٍ وَهِيَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَاب فِي الْوَصَايَا] هُوَ أَوَّلُ الثُّلُثِ الثَّالِثِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ بَابٌ فِي أَحْكَامِ الْوَصَايَا وَأَحْكَامِ الْمُدَبَّرِ مِنْ حَيْثُ تَدْبِيرُهُ. وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِمَّا بَعْدَهُ مَا يُنَاسِبُهُ [قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهَا حَقِيقَةٌ وَحُكْمٌ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْوَصَايَا فَتَكَلَّمَ الشَّارِحُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَبَيَّنَ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَةَ التَّدْبِيرِ وَالشَّارِحُ عَلَى حُكْمِهِ وَتَكَلَّمَ الشَّارِحُ عَلَى حَقِيقَةِ الْكِتَابَةِ وَالْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِهَا، وَذَكَرَ الشَّارِحُ حَقِيقَةَ أُمِّ الْوَلَدِ أَيْ تَعْرِيفَهَا وَتَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِهَا وَهُوَ إبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَتَكَلَّمَ الشَّارِحُ عَلَى حَقِيقَةِ وَحُكْمِ الْعِتْقِ. وَأَمَّا الْأَخِيرُ الَّذِي هُوَ الْوَلَاءُ فَبَيَّنَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَنَقَلَ حَقِيقَتَهُ عَنْ الرَّسُولِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ إلَخْ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ التَّسَامُحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَقَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِكُلٍّ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ] أَيْ لَا الْفُرَّاضِ، أَيْ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفُرَّاضِ فَهِيَ عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ فَقَطْ، فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْفُرَّاضِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَ الْفُرَّاضِ قَاصِرَةٌ عَلَى الْإِيصَاءِ بِمَا فِيهِ حَقٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَتَتَنَوَّعُ إلَى وَصِيَّةٍ نِيَابَةً عَنْ الْمُوصِي كَالْإِيصَاءِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَعَلَى قَبْضِ الدُّيُونِ وَتَفْرِقَةِ التَّرِكَةِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى النِّيَابَةِ وَنَحْنُ نُوَضِّحُهَا فَنَقُولُ: هِيَ مَا أُوجِبَ نِيَابَةً عَنْ الْمُوصِي بَعْدَ مَوْتِهِ كَإِيصَائِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَإِذَا قَصَرَتْ الصِّيغَةُ عَمَّتْ وَإِنْ طَالَتْ خَصَّتْ فَالْأَوَّلُ كَاشْهَدُوا عَلَى أَنَّ زَيْدًا وَصِيِّي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَيُزَوِّجُ صِغَارَ بَنِيهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَالْبَنَاتِ إذَا بَلَغْنَ وَأَذِنَّ بِالْقَوْلِ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْوَصِيُّ بِالْإِجْبَارِ أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي كَمَا إذَا قَالَ: وَصِيِّي عَلَى الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ الَّذِي سَمَّاهُ. وَاَلَّذِي يُوَصَّى عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْأَبُ الرَّشِيدُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْصَى الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ. وَكَذَا الْأُمُّ لَهَا الْإِيصَاءُ عَلَى الصَّغِيرِ بِشُرُوطٍ: قِلَّةُ الْمَالِ وَعَدَمُ وَلِيِّ الصَّغِيرِ وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ مَوْرُوثًا مِنْ الْأُمِّ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْعَدْلُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْوَصِيُّ أَعْمَى أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا وَيَتَصَرَّفُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَمَوْتِ الْمُوصِي وَإِنَّمَا يَعْزِلُهُ الْفِسْقُ وَالْعَجْزُ هَذَا وَصِيُّ النَّظَرِ، وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ أَوْ تَفْرِقَةِ ثُلُثٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ تَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ إلَخْ] أَخْرَجَ بِهِ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَوْلُهُمْ تَجِبُ إذَا كَانَ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ يُعَارِضُ هَذَا إذَا لَمْ يُوجِبْ الْعَقْدُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ بَلْ فِي جَمِيعِ مَالِهِ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّيْنَ إنْ لَمْ يُعْلَمْ إلَّا بِإِقْرَارِهِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ فَالْوَصِيَّةُ لَمْ تُوجِبْهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ. [قَوْلُهُ: يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ]

قَوْلَ الشَّيْخِ: (وَيَحِقُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا (عَلَى مَنْ لَهُ مَا) أَيْ مَالٌ (يُوصِي فِيهِ أَنْ يُعِدَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يَسْتَعِدَّ (وَصِيَّتَهُ) وَيُحْضِرَهَا وَيُشْهِدَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَلَوْ وُجِدَتْ بِخَطِّهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: مَا وَجَدْتُمْ بِخَطِّ يَدِي فَأَنْفَذُوهُ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ وَصِيَّةِ السَّفِيهِ وَالصَّبِيِّ وَقَيَّدَ ابْنُ الْحَاجِبِ صِحَّتَهَا مِنْ الصَّبِيِّ بِالتَّمْيِيزِ. فَقَالَ: وَتَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ وَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةُ، وَلَمْ يَخْلِطْ فِيهَا وَاحْتَرَزَ بِالْمُمَيِّزِ مِنْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهَا وَلَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالنِّيَابَةِ فِعْلُ الْوَصِيِّ مَا اسْتَنَابَهُ الْأَبُ فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمْ كَانَتْ غَيْرَ عَقْدٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا اسْتِنَابَةُ الْأَبِ الْوَصِيَّ فِي التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ كَانَتْ عَقْدًا. فَقَوْلُهُ: أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْأَوَّلِ إذْ الْمَعْنَى عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا إلَخْ، وَيُوجِبُ نِيَابَةً عَنْهُ إلَخْ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ: عَقْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ كَوْنَ النِّيَابَةِ مَعْنَاهَا الْعَقْدُ الْخَاصُّ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِهَذَا ذَهَبَ ابْنُ مَرْزُوقٍ إلَى نَصْبِ نِيَابَةٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ] أَيْ وَذَهَبَ إلَى الْوُجُوبِ الْأَقَلُّ وَهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ] أَيْ وَبَعْضُهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، أَيْ وَيُحْمَلُ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا أَفَادَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَيَخْشَى إنْ لَمْ يُوصِ ضَيَاعَهُ [قَوْلُهُ: فَتْحِ الْيَاءِ] رَاجِعٌ لِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ يَثْبُتُ فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ قَتَلَ أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ بِقَوْلِهِ: حَقَّ الشَّيْءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ إذَا وَجَبَ وَثَبَتَ اهـ. أَيْ فَالْفِعْلُ لَازِمٌ أُسْنِدَ لِفَاعِلِهِ وَهُوَ أَنْ يُعِدَّ. وَقَوْلُهُ: وَضَمِّهَا رَاجِعٌ لِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَنَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ قَوْلُهُ أَنْ يُعِدَّ أَنْ يَثْبُتَ إعْدَادُ الْوَصِيَّةِ أَيْ أَنَّ الشَّارِعَ أَثْبَتَ إعْدَادَ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَنْ لَهُ مَالٌ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ بِقَوْلِهِ: وَحَقَقْت الْأَمْرَ أَحُقُّهُ إذَا جَعَلْته ثَابِتًا لَازِمًا. وَفِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ أَحْقَقْته بِالْأَلِفِ وَحَقَقْته بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ اهـ. وَحَاصِلُ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ لَهُ مَالٌ أَنْ يُوصِيَ إذْ كَانَ بِقُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ، وَقَدْ تَجِبُ إذَا كَانَ يَخْشَى بِعَدَمِهَا ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ وَتُحَرَّمُ بِمُحَرَّمٍ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِهَا كَالْإِيصَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَتُكْرَهُ بِمَكْرُوهٍ أَوْ فِي مَالِ فَقِيرٍ، وَتُبَاحُ إذَا كَانَتْ بِمُبَاحٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَإِنْفَاذُهَا يَنْقَسِمُ إلَى تِلْكَ الْأَقْسَامِ أَيْ مِنْ الْمُوصِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا مُتَوَلِّي أَمْرِ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ حَتَّى الْمُبَاحَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ كَالْإِيصَاءِ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى قَبْرِهِ. [قَوْلُهُ: يُوصِي فِيهِ] أَيْ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ مَالٍ لَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ كَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ لَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ حِينَئِذٍ إذْ قَضَاؤُهَا وَاجِبٌ لَا مُحْتَرَزُهُ مَا كَانَ قَلِيلًا مِمَّا يَأْتِي بَيَانُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِيَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ فَتَدَبَّرْهُ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْيَاءِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ: مَاضِيهِ أَعَدَّ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ أَيْ: يَسْتَعِدُّهَا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ هُنَا أَيْ يُهَيِّئُ وَصِيَّتَهُ. وَقَوْلُهُ: وَيُحْضِرُهَا إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَيْ يَسْتَعِدُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِشْهَادِ وَإِنْ لَمْ يُحَضِّرْهَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً، وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مُفَادَ الْمُصَنِّفِ بِحَلِّ الشَّارِحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الطَّلَبَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَصْلِ الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَهْيِئَتِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ النَّدْبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَصْلِ الْوَصِيَّةِ كَمَا أَفَدْنَاهُ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقُولَ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي صُورَتَيْنِ إذَا أَشْهَدَ أَوْ قَالَ: مَا وَجَدْتُمْ بِخَطِّي فَأَنْفِذُوهُ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَقَالَ بِلَفْظِهِ: مَا وَجَدْتُمْ بِخَطِّي وَلَوْ كَتَبَ ذَلِكَ بِدُونِ لَفْظٍ فَلَا يُعْمَلْ بِهِ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ ثُبُوتِ أَنَّهُ خَطُّهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَشْهَدَ أَوْ قَالَ: أَنْفِذُوهَا صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمَاضِيهِ أَنْفَذَ رُبَاعِيٌّ وَيُقَالُ: نَفَّذُوهُ مِنْ نَفَّذَ مُشَدَّدًا [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ إلَخْ] إنَّمَا صَحَّتْ وَصِيَّتُهُمَا لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا لِحَقِّ أَنْفُسِهِمَا، فَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ لَكَانَ الْحَجْرُ لِحَقِّ الْغَيْرِ. [قَوْلُهُ: الْمُبَذِّرِ] وَصْفٌ كَاشِفٌ أَيْ فَالسَّفِيهُ هُوَ مَنْ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَلَوْ مُبَاحَةً [قَوْلُهُ: إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةَ] أَيْ عَقَلَ أَنَّ فَاعِلَهَا يُثَابُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَاعِلَهَا يُثَابُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَلْ فِي الْقُرْبَةِ لِلْعَهْدِ أَيْ

فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ لَا تَصِحُّ اتِّفَاقًا. وَفَسَّرَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ الِاخْتِلَاطِ بِأَنْ يُوصِيَ بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ صِلَةُ رَحِمٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا تَحْدِيدَ لِلْمَالِ الْمُوصَى فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهَا أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ الْمُوصِي وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُمَيِّزًا مَالِكًا مِلْكًا تَامًّا، وَاحْتَرَزَ بِهَذَا الْأَخِيرِ مِنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ. الثَّانِي: الْمُوصَى لَهُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَمْلِكَ فَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ الثَّابِتِ وَلِحَمْلٍ سَيَكُونُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ قَوْلِهِمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَمْلِكَ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَالْقَنْطَرَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا وَصِيَّةٌ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ صَحِيحَةٌ بِشَرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْبَةِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي هِيَ الْوَصِيَّةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا بُدَّ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَفَسَّرَ اللَّخْمِيُّ إلَخْ] أَيْ وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَلَّا يُعْرَفَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ. [قَوْلُهُ: بِمَا فِيهِ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى] أَيْ غَيْرُ صِلَةِ رَحِمٍ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا كَانَ الْمَالُ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ لَا وَصِيَّةَ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ أَلْفًا فِيهِ الْوَصِيَّةُ. وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَا وَصِيَّةَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا وَصِيَّةَ فِي ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ [قَوْلُهُ: حُرًّا] أَيْ فَالْعَبْدُ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ [قَوْلُهُ: مُمَيِّزًا] أَيْ فَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، فَلَوْ ادَّعَى وَارِثُ الصَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ حِينَ الْوَصِيَّةِ وَخَالَفَهُمْ الْمُوصَى لَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ عَنْ تَقْرِيرٍ. [قَوْلُهُ: مَالِكًا] خَرَّجَ غَيْرَ الْمَالِكِ فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْوَكِيلِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَشَبَهِهِ. [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِهَذَا الْأَخِيرِ] وَهُوَ قَوْلُهُ مِلْكًا تَامًّا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ مَالِكٌ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ، وَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا أَصْلًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَالِكًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ وَخَرَجَ أَيْضًا بِقَيْدِ التَّمَامِ الْمُرْتَدُّ. [قَوْلُهُ: مِنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ] أَيْ فَوَصِيَّتُهُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَإِذَا بَطَلَتْ فَلَا يَرْجِعُ مَالُهُ مِيرَاثًا بَلْ يَكُونُ فِي الْفَيْءِ إلَّا مَا ثَبَتَ كَسْبُهُ بِمَالٍ حَلَالٍ فَتَصِحُّ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ وَصِيَّةِ الْعَبْدِ وَغَيْرِ الْمَالِكِ، وَمُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَقَدْ ذُكِرَ بَعْضُ مَا يُفِيدُ صِحَّتَهَا مِنْ الْعَبْدِ وَغَيْرِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ. الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ حَيْثُ كَانَ حُرًّا مُمَيِّزًا مَالِكًا مِلْكًا تَامًّا إلَّا إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمُسْلِمٍ لَا يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِذَلِكَ لِكَافِرٍ فَإِنَّ وَصِيَّتَهُ تَصِحُّ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَانْظُرْ هَلْ ثَمَرَةُ صِحَّتِهَا بِذَلِكَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ وَبِإِنْفَاذِهَا إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَوْ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ؟ وَأَمَّا وَصَايَا الْمُرْتَدِّ فَبَاطِلَةٌ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ حَالَ إسْلَامِهِ كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ يَتَصَوَّرُ] مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَمْلِكَ فَاعِلٌ بِهِ أَيْ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ الْمِلْكُ أَوْ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَأَرَادَ بِهِ التَّصْدِيقَ أَيْ يُصَدَّقُ بِمِلْكِهِ. [قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ الثَّابِتِ إلَخْ] وَيَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ إنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَغَلَّةُ الْمُوصَى بِهِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُوصَى لَهُ لِلْوَرَثَةِ إذْ الْوَلَدُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بَعْدَ وَضْعِهِ وَتَحَقُّقِ الْحَيَاةِ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا لَا يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَتُرَدُّ، وَإِذَا وَضَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تُوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ الْوَضْعِ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَهَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّفْصِيلِ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ، ثُمَّ حَيْثُ تَعَلَّقَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ مُسْتَقْبَلًا فَيَنْتَظِرُ بِهَا الْإِيَاسَ مِنْ وِلَادَتِهِ فَتَرْجِعُ بَعْدَهُ لِلْمُوصَى أَوْ لِوَارِثِهِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُوصَى لَهُ الذِّمِّيُّ فَالْوَصِيَّةُ تَصِحُّ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ لَا حَرْبِيٌّ. [قَوْلُهُ: الْوَصِيَّةُ لِلْمَسْجِدِ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَسْجِدِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ تَصِحُّ، وَيُصْرَفُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُوصَى بِهِ فِي مَصَالِحِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ مِنْ مَرَمَّتِهِ وَحُصْرِهِ وَزَيْتِهِ كَخِدْمَتِهِ مِنْ مُؤَذِّنٍ وَإِمَامٍ وَنَحْوِهِمَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ فِيمَا لَمْ يَحْتَجْ لِمَا مَرَّ احْتَاجُوا أَمْ لَا هَذَا إذَا اقْتَضَى الْعُرْفُ ذَلِكَ، فَإِذَا اقْتَضَى أَنَّ الْقَصْدَ مُجَاوِرُوهُ كَالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ صُرِفَ لَهُمْ لَا لِمَرَمَّتِهِ وَحُصْرِهِ وَنَحْوِهِمَا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] أَيْ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُوصَى

أَنْ يَعْلَمَ الْمُوصَى بِمَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ صُرِفَتْ فِيهِ وَإِلَّا فَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِ. الثَّالِثُ: الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ الْمُوصَى لَهُ فَلَا تَصِحُّ بِخَمْرٍ وَنَحْوِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا بَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ كَالْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا. الرَّابِعُ: مَا بِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ قَصْدُ الْوَصِيَّةِ مِثْلُ أَوْصَيْت أَوْ أَعْطُوهُ أَوْ جَعَلْته لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِذَا كَانَتْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ وَيُمْلَكُ الْمُوصَى بِهِ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا إنْ قُبِلَ عَقِبَ الْمَوْتِ وَعَلَى الْأَصَحِّ إنْ تَأَخَّرَ الْقَبُولُ وَمُقَابِلُهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا حِينَ الْقَبُولِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ مِنْ غَلَّةٍ وَنَحْوِهَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: «وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» نَفْيَ الصِّحَّةِ أَوْ النَّهْيَ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ قَالَهُ د. قُلْت: الْمَذْهَبُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَالْمُوصَى بِهِ مِيرَاثٌ. ع: وَانْظُرْ هَلْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (وَالْوَصَايَا خَارِجَةٌ مِنْ الثُّلُثِ) أَنَّ مَصْرِفَهَا إنَّمَا هُوَ فِي الثُّلُثِ أَوْ إنَّمَا أَرَادَ لَا يَجُوزُ لِلْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ إلَّا بِالثُّلُثِ فَأَقَلَّ (وَيُرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الثُّلُثِ وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَوْتِهِ] فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إذْ الْمَيِّتُ لَا يَصْلُحُ تَمَلُّكُهُ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَتَكُونُ لِوَرَثَتِهِ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ بَلْ بَيْتُ الْمَالِ بَطَلَتْ كَمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ قَالَهُ عج. وَقَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ: إنَّ بَيْتَ الْمَالِ مِنْ الْوَارِثِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ إلَخْ] لَيْسَ هَذَا تَعْرِيفًا فَيَعْتَرِضُ بِاحْتِوَائِهِ عَلَى لَفْظَةِ كُلٍّ بَلْ ضَابِطٌ [قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ بِخَمْرٍ إلَخْ] أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ لِمُسْلِمٍ وَأَمَّا مِنْ كَافِرٍ لِكَافِرٍ فَتَصِحُّ، وَكَذَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ لِمَنْ يُصَلِّي أَوْ يَصُومُ عَنْهُ وَتَرْجِعُ مِيرَاثًا بِخِلَافِ الْإِيصَاءِ بِالْمَكْرُوهِ كَالْإِيصَاءِ بِضَحِيَّةٍ فَلَا تَبْطُلُ، وَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا [قَوْلُهُ: وَالثَّمَرَةُ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا] أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا تُؤَوَّلُ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِيجَابُ] قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَتَكُونُ بِالْإِيجَابِ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ قَصْدُ الْوَصِيَّةِ بِالْوَضْعِ أَوْ الْقَرِينَةِ حَصَلَ الِاكْتِفَاءُ بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا. أَقُولُ: وَلَوْ بِلَفْظِ الْوَقْفِ كَمَا إذَا قَالَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي كَمَا يُفِيدُهُ الْمِعْيَارُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْإِيجَابِ الصِّيغَةَ الدَّالَّةَ عَلَى قَصْدِ الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا ذُكِرَ فَالْمُرَادُ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ لَفْظٌ مَخْصُوصٌ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ بَلْ الْإِشَارَةُ كَافِيَةٌ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَوْصَيْت] أَيْ أَوْصَيْت لَهُ [قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ لَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ] وَأَمَّا لَوْ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا إذْ لِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ فِي وَصِيَّتِهِ مَا دَامَ حَيًّا لِأَنَّ عَقْدَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ حَتَّى لَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَقْبَلَ بَعْدَهُ هَذَا إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ بَالِغًا رَشِيدًا، وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ يَقْبَلُ لَهُ، فَلَوْ مَاتَ الْمُعَيَّنُ قَبْلَ الْقَبُولِ فَلِوَارِثِهِ الْقَبُولُ مَاتَ قَبْلَ الْعِلْمِ أَوْ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُوصِي الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ الْقَبُولُ، وَلَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ فِي قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لَهُ إلَى إذْنِ السَّيِّدِ [قَوْلُهُ: نَفْيَ الصِّحَّةِ أَوْ النَّهْيَ] نَفْيُ الصِّحَّةِ يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ، وَالنَّهْيُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ. [قَوْلُهُ: قُلْت الْمَذْهَبُ إلَخْ] الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَارِثُ كَانَتْ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ فَالْحَقُّ مَا لِلشَّيْخِ زَرُّوقٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ إنَّمَا أَرَادَ إلَخْ] قَالَ فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي: وَاقْتَصَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ فَإِنْ وَقَعَ وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ لَمْ تَصِحَّ، قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاقْتِصَارِ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ فِيهِ إفَادَةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَتُرَدُّ أَيْ تَبْطُلُ لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ الْمَعْلُومِ لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ إنْ كَانَ فِي الْمَرَضِ فَكَالْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَفِي ثُلُثِ الْمَالِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُدَبَّرِ الصِّحَّةِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ عَقْدُهَا مُنْحَلٌّ لَهُ الرُّجُوعُ وَلَوْ شُرِطَ

كَانَتْ الزِّيَادَةُ يَسِيرَةً (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ) إذَا كَانُوا بَالِغِينَ رُشَدَاءَ غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِمْ عُقَلَاءَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الثُّلُثَ لَا يُرَدُّ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَلَوْ قَصَدَ الضَّرَرَ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ يَوْمَ مَوْتِهِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لَا يَوْمَ الْمَوْتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ يَسَعُهَا الثُّلُثُ يَوْمَ الْمَوْتِ فَطَرَأَ عَلَى الْمَالِ جَائِحَةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَهُ فَصَارَ لَا يَسَعُهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ كَانَ حُكْمُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ حُكْمَ مَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَبْدَأُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَقَالَ: (وَالْعِتْقُ بِعَيْنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ اشْتَرُوا عَبْدَ فُلَانٍ وَأَعْتِقُوهُ (مُبَدَّأٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْوَصَايَا بِالْمَالِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِهَذَا لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَاتِ إذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ مُبَدَّأَةٌ عَلَى الْعِتْقِ (وَالْمُدَبَّرُ فِي) حَالِ (الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ عَلَى مَا) يَصْدُرُ مِنْهُ (فِي) حَالِ (الْمَرَضِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ إلَخْ] بَالَغَ عَلَى ذَلِكَ رَدًّا لِمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَةٍ فَزَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى الثُّلُثِ زِيَادَةً يَسِيرَةً مِثْلَ الدِّينَارِ، وَنَحْوِهِ أَنَّهَا لَا تُحَرِّمُ الْعِتْقَ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ إلَخْ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ أَيْضًا ثُمَّ إنَّ الْوَارِثَ إذَا أَجَازَ الْوَصِيَّةَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَانَ الْوَارِثُ أَوْ مَاتَ فَإِنْ حَازَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فَلَا حَقَّ لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يَحُزْهَا فَهُمْ أَحَقُّ فَالْمَدَارُ عَلَى الْحَوْزِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إذَا كَانُوا بَالِغِينَ] أَيْ فَتَكُونُ الْإِجَازَةُ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ لَهُمْ، وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ مَضَتْ حِصَّةُ الْمُجِيزِ وَرُدَّتْ حِصَّةُ الْمُمْتَنِعِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مُوَلًّى عَلَيْهِمْ] أَغْنَى عَنْهُ قَوْلُهُ: رُشَدَاءَ وَكَذَا قَوْلُهُ: عُقَلَاءَ. [قَوْلُهُ: وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الثُّلُثَ لَا يُرَدُّ] بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ تَتَبَرَّعُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَةَ يُمْكِنُهَا التَّبَرُّعُ بَعْدُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ قَدْ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ سَرِيعًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُمْكِنُهُ الْإِيصَاءُ بَعْدَ رَدِّ الْجَمِيعِ. [قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ] أَيْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ] أَيْ يُعْتَبَرُ يَوْمُ الْمَوْتِ عَلَى مَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا يُعْتَبَرُ ثُلُثُ الْمَالِ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَيَوْمَ الْحَجْرِ أَوْ كَانَتْ فِي الصِّحَّةِ وَفِي الْحَالِ الَّتِي لَوْ وَهَبَ فِيهَا جَمِيعَ الْمَالِ لَزِمَهُ لِأَنَّ هَذِهِ عَطِيَّةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يَصِحُّ الِالْتِفَاتُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْوَصِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ ذَهَبَ الْمَالُ بِالْجَائِحَةِ فَيَذْهَبُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمُوصَى لَهُ فَلَا يَظْهَرُ لِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا يَوْمَ التَّنْفِيذِ ثَمَرَةً لِأَنَّ الْوَارِثَ أَمِينٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِ، قُلْت: لَعَلَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ يَرَى أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ دَخَلَ ذِمَّةَ الْوَارِثِ بِالْمَوْتِ وَصَارَ مَا يَخُصُّ الْمُوصَى لَهُ كَالدَّيْنِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إنَّ مَا ذَهَبَ بِالْجَائِحَةِ يَكُونُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ إنْ لَوْ قُلْنَا الْعِبْرَةُ بِيَوْمِ الْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ] وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: كَانَ حُكْمُهَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ] لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ وَصِيَّةِ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِهِ] كَأَعْتِقُوا عَبْدِي مُبَارَكًا تت. [قَوْلُهُ: مِثْلُ إلَخْ] تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي مِلْكَهُ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ نَاجِزًا أَيْ عَقِبَ مَوْتِي أَوْ لِكَشَهْرٍ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ فَعَجَّلَهُ أَوْ بِكِتَابَةٍ فَعَجَّلَهَا فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَقْدِيمَ لِأَحَدِهَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَتَحَاصُّونَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بِعَيْنِهِ أَيْ الْمُعْتَقِ الرَّقِيقِ بِعَيْنِهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ: أَعْتِقُوا عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصَايَا بِالْمَالِ بَلْ هُوَ فِي مَرْتَبَتِهَا فَيَتَحَاصُّونَ عِنْدَ الضِّيقِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْوَصَايَا بِالْمَالِ] أَيْ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَتَوَجَّهْ إلَيْهِ طَلَبٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَكَذَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ عَلَى مَالٍ أَوْ بِكِتَابَتِهِ وَلَمْ يُعَجِّلْ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمَالَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي. [قَوْلُهُ: إذَا أَوْصَى بِهَا الْمَيِّتُ] أَيْ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِحُلُولِهَا وَسَيَأْتِي مَفْهُومُهُ

عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ وَ) الْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ أَيْضًا (عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَأَوْصَى بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي ثُلُثِهِ مُبَدَّأٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مُبَدَّأَةٌ عَلَى الْعِتْقِ] أَيْ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي تَنْجِيزِ الْعِتْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَصِيَّةِ بِهِ، فَالزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ مُبَدَّأَتَانِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ بِصُوَرِهِ الْمَذْكُورَةِ بَقِيَ أَنَّهُ أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ الزَّكَاةُ وَفِي قَوْلِهِ الْكَفَّارَةُ فَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَلَا فَرْقَ فِي الْكَفَّارَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ فِطْرِ رَمَضَانَ أَوْ تَفْرِيطِ الْقَضَاءِ فِيهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْمُقَدَّمُ الزَّكَاةُ أَوْ الْكَفَّارَةُ؟ قُلْنَا: الْمُقَدَّمُ الزَّكَاةُ أَيْ أَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا وَقَدْ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ، وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ الْمَاضِيَةُ الْمُوصَى بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَفَّارَةِ بِأَقْسَامِهَا، نَعَمْ زَكَاةُ الْعَيْنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُنَا: الْمَاضِيَةُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا مَاتَ فِي زَمَنِهِ كَلَيْلَةِ الْفِطْرِ أَوْ يَوْمِهِ، فَإِنْ أَوْصَى أَوْ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا فِي زَمَنِهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِلَّا أَمَرَ الْوَرَثَةَ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ، وَقُلْنَا: الْمَاضِيَةُ الْمُوصَى بِهَا فَإِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا أُمِرَ وَرَثَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ وَلَيْسَتْ الْكَفَّارَاتُ كُلُّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَقَتْلُ الْخَطَإِ مُقَدَّمَتَانِ عَلَى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، وَفِطْرُ رَمَضَانَ وَالتَّفْرِيطُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَقَتْلُ الْخَطَأِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الضِّيقِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فِطْرِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةُ فِطْرِ رَمَضَانَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى التَّفْرِيطِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْعَمْدِ إذَا أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا فَهِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوَصَايَا بِالْمَالِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَوْصَى بِهَا وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تُخْرَجُ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدُ إيضَاحٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمُدَبَّرُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ] وَمِثْلُهُ مَا دُبِّرَ فِي مَرَضٍ وَصَحَّ بَعْدَهُ، وَالْأَسِيرُ الْمُوصَى بِفَكِّهِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ فِي الْأَسِيرِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَابْنُ عَرَفَةَ: فَإِذَا دَبَّرَ اثْنَيْنِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فِي كَلِمَةٍ تَحَاصَّا وَإِلَّا قُدِّمَ السَّابِقُ. [قَوْلُهُ: فِي حَالِ الْمَرَضِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ] أَيْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي الْمَرَضِ أَوْ دَبَّرَ عَبْدًا فِيهِ. وَكِلَاهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَا فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا بَدَأَ بِالْأَوَّلِ. وَكَذَا مَا بَتَّلَهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ فَمُدَبَّرُ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا هُمَا مَعَ الْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُدَبَّرِ فِيهِ فَيُقَدَّمَانِ عَلَيْهِمَا أَيْ يُقَدَّمُ مَا بُتِّلَ فِي الْمَرَضِ مِنْ صَدَقَةٍ وَعَطِيَّةٍ عَلَى مَا بُتِّلَ فِي الْمَرَضِ مِنْ عِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِالْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: فَأَوْصَى بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ] أَيْ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَوْصَى بِهِ فِي ثُلُثِهِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَسُوقَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ كَأَنْ يَقُولَ: وَمَا أَوْصَى بِهِ مِمَّا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ فِي ثُلُثِهِ مُبَدَّأٌ عَلَى الْوَصَايَا وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوصِ فَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يُشْهِدْ فِي صِحَّتِهِ بِأَنَّ مَا فَرَّطَ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَشْهَدَ بِذَلِكَ فَيُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا إنْ أَشْهَدَ فِي مَرَضِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى بِهَا هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ عَامِ الْمَوْتِ، وَأَمَّا عَامُ الْمَوْتِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا وَأَوْصَى فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِنْ فَقَدَ أَوْ الثَّانِي لَمْ يُخْرَجْ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا مِنْ رَأْسِ مَالٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الْوَرَثَةُ عَدَمَ الْإِخْرَاجِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ فَقَدَ الْأَوَّلَ فَمِنْ الثُّلُثِ وَيُؤْمَرُ الْوَرَثَةُ بِإِخْرَاجِهَا. وَقَوْلُنَا: لَمْ تُخْرَجْ أَيْ لَمْ يَجِبْ إخْرَاجُهَا فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوصِ أُمِرَ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ وَلَا يُجْبَرُونَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ بِاعْتِبَارِ عَامِ الْمَوْتِ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَوْ لَا، وَمَا قَرَّرْته هُوَ مَا لِبَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. وَذَكَرَ عج مَا فِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ فَقَالَ: وَمَفْهُومُ فَرَّطَ أَنَّ زَكَاةَ عَامِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَيْسَ حُكْمُهُ كَذَلِكَ وَحُكْمُهَا أَنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا وَعَرَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ وَلَوْ وَاحِدًا وَأَوْصَى بِهَا فَإِنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ تُخْرَجْ مِنْ ثُلُثٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ، وَتُؤْمَرُ الْوَرَثَةُ بِإِخْرَاجِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ حُلُولُهَا إلَّا مِنْهُ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا لَمْ تُخْرَجْ وَلَا مِنْ الثُّلُثِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَخْرَجَهَا وَهَذَا زَكَاةُ الْعَيْنِ، وَأَمَّا زَكَاةُ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَمَتَى اعْتَرَفَ بِحُلُولِهَا

[التدبير وما يتعلق به]

الْوَصَايَا) فَإِنْ لَمْ يُوصَ بِهِ فَلَا يُخْرَجُ مِنْ الثُّلُثِ. وَقَوْلُهُ: (وَمُدَبِّرُ الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ (وَإِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ) عَمَّا أَوْصَى بِهِ (تَحَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا الَّتِي لَا تَبْدِئَةَ فِيهَا) كَمَا يُتَحَاصُّ فِي الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِرُبْعِهِ، فَإِنَّك تَأْخُذُ مَقَامَ النِّصْفِ وَمَقَامَ الرُّبْعِ وَتَنْظُرُ مَا بَيْنَهُمَا فَتَجِدُهُمَا مُتَدَاخِلَيْنِ فَتَكْتَفِي بِالْكَثِيرِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَتَأْخُذُ نِصْفَهُ وَرُبْعَهُ فَتَجْمَعُهُمَا فَتَكُونُ ثَلَاثَةً فَتَعْلَمُ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الرُّبْعِ سَهْمٌ وَلِلْآخَرِ سَهْمَانِ (وَلِلرَّجُلِ) وَلَوْ سَفِيهًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ (الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَلَوْ أَشْهَدَ فِي وَصِيَّتِهِ أَنْ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا وَفِيهِ خِلَافٌ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا بَتَّ عِتْقَهُ فِي الْمَرَضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْوَاجِبِ كَالزَّكَاةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لَا رُجُوعَ فِيهِ. ثُمَّ عَقَّبَ الْوَصِيَّةَ بِالتَّدْبِيرِ لِقُرْبِ حَقِيقَتِهِ مِنْهَا فَقَالَ: (وَالتَّدْبِيرُ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي) وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ الصِّيغَةُ وَهِيَ إمَّا صَرِيحٌ كَمِثَالَيْ الْمُصَنِّفِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخْرِجَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا شَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي مَعْرِفَةِ حُلُولِهَا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: مُدَبَّرُ الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ وَأَوْصَى بِهِ. وَقَوْلُهُ: تَكْرَارُ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ: وَعَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ الزَّكَاةِ قَدَّرَ الشَّارِحُ فَقَالَ: وَالْمُدَبَّرُ فِي الصِّحَّةِ مُبَدَّأٌ أَيْضًا عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فَتَعْلَمُ أَنَّ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ] أَيْ فَيُقَسَّمُ ثُلُثُ مَالِ الْمَيِّتِ عَلَى ثَلَاثَةٍ، وَهَذَا إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ الْوَصَايَا، وَأَمَّا إنْ أَجَازَهَا فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ اثْنَيْنِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ وَاحِدًا وَيَفْضُلُ وَاحِدٌ يَأْخُذُهُ الْوَارِثُ. وَذَكَرَ تت مِثَالَ التَّبَايُنِ فَنَذْكُرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْفَائِدَةِ فَقَالَ: قَوْلُهُ وَإِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ إلَخْ كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ اقْتَسَمَا الْمَالَ عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ إلَّا أَنَّ مَقَامَ النِّصْفِ مِنْ اثْنَيْنِ وَالثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ يَحْصُلُ سِتَّةٌ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَيَفْضُلُ وَاحِدٌ لِلْوَارِثِ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا اقْتَسَمَا الثُّلُثَ عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَمَقَامُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ يَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلِلرَّجُلِ الرُّجُوعُ] بِقَوْلٍ كَرَجَعْتُ عَنْهَا أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ لَا تُعْطُوهُ مَا أَوْصَيْت بِهِ أَوْ فِعْلٍ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَحَصْدِ الزَّرْعِ وَنَسْجِ الْغَزْلِ وَصَوْغِ فِضَّةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهَا عِدَةٌ وَالْوَعْدُ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سَفِيهًا الْأَوْلَى الْمُبَالَغَةُ عَلَى الرَّشِيدِ. [قَوْلُهُ: مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ] أَيْ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِعِتْقٍ أَوْ تَدْبِيرٍ كَمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ] وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي تَحْقِيقِ الْمَبَانِي عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ وَبَهْرَامَ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافٌ] وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ، وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ الْعَمَلَ بِالشَّرْطِ [قَوْلُهُ: فِيمَا بَتَّلَ عِتْقَهُ] وَكَذَا مَا بَتَّلَهُ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ أَقُولُ: وَكَوْنُ هَذَا ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ وَاضِحٍ إذْ مَا بَتَّلَ عِتْقَهُ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِهِ. [قَوْلُهُ: كَالزَّكَاةِ] أَيْ وَكَالدُّيُونِ الَّتِي لَا شَاهِدَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا عَلِمْت بِاعْتِرَافِهِ وَإِيصَائِهِ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِاعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا وَجَبَ] أَيْ وَأَوْصَى بِهِ لَا رُجُوعَ فِيهِ أَيْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ. [التَّدْبِير وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: ثُمَّ عَقَّبَ الْوَصِيَّةَ بِالتَّدْبِيرِ] حُكْمُ التَّدْبِيرِ الِاسْتِحْبَابُ وَالتَّدْبِيرُ عَقْدٌ يُوجِبُ عِتْقَ مَمْلُوكٍ مِنْ ثُلُثِ مَالِكِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِعَقْدٍ لَازِمٍ، فَقَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِهِ يَخْرُجُ بِهِ الْمُلْتَزِمُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ الْمُبَتَّلِ فِيهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ إذَا لَمْ يَمُتْ. وَقَوْلُهُ: بِعَقْدٍ لَازِمٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُوجِبُ أَخْرَجَ بِهِ الْوَصِيَّةَ. [قَوْلُهُ: لِقُرْبِ حَقِيقَتِهِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ يَتَعَلَّقُ بِتَنْفِيذِ قُرْبَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي] قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: مَأْخُوذٌ مِنْ إدْبَارِ الْحَيَاةِ وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ مَا وَرَاءَهُ بِسُكُونِ الْبَاءِ

كَقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ أَرَادَ بِهِ التَّدْبِيرَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ. الثَّانِي: الْمُدَبِّرُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ. الثَّالِثُ: الْمُدَبَّرُ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا (ثُمَّ) إذَا دَبَّرَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ عَبْدَهُ (لَا يَجُوزُ لَهُ) بَعْدَ ذَلِكَ (بَيْعُهُ) فَإِنْ بِيعَ فُسِخَ بَيْعُهُ وَصَارَ مُدَبَّرًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ عِتْقٌ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَضَى وَكَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ. ج: قَوْلُهُ: ثُمَّ إلَخْ يُرِيدُ إلَّا فِي دَيْنٍ سَابِقٍ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْبَيْعِ بَلْ وَكَذَلِكَ هِبَتُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الَّذِي دَبَّرَ عَبْدَهُ (خِدْمَتُهُ) بِمَعْنَى اسْتِخْدَامِهِ لِأَنَّهُ سَيِّدُهُ إلَى أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَضَمِّهَا، وَالْجَارِحَةُ بِالضَّمِّ لَا غَيْرُ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ الضَّمَّ فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ ك: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: التَّدْبِيرُ عِتْقُ الْعَبْدِ عَنْ دُبُرِ صَاحِبِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي مَعْنَاهُ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ إدْبَارٍ كَائِنٍ مِنِّي أَيْ بَعْدَ إدْبَارٍ كَائِنٍ مِنِّي، أَيْ أَوْ دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي مِنْ كُلِّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ عَلَى مَوْتِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ التَّحَتُّمِ وَاللُّزُومِ بِخِلَافِ تَقْيِيدِهِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ كَقَوْلِهِ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا أَوْ سَفَرِي هَذَا فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَا تَدْبِيرٌ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ الصِّيغَةِ الصَّرِيحَةِ مَا لَمْ أُغَيِّرْ ذَلِكَ أَوْ أَرْجِعْ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ وَصِيَّةً. [قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي] أَيْ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ. [قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ] فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا فَلَا يَلْزَمُ، وَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ كَوَصِيَّتِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَةُ الصِّحَّةِ التَّوَقُّفُ عَلَى رِضَا الْوَلِيِّ وَرَدُّهُ مَعَ أَنَّهُ هُنَا لَيْسَ لَهُ الْإِمْضَاءُ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا لِمَالِهِ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّتِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ فَائِدَتَهُ فِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ يَكُونُ لَهُ رَدُّهُ وَإِمْضَاؤُهُ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: تَكْلِيفُ السَّكْرَانِ وَلَوْ طَافِحًا بِحَرَامٍ لَا بِحَلَالٍ فَلَا يَلْزَمُ الطَّافِحَ، وَخَرَجَ بِالرُّشْدِ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالْأَصَالَةِ وَكَذَا السَّفِيهُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ اتَّسَعَ مَالُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَكَذَا الْمُهْمِلُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَهُ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا ذَاتُ الزَّوْجِ إذَا دَبَّرَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهَا فَإِنَّهُ كَذَلِكَ يَمْضِي وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهَا فِيمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ غَيْرَ الَّذِي دَبَّرَتْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الرِّقِّ إلَى الْمَوْتِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّدْبِيرِ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَدْبِيرُ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَيُؤَجَّرُ لَهُ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْكَافِرِ قَرِيبٌ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ السَّيِّدُ فَيَرْجِعُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَأَمَّا تَدْبِيرُ الْكَافِرِ عَبْدَهُ الْكَافِرَ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَإِذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَقَاوَيَاهُ فَإِنْ صَارَ لِلْمُدَبَّرِ صَارَ كُلُّهُ مُدَبَّرًا وَإِلَّا صَارَ كُلُّهُ رَقِيقًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ] أَيْ خَالِطَةُ رِقٍّ بِمَعْنَى مُخْتَلِطَةٍ أَيْ حَالَةٍ مُخْتَلِطَةٍ بِحُرِّيَّةٍ وَتِلْكَ الْحَالَةُ هِيَ الرِّقِّيَّةُ أَوْ حَالَةٌ مَخْلُوطَةٌ بِحُرِّيَّةٍ وَهِيَ الرِّقِّيَّةُ فَظَهَرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ وَأَنَّ فَاعِلَةً إمَّا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، فَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ يَجُوزُ تَدْبِيرُهُمَا وَثَمَرَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ ثَمَرَةٌ فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنْ قُلْت: لَا يَشْمَلُ كَلَامُهُ الْقِنَّ قُلْت: هُوَ مَفْهُومٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ] لَا يُقَالُ يُشْكِلُ عَلَى حُرْمَةِ الْبَيْعِ جَوَازُ الْمُقَاوَاةِ إذَا دَبَّرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ، وَفِيهَا بَيْعُ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ جَوَازَ الْمُقَاوَاةِ مُسْتَثْنًى مِنْ حُرْمَةِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعَ احْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ مُدَبَّرَ الْجَمِيعِ [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مَضَى] أَيْ إذَا نَجَزَ عِتْقَهُ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَكُونُ مَاضِيًا مَعَ الْعِتْقِ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُدَبِّرِهِ فَلَا يَمْضِي لِأَنَّ الْوَلَاءَ انْعَقَدَ لِمُدَبِّرِهِ، أَمَّا بِحَمْلِ الثُّلُثِ لِجَمِيعِهِ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضِهِ فَيُعْتَقُ بَعْضُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي دَيْنٍ سَابِقٍ] أَيْ عَلَى التَّدْبِيرِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَجْعَلُهُ فِي الدَّيْنِ، أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَوْ فِي حَالِ حَيَاةِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ التَّدْبِيرِ فَلَا يُبَاعُ فِيهِ الْمُدَبَّرُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ وَيُبَاعُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ عج: وَيُبْطِلُ التَّدْبِيرَ دَيْنٌ سَبَقَا ... إنْ سَيِّدٌ حَيًّا وَإِلَّا مُطْلَقَا وَإِنَّمَا بَطَلَ التَّدْبِيرُ بِالدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ مَوْتِ السَّيِّدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يُعْتَقُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى

يَمُوتَ فَحِينَئِذٍ يُعْتَقُ (وَلَهُ) أَيْضًا (انْتِزَاعُ مَالِهِ مَا لَمْ يَمْرَضْ) السَّيِّدُ مَرَضًا مَخُوفًا لِقُوَّةِ الرِّقِّ فِيهِ، أَمَّا إنْ كَانَ مَخُوفًا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُنْتَزَعُ لِغَيْرِهِ (وَلَهُ) أَيْضًا (وَطْؤُهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً) لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ حَمَلَتْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ (وَلَا يَطَأُ) الْأَمَةَ (الْمُعْتَقَةَ إلَى أَجَلٍ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: اُخْدُمِينِي سَنَةً وَأَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ الْأَجَلُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتَخْرُجُ حُرَّةً، فَإِذَا وَطِئَهَا قَدْ تَحْمِلُ فَلَا تَخْرُجُ حُرَّةً إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ نِكَاحَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُشْبِهُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فَيُؤَدَّبُ عَلَى هَذَا وَلَا يُحَدُّ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ وَتَسْقُطُ خِدْمَتُهَا بِذَلِكَ فَيُعَجَّلُ عِتْقُهَا حِينَئِذٍ (وَ) كَمَا أَنَّهُ لَا يَطَأُ الْأَمَةَ الْمُعْتَقَةَ إلَى أَجَلٍ (لَا يَبِيعُهَا) وَلَا يَهَبُهَا وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا لِأَنَّ فِيهَا عَقْدًا مِنْ عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ (وَلَهُ) أَيْضًا (أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فِي بَيْتِهِ) لِأَنَّهُ لِذَلِكَ أَعْتَقَهَا (وَ) لَهُ أَيْضًا أَنْ (يَنْزِعَ مَالَهَا) الَّذِي أَفَادَتْهُ بِهِبَتِهِ مِثْلًا وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِ (بِمَا) إذَا (لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ) وَلَا حَدَّ فِي الْقُرْبِ إلَّا مَا يُقَالُ قَرِيبٌ (وَإِذَا مَاتَ) الرَّجُلُ الْمُدَبِّرُ (فَ) الْعَبْدُ (الْمُدَبَّرُ) فِي الصِّحَّةِ يَخْرُجُ (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ مِنْ ثُلُثِ مَالِ السَّيِّدِ مُطْلَقًا أَعْنِي مِنْ مَالٍ عُلِمَ بِهِ وَمَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِخْدَامِهِ] الْأَوْلَى: تَبْقِيَةُ الْعِبَارَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ إلَى أَنْ يَمُوتَ [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ كَانَ مَخُوفًا إلَخْ] هَذَا فِيمَا اسْتَفَادَهُ مِنْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَاقٍ إنْ كَانَ الْمُدَبَّرُ أُنْثَى، وَأَمَّا مَا اسْتَفَادَهُ الْمُدَبَّرُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ أَوْ خَرَاجِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُهُ وَلَوْ مَرِضَ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَمِثْلُهُ مَا اسْتَفَادَهُ مِنْ نَحْوِ هِبَةٍ إذَا شَرَطَ انْتِزَاعَ مَالِهِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الْمُدَبَّرِ فِي عَدَمِ جَوَازِ انْتِزَاعِ مَالِهِ أُمُّ الْوَلَدِ فَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إذَا مَرِضَ انْتِزَاعُ مَالِهَا وَالْمُعْتَقُ لِأَجَلٍ، وَقَدْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَالْمُكَاتَبُ مُطْلَقًا وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ وَالْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إذَا صَارَ مَدِينًا ذَكَرَ مَعْنَاهُ تت وَبَعْضُهُ بِاللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: وَطْؤُهَا] أَيْ النَّسَمَةِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ] أَيْ عَلَى أَصْلٍ هُوَ الْإِبَاحَةُ [قَوْلُهُ: فَإِنْ حَمَلَتْ] أَيْ وَإِذَا لَمْ تَحْمِلْ تُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَمَا لَهُ انْتِزَاعُ مَالِهِ لَهُ كِتَابَتُهُ وَرَهْنُهُ عَلَى أَنْ يُبَاعَ لِلْغُرَمَاءِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ فِي الدَّيْنِ السَّابِقِ عَلَى التَّدْبِيرِ لَا الْمُتَأَخِّرِ فَلَا، وَأَمَّا عَلَى أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: فَإِذَا وَطِئَهَا قَدْ تَحْمِلُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ: تَخْرُجُ حُرَّةً بِالْأَقْوَى وَهُوَ مُضِيُّ الْأَجَلِ. [قَوْلُهُ: يُشْبِهُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ] أَيْ لِاحْتِمَالِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَتَخْرُجُ حُرَّةً. [قَوْلُهُ: فَيُؤَدَّبُ إلَخْ] وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَدَبِ فَهَلْ يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ فِي وَطْءِ الْمُكَاتَبَةِ أَمْ لَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: فَيُعَجِّلُ عِتْقَهَا] اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فَإِذَا وَطِئَهَا قَدْ تَحْمِلُ فَلَا تَخْرُجُ حُرَّةً إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَنَافِيًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلِ بِالتَّعْجِيلِ وَهُوَ مَا هُنَا، وَالْقَوْلِ بِعَدَمِهِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ أَوَّلًا بَيَّنَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ: لَا يُعَجِّلُ لِبَقَاءِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لَهُ إنْ جُرِحَتْ وَقِيمَتِهَا إنْ قُتِلَتْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ عَجَّلَ عِتْقَهَا أَوْ بَقِيَتْ إلَى أَجَلِهَا قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لِذَلِكَ أَعْتَقَهَا] الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِذَلِكَ لَامُ الْعَاقِبَةِ وَعِبَارَةُ بَعْضٍ لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ [قَوْلُهُ: الَّذِي أَفَادَتْهُ بِهِبَةٍ مَثَلًا] وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ خَرَاجِهَا وَكَسْبِهَا وَأَرْشِ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا فَلَهُ انْتِزَاعُهُ وَإِنْ قَرُبَ الْأَجَلُ [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ فِي الْقُرْبِ إلَخْ] هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا تت، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْقُرْبَ كَالشَّهْرِ وَظَاهِرُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ تَرْجِيحُهُ، وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ عَلَى قَوْلٍ أَوْ شَهْرٍ عَلَى آخَرَ، وَأُقْحِمَ الْكَلَامُ عَلَى أَحْكَامِ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ فِي خِلَالِ أَحْكَامِ الْمُدَبَّرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ. [قَوْلُهُ: يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ] بِأَنْ كَانَ مَالُ السَّيِّدِ كَثِيرًا وَلَا دَيْنَ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَإِلَّا رَجَعَ رَقِيقًا، وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُتَأَخِّرًا عَنْ التَّدْبِيرِ وَشَرْطُ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ أَلَّا يَقْتُلَ سَيِّدَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا، فَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا أَيْ لَا فِي بَاغِيَةٍ فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ يَبْطُلُ إنْ اسْتَحْيَاهُ الْوَرَثَةُ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ خَطَأً فَإِنَّ تَدْبِيرَهُ لَا يَبْطُلُ وَيُعْتَقُ فِي مَالِ السَّيِّدِ الَّذِي تَرَكَهُ وَلَمْ يُعْتَقْ فِي الدِّيَةِ وَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ لَيْسَ عَلَى الْعَاقِلَةِ مِنْهَا شَيْءٌ

[الكتابة وما يتعلق بها]

لَمْ يُعْلَمْ بِهِ، وَالْمُدَبَّرُ فِي الْمَرَضِ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِهِ مِنْ مَالٍ عُلِمَ بِهِ فَقَطْ (وَ) أَمَّا (الْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ) فَإِنَّهُ يُخَالِفُ الْمُدَبَّرَ فَيُخْرَجُ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْكِتَابَةِ فَقَالَ: (وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ) مِنْ كِتَابَتِهِ وَلَوْ قَلَّ لَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِي كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ» وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ قَوْلِهِ: (وَالْكِتَابَةُ) وَهِيَ إعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ مُنَجَّمٍ (جَائِزَةٌ) لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِهَا وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ جَائِزَةٌ (عَلَى مَا رَضِيَهُ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ مِنْ الْمَالِ) دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَالسُّنَّةُ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَلَهَا أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ: السَّيِّدُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَخَرَجَ بِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ إنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ، وَصِفَةُ خُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ مَعَ مَالِهِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ كَطُولٍ، وَالْعِبْرَةُ بِيَوْمِ النَّظَرِ لَا يَوْمِ مَوْتِ السَّيِّدِ فَيُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الْمَالِ كَذَا فَتَارَةً يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَيُعْتَقُ كُلُّهُ كَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةً وَتَرَكَ السَّيِّدُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَيُقَرُّ مَالُهُ بِيَدِهِ، وَتَارَةً يَحْمِلُ الثُّلُثُ بَعْضَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ يَصِيرُ حُرًّا وَيَرِقُّ بَاقِيهِ وَيُتْرَكُ مَالُهُ بِيَدِهِ مِلْكًا لَهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالُ مُبَعِّضٍ وَالْمُبَعِّضُ لَا يُنْتَزَعُ مَالُهُ، مِثَالُهُ لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَمَالُهُ مِائَةً وَتَرَكَ سَيِّدُهُ مِائَةً فَإِنَّهُ يُعْتَقُ نِصْفُهُ لِأَنَّ قِيمَتَهُ بِمَالِهِ مِائَتَانِ وَثُلُثُ السَّيِّدِ مِائَةٌ وَهِيَ نِصْفُ الْمِائَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا قِيمَتُهُ بِمَالِهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِيَوْمِ النَّظَرِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ هَلَكَ بَعْضُ مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ التَّنْفِيذِ فَإِنَّمَا يُنْظَرُ لِلْبَاقِي مِنْهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ رَأْسِ مَالِهِ] فَلَيْسَ كَالْمُدَبَّرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّدْبِيرَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فَلَا تُخْرَجُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَأَمَّا الْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ فَهُوَ لَازِمٌ فَلِذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. [الْكِتَابَة وَمَا يَتَعَلَّق بِهَا] [قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْكِتَابَةِ] عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: عِتْقٌ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ الْعَبْدِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَائِهِ فَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُعَجَّلٍ يَدْفَعُهُ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ لِيُعْتِقَهُ سَرِيعًا فَيُقَالُ لَهُ قِطَاعَةٌ، وَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ مُؤَجَّلٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَيَخْرُجُ الْعِتْقُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُبَتَّلُ وَالْعِتْقُ إلَى أَجَلٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبُ عَبْدٌ] تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ بِحَيْثُ لَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ كَالْهِبَةِ مِمَّا فِيهِ ضَيَاعُ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: لَمَا صَحَّ إلَخْ] فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ [قَوْلُهُ: وَكَانَ حَقُّهُ إلَخْ] أُجِيبُ بِأَنَّهُ كَالدَّلِيلِ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ» إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ إعْتَاقُ الْعَبْدِ إلَخْ] مِمَّا تَقَدَّمَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ [قَوْلُهُ: وَهِيَ إعْتَاقُ إلَخْ] مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ [قَوْلُهُ: لَمْ يُخَالِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِهَا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَوَازِ الْإِذْنَ الصَّادِقَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ] وَمَحَلُّ النَّدْبِ حَيْثُ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَّا مُكَاتَبَةُ الصَّغِيرِ وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ فَجَائِزَةٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ بِنَاءً عَلَى جَبْرِ الرَّقِيقِ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] يَقْتَضِي وُجُوبَهَا، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ الرِّفْقُ بِالسَّادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْوُجُوبِ لَتَسَلَّطَ الْعَبِيدُ عَلَى السَّادَاتِ فَيَضُرُّ بِهِمْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ إلَخْ] أَيْ فَلَمْ يُرِدْ بِالْجَوَازِ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِذْنُ الْمُتَحَقِّقُ فِي النَّدْبِ أَوْ النَّدْبُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمَلِ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا رَضِيَهُ الْعَبْدُ وَالسَّيِّدُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ بِالْجَبْرِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ كَوْنُ الْكِتَابَةِ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ فَلَا يُجْبَرُ أَوْ مِنْ بَابِ الْعِتْقِ فَيُجْبَرُ. [قَوْلُهُ: إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا] قَالَ تت: اُخْتُلِفَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الْمَالُ أَوْ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ إلَخْ] مَا زَائِدَةٌ أَيْ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ أَيْ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَدِيثٍ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْمُكَاتَبُ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ] وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ كِتَابَةِ الْكَافِرِ لِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ وَيُبَاعُ عَلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ كَالْكِتَابَةِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ كِتَابَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَخَرَجَ

وَالْمَجْنُونُ وَبِأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ. الثَّانِي: الصِّيغَةُ وَهِيَ كُلُّ لَفْظٍ فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى نَحْوُ كَاتَبْتُك. الثَّالِثُ: الْعِوَضُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّمًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (مُنَجَّمًا) ك: عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَكُونُ حَالَّةً وَالْكِتَابَةُ عِنْدَ النَّاسِ مُنَجَّمَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ مُبْهَمَةً نُجِّمَتْ عَلَى الْعَبْدِ وَالتَّنْجِيمُ التَّقْدِيرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ تُعْطِينِي فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ. (قَلَّتْ النُّجُومُ أَوْ كَثُرَتْ) وَفِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: وَعُلَمَاؤُنَا النُّظَّارُ يَقُولُونَ: إنَّ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ جَائِزَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ. وَصَرَّحَ ع بِمَشْهُورِيَّتِهِ. الرَّابِعُ: الْعَبْدُ وَلَهُ شَرْطَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى الْأَدَاءِ وَأَنْ يُكَاتِبَهُ كُلَّهُ فَلَوْ كَاتَبَ نِصْفَهُ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ كَاتَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ أَذِنَ شَرِيكُهُ، وَلَوْ كَاتَبَاهُ عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ جَازَ وَانْقَسَمَتْ عَلَى قَدْرِ مَالِهِمَا (فَإِنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ عَنْ الْعِوَضِ (رَجَعَ) إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (رَقِيقًا) وَلَا يُعْتَقُ مِنْهُ شَيْءٌ. ك: وَاخْتَلَفَ هَلْ مِنْ شَرْطِهَا أَيْ الْكِتَابَةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إذَا عَجَزْت رَجَعْت رَقِيقًا أَوْ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَحَلَّ لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ (مَا أَخَذَهُ مِنْهُ) لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّكْلِيفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ] فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ وَلَا مِنْ مَجْنُونٍ. وَقَوْلُهُ: وَبِأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ، وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ صِحَّتُهَا مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَرِيضِ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ إلَّا أَنَّهَا مُتَوَقِّفَةٌ وَلَيْسَتْ بَاطِلَةً كَمَا فِي الْعِتْقِ، قُلْت: يُحْمَلُ مَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ، وَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ خَلِيلٍ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَتَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَتَبْطُلُ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ. [قَوْلُهُ: فُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى] وَهُوَ إعْتَاقُ الْعَبْدِ عَلَى مَالٍ [قَوْلُهُ: نَحْوِ كَاتَبْتُك] أَيْ أَوْ أَنْتَ مُكَاتَبٌ أَوْ أَنْتَ مُعْتَقٌ عَلَى كَذَا أَوْ بِعْتُك نَفْسَك بِكَذَا، وَانْظُرْ لَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ: بِكَذَا هَلْ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ تَصِحُّ وَيَكُونُ لَهُ كِتَابَةُ الْمِثْلِ. وَشَارِحُنَا سَكَتَ عَنْهُ فَظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ وَيَرْجِعُ لِكِتَابَةِ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُنَجَّمًا] أَيْ يَلْزَمُ التَّنْجِيمُ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بِغَيْرِ تَنْجِيمٍ كَانَتْ صَحِيحَةً وَتُنَجَّمُ [قَوْلُهُ: الْكِتَابَةُ عِنْدَ النَّاسِ مُنَجَّمَةٌ] الْمُرَادُ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ كَمَا أَفَادَهُ تت، فَإِذَا اشْتَرَطَا التَّعْجِيلَ فَيَكُونُ قُطَاعَةً لَا كِتَابَةً وَهِيَ جَائِزَةٌ [قَوْلُهُ: قَلَّتْ النُّجُومُ أَوْ كَثُرَتْ] ظَاهِرُ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالنُّجُومِ اشْتِرَاطُ تَعَدُّدِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ جَعْلِهَا نَجْمًا وَاحِدًا. [قَوْلُهُ: وَعُلَمَاؤُنَا النُّظَّارُ] أَيْ الْحُفَّاظُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالنَّاظِرُ الْحَافِظُ اهـ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْبَحْثِ وَالرَّدِّ عَلَى الْأَخْصَامِ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ جَائِزَةٌ] قَائِلُ ذَلِكَ يَقُولُ: إنَّهَا كَالْبَيْعِ تَقْبَلُ الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ غَيْرَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ التَّأْجِيلُ، لَكِنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ حَالَّةً عِنْدَ غَيْرِ هَذَا الْقَائِلِ لَا تَكُونُ جَائِزَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَكُونُ قُطَاعَةً وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ نَاجِي نَقْلًا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ: إنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهَا حَالَّةً بَلْ عَلَى عَدَمِ صِدْقِ الْكِتَابَةِ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ ابْنُ عُمَرَ إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا عَلَى الْأَدَاءِ] وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْأَدَاءِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِكِتَابَتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِأَشْهَبَ يُمْنَعُ وَيُفْسَخُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ بِالْأَدَاءِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ آتٍ عَلَى كَلَامِ أَشْهَبَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُكَاتِبَهُ كُلَّهُ] أَيْ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ يَجُوزُ كِتَابَةُ بَعْضِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ] الْمُرَادُ يَعْقِدُ مَعَهُ عَقْدًا وَاحِدًا عَلَى مَالٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَّحِدٍ قَدْرًا وَصِفَةً وَأَجَلًا وَنَجْمًا وَاقْتِضَاءً وَإِلَّا مُنِعَ، فَإِنْ شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَقْتَضِيَ دُونَ صَاحِبِهِ فَسَدَ الشَّرْطُ وَكَانَ مَا أَخَذَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ مَعَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ سَوَاءٌ قَبَضَ الْكِتَابَةَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَلَكِنَّ الْمُمْتَنِعَ فِي اتِّحَادِ الِاقْتِضَاءِ شَرْطُ خِلَافِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُلْغَى كَمَا عُلِمَ. وَفِي الْخَرَشِيِّ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقَدْرُ أَوْ وَاحِدٌ مِمَّا بَعْدَهُ امْتَنَعَ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ نَصِيبُهُمَا كَثُلُثٍ وَثُلُثَيْنِ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اهـ. مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جُعِلَ لَهُ اقْتِضَاءٌ يَخُصُّهُ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ، وَأَمَّا لَوْ اتَّحَدَ الِاقْتِضَاءُ وَاقْتَسَمَاهُ عَلَى حَسَبِ مَا لِكُلٍّ فَلَا بَأْسَ. [قَوْلُهُ: رَقِيقًا] أَيْ إنْ كَانَ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ رَقِيقًا وَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا، وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: رَجَعَ لِمَا

عَبْدُهُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُعِنْهُ أَحَدٌ عَلَى كِتَابَتِهِ، أَمَّا إنْ أَعَانَهُ أَحَدٌ ثُمَّ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى السَّيِّدِ (وَلَا يُعَجِّزُهُ إلَّا السُّلْطَانُ بَعْدَ التَّلَوُّمِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّعْجِيزِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّعْجِيزِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى السُّلْطَانِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيزِ السُّلْطَانِ (وَكُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ) أَيْ صَاحِبَةِ وَلَدٍ مِنْ الْآدَمِيَّاتِ (فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا) إذَا كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا، أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ فَهُوَ حُرٌّ بِلَا خِلَافٍ إذَا كَانَ السَّيِّدُ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَهُوَ عَبْدٌ بِمَنْزِلَتِهَا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا مِنْ الْعِتْقِ وَالْخِدْمَةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (مِنْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُدَبَّرَةٍ أَوْ مُعْتَقَةٍ إلَى أَجَلٍ أَوْ مَرْهُونَةٍ) ع: وَانْظُرْ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بِهَذَا الْحُكْمِ أَوْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا وَالْمُوصَى بِعِتْقِهَا. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ: لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ الْمُوصَى بِعِتْقِهَا إذْ كُلُّ مَا تَلِدُهُ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى سَيِّدٍ] أَيْ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّدَقَةَ بِأَنْ قَصَدَ فِكَاكَ الرَّقَبَةِ أَوْ لَا قَصْدَ لَهُ، وَكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ بِالْفَضْلَةِ إنْ خَرَجَ حُرًّا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّدَقَةَ، فَإِنْ قَصَدَ بِمَا دَفَعَ الصَّدَقَةَ فَلَا يَرْجِعُ بِالْفَضْلَةِ عَلَيْهِ إنْ عَتَقَ وَلَا بِمَا قَبَضَهُ السَّيِّدُ إنْ عَجَزَ [قَوْلُهُ: وَلَا يُعَجِّزُهُ إلَّا السُّلْطَانُ إلَخْ] أَيْ بَعْدَ حُلُولِ الْكِتَابَةِ كُلِّهَا. [قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّلَوُّمِ] أَيْ لِمَنْ يُرْجَى يُسْرُهُ. قَالَ تت. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَتَلَوَّمُ لِمَنْ لَا يُرْجَى لَهُ مَالٌ، وَالتَّلَوُّمُ التَّرَبُّصُ وَيَخْتَلِفُ فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ بِقَدْرِ مَا يُرْجَى لَهُ اهـ. [قَوْلُهُ: إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّعْجِيزِ] أَيْ مَعَ سَيِّدِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا بُدَّ مِنْ تَعْجِيزِ السُّلْطَانِ] أَيْ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى التَّعْجِيزِ أَوْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ وَحْدَهُ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْحَاكِمِ، وَإِنْ طَلَبَهُ السَّيِّدُ وَحْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّلْطَانِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: صُورَتَانِ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا التَّعْجِيزُ عَلَى رَفْعِ السُّلْطَانِ، وَصُورَتَانِ يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا الْعَجْزُ عَلَيْهِ فَالْأُولَيَانِ مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّعْجِيزِ أَوْ طَلَبَهُ الْعَبْدُ وَلَمْ يَظْهَرْ مَالٌ، وَالْأَخِيرَتَانِ مَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى التَّعْجِيزِ وَظَهَرَ لِلْعَبْدِ مَالٌ أَوْ طَلَبَ السَّيِّدُ التَّعْجِيزَ وَأَبَى الْعَبْدُ هَذَا، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْمَشْهُورِ قَوْلُ سَحْنُونَ. وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُعَجِّزُهُ السُّلْطَانُ وَلَوْ اتَّفَقَ مَعَ سَيِّدِهِ عَلَى التَّعْجِيزِ وَرَضِيَ الْحَاكِمُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ غَيْرُهُ كَوَلَدِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْجِيزُ نَفْسِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى السَّعْيِ صَاغِرًا. تَنْبِيهٌ: إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ يَصِيرُ رَقِيقًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَوْ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْفَاهُ عَنْ السَّيِّدِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَخْفَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِأَحَدٍ حِينَ اتِّفَاقِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَكُلُّ إلَخْ] إنَّمَا يَكُونُ الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ، أُمِّهِ إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ وَمَا مَعَهَا عَلَى الْأُمِّ وَهُوَ فِي بَطْنِهَا، وَأَوْلَى الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْ أُمِّهِ قَبْلَ عَقْدِ كِتَابَتِهَا أَوْ قَبْلَ تَدْبِيرِهَا أَوْ قَبْلَ عِتْقِهَا فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ صَاحِبَةِ وَلَدٍ] أَيْ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الرَّحِمَ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ أُمِّهِ حَالٌّ فِي الرَّحِمِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْآدَمِيَّاتِ] أَيْ وَأَمَّا ذَاتُ الرَّحِمِ غَيْرُ الْآدَمِيَّةِ فَتَارَةً يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهَا كَنِتَاجِ حِمَارَةٍ أَوْ خِنْزِيرٍ عَلَى صُورَةِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا يُؤْكَلُ، وَتَارَةً لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهَا كَنِتَاجِ الْأُنْثَى مِنْ الْأَنْعَامِ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا يُجْزِئُ ضَحِيَّةً. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعِتْقِ] أَيْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَالْخِدْمَةُ وَالْبَيْعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهَا وَيَتَعَلَّقُ بِهَا لِأَنَّهُ رَقِيقٌ، هَذَا حَاصِلُهُ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْدَمَ أَمَةً حَامِلًا أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مُخْدَمًا مِثْلَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِثْلُ وَلَدِ الْمُخْدَمَةِ فِي كَوْنِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَدُ الْمُؤَجَّرَةِ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بَقِيَ الْمُوصَى بِذَاتِهَا لِشَخْصٍ وَهِيَ حَامِلٌ وَمِثْلُهَا الْمَوْهُوبَةُ وَالْمُتَصَدَّقُ بِهَا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهَا إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهَا فَلَا يَدْخُلُ مَعَهَا لِصِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَيَدْخُلُ مَعَهَا وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: كَالْمُعْتَقِ بَعْضُهَا] الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ] لَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ

يَدْخُلُ مَعَهَا وَلَا يَدْخُلُ مَعَهَا إلَّا مَا تَلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَيَعْتِقُ مَعَهَا (وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ) بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَهُوَ (بِمَنْزِلَتِهَا) بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، أَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَرَقِيقٌ (وَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً فَيَقُومُ مِنْ كَلَامِهِ فَرْعَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ إذَا مَلَكَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُزَكِّيَ الْمَالَ الَّذِي بِيَدِهِ وَالْمَشْهُورُ لَا يُزَكِّي (فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ) اتِّفَاقًا إنْ اكْتَسَبَهُ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ (وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ) لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا وَمَالَهَا فَإِنْ وَطِئَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُعَاقَبُ إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: فَإِنْ حَمَلَتْ خُيِّرَتْ فِي التَّعْجِيزِ فَتَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَالْبَقَاءِ عَلَى كِتَابَتِهَا، فَإِنْ اخْتَارَتْ التَّعْجِيزَ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْبَقَاءَ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً وَمُكَاتَبَةً، ثُمَّ إنْ أَدَّتْ النُّجُومَ عَتَقَتْ وَإِلَّا عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ (وَمَا حَدَثَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ مِنْ وَلَدٍ) بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ (دَخَلَ مَعَهُمَا فِي الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِمَا) قَوْلُهُ: حَدَثَ لِلْمُكَاتَبِ يَعْنِي مِنْ أَمَتِهِ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ حَدَثَ لَهُ مِنْ حُرَّةٍ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي حُرِّيَّتِهَا أَوْ مِنْ أَمَةِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ مِنْ أَمَةِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لِسَيِّدِهَا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: حَدَثَ عَمَّا إذَا كَاتَبَهُ وَأَمَتُهُ حَامِلٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ حَمْلُهَا إلَّا بِالشَّرْطِ (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْجَمَاعَةِ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إذَا كَانُوا لِمَالِكٍ وَاحِدٍ، وَتُوَزَّعُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِمْ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ إلَخْ أَيْ فِي الْعِتْقِ وَشَائِبَتِهِ، وَمُقَابِلُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ وَلَدُ الْمُخْدَمَةِ وَالْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهَا، وَأَيْضًا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُهَا مُوصًى بِعِتْقِهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَلَدُ الدَّابَّةِ الْمُعَارَةِ وَنَحْوِهَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ] أَيْ الْحُرِّ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَيِّدِ رَقِيقٍ [قَوْلُهُ: فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا إلَخْ] أَيْ فِي الْعِتْقِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِ لَا فِي الْخِدْمَةِ، فَإِنَّ لَهُ فِيهِ كَثِيرَ الْخِدْمَةِ بِخِلَافِ أُمِّهِ فَإِنَّ لَهُ فِيهَا فَوْقَ مَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَدُونَ مَا يَلْزَمُ الْقِنَّةَ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ حَقِيقَةً] الصَّوَابُ أَنَّهُ يَمْلِكُ لَكِنْ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَوَّلِ أَعْنِي كَوْنَهُ يَمْلِكُ جَوَازَ وَطْئِهِ لِجَارِيَتِهِ، وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُ الْمِلْكِ غَيْرَ تَامٍّ عَدَمُ وُجُوبِ تَزْكِيَتِهِ لِمَا بِيَدِهِ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ. [قَوْلُهُ: إذَا مَلَكَهَا] أَيْ دَامَ مِلْكُهُ وَلَمْ يَنْتَزِعْهَا السَّيِّدُ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ اشْتَرَاهَا مَثَلًا وَلَمْ يَنْتَزِعْهَا السَّيِّدُ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ لَا يُزَكِّي] أَيْ فَيُشْكِلُ الْأَمْرُ وَبِالصَّوَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَا إشْكَالَ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ] لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ كَثُرَ دُونَ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَكَذَا لَا يُبَاعُ إذَا لَمْ يُعَجَّزْ وَلَوْ رَضِيَ، وَإِذَا وَقَعَ فُسِخَ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ مُشْتَرِيهِ فَفِي نَقْضِ الْعِتْقِ خِلَافٌ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ] قُلْنَا: إنَّ الْكِتَابَةَ بَيْعٌ أَوْ عِتْقٌ لِأَنَّهَا أَحْرَزَتْ نَفْسَهَا. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ كَانَتْ مُدَّةُ الْكِتَابَةِ تَزِيدُ عَلَى أَمَدِ الْحَمْلِ الْمُعْتَادِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَطِئَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ] أَيْ لِلشُّبْهَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ] أَيْ أَوْ غَلِطَ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا وَأَكْرَهَهَا فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا وَإِلَّا فَلَا. [قَوْلُهُ: خُيِّرَتْ فِي التَّعْجِيزِ] أَيْ إلَّا لِضُعَفَاءَ مَعَهَا أَوْ أَقْوِيَاءَ لَمْ يَرْضَوْا وَحَطَّ حِصَّتَهَا إنْ اخْتَارَتْ الْأُمُومَةَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَارَتْ الْبَقَاءَ إلَخْ] أَيْ وَنَفَقَةُ حَمْلِهَا عَلَى سَيِّدِهَا كَالْمَبْتُوتَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَا حَدَثَ إلَخْ] قَالَ تت: أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُكَاتَبَةِ فَمُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَكُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لِلْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ أَيْ إذَا كُوتِبَا مَعًا وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكْرَارَ وَيُرَشِّحُهُ التَّثْنِيَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ: دَخَلَ مَعَهُمَا فِي الْكِتَابَةِ وَعَتَقَ بِعِتْقِهِمَا. قَالَ عج: الْمُرَادُ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُكَاتَبِ مَا يَنْشَأُ مِنْ الْحَمْلِ عَنْ مَائِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، قُلْت: وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَى هَذَا. [قَوْلُهُ: دَخَلَ إلَخْ] أَيْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَرْطٍ. وَقَوْلُهُ: وَعَتَقَ مَعْطُوفٌ عَلَى دَخَلَ [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ حَدَثَ إلَخْ] أَيْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ ظَهْرِ الْأَبِ إلَّا بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا فِي جَانِبِ الْمُكَاتَبَةِ أَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَطْنِهَا إلَّا بَعْدَ عَقْدِ كِتَابَتِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَعَهُ حَمْلُهَا إلَّا بِالشَّرْطِ] . وَكَذَا وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الَّذِي خَرَجَ

الْأَدَاءِ يَوْمَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا إلَخْ لِنَحْتَرِزَ عَمَّا إذَا كَانَ شَخْصَانِ مَثَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَبْدٌ فَأَرَادَ جَمْعَهُمَا فِي الْكِتَابَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَمُوتُ فَيَأْخُذُ سَيِّدُهُ مَالَ صَاحِبِهِ بَاطِلًا (وَلَا يُعْتَقُونَ إلَّا بِأَدَاءِ الْجَمِيعِ) فَعِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى عِتْقِ الْبَاقِينَ فَلَا يُعْتَقُونَ إلَّا مُجْتَمَعِينَ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَعْتِقَ بَعْضَهُمْ إذَا كَانَ فِي بَقَائِهِ مُكَاتَبًا مَعَهُمْ مَعُونَةً لَهُمْ (وَلَيْسَ) أَيْ لَا يَجُوزُ (لِلْمُكَاتَبِ عِتْقُ وَلَا إتْلَافُ مَالِهِ) بِغَيْرِ عِوَضٍ فِيمَا لَهُ بَالٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (حَتَّى يُعْتَقَ) لِأَنَّ ذَلِكَ إضْرَارٌ لِسَيِّدِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَجْزِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. ج: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَطْنِهَا قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ، وَلَوْ تَنَازَعَ السَّيِّدُ مَعَ الْمُكَاتَبِ فَقَالَ السَّيِّدُ: انْفَصَلَ الْوَلَدُ عَنْ ظَهْرِك قَبْلَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: إنَّمَا انْفَصَلَ مِنِّي بَعْدَ عَقْدِهَا فَإِنْ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَوْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ انْفَصَلَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فِي الْأُولَى، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرِّقِّيَّةُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهَا، وَأَمَّا إذَا وَضَعَتْهُ لِسِتَّةٍ فَأَكْثَرَ فَالْقَوْلُ لِلْمُكَاتَبِ. [قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْجَمَاعَةِ] أَيْ مِنْ الْأَرِقَّاءِ. وَقَوْلُهُ: فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَيْ بِمَالٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَتُوَزَّعُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِمْ] فَلَا تُوَزَّعُ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ وَلَا عَلَى حَسَبِ قِيَمِ الْعَبِيدِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ] أَفَادَ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْجَوَازِ إذَا شَرَطُوا حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ لَا حَمَالَةَ فَهِيَ جَائِزَةٌ وَيُجْعَلُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ مَا يَنُوبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِتَابَةِ. قَالَ عج: وَإِنْ وَقَعَ عج حَمَالَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَهَلْ يَمْضِي إنْ وَقَعَتْ مُطْلَقًا أَيْ وَتُنْقَضُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِمْ وَتَسْقُطُ حَمَالَةُ أَحَدِهِمْ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ إنْ أَدَّى نَجْمٌ فِيهَا خِلَافٌ، وَانْظُرْ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ نَصٍّ عَلَى الْحَمَالَةِ وَلَا عَلَى عَدَمِهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَقُونَ] لِأَنَّهُمْ حُمَلَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ حَمَالَةِ الدَّيْنِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْفَرْقُ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَحَيْثُ كَانُوا حُمَلَاءَ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمَلِيءِ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ عَلَى مَنْ دَفَعَهُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ عَنْهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِخَلِيلٍ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ شَيْءٌ بِمَوْتِ وَاحِدٍ أَوْ حُدُوثِ زَمَانَتِهِ أَوْ فَقْدِهِ أَوْ أَسْرِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِهِ بِرِقٍّ أَوْ حُرِّيَّةٍ فَيَسْقُطُ نَصِيبُهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ كِتَابَتِهِ، وَالْمَالُ الَّذِي انْتَقَلَ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَوْتِهِ مَثَلًا عَلَى السَّوَاءِ لَا عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِمْ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِمْ إنَّمَا هُوَ الْأَصْلِيُّ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُعْتَقُونَ إلَّا مُجْتَمِعِينَ] فَلَا يُعْتَقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَمَامِ الْجَمِيعِ هَذَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مَلِيًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَمْلِيَاءَ فَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَخْذُ أَحَدِهِمْ بِمَا عَلَى جُمْلَتِهِمْ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ فِي بَقَائِهِ مُكَاتَبًا مَعَهُمْ مَعُونَةً] أَيْ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَجُوزُ مَعَ قُوَّةِ الْبَاقِينَ، وَلَوْ لَمْ يَرْضَوْا، وَكَلَامُ الشَّارِحِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَرْضَى الْبَاقُونَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَلَا وَحَيْثُ جَازَ عِتْقُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُمْ حِصَّتُهُ، وَحَيْثُ رَدُّوا فِيمَا لَهُمْ فِيهِ الرَّدُّ ثُمَّ عَجَزُوا صَحَّ عِتْقُهُ وَإِذَا كَانَ أَدَّى شَيْئًا مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ عِتْقِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ أَوْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا وَأَعْتَقَهُ فَلَا يُحَطُّ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ حِصَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ عِتْقٌ] أَيْ لِرَقِيقِهِ لِأَدَائِهِ إلَى عَجْزِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَيَصِحُّ وَالْوَلَاءُ لِلْمُكَاتَبِ، وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّ الرَّقِيقَ إذَا أَعْتَقَ رَقِيقَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَجَازَهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتَقِ إنْ كَانَ السَّيِّدُ لَا يَنْتَزِعُ مَالَهُ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ، وَإِنْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهِ حَتَّى عَتَقَ أَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتَقِ لَا لِلسَّيِّدِ سَوَاءٌ كَانَ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِوَضٍ] أَيْ وَأَمَّا بِعِوَضٍ فَلَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُشَارَكَةِ وَالْمُقَارَضَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَاسْتِخْلَافِ عَاقِدٍ لِأَمَتِهِ وَإِسْلَامِهِ أَوْ فِدَائِهَا إنْ جَنَتْ بِالنَّظَرِ وَإِقْرَارٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فِي رَقَبَتِهِ فَغَيْرُهُ مِثْلُهُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ] أَيْ وَكَالْإِقْرَارِ بِجِنَايَةٍ خَطَأً. [قَوْلُهُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِتْلَافِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ

يَرْجِعَانِ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْغَيْرِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْيَسِيرِ وَتَقْيِيدُنَا بِمَا لَهُ بَالٌ احْتِرَازًا عَنْ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعْطَائِهِ كَكِسْرَةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُقَارِضِ وَالزَّوْجَةِ وَالشَّرِيكِ وَنَحْوِهِمْ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا يَتَزَوَّجُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعِيبَهُ إنْ عَجَزَ (وَلَا يُسَافِرُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ (السَّفَرَ الْبَعِيدَ) الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ نُجُومُهُ قَبْلَ قُدُومِهِ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) ق: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ يَعُودُ عَلَى التَّزْوِيجِ وَالسَّفَرِ خَاصَّةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ جَازَ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ كَانَ وَأَذِنَ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إذْنُهُ (وَإِذَا مَاتَ) الْمُكَاتَبُ (وَلَهُ وَلَدٌ) دَخَلَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا (قَامَ) وَلَدُهُ (مَقَامَهُ) فِي أَدَاءِ الْكِتَابَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي ذَلِكَ مُنَجَّمًا بَلْ حَالًّا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَوَدَى مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ (مَا بَقِيَ عَلَيْهِ حَالًّا) إذَا تَرَكَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ حَلَّتْ نُجُومُهُ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ تَحِلُّ بِمَوْتِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ (وَوَرِثَ مَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ مَا بَقِيَ) ع: ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ مَا بَقِيَ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ مِنْ وَلَدِهِ أَوْ حَدَثُوا لَهُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ يَرِثُ كُلُّ مِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِمَّنْ مَعَهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ وَهُوَ رَبِيعَةُ [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَزَوَّجُ] أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ نَظَرًا أَوْ غَيْرَ نَظَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعِيبُهُ وَلِسَيِّدِهِ رَدُّهُ وَفَسْخُهُ، وَلَا شَيْءَ لِزَوْجَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ رَدَّهُ سَيِّدُهُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَإِنَّهُ يَفْسَخُ وَيَتْرُكُ لَهَا رُبْعَ دِينَارٍ وَلَا يَتْبَعُ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا عَتَقَ وَإِنْ كَانَ دَفَعَ لَهَا أَزْيَدَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِهِ، فَإِنْ أَجَازَ سَيِّدُهُ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا فُسِخَ تَزْوِيجُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ السَّفَرَ الْبَعِيدَ] أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهِ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ لِدُخُولِهِ عَلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ نُجُومُهُ] الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ قَبْلَ قُدُومِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعِيدِ مَا يَحِلُّ فِيهِ نَجْمٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحِلَّ فِيهِ نَجْمٌ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: مَا هُوَ مَظِنَّةُ حُلُولِ نَجْمٍ كَحُلُولِهِ بِالْفِعْلِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ دَاوُد عَلَيْهَا وَالطِّخِّيخِيِّ عَلَى خَلِيلٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: الضَّمِيرُ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الضَّمِيرُ فِي سَيِّدِهِ إنَّمَا يَعُودُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ، وَلَعَلَّ الْعِبَارَةَ وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ يَعُودُ عَلَى التَّزْوِيجِ إلَخْ. فَتَدَبَّرْ أَيْ وَأَمَّا فِي الْعِتْقِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ فِي الْعِتْقِ وَاضِحٌ وَفِي إتْلَافِ الْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ نَاجِي كَمَا فِي كَلَامِ عج التَّصْرِيحُ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ وَالتَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ جَارٍ فِي الْعِتْقِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إذْنُهُ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ صَغِيرًا لَفُسِخَ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: دَخَلَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ] أَيْ بِشَرْطٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ حَدَثَ بَعْدَهَا وَلَا يَحْتَاجُ لِشَرْطٍ. [قَوْلُهُ: وَوَدَى مِنْ مَالِهِ] أَيْ وُجُوبًا [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ حَلَّتْ] فَالْحُلُولُ عِنْدَ وُجُودِ مَا بِهِ الْوَفَاءُ [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ يَرِثُهُ كُلُّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ دَخَلَ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَشْتَرِيَ الْمُكَاتَبُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ زَمَنَ كِتَابَتِهِ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَبَاهُ وَوَلَدَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَمَنْ ابْتَاعَهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَمَنْ يُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ بِالْمِلْكِ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ وَصَارَ كَمَنْ عُقِدَتْ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ وَأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَلَا يَرِثُهُ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ وَلَوْ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا مَنْ مَعَهُ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَأَخُوهُ الَّذِي مَعَهُ يَرِثُهُ دُونَ وَلَدِهِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ فِي كِتَابَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ مَعَهُ فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْإِرْثُ مَعَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَخِ وَبِنْتَانِ فِي الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِعَمِّهِمَا لِكَوْنِهِ مَعَهُمَا فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا فِي كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ الثُّلُثُ لِلسَّيِّدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْهُ مَنْ فِي كِتَابَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ شَأْنَ الْمُتَوَارِثِينَ التَّسَاوِي حَالَ الْمَوْتِ وَهُوَ هُنَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ لِاحْتِمَالِ أَدَاءِ أَصْحَابِ أَهْلِ الْكِتَابَتَيْنِ دُونَ

[أحكام أم الولد]

الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِهِ خَارِجًا عَنْ الْكِتَابَةِ فَلَا يَرِثُهُ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِإِذَا تَرَكَ إلَخْ لِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ بِهَا) أَيْ بِالْكِتَابَةِ (فَإِنَّ وَلَدَهُ يَسْعَوْنَ) أَيْ يَعْمَلُونَ فِيهِ (وَيُؤَدُّونَ نُجُومًا) عَلَى تَنْجِيمِ الْمَيِّتِ (إنْ كَانُوا كِبَارًا) لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى السَّعْيِ وَأَمَانَةٌ عَلَى الْمَالِ وَإِلَّا أُعْطِيَ الْمَالُ لِأَمِينٍ يُؤَدِّي عَنْهُمْ (وَإِنْ كَانُوا) أَيْ أَوْلَادُ الْمُكَاتَبِ (صِغَارًا وَلَيْسَ فِي الْمَالِ قَدْرُ النُّجُومِ إلَى بُلُوغِهِمْ السَّعْيَ رَقُوا) ق: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِ مَا يُبْلِغُهُمْ السَّعْيَ لَمْ يَرْقُوا وَيُوضَعُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ أَمِينٍ وَيُعْطِي لِلسَّيِّدِ عَلَى قَدْرِ النُّجُومِ (وَإِنْ) مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَ (لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ) وَلَيْسَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ (وَرِثَهُ سَيِّدُهُ) ق: يَعْنِي بِالرِّقِّ لَا بِالْوَلَاءِ لِكَوْنِهِ مَاتَ رَقِيقًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ الْأَمَةُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ أَوْلَدَ أَمَةً فَ) يُبَاحُ (لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ) بِالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج: 30] ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُخْرَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ] سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَتَصْدُقُ بِعَدَمِ الْمَالِ أَصْلًا أَيْ فَالشَّرْطُ قُدْرَتُهُمْ عَلَى السَّعْيِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُمْ تَرَكَ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ وَلَدَهُ يَسْعَوْنَ] فَإِنْ أَدَّوْا عَتَقُوا وَإِلَّا رَقُّوا، وَلَا مَفْهُومَ لِلْوَلَدِ أَيْ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ كَانَ وَلَدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي إعْطَاءِ مَا تَرَكَهُ مِمَّا لَا يَفِي فَلَا يُعْطَى لِأَجْنَبِيٍّ وَإِنَّمَا يُعْطَى لِوَلَدِهِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ أُمُّهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَعْمَلُونَ فِيهِ] أَيْ فِي الْمَالِ أَيْ أَوْلَادُهُ يَعْمَلُونَ أَيْ وَرَثَتُهُ لَا خُصُوصُ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَعْطَى الْمَالَ لِأَمِينٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ أَمَانَةً أَيْ وَلَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ أَيْ فَيُحَصِّلُونَ بِسَعْيِهِمْ وَلَوْ بِإِجَارَةٍ لِأَنْفُسِهِمْ مَا فِيهِ وَفَاءُ النُّجُومِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ كَانَتْ أَمَانَةً وَإِلَّا رَقُّوا. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي الْمَالِ قَدْرُ إلَخْ] قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَحِلُّ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ إذَا تَرَكَ وَفَاءً وَهَذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً، فَإِذَا تَرَكَ وَفَاءً حَلَّتْ بِمَوْتِهِ صِغَارًا كَانُوا أَوْ كِبَارًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَالتَّفْصِيلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ وَعَجَّلَ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ حِينَئِذٍ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمُّ وَلَدٍ لَهَا قُوَّةٌ وَأَمَانَةٌ دَفَعَ إلَيْهَا الْمَالَ إنْ رَجَى لَهَا قُوَّةً عَلَى السَّعْيِ فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ قَالَهُ تت. وَاعْتِبَارُ الْأَمَانَةِ إنَّمَا هُوَ فِي دَفْعِ الْمَالِ لَهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا قُوَّةٌ عَلَى السَّعْيِ فِي بَقِيَّةِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُونَةٍ فَإِنَّ وَلَدَهُ لَا يُرَقُّونَ أَيْ بَلْ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَإِنَّهَا تَسْعَى إنْ قَوِيَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قُوَّةٌ وَكَانَ فِي ثَمَنِهَا مَعَ مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَوْ فِي ثَمَنِهَا وَحْدَهَا حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ مَا لَا يَبْلُغُهُمْ عَلَى السَّعْيِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُدْفَعُ ثَمَنُهَا فِي النُّجُومِ، وَانْظُرْ إذَا قَوِيَتْ عَلَى السَّعْيِ وَأَبَتْ هَلْ تُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ تُبَاعُ حَيْثُ كَانَ فِي ثَمَنِهَا مَا يَبْلُغُهُمْ لِلسَّعْيِ قَالَهُ عج. تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ قُوَّةٌ وَأَمَانَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطِي لِأُمِّ الْوَلَدِ عِنْدَ قُوَّتِهَا وَأَمَانَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ] أَيْ وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ وَحُكِمَ عَلَى السَّيِّدِ بِقَبْضِهَا أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِإِتْيَانِهِ بِهَا وَلَمْ يَقْبَلْهَا فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَإِلَّا وَرِثَهُ. وَقَوْلُهُ: وَرِثَهُ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِأَنَّهُ رِقٌّ. [أَحْكَام أُمّ الْوَلَد] [قَوْلُهُ: أُمُّ الْوَلَدِ] الْأُمُّ فِي اللُّغَةِ أَصْلُ الشَّيْءِ وَتُجْمَعُ عَلَى أُمَّاتٍ وَأَصْلُ أُمٍّ أُمَّهَةٌ وَلِذَلِكَ تُجْمَعُ عَلَى أُمَّهَاتٍ، وَقِيلَ الْأُمَّاتُ لِلنَّعَمِ وَالْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ فِي الْعُرْفِ] أَيْ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ السَّيِّدُ رَقِيقًا فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ، وَأَمَّا أُمُّ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ فَهِيَ كُلُّ مَنْ لَهَا وَلَدٌ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَعْرِيفِ أُمِّ الْوَلَدِ: هِيَ الْحُرُّ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا فَتَخْرُجُ الْأَمَةُ الَّتِي أَعْتَقَ سَيِّدُهَا حَمْلَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِأَبِي زَوْجِهَا، فَإِنَّ حَمْلَهَا إنَّمَا جَاءَتْ حُرِّيَّتُهُ مِنْ عِتْقِهِ عَلَى جَدِّهِ. وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ خَرَجَتَا بِقَوْلِهِ: مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْلَدَ أَمَةً] أَيْ مِنْ الْأَحْرَارِ. [قَوْلُهُ: بِالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ] أَيْ مُقَدِّمَاتِهِ أَيْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الَّتِي تَجُوزُ فِي الزَّوْجَةِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَلَهُ أَخْذُ

«وَتَسَرَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ» (وَتُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ) مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَلَا يَرِقُّهَا دَيْنٌ كَانَ قَبْلَ حَمْلِهَا أَوْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ قَتَلَتْهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَلَمْ يُرَاعُوا هُنَا عِلَّةَ الِاسْتِعْجَالِ كَمَا قَالُوا فِي الْمُدَبَّرِ يَرْجِعُ رَقِيقًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِأُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إذَا اسْتَغْرَقَهُ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَا تُبَاعُ بِحَالٍ فِي الدَّيْنِ إلَّا فِي مَسَائِلَ اسْتَثْنَاهَا الْأَصْحَابُ نَقَلْنَاهَا فِي الْكَبِيرِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) فَإِنْ وَقَعَ فَسْخٌ وَإِنْ عَتَقَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مَاتَتْ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَمُصِيبَتُهَا مِنْ الْبَائِعِ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْهِبَةُ وَالرَّهْنُ وَنَحْوُهُمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيمَتِهَا مِمَّنْ قَتَلَهَا. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] أَيْ فَعُمُومُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَوْلُهُ: وَتَسَرَّى أَيْ وَأَوْلَدَهَا إبْرَاهِيمُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى وَطْئِهَا بَعْدَ إيلَادِهَا وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ مِنْ تَسَرِّيهِ بِهَا لَا مُطْلَقُ التَّسَرِّي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ أَهْدَاهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُقَوْقِسُ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ جَمِيلَةً وَالْقِبْطِيَّةُ نِسْبَةٌ لِلْقِبْطِ وَهُمْ أَهْلُ مِصْرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ [قَوْلُهُ: وَتُعْتَقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ] وَتُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْكَفَنِ قَالَهُ عج، وَمَحَلُّ عِتْقِهَا حَيْثُ كَانَ السَّيِّدُ حُرًّا وَغَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ حِينَ الْوَطْءِ الَّذِي مِنْهُ الْوِلَادَةُ، فَإِنْ وَطِئَ الْمُفْلِسُ أَمَتَهُ الْمَوْقُوفَةَ لِلْبَيْعِ فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ لَمْ يُمْنَعْ بَيْعُهَا بِخِلَافِ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ. [قَوْلُهُ: مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ] أَيْ مَاتَ مَوْتًا عُلِمَ مِنْ أَنْفِهِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُقَالُ فِي شَأْنِ حَيَوَانٍ مَاتَ بِدُونِ سَبَبٍ مِنْ ضَرْبٍ وَغَيْرِهِ وَشَأْنُهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي التَّنَفُّسِ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَلِذَا خُصَّ بِالْأَنْفِ وَهَلْ لَهُ فِعْلٌ وَهُوَ حَتْفٌ تَقُولُ: حَتَفَهُ اللَّهُ يَحْتِفُهُ حَتْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا أَمَاتَهُ، وَمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْسِيرِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ أَوْ لَا فِعْلٌ لَهُ قَوْلَانِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. [قَوْلُهُ: ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ لِأُمِّ الْوَلَدِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِقُرْبِهَا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي مَنْعِ إجَارَتِهَا وَبَيْعِهَا فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَرَهْنِهَا وَهِبَتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ دُونَ الْمُدَبَّرِ لِأَنَّ عِتْقَهَا لَا يَرُدُّهُ الدَّيْنُ وَلَوْ سَابِقًا. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ] أَيْ سِتَّةٍ تُبَاعُ فِيهَا أُمُّ الْوَلَدِ، الْأُولَى الْأَمَةُ الْمَرْهُونَةُ يَطَؤُهَا الرَّاهِنُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بَعْدَ الْوَضْعِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ لَا يُبَاعُ الثَّانِيَةُ الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِجِنَايَتِهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ عَدِيمٌ فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَوَلَدُهَا حُرٌّ، الثَّالِثَةُ أَمَةُ التَّرِكَةِ يَطَؤُهَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ وَالْوَاطِئُ لَهَا عَدِيمٌ وَعَالِمٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ دُونَ وَلَدِهَا، الرَّابِعَةُ أَمَةُ الْمُفْلِسِ يَطَؤُهَا بَعْدَ وَقْفِهَا لِلْبَيْعِ وَتَحْمِلُ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بَعْدَ الْوَضْعِ دُونَ وَلَدِهَا، الْخَامِسَةُ الْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ يَطَؤُهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ مَعَ عُسْرِهِ وَتَحْمِلُ فَإِنَّهَا تُبَاعُ بَعْدَ وَضْعِهَا دُونَ وَلَدِهَا. السَّادِسَةُ: أَمَةُ الْقِرَاضِ يَطَؤُهَا الْعَامِلُ مَعَ عُسْرِهِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَمَةَ الْمُكَاتَبِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ ... فِي سِتَّةٍ فَاجْتَهِدْ أَحْبَلَهَا رَاهِنُهَا ... أَوْ الشَّرِيكُ فَاعْدُدْ أَوْ مُفْلِسٌ وَإِنْ جَنَتْ ... سَلِّمْ لَهُ فَسَدِّدْ أَوْ أَحَدُ الْوُرَّاثِ أَوْ ... مُقَارَضًا فَيَعْتَدِي وَزَادَ تت سَابِعَةً فَقَالَ: وَأَمَةٌ سَيِّدُهَا ... مُكَاتَبٌ فَاعْتَمِدْ [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا] أَيْ وَلَوْ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ اسْتَدَانَهُ قَبْلَ اسْتِيلَادِهَا [قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ] أَيْ وَلَوْ أَعْتَقَهَا الْمُشْتَرِي اعْتَقَدَ أَنَّهَا قِنٌّ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ وَتَرْجِعُ لِسَيِّدِهَا. [قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ] أَيْ فِي كُلِّ الصُّوَرِ بِالثَّمَنِ، وَمَحَلُّ رَدِّ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لَهَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهَا، فَإِنْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً بِالشِّرَاءِ وَلَا يُرَدُّ عِتْقُهَا سَوَاءٌ عَلِمَ حِينَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا أُمُّ

تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ بِالْكَفَنِ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُرِيدُ بَعْدَ الْمُعَيَّنَاتِ. الثَّانِي: قَوْلُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ هَذَا إذَا وَلَدَتْ فِي حَيَاتِهِ، أَمَّا إنْ مَاتَ وَتَرَكَهَا حَامِلًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُعْتَقُ إذْ ذَاكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَسَحْنُونٌ: لَا تَعْتِقُ حَتَّى تَضَعَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ نَفَقَتُهَا مِنْ تَرِكَتِهِ (وَلَا لَهُ عَلَيْهَا خِدْمَةٌ) كَثِيرَةٌ وَأَمَّا الْيَسِيرَةُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا فِيهَا كَالطَّحْنِ وَالسَّقْيِ (وَلَا غَلَّةَ) فَلَا يُؤَاجِرُهَا مِنْ غَيْرِهِ (وَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْغَلَّةِ وَالْخِدْمَةِ (فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ) فَيُؤَاجِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِهِ (بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فِي الْعِتْقِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا) هَذَا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ حَيَّةٌ، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ فَلَا يُعْتَقُ أَوْلَادُهَا حَتَّى يَمُوتَ السَّيِّدُ (وَكُلُّ مَا أَسْقَطَتْهُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَهِيَ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ) مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَكَذَلِكَ الدَّمُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَلَا يَنْفَعُهُ) أَيْ السَّيِّدَ (الْعَزْلُ) وَهُوَ الْإِنْزَالُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَدٍ أَوْ لَا، وَيَسْتَحِقُّ بَائِعُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ ثَمَنَهَا وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهَا لَمْ يُرَدَّ عِتْقُهَا. لَكِنْ إنْ عَلِمَ حِينَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ اسْتَحَقَّ سَيِّدُهَا ثَمَنَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ فَكَّهَا وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهَا الْأَوَّلِ، فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا قِنٌّ فَالثَّمَنُ لَهُ لَا لِلْبَائِعِ وَالْوَلَاءُ لِلْبَائِعِ فَإِذَا لَمْ يُعْتِقْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفُسِخَ الْبَيْعُ وَرُدَّتْ وَقَوْلُهُ أَوْ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ فَتُرَدُّ بِالْأُولَى، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ غَرِمَ قِيمَةَ وَلَدِهِ لِلْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَكَتَمَهُ الْبَائِعُ وَغَيْرُهُ فَهَلْ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ إيَّاهَا وَهُوَ لِمُطَرَّفٍ. اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ خِلَافٍ وَلَوْ زَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ عَبْدِهِ رُدَّتْ مَعَ وَلَدِهَا وَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ. تَنْبِيهٌ: وَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فِيمَا يُفْسَخُ فِيهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ مِمَّا أَنْفَقَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا لَهُ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ خِدْمَتِهَا. [قَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ بَعْدَ الْمُعَيَّنَاتِ] أَيْ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَيَبْدَأُ بِالْكَفَنِ بَعْدَ الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا أَوْ ظَهَرَ حَمْلُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا تُعْتَقُ بِهِ بِخِلَافِ ظُهُورِهِ قَبْلَهُ، وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا لَوْ مَاتَ لَهَا مُورِثٌ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَقَبْلَ وَضْعِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَرِثُهُ لَا عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: خِدْمَةٌ] أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهَا خِدْمَةً كَثِيرَةً بِغَيْرِ رِضَاهَا [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْيَسِيرَةُ] هُوَ مَا نَقَصَ عَمَّا يَلْزَمُ الْأَمَةَ وَفَوْقَ مَا يَلْزَمُ الْحُرَّةَ [قَوْلُهُ: كَالطَّحْنِ إلَخْ] الْأَحْسَنُ فِي ذَلِكَ الرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ [قَوْلُهُ: وَلَا غَلَّةَ] . ظَاهِرُهُ وَلَوْ قَلِيلَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخِدْمَةِ وَالْغَلَّةِ أَنَّ الْخِدْمَةَ يَسْتَعْمِلُهَا بِنَفْسِهِ مِنْ الطَّحْنِ وَغَيْرِهِ وَالْغَلَّةَ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ، فَإِنْ آجَرَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا فُسِخَتْ وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا عَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَهَا وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ عَلَى قَوْلٍ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَحَدُّهَا نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ وَلَا تَرِثُ وَلَا يُقْسَمُ لَهَا فِي الْمَبِيتِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذَكَرَ] أَيْ فَأَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْخِدْمَةِ أَيْ الْكَثِيرَةِ [قَوْلُهُ: فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ] أَيْ الْوَلَدِ الْحَاصِلِ لَهَا بَعْدَ حَمْلِهَا مِنْ سَيِّدِهَا، وَأَمَّا الْحَاصِلُ قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ فَهُوَ رَقِيقٌ. وَفِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَزْوِيجَ أُمِّ الْوَلَدِ لِلْغَيْرِ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: فَيُؤَاجِرُهُ] تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَيَسْتَخْدِمُهُ أَوْ يُؤَاجِرُهُ مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ فِي الْعِتْقِ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا] قَالَ تت: وَلَوْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَتَقَتْ وَكَذَا يَعْتِقُ وَلَدُهَا وَتُقْتَلُ إنْ تَعَمَّدَتْ اهـ. قَالَ عج: وَأَمَّا خَطَأً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَيُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: قَتْلٌ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ وَلَا شَيْءَ فِي خَطَئِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ] أَيْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْعَارِفَاتِ [قَوْلُهُ: فَهِيَ بِهِ أُمُّ وَلَدٍ] أَيْ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا إقْرَارًا لَهَا بِوَطْئِهَا مَعَ الْإِنْزَالِ وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الْمَرَضِ، فَلَوْ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَلَمْ تَشْهَدْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ بِوَطْئِهَا وَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ يَمِينٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَأْ، كَمَا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَافٍ بِالْوَطْءِ وَوُجِدَتْ أَمَتُهُ حَامِلًا فَلَا تُعْتَقُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ زِنًا، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ إذَا قَالَ: كُنْت أَطَأُ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يُثْبِتَ وِلَادَتَهَا أَوْ يُسْقِطَهَا وَلَوْ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ حَيْثُ كَانَ الْوَلَدُ مَعْدُومًا، وَأَمَّا لَوْ أَتَتْ بِهِ وَقَالَتْ: هَذَا

[أحكام العتق والولاء]

خَارِجَ الْفَرْجِ أَيْ لَا يَنْفَعُهُ ادِّعَاءُ الْعَزْلِ عَنْ الْأَمَةِ (إذَا أَنْكَرَ وَلَدَهَا) أَنْ يَكُونَ مِنْهُ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (أَقَرَّ بِالْوَطْءِ) لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَغْلِبُهُ وَلَوْ الْيَسِيرَ مِنْهُ (فَإِنْ ادَّعَى) السَّيِّدُ (اسْتِبْرَاءً) بِحَيْضَةٍ فَأَكْثَرَ (لَمْ يَطَأْ بَعْدَهُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ مَا جَاءَ مِنْ وَلَدٍ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعِتْقِ وَهُوَ شَرْعًا خُلُوصُ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ وَحُكْمُهُ النَّدْبُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ لَمَّا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ وَفِي لَفْظٍ: أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ» . وَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ. أَوَّلُهَا: الْمُعْتِقُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَطَّ الدَّيْنُ بِمَالِهِ (وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ) الصَّبِيِّ وَلَا الْمَجْنُونِ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَلَدُ مِنْك مَعَ إقْرَارِهِ بِوَطْئِهَا وَإِنْزَالِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ شَهَادَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الدَّمُ الْمُنْعَقِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَهُوَ الَّذِي إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَا يَذُوبُ وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِالدَّمِ الْمُجْتَمِعِ الَّذِي إذَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَمْ يَذُبْ اهـ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفَعُهُ الْعَزْلُ] وَكَذَا لَا يَنْفَعُهُ الْوَطْءُ بِدُبُرِهَا أَوْ بَيْنَ فَخْذَيْهَا إنْ أَنْزَلَ كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَكَذَا إذَا لَمْ يُنْزِلْ فِي وَطْئِهِ إيَّاهَا وَقَدْ أَنْزَلَ قَبْلَهُ فِي غَيْرِ وَطْئِهَا وَلَمْ يَبُلْ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي اللِّعَانِ قَالَهُ عج. وَعَزْلُهُ عَنْ أَمَتِهِ جَائِزٌ إذْ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ، وَأَمَّا أَمَةُ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي وَلَدِهَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا. [قَوْلُهُ: فَأَكْثَرَ] لَا حَاجَةَ لَهُ. [قَوْلُهُ: مَا جَاءَ مِنْ وَلَدٍ] أَيْ حَيْثُ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَأَمَّا فِي حُكْمِهَا كَسِتَّةٍ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَأَمَّا إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي طَوْرٍ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَوْرٍ يَكُونُ عَلَيْهِ مَنْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقَرَافِيُّ اهـ. الْمُرَادُ مِنْ عج وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ لِلْمُغِيرَةِ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الِاسْتِبْرَاءَ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ] أَيْ فِي ادِّعَائِهِ الِاسْتِبْرَاءَ [أَحْكَام الْعِتْق وَالْوَلَاء] [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَرْعًا إلَخْ] وَأَمَّا لُغَةً فَهُوَ الْخُلُوصُ وَالْكَرْمُ لِخُلُوصِ الرَّقَبَةِ مِنْ الرِّقِّ، وَلِذَا سُمِّيَ الْبَيْتُ بِالْعَتِيقِ لِخُلُوصِهِ مِنْ أَيْدِي الْجَبَابِرَةِ وَمِنْ الطُّوفَانِ. [قَوْلُهُ: لَمَّا صَحَّ إلَخْ] أَيْ وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةٍ أَعْتَقَتْ رَقَبَةً: لَوْ كُنْت أَخْدَمْتِيهَا أَقَارِبَك لَكَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِك» . وَهَلْ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ حَرِّرْهُ. [قَوْلُهُ: أَعْتَقَ اللَّهُ إلَخْ] ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ نَاقِصَ عُضْوٍ لَا يَحْجُبُ النَّارَ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي يُقَابِلُهُ مِنْهُ وَهُوَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيِّ عُضْوٍ شَاءَ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ النَّارَ أَنْ تَأْكُلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ» قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بِكُلِّ إرْبٍ إلَخْ] أَيْ عُضْوٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى فَرْجَهُ إلَخْ] غَيًّا بِالْفَرْجِ لِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ بِهِ فَيُتَوَهَّمُ عَدَمُ دُخُولِهِ. [قَوْلُهُ: وَعِتْقُ الذَّكَرِ أَفْضَلُ] ثُمَّ أَعْلَى الرِّقَابِ وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى ثَمَنًا كَافِرًا فَضَّلَهُ مَالِكٌ وَخَالَفَهُ أَصْبَغُ وَنُسِبَ لِلْجُمْهُورِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قِيلَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُعْتَقُ مِنْ النَّارِ إلَّا بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مِثْلَ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَانَ كَالْمَرْأَةِ، أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا فَالْمُسْلِمُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا كَانَ مُسْلِمَيْنِ فَالدَّيْنُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُمَا ثَمَنًا وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ إنَّمَا يَكُونُ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَلَ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ إلَخْ] صَادِقٌ بِالْكَافِرِ إذْ يَصِحُّ عِتْقُهُ لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ وَيَلْزَمُ إنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ أَوْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ بَانَ عَنْ سَيِّدِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يُسْلِمْ الْعَبْدُ وَلَا بَانَ عَنْ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ فَيَصِحُّ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ السَّكْرَانُ بِحَرَامٍ فَيَلْزَمُهُ

الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا (مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ) كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. ثَانِيهَا: الْمُعْتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَهُوَ رَقِيقٌ قِنٌّ أَوْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُدَبَّرِ. ثَالِثُهَا: الصِّيغَةُ وَهِيَ إمَّا صَرِيحٌ وَهُوَ مَا دَلَّ وَضْعًا عَلَى رَفْعِ الْمِلْكِ بِدُونِ احْتِمَالٍ وَلَا قَرِينَةٍ تَصْرِفُهُ عَنْ إرَادَةِ الْعِتْقِ كَفَكَكْتُ رَقَبَتَك مِنْ الرِّقِّ أَوْ حَرَّرْتهَا أَوْ أَنْتَ حُرٌّ، أَمَّا إنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ إرَادَةِ الْعِتْقِ فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ مُتَعَجِّبًا مِنْ عَمَلِهِ مَثَلًا مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْتَ حُرُّ الْفِعَالِ أَوْ كَقَوْلِهِ لِعَشَّارٍ هُوَ حُرٌّ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ رَفْعَ الظُّلْمِ عَنْهُ دُونَ الْحُرِّيَّةِ، وَإِمَّا كِنَايَةٌ كَوَهَبْتُ لَك نَفْسَك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِعِتْقِك وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا نَحْوَ اسْقِنِي أَوْ اذْهَبْ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِهِ مُوجِبًا لِفِكَاكِ الرَّقَبَةِ مِنْ مِلْكِهِ حَتَّى تَصْحَبَهُ النِّيَّةُ ، وَلِلْعِتْقِ خَوَاصُّ مِنْهَا مَا أَشَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِتْقُهُ كَطَلَاقِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الصَّبِيِّ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ السَّفِيهَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ إعْتَاقُهُمْ بَاطِلٌ وَالْمَرِيضُ وَالزَّوْجَةُ فِي زَائِدِ الثُّلُثِ وَالْمَدِينُ يَتَوَقَّفُ إعْتَاقُهُمْ عَلَى الْإِجَازَةِ حَتَّى يُرَدَّ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ يَفْصِلُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ] فَإِنْ أَعْتَقَ فَإِنَّ عِتْقَهُ لَا يَنْفُذُ وَلِغَرِيمِهِ أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ إنْ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ جَمِيعَ مَالِهِ أَوْ يَرُدَّ بَعْضَهُ إنْ اسْتَغْرَقَ بَعْضَ مَالِهِ، فَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَعِنْدَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا فَأَعْتَقَهُ فَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَهُ وَهُوَ مَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَيُبَاعُ مِنْ الرَّقِيقِ بِقَدْرِ الْعَشَرَةِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي ذَلِكَ وَإِلَّا بِيعَ جَمِيعُهُ، وَمَحَلُّ رَدِّ الْغَرِيمِ لِعِتْقِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الدَّيْنِ بِالْعِتْقِ وَيَرْضَى بِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ أَوْ يَطُولُ زَمَنُ الْعِتْقِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَصِحُّ الْعِتْقُ وَالطُّولُ بِأَنْ يَشْتَهِرَ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُهَا بِالْمُوَارَثَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَمَا لَمْ يُفِدْ الْمَدِينُ مَالًا قُدِّرَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ عِتْقَهُ يَمْضِي وَلَا يُرَدُّ وَلَوْ كَانَتْ إفَادَةُ الْمَالِ قَبْلَ نُفُوذِ الْبَيْعِ كَمَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى الْخِيَارِ بِأَنْ رَدَّ السُّلْطَانُ عِتْقَ الْمِدْيَانِ وَبَاعَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَيْعَهُ عَلَى الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا فَإِنَّ عِتْقَهُ يَمْضِي وَلَا يُرَدُّ لِأَنَّ رَدَّ الْحَاكِمِ رَدُّ إيقَافٍ كَرَدِّ الْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا بَعْدَ نُفُوذِ الْبَيْعِ فَلَا يُرَدُّ هَذَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ السُّلْطَانَ كَمَا صَوَّرْنَا أَيْ أَوْ الْمُفْلِسَ أَوْ الْغُرَمَاءَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، وَأَمَّا هُوَ أَوْ هُمْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيُرَدُّ الْبَيْعُ بَعْدَ نُفُوذِهِ أَيْضًا حَيْثُ أَفَادَ مَالًا. وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُنَا أَوْ يُرَدُّ بَعْضُهُ مَعَ فَرْضِ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ، وَالْجَوَابُ أَنْ يُفْرَضَ ذَلِكَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَبْدٌ يُسَاوِي عِشْرِينَ وَعَلَيْهِ عَشْرَةٌ وَأَعْتَقَهُ كُلَّهُ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي بَعْضَهُ أَيْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ كُلُّهُ فَهُوَ إحَاطَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. [قَوْلُهُ: ثَانِيهَا الْمُعْتَقُ] شَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي، فَإِنَّ عِتْقَهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ رَبِّ الْحَقِّ وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِدُونِ احْتِمَالٍ] أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ غَيْرَ مُصَاحِبٍ لِاحْتِمَالٍ وَلَا قَرِينَةٍ وَعَطْفُ الْقَرِينَةِ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ مُتَعَجِّبًا مِنْ إلَخْ] أَيْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْتَ فِي عَمَلِك كَالْحُرِّ أَوْ عَمِلَ شَيْئًا لَمْ يُعْجِبْ سَيِّدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ جَوَابًا لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْتَ فِي مُخَالَفَتِك مِثْلُ الْحُرِّ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ قَدْ دَخَلَتْ تَحْتَ قَوْلِ الشَّارِحِ مَثَلًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ أُعْجِبَ مِنْ عَمَلِ عَبْدِهِ أَوْ خَالَفَهُ عِنْدَ أَمْرِهِ بِشَيْءٍ فَقَالَ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَقَوْلِهِ لِعَشَّارٍ إلَخْ] وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ إكْرَاهِهِ عَلَى الْمَكْسِ حَتَّى ذَكَرَ حُرِّيَّتَهُ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ بِسَاطٌ وَالْبِسَاطُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا كِنَايَةُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ الصِّيغَةَ إمَّا صَرِيحَةٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَالْكِنَايَةُ إمَّا ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ، فَالصَّرِيحَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ عَنْ الْعِتْقِ وَالْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ عَنْهُ إلَّا بِنِيَّةٍ كَوَهَبْتُ لَك نَفْسَك، وَالْخَفِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ كَاذْهَبْ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقْتُك] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ مِنْ الصَّرِيحِ فَالصَّرِيحُ كُلُّ مَا فِيهِ لَفْظُ الْعِتْقِ أَوْ التَّحْرِيرِ أَوْ الْفَكِّ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْك بِعِتْقِك الظَّاهِرِ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الصَّرِيحِ نَظَرًا لِقَوْلِهِ: بِعِتْقِك فَلَعَلَّ

إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ) كَالرُّبْعِ أَوْ الثُّلْثِ أَوْ النِّصْفِ أَوْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ كَيَدٍ (اسْتَتَمَّ) أَيْ عَتَقَ (عَلَيْهِ) جَمِيعُهُ بِالْحُكْمِ لَا يَعْتِقُ الْبَعْضُ إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا رَشِيدًا حُرًّا لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ مَعَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ الْبَعْضَ (نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ وَعَتَقَ) عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَقُومُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَقَطْ أَوْ جَمِيعُ الْعَبْدِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَمَا ذَكَرَهُ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا بِمَا يَحْمِلُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ (فَإِنْ) كَانَ غَيْرَ مُوسِرٍ يَوْمَ الْحُكْمِ بِأَنْ (لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ) أَلْبَتَّةَ (بَقِيَ سَهْمُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا) إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ رَبُّهُ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَفِي بِبَعْضِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ مَعَهُ (وَ) مِنْ الْخَوَاصِّ أَنَّ (مَنْ) كَانَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا رَشِيدًا غَيْرَ مِدْيَانٍ وَ (مَثَّلَ) بِالتَّشْدِيدِ عَمْدًا (بِعَبْدِهِ) الْقِنِّ أَوْ بِعَبْدِ عَبْدِهِ أَوْ مِنْ شَائِبَةِ حُرِّيَّةٍ أَوْ بِعَبْدِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ (مُثْلَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّارِحَ نَظَرَ إلَى لَفْظِ تَصَدَّقْت فَجَعَلَهُ مِنْ الْكِنَايَةِ. [قَوْلُهُ: بَعْضَ عَبْدِهِ] كَانَ قِنًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُعْتَقًا لِأَجَلٍ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. [قَوْلُهُ: كَالرُّبْعِ إلَخْ] أَيْ أَنْ يَقُولَ رُبْعُك حُرٌّ. [قَوْلُهُ: كَيَدٍ] أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مُتَّصِلٍ بِالْعَبْدِ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَعْتَقَ نَحْوَ الشَّعْرِ وَالْكَلَامِ وَالرِّيقِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى طَلَاقِ الزَّوْجَةِ بِذَلِكَ وَعَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: اسْتَتَمَّ] سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا] وَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا وَأَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ الْمُسْلِمِ أَوْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ فَهَلْ كَذَلِكَ أَوْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْحُكْمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَحُرِّرَ. وَقَوْلُهُ: بَالِغًا أَيْ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَعِتْقُهُ مِنْ أَصْلِهِ بَاطِلٌ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: قُوِّمَ عَلَيْهِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ تَقْوِيمَ حِصَّةِ الشَّرِيكِ بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ أَنْ يَدْفَعَ الْقِيمَةَ بِالْفِعْلِ لِشَرِيكِهِ يَوْمَ الْحُكْمِ بِالْعِتْقِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مُسْلِمًا أَوْ الْعَبْدُ فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ وَالشَّرِيكَانِ كَفَرَةً أَوْ الْمُعْتَقُ ذِمِّيًّا وَالْعَبْدُ كَذَلِكَ فَلَا تَقْوِيمَ، وَأَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ بِاخْتِيَارِهِ لَا إنْ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ جُزْءُ الشَّرِيكِ وَلَوْ مَلِيًّا فَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْعِتْقَ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ الرَّقَبَةَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ حُرًّا لِبَعْضٍ قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَمْلِيَاءَ وَأَعْتَقَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ ابْتِدَاءً وَتَبِعَهُ الثَّانِي بِإِعْتَاقِ حِصَّتِهِ وَأَبَى الثَّالِثُ مِنْ الْعِتْقِ فَإِنَّ حِصَّتَهُ تُقَوَّمُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الثَّانِي بِتَقْوِيمِهَا عَلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ لِلْعِتْقِ مُعْسِرًا لَمْ تُقَوَّمْ حِصَّةُ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي إلَّا بِرِضَاهُ. وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا وَجُهِلَ الْأَوَّلُ قُوِّمَتْ حِصَّةُ الثَّالِثِ عَلَيْهِمَا إنْ أَيْسَرَا وَإِلَّا فَعَلَى الْمُوسِرِ مِنْهُمَا. الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مُوسِرًا بِقِيمَةِ الشَّرِيكِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَمَا ذَكَرَهُ مَحَلَّهُ إلَخْ. السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْقِيمَةُ الَّتِي اُشْتُرِطَ يُسْرُهُ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا زَائِدَةً عَلَى مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ. [قَوْلُهُ: بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ] اعْلَمْ أَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَوْمَ الْحُكْمِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ أَيْ إنْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَعَتَقَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ] أَيْ لَا بِالسِّرَايَةِ. [قَوْلُهُ: قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ] الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يُقَوَّمُ جَمِيعُهُ بِمَالِهِ عَلَى أَنَّهُ رَقِيقٌ لَا عِتْقَ فِيهِ لِأَنَّ فِي تَقْوِيمِ الْبَعْضِ ضَرَرًا عَلَى الشَّرِيكِ، وَيُعْتَبَرُ مَالُهُ يَوْمَ يُقَامُ عَلَيْهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعِتْقُ، وَهَذَا إذَا عَتَقَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ النَّقْصَ الْحَاصِلَ بِالتَّقْوِيمِ لِحِصَّتِهِ مُفْرَدَةً وَإِلَّا قُوِّمَتْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَقَطْ عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ حُرٌّ، وَكَذَلِكَ يُقَوَّمُ بِوَلَدِهِ الَّذِي حَدَثَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَالٌ] أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ [قَوْلُهُ: قُوِّمَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُوجَدُ مَعَهُ] وَالْمُعْسِرُ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَوْ رَضِيَ شَرِيكُهُ بِاتِّبَاعِ ذِمَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَثَّلَ عَمْدًا] وَيَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ التَّمْثِيلَ الْقَرَائِنُ. [قَوْلُهُ: بِعَبْدِهِ الْقِنِّ أَوْ بِعَبْدِ عَبْدِهِ] فَالْمُرَادُ رَقِيقُهُ أَوْ رَقِيقُ رَقِيقِهِ الَّذِي يَنْتَزِعُ مَالَهُ، فَإِنْ مَثَّلَ بِرَقِيقِ مَنْ لَمْ يَنْتَزِعْ مَالَهُ كَعَبْدِ مُكَاتَبِهِ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ أَرْشُ جِنَايَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُثْلَةٌ مُفْسِدَةٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ] أَيْ أَوْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِمَحْجُورِهِ. وَأَمَّا إذَا مَثَّلَ بِرَقِيقِ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَيَغْرَمُ لَهُ أَرْشَ

وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ عُقُوبَةً (بَيِّنَةً) أَيْ تَشِينُهُ (مِنْ قَطْعِ جَارِحَةٍ) كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ قَطْعِ الْجَارِحَةِ كَفَقْءِ الْعَيْنِ (عَتَقَ عَلَيْهِ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَهَلْ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ أَمْ لَا، فَقِيلَ: يُعَاقَبُ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ وَقِيلَ: لَا يُعَاقَبُ إلَّا بِالْعِتْقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْعِتْقَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْمُثْلَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالْحُكْمِ وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِالْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَإِنَّ مُثْلَتَهُمَا لَغْوٌ وَبِالْمُسْلِمِ احْتِرَازًا مِنْ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِالرَّشِيدِ احْتِرَازًا مِنْ السَّفِيهِ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَنْهُ يَعْتِقُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبِغَيْرِ مِدْيَانٍ احْتِرَازًا مِنْ الْمِدْيَانِ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَبِعَمْدًا احْتِرَازًا مِمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ خَطَأً فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الْخَطَأِ مَا إذَا ضَرَبَهُ تَأْدِيبًا أَوْ كَوَاهُ تَدَاوِيًا فَأَدَّى ذَلِكَ إلَى التَّمْثِيلِ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ اخْتَلَفَ قَوْلُ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ فَقَالَ السَّيِّدُ: خَطَأً وَقَالَ الْعَبْدُ: عَمْدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ بِيَمِينِهِ، وَأَفَادَتْ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَتَأْكِيدُهُ الْمُثْلَةَ بِقَوْلِهِ بَيِّنَةٌ يَقْتَضِي أَنَّ حَلْقَ اللِّحْيَةِ لَا يَكُونُ مُثْلَةً مُطْلَقًا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ تَاجِرًا وَجِيهًا فَيَكُونُ مُثْلَةً (وَ) مِنْهَا أَحَدُ (مَنْ مَلَكَ أَبَوَيْهِ) مَعًا أَوْ أَحَدَهُمَا (أَوْ) مَلَكَ (أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ) لِصُلْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنَايَةِ إلَّا أَنْ تَبْطُلَ مَنَافِعُهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْأَبِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ. [قَوْلُهُ: مُثْلَةً] بِضَمِّ الْمِيمِ وَيُقَالُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالضَّمِّ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: كَالْيَدِ] أَيْ أَوْ أُنْمُلَةٍ وَكَخِصَاءِ عَبْدٍ أَوْجَبَهُ. وَلَوْ قَصَدَ اسْتِزَادَةَ الثَّمَنِ لِتَعْذِيبِهِ بِذَلِكَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِعِتْقِهِ كَمَا بِمِصْرٍ فَلَا يُعْتَقُ كَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. [قَوْلُهُ: كَفَقْءِ الْعَيْنِ] أَيْ أَوْ وَسْمِ وَجْهِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِالنَّارِ أَوْ قَلْعِ ظُفْرِهِ أَوْ قَطْعِ بَعْضِ أُذُنٍ. [قَوْلُهُ: عَتَقَ عَلَيْهِ] وَهَلْ يَتْبَعُهُ مَالُهُ اقْتَصَرَ الْأَقْفَهْسِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُهُ لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ فِي الْعِتْقِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُعَاقَبُ إلَخْ] كَلَامُ تت يُفِيدُ أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ مَثَّلَ بِزَوْجَتِهِ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ بَيْعِهَا وَتَزْوِيجِهَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الذِّمِّيِّ] أَيْ إذَا مَثَّلَ بِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ. وَقَوْلُهُ: عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، فَمَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي تت فِيمَا إذَا مَثَّلَ الذِّمِّيُّ بِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْمُمَثَّلِ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا رَشِيدًا حُرًّا وَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ أَوْ إسْلَامُ الْعَبْدِ فَلَا عِتْقَ عَلَى ذِمِّيٍّ مَثَّلَ بِعَبْدِهِ الذِّمِّيِّ. وَقَوْلُنَا: الذِّمِّيُّ احْتِرَازًا عَنْ الْمُعَاهَدِ فَإِنَّ مُثْلَتَهُ بِعَبْدِهِ الْمُسْلِمِ لَا تُوجِبُ عِتْقَهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ] عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَذَا زَوْجَةٌ وَمَرِيضٌ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَيْ فَإِذَا مَثَّلَتْ زَوْجَةٌ أَوْ مَرِيضٌ بِزَائِدِ الثُّلُثِ عَتَقَ عَلَى الْمَرِيضِ مَحْمَلَ الثُّلُثِ لَا أَزْيَدَ إلَّا إنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَكَذَا عَتَقَ عَلَى الزَّوْجَةِ مَحْمَلَ الثُّلُثِ فَقَطْ لَا أَزْيَدَ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ إلَّا عَلَى رَدِّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ كَابْتِدَاءِ عِتْقِهَا لَهُ رَدُّ الْجَمِيعِ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَبِعَمْدٍ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ حَيْثُ تَعَمَّدَ قَطْعَ شَيْءٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُثْلَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ تت، فَقَوْلُ خَلِيلٍ: وَبِالْحُكْمِ جَمِيعُهُ إنْ عَمَدَ لِشَيْنٍ اللَّامُ لِلصَّيْرُورَةِ أَيْ عَمَدَ لِمَا فِيهِ شَيْنٌ أَوْ لِمَا أَوْجَبَ الشَّيْنَ سَوَاءٌ قَصَدَ الشَّيْنَ أَمْ لَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ رَحِمَهُ اللَّهُ. [قَوْلُهُ: مَا إذَا ضَرَبَهُ تَأْدِيبًا أَوْ كَوَاهُ تَدَاوِيًا] وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَنَزَلَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ فَلَا يُعْتَقُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَ رَأْسِهِ لَا مَا حَدَثَ. [قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ بِيَمِينِهِ] وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ إذَا مَثَّلَ بِزَوْجَتِهِ وَاخْتَلَفَا فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ بِجَامِعِ الْإِذْنِ فِي الْعَبْدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ مَعْرُوفًا بِالْجَرَاءَةِ وَالْأَذَى فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَيُؤَدَّبُ الزَّوْجُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْعَمْدِ وَاخْتَلَفَا فِي قَصْدِ الشَّيْنِ فَالْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ مُثْلَةً مُطْلَقًا] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ مَلَكَ] أَيْ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ حَيْثُ فَاتَ لَا إنْ لَمْ يَفُتْ أَوْ كَانَ عَلَى خِيَارٍ وَلَمْ يَنْقُصْ أَيَّامَ الْخِيَارِ فَلَا عِتْقَ، وَمِثْلُ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ الْمِلْكُ بِالْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ

الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (أَوْ) مَلَكَ أَحَدًا مِنْ (وَلَدِ وَلَدِهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ مَلَكَ) أَحَدًا (مِنْ وَلَدِ بَنَاتِهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ) مَلَكَ (جَدَّهُ أَوْ جَدَّتَهُ) مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ (أَوْ) مَلَكَ (أَخًا لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا عَتَقَ عَلَيْهِ) كُلُّ مَنْ ذُكِرَ بِنَفْسِ الْمِلْكِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَا يَرُدُّ الْبَيْعَ وَلَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ بَلْ يُبَاعُ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (وَمَنْ أَعْتَقَ) أَمَةً (حَامِلًا) مِنْ تَزْوِيجٍ أَوْ زِنًا (كَانَ جَنِينُهَا حُرًّا مَعَهَا) لِأَنَّ كُلَّ وَلَدٍ حَدَثَ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ يَمِينٍ مِنْ تَزْوِيجٍ أَوْ زِنًا فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَكُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا (وَلَا يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ) كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ (مَنْ فِيهِ مَعْنًى مِنْ عِتْقٍ بِتَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا) لِنُقْصَانِ الرَّقَبَةِ بِمَا تَشَبَّثَتْ بِهِ مِنْ عَقْدِ الْحُرِّيَّةِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ (أَعْمَى وَلَا أَقْطَعُ الْيَدِ وَشَبَهُهُ) أَيْ شَبَهُ الْأَقْطَعِ لِنُقْصَانِ الرَّقَبَةِ بِالْعَيْبِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ (مَنْ هُوَ عَلَى غَيْرِ) دِينِ (الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْ عَلِمَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَى الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ أَوْ قِبَلَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْطَى بِالْفَتْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ عَتَقَ لِعِلْمِ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ فَلَا يُبَاعُ فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنْ عَتَقَ لِقَبُولِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ وَحَيْثُ لَا قَبُولَ فَلَا يُبَاعُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَمَّا مَا مَلَكَهُ بِالْإِرْثِ أَوْ الشِّرَاءِ، فَمَحَلُّ عِتْقِهِ حَيْثُ لَا دَيْنَ وَإِلَّا بِيعَ فِيهِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْعِتْقِ حَيْثُ كَانَ الْمَالِكُ وَالْمَمْلُوكُ مُسْلِمَيْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَيَنْبَغِي إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْنَا وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ رَشِيدًا. [قَوْلُهُ: أَبَوَيْهِ] أَيْ نَسَبًا احْتِرَازًا عَنْ مِلْكِ أَبَوَيْ الرَّضَاعِ أَوْ أَوْلَادِ الرَّضَاعِ فَلَا عِتْقَ. [قَوْلُهُ: ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى] تَعْمِيمٌ فِي وَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَهُ الذَّكَرُ تَخْصِيصٌ وَتَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ وَلَدِهِ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ وَلَدِ بَنَاتِهِ. [قَوْلُهُ: كُلُّ مَنْ ذَكَرَ] أَيْ فَالْأَفْرَادُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْفَاعِلَ كُلُّ فَرْدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِمُلَاحَظَةِ الْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمٍ كَذَا نَقَلَ بَهْرَامُ. [قَوْلُهُ: كَانَ جَنِينُهَا حُرًّا مَعَهَا] وَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى فِي بَيْعٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا رَهْنٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ فِي الرَّهْنِ. وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي ذَلِكَ. عج: وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ بِأَنْ وُهِبَتْ الْأُمُّ لِشَخْصٍ وَاسْتَثْنَى الْوَاهِبُ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا وَأَعْتَقَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقِيلَ: يَدْخُلُ جَنِينُهَا فِي الْعِتْقِ وَيَصِيرُ حُرًّا بِمُجَرَّدِ عِتْقِهَا، وَقِيلَ: إنَّمَا يَخْرُجُ حُرًّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَعَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ قِيمَتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَالْقِيمَةُ يَوْمَ الْعِتْقِ وَهُوَ إمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَإِمَّا يَوْمَ حَصَلَ الْعِتْقُ، وَقِيلَ: لَا يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَبَعْدَ انْفِصَالِهِ يَأْخُذُهُ مَالِكُهُ وَعَلَى عَدَمِ عِتْقِهِ أَصْلًا أَوْ بَعْدَ وَضْعِهِ تَصِيرُ حُرَّةً حَامِلَةً بِعَبْدٍ. وَأَمَّا عَكْسُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ عِتْقُ الْجَنِينِ فَقَطْ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَتْبَعُهُ وَالْفَرْقُ كَوْنُ الْوَلَدِ كَجُزْءٍ مِنْ أُمِّهِ فَإِنْ عَتَقَ الْكُلَّ تَبِعَهُ جُزْؤُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عِتْقُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ دُونَهَا حَيْثُ لَا دَيْنَ عَلَى سَيِّدِ أُمِّهِ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهَا وَإِلَّا رَقَّ. حَيْثُ قَامَتْ الْغُرَمَاءُ قَبْلَ وَضْعِهِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيْثُ كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا عَلَى عِتْقِهِ وَإِلَّا مَضَى عِتْقُهُ وَتُبَاعُ أُمُّهُ دُونَهُ بَعْدَ وَضْعِهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَقُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ] أَيْ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَاجِبَةِ فَيُجْزِئُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ] دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةُ فِطْرِ رَمَضَانَ. [قَوْلُهُ: مَنْ فِيهِ إلَخْ] مَنْ نَائِبُ فَاعِلِ يُعْتَقُ وَمَنْ عَتَقَ بَيَانٌ لِمَعْنَى وَقَوْلُهُ: بِتَدْبِيرٍ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ عِتْقٌ حَاصِلٌ بِسَبَبِ تَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ، فَإِنْ قُلْت إنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ قُلْت: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا بِالْفِعْلِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ بِالْفِعْلِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِمَا] كَأُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقٍ لِأَجَلٍ أَوْ مُبَعَّضٍ كَانَ عِنْدَ الْمُكَفِّرِ أَوْ اشْتَرَاهُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَشَبَهُهُ] أَيْ كَالْأَشَلِّ وَكُلِّ عَيْبٍ غَيْرِ خَفِيفٍ، وَأَمَّا ذَاتُ الْعَيْبِ الْخَفِيفِ فَيُجْزِئُ عِتْقُهَا كَالْأَعْوَرِ وَذَوِي مَرَضٍ خَفِيفٍ أَوْ عَرَجٍ خَفِيفٍ أَوْ ذَاهِبِ بَعْضِ أُذُنٍ أَوْ أَنْفٍ لَا جَمِيعِ كُلٍّ وَإِذَا أَعْتَقَ غَيْرُ الْمُجْزِئِ فَعِتْقُهُ لَازِمٌ وَلَا يَرْجِعُ

{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فَقَيَّدَهَا بِالْإِيمَانِ وَهَذِهِ الْآيَةُ مُقَيِّدَةٌ لِلْآيَةِ الْأُخْرَى الْمُطْلَقَةِ (وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الصَّبِيِّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ (وَلَا) عِتْقُ (الْمُوَلَّى عَلَيْهِ) وَهُوَ السَّفِيهُ الَّذِي يَضَعُ الْمَالَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ج: اُخْتُلِفَ إذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَمْضِي (وَ) مِنْ خَوَاصِّ الْعِتْقِ (الْوَلَاءُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا (لِمَنْ أَعْتَقَ) فَسَبَبُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ بِالْحُرِّيَّةِ. ابْنُ شَاسٍ: فَمَنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْحُرِّيَّةِ عَنْ رَقِيقٍ فَهُوَ مَوْلَاهُ سَوَاءٌ نَجَّزَ أَوْ عَلَّقَ أَوْ دَبَّرَ أَوْ اسْتَوْلَدَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ كَافِرًا وَالْعَبْدُ مُسْلِمًا أَوْ يَكُونُ السَّيِّدُ عَبْدًا أُعْتِقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالسَّيِّدُ الْكَافِرُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَى عَتِيقَةِ الْمُسْلِمِ بَلْ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَعُودُ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِ وَالْعَبْدُ إذَا أَعْتَقَ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا وَإِنْ عَتَقَ وَإِذَا أَعْتَقَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ السَّيِّدُ حَتَّى أُعْتِقَ الْعَبْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَقِيقًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ عِتْقُ الصَّبِيِّ] أَيْ وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَالْمَجْنُونِ. [قَوْلُهُ: وَلَا عِتْقُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ] أَيْ لِفَقْدِ الرُّشْدِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُوَلًّى عَلَيْهِ فَيَصِحُّ عِتْقُهُ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِمَا الْعَكْسُ فِي تَصَرُّفِهِ إذَا رَشَدَ بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ السَّفِيهُ الَّذِي يَضَعُ الْمَالَ إلَخْ] وَلَوْ فِي شَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُبَاحَةٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَمْضِي] لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا إلَّا الِاسْتِمْتَاعُ وَقَلِيلُ الْخِدْمَةِ كَمَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلَاقُهُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا] مِنْ الْوَلَايَةِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَعَرَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا حُكْمَ الْعُصُوبَةِ عِنْدَ عَدَمِهَا. [قَوْلُهُ: لِمَنْ أَعْتَقَ ذَكَرًا] أَوْ أُنْثَى حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ مَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْوَلَاءَ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْوَلَاءَ بِالْجَرِّ، وَعِتْقُ الْغَيْرِ يَشْمَلُ النَّاجِزَ وَلِأَجَلِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ أَوْ مُعْتَقٌ لِأَجَلٍ أَوْ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ عَنْ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ مَيِّتًا فَالْوَلَاءُ لِوَرَثَتِهِ كَانَ الْعِتْقُ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا كَعِتْقِهِ فِي كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أَوْ مَنْذُورٍ أَوْ بِسَبَبِ حَلِفٍ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ قَاطَعَهُ فَأَدَّى وَخَرَجَ حُرًّا أَوْ أُعْتِقَ عَلَيْهِ لِقَرَابَةٍ أَوْ مُثْلَةٍ مَثَلًا، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ مُسْتَغْرِقُ الذِّمَّةِ بِالتَّبِعَاتِ فَإِنَّ وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ مَاتَ وَجُهِلَتْ أَرْبَابُ التَّبِعَاتِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا وَكَانَ غُرَمَاؤُهُ مُعَيَّنِينَ حَجَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَجَازَ غُرَمَاؤُهُ عِتْقَهُ جَازَ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُمْ وَإِلَّا رَدَّ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَهُمْ. [قَوْلُهُ: فَالسَّيِّدُ الْكَافِرُ لَا وَلَاءَ لَهُ] حَاصِلُ الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ سَوَاءٌ اشْتَرَاهُ مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ أَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِلْمُعْتَقِ الْكَافِرِ. وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْعِتْقُ نَاجِزًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ. وَأَمَّا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَنْتَقِلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ عَصَبَتِهِ لِسَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ، فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَعُودُ إلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِعَوْدِ الْوَلَاءِ هُنَا إنَّمَا هُوَ الْمِيرَاثُ فَقَطْ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ ثَابِتٌ لَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، فَكَمَا لَا تَزُولُ عَنْهُ الْأُبُوَّةُ إنْ أَسْلَمَ وَلَدُهُ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ، وَكَذَا إنْ أَسْلَمَا مَعًا أَوْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ فَيَرِثُهُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ أَقَارِبُ كُفَّارٌ فَيَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُمْ، وَيَنْبَغِي مَا لَمْ يُسْلِمْ الْعَبْدُ فَيَعُودُ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ إذَا أَعْتَقَ إلَخْ] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ الْقِنَّ أَوْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَإِنَّهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ انْتِزَاعُ مَالِهِ، وَهُوَ الَّذِي يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَيْهِ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ لِأَجَلٍ إذَا لَمْ يَقْرُبْ الْأَجَلُ وَلَمْ يَمْرَضْ السَّيِّدُ وَهَذَا إذَا أَعْتَقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَجَازَ. وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَيِّدُهُ بِعِتْقِهِ حَتَّى أَعْتَقَهُ أَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ فِي الْعَبْدِ الْأَسْفَلِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ لَا لِلسَّيِّدِ الْأَعْلَى، هَذَا إذَا لَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ أَمَّا لَوْ اسْتَثْنَى السَّيِّدُ مَالَهُ لَكَانَ الْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ إنْ رَضِيَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الْعِتْقُ وَيَكُونُ الْعَبْدُ الْأَسْفَلُ رِقًّا لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ السَّيِّدِ الْأَعْلَى. وَقَوْلُنَا: إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ الَّذِي حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَ الشَّارِحِ إلَخْ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَ لَا يُنْتَزَعُ مَالُهُ كَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ إذَا مَرِضَ السَّيِّدُ مَرَضًا مَخُوفًا وَكَمُعْتَقٍ لِأَجْلِ قُرْبٍ وَكَمُكَاتَبٍ لَمْ يَرُدَّهُ السَّيِّدُ وَمُعْتَقٍ بَعْضُهُ فَالْوَلَاءُ لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا عَلِمَ السَّيِّدُ

الْمُعْتَقُ فَالْوَلَاءُ لَهُ دُونَ السَّيِّدِ انْتَهَى. وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . ع: وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ وَأَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ حُرًّا وَأَنْ يَكُونَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الدَّيْنِ (وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ الْوَلَاءِ (وَلَا هِبَتُهُ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ» . (وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ رَجُلٍ) مَثَلًا (فَالْوَلَاءُ لِلرَّجُلِ) الْمُعْتَقِ عَنْهُ إذَا كَانَ حُرًّا أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا فَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا عَتَقَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) إذَا أَسْلَمَ كَافِرٌ عَلَى يَدِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ (لَا يَكُونُ الْوَلَاءُ) عَلَيْهِ (لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَ) إنَّمَا (هُوَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَقِيلَ وَلَاؤُهُ لَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ فَلَهُ وَلَاؤُهُ» . ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَجَبَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ عَامٌّ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ فِي نُصْرَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَتَوَلِّي دَفْنِهِ إذَا مَاتَ (وَوَلَاءُ مَا أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ لَهَا وَ) كَذَلِكَ لَهَا (وَلَاءُ مَنْ يُجَرُّ) وَلَاؤُهُ لَهَا (مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَبْدٍ أَعْتَقَتْهُ) ع: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الرِّسَالَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَأَمَّا لَفْظًا فَإِنَّهُ أَوْقَعَ مَا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ وَأَدْخَلَ تَاءَ التَّأْنِيثِ عَلَى أَعْتَقَتْ. الثَّانِي: فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا تَقَعُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَعْلَى بِعِتْقِهِ أَمْ لَا أَجَازَهُ أَمْ لَا إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِنْ صَحَّ السَّيِّدُ مِنْ مَرَضِهِ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَوْمَ أَعْتَقَ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ نَزْعُ مَالِهِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى سَاعَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ بَعْدَ عِتْقِهِ فَالْوَلَاءُ لِلسَّيِّدِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ] وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لَهُ بَلْ كَانَ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لَهُ وَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَوْنُ الْوَلَاءِ لَهُ أَوَّلًا إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَعْتِقَ فَالْوَكِيلُ مُعْتِقٌ ظَاهِرًا. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ نَفْسِهِ] وَأَمَّا إنْ أَعْتَقَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَالْوَلَاءُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ. وَقَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ حُرًّا إلَخْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ. [قَوْلُهُ: الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ إلَخْ] قَالَ الْأَبِيُّ: هَذَا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْرِيفٌ لِحَقِيقَةِ الْوَلَاءِ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُحَدُّ بِتَعْرِيفٍ أَتَمَّ مِنْهُ، وَاللُّحْمَةُ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: بِالضَّمِّ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: لُحْمَةُ الثَّوْبِ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ، وَلُحْمَةُ الْبَازِي وَهُوَ مَا يَطْعَمُ مِمَّا يَصِيدُهُ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ، وَاللَّحْمَةُ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ تُضَمُّ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ بَيْنَ الْمُعْتَقِ نِسْبَةٌ تُشْبِهُ النَّسَبَ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِ رِقٌّ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فِي نَفْسِهِ وَالْمُعْتِقُ صَيَّرَهُ مَوْجُودًا كَمَا أَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَعْدُومًا وَالْأَبُ تَسَبَّبَ فِي وُجُودِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ] أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ حُرًّا] أَيْ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا يَكُونُ وَلَاءُ الَّذِي أَعْتَقَ مُسْلِمًا عَنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ مِنْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ وَقَالَهُ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِهِمْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [قَوْلُهُ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ أَيْ وَهَذَا لَمْ] يُعْتِقْهُ إنَّمَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فَقَطْ، وَأَتَى فِي الْحَدِيثِ بِإِنَّمَا وَمَنْ لِرَدِّ قَوْلِ الَّذِينَ بَاعُوا بَرِيرَةَ لِعَائِشَةَ اجْعَلِي لَنَا الْوَلَاءَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ وَلَاؤُهُ لَهُ] أَيْ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ. [قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ عَامٌّ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ فَيُخَصَّصُ بِمَنْطُوقِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْ لَا وَلَاءَ لَهُ مُطْلَقًا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ لَا فَيُخَصَّصُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَلَاءُ مَنْ يُجَرُّ وَلَاؤُهُ لَهَا] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ: وَلَاؤُهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُجَرُّ. وَقَوْلُهُ: مِنْ وَلَدٍ أَوْ عَبْدٍ بَيَانٌ لِمَنْ فَإِذَا أَعْتَقَتْ ذَكَرًا كَانَ لَهَا الْوَلَاءُ عَلَى أَوْلَادِهِ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَسَيَأْتِي تَتْمِيمُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَدْخَلَ تَاءَ

مَنْ يَعْقِلُ بِقِلَّةٍ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْمُعْتِقَةُ أَوَّلًا أَضَافَ لَهَا ذَلِكَ إقَامَةً لِلْمُتَسَبِّبِ مَقَامَ الْمُبَاشِرِ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَلِدُ مَا أَعْتَقَتْهُ فَوَلَاؤُهُ لَهَا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ (وَلَا تَرِثُ) الْمَرْأَةُ مِنْ الْوَلَاءِ (مَا أَعْتَقَ غَيْرُهَا مِنْ أَبٍ أَوْ ابْنٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ) نَحْوُهُ قَوْلُهُ فِي الْفَرَائِضِ: لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ جَرَّهُ مَنْ أَعْتَقْنَ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يُورَثُ بِالتَّعْصِيبِ وَالنِّسَاءُ لَا حَظَّ لَهُنَّ فِيهِ (وَمِيرَاثُ السَّائِبَةِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) عَلَى الْمَشْهُورِ الْمُرَادُ بِهَا هُنَا أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ مُسَيَّبٌ أَوْ أَنْتِ سَائِبَةٌ، وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْعِتْقَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحُكْمِهِ ابْتِدَاءً وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورُهُ الْكَرَاهَةُ لِاسْتِعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْأَنْعَامِ (وَالْوَلَاءُ لِلْأَقْعَدِ) أَيْ الْأَقْرَبِ (مِنْ عُصْبَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ) ع: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ عُصْبَةِ الْمُعْتَقِ وَتَفْسِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ الْمُعْتِقُ وَتَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّأْنِيثِ عَلَى أَعْتَقَتْ الثَّانِي] أَيْ فَإِدْخَالُ التَّاءِ عَلَى أَعْتَقَتْ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهَا بَاشَرَتْ عِتْقَ ذَلِكَ الْوَلَدِ أَوْ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّهَا مَا بَاشَرَتْ إلَّا عِتْقَ وَالِدِهِ أَوْ مُعْتَقِهِ. [قَوْلُهُ: إقَامَةً لِلْمُتَسَبِّبِ] بِكَسْرِ الْبَاءِ مَقَامَ الْمُبَاشِرِ. [قَوْلُهُ: وَفِي تَفْصِيلٍ ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَصْلِ] أَرَادَ بِالْأَصْلِ شَرْحَهُ الْكَبِيرَ وَلَا نَعْرِفُ وُجُودَهُ فِي بَلَدِنَا حَتَّى نَذْكُرَ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّ تت ذَكَرَهُ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِيهِ تَفْصِيلٌ إنْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ وَكَانَتْ حَامِلًا ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ فَوَلَاءُ الْأَمَةِ وَوَلَاءُ الْجَنِينِ لَهَا، وَمَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ كَافِرٍ أَوْ مَنْفِيًّا لَاعَنَ فِيهِ أَبُوهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ لِعَانٍ فَوَلَاؤُهُ لَهَا مَا لَمْ يُسْلِمْ الْكَافِرُ أَوْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ أَوْ يَسْتَلْحِقْ الْمُلَاعِنُ وَلَدَهُ فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَرْجِعُ لِأَبِيهِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِمَوَالِيهِ بَعْدَهُ، فَإِنْ انْقَرَضَ مَوَالِيهِ فَقِيلَ: يَرْجِعُ الْوَلَاءُ إلَى الْأُمِّ، وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا فَوَلَاءُ الْوَلَدِ لِلْأَبِ أَوْ لِمُوَالِي الْأَبِ، فَإِنْ تَنَازَعَ مَوَالِي الْأَبِ مَعَ مَوَالِي الْأُمِّ فَقَالُوا: حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَالَتْ الْمُعْتَقَةُ: حَمَلْت بِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ نُظِرَ، فَإِنْ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَهُوَ لِمَوَالِي الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لِمَوْلَاةِ الْأَمَةِ، وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَهُوَ لِمَوْلَى الْأَبِ هَذَا فِيمَا بَاشَرَتْ الْوِلَادَةَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. وَأَمَّا وَلَدُ وَلَدِهَا فَوَلَاءُ وَلَدِ الذُّكُورِ لِلْمُعْتَقَةِ سَوَاءٌ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَوَلَدُ الْإِنَاثِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْأَوَّلِ إنْ كَانُوا مِنْ حُرٍّ فَلِمُوَالِي الْأَبِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِعَانٍ فَوَلَاؤُهُ لَهَا مَا لَمْ يُسْلِمْ الْكَافِرُ أَوْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ أَوْ يَسْتَلْحِقْ الْمُلَاعِنُ وَلَدَهُ فَيَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لَهُ أَوْ لِمُوَالِي الْأَبِ اهـ. كَلَامُ تت فَتَأَمَّلْهُ تَأَمُّلًا جَيِّدًا. [قَوْلُهُ: مَا أَعْتَقَ غَيْرَهَا] أَيْ فَإِذَا أَعْتَقَ الْأَبُ رَقَبَةً وَخَلَّفَ ابْنًا وَبِنْتًا فَوَلَاءُ تِلْكَ الرَّقَبَةِ لِلِابْنِ دُونَ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَاشِرْ عِتْقَهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. [قَوْلُهُ: نَحْوَهُ قَوْلُهُ فِي الْفَرَائِضِ لَا تَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ جَرَّهُ مَنْ أَعْتَقْنَ] أَيْ بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَوْلُهُ: بِالتَّعْصِيبِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْوَارِثِ مِنْ عَصَبَةِ الْمُورِثِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لِمُعْتِقِهِ. قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا هُنَا احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَسْيِيبِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. [قَوْلُهُ: وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْعِتْقَ] رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ، وَمَا أَنْتَ حُرٌّ مُسَيَّبٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورُهُ الْكَرَاهَةُ] وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ الْمُسَيَّبُ مُسْلِمًا وَسَيِّدُهُ كَافِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرْجِعُ وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ إنْ أَسْلَمَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ: إنَّ الْمُعْتَقَ لَا يَدْخُلُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَاءُ فِيهَا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالُوا: فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى بَنِي أَبِيهِ. [قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِ الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يُنْتِجُ الْحُرْمَةَ لَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ حَرَامٌ قَطْعِيًّا. [قَوْلُهُ: مِنْ عَصَبَةِ الْمَيِّتِ] الْأَوْلَى الْمُبَاشِرُ لِلْعِتْقِ. وَقَوْلُهُ: كَانَ حَقُّهُ إلَخْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَرُدُّهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يُفَسِّرُهَا قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ أَيْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيِّتِ الْأَوَّلِ

ابْنَيْنِ فَوَرِثَا وَلَاءَ مَوْلًى لِأَبِيهِمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ رَجَعَ الْوَلَاءُ إلَى أَخِيهِ دُونَ بَنِيهِ) ك: هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَتِيقِ عُصْبَةٌ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ مِنْ الْمَوَالِي بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ (وَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ) مِنْ الِابْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (وَتَرَكَ وَلَدًا وَ) بَعْدَ ذَلِكَ (مَاتَ أَخُوهُ وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (تَرَكَ وَلَدَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا) لِتَسَاوِيهِمْ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْمَيِّتِ الْمُعْتِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَقُ أَيْ وَالْمَيِّتُ الثَّانِي ابْنُهُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: كَانَ حَقُّهُ أَيْ أَنَّ الْأَوْضَحَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ الْأَحْسَنُ لَوْ قَالَ مِنْ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ. [قَوْلُهُ: فَوَرِثَا وَلَاءً إلَخْ] أَطْلَقَ الْإِرْثَ هُنَا عَلَى الْوَلَاءِ وَهُوَ لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَإِلَّا فَالْوَلَاءُ لَا يُورَثُ وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ. [قَوْلُهُ: ك هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِمِيرَاثِ الْوَلَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَابَةِ الْمُعْتِقُ ثُمَّ أَوْلَادُهُ الذُّكُورُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ نَزَلُوا وَالْأَعْلَى يَحْجُبُ الْأَسْفَلَ، فَإِنْ عُدِمَ بَنُو الْمُعْتَقِ فَأَبُوهُ فَإِنْ عُدِمَ أَبُوهُ فَإِخْوَتُهُ الْأَشِقَّاءُ ثُمَّ الَّذِينَ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْأَشِقَّاءِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ، وَإِنْ نَزَلُوا، فَإِنْ عُدِمَتْ الْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ فَجَدُّ الْمُعْتِقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَالْأَعْمَامُ وَهُمْ الْإِخْوَةُ، أَيْ أَنَّ بَعْدَ الْجَدِّ الْعَمَّ وَابْنَهُ ثُمَّ بَعْدَهُمَا أَبُو الْجَدِّ وَهَكَذَا ثُمَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ أَقَارِبِ الْمُعْتِقِ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُعْتِقُهُ انْتَقَلَ الْحُكْمُ لِعَصَبَتِهِ وَهَكَذَا. وَأَمَّا عَصَبَةُ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ بِكَسْرِ التَّاءِ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَلَاءِ كَمَا إذَا أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ عَبْدًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ زَوْجٍ لَا يَقْرَبُ لَهَا فَإِذَا مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ الْوَلَاءَ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهَا، فَإِذَا مَاتَ هَذَا الْوَلَدُ فَإِنَّ أَبَاهُ لَا يَرِثُ الْعَتِيقَ بِالْوَلَاءِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: فَالْوَلَاءُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا] لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّعَدُّدِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ إنَاثٌ مِنْ جَانِبٍ أَوْ جَانِبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ شَيْءٌ مِنْ الْوَلَاءِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ اثْنَيْنِ وَالْآخَرُ عَنْ ثَلَاثَةٍ كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ. خَاتِمَةٌ: الْوَلَاءُ كَالنَّسَبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ وَلَوْ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَشَهَادَةُ وَاحِدٍ وَلَوْ عَلَى الْبَتِّ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْوَلَاءُ وَلِمُقِيمِهِ الْحَلِفُ عَلَى صِحَّةِ مَا شَهِدَ بِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ مَوْتِ الْعَتِيقِ إلَّا الْمَالُ وَهُوَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَلَكِنْ لَا يُدْفَعُ لَهُ الْمَالُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ لِاحْتِمَالِ دَعْوَى شَخْصٍ آخَرَ يُقِيمُ شَاهِدَيْنِ.

[باب في الشفعة]

بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. . . إلَخْ] بَيَانُ (الشُّفْعَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ وَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَاللُّقْطَةِ وَالْغَصْبِ) فَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ كَمَا ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ، وَزَادَ فِيهِ قَوْلَهُ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَضَبْطُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَيَانُ مَعَانِيهَا بِذِكْرِ كُلٍّ مَحَلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَمَّا الشُّفْعَةُ فَبِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ ضِدُّ الْوَتْرِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ بِضَمِّ الْحِصَّةِ الَّتِي يَأْخُذُهَا إلَى حِصَّتِهِ فَتَصِيرُ حِصَّتُهُ حِصَّتَيْنِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهَا أَخْذُ الشَّرِيكِ حِصَّةَ شَرِيكِهِ جَبْرًا شِرَاءً فَأَخْذُ جِنْسٌ وَخَرَجَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الشَّرِيكِ الْجَارُ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ عِنْدَنَا، وَبِحِصَّتِهِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ كَامِلًا مِمَّا لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِيهِ، وَبِالْجَبْرِ مَا يَأْخُذُهُ بِالشِّرَاءِ الِاخْتِيَارِيِّ، وَبِالشِّرَاءِ مَا يَأْخُذُهُ بِاسْتِحْقَاقٍ وَهِيَ رُخْصَةٌ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ فِيهَا بَيْعَ الرَّجُلِ مُلْكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَرْخَصَ فِيهَا دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِيكِ. قَالَ جَابِرٌ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا يَنْقَسِمُ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأُخِذَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حُكْمَانِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْجَارِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارٌ وَوُجُوبُهَا فِي الرِّبَاعِ دُونَ الْعُرُوضِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمُشَاعِ) يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ] بَابُ الشُّفْعَةِ [قَوْلُهُ: ذَكَرَهَا فِي الْبَابِ] أَيْ مَرْتَبَةً كَمَا ذَكَرَهَا فِي التَّرْجَمَةِ مَرْتَبَةً [قَوْلُهُ: وَزَادَ فِيهِ] أَيْ فِي الْبَابِ قُبَيْلَ بَابِ الْغَصْبِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَرْجَمِ لَهُ مَحْمُودَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي آيَةِ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] وَفِي السُّنَّةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . [قَوْلُهُ: وَضَبْطُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ] أَيْ مَا يَحْتَاجُ لِضَبْطٍ [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ] وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَفَتْحُ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَتَصِيرُ حِصَّتُهُ] أَيْ الْمَمْلُوكِ وَتَسْمِيَتُهُ حِصَّةً لِلْمُشَاكَلَةِ [قَوْلُهُ: أَخْذُ الشَّرِيكِ إلَخْ] عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: اسْتِحْقَاقُ شَرِيكٍ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ أَيْ طَلَبُ الشَّرِيكِ أَخْذَ مَبِيعِ شَرِيكِهِ بِثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ سَوَاءٌ أَخَذَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ، فَالشُّفْعَةُ مَعْرُوضَةٌ لِلْأَخْذِ وَعَدَمِهِ، وَتَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ مُعْتَرَضٌ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْأَخْذِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْأَخْذُ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ كَقَوْلِهِمْ: أَسْقَطَ فُلَانٌ شُفْعَتَهُ أَوْ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَيُنَاقَشُ أَيْضًا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِاقْتِضَائِهِ ثُبُوتَهَا فِي الْعَرُوضِ وَهِيَ لَا شُفْعَةَ فِيهَا. بَقِيَ أَنَّ قَوْلَهُ حِصَّتُهُ أَيْ بِحَسَبِ الْمَالِ وَإِلَّا فَهِيَ الْآنَ حِصَّةُ شَرِيكِهِ. [قَوْلُهُ: مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ] أَيْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَقَوْلُهُ: مَا يَأْخُذُهُ بِاسْتِحْقَاقٍ أَيْ مِنْ شَرِيكِهِ. [قَوْلُهُ: بَيْعُ الرَّجُلِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا وَقَعَتْ إلَخْ] زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ كَلَامِ جَابِرٍ. قَالَ: لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَلَامٌ تَامٌّ وَالثَّانِي كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلَوْ كَانَ الثَّانِي مَرْفُوعًا لَقَالَ إذَا وَقَعَتْ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِدْرَاجُ بِدَلِيلٍ أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ جَارٌ] أَيْ إنَّمَا قُلْنَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجَارَ لَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ بَعْدَ

الْأَرْضَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ. ك: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ، وَخُصَّتْ بِالْعَقَارِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ الْأَنْوَاعِ ضَرَرًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ وَالْأَمْتِعَةِ وَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ. وَيُشْتَرَطُ فِيمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَقْبَلُهَا أَوْ يَقْبَلُهَا بِفَسَادٍ وَضَرَرٍ كَالْحَمَّامِ. (وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا قَدْ قُسِمَ) ع: لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» . وَقَالَ ق: لِأَنَّ الشُّفْعَةَ شُرِعَتْ إمَّا لِضَرَرِ الْقِسْمَةِ أَوْ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْمَقْسُومِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ شُفْعَةٌ (وَ) كَذَا (لَا) شُفْعَةَ (لِجَارٍ) هَذَا مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهُ الشُّفْعَةَ، لَكِنَّ الشَّرِيكَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَجَوَابُهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ (وَ) كَذَا (لَا) شُفْعَةَ (فِي طَرِيقٍ) خَاصٍّ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَى الدَّارِ أَوْ إلَى الْجِنَانِ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْعَامُّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ق: هَذَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ مَقْسُومًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا) فِي (عَرْصَةِ دَارٍ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَبَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَصْلِ وَالطَّرِيقِ فَلِشَرِيكِهِ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصْلِ وَالطَّرِيقِ بِاتِّفَاقٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَلَا فِي عَرْصَةِ دَارٍ إلَخْ هَذَا إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَرْصَةِ وَنَصِيبَهُ مِنْ الْبُيُوتِ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْعَرْصَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِأَصْلٍ لَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَسُمِّيَتْ الْعَرْصَةُ عَرْصَةً لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَتَعَرَّصُونَ فِيهَا. ع: وَالْعَرْصَةُ سَاحَةُ الدَّارِ (وَ) كَذَا (لَا) شُفْعَةَ (فِي فَحْلِ) أَيْ ذَكَرِ (نَخْلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ إذَا قُسِمَتْ النَّخْلُ وَالْأَرْضُ) ق: يُرِيدُ إذَا بَاعَهُ مَعَ أَصْلِهِ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ فِيمَا اشْتَرَى بِغَيْرِ فَحْلٍ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِسْمَةِ جَارٌ فَالْجَارُ لَا شُفْعَةَ لَهُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي الْأَرْضَ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ] الظَّاهِرُ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُشَاعِ بِالْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا اصْطِلَاحٌ وَإِلَّا فَالْمُشَاعُ هُوَ الْجُزْءُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَيَصْدُقُ بِجُزْءٍ فِي ثَوْبٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْحَيَوَانِ] أَيْ إلَّا تَبَعًا كَأَنْ يَكُونَ فِي حَائِطِهِ [قَوْلُهُ: وَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ] أَيْ كَالْحُبُوبِ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيمَا فِيهِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْعَقَارِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوَّلًا [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَمَّا لَا يَقْبَلُهَا إلَخْ] أَيْ لَا يَقْبَلُهَا أَصْلًا لَا بِفَسَادٍ وَلَا بِصَلَاحٍ، وَانْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ لَا بِصَلَاحٍ وَلَا بِفَسَادٍ فَإِنْ قُلْت: يُرَادُ بِهِ النَّخْلَةُ مَثَلًا قُلْت: هِيَ دَخَلَتْ فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِفَسَادٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ] بِالتَّشْدِيدِ أَيْ ثَبَتَ مَصَارِفُهَا بِأَنْ عُيِّنَ لِكُلِّ مَقْسِمٍ مَصْرِفُهُ قَالَ الشَّيْخُ خِضْرٌ الشَّافِعِيُّ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا لِضَرَرِ الْقِسْمَةِ أَوْ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ] أَيْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ الشُّفْعَةِ هَلْ هُوَ ضُرُّ الشَّرِكَةِ أَوْ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ إذَا طَلَبَهَا الْبَعْضُ وَأَبَى غَيْرُهُ، فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَثْبَتَهَا فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَغَيْرَهُ كَالْحَمَّامِ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي: مَنَعَهَا فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ [قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ] أَيْ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ [قَوْلُهُ: وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ جَوَابُهُ إلَخْ] مِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ جَارِهِ» وَالْجَوَابُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ بِمَعُونَتِهِ وَالْعَرْضِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الصَّقَبَ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمَحْمُولٌ عَلَى الْعِوَضِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَا شُفْعَةَ فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ] سَوَاءٌ بَاعَ حِصَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَا نَابَهُ فِي الدَّارِ وَلَوْ أَمْكَنَ قَسْمُ الطَّرِيقِ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الْأَصْلُ مَقْسُومًا إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ قُسِمَتْ بُيُوتُهَا مَحْذُوفٌ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ غَيْرَ إلَخْ] مِنْ تَتِمَّةِ حَلِّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا فِي طَرِيقٍ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْ قَالَ] أَيْ الْأَقْفَهْسِيُّ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا بَاعَ إلَخْ] مِنْ كَلَامِ ق. [قَوْلُهُ: إذَا بَاعَ إلَخْ] أَيْ أَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَرْصَةِ وَحْدَهَا وَلَوْ كَانَ يُمْكِنُ قَسْمُهُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلدَّارِ الَّتِي انْقَسَمَتْ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَتَعَرَّصُونَ فِيهَا] أَيْ يَلْعَبُونَ وَيَمْرَحُونَ فِيهَا وَتُجْمَعُ الْعَرْصَةُ عَلَى عَرَصَاتٍ. [قَوْلُهُ: إذَا قُسِمَتْ] الظَّاهِرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَفًّا وَنَشْرًا

بِئْرٍ، وَيَحْتَمِلُ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ خَاصَّةً فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ. وَقَوْلُهُ: (وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمُشَاعِ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، أَحَدُهَا: التَّرْكُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ: أَسْقَطْت شُفْعَتِي وَالْمُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَمًّا قَبْلَهُ فَكَالْعَدِمِ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ. ثَانِيهَا: مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ كَرُؤْيَتِهِ لِلْمُشْتَرِي يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيَغْرِسُ وَهُوَ سَاكِتٌ. ثَالِثُهَا: تَرْكُ الْقِيَامِ بِشُفْعَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَقْدِ وَحُضُورِهِ بِالْبَلَدِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَلَا شُفْعَةَ لِلْحَاضِرِ) يَعْنِي فِي الْبَلَدِ دُونَ الْعَقْدِ (بَعْدَ السَّنَةِ) أَمَّا إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَتَّبًا. فَقَوْلُهُ: النَّخْلُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَحْلٍ. وَقَوْلُهُ: الْأَرْضُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ مَعَ بِئْرٍ وَبَقِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ لِنَخْلٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. [قَوْلُهُ: إذَا بَاعَهُ] الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْفَحْلِ وَالْبِئْرِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ أَصْلِهِ أَيْ الْأَرْضِ، وَإِنَاثِ النَّخْلِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ إنَاثَ النَّخْلِ أَصْلُ الْفَحْلِ وَالْأَرْضَ أَصْلُ الْبِئْرِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا اشْتَرَى بِغَيْرِ فَحْلٍ] فِيمَا إذَا قَسَمَ النَّخْلَ الْإِنَاثَ وَبَقِيَ الْفَحْلُ وَبَاعَ حِصَّتَهُ إنَاثَ النَّخْلِ وَنَصِيبُهُ مِنْ الْفَحْلِ فَلَوْ جُوِّزَتْ الشُّفْعَةُ فِي ذَلِكَ لَصَارَ مَعَ الشَّرِيكِ الْفَحْلُ كُلُّهُ وَبَقِيَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الَّذِي فِيهِ الشَّرِكَةُ الَّذِي هُوَ الْفَحْلُ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: وَلَا بِئْرٍ فِيمَا إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ بَقِيَتْ الْبِئْرُ بِلَا قِسْمَةٍ. [قَوْلُهُ: إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ خَاصَّةً] أَيْ إذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ مُتَعَلَّقِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ خَاصَّةً، وَمُتَعَلَّقُ الْأَرْضِ الْبِئْرُ وَمُتَعَلَّقُ النَّخْلِ الْفَحْلُ. وَقَوْلُهُ: فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ أَيْ فِي مُتَعَلَّقِ مَا ذَكَرَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ فِي الْبِئْرِ إذَا قُسِمَتْ الْأَرْضُ ظَاهِرُهُ اتَّحَدَتْ الْبِئْرُ أَوْ تَعَدَّدَتْ وَهُوَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْقَسْمَ يَمْنَعُ الشُّفْعَةَ. وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: الشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ وَعَلَيْهِ الْبَاجِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْوِفَاقِ فَحَمَلَ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ عَدَمِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْبِئْرِ الْمُتَّحِدَةِ وَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى الْآبَارِ الْمُتَعَدِّدَةِ أَوْ تُحْمَلُ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى بِئْرٍ لَا فِنَاءَ لَهَا، وَالْعُتْبِيَّةُ عَلَى بِئْرٍ لَهَا فِنَاءٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا شُفْعَةَ إلَّا فِي الْأَرْضِ إلَخْ] مُرَادُهُ وَلَا شُفْعَةَ بِغَيْرِ التَّبَعِيَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ فِي كَحَائِطٍ لِأَنَّهَا فِيهِ إنَّمَا تَكُونُ تَبَعًا، وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا إلَخْ يُصَدَّقُ بِمَا إذَا كَانَا بِأَرْضٍ مُحْبَسَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ] أَيْ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الثِّمَارِ وَالْمَقَاثِئِ وَالْقُطْنِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْقَرْعِ وَكُلِّ مَا تُجْنَى ثَمَرَتُهُ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ فَفِيهِ الشُّفْعَةُ إلَّا أَنْ تَيْبَسَ الثَّمَرَةُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا وَيَفُوزُ بِهَا الْمُشْتَرِي وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا بَيْنَ أَنْ تُبَاعَ مَعَ أَصْلِهَا أَوْ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبُقُولِ وَالزَّرْعِ فَإِذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي الزَّرْعِ حِصَّتَهُ مِنْهُ بَعْدَ يُبْسِهِ فَلَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ سَوَاءٌ بَاعَهَا مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ الْأَرْضِ، وَتَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الزَّرْعِ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا قَبْلَهُ فَكَالْعَدِمِ] وَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيقِ الصَّرِيحِ كَإِنْ اشْتَرَيْت أَنْتَ فَقَدْ أَسْقَطْت أَنَا شُفْعَتِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ قَالَ لِعَبْدٍ: إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَيَلْزَمُ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي هَذَيْنِ الْحَقَّ لِلَّهِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، وَأَيْضًا الشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ وَلِلِاحْتِيَاطِ فِي النِّكَاحِ لِلْفُرُوجِ. [قَوْلُهُ: كَرُؤْيَتِهِ لِلْمُشْتَرِي يَهْدِمُ وَيَبْنِي إلَخْ] الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ يَهْدِمُ أَوْ يَبْنِي، وَكَذَا الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: وَيَغْرِسُ أَيْ يَهْدِمُ مَا لَا يُهْدَمُ أَوْ يَبْنِي مَا لَا يُبْنَى، وَأَمَّا لَوْ هَدَمَ مَا يُهْدَمُ أَوْ بَنَى مَا يُبْنَى فَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ قَالَهُ بَعْضٌ. وَقَالَ آخَرُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ لِلْإِصْلَاحِ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا. [قَوْلُهُ: بَعْدَ السَّنَةِ] وَلَوْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا قَالَهُ أَشْهَبُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا حَضَرَ الْعَقْدَ وَسَكَتَ] أَيْ وَكَتَبَ خَطَّهُ فِي الْوَثِيقَةِ أَيْ وَثِيقَةِ الشِّرَاءِ فَقَدْ أَخَلَّ بِذَلِكَ الْقَيْدِ، فَإِذَا حَضَرَ وَلَمْ يَكْتُبْ شَهَادَتَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ لَا يَسْقُطُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَلَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ بِأَنْ قَالَ: أَنَا جَهِلْت وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِي هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. فَقَالَتْ: وَإِذَا عَلِمَ بِالِاشْتِرَاءِ فَلَمْ يَطْلُبْ شُفْعَتَهُ سَنَةً فَلَا يَقْطَعُ ذَلِكَ شُفْعَتَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ فِي الِاشْتِرَاءِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِكَتْبِ

شَهْرَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ (وَ) أَمَّا (الْغَائِبُ) غَيْبَةً بَعِيدَةً فَإِنَّهُ (عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ) إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ لَهُ عَلِمَ بِالْبَيْعِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَيْسَ لِلْبُعْدِ وَالْقُرْبِ حَدٌّ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ إذْ لَيْسَ الرَّجُلُ كَالْمَرْأَةِ وَلَيْسَ الضَّعِيفُ كَالْقَوِيِّ وَلَا الطَّرِيقُ الْمَأْمُونَةُ كَالْمَخُوفَةِ، وَقَيَّدْنَا بِمَا إذَا كَانَتْ إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا سَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَئُوبُ مِنْ سَفَرِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْحَدِّ الْمُؤَقَّتِ فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ فَإِنَّهُ عَلَى شُفْعَتِهِ وَإِنْ عَاقَهُ عَائِقٌ وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ هُنَالِكَ (وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي) ك: إنْ اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِ الشَّفِيعِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْفَعَ فِيهَا شَيْئًا، وَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّهَادَةِ فِي عَقْدِ الشِّرَاءِ تَأْثِيرًا، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَحِينَئِذٍ فَمَا قَارَبَ السَّنَةَ مِمَّا زَادَ عَلَيْهَا لَهُ حُكْمُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَرْبَابِ الْوَثَائِقِ: وَذَلِكَ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ، وَحُكِيَ فِي الطِّرَازِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَكَلَامُ ابْنِ الْهِنْدِيِّ هُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْغَائِبُ غَيْبَةً بَعِيدَةً] احْتَرَزَ عَنْ الْقَرِيبَةِ الَّتِي لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِيهَا فَكَالْحَاضِرِ هَكَذَا قَالَ أَشْهَبُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ آخِرَ بَابِ الْقَضَاءِ وَالْقَرِيبُ كَالْحَاضِرِ، وَلِمَا كَتَبَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأُجْهُورِيُّ بِطُرَّةِ بَهْرَامَ، وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً فِيمَا ذَكَرَ، وَغِيبَةُ الشَّخْصِ الْمُشْتَرِي كَغِيبَةِ الشَّفِيعِ وَغَيْبَتُهُمَا عَنْ مَحَلِّ الشِّقْصِ غَيْبَةٌ بَعِيدَةٌ وَهُمَا بِمَكَانٍ كَحُضُورِهِمَا وَلَا نَظَرَ لِغَيْبَةِ الشِّقْصِ فِي هَذِهِ. [قَوْلُهُ: عَلِمَ بِالْبَيْعِ] أَيْ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بَيْعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ حَتَّى غَابَ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى شُفْعَتِهِ وَلَوْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ، فَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ غِيبَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَاضِرِ الْعَالِمِ بِالْبَيْعِ فَتَسْقُطُ شُفْعَتُهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَمَا قَارَبَهَا مِنْ يَوْمِ قُدُومِهِ، فَإِذَا تَنَازَعَ الشَّفِيعُ مَعَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَهُ: أَنْتَ عَلِمْت بِالْبَيْعِ وَغِبْت غَيْبَةً بَعِيدَةً فَلَا شُفْعَةَ لَك، وَقَالَ الشَّفِيعُ: مَا عَلِمْت بِالْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَأْخُذُ شُفْعَتَهُ وَلَهُ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ الْعِلْمِ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَادَّعَى جَهْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَلَا يُعْذَرُ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَجْهَلُونَ أَمْرَ الشُّفْعَةِ كَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا يَكُونُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ مُسْقِطًا لِشُفْعَةِ مَنْ حَضَرَ الْعَقْدَ إذَا كَانَ الشَّفِيعُ عَاقِلًا بَالِغًا رَشِيدًا عَالِمًا بِالْبَيْعِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَإِلَّا اسْتَمَرَّ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الْعِلْمُ أَوْ يَزُولَ الْعُذْرُ فَيَنْزِلَ مَنْزِلَةَ مَنْ كَانَ حَاضِرَ الْعَقْدِ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ بَعْدَ السَّنَةِ وَمَا قَارَبَهَا. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْبُعْدِ وَالْقُرْبِ حَدٌّ عَلَى الصَّحِيحِ] مُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ تِسْعَةَ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ بَعِيدٌ اتِّفَاقًا وَثَلَاثَةً فَمَا دُونَهَا قَرِيبٌ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ هَلْ هُوَ مِنْ حَيِّزِ الْبَعِيدِ أَوْ الْقَرِيبِ. [قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَئُوبُ] أَيْ لَا يَرْجِعُ. [قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ] أَيْ يَظُنُّ قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: إلَّا أَنْ يَظُنَّ الْأَوْبَةَ قَبْلَهَا فَعِيقَ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ لَمْ يَغِبْ، إلَّا لِظَنِّهِ الرُّجُوعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى شُفْعَتِهِ، وَمَحَلُّ حَلِفِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعَلَامَةُ خَلِيلٌ أَنَّ بُعْدَ الزَّمَانِ فِي غَيْبَته، وَأَمَّا إنْ جَاءَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُسْقِطَةِ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ لَمْ يَحْلِفْ وَالْقُرْبُ وَالْبُعْدُ بِالْعُرْفِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَائِقِ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْقَرِينَةِ. [قَوْلُهُ: وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي] أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَأْخُوذِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ بِشِرَاءِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ قَالَهُ عج، فَإِذَا تَكَرَّرَ فِي الشِّقْصِ الْبَيْعُ فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ وَعُهْدَتُهُ وَهِيَ ضَمَانُ الشِّقْصِ مِنْ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِبَيْعِهِ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِمَنْ بِيَدِهِ الشِّقْصُ، فَإِنْ اتَّفَقَ الثَّمَنَانِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْثَرَ كَمَا إذَا كَانَ عِشْرِينَ مَثَلًا وَالْأَخِيرُ عَشْرَةً فَإِنْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ دَفَعَ لِلْأَخِيرِ عَشْرَةً وَيَدْفَعُ الْعَشَرَةَ الْأُخْرَى لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَكْثَرَ

عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا أَعْطَاهُ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ (وَيُوقَفُ الشَّفِيعُ فَإِمَّا أَخَذَ أَوْ تَرَكَ) يَعْنِي أَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُومَ عَلَى الشَّفِيعِ وَيُلْزِمَهُ بِالتَّرْكِ أَوْ الْأَخْذِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ، فَإِنْ امْتَثَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا رَفَعَهُ لِلْحَاكِمِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِذَا طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِيَخْتَارَ أَوْ لِيَأْتِيَ بِالثَّمَنِ أُخِّرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَلَا تُوهَبُ الشُّفْعَةُ وَلَا تُبَاعُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَهَبَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الشُّفْعَةِ لِغَيْرِ الْمُبْتَاعِ وَلَا يَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ وَهَبْتُك شُفْعَتِي الَّتِي وَجَبَتْ لِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنِّي بِكَذَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا جُعِلَتْ لِلشَّرِيكِ لِأَجْلِ إزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ شَرِكَتَهُ وَلَا مُعَامَلَتَهُ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَهِبَتِهَا لِلْمُبْتَاعِ قَوْلَانِ: وَإِذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِشُرَكَاءَ فِي دَارٍ مَثَلًا (وَ) اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِيهَا فَإِنَّهَا (تُقْسَمُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِقَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ لِأَحَدٍ النِّصْفُ وَلِآخَرَ الثُّلُثُ وَلِآخَرَ السُّدُسُ فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ ثُلُثَ الشِّقْصِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ دَفَعَ لِلْأَخِيرِ عَشْرَةً وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ إنْ اسْتَحَقَّهَا أَيْ اسْتَحَقَّ السِّلْعَةَ الْمَبِيعَةَ أَحَدٌ أَيْ أَوْ ظَهَرَ بِهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الرَّدَّ، وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَأْخُذُ بِأَيِّ بَيْعٍ شَاءَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِتَعَدُّدِهِ أَوْ عَلِمَ فِي غَيْبَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَاضِرًا عَالِمًا بِتَعَدُّدِهِ فَإِنَّمَا لَهُ الْأَخْذُ بِالْأَخِيرِ لِأَنَّ سُكُوتَهُ مَعَ عِلْمِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رَضِيَ بِشَرِكَةِ غَيْرِ الْأَخِيرِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَتَانِ: الْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ عَامِلُ الْقِرَاضِ بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا هُوَ شَفِيعُهُ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا وَرَبُّ الْمَالِ هُوَ شَفِيعُهُ فَإِنَّ عُهْدَةَ الشَّفِيعِ فِي هَاتَيْنِ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِمَا لَضَاعَ الثَّمَنُ عَلَى دَافِعِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُوقَفُ الشَّفِيعُ] أَيْ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَلُزُومِهِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَلَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ لُزُومِهِ، وَظَاهِرُ تَقْرِيرِ الشَّارِحِ أَنَّهُ يُوقِفُهُ أَوَّلًا بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَظَاهِرُهُ ابْتِدَاءً وَفِي كَلَامِهِمْ مَا يُؤَيِّدُهُ. وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ فِي الْحِصَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْكُ لِيُعْلِمَ الشَّفِيعَ وَإِنَّمَا يَنْدُبُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَأَمَّا أَخْذٌ أَوْ تَرْكٌ] فَإِنْ اخْتَارَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِيَ وَهَبَ الشِّقْصَ أَوْ حَبَسَهُ، فَإِنَّ لَهُ نَقْضَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَبْسِ وَلَوْ كَانَ مَسْجِدًا، وَانْظُرْ هَلْ يَفْعَلُ بِالْإِنْقَاضِ كَيْفَ شَاءَ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا أَوْ لَا وَمِنْ الْهِبَةِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ لَهُ شَفِيعًا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِلشِّقْصِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ لَهُ شَفِيعًا وَوَهَبَهُ لِلْغَيْرِ فَكَأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى هِبَةِ الثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: بِالثَّمَنِ إلَخْ] أَيْ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا وَيَأْخُذُهُ بِرَهْنِهِ وَضَامِنِهِ وَأُجْرَةِ دَلَّالٍ وَعَقْدِ شِرَاءٍ وَفِي الْمَكْسِ تَرَدُّدٌ [قَوْلُهُ: أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ] وَيَأْخُذُهُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الشِّقْصِ فِي كَخُلْعٍ وَصُلْحِ عَمْدٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ يُوقَفُ لِلْأَخْذِ وَالتَّرْكِ بِلَا إمْهَالٍ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُرْتَدِّ أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ السَّنَةِ وَالشَّهْرَيْنِ فَهُوَ عِنْدَ عَدَمِ قِيَامِ الْمُشْتَرِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِذَا طَلَبَ التَّأْخِيرَ لِيَخْتَارَ إلَخْ مُرُورٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فَإِذَنْ فَفِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ مِنْهُ] أَيْ لَهُ [قَوْلُهُ: وَفِي جَوَازِ بَيْعِ الشُّفْعَةِ وَهِبَتِهَا لِلْمُبْتَاعِ قَوْلَانِ] الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الشُّفْعَةِ الْأَخْذُ وَعَدَمُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ لَدَفْعِ الضَّرَرِ، وَإِذَا بِيعَتْ كَانَ مِنْ أَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ، وَالْمُرَادُ بِالْهِبَةِ فِي كَلَامِهِ هِبَةُ الثَّوَابِ حَتَّى يَظْهَرَ التَّعْلِيلُ كَذَا قَرَّرَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ [قَوْلُهُ: مِثَالُ ذَلِكَ] هَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ وَبِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ. وَأَمَّا لَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ الْأَنْصِبَاءُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَطَاحُونٍ وَمَعْصَرَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ اتِّفَاقًا وَقَوْلُنَا: لِغَيْرِ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الشُّرَكَاءِ لَتَرَكَ لَهُ حِصَّتَهُ الَّتِي كَانَ يَأْخُذُهَا، لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا فَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ لِأَحَدِهِمْ الرُّبُعُ وَلِآخَرَ الثُّمُنُ وَلِآخَرَ الثُّمُنُ أَيْضًا وَلِآخَرَ

[باب الهبة والصدقة]

وَيَأْخُذُ صَاحِبُ السُّدُسِ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثُلُثُ الْحِصَّةِ فَيَصِيرُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثًا الدَّارِ، وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ الثُّلُثُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ: يُقْسَمُ النِّصْفُ الْمُبْتَاعُ بَيْنَ الشَّفِيعَيْنِ وَاسْتُظْهِرَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مُعَلَّلَةٌ بِالضَّرَرِ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الشُّرَكَاءُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ فَقَالَ: (وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا بِالْحِيَازَةِ) الْحَبْسُ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فَلَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْهِبَةَ تُعْتَصَرُ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ، وَالْآخَرُ أَنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالصَّدَقَةُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَلَوْ عَلَى ابْنِهِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتِهِمَا أَنَّ الْهِبَةَ لِلْمُوَاصَلَةِ وَالْوِدَادِ وَالصَّدَقَةَ لِابْتِغَاءِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا تَقَرَّرَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيمَا عَدَا الْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ النَّدْبُ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ وَالسُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ؛ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ ثَمَرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنِّصْفُ فَبَاعَهُ لِصَاحِبِ الرُّبُعِ فَإِنَّ لِصَاحِبَيْ الثُّمُنَيْنِ أَنْ يَأْخُذَا بِالشُّفْعَةِ نِصْفَ الْمَبِيعِ وَبَاقِيهِ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا. [بَاب الْهِبَة وَالصَّدَقَة] [قَوْلُهُ: وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ] أَفْهَمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ تَصِحُّ وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهَا وَيُقْضَى عَلَى الْفَاعِلِ بِدَفْعِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ فِيهَا وَحِيَازَتُهَا كَالرَّهْنِ فِي مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَبْضِ وَلَا يَكْفِي الْإِشْهَادُ. [قَوْلُهُ: الْهِبَةُ تُعْتَصَرُ إلَخْ] أَيْ إنَّ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِابْنِهِ هِبَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا. وَأَمَّا إذَا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهُ. [قَوْلُهُ: إنَّ الْهِبَةَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَخْ] يَعْنِي: أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ إلَى مِلْكِ وَاهِبِهَا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَائِزٌ. وَأَمَّا عَوْدُ الصَّدَقَةِ إلَى مِلْكِ مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهَا بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ مَكْرُوهٌ هَذَا إذَا كَانَ الْعَوْدُ بِغَيْرِ مِيرَاثٍ، وَأَمَّا إذَا عَادَتْ بِمِيرَاثٍ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي شِرَاءِ الْعَرِيَّةِ وَالْعُمْرَى، وَكَذَا مِنْ سَبَلَ مَاءً عَلَى مَسْجِدٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَالْوِدَادَ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْهِبَةُ لَا لِثَوَابِ تَمْلِيكِ ذِي مَنْفَعَةٍ لِوَجْهِ الْمُعْطَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالصَّدَقَةُ كَذَلِكَ لِوَجْهِ اللَّهِ بَدَلَ لِوَجْهِ الْمُعْطَى، فَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: ذِي مَنْفَعَةٍ الْعَارِيَّةَ وَنَحْوَهَا. وَقَوْلُهُ: لِوَجْهِ الْمُعْطِي أَخْرَجَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنَّهَا لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَطْ أَوْ لِإِرَادَةِ الثَّوَابِ مَعَ وَجْهِ الْمُعْطِي عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَةَ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] إلَخْ] أَيْ بِالتَّسْوِيَةِ فِي الْحُقُوقِ وَتَرْكِ الظُّلْمِ. وَقَوْلُهُ: {وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] أَيْ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْكُمْ أَوْ الْفَرْضُ وَالنَّدْبُ. وَقَوْلُهُ: {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] أَيْ وَإِعْطَاءُ ذِي الْقَرَابَةِ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ. وَقَوْلُهُ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177] أَيْ حُبِّ اللَّهِ أَوْ حُبِّ الْمَالِ أَوْ حُبِّ الْإِيتَاءِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ وَهُوَ طَيِّبُ النَّفْسِ بِإِعْطَائِهِ. [قَوْلُهُ: {فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271]] أَيْ فَنِعْمَ شَيْئًا إبْدَاؤُهَا. [قَوْلُهُ: إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ] مَا زَائِدَةٌ أَيْ إلَى غَيْرِ آيَةٍ أَيْ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ. [قَوْلُهُ: بِعَدْلِ تَمْرَةٍ] بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَالْعَدْلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمِثْلُ وَبِالْكَسْرِ الْحِمْلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ بِقِيمَةِ تَمْرَةٍ. وَقَوْلُهُ: طَيِّبٌ أَيْ حَلَالٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ تَأْكِيدًا لِتَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ فِي النَّفَقَةِ. وَقَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: ذَكَرَ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا فِي الْعُرْفِ لِمَا عَزَّ وَالْأُخْرَى لِمَا هَانَ. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ: وَنِسْبَةُ الْأَيْدِي إلَيْهِ تَعَالَى اسْتِعَارَةٌ لِحَقَائِقِ أَنْوَارٍ عُلْوِيَّةٍ يَظْهَرُ عَنْهَا تَصَرُّفُهُ وَبَطْشُهُ بَدْءًا وَإِعَادَةً وَتِلْكَ الْأَنْوَارُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُوحِ الْقُرْبِ وَعَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا وَسِعَةِ دَوَائِرهَا تَكُونُ رُتْبَةُ التَّخْصِيصِ لِمَا ظَهَرَ عَنْهَا، فَنُورُ الْفَضْلِ بِالْيَمِينِ وَنُورُ الْعَدْلِ بِالْيَدِ الْأُخْرَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَعَالَى عَنْ الْجَارِحَةِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُرَبِّيهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بِمُضَاعَفَةِ

يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ. الثَّانِي: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَوَّلُهَا: الْوَاهِبُ وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْهِبَةُ. ثَانِيهَا: الْمَوْهُوبُ لَهُ وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ وَلَوْ لَمْ يَدُمْ. ثَالِثُهَا: الْمَوْهُوبُ وَهُوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالثَّوْبِ وَالدَّارِ لَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. رَابِعُهَا: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ وَأَعْطَيْتُك. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي شَرْطِهَا وَهُوَ الْحَوْزُ وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَتِمُّ إلَخْ. وَلَمْ يَقُلْ وَلَا تَصِحُّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَوْزِ إذْنُ الْوَاهِبِ بَلْ لَوْ وَجَدَهَا سَائِبَةً فَأَخَذَهَا فَهُوَ حَوْزٌ وَفَائِدَةُ تَمَامِهَا بِالْحَوْزِ أَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ حِيَازَتِهَا بَطَلَتْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ مَاتَ) الْوَاهِبُ (قَبْلَ أَنْ تُحَازَ عَنْهُ فَهِيَ مِيرَاثٌ) يَرِثُهُ الْوَرَثَةُ وَتَبْطُلُ لِمَنْ جُعِلَتْ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ جَادًّا فِي الطَّلَبِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونَ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إذَا طَلَبَ الْهِبَةَ مِنْ الْوَاهِبِ فَامْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ فَجَدَّ فِي تَحْصِيلِ الْقَبْضِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجْرِ [قَوْلُهُ: فَلُوَّهُ] بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ الْمُهْرُ حِينَ يُفْطَمُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى تَرْبِيَةِ غَيْرِ الْأُمِّ وَجَمْعُهُ أَفْلَاءُ كَعَدُوٍّ وَأَعْدَاءٍ. وَفِي رِوَايَةٍ فَلْوَهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْأُنْثَى فَلُوَّةٌ بِالْهَاءِ. وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَكُونَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ حَتَّى تَكُونَ التَّمْرَةُ. وَقَوْلُهُ: مِثْلُ الْجَبَلِ أَيْ فَتَثْقُلُ فِي مِيزَاتِهِ أَوْ الْمُرَادُ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ. [قَوْلُهُ: فِي أَرْكَانِ الْهِبَةِ وَهِيَ إلَخْ] حَيْثُ قَالَ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا فَكَيْفَ يَقُولُ الْهِبَةُ فَقَطْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهَا حَيْثُ قَالَ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي شَرْطِهَا إنْ قُرِئَ مَا يَأْتِي بِالْإِفْرَادِ وَإِنْ قُرِئَ بِالتَّثْنِيَةِ صَحَّ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا شَرْطًا فِيهِمَا وَفِي الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَمَّا هُنَا بِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْهِبَةِ وَتَكُونُ الصَّدَقَةُ مِثْلَهَا لِقَوْلِهِ: فَلْيَكُنْ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَاحِدًا وَحِينَئِذٍ فَمَا وَجْهُ جَعْلِ الْهِبَةِ أَصْلًا فِي الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ الصَّدَقَةَ مِثْلَهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ] أَيْ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَهَبَهُ. [قَوْلُهُ: فَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ] أَمَّا هِبَةُ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُرْتَدِّ فَبَاطِلَةٌ، وَأَمَّا هِبَةُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ وَالْوَرَثَةِ كَهِبَةِ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ فَصَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْغَرِيمِ. [قَوْلُهُ: مَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ الْهِبَةَ] وَلَوْ لَمْ يَدُمْ احْتِرَازًا عَنْ حِمَارٍ وَجَمَلٍ، وَبِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَدُمْ دَخَلَ عَطِيَّةُ الرَّقِيقِ لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ حَيْثُ عَلِمَ الْمُعْطِي بِالْكَسْرِ أَوْ قَبِلَ الْمُعْطَى بِالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: يَقْبَلُ النَّقْلَ] أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَيَشْمَلُ كَلْبَ الصَّيْدِ وَجِلْدَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْأَشْيَاءَ الْمَجْهُولَةَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِتَكْرَارِ الْمِثَالِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقْلِ نَقْلُ الْمِلْكِ لَا نَقْلُ الذَّاتِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ] أَيْ وَالشُّفْعَةُ وَرَقَبَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْحَبْسِ فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ شَيْءٍ مِنْهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَالزَّوْجَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِمَا شَيْءٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِهِبَةِ مَا ذَكَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ كَوَهَبْتُكَ إلَخْ] ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لَفْظًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقُولُ: كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى تَمْلِيكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُعْطَى لَهُ وَلَوْ فِعْلًا كَدَفْعِ دِينَارٍ لِفَقِيرٍ وَكَتَحْلِيَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ شَرْطٌ فِي التَّمَامِ وَالِاسْتِقْرَارِ] عَطْفُ الِاسْتِقْرَارِ تَفْسِيرٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ رَفْعُ تَصَرُّفِ الْمُعْطِي فِي الْعَطِيَّةِ بِصَرْفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى لَهُ أَوْ نَائِبِهِ، وَقُلْنَا فِي عَطِيَّةِ غَيْرِ الِابْنِ احْتِرَازًا عَنْ عَطِيَّةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ السَّفِيهِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ عَلَى يَتِيمٍ وَمُقَدَّمُ الْقَاضِي فَتَصِحُّ الْعَطِيَّةُ لِهَؤُلَاءِ وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُعْطِي إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْ الْغَلَّةَ لَهُ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا أَحْضَرَهَا لَهُمْ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ دَارَ سُكْنَاهُ وَكَانَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ] الْمُنَاسِبُ تَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْمَقَامِ وَهُوَ الْمُتَبَرِّعُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَبْسِ لَا خُصُوصِ الْوَاهِبِ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَتَدَبَّرْ. وَمِثْلُ الْمَوْتِ إحَاطَةُ الدُّيُونِ بِمَالِهِ أَوْ جُنُونُهُ أَوْ مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ] هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ:

الْوَاهِبُ فَإِنَّ الْهِبَةَ لَا تَبْطُلُ، وَكَذَلِكَ إذَا جَحَدَ الْوَاهِبُ الْهِبَةَ وَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَيِّنَةً وَسَعَى فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْهِبَةِ فَمَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ فَذَلِكَ نَافِدٌ مِنْ الثُّلُثِ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ. ع: مَعْنَاهُ إذَا وَهَبَ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ فِي مَرَضِهِ فَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَقْسِيمِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، أَحَدُهَا: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ) وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ أَنْ لَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ لِيَتِيمٍ (أَوْ لِفَقِيرٍ) حُكْمُهَا (كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ) لَهُ (فِيهَا) أَمَّا مَنْعُهُ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ فَإِنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ وَابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، وَكَلَامُهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْهَا أَحَدُهَا: يَرْجِعُ فِيهَا مُطْلَقًا. ثَانِيهَا: تَرْجِعُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ. ثَالِثُهَا: لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ مِثْلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ بِجَارِيَتِهِ فَتَتْبَعُهَا نَفْسُهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا وَيُمْكِنُ رُجُوعُهُ إلَى هَذَا بِأَنْ يُقَالَ يُرِيدُ الْأَمْنَ ضَرُورَةً. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُرَادُ بِهِ الْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ) ابْنُ عَرَفَةَ: الِاعْتِصَارُ ارْتِجَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ فُلِّسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَرِضَ [قَوْلُهُ: فِي الْمَرَضِ] أَيْ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ صَحَّ مِنْهُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ كَانَتْ لِوَارِثٍ صَحِيحٍ لَازِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ حَيْثُ كَانَ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَلَا دَيْنٍ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْحَبْسِ فِي الْمَرَضِ. [قَوْلُهُ: نَافِذٌ مِنْ الثُّلُثِ] لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ. [قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ] أَيْ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ [قَوْلُهُ: غَيْرُ جَائِزَةٍ] أَيْ غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثُ كَانَ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِنَفْيِ الثَّوَابِ] أَرَادَ بِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ عَرَضُهَا الْمَعْلُومُ. [قَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِصِلَةِ إلَخْ] أَيْ الْهِبَةُ لِلرَّحِمِ لِأَجْلِ صِلَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ إلَخْ] وَلَوْ غَنِيًّا. [قَوْلُهُ: أَوْ لِيَتِيمٍ] أَيْ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ. وَقَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ فَقْرُهُ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ لِأَجْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ أَوْ لِأَجْلِ فَقْرِهِ أَوْ لِأَجْلِ يُتْمِهِ كَمَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأُمِّ كَالصَّدَقَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِصَارُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عَوْدَ الْهِبَةِ لِمَا ذُكِرَ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مَكْرُوهٌ كَالصَّدَقَةِ فَلَا يُقْصَرُ الرَّحِمُ وَالْفَقِيرُ وَالْيَتِيمُ عَلَى خُصُوصِ الْوَلَدِ، بَلْ وَلَا يُقْصَرُ الْحُكْمُ عَلَى خُصُوصِ الرَّحِمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بَلْ مُطْلَقُ قَرِيبٍ لِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ صَدَقَةٌ. وَلَوْ صَرَّحَ فِيهَا بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِقَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَدُهُمَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: أَمَّا مَنْعُهُ إلَخْ] يُرَادُ بِالْمَنْعِ الْحُرْمَةُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا] الْأُولَى فَإِنَّهُمَا أَيْ الصَّدَقَةُ أَيْ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَالْهِبَةُ الَّتِي هِيَ الْمُشَبَّهُ. وَقَوْلُهُ: وَابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ أَيْ فَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ الثَّوَابُ الْأُخْرَوِيُّ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَدَمَ طَلَبِهِ الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ وَهُوَ طَلَبُهُ الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي وَهُوَ مَرْتَبَةُ الْكُمَّلِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ بِأَعْمَالِهِمْ إلَّا اللَّهَ فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا الثَّوَابَ الْأُخْرَوِيَّ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَهُ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْهِبَةُ لِلرَّحِمِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ هَذَا لَا يَتِمُّ مَعَ تَصْدِيرِهِ بِقَوْلِهِ: أَحَدُهَا مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: مَا يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا. وَقَوْلُهُ: هُنَا عَلَى طَرِيقِ الثَّوَابِ أَيْ عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الثَّوَابُ حَقِيقَةً، وَسَكَتَ عَنْ الْيَتِيمِ فَنَقُولُ: إنَّ الْهِبَةَ لَهُ مِنْ حَيْثُ يُتْمُهُ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصَّدَقَةِ. [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الظَّاهِرِ] أَيْ وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّأْوِيلِ فَيُوَافِقُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: يُرِيدُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ [قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا] هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهَا] وَيَسْتَقْصِي فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ وَيُشْهِدُ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ لَا بِالِاعْتِصَارِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَحَبَّةُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَلَهُ] أَيْ لِلْأَبِ دِنْيَةً لِإِخْرَاجِ الْجَدِّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ

الْمُعْطِي عَطِيَّتَهُ دُونَ عِوَضٍ لَا بِطَوْعِ الْمُعْطَى، وَاحْتُرِزَ بِالْهِبَةِ عَنْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا كَمَا قَدَّمْنَا لَا تُعْتَصَرُ وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ بِقَوْلِهِ: (مَا لَمْ يُنْكَحْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْهِبَةِ (أَوْ يُدَايَنُ) لَهَا (أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا) مِثْلُ أَنْ يَهَبَهُ حَدِيدًا فَيَصْنَعُهُ آنِيَةً (وَ) أَمَّا (الْأُمُّ) فَإِنَّهَا لَا (تُعْتَصَرُ) إلَّا (مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ) فَقَوْلُهُ: (وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ) تَكْرَارٌ، وَيُسَمَّى يَتِيمًا مَا لَمْ يَبْلُغْ، فَإِذَا بَلَغَ لَمْ يُسَمَّ يَتِيمًا ثُمَّ بَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يَكُونُ الْوَلَدُ بِهَا يَتِيمًا فَقَالَ: (وَالْيَتِيمُ) فِي الْعُقَلَاءِ (مِنْ قِبَلِ الْأَبِ) وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حِيَازَةِ الْأَبِ لِلِابْنِ فَقَالَ: (وَمَا) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي (وَهَبَهُ) الْأَبُ (لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَحِيَازَتُهُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَعْتَصِرَ مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ. [قَوْلُهُ: مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ] أَيْ لَا لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَلَا لِفَقْرِهِ وَلَا لِقَصْدِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ بَلْ وَهَبَهُ لِوَجْهِهِ، وَالْحَبْسُ كَالصَّدَقَةِ لَا رُجُوعَ فِيهِ إلَّا بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الصَّدَقَةِ الْحَبْسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا حِيزَتْ الْهِبَةُ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ اعْتِصَارَ الْأَبِ مِنْ الْكَبِيرِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُنْكَحْ أَوْ يُدَايَنْ إلَخْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِيُفِيدَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُنْكِحِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ الَّذِي دَايَنَهُ، وَأَمَّا قَصْدُهُ هُوَ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْمَوَّاقُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكْفِي قَصْدُ الِابْنِ، فَلَوْ قَصَدَ ذَاتَهُ بِالْإِنْكَارِ أَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً لَا يُنْكَحُ وَلَا يُدَايَنُ الشَّخْصُ لِأَجْلِهَا فَلَا يُفَوِّتَانِ الِاعْتِصَارَ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِنْكَاحِ الْعَقْدُ دَخَلَ أَوْ لَا بَقِيَ نِكَاحُهُ أَوْ زَالَ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ يُحْدِثُ فِي الْهِبَةِ حَدَثًا] أَيْ حَادِثًا يُنْقِصُهَا فِي ذَاتِهَا أَوْ يَزِيدُهَا فَإِنَّهَا تَفُوتُ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ اعْتِصَارُهَا إلَّا أَنْ يَزُولَ النَّقْصُ أَوْ يَرْجِعَ الزَّائِدُ فَإِنَّهُ يَعُودُ الِاعْتِصَارُ، وَلَا فَرْقَ فِي النَّقْصِ بَيْنَ الْحِسِّيِّ كَهُزَالِ الْحَيَوَانِ الَّذِي كَانَ سَمِينًا وَالْمَعْنَوِيِّ كَنِسْيَانِ الْعَبْدِ صَنْعَةً، وَكَذَا تَفُوتُ الْهِبَةُ الْمِثْلِيَّةُ بِخَلْطِهَا بِمِثْلِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأُمُّ] أَيْ دِنْيَةً [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُعْتَصَرُ] أَيْ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا. [قَوْلُهُ: مَا دَامَ الْأَبُ حَيًّا] أَيْ وَلَوْ مَجْنُونًا زَمَنَ الْهِبَةِ جُنُونًا مُطْبِقًا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَصَدَتْ بِهِبَتِهَا صِلَةَ رَحِمٍ أَوْ ثَوَابَ آخِرَةٍ أَوْ لِفَقْرِهِ فَلَا تُعْتَصَرُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ حِينَ الْهِبَةِ لَا أَبَ لَهُ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهَا لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ وَلَوْ بَلَغَ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ لِكَبِيرٍ أَيْ بَالِغٍ فَلَهَا الِاعْتِصَارُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَبٌ أَمْ لَا، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَتْ الصَّغِيرَ ذَا الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ صَغِيرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا الِاعْتِصَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَمُقَابِلُهُ اللَّخْمِيُّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَبٌ حِينَ الْهِبَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ. فَإِذَا مَاتَ لَمْ تُعْتَصَرْ وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَكْرَارَ بِأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَدَثَتْ الْهِبَةُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ ثُمَّ يَتِمَ، وَأَمَّا هَذِهِ فَالْهِبَةُ فِي حَالَةِ الْيُتْمِ بِالْفِعْلِ، وَادَّعَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ لَا تَكْرَارَ لِأَنَّهُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إذْ لَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي غَيْرِهِمْ] أَطْلَقَ فِي الْعِبَارَةِ وَالْأَحْسَنُ عِبَارَةُ تت وَنَصُّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْيَتِيمُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هَذَا فِي الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ فَمِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَمِنْ الطَّيْرِ مِنْ قَبْلِهِمَا مَعًا اهـ. [قَوْلُهُ: وَمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ] عَبَّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِمَحْجُورِهِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوهٍ لِشُمُولِهِ لِلسَّفِيهِ وَغَيْرِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ شُمُولِهِ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ إذْ هُوَ مَحْجُورُ السَّيِّدِ لَا مَحْجُورُ الْأَبِ، ثُمَّ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ أَيْ الْإِشْهَادُ بِأَنَّهُ وَهَبَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَى الْإِشْهَادِ بِالْحِيَازَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ صَرْفُ غَلَّةِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِمَنْ وَهَبَهُ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْغُبْرِينِيُّ وَالرَّصَّاعُ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَوَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ نَحْوُهُ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ الْحِيَازَةَ هُنَا تَصِحُّ وَلَوْ صَرَفَ الْوَلِيُّ الْغَلَّةَ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ، وَهُنَا شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْوَلِيُّ مِنْ الْغَلَّةِ وَصَرَفَهُ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ هَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ الْمَحْجُورُ مُطْلَقًا أَوْ يُقَالُ: إنَّ أَخْذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِصَارِ وَكَانَ أَصْلُهُ مِمَّا يُعْتَصَرُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ،

جَائِزَةٌ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا لَمْ يَسْكُنْ) الْأَبُ (ذَلِكَ) الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ إذَا كَانَ دَارًا (أَوْ يَلْبَسْهُ إنْ كَانَ ثَوْبًا) فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ الْهِبَةُ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ، وَالْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَهَبْتُك الدَّارَ الَّتِي صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ فَلَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي. ع: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَكَذَلِكَ الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الصَّغِيرِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَقَالَ: (وَأَمَّا) الِابْنُ (الْكَبِيرُ فَلَا تَجُوزُ حِيَازَتُهُ) أَيْ حِيَازَةِ الْأَبِ (لَهُ) هَذَا إذَا كَانَ رَشِيدًا، فَإِنْ حَازَ لَهُ لَمْ تَصِحَّ حِيَازَتُهُ لَهُ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَتَجُوزُ حِيَازَتُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ) يُرِيدُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي صَدَقَتِهِ) مَفْهُومٌ مِمَّا تَقَدَّمَ وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّهْيَ عِنْدَ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ (وَلَا تَرْجِعُ) الصَّدَقَةُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُتَصَدِّقِ بَعْدَ الْحَوْزِ مُطْلَقًا أَعْنِي كَانَتْ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (إلَّا) إذَا كَانَتْ (بِالْمِيرَاثِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهَا بِهِ إذْ لَا تَسَبُّبَ مِنْهُ فِي رُجُوعِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ رُجُوعُهَا إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَرِيَّةَ رُخِّصَ فِي شِرَائِهَا لِلضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. تَنْبِيهٌ: ق: أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ لِسَائِلٍ صَدَقَةً فَوَجَدَهُ قَدْ ذَهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ ذَكَرَ شَارِحُ الْحُدُودِ فِيمَا إذَا بَاعَ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ هَلْ يَكُونُ اعْتِصَارًا أَمْ لَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ بِشَرْطَيْنِ، أَيْ وَبَقِيَ ثَالِثٌ وَهُوَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْهِبَةِ وَلَوْ لَمْ تَشْهَدْ بِالْحِيَازَةِ لَهُ. وَقَوْلُهُ: الَّذِي وَهَبَهُ الْأَبُ أَيْ الرَّشِيدُ. [قَوْلُهُ: فَحِيَازَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ] أَيْ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ اسْتَمَرَّتْ عِنْدَ الْأَبِ إلَى أَنْ فُلِّسَ أَوْ مَاتَ [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَسْكُنْ إلَخْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ دَارَ سُكْنَاهُ وَاسْتَمَرَّ سَاكِنًا لِجَمِيعِهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ اسْتَمَرَّ لَابِسًا لِمَا وَهَبَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ بَطَلَتْ الْهِبَةُ، وَأَمَّا إنْ سَكَنَ الْأَقَلَّ وَأَكْرَى الْأَكْثَرَ فَلَا بُطْلَانَ، وَإِنْ سَكَنَ النِّصْفَ بَطَلَ فَقَطْ، وَأَمَّا لَوْ وَهَبَ دَارَ سُكْنَاهُ لِكِبَارِ وَلَدِهِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْهَا إلَّا مَا سَكَنَهُ فَقَطْ وَيَصِحُّ مَا حَازَهُ الْوَلَدُ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَالْوَقْفُ مِثْلُ الْهِبَةِ. [قَوْلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ وَهَبْتُك دَارًا مِنْ دُورِي] إنَّمَا قَالَ مِثْلَ لَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ مَا وَهَبَ لَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَحَازَهَا حَتَّى حَصَلَ لَهُ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ فَلَسٍ بَطَلَتْ الْهِبَةُ. وَلَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ شُهُودِهَا بِخِلَافِ لَوْ طُبِعَ عَلَيْهَا وَوَضَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ إلَى مَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ فَلَا تَبْطُلُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحْجُورُ صَغِيرًا أَوْ سَفِيهًا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيًّا أَوْ مُقَدَّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ لِلصَّغِيرِ إلَّا وَالِدُهُ] وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمُقَابِلُهُ يَحُوزُ لَهُ الْأَخُ الْكَبِيرُ إذَا وَهَبَهُ شَيْئًا [قَوْلُهُ: وَكَذَا الْأُمُّ تَحُوزُ إنْ كَانَتْ وَصِيَّةً] أَيْ لِلْأَبِ أَوْ وَصِيَّةَ وَصِيِّهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً فَلَا تَصِحُّ حِيَازَتُهَا مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ. وَلَوْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَلَدِ الذَّكَرِ الْحُرِّ، وَأَمَّا مَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ الرَّقِيقِ فَيَحُوزُ لَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا وَمَا وَهَبَهُ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ فَيَحُوزُ لَهَا وَلَوْ بَلَغَتْ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَوْ تَبَيَّنَ مِنْهَا الرُّشْدَ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِابْنُ الْكَبِيرُ] أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِابْنِهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ حَائِزًا لَهُ حَتَّى بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْهُ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ، وَأَمَّا لَوْ بَلَغَ سَفِيهًا فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ حَائِزًا لَهُ. وَاخْتُلِفَ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَجُهِلَ حَالُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتَمَرَّ أَبُوهُ حَائِزًا حَتَّى مَاتَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّفَهِ فَلَا تَبْطُلُ أَوْ عَلَى الرُّشْدِ فَتَبْطُلُ قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْجِعُ الرَّجُلُ] قَالَ تت: وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ وَلَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَمْلَاكُ، فَفِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الصَّدَقَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِيهَا مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فِي صَدَقَتِهِ] وَأَمَّا الْهِبَةُ لِوَجْهِ الْمُعْطَى لَهُ يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لِلنَّدَبِ] أَيْ لِأَجْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِلْكَرَاهَةِ لَكَانَ حَسَنًا. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ عَلَى الِابْنِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ عَمَّرَ شَخْصًا دَارِهِ فَيَجُوزُ لَهُ شِرَاؤُهَا وَمَنْ سَبَّلَ مَاءً عَلَى غَيْرِهِ يَجُوزُ لَهُ الشُّرْبُ مِنْهُ.

كَانَ السَّائِلُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا جَازَ لَهُ أَكْلُهَا. (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ) الْمُتَصَدِّقُ (مِنْ لَبَنِ مَا) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَلَا بَأْسَ هُنَا لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ (وَ) كَذَا (لَا يَشْتَرِي) الْمُتَصَدِّقُ (مَا) أَيْ الشَّيْءَ الَّذِي (تَصَدَّقَ بِهِ) لَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلْمَنْعِ وَالْكَرَاهَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَعَلَى الْأَوَّلِ قِيلَ يُفْسَخُ وَقِيلَ يَمْضِي مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ. ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْهِبَةِ وَهُوَ مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ فَقَالَ: (وَالْمَوْهُوبُ) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي وَهَبَ لَهُ (لِ) أَجْلِ أَخْذٍ (لِعِوَضٍ) مِنْهُ (إمَّا أَثَابَ) أَيْ عَاوَضَ (الْقِيمَةَ أَوْ رَدَّ الْهِبَةَ) ق: تَعَرَّضَ هُنَا لِهِبَةِ الثَّوَابِ وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِآخَرَ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ بِعُضْوٍ مَجْهُولٍ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ، وَأَثَابَ فِعْلٌ وَالْقِيمَةُ مَفْعُولٌ وَالْفَاعِلُ مُضْمَرٌ يَعُودُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إمَّا عَاوَضَ الْقِيمَةَ عَنْ عَيْنِ الْهِبَةِ أَوْ رَدَّهَا يُرِيدُ إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ قَائِمَةً لَمْ تَفُتْ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَاتَتْ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَذَلِكَ) أَيْ الْإِثَابَةُ بِالْقِيمَةِ أَوْ رَدُّ الْهِبَةِ (إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ هَذَا: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ هُنَا إلَخْ] أَيْ فَالشُّرْبُ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ] أَيْ فَهِيَ مُعَارِضَةٌ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُعَارَضَةَ كَمَا أَفَادَهُ عج بِأَنْ يُقَالَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ فِي لَبَنٍ لَا سَمْنَ لَهُ، وَكَلَامُهَا فِي لَبَنٍ لَهُ سَمْنٌ وَوَفَّقَ بِتَوْفِيقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَكَانَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَشْتَرِي إلَخْ] مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَرْجِعُ إلَخْ [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ] أَيْ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: مَا قُيِّدَ بِثَوَابٍ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا. الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ كَمَا إذَا قَالَ: أَعْطَيْتُك هَذَا لِتُثِيبَنِيَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَيَأْتِي يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. [قَوْلُهُ: أَيْ عَاوَضَ] أَيْ دَفَعَ الْقِيمَةَ عِوَضًا أَيْ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُخَيَّرٌ وَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَتِهِ حَيْثُ لَمْ تَفُتْ الْهِبَةُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقِيمَةَ، وَإِذَا أَتَى بِالْقِيمَةِ فَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ أَخْذُهَا وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الثَّوَابِ إذَا لَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِيهَا وَلَوْ دَفَعَ لَهُ الْمَوْهُوبُ مِمَّا يُعَوِّضُ عَنْهَا قِيمَتَهَا أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَّهُ إذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ قِيمَتُهَا بِقَبْضِهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِفَوْتِهَا عِنْدَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ شَرْطَ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَهُ أَوْ ذَكَرَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ. وَأَمَّا إنْ ذَكَرَهُ وَعَيَّنَهُ وَرَضِيَ الْآخَرُ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، وَسَوَاءٌ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ لَا وَلِوَاهِبِ الثَّوَابِ طَلَبُ الثَّوَابِ وَلَوْ مُعَجَّلًا وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ عُرْسٌ إلَّا لِعَادَةٍ، وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُحَاسِبَ الْوَاهِبَ بِمَا أَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عِنْدَ إحْضَارِ الْهِبَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ دَفْعُ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَوْ جَرَتْ بِذَلِكَ عَادَةٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ قَبُولُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَهَلْ يُجْبَرُ الْوَاهِبُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ عَلَى قِيمَةِ هِبَتِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ كُلٌّ بِالطَّلَاقِ عَلَى نَقِيضِ مَا أَرَادَ صَاحِبُهُ لَقُضِيَ بِتَحْنِيثِ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هِبَةَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الزَّائِدِ قَوْلَانِ وَالْأَوَّلُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ رِبَا الْفَضْلِ وَإِلَّا امْتَنَعَ [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يُعْطِيَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَاطَاةِ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ عَقْدٌ هَذَا تَعْرِيفٌ آخَرُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فِي سِلْكٍ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ آخَرُ كَأَنْ يَقُولَ أَوْ هِيَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ لِمَا إذَا وَقَعَ عَقْدُ الْهِبَةِ عَلَى ثَوَابٍ مُعَيَّنٍ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ] أَيْ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. قَالَ الْبَاجِيُّ. هِبَةُ الثَّوَابِ لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ اهـ. أَيْ الْجَوَازُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ مَا عَدَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ خُصَّ بِأَنْ لَا يَهَبَ لِلثَّوَابِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوهَبَ لَهُ لِيُثِيبَ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاتَتْ] أَيْ لَا بِحَوَالَةِ سُوقٍ بَلْ بِزَيْدٍ أَوْ نَقْصٍ [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا] أَيْ يَوْمَ الْقَبْضِ

يُرَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يُظَنُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْوَاهِبُ (أَرَادَ) بِهِبَتِهِ (الثَّوَابَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ) يُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْهِبَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَلَّابِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً مُطْلَقًا وَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لِلثَّوَابِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ وَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى الْهِبَةِ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يَطْلُبُ الثَّوَابَ عَلَى هِبَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ وَاحْتَمَلَ الْوَجْهَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ مَعَ يَمِينِهِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَأَلْزَمَهُ الْيَمِينُ شِرَاءً شَهِدَ الْعُرْفُ بِطَلَبِ الثَّوَابِ أَمْ لَا (وَ) مَنْ كَانَ لَهُ وَلَدَانِ فَأَكْثَرُ وَمَعَهُ مَالٌ (يُكْرَهُ) لَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمَشْهُورِ (أَنْ يَهَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِثَابَةُ] فَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، أَيْ الْمَذْكُورُ مَعْنًى عَلَى حَدِّ {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] [قَوْلُهُ: يَظُنُّ] أَيْ يَظُنُّ النَّاسُ [قَوْلُهُ: يَعْرِفُ ذَلِكَ] أَيْ يَظُنُّ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْفَقِيرِ يَدْفَعُ شَيْئًا لِغَنِيٍّ بِخِلَافِ هِبَةِ الْغَنِيِّ لِفَقِيرٍ أَوْ عَالِمٍ أَوْ صَالِحٍ فَلَا يُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ الثَّوَابَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَظُنُّونَ فِي ذَلِكَ قَصْدَ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ] فِيهِ أَنَّ الْقَسْمَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إذَا كَانَ يَرَى، وَلِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ. [قَوْلُهُ: مُطْلَقًا] مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَهَبَا مُطْلَقًا أَيْ لَمْ يُقَيَّدْ بِثَوَابٍ وَلَا عَدَمِهِ. وَقَوْلُهُ: وَحُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ] أَيْ كَهِبَةِ فَقِيرٍ لِغَنِيٍّ وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ قَرِينَةِ الْحَالِ [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ مِنْ سَائِرِ مَنْ يَهَبُ لَهُ، وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ لَا يَطْلُبُ ثَوَابًا أَصْلًا، وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ مَعْلُومَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ قَطْعًا وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ مِنْ أَشْخَاصٍ دُونَ آخَرِينَ كَمَا إذَا وَهَبَ كَبِيرٌ لِمَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مَالًا وَجَاهًا فَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ إنْ رُوعِيَ حَالُ الْوَاهِبِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ، وَإِنْ رُوعِيَ حَالُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ حَالِهِ كَانَ مِثْلُهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ حِينَئِذٍ وَلَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ إلَّا عَلَى حَالِ الْوَاهِبِ فَقَطْ، وَيُمْكِنُ دُخُولُ تِلْكَ تَحْتَ قَوْلِهِ وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ [قَوْلُهُ: فَأَلْزَمَهُ الْيَمِينُ] وَقِيلَ الْيَمِينُ عِنْدَ إشْكَالِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الْعُرْفُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَقَطْ أَوْ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ. تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: إذَا اخْتَلَفَ الْوَاهِبُ مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ إنَّمَا وَهَبْت لِلثَّوَابِ، وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَاهِبِ إنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ أَوْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ شَهِدَ لِلْمَوْهُوبِ وَلَوْ حُكْمًا لِقَرِينَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ اُنْظُرْ تَتِمَّتَهُ فِي شُرُوحِ خَلِيلٍ. الثَّانِي: يُثَابُ عَنْ الشَّيْءِ مَا يَقْضِي عَنْهُ بِبَيْعٍ وَإِنْ مَعِيبًا حَيْثُ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْقِيمَةِ فَيُثَابُ عَنْ الْعَرَضِ طَعَامًا أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضًا، وَيُثَابُ عَنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا أَوْ حَيَوَانًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثَابَ عَنْ الذَّهَبِ فِضَّةً وَلَا عَكْسُهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الصَّرْفِ الْمُؤَجَّلِ، وَلَا عَنْ الْعَيْنِ مِنْ صِفَتِهَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْبَدَلِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَا عَنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمِ جِنْسِهِ وَلَا عَكْسُهُ، وَيُثَابُ عَنْ الطَّعَامِ عَرَضًا أَوْ دَنَانِيرَ لَا طَعَامٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ إلَّا أَنْ يَقَعَ قَضَاءُ الطَّعَامِ عَنْ الطَّعَامِ نَاجِزًا فَيَجُوزُ بِشَرْطِ الْمُسَاوَاةِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِ [قَوْلُهُ: يُكْرَهُ لَهُ] أَيْ لِلشَّخْصِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ لَا، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَلَدِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَاقًّا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ] أَيْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَأَمَّا فِي حَالِ مَرَضِهِ الْمَخُوفِ الْمُتَّصِلِ بِمَوْتِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةُ الْوَارِثِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ حَوْزُهَا حَتَّى مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا كُرِهَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى عُقُوقِ الْبَاقِينَ وَحِرْمَانِهِمْ وَيُؤَدِّي إلَى تَبَاغُضِهِمْ وَالْمَطْلُوبُ الْحِرْصُ عَلَى الْمُوَاصَلَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ]

لِبَعْضِ وَلَدِهِ مَالَهُ كُلَّهُ) أَوْ جُلَّهُ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ أَوْلَادُهُ الْآخَرُونَ فَيَمْنَعُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ، وَالْأَصْلُ فِيمَا ذَكَرَ مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» (وَأَمَّا) إذَا وَهَبَ لَهُ (الشَّيْءَ) الْيَسِيرَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِهِ (فَذَلِكَ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَقَيَّدْنَا بِالْيَسِيرِ لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ: وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَالَهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا. قُلْت: قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَذَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَالَهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، أَمَّا إذَا قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَالِهِ كُلِّهِ لِلَّهِ) عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا لَمْ يَمْنَعْهُ وَلَدُهُ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَمُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا لَمْ يَمْرَضْ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ جَائِزٌ بِشَرْطِهِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَنْ مُؤْنَتِهِ (وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً) لِغَيْرِ الثَّوَابِ (فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ) لَهُ (حَتَّى مَرِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ. [قَوْلُهُ: وَلَدُهُ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ يَعُمُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ وَلَوْ مَرِيضًا. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيَمْضِي مَا لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ وَلَدُهُ الْآخَرُونَ فَلَهُمْ رَدُّهُ هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَدْ نَسَبَ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا لِلَّخْمِيِّ وَقَضِيَّةُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: مَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ] صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ وَصَحِيحُ مُسْلِمٍ فَفِيهِ «عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ، فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَعَلْت هَذَا بِوَلَدِك كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لَا قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ» . فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ اهـ. وَبَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَاحِدٌ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّدَقَةِ وَكَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ، وَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ الْجُلُّ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ مُطْلَقٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ. [قَوْلُهُ: الْيَسِيرُ] أَيْ مَا عَدَا الْجُلِّ فَيَصْدُقُ بِالنِّصْفِ. [قَوْلُهُ: أَيْ جَائِزٌ] وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْأَبِ كَسَائِرِ الْعَطَايَا سِوَى هِبَةِ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ فِي الْجَلَّابِ] هَذَا الِاسْتِدْلَال لَا يُوَافِقُ تَقْيِيدَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا وَوَهَبَهُ فَلَا كَرَاهَةَ، وَتَقْيِيدُهُ بِأَنَّهُ وَهَبَ لَهُ الْيَسِيرَ مِنْ مَالِهِ لَا أَنَّ مَالَهُ يَسِيرٌ وَوَهَبَهُ وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ عَجَّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الْجَلَّابِ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُهُ يَسِيرًا، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَيِّدَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا وَيُكْرَه بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا ثُمَّ قَالَ: وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ فَعَلَهُ الصِّدِّيقُ] أَيْ لِبِنْتِهِ عَائِشَةَ إلَّا أَنَّ هِبَتَهَا لَمْ تَتِمَّ لِأَنَّهُ وَهَبَهَا بَعْضَ الثِّمَارِ وَتَأَخَّرَتْ عَنْ حَوْزِهَا حَتَّى مَرِضَ أَبُوهَا مَرَضَ الْمَوْتِ فَبَطَلَتْ الْهِبَةُ لَهَا. [قَوْلُهُ: وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ] وَسَكَتَ عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ] وَأَمَّا إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَسَوَّى بَيْنَهُمْ فَلَا كَرَاهَةَ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْضًا مُقَيَّدٌ بِمَا إلَخْ] مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَاضٍ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ فَإِنَّهُ يُرَدُّ وَمُفَادُ عَجَّ اعْتِمَادُهُ، وَيُقَيَّدُ أَيْضًا بِأَلَّا يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي يَمِينٍ وَلَا نَذْرٍ، وَإِمَّا إذَا كَانَ فِي يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ. [قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يَمْرَضْ] وَأَمَّا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَتَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَ إلَخْ] وَقَالَ التَّادَلِيُّ: يُرِيدُ مَعَ كَرَاهَةٍ إذْ لَا قَائِلَ بِجَوَازِهِ دُونَهَا اهـ. وَلَعَلَّ الشَّارِحَ رَدَّهُ بِقَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ إلَخْ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: جَائِزٌ بِشَرْطِهِ] مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَلَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا شَرْطَانِ، ثُمَّ نَقُولُ: أَرَادَ بِالْجَوَازِ خِلَافَ الْأَوْلَى أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ رَاضِيَةً لَا تَخْشَى ضَجَرًا وَإِلَّا نُدِبَ، وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ ضَيَاعُ عِيَالِهِ وَإِلَّا حَرُمَ، كَمَا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ مَالٍ حَرَامٍ بِتَصَدُّقِهِ بِكُلِّ مَالِهِ الْحَلَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَخْشَى اكْتِسَابَ شُبْهَةٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ وَنَدْبِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِصَدَقَتِهِ طَالِبَ عِلْمٍ وَمُنْقَطِعًا لِعِبَادَةٍ وَصَدِيقًا فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقْصِدُ بِصَدَقَتِهَا أَهْلَ الْعِلْمِ وَكَذَا ابْنُ الْمُبَارَكِ. [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الثَّوَابِ] أَيْ لِغَيْرِ ثَوَابِ الدُّنْيَا بَلْ لِوَجْهِ الْمُعْطِي. [قَوْلُهُ: فَلَمْ يَحُزْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ] أَيْ وَلَمْ يَجِدَّ فِي حَوْزِهَا. [قَوْلُهُ:

[أحكام الحبس]

الْوَاهِبُ) مَرَضًا مَخُوفًا (أَوْ فُلِّسَ فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ مَرِضَ الْوَاهِبُ أَوْ فُلِّسَ (قَبْضُهَا) أَيْ الْهِبَةِ وَمِثْلُهَا الصَّدَقَةُ وَالْحَبْسُ، وَقَيَّدْنَا الْهِبَةَ بِغَيْرِ الثَّوَابِ لِقَوْلِ الْجَلَّابِ: وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِلثَّوَابِ فَمَاتَ قَبْلَ دَفْعِ الْهِبَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لَازِمَةٌ وَلَيْسَتْ تَحْتَاجُ هِبَةُ الثَّوَابِ إلَى حِيَازَةٍ (وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ) أَيْ الَّذِي وُهِبَ لَهُ وَكَانَ حُرًّا قَبْلَ قَبْضِ الْهِبَةِ (كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ فِيهَا) أَيْ الْهِبَةِ (عَلَى الْوَاهِبِ الصَّحِيحِ) غَيْرِ الْمُفْلِسِ قَبِلَ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْقِيَامَ فِي ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، وَقُيِّدَ الْوَاهِبُ بِالصَّحِيحِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحُبْسِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا نَقَلَ ك. ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَوْ يَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَصَايَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يَصِحُّ بِغَيْرِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ وَيَلْزَمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَنَقَلَ بَهْرَامُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ مَنْعَ الْوَقْفِ وَعَنْ الْجُمْهُورِ الْجَوَازَ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى مَرِضَ الْوَاهِبُ] أَيْ أَوْ جُنَّ وَاتَّصَلَ كُلٌّ بِمَوْتِهِ، وَأَمَّا لَوْ مَرِضَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْحَوْزِ ثُمَّ صَحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً فَإِنَّهَا تُحَازُ وَتَتِمُّ. [قَوْلُهُ: أَوْ فُلِّسَ] وَلَوْ بِإِحَاطَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ سَبَقَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ قَبْضُهَا] أَيْ لِبُطْلَانِهَا. [قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] أَيْ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِهَا، وَقَوْلُهُ: لَازِمَةٌ أَيْ إذَا وَقَعَتْ هِبَةُ الثَّوَابِ فِي مُقَابِلَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ حَاضِرًا أَوْ غَائِبٌ وَحَصَلَ الرِّضَا [قَوْلُهُ: وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ] أَيْ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِنْ حَصَلَ تَنَازُعٌ فِي قَصْدِ عَيْنِهِ وَعَدَمِ قَصْدِهَا فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَانْظُرْ أَيَّهمَا يَقْبَلُ، وَالظَّاهِرُ لِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاهِبِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ، وَمِثْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ الْمُفْلِسِ] أَيْ غَيْرُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَحَاطَ الدَّيْن بِمَالِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ قِيَامٌ. وَقَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَنْ الْمَرِيضِ أَيْ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ مَرِضَ أَوْ جُنَّ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ قِيَامٌ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْهِبَةِ، وَأَمَّا إنَّ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ جَوَابًا هَلْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ أَمْ لَا اهـ. [أَحْكَام الحبس] [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَحَبَسْته بِمَعْنَى وَقَفْته فَهُوَ حَبِيسٌ وَالْجَمْعُ حُبُسٌ مِثْلَ بَرِيدٍ وَبُرُدٍ، وَإِسْكَانُ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى لُغَةِ التَّخْفِيفِ وَأَنَّهُ أَتَى بِالْجَمْعِ لَا بِالْمُفْرَدِ مَعَ أَنَّهُ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَقْفِ] مَصْدَرُ وَقَفَ الْمُجَرَّدِ عَلَى اللُّغَةِ الْفُصْحَى وَالرَّدِيئَةِ أَوْقَفَ، وَسُمِّيَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْقُوفَةٌ وَمَحْبُوسَةٌ. [قَوْلُهُ: إعْطَاءُ الْمَنَافِعِ] أَيْ الْجِنْسُ الْمُتَحَقِّقُ فِي وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَاحَظْت الْجَمْعَ بِاعْتِبَارِ الذَّوَاتِ الْمَوْقُوفَةِ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي غُنْيَةٍ عَنْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ] أَيْ سَبِيلٌ هُوَ التَّأْبِيدُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّأْبِيدُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَيَّدَ بِمُدَّةٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ حُكْمُهُ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ تَحْبِسْ الْجَاهِلِيَّةُ فِيمَا عَلِمْت. [قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَحَدِهِمَا] بَيَّنَ ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَهُوَ مِلْكٌ يُورَثُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ أَوْ يُعَلِّقُهُ عَلَى مَوْتِهِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتّ فَدَارِي وَقْفٌ عَلَى كَذَا، وَبَعْدُ فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ أَوَّلًا يُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي اللُّزُومِ. وَقَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ

وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيَّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ دُورًا وَحَوَائِطَ وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الْوَاقِفُ وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَمَنْ حَبَسَ) وَشَرْطُ الْأَوَّلِ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالثَّانِي: شَيْئَانِ الصِّيغَةُ وَهِيَ وَقَفْت وَتَصَدَّقْت وَحَبَسْت أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ عُرْفًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي بَنَاهُ لِلصَّلَاةِ، وَالثَّالِثُ: الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (دَارًا) وَكَذَا يَجُوزُ وَقْفُ الْحَيَوَانِ وَالْعَرُوضِ، وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ كَالْقَمْحِ وَوَقْفِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ تَرَدُّدٌ. رَابِعُهَا؛ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي اللُّزُومِ. [قَوْلُهُ: وَنَقَلَ بَهْرَامُ] هَذَا مُفَادُ قَوْلِهِ عَلَى مَا نَقَلَ ك. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَأَيْنَاهُ إلَخْ] أَيْ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْهُمْ. [قَوْلُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ] أَيْ تِسْعَ حَوَائِطَ. [قَوْلُهُ: وَعُمَرَ] لَمْ يَذْكُرْ أَبَا بَكْرٍ، وَفِي تت التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ حَبَسَ وَعُمَرُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ حَبَسُوا دُورًا وَحَوَائِطَ، وَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ حَبَسَ دُورًا أَوْ حَوَائِطَ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ تَحْبِيسَهُمْ تَعَلَّقَ بِجِنْسِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَمَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ] اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْوَقْفُ الصِّيغَةُ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَيْهِمَا يُشِيرُ إلَخْ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ حَبَسَ لِلصِّيغَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّحْبِيسَ فِعْلٌ مُتَجَدِّدٌ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ إلَّا الصِّيغَةُ. [قَوْلُهُ: أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ] أَيْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَاَلَّذِي قِيلَ فِي الْهِبَةِ يُقَالُ هُنَا فَإِنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ بَلْ سَائِرُ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ: وَوَقْفُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ أَجَازَهُ الْمَالِكُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا كَالْبَيْعِ إذْ لَا يَظْهَرُ فَرْقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالثَّانِي] أَيْ مَا بِهِ يَكُونُ الْوَقْفُ شَيْئَانِ. [قَوْلُهُ: الصِّيغَةُ] هِيَ الْأَوَّلُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ وَهِيَ مَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ بَلْ وَلَا التَّنْجِيزُ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ وَقَفْت أَيْ أَنَّ صِيَغَهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ أَمَّا حَبَسْت وَوَقَفْت فَمُطْلَقًا وَأَمَّا تَصَدَّقْت فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَارِنَهُ قَيْدٌ كَأَنْ يَقُولَ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّدَقَةُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ عَلَى جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ كَالْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ قَيَّدَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالسُّكْنَى أَوْ الِاسْتِغْلَالِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَعَلَى الْجِهَةِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ كَقَوْلِهِ: دَارِي مَثَلًا صَدَقَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا يَسْتَغِلُّونَهَا أَوْ يَسْكُنُونَهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ: دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى زَيْدٍ يَسْكُنُهَا أَوْ يَسْتَغِلُّهَا فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَالتَّقْيِيدِ بِلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ أَيْضًا بِالْمَعْنَى مِنْ عَجَّ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ] هُوَ الشَّيْءُ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: عُرْفًا] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ أَيْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ فِي الْعُرْفِ. [قَوْلُهُ: كَالْإِذْنِ فِي الصَّلَاةِ] وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخُصَّ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وَلَا فَرْضًا دُونَ نَفْلٍ. [قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ الْمَوْقُوفُ وَهُوَ الْعَقَارُ] شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاقِفِ ذَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَتُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَجِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَكَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وَوَقْفُ الْآبِقِ صَحِيحٌ وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَقْبَلُ الْقَسْمَ وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لَا يَجُوزُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ الْبَيْعَ فَكَأَنَّهُ اشْتَرَطَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقَسْمَ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ أَرَادَهُ الشَّرِيكُ وَيُجْعَلُ الثَّمَنُ فِي مِثْلِهِ وَهَلْ يُجْبَرُ أَمْ لَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ. [قَوْلُهُ: وَقْفُ الْحَيَوَانِ] أَيْ وَلَوْ رَقِيقًا. [قَوْلُهُ: وَفِي وَقْفِ الطَّعَامِ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ] احْتِرَازًا عَنْ طَعَامٍ لَا تَطُولُ إقَامَتُهُ بِأَنْ يَفْسُدَ بِتَأْخِيرِهِ فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَيْ وَقْفُ الطَّعَامِ وَالنَّقْدِ عَلَى مَنْ يَسْتَلِفُهُمَا وَيَرُدُّ مِثْلَهُمَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَدَ التَّرَدُّدَيْنِ يَقُولُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ تَطُولُ إقَامَتُهُ وَنُزِّلَ بَدَلُ مَا انْتَفَعَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ دَوَامِ الْعَيْنِ. وَالثَّانِي يَقُولُ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ فِي اسْتِهْلَاكِهِ وَالْوَقْفُ إنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَعَدَمُ الْجَوَازِ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ وَالْكَرَاهَةَ هَكَذَا تَرَدَّدَ عَجَّ. وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ وَقْفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الطَّعَامِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ. [قَوْلُهُ:

(فَهِيَ) أَيْ الدَّارُ (عَلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَيُشْتَرَطُ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ وَالرَّدِّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِذَلِكَ كَالصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ. وَشَرْطُهُ أَيْ الْوَقْفُ الْحَوْزُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إنْ حِيزَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ) هَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنْ لَمْ تُحَزْ حَتَّى مَاتَ الْوَاقِفُ أَوْ فُلِّسَ بَطَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ] وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَى مَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ وَلَوْ لِلصَّرْفِ فِي مَصَالِحِهِ، أَيْ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّمَلُّكِ حُكْمًا كَالْمَسْجِدِ أَوْ حِسًّا كَالْآدَمِيِّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْلُودِ بِالْفِعْلِ وَمَنْ سَيُولَدُ وَتُوقَفُ الْغَلَّةُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْهُ فَلَا يُوقَفُ، وَيُرَدُّ الْوَقْفُ وَالْغَلَّةُ لِمَالِكِهَا هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَحْصُلْ مَانِعٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مَانِعٌ كَمَوْتِهِ فَيَبْطُلُ كَمَا قَالَ عَجَّ. وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الذِّمِّيِّ قَرِيبًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ مَا عَدَا الْحَرْبِيَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَهُ كِتَابٌ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا جَعَلَهَا عَلَيْهِ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ عَيْنُ الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ دَارِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الشَّيْءَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي غَالِبِ مَصْرِفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْبَلَدِ غَالِبٌ فَإِنَّ غَلَّتَهَا تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ أَجَازَ أَوْ كَرِهَ كَاشْتِرَاطِ وَقْفِهِ عَلَى قِرَاءَةِ سَبْعٍ جَمَاعَةً أَوْ عَلَى ضَحِيَّةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاقِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمَحِلُّ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا جَازَتْ مُخَالَفَتُهُ كَاشْتِرَاطِ قِرَاءَةِ دَرْسِ عِلْمٍ فِي مَحَلٍّ خَرِبٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْقِرَاءَةُ فِيهِ، أَوْ يَتَعَذَّرُ حُضُورُهُ مَثَلًا فَيَجُوزُ نَقْلُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَفِعْلُهُ كَشَرْطِهِ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ كَأَنْ يُقَرِّرَ مَالِكِيًّا يَقْرَأُ فِي مَسْجِدٍ ثُمَّ يَمُوتُ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ إنْ مَاتَ الْمَالِكِيُّ أَنْ يُقَرِّرَ غَيْرَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَوْ شَافِعِيٍّ. [قَوْلُهُ: كَالْفُقَرَاءِ] أَيْ أَوْ كَانَ عَلَى كَمَسْجِدٍ لِتَعَذُّرِ الْقَبُولِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ] أَيْ الْقَبُولُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ] أَيْ مَعَ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا. وَقَوْلُهُ: أَهْلًا لِلْقَبُولِ. وَالرَّدِّ، أَيْ بِأَنْ يَكُونَ رَشِيدًا فَإِنْ رَدَّ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَرْجِعُ حَبْسًا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، عَلَى مَا قَالَ الطِّخِّيخِيُّ، وَاعْتَمَدَ عَجَّ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَهَذَا إذَا جَعَلَهُ حَبْسًا سَوَاءٌ قَبِلَهُ مَنْ عُيِّنَ لَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ قَصَدَهُ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهُ إذَا رُدَّ عَادَ مِلْكًا لِلْمُحْبِسِ وَلَوْ أَخْبَرَ الْمُعَيَّنُ الْأَهْلَ بِأَنَّهُ وُقِفَ عَلَيْهِ كَذَا مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ فَسَكَتَ فَهَلْ يُعَدُّ السُّكُوتُ مِنْهُ قَبُولًا أَمْ لَا قَالَهُ الْخَرَشِيُّ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ] أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ الْقَبُولُ. [قَوْلُهُ: ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ] قَالَ عَجَّ: إنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ الْمُعَيَّنَ الْغَيْرَ الْأَهْلِ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ أَصْلًا وَلَا يُقَامُ مَنْ يَقْبَلُ عَنْهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ، وَأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَحْثٌ لَهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي الْهِبَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَامَ] أَيْ فَيُقِيمُ السُّلْطَانُ مَنْ يَقْبَلُهُ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ يَقْبَلُ. [قَوْلُهُ: إنْ حِيزَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ] لَوْ قَالَ قَبْلَ كَمَوْتِهِ لَشَمِلَ بَقِيَّةَ الْمَوَانِعِ مِنْ فَلَسٍ أَوْ جُنُونٍ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ عَلَى الْحَوْزِ وَيَكْفِي الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَصِفَةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ: الْعَدْلُ عَايَنْته تَحْتَ يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلْوَاقِفِ، وَلَا يَكْفِي إقْرَارُ الْوَاقِفِ بِالْحَوْزِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ] كَانَ أَجْنَبِيًّا أَوْ وَلَدًا كَبِيرًا لِلْوَاقِفِ وَحَقِيقَةُ الْحِيَازَةِ رَفْعُ يَدِ الْوَاقِفِ عَنْ الْوَقْفِ وَتَمْكِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الذَّاتِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَوْقُوفِ وَبَيْنَ النَّاسِ فِي نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالطَّاحُونِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُحَزْ حَتَّى مَاتَ الْوَاقِفُ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالْفَلَسِ هُنَا إحَاطَةُ الدَّيْنِ وَمِثْلُ الْمَوْتِ وَالتَّفْلِيسِ مَرَضُهُ الْمُتَّصِلُ بِمَوْتِهِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَامٌّ، فَلَوْ جُعِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَامًّا وَقَالَ: إنَّ الْحَوْزَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَفِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ كَذَا وَفِي الْمَسْجِدِ

الْوَقْفُ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورَةٍ، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْمَسْجِدِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى حِيَازَةِ مُعَيَّنٍ بَلْ إذَا خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فِيهَا صَحَّ الْوَقْفُ، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مَحْجُورِهِ لِقَوْلِهِ: (وَلَوْ كَانَتْ) الدَّارُ (حَبْسًا عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ) الْحُرِّ (جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ) إذَا أُنِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ (وَلْيُكْرِهَا لَهُ) مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يَسْكُنُهَا فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا حَتَّى مَاتَ) أَوْ مَرِضَ أَوْ فُلِّسَ (بَطَلَتْ) صَوَابُهُ بَطَلَ أَيْ الْحَبْسُ، وَعَلَى إثْبَاتِ التَّاءِ يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ، وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَإِنَّ سَيِّدَهُ هُوَ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ (فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ) الدَّارُ (عَلَيْهِ رَجَعَتْ حَبْسًا عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُحْبِسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْبِسِ أَخٌ شَقِيقٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَيَمُوتُ الشَّقِيقُ وَيَتْرُكُ ابْنًا ثُمَّ يَنْقَرِضُ مَنْ حُبِسَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْأَخِ لِلْأَبِ دُونَ ابْنِ الْأَخِ الشَّقِيقِ، وَالْعِبْرَةُ فِي رُجُوعِ الْحَبْسِ عَلَى الْأَقْرَبِ إنَّمَا هُوَ (يَوْمَ الْمَرْجِعِ) لَا يَوْمَ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ الْبَعِيدُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ قَرِيبًا يَوْمَ الْمَرْجِعِ كَالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ (وَمَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا) مَثَلًا (حَيَاتَهُ) أَيْ حَيَاةَ الرَّجُلِ (دَارًا رَجَعَتْ بَعْدَ مَوْتِ السَّاكِنِ) وَهُوَ الرَّجُلُ (مِلْكًا لِرَبِّهَا) أَوْ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ (وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا عَقِبَهُ) أَيْ عَقِبَ الرَّجُلِ (فَانْقَرَضُوا) فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا لَكَانَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: كَالْمَسْجِدِ] وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: بَلْ إذَا خَلَّى إلَخْ] بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَرَكَ مَا بَيْنَ النَّاسِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا. [قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ] بَلْ غَيْرُ وَلَدِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي حِجْرِهِ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: جَازَتْ حِيَازَتُهُ لَهُ] حَاصِلُ فِقْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَيْ أَوْ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَوْزِ الْوَقْفِ الْحَوْزُ الْحِسِّيُّ، بَلْ يَكْفِي فِيهِ الْحَوْزُ الْحُكْمِيُّ أَيْ مِنْ الْأَبِ، وَمِثْلُ الْأَبِ الْوَصِيُّ وَالْمُقَامُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْحَائِزِ إلَى مَانِعٍ مِنْ الْمَوَانِعِ لَكِنَّ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ، الْأَوَّلُ أَنْ يُشْهِدَ الْوَاقِفُ عَلَى الْحَبْسِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ أَيْ يُشْهِدُ عَلَى التَّحْبِيسِ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَصْرِفَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ فِي مَصَارِفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَلَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ أَيْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَرَفَ الْغَلَّةَ أَوْ احْتَمَلَ صَرْفَهَا أَيْ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ فِي دَارِ السُّكْنَى. الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يُكْرِيَهَا وَلَا يَسْكُنَهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلْيُكْرِهَا وَلَا يَسْكُنْهَا. [قَوْلُهُ: إذَا أَنِسَ مِنْهُ الرُّشْدَ] أَيْ عَلِمَ مِنْهُ الرُّشْدَ أَيْ فَغَايَةُ الْحِيَازَةِ الْبُلُوغُ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْهُ الرُّشْدَ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أُنْثَى فَإِلَى الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيُؤْنَسُ مِنْهَا الرُّشْدُ كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْهُ الرُّشْدَ فَيَسْتَمِرُّ الْوَلِيُّ حَائِزًا لَهُ وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوْزِ مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ أَوْلَى، وَالرَّاجِحُ أَنَّ حَوْزَ الصَّغِيرِ الْمُمَيَّزِ وَأَوْلَى السَّفِيهُ كَافٍ مُطْلَقًا فِيمَا وَقَفَهُ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا وَحَازَ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِهِ] وَأَمَّا لَوْ إكْرَاهًا مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ عَطَّلَهَا وَلَمْ يُكْرِهَا وَلَا سَكَنَهَا فَفِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ قَوْلَانِ، رَجَّحَ ابْنُ عُمَرَ الْأَوَّلَ قَائِلًا فَالْإِكْرَاءُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ لَا يَسْكُنَهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَدَعْ سُكْنَاهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ دَارَ سُكْنَاهُ يَبْطُلُ الْوَقْفُ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجْرِي عَلَى الْهِبَةِ بَيْنَ أَنْ يَسْكُنَ الْكُلَّ أَوْ الْجُلَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَ] أَيْ مَرَضَ الْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ الْحِيَازَةَ إلَخْ وَيَحْتَمِلُ الدَّارَ أَيْ تَحْبِيسُهَا. [قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا الصَّغِيرَ بِالْحُرِّ] فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ الرَّشِيدِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ حِيَازَةَ الْأُمِّ مَا حَبَسَتْهُ عَلَى وَلَدِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً. [قَوْلُهُ: فَإِنْ انْقَرَضَ مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ] أَفْهَمَ أَنَّ الْمُحْبَسَ عَلَيْهِ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ كَزَيْدٍ وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى انْقِطَاعُهُمْ. [قَوْلُهُ: رَجَعَتْ حَبْسًا] وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ الْمَرْجِعِ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا جَمِيعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ قَرِيبٌ يَوْمَ الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَا يَدْخُلُ الْمُحْبِسُ فِي الْوَقْفِ إذَا كَانَ حَيًّا وَلَوْ صَارَ فَقِيرًا. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَالَ: أَعْمَرْتُ أَوْلَادَهُ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إذَا أَعْمَرَهُ وَعَقِبَهُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَقَوْلُهُ: فَحَقِيقَةُ الْعُمْرَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ

الْعُرْفِيَّةِ هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَعُمْرِ عَقِبِهِ لَا هِبَةُ الرَّقَبَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّقْيِيدُ بِعُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بَلْ لَوْ قُيِّدَ بِعُمْرِ الْمُعَمِّرِ كَانَتْ عُمْرَى أَيْضًا، وَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى لَفْظِ أَعْمَرْتُكَ بَلْ لَوْ قَالَ: وَهَبْت لَك غَلَّتَهَا مُدَّةَ عُمْرِي كَانَتْ عُمْرَى. تَنْبِيهٌ: حُكْمُ الْعُمْرَى الْجَوَازُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجُوزَ لَكِنْ وَرَدَ بِهَا النَّصُّ فَهِيَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَوْ خَاصَّةٌ بِمَا يَطُولُ كَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ (بِخِلَافِ الْحَبْسِ) فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ مِلْكًا لِرَبِّهِ بَلْ حَبْسًا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَمْلِيكُ الرِّقَابِ، وَالْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ (فَإِنْ مَاتَ الْمُعَمِّرُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (يَوْمئِذٍ كَانَتْ) مَا أَعْمَرَهُ وَهِيَ الدَّارُ (لِوَرَثَتِهِ يَوْمَ مَوْتِهِ مِلْكًا) ع: يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَوْمَئِذٍ أَنْ يَعُودَ عَلَى يَوْمِ التَّعْبِيرِ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا إنَّمَا مَلَكُوا الرِّقَابَ دُونَ الْمَنَافِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مَوْتِ الْمُعَمِّرِ فَعَلَى هَذَا يَمْلِكُونَ الرِّقَابَ وَالْمَنَافِعَ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ) الْمُعَيَّنِينَ (فَنُصِيبُهُ) يُقْسَمُ (عَلَى) رُءُوسِ (مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُمْرِ لِوُقُوعِهِ ظَرْفًا لَهَا. وَقَوْلُهُ: الْعُرْفِيَّةُ مَنْسُوبَةٌ لِلْعُرْفِ أَيْ عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهَا مَعْنًى آخَرَ لُغَوِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مُفَادُ الْمِصْبَاحِ أَنَّ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: هِبَةُ مَنَافِعَ إلَخْ] هَذَا التَّعْرِيفُ نَقَلَهُ بَهْرَامُ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى الظَّرْفِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ: تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ حَيَاةَ الْمُعْطِي. [قَوْلُهُ: هِبَةُ مَنَافِعَ] أَيْ بِدُونِ عِوَضٍ وَإِلَّا فَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ. [قَوْلُهُ: مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ] أَخْرَجَ الْحَبْسَ وَالْعَارِيَّةَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ] وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْمَرَهَا عَقِبَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُفَادُهُ أَنَّهُ مَا أَعْمَرَهَا إلَّا لِلْعَقِبِ فَقَطْ، وَأَمَّا هَذِهِ الصُّورَةُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ كَابْنِ عَرَفَةَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: كَانَتْ عُمْرَى أَيْضًا] إلَّا أَنَّهَا عُمْرَى مَجَازًا وَعَارِيَّةٌ حَقِيقَةً، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهَا عُمْرَى حَقِيقَةً. [قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ قَالَ إلَخْ] أَيْ أَوْ سَكَّنْتُك فَلِذَلِكَ قَالَ الْبِسَاطِيُّ: وَأَفَادَ أَيْ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ كَأَعْمَرْتُكَ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى لَفْظِ أَعْمَرْتُكَ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: وَهَبْت لَك غَلَّتَهَا مُدَّةَ عُمُرِي كَانَتْ عُمْرَى وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ. قَالَ: فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعُمْرِ فَهَلْ ذَلِكَ مَقْصُودٌ أَوْ اتِّفَاقٌ قُلْت: هُوَ مَقْصُودٌ حَتَّى لَوْ قَالَ وَهَبْتُك مَنَافِعَ الدَّارِ وَلَمْ يُقَيِّدْ خَرَجَتْ إلَى بَابٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: حُكْمُ الْعُمْرَى الْجَوَازُ] بَلْ النَّدْبُ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَهِيَ فِي الْأَرْكَانِ كَالْهِبَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ الْقِيَاسُ أَلَّا تَجُوزَ] أَيْ لِلْجَهَالَةِ إذْ لَا يُدْرَى هَلْ يَعِيشُ الْمُعَمَّرُ بِالْفَتْحِ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: فَهِيَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ] أَيْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَثْنَاةً بِالْفِعْلِ أَيْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِقَوْلِهِمْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حُكْمَهَا النَّدْبُ وَقَدْ تَعْرِضُ كَرَاهَتُهَا كَمَا إذَا أَعْمَرَهَا لِمَنْ يُخْشَى مِنْهُ فِعْلُ مَعْصِيَةٍ فِيهَا، وَقَدْ يَعْرِضُ تَحْرِيمُهَا كَمَا إذَا تَحَقَّقَ فِعْلُ الْمَعْصِيَةِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَتَعَذَّرُ عُرُوضُ وُجُوبِهَا وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ كَقَوْلِ شَخْصٍ لِمَالِكِ دَارٍ إنْ لَمْ تُعْمِرْهَا فُلَانًا قَتَلْتُكَ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَلَا يَتَّصِفُ فِعْلُهُ بِالْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ هَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ] كَلَامُ بَعْضِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَكَذَلِكَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا خَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ مَوْتِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَرَثَتُهُ أَيْ لِوَرَثَتِهِ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْمَرْجِعِ، فَإِذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ رَقِيقٍ أَوْ كَافِرٍ وَأَخٍ أَوْ عَمٍّ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَمُتْ الْمُعَمَّرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ حَتَّى عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ الِابْنُ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْأَخِ لَا لِلِابْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا حِينَ مَوْتِهِ. وَقَوْلُهُ: مِلْكًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ الْعَائِدِ عَلَى الدَّارِ لِتَأَوُّلِهِ بِالْمَمْلُوكَةِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ رَجَعَتْ رُجُوعَ الْمِلْكِ. تَتِمَّةٌ: حَوْزُ الْعُمْرَى كَالْحَوْزِ فِي الْهِبَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. [قَوْلُهُ: الْمُعَيَّنِينَ] حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ أَنَّهُ إذَا قَالَ مَثَلًا: هَذَا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَلَمْ يُرَتِّبْ

بَقِيَ) مِنْ أَصْحَابِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ (وَيُؤْثَرُ فِي الْحَبْسِ أَهْلُ الْحَاجَةِ بِالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ) مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ لَا يُفَضَّلُ ذُو الْحَاجَةِ عَلَى الْغَنِيِّ فِي الْحَبْسِ إلَّا بِشَرْطٍ مِنْ الْمُحْبِسِ، وَفَرَّقَ ابْنُ نَافِعٍ فَسَوَّى بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي السُّكْنَى بِخِلَافِ الْغَلَّةِ (وَمَنْ سَكَنَ) مِنْ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِمْ (فَلَا يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ) ج: زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ اسْتَغْنَى بَعْدَ أَنْ سَكَنَ لِأَجْلِ فَقْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ سَكَنَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنْ كَانَ خُرُوجَ انْقِطَاعٍ سَقَطَ حَقُّهُ وَكَانَ مَنْ سَكَنَ أَوْلَى وَإِلَّا فَلَا، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ شَرْطٌ فَيَمْضِي) أَيْ فَيَنْفُذُ هَلْ يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ: وَيُؤْثَرُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ وُجُودِهِمْ وَلَا يُمْنَعُ وَلَدُ الْوَلَدِ بِوُجُودِ أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ، وَلِذَا يُنْتَقَضُ الْقَسْمُ بِحُدُوثِ وَلَدٍ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ أَوْ لِآبَائِهِمْ كَمَا يُنْتَقَضُ بِمَوْتِ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْعَ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ أَصْلِهِ وَلَوْ صَغِيرًا فِي غَيْرِ دُورِ السُّكْنَى، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ بُيُوتَ سُكْنَى فَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّكَرُ مَعَ أَبِيهِ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَلَا تُعْطَى لِأَنَّهَا فِي كَفَالَةِ أَبِيهَا، وَأَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَوْلَادِ فُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَهَكَذَا فَإِنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَلَا يَنْتَقِلُ لِأَخِيهِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ. وَلَوْ قَالَ: الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا تَحْجُبُ السُّفْلَى لِأَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ يَحْجُبُ فَرْعَ نَفْسِهِ لَا فَرْعَ غَيْرِهِ، وَإِذَا قُسِمَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمُعَيَّنِينَ فَيُعْطَى الْفَقِيرُ كَالْغَنِيِّ وَالصَّغِيرُ كَالْكَبِيرِ وَالْأُنْثَى كَالذَّكَرِ إلَّا لِشَرْطِ خِلَافِهِ فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ إلَّا فِي مُرَاجَعِ الْأَحْبَاسِ فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَا يُزَادُ الْفَقِيرُ عَلَى الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَا يُحَاطُ بِهِمْ كَالْفُقَرَاءِ. تَنْبِيهٌ: احْتَرَزَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمُعَيَّنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ كَبَنِي زُهْرَةَ أَوْ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْقِسْمَةِ لَا مَنْ مَاتَ أَوْ غَابَ قَبْلَهَا [قَوْلُهُ: يُقْسَمُ إلَخْ] قَدَّرَهُ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ بَقِيَ. [قَوْلُهُ: مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ] لَمْ يَكُنْ يُبْدِي الْكَبِيرَ، وَذَكَرَ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ نَاجِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ فَلَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ تَارَةً يَكُونُ بَعْدَ الطِّيبِ فَهَذَا حَظُّهُ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ قَبْلَ الْإِبَارِ فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ بَعْدَ الْإِبَارِ وَقَبْلَ الطِّيبِ فَقِيلَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ اُنْظُرْ تَمَامَ الْأَقْوَالِ فِي ابْنِ نَاجِي. وَقَوْلُهُ: فَلَا شَيْءَ لِوَرَثَتِهِ اتِّفَاقًا أَيْ وَيَكُونُ لِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ الْحَبْسِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْثِرُ] أَيْ يَجِبُ عَلَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ أَنْ يُؤْثِرَ فِي قَسْمِ الْحَبْسِ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعِيَالِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِالسُّكْنَى وَالْغَلَّةِ بِاجْتِهَادٍ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْإِرْفَاقُ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقْرًا أَوْ غِنًى فَإِنَّهُ يُؤْثِرُ الْأَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنِينَ فَإِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْجَمِيعِ وَلَا يُفَضِّلُ فَقِيرًا عَلَى غَنِيٍّ وَلَا أُنْثَى عَلَى ذَكَرٍ وَيُعْطِي الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ بِخِلَافِهِ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ فَلَا يُعْطِي إلَّا الْحَاضِرَ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، وَهَلْ مَعْنَى الْإِيثَارِ التَّفْضِيلُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ عَلَى غَيْرِهِ فُسِّرَ بِكُلٍّ وَجَعَلَ عج الثَّانِيَ أَحْسَنَ وَعَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ يُعْطِي الْمُحْتَاجَ وَلَوْ لَمْ يَفْضُلْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] أَيْ إلَّا لِشَرْطٍ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ سَكَنَ بِوَصْفِ الْأَحْوَجِيَّةِ ثُمَّ اسْتَغْنَى فَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ مُحْتَاجًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالِاحْتِيَاجِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الدَّوَامِ، وَلِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ فَإِنَّهُ سَبَقَ غَيْرَ الْأَحْوَجِ وَسَكَنَ أُخْرِجَ فَإِنْ تُسَاوَوْا فِي الْحَاجَةِ فَمَنْ سَبَقَ بِالسَّكَنِ فَهُوَ أَحَقُّ. [قَوْلُهُ: خُرُوجَ انْقِطَاعٍ إلَخْ] وَمِثْلُ الِانْقِطَاعِ السَّفَرُ الْبَعِيدُ وَهُوَ الَّذِي يُظَنُّ مِنْهُ عَدَمُ الرُّجُوعِ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا] أَيْ بِأَنْ سَافَرَ قَرِيبًا لِيَرْجِعَ فَإِنَّهُ يَبْقَى عَلَى حَقِّهِ إلَى أَنْ يَعُودَ فَلَهُ أَنْ يُكْرِي مَسْكَنَهُ إلَى أَنْ يَعُودَ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ يُحْمَلُ عَلَى الْعَوْدِ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِيَاسُ مِنْ عَوْدِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْمٍ مَحْصُورِينَ كَفُقَرَاءِ الْمَغَارِبَةِ مَثَلًا أَوْ عَلَى ذُرِّيَّةِ فُلَانٍ الْفُقَرَاءِ، وَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ مَوْصُوفِينَ بِوَصْفٍ كَالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ سَكَنَ وَاحِدٌ

[مطلب في الرهن]

الْحَبْسِ إلَخْ أَوْ يَعُودُ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ سَكَنَ إلَخْ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ قَدِمَ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ لَهُ أَوْ يَقُولَ إنَّمَا يَسْكُنُ السَّاكِنُ شَهْرًا وَيَخْرُجُ فَيَمْضِي كُلُّ مَا اشْتَرَطَ فِي أَصْلِ الْحَبْسِ (وَلَا يُبَاعُ الْحَبْسُ وَإِنْ خَرِبَ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَقَائِهِ ضَرَرٌ أَمْ لَا، وَاسْتَثْنَى فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ ذَلِكَ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِتَوْسِعَةِ مَسْجِدٍ (وَيُبَاعُ الْفَرَسُ الْحَبْسُ يَكْلَبُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ وَالْكَلَبُ شَيْءٌ يَعْتَرِي الْخَيْلَ كَالْجُنُونِ. (وَ) إذَا بِيعَ فَإِنَّهُ (يَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي) شِرَاءِ فَرَسٍ (آخَرَ) مِثْلِهِ إذَا لَحِقَ ثَمَنُهُ ذَلِكَ (أَوْ يُعَانُ بِهِ فِيهِ) بِأَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَلْحَقْ ثَمَنُهُ ذَلِكَ فَيَشْتَرِي بِهِ فَرَسًا آخَرَ. ج: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ وَلَا لَحِقَ ثَمَنُهُ الْفَرَسَ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ فِي الْجِهَادِ (وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ بِالرَّبْعِ) الْحَبْسِ (الْخَرِبِ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ) وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْمُعَاوَضَةِ، وَرَخَّصَ فِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ فِي بَيْعِ رَبْعٍ دَائِرٍ وَبِئْرٍ تَعَطَّلَ وَيُعَوَّضُ بِهِ رَبْعٌ وَنَحْوُهُ وَيَكُونُ حَبْسًا (مَطْلَبُ الرَّهْنِ) . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرَّهْنِ وَهُوَ لُغَةً اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ وَاصْطِلَاحًا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ بَدَلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ أَوْ غَرَرًا. وَلَوْ اشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ مَنْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوَصْفِهِ وَزَالَ وَصْفُهُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ] أَيْ لِقُرْبِهِ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ لَا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ رُجُوعُهُ لَهُمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: فِي أَصْلِ الْحَبْسِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرِبَ] بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَنْقَاضِهِ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَيْعَهُ فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ إلَخْ] وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمُقَابِلُهُ إنْ كَانَ فِي بَقَائِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُرْجَى عَوْدُ مَنْفَعَتِهِ جَازَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَقَائِهِ ضَرَرٌ وَيُرْجَى عَوْدُ مَنْفَعَتِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ خَرِبَ وَلَمْ يُرْجَ عَوْدُ مَنْفَعَتِهِ مَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: لِتَوْسِعَةِ مَسْجِدٍ] أَيْ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ لَا غَيْرِهِ فَلَا يُبَاعُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمِيضَأَةِ، وَمِثْلُ تَوْسِعَةِ الْمَسْجِدِ تَوْسِعَةُ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَقْبَرَتِهِمْ لِأَنَّ نَفْعَ الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِ الْوَقْفِ فَهُوَ قَرِيبٌ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ، وَيُسْتَبْدَلُ بِالثَّمَنِ خِلَافُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْيَاءِ] مُضَارِعُ كَلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَصْدَرُ كَلَبًا بِفَتْحِهَا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَمِثْلُ الْكَلَبِ الْهَرَمُ وَالْمَرَضُ وَكَذَا كُلُّ مَا تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ كَالْكَبِيرِ مِنْ الْإِنَاثِ الْمَوْقُوفَةِ لِنَسْلِهَا أَوْ لِعَمَلِهَا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ فِي الْجِهَادِ] أَيْ فِي الْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، فَثَمَنُ الْفَرَسِ يُفَرَّقُ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ، وَثَمَنُ الْحَيَوَانِ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ، وَثَمَنُ الثَّوْبِ الْخَلَقِ عَلَى الْعُرَاةِ. [قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ إلَخْ] حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ بِأَنْ يُعَاوَضَ الرَّبْعُ الْخَرِبُ بِرَبْعٍ غَيْرِ خَرِبٍ فَيَدْفَعُهُ بِعَيْنِهِ فِي الرَّبْعِ الصَّحِيحِ، وَحَمَلَهُ آخَرُ عَلَى أَنَّهُ يُبَاعُ الرَّبْعُ الْخَرِبُ وَيُشْتَرَى بِقِيمَتِهِ مِثْلًا صَحِيحًا فَيَصِيرُ مَا كَانَ حَبْسًا غَيْرَ حَبْسٍ، وَمَا لَيْسَ بِحَبْسٍ حَبْسًا فَالْمُبَاعُ يَكُونُ غَيْرَ حَبْسٍ وَالْمُشْتَرَى يَكُونُ حَبْسًا قَائِلًا هُوَ الْبَيِّنُ اهـ. تت وَالرَّبْعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الدَّارُ بِعَيْنِهَا حَيْثُ كَانَتْ وَجَمْعُهَا رِبَاعٌ وَرُبُوعٌ وَأَرْبَاعٌ وَأَرْبُعُ كَذَا فِي التَّنْبِيهِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ] مُقَابِلُ الْمَذْهَبِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَبِئْرٌ تَعَطَّلَ] أَيْ تُرِكَتْ لِهَلَاكِ أَهْلِهَا. [قَوْلُهُ: وَيُعَوَّضُ بِهِ رَبْعٌ وَنَحْوُهُ] أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُبَاعُ رَبْعًا أَيْ أَوْ بِئْرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُبَاعُ بِئْرًا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. خَاتِمَةٌ: الْمِلْكُ لِلْوَاقِفِ وَلَوْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّ لَهُ وَلِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيدُ إصْلَاحَهُ وَإِذَا اُكْتُرِيَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَكْثَرَ، وَأَمَّا إذَا كُرِيَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ زَمَنَ الْعَقْدِ فَلَا يُفْسَخُ كِرَاؤُهُ لِأَجْلِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا. [مَطْلَبُ فِي الرَّهْنِ] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرَّهْنِ] لَمَّا كَانَ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْوَقْفِ مُنَاسَبَةٌ مِنْ جِهَةِ تَوَقُّفِ التَّمَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ] أَيْ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ مُفَسَّرٌ بِاللُّزُومِ وَمُفَسَّرٌ بِالْحَبْسِ، أَيْ إلَّا أَنَّ الْمَصْدَرَ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: اللُّزُومُ وَالْحَبْسُ يُقَالُ هَذَا رَهْنٌ لَك

الْبَيْعُ الْمُكَلَّفُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيَّزُ، وَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ الْغَيْرُ الْمُمَيَّزِ، وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: مَا يُبَاعُ الطَّاهِرُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ الْمَقْدُورُ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْمَعْلُومُ غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَخَرَجَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَنَحْوُهُمَا أَوْ غَرَرًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا كَالْآبِقِ أَيْ يَجُوزُ رَهْنُهُ وَقَوْلُهُ: وَثِيقَةً مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يُعْطَى لِلتَّوَثُّقِ بِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ الرَّاهِنُ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ لَبِيعَ الرَّهْنُ وَوُفِّيَ الدَّيْنُ مِنْهُ. وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ. الْأَوَّلُ: الْعَاقِدُ وَهُوَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْبَيْعُ. الثَّانِي: الْمَرْهُونُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ مِنْ مَنَافِعِهِ الدَّيْنُ الَّذِي رُهِنَ بِهِ أَوْ بَعْضُهُ. الثَّالِثُ: الْمَرْهُونُ بِهِ وَلَهُ شَرْطَانِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ يَكُونَ لَازِمًا أَوْ صَائِرًا إلَى اللُّزُومِ كَالْجُعْلِ بَعْدَ الْعَمَلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مَحْبُوسٌ دَائِمٌ لَك. [قَوْلُهُ: دَخَلَ فِي قَوْلِهِ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ الْمُكَلَّفُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ] فَيَصِحُّ مِنْ الْمُمَيِّزِ وَالسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِمْ، ثُمَّ إذَا تَلِفَ مَا رَهَنَاهُ قَبْلَ رِضَا وَلِيِّ كُلٍّ فَيَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ ضَمَانَ عَدَاءٍ حَيْثُ عَلِمَ بِعَدَمِ لُزُومِ رَهْنِ كُلٍّ لَا ضَمَانَ رِهَانٍ، وَرَهْنُ السَّكْرَانِ كَبَيْعِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ كَالْبَيْعِ وَقَوْلُهُ: خَرَجَ الْمَجْنُونُ إلَخْ أَيْ فَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذَيْنِ. [قَوْلُهُ: الطَّاهِرُ الْمُنْتَفَعُ بِهِ] دَخَلَ فِيهِ الْمُعَارُ لِلرَّهْنِ وَالدَّيْنِ وَوَثِيقَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَبَيْعُ مَا فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رَهْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْعَدَاءِ إلَى ضَمَانِ الرِّهَانِ وَيَكْفِي فِي الصِّحَّةِ الْعَزْمُ عَلَى الرَّدِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَرَرًا] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا أَيْ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، أَيْ إذَا غُرِّرَ أَيْ يَجُوزُ رَهْنُهُ وَلَوْ شُرِطَ رَهْنُ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ بِغَيْرِ وَثِيقَةٍ فَجَازَ أَخْذُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ غَرَرٍ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ لَا شَيْءَ، وَمِثْلُ الْآبِقِ الْبَعِيرُ الشَّارِدُ أَيْ لِخِفَّةِ غَرَرِهِمَا بِخِلَافِ مَا اشْتَدَّ غَرَرُهُ كَالْجَنِينِ فَلَا يَصِحُّ رَهْنُهُ لِقُوَّةِ الْغَرَرِ فِيهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْآبِقُ مَقْبُوضًا حَالَ حُصُولِ الْمَانِعِ فَإِنْ قَبَضَ قَبْلَ الْمَانِعِ ثُمَّ أَبَقَ وَحَصَلَ الْمَانِعُ حَالَ إبَاقِهِ كَانَ مُرْتَهِنُهُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. [قَوْلُهُ: لِلتَّوَثُّقِ] مُفَادُهُ أَنَّ وَثِيقَةً مَصْدَرٌ أَيْ وَيَكُونُ نَاصِبُهُ قَوْلُهُ: بُذِلَ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِحَقٍّ بِمَعْنَى فِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ: مَا يُبَاعُ أَوْ غَرَرًا وَالتَّقْدِيرُ حَالَةَ كَوْنِ مَا ذَكَرَ مُوَثَّقًا بِهِ فِي حَقٍّ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا بُذِلَ لَا لِلتَّوَثُّقِ بَلْ لِلتَّمَلُّكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالِانْتِفَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَنَحْوِهِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَقِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا بِالْفِعْلِ أَوْ سَيُوجَدُ. [قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ الْعَاقِدُ] أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَهُوَ الْقَابِضُ لَهُ وَشَرْطُهُمَا التَّأَهُّلُ لِلْبَيْعِ صِحَّةً وَلُزُومًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْفَى مِنْهُ] أَيْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ ذَهَبًا وَالدَّيْنُ ذَهَبًا مَثَلًا إلَّا أَنَّ صِحَّةَ رَهْنِ الْمِثْلِيِّ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَنْ يُطْبَعَ عَلَيْهِ طَبْعًا لَا يُقْدَرُ عَلَى فَكِّهِ غَالِبًا بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ عُلِمَ بِزَوَالِهِ حِمَايَةً لِلذَّرَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَا قَبْضَهُ عَلَى جِهَةِ السَّلَفِ وَسَمَّيَاهُ رَهْنًا، وَاشْتِرَاطُ السَّلَفِ فِي الْمُدَايِنَةِ مَمْنُوعٌ وَالتَّطَوُّعُ بِهِ هِبَةُ مِدْيَانٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَمِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ الْحُلِيُّ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ الطَّبْعُ حَيْثُ جُعِلَ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ، أَمَّا لَوْ جُعِلَ بِيَدِ أَمِينٍ فَيَصِحُّ وَلَوْ لَمْ يُطْبَعْ عَلَيْهِ، وَمَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الطَّبْعَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ ظَاهِرُ خَلِيلٍ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الرَّهْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ] كَأَنْ يَكُونَ كِتَابًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَنَافِعِهِ كَدَارٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ قَدْرَ الدَّيْنِ بَلْ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ] أَيْ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا فِي مَنْفَعَتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اسْتِيفَاءِ الْمُعَيَّنِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ مِنْ ذَاتِ الرَّهْنِ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَشْتَرِيَ دَابَّةً فَيَخَافُ الْمُشْتَرِي أَنْ تُسْتَحَقَّ فَيَقُولَ لِلْبَائِعِ: أَعْطِنِي رَهْنًا عَلَى تَقْدِيرِ إذَا اُسْتُحِقَّتْ الدَّابَّةُ مِنِّي آخُذُهَا بِعَيْنِهَا مِنْ ذَاتِ الرَّهْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَكْتَرِيَ مِنْهُ دَابَّةً فَيَقُولُ الْمُكْتَرِي لِلْمُكْرِي: إنِّي أَخَافُ أَنْ تُسْتَحَقَّ مِنْ يَدِي أَعْطِنِي رَهْنًا، فَعَلَى تَقْدِيرِ اسْتِحْقَاقِهَا آخُذُ الْمَنَافِعَ بِعَيْنِهَا مِنْ ذَاتِ الرَّهْنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ صَائِرًا إلَى اللُّزُومِ] كَالْجُعْلِ بَعْدَ

أَمَّا مَا كَانَ فِي أَصْلِهِ غَيْرَ لَازِمٍ وَلَا صَائِرًا لِلُّزُومِ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ فَلَا يَكُونُ رَهْنٌ بِهِ. الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِيهِمَا بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ. وَحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالرَّهْنُ جَائِزٌ) حَضَرًا وَسَفَرًا. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 283] أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ السَّفَرَ لِغَلَبَةِ فِقْدَانِ الْكَاتِبِ الَّذِي هُوَ الْبَيِّنَةُ فِيهِ، وَأَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى طَعَامًا بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَ فِيهِ دِرْعَهُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» (وَلَا يَتِمُّ) الرَّهْنُ (إلَّا بِالْحِيَازَةِ) ظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْقَبْضِ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ الْمُرْتَهِنُ بِهِ عَنْ الْغُرَمَاءِ إلَّا بِالْقَبْضِ. ابْنُ الْحَاجِبُ فَإِنْ تَرَاخَى إلَى الْفَلَسِ أَوْ الْمَوْتِ بَطَلَ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ مُجِدًّا عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ مَعَ الْجِدِّ أَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَمْ يُكْتَفْ فِيهِ بِالْجِدِّ فِي الطَّلَبِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ فَإِنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ وَاهِبِهِ (وَلَا تَنْفَعُ الشَّهَادَةُ فِي حِيَازَتِهِ إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ) ع: هَذَا فِيمَا يُبَانُ وَيُنْقَلُ، وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ مَا لَا يُبَانُ وَلَا يُنْقَلُ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَنْفَعُ فِيهِ عَلَى إقْرَارِهِمَا وَتَرْتَفِعُ يَدُ الرَّاهِنِ عَنْهُ، فَإِذَا رَهَنَهُ مَا يُبَانُ بِهِ وَيُنْقَلُ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حِيَازَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الرَّاهِنِ بِعَارِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلِ لَا كَكِتَابَةٍ وَجُعْلٍ قَبْلَ الْعَمَلِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ رَهْنٌ بِهِ] أَيْ لَا يَصِحُّ رَهْنٌ بِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِيهِمَا] كَذَا فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالْمُنَاسِبُ فِيهَا بِالْإِفْرَادِ كَمَا هُوَ فِي التَّحْقِيقِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَوَاهِرِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الصِّيغَةِ، بَلْ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَا أَشَارَ] أَيْ الْجَوَازُ الَّذِي أَشَارَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 283]] أَيْ مُسَافِرِينَ أَوْ مُتَوَجِّهِينَ أَيْ {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا} [البقرة: 283] فِي الْمَدِينَةِ {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَيْ فَاَلَّذِي يُسْتَوْثَقُ بِهِ رِهَانٌ إلَخْ. أَبُو السُّعُودِ. يَجُوزُ الرَّهْنُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْكَاتِبِ. [قَوْلُهُ: وَرَهَنَ فِيهِ دِرْعَهُ] أَيْ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَكَانَتْ تِلْكَ الدِّرْعُ الْمَرْهُونَةُ تُسَمَّى بِذَاتِ الْفُضُولِ قَالَ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَطُولِهَا وَكَانَتْ مِنْ حَدِيدٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ دِرْعَهُ لَمَرْهُونَةٌ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتِّينَ صَاعًا شَعِيرًا رِزْقًا لِعِيَالِهِ وَكَانَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَبْعَةُ أَدْرُعٍ» . [قَوْلُهُ: إلَّا بِالْحِيَازَةِ إلَخْ] أَيْ بِضَمِّ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ مُجِدًّا عَلَى الْأَشْهَرِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ مَعَ الْجِدِّ لَا تَبْطُلُ. [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ. . . إلَخْ] وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ وَضْعِ الرَّهْنِ تَحْتَ يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَطَلَبَ وَضْعَهُ عِنْدَ أَمِينٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَمْرِ فَيَنْظُرُ الْحَاكِمُ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِمُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ] أَيْ لِحَوْزِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ لِلرَّهْنِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى التَّحْوِيزِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ وَصَيْرُورَتُهُ فِي حَوْزِهِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ لِلْقَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وُجِدَتْ سِلْعَةُ الْمِدْيَانِ بِيَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمِدْيَانِ أَوْ فَلَسِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا رَهْنٌ عِنْدَهُ وَحَازَهَا قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَوْزُهُ وَلَا تَحْوِيزُهُ. وَلَوْ شَهِدَ الْأَمِينُ الَّذِي وُضِعَ الرَّهْنُ تَحْتَ يَدِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْحَوْزُ وَالْبَيِّنَةُ هُنَا وَلَوْ الْوَاحِدُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ مَالٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَ الْمَانِعِ وَعَدْلَانِ عَلَى عَدَمِ الْحَوْزِ فَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ بِالْحَوْزِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَتِلْكَ نَافِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَيَنْقُلُ] عَطْفٌ تَفْسِيرُهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَنْفَعُ فِيهِ عَلَى إقْرَارِهِمَا] أَيْ بِالْحِيَازَةِ كَمَا هُوَ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: وَتَرْتَفِعُ يَدُ الرَّاهِنِ عَنْهُ أَيْ يَطْلُبُ أَنْ تَرْتَفِعَ يَدُ الرَّاهِنِ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ قَرَارُهُمَا بِالرَّهْنِيَّةِ، وَبَعْدُ فَهَذَا الْكَلَامُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ الْحِيَازَةَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَانِعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُبَانُ وَيُنْقَلُ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: بِعَارِيَّةٍ] أَيْ مُطْلَقَةٍ أَيْ لَمْ

قَالَهُ مَالِكٌ اهـ . (وَضَمَانُ الرَّهْنِ) بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ (مِنْ الْمُرْتَهِنِ) بِكَسْرِ الْهَاءِ آخِذِ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَمِينٍ فَإِنَّهُ مِنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ دَافِعُ الرَّهْنِ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ الضَّمَانُ (فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ) كَالْحُلِيِّ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَلَا يَضْمَنُ (وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ) كَالدُّورِ وَالْحَيَوَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَلَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ نَفْيَ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَطَ الرَّاهِنُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: الشَّرْطُ لَازِمٌ وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَالشَّرْطُ لَازِمٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَعَلَى الضَّمَانِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ ضَاعَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَيِّدْهَا بِزَمَنٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرَّهْنِ، فَالْمُطْلَقَةُ هِيَ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الرَّدُّ فِي الْأَجَلِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ فِيهَا ذَلِكَ فَمَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الرَّدُّ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ تُقَيَّدَ بِزَمَنٍ أَوْ عَمَلٍ يَنْقَضِي قَبْلَ الْأَدَاءِ، أَوْ كَانَ الْعُرْفُ كَذَلِكَ فَهِيَ الْمُقَيَّدَةُ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِنْ الرَّاهِنِ. [قَوْلُهُ: أَوْ هِبَةٌ] أَيْ وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِلرَّاهِنِ أَيْ وَهَبَ لَهُ مَنْفَعَتَهَا كَأَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ اكْتَرَاهُ مِنْ الرَّاهِنِ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا لَوْ رَدَّهَا لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْوَدِيعَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَلَّامَةَ خَلِيلٌ، قَدْ قَالَ: وَعَلَى الرَّدِّ أَوْ اخْتِيَارًا لَهُ أَخْذُهُ أَيْ إذَا أَعَارَهُ عَلَى الرَّدِّ أَوْ رَجَعَ لِلرَّاهِنِ بِاخْتِيَارٍ مِنْ الْمُرْتَهِنِ عَلَى طَرِيقِ الْوَدِيعَةِ أَوْ إكْرَاهٍ لَهُ فَلَهُ أَخْذُهُ فَلَا بُطْلَانَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْبُطْلَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَامَ عَلَى الرَّاهِنِ الْغُرَمَاءُ وَالرَّهْنُ عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ] أَيْ فِيمَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ كَحُلِيٍّ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ سَفِينَةٍ فِي حَالِ جَرْيِهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ] أَيْ أَوْ ضَيَاعِهِ أَيْ بِغَيْرِ سَبَبِهِ وَغَيْرِ تَفْرِيطِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] أَيْ مَا لَا يُمْكِنُ إخْفَاؤُهُ أَيْ مَا لَمْ يَدَّعِ تَلَفَ دَابَّةٍ مَثَلًا وَلَهُ جِيرَانٌ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا رَأَوْهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الرَّهْنَ حِينَئِذٍ لِثُبُوتِ كَذِبِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعَ الرُّفْقَةِ فِي السَّفَرِ وَادَّعَى مَوْتَ الدَّابَّةِ وَكَذَّبَهُ الْعُدُولُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَمِثْلُ تَكْذِيبِ الْعُدُولِ سُكُوتُهُمْ وَعَدَمُ تَصْدِيقِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْعُدُولِ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرُ. وَانْظُرْ إذَا كَذَّبَهُ عَدْلٌ وَامْرَأَتَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْحَيَوَانُ] وَلَوْ طَيْرًا وَكَالزَّرْعِ وَالثِّمَارِ قَبْلَ الْحَصَادِ وَالْقَطْعِ وَكَسَفِينَةٍ فِي مِرْسَاةٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا خَرَّجَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ضَمَانَةٌ مِنْ رِوَايَةِ ضَمَانِ الْمَحْبُوسَةِ لِلثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطُ بَاطِلٌ] هَذَا جَوَابُ لَوْ وَكَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ صُورَةِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَصُورَةِ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوَّلِ أَعْنِي مَا يُغَابُ عَلَيْهِ إذَا اشْتَرَطَ فِيهِ عَدَمَ الضَّمَانِ وَلِذَلِكَ عَلَّلُوا اللُّزُومَ بَعْدَ الْعَقْدِ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِقَوْلِهِمْ: لِأَنَّ تَطَوُّعَهُ بِالرَّهْنِ مَعْرُوفٌ، وَإِسْقَاطَ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ فَهُوَ إحْسَانٌ عَلَى إحْسَانٍ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الضَّمَانِ] أَيْ وَعَلَى اعْتِبَارِ الضَّمَانِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ ضَاعَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَلَمْ يَذْكُرْ مُقَابِلَهُ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ. أَوَّلُهُمَا: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَ الثَّانِيَ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يُرَى عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ رُئِيَ، وَانْظُرْ إذَا جُهِلَ يَوْمُ الضَّيَاعِ أَوْ يَوْمُ الْقَبْضِ أَوْ يَوْمُ الرُّؤْيَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ إلَخْ] هَذَا فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: لَقَدْ ضَاعَ فَيَأْتِي بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَضِعْ. وَقَوْلُهُ: وَلَا فَرَّطْت إلَخْ الْمُرَادُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ فَيَكْفِي وَاحِدٌ مِنْهَا يُضَمُّ لِلْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا طُلِبَ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِوَاحِدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُفَرِّطًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ يَأْتِي بِهِ مَضْمُونًا لِلَّفْظَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْأَوَّلِ وَوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ مَوْضِعَهُ. زَادَ اللَّقَانِيُّ: وَيَزِيدُ وَلَا يَظُنُّ مَوْضِعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمَعْرِفَةِ نَفْيُ الظَّنِّ وَهَذَا كُلُّهُ فِي دَعْوَى الضَّيَاعِ. وَأَمَّا دَعْوَى التَّلَفِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ قَدْ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ وَالدُّلْسَةُ الْحِيلَةُ أَيْ مَا تَحَيَّلْت فِي إخْفَائِهِ، وَأَمَّا مَا يُغَابُ عَلَيْهِ الَّذِي يَضْمَنُ فِيهِ الْقِيمَةَ فَيَحْلِفُ مُتَّهَمًا أَمْ لَا فِي دَعْوَى التَّلَفِ أَنَّهُ تَلِفَ بِلَا دُلْسَةٍ، وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ أَنَّهُ ضَاعَ وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ وَلَا

[أحكام العارية]

لَقَدْ ضَاعَ وَلَا فَرَّطْت وَلَا ضَيَّعْت وَلَا تَعَدَّيْت وَلَا أَعْرِفُ مَوْضِعَهُ وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ لَا يَحْلِفُ إلَّا عَلَى عَدَمِ التَّفْرِيطِ خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي إخْفَائِهِ (وَثَمَرَةُ النَّخْلِ الرَّهْنُ لِلرَّاهِنِ) وَهُوَ دَافِعُ الرَّهْنِ كَانَتْ الثِّمَارُ مَوْجُودَةً أَوْ مَعْدُومَةً حِينَ الرَّهْنِ مَأْبُورَةً أَوْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ، فَإِنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ (وَكَذَلِكَ غَلَّةُ الدُّورِ) لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَهُ (وَالْوَلَدُ رَهْنٌ مَعَ الْأَمَةِ الرَّهْنِ تَلِدُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ) وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِ الْوَلَدِ فِي الرَّهْنِ لَمْ يَجُزْ (وَلَا يَكُونُ مَالُ الْعَبْدِ رَهْنًا مَعَهُ إلَّا بِشَرْطٍ) كَانَ مَالُهُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا لِأَنَّ رَهْنَ الْغَرَرِ جَائِزٌ (وَمَا هَلَكَ بِيَدِ أَمِينٍ) مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ (فَهُوَ مِنْ الرَّاهِنِ) دُونَ الْأَمِينِ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَمِينِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعَارِيَّةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِبُ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ: الْمُعِيرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَظُنُّهُ وَإِنَّمَا حَلَفَ فِيهِمَا مَعَ ضَمَانَةِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ لِلِاتِّهَامِ عَلَى تَغْيِيبِهِ وَإِخْفَائِهِ رَغْبَةً فِيهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِهِ وَلَمْ تَشْهَدْ مَعَ ذَلِكَ بِتَلَفِهِ بِغَيْرِ سَبَبِهِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَيَضْمَنُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَإِتْيَانِهِ بِبَعْضِهِ مُحَرَّقًا وَلَا يُعْلَمُ احْتِرَاقُ مَحِلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ إذْ لَا يُتَّهَمُ عَلَى أَنَّهُ غَيَّبَهُ كَشَهَادَتِهَا عَلَيْهِ بِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ أَوْ مُجْمَلًا فَيَضْمَنُهُ، وَلَا يَحْلِفُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَلِفِ نَفْيُ الضَّمَانِ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ] أَيْ الَّذِي هُوَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا ضَمَانَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا عَدَمَ التَّفْرِيطِ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا فَرَّطَ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي إخْفَائِهِ أَيْ فَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الضَّيَاعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَسْتَمِرُّ ضَمَانُ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ قُبِضَ الدَّيْنُ أَوْ وُهِبَ إلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ لِرَبِّهِ بَعْدَ بَرَاءَتِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ضَاعَ فَضَمَانُهُ مِنْ رَبِّهِ سَوَاءٍ. قَالَ: أَتْرُكُهُ عِنْدَك أَوَّلًا أَوْ دَعَاهُ لِأَخْذِهِ فَقَالَ: اُتْرُكْهُ عِنْدَك فَضَاعَ لِأَنَّهُ صَارَ فِي الْحَالَتَيْنِ كَالْوَدِيعَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً إلَخْ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ أَيْ مُطْلَقًا مَوْجُودَةً يَوْمَ الرَّهْنِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ غَلَّةُ الدُّورِ لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ وَمِثْلُ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْعَبْدِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ] أَيْ إدْخَالَهُ فِي الرَّهْنِ. [قَوْلُهُ: مَعَ الْأَمَةِ الرَّهْنُ] سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ أَوْ حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَمِثْلُ الْأَمَةِ سَائِرُ الْحَيَوَانِ الْمَرْهُونِ، وَمِثْلُ الْوَلَدِ فِي الدُّخُولِ فِي الرَّهْنِيَّةِ الصُّوفُ التَّامُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّوفِ وَالثَّمَرَةِ أَنَّ الصُّوفَ التَّامَّ سِلْعَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَقْتَ الرَّهْنِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى إدْخَالِهِ فِي الرَّهْنِيَّةِ. [قَوْلُهُ: تَلِدُهُ بَعْدَ الرَّهْنِ] وَأَمَّا مَا انْفَصَلَ قَبْلَ الرَّهْنِيَّةِ فَلَا يَدْخُلُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِ الْوَلَدِ فِي الرَّهْنِ لَمْ يَجُزْ] أَيْ وَيَكُونُ الرَّهْنُ بَاطِلًا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِشَرْطٍ] أَيْ إلَّا بِشَرْطِ دُخُولِهِ فِي الرَّهْنِ، وَمِثْلُ مَالِ الْعَبْدِ بَيْضُ الطَّيْرِ لَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا بِشَرْطٍ. [أَحْكَام الْعَارِيَّةِ] [قَوْلُهُ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حُكِيَ فِي تَخْفِيفِهَا وَهِيَ اسْمُ مَصْدَرٍ، وَالْمَصْدَرُ إعَارَةٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الشَّيْءُ الْمُعَارُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ الَّذِي هُوَ التَّدَاوُلُ. [قَوْلُهُ: تَمْلِيكُ مَنَافِعِ الْعَيْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ] تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهَا إلَّا مَصْدَرًا وَالْعُرْفُ إنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا اسْمًا، وَاعْتَرَضَ بِكَوْنِهِ أَيْضًا غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ أَشْيَاءَ وَلِذَلِكَ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ فَيَخْرُجُ تَمْلِيكُ الذَّوَاتِ وَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَقَوْلُهُ: مُؤَقَّتَةٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِتَدْخُلَ الْمُعْتَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِإِخْرَاجِ الْحَبْسِ. فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ التَّأْبِيدُ أَوْ لِأَنَّ الْحَبْسَ فِيهِ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةُ فَتَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ: لَا بِعِوَضٍ خَرَجَ بِهِ الْإِجَارَةُ وَأَمَّا تَعْرِيفُهَا بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ وَهُوَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ: وَالْعَارِيَّةُ أَيْ مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِّكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ. [قَوْلُهُ: مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ إلَخْ] أَيْ فَإِعَارَةُ الْفُضُولِيِّ مِلْكَ الْغَيْرِ بَاطِلَةٌ كَهِبَتِهِ وَوَقْفِهِ وَسَائِرِ مَا أَخْرَجَهُ عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ لَا عَلَى عِوَضٍ كَبَيْعِهِ فَصَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا مَالِكِهِ [قَوْلُهُ: بِإِجَارَةٍ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِإِجَارَةٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَارِيَّةٍ لِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ إنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْمُعِيرُ لَهُ وَلَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ.

حَجْرٌ فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا عَبْدٍ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. الثَّانِي: الْمُسْتَعِيرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ عَلَيْهِ بِالْمُسْتَعَارِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ. الثَّالِثُ: الْمُسْتَعَارُ وَشَرْطُهُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الْمُسْتَعِيرُ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي تَبَرَّعَ الْمُعِيرُ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ قَرْضًا لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَّا لِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا، وَالْآخَرُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً فَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إعَارَةِ الْفُرُوجِ. الرَّابِعُ: مَا بِهِ تَكُونُ الْإِعَارَةُ نَحْوُ أَعَرْتُك وَخُذْ هَذَا عَارِيَّةً أَوْ أَعِرْنِي فَيَقُولُ: نَعَمْ أَوْ يُومِئُ بِرَأْسِهِ. وَحُكْمُهَا النَّدْبُ وَتَتَأَكَّدُ فِي الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْحَابِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وَمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ يُقْضَى وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» الْمِنْحَةُ الشَّاةُ الْمُسْتَعَارَةُ لِيُنْتَفَعَ بِلَبَنِهَا ج: وَمُؤَدَّاةٌ مَضْمُونَةٌ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ دِرْعَهُ فَقَالَ: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ: لَا بَلْ عَارِيَّةً مَضْمُونَةً» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: (وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ) ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (يَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ) إلَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: وَلَا عَبْدٌ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ] أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ بِالْأَعْوَاضِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْعَارِيَّةِ إلَّا مَا كَانَ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ، وَعَارِيَّةُ الزَّوْجَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ فَبَاطِلَةٌ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي يُنْظَرُ لِكَوْنِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُعَارَةِ لَا قِيمَةُ ذِي الْمَنْفَعَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْمُسْلِمِ] أَيْ إعَارَةُ الْغُلَامِ الْمُسْلِمِ لِخِدْمَةِ الذِّمِّيِّ وَلَا يَرِدُ أَنَّ هِبَةَ ذَاتِ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ مَمْنُوعَةٌ ابْتِدَاءً وَمَاضِيَةٌ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُجْبِرَ عَلَى إخْرَاجِهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ بِخِلَافِ هِبَةِ مَنْفَعَتِهِ أَوْ إعَارَتِهِ فَيَغْلِبُ فِيهِ قَصْدُ الْإِذْلَالِ، وَقِيلَ: بِالصِّحَّةِ وَتُبَاعُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةُ الْأَطْعِمَةِ] فَإِذَا أَعَارَهُ إرْدَبًّا مِنْ الْقَمْحِ بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَعَرْتُك هَذَا الْإِرْدَبَّ مَثَلًا فَتِلْكَ إعَارَةٌ بَاطِلَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْمُعِيرَ دَفْعُ ذَلِكَ الْإِرْدَبِّ لِلْمُسْتَعِيرِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا تَصِحُّ إعَارَةٌ، وَلِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا تَكُونُ قَرْضًا أَيْ وَحَيْثُ إنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا قَرْضًا فَيَضْمَنُهَا الْآخِذُ لَهَا وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى الْهَلَاكِ وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ، وَمُفَادُ هَذَا الْحَصْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعَارَتُهَا لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِلِاسْتِمْتَاعِ] أَيْ أَوْ الزَّوْجَةُ لِذَلِكَ، وَكَذَا لَا تُعَارُ الْأَمَةُ لِخِدْمَةِ بَالِغٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَمِلْكُهَا لَا يَسْتَقِرُّ لِمَنْ تُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُعِيرَتْ الْأَمَةُ أَوْ الْعَبْدُ لِمَنْ يُعْتَقَانِ عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ وَيَمْلِكَانِ خِدْمَتَهُمَا تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يَمْلِكُهَا السَّيِّدُ وَلَا الْمُسْتَعِيرُ، وَأَمَّا عَارِيَّةُ الْمَرْأَةِ لِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا أَوْ لِصَبِيٍّ أَوْ لِمَحْرَمِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ. [قَوْلُهُ: نَحْوُ أَعَرْتُك] أَيْ وَيَقْبَلُ الْآخَرُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ كَمَا تَكُونُ بِالْقَوْلِ تَكُونُ بِالْفِعْلِ الَّذِي تُفْهَمُ مِنْهُ، ثُمَّ إنْ قُيِّدَتْ بِزَمَنٍ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَإِلَّا فَاللَّازِمُ مَا تُعَارُ لِمِثْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا] أَيْ الْأَصْلُ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ كَمَنْ مَعَهُ شَيْءٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَطَلَبَهُ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِتَرْكِهِ كَكِسَاءٍ فِي زَمَنِ شِدَّةِ بَرْدٍ، وَالْحُرْمَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْكَرَاهَةُ إذَا كَانَتْ تُعِينُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ، وَالْإِبَاحَةُ إذَا أَعَارَهَا غَنِيًّا. [قَوْلُهُ: وَتَتَأَكَّدُ فِي الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ] أَيْ وَتَتَأَكَّدُ فِيمَا قَلَّ أَيْضًا كَالْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ تَتَأَكَّدُ مِنْ حَيْثُ حُكْمُهَا وَهُوَ النَّدْبُ وَلَوْ قَالَ وَيَتَأَكَّدُ أَيْ النَّدْبُ لَكَانَ أَوْضَحَ. [قَوْلُهُ: مَضْمُونَةٌ] وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَرْدُودَةٌ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: مَرْدُودَةٌ] أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا لِأَرْبَابِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الِاسْتِعَارَةِ، وَقَوْلُهُ: وَالدَّيْنُ يُقْضَى أَيْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: «وَالزَّعِيمُ أَيْ الْكَفِيلُ أَيْ الضَّامِنُ غَارِمٌ» . وَقَوْلُهُ: مَضْمُونَةٌ أَيْ يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ إذَا ادَّعَى تَلَفَهَا مَثَلًا وَكَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. [قَوْلُهُ: اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ] أَيْ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: دِرْعُهُ] قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ، وَحَكَى أَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّ الدِّرْعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. [قَوْلُهُ: يَضْمَنُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ] لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لَا تَنْقُصُ

[أحكام الوديعة]

الضَّمَانَ لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ تَزُولُ بِالْبَيِّنَةِ (وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) ع: وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ شَرَطَ الْمُعِيرُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ عَدَمَ الضَّمَانِ مِمَّا فِيهِ الضَّمَانُ لَا يَنْفَعُهُ. وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَهُمَا أَيْضًا يَنْفَعُهُ وَيَعْمَلُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بَابٌ مَعْرُوفٌ، وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مِنْ الْمَعْرُوفِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِمَّا لَا ضَمَانَ فِيهِ صُورَةً فَقَالَ: (إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى) الْمُسْتَعِيرُ فَيَضْمَنَ وَوُجُوهُ التَّعَدِّي كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي الْحِمْلِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَسَافَةِ، وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَيَكُونُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: تَلِفَتْ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنْ الرُّفْقَةِ بِتَلَفِهَا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَعَرَّفَهَا ابْنُ الْحَاجِب بِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ فِي حِفْظِ الْمَالِ وَحُكْمُهَا الْإِبَاحَةُ وَيَعْرِضُ لَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالِاسْتِعْمَالِ لِقُرْبِ مُدَّتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ بِهِ لِبُعْدِ مُدَّتِهَا غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى نَقْصِهَا بِالِاسْتِعْمَالِ. وَلَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهَا شَخْصٌ فَإِنَّ الْمُعَارَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ وَلَهُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَرَتَّبَ مِنْ قِيمَتِهَا نَاقِصَةً هَكَذَا قَرَّرَ بَعْضُ أَشْيَاخِي. وَقَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِي: لَوْ أَخَذَ الْمُعِيرُ الْقِيمَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْمُتْلِفِ لَهَا هَلْ لِلْمُسْتَعِيرِ حَقٌّ فِيمَا زَادَتْهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ التَّلَفِ عَمَّا تَزِيدُهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَا يَنْقُصُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَقَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الذَّاتِ وَقَدْ ذَهَبَتْ. قَالَهُ عج: وَإِذَا ضَمِنَ الْقِيمَةَ يَوْمَ انْقِضَاءِ أَجْلِ الْعَارِيَّةِ عَلَى مَا يَنْقُصُهَا الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ ضَاعَتْ ضَيَاعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إخْفَائِهَا رَغْبَةً فِي أَخْذِهَا بِقِيمَتِهَا، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَنَقَصَتْ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نُقْصَانِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَتَهَا مَعَ مُرَاعَاةِ نَقْصِهَا بِالْمَأْذُونِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى هَلَاكِهِ] أَيْ أَوْ تَلَفِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ مِنْ الضَّمَانِ، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ وَمِثْلُ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَوْ عَلِمَ أَنَّ التَّلَفَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ كَسُوسٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ قَرْضِ فَأْرٍ لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ مَا فَرَّطَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ] فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ وَفِي الضَّيَاعِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَدَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ يَوْمَ كَذَا ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَعْمِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ عَلَى الْمُعِيرِ عَدَمَ الضَّمَانِ مِمَّا فِيهِ الضَّمَانُ] أَيْ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَيْضًا يَنْفَعُهُ إلَخْ] وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَقِيلَ: يُفْسِدُهُ وَيَكُونُ لِلْمُعِيرِ أُجْرَةُ مَا أَعَارَهُ وَالْقَوْلَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ بَابٌ مَعْرُوفٌ] أَيْ وَإِسْقَاطُ الضَّمَانِ مِنْ الْمَعْرُوفِ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا الزِّيَادَةُ فِي الْحِمْلِ] هَذِهِ عِبَارَةٌ مُجْمَلَةٌ وَتَفْصِيلُهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ دَابَّةً لِحَمْلِ شَيْءٍ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ زَادَ مَا تَعْطَبُ بِهِ وَعَطِبَتْ فَإِنَّ صَاحِبَهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ أَوْ يَأْخُذُ كِرَاءَ الزَّائِدِ فَقَطْ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ فَإِنْ قِيلَ عَشْرَةً فَيُقَالُ: كَمْ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا فِي جَمِيع مَا حُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ الزَّائِدِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ: خَمْسَةً دَفَعَ لِلْمُعِيرِ الْخَمْسَةَ الْمَذْكُورَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ التَّعَدِّي فَاللَّازِمُ الْقِيمَةُ كَذَا يَظْهَرُ فَلَوْ سَلِمَتْ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَوْ زَادَ مَا لَا تَعْطَبُ وَسَلِمْت أَوْ عَطِبَتْ فَلَا شَيْءَ لِلْمُعِيرِ إلَّا كِرَاءَ الزَّائِدِ. [قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَسَافَةِ] لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَعْطَبُ بِهِ أَوْ لَا حَيْثُ تَلِفَتْ، أَيْ وَمِنْهَا إذَا حَمَّلَهَا أَثْقَلَ مِمَّا اسْتَعَارَهَا لَهُ وَلَوْ أَقَلَّ قَدْرًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَلْفِت بِفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَان، وَجَوَازُ فِعْلِ الْمِثْلِ جَائِزٌ وَلَوْ فِي الْمَسَافَةِ عَلَى الرَّاجِحِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجَرِ الْعُدُول عَنْ الْمَسَافَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا. وَإِنْ سَاوَتْ إلَّا بِإِذْنِ الْمُكْرِي لِمَا فِي الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ بَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ تَلِفَتْ إلَخْ] أَيْ وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ: مَاتَتْ بِمَوْضِعِ كَذَا وَلَمْ يُوجَد لَهَا أَثَرٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ. [أَحْكَام الْوَدِيعَة] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْوَدِيعَةِ] مِنْ

الْوُجُوبُ كَالْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ عِنْدَ رَبِّهِ مِنْ ظَالِمٍ، وَالتَّحْرِيمُ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِأَنَّ فِي إمْسَاكِهِ إعَانَةً عَلَى عَدَمِ رَدِّهِ لِمَالِكِهِ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ: الْمُودِعُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَالْمُودَعُ بِفَتْحِهَا، وَالشَّيْءُ الْمُودَعُ وَشَرْطُ الْأَوَّلَيْنِ كَالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فَمَنْ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ، وَكُلُّ مَنْ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا لِغَيْرِهِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَاجِبٌ مَهْمَا طَلَبَ الْمَالِكُ وَانْتَفَى الْعُذْرُ إلَى أَنْ قَالَ: قَالَ فِي الْكِتَابِ يُصَدَّقُ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ إلَيْك إلَّا أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: (وَالْمُودَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (إنْ قَالَ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَيْك صُدِّقَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ) فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ عَلَى رَدِّهَا لِأَنَّهُ حِينَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكْتَفِ بِأَمَانَتِهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ وَبِذَلِكَ قَيَّدَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْمُدَوَّنَةَ أَمَّا إذَا دَفَعَهَا بِمَحْضَرِ شُهُودٍ وَلَمْ يُشْهِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَدْعِ وَهُوَ التَّرْكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] أَيْ مَا تَرَكَ عَادَةَ إحْسَانِهِ فِي الْوَحْيِ إلَيْك وَهِيَ بِالْمَعْنَى الِاسْمِيِّ لُغَةً الْأَمَانَةِ، وَاصْطِلَاحًا مَالٌ وُكِّلَ عَلَى حِفْظِهِ وَتَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ. [قَوْلُهُ: اسْتِنَابَةٌ إلَخْ] يَدْخُلُ إيدَاعُ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَبِ وَلَدَهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُقَالُ لَهُ مَالٌ، وَيَخْرُجُ وَضْعُ الْأَمَةِ مُدَّةَ الْمُوَاضَعَةِ عِنْدَ أَمِينَةٍ لِأَنَّ وَضْعَهَا لَمْ يَكُنْ لِحِفْظِهَا وَإِنَّمَا هُوَ لِلْإِخْبَارِ بِحَيْضِهَا، وَظَاهِرُ التَّعْرِيفِ كَالْمُدَوَّنَةِ شُمُولُهُ لِمَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالرِّبَاعِ لِيَحْفَظَهَا الْمُودَعُ مِمَّنْ يَتَسَوَّرُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا الْإِبَاحَةُ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ سِيَاقَ مَا يَأْتِي يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنْ حَيْثُ الْقَبُولُ أَيْ فَيُبَاحُ لِلْمُودَعِ أَنْ يَقْبَلَ الْوَدِيعَةَ، وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِأَنَّهُ قَضَاءُ حَاجَةٍ لَهُ نَعَمْ الْإِبَاحَةُ ظَاهِرَةٌ فِيهِ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ مِنْ جَانِبِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: كَالْخَوْفِ إلَخْ] الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِقَبُولِهَا لَا بِفِعْلِهَا إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي مَالٍ لَوْ تَرَكَهُ لَخَشِيَ ضَيَاعَهُ أَوْ ضَيَاعَ عِيَالِهِ. وَقَوْلُهُ: يَحْرُمُ قَبُولُهُ يُفِيدُ أَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِنَفْسِ الْإِيدَاعِ بَلْ بِالْقَبُولِ مَعَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ أَيْضًا بِنَفْسِ الْإِيدَاعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: حُرْمَةُ الْإِيدَاعِ لَا تُتَوَهَّمُ، وَمَحِلُّ كَوْنِهِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَحْدِهَا لِيَرُدَّهَا لِرَبِّهَا أَوْ لِلْفُقَرَاءِ إنْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ مُسْتَغْرَقَ الذِّمَّةِ لِأَنَّ عِيَاضًا ذَكَرَ أَنَّ مَنْ قَبِلَ وَدِيعَةً مِنْ مُسْتَغْرَقِ الذِّمَّةِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ يَضْمَنُهَا لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا النَّدْبُ حَيْثُ يَخْشَى مَا يُوجِبُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ، وَكَرَاهَتُهَا حَيْثُ يَخْشَى مَا يُحَرِّمُهَا دُونَ تَحَقُّقٍ. [قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]] «كَانَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ سَادِنَ الْكَعْبَةِ وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِفْتَاحَهَا، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهُ وَقَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ فِي شَأْنِك قُرْآنٌ وَقَرَأَ عَلِيٌّ فَأَسْلَمَ، فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّهَا فِي أَوْلَادِهِ أَبَدًا» فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَتْ وَارِدَةً فِي شَأْنِ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ؟ قُلْنَا: الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ وَمِنْ عَمَلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمَّا الْخِيَانَةُ فَهِيَ مِنْ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ وَعَمَلِ الْفُسَّاقِ. [قَوْلُهُ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» ] اعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ عِنْدَ شَخْصٍ وَدِيعَةً أَيْ أَوْ بَاعَهُ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ عَامَلَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَخَانَهُ فِيهِ أَوْ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخَائِنَ أَوْدَعَ وَدِيعَةً عَنْ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ أَوْ بَاعَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذِهِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مِمَّا عَامَلَهُ فِيهِ نَظِيرَ مَا ظَلَمَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تَأْخُذْ أَزْيَدَ مِنْ حَقِّك فَتَكُونَ خَائِنًا، وَأَمَّا مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ فَلَيْسَ خَائِنًا فَإِنْ قُلْت: إنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ مَنْطُوقُهُمَا وُجُوبُ رَدِّ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَصْلِ الْإِيدَاعِ فَأَيْنَ الْمُطَابِقَةُ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ؟ قُلْنَا: لَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ رَدَّ الْأَمَانَةِ فَرْعُ الْإِيدَاعِ، وَلَمْ يَنْهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِيدَاعِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: فَمَنْ صَحَّ مِنْهُ إلَخْ] الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يُوَكِّلَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ إلَّا الصَّغِيرَةَ فِي لَوَازِمِ الْعِصْمَةِ وَاَلَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ هُوَ الْمُمَيِّزُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ

عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدُوا بِأَنِّي اسْتَوْدَعْته كَذَا وَكَذَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: صُدِّقَ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَعَزَوْا لِلْمُدَوَّنَةِ الْيَمِينَ وَعَلَيْهِ قَرَّرَ ك فَقَالَ: ك يُرِيدُ وَيَحْلِفُ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّهَمِ لَا يَحْلِفُ (وَإِنْ قَالَ) الْمُودَعُ بِفَتْحِ الدَّالِ (ذَهَبَتْ) بِمَعْنَى تَلِفَتْ الْوَدِيعَةُ (فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِكُلِّ حَالٍ) قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ لَا، وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ لَا يُصَدَّقُ فِي هَلَاكِهَا فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَكَى عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ وَخَالَفَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا رَشِيدًا، وَوَافَقَهُ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَذَكَرَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ بَلَدِنَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُهَا وَلَا يَتَوَكَّلُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْإِيدَاعِ وَالْقَبُولِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَكْسُ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ فَلَا يُودَعَانِ وَلَا يُسْتَوْدَعَانِ، لَكِنْ إنْ أَوْدَعَاكَ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْكَ يَا رَشِيدُ حِفْظُهُ، وَأَمَّا إنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُمَا فَأَتْلَفَا أَوْ فَرَّطَا لَمْ يَضْمَنَا وَإِنْ بِإِذْنِ أَهْلِهِمَا. وَلَا يَخْفَى ظُهُورُ قَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِ اللَّخْمِيِّ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى مَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالسَّفِيهَ لَا يُسْتَوْدَعَانِ. بَقِيَ الْكَلَامُ عَلَى الصِّيغَةِ فَقِيلَ: شَرْطٌ، وَقِيلَ: رُكْنٌ وَهِيَ كُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الْحِفْظِ وَلَوْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ حَتَّى لَوْ وَضَعَ شَخْصٌ مَتَاعَهُ عِنْدَ جَالِسٍ رَشِيدٍ بَصِيرٍ سَاكِتٍ وَذَهَبَ الْوَاضِعُ لِحَاجَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْضُوعِ عِنْدَهُ الْمَتَاعُ حِفْظُهُ بِحَيْثُ إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهِ حَتَّى ضَاعَ ضَمِنَهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ رِضًا مِنْهُ بِالْإِيدَاعِ عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلَا بُدَّ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْمَنَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولَ اشْهَدُوا] هَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى قَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَفِي بَعْضِ التَّقَارِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ أَنْ يَقْصِدَ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عَدَمَ قَبُولِ دَعْوَاهُ الرَّدَّ بِمُجَرَّدِهَا قَالَهُ عج وَكَذَا فِي بَعْضِ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ. قُلْت: وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ قَصْدُ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ أَشْهَدَ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ بِقَصْدِ التَّوَثُّقِ وَأَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي قَصْدِهِ، وَفِي الْحَطَّابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهَا لِلتَّوَثُّقِ عِلْمُ الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ أَنَّ الْمُودِعَ بِالْكَسْرِ قَصَدَ بِهَا التَّوَثُّقَ اهـ. وَكَلَامُ بَعْضٍ يُؤْذِنُ بِاعْتِمَادِهِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ الَّتِي أَشْهَدَهَا الْمُودَعُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ فَكَالْعَدِمِ وَيُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ خَوْفَ الْمَوْتِ لِيَأْخُذَهَا مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ يَقُولَ الْمُودَعُ: أَخَافُ أَنْ يَقُولَ هِيَ سَلَفٌ فَأَشْهَدُ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا التَّوَثُّقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الرَّدَّ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ رَدَدْت الْوَدِيعَةَ إلَيْكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: رَدَدْتهَا لِوَلَدِك لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ دَعْوَى الرَّدِّ لِلْيَدِ الَّتِي لَمْ تَدْفَعْ لَا تَنْفَعُ، وَضَابِطُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ إذَا كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ لِلْيَدِ الَّتِي اسْتَأْمَنَتْهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ عَلَى ذِي الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَهُ أَوْ وَارِثِهِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ الضَّمَانُ. [قَوْلُهُ: كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا] الْمُتَّهَمُ هُوَ مَنْ يُشَارُ لَهُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ مِنْ التَّسَاهُلِ فِي الْوَدِيعَةِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْ حَلِفَ الْمُتَّهَمِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي دَعْوَى التَّلَفِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا كَانَتْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ أَوْ اتِّهَامٍ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ حَلَفَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ عِنْدَ دَعْوَى التَّحْقِيقِ كَانَ مُتَّهَمًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَعْوَى تَحْقِيقٍ غُرِّمَ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ. [قَوْلُهُ: ذَهَبَتْ بِمَعْنَى تَلِفَتْ] أَيْ أَوْ ضَاعَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنِّي، وَأَمَّا لَوْ هَلَكَتْ بِتَقْصِيرٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُوبِ حِفْظِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا وَلَوْ أَذِنَ لَهُ رَبُّهَا فِي إتْلَافِهَا أَوْ كَانَ الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ مَعَ الْإِذْنِ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اُقْتُلْنِي أَوْ اُقْتُلْ وَلَدِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُ: احْرِقْ ثَوْبِي أَوْ اقْطَعْ يَدِي فَلَا ضَمَانَ مَعَ الْإِذْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ الْوَدِيعَةِ أَنَّ الْوَدِيعَةَ الْتَزَمَ حِفْظَهَا بِمُجَرَّدِ قَبُولِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِذْنُ. [قَوْلُهُ: قَبَضَهَا بِإِشْهَادٍ أَوْ لَا] كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهَا أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا أَدْرِي مَتَى تَلِفَتْ أَوْ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ سِنِينَ وَكُنْت أَرْجُوهَا، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهَا حَاضِرًا فَلَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ دُونَ غَيْرِهِ] وَقِيلَ: يَحْلِفُ

تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ كَرَّرَهُ لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ (وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى وَدِيعَةٍ ضَمِنَهَا) وَأَوْجُهُ التَّعَدِّي أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْإِيدَاعُ عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالسَّفَرُ بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا فَتَهْلِكُ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّيْخِ: (وَإِنْ كَانَتْ) الْوَدِيعَةُ (دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ) مَرْبُوطَةً أَوْ مَخْتُومَةً فَتَسَلَّفَهَا أَوْ بَعْضَهَا (فَرَدَّهَا) مِثْلَهَا (فِي صُرَّتِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ) الْوَدِيعَةُ (فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِهِ) فَقِيلَ: عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَلِّهَا، وَقِيلَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ وَشُهِرَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ. (وَمَنْ اتَّجَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَّهَمُ وَغَيْرُهُ، وَصَدَرَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ قَالَهُ تت. وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَنَقُولُ مَحِلُّ كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُ إلَّا الْمُتَّهَمُ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى دَعْوَى تَحْقِيقٍ، وَأَمَّا دَعْوَى التَّحْقِيقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُتَّهَمٍ وَغَيْرِهِ، وَغُرِّمَ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ فِي دَعْوَى الِاتِّهَامِ الْقَاصِرَةِ عَلَى الْمُتَّهَمِ وَبَعْدَ حَلِفِ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ الَّتِي لَيْسَتْ قَاصِرَةً عَلَى الْمُتَّهَمِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ] قَدْ يُقَالُ هُوَ عَيْنُهُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا الْإِيدَاعُ عِنْدَ الْغَيْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ إلَخْ] أَيْ إذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا فِي سَفَرٍ، وَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ أَمِينًا إذْ لَمْ يَرْضَ رَبُّهَا إلَّا بِأَمَانَتِهِ وَإِنَّمَا بَالَغْنَا فِي السَّفَرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهَا فِي السَّفَرِ كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ الْإِذْنِ فِي الْإِيدَاعِ، وَمَحِلُّ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودِعِ إذَا أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْدَعَهَا لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُعْتَادَيْنِ لِلْإِيدَاعِ بِأَنْ تَطُولَ إقَامَتُهُمَا عِنْدَهُ وَيَثِقُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهَا فَضَاعَتْ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَتَا غَيْرَ مُعْتَادَتَيْنِ لِلْإِيدَاعِ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ زَوْجَتِهِ بِإِثْرِ تَزْوِيجِهَا أَوْ عِنْدَ أَمَتِهِ بِإِثْرِ شِرَائِهَا أَوْ لَمْ يَثِقْ بِدَفْعِ الْمَالِ لَهُمَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ إذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ، وَمِثْلُهُ عَبْدُهُ وَأُجِيرُهُ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَيُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ لِمَنْ ذَكَرَ وَحَلَفَ إنْ أَنْكَرَتْ الزَّوْجَةُ الدَّفْعَ إنْ اتَّهَمَ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا فَإِنْ نَكَلَ غُرِّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَلِلْمُودِعِ بِالْكَسْرِ تَحْلِيفُهَا كَانَتْ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً. وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ انْهَدَمَ مَنْزِلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى مَا عَلِمَ رَبُّهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ، وَمِنْ الْعُذْرِ الْجَارُ السُّوءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِالْعُذْرِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُشْهِدَهُمْ عَلَى عَيْنِ الْعُذْرِ، بَلْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى عَيْنِ الْعُذْرِ بِلَا إشْهَادٍ لَكَفَى. وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَمِنْهَا أَيْ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَضْمَنُهَا إذَا نَسِيَهَا فِي مَوْضِعِ إيدَاعِهَا وَأَوْلَى فِي غَيْرِهِ فَضَاعَتْ. [قَوْلُهُ: مَرْبُوطَةً أَوْ مَخْتُومَةً] لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَرَدَّ مِثْلَهَا] هَذَا التَّقْدِيرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَرَدَّهَا. [قَوْلُهُ: ثُمَّ هَلَكَتْ] أَيْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ تت. وَقَوْلُهُ فَرَدَّ مِثْلَهَا أَيْ ادَّعَى رَدَّ مِثْلِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْوَدِيعَةِ مَكْرُوهًا أَخَذَ الْوَدِيعَةَ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهَا أَوْ لَا بِأَنْ كَانَ مَلِيًّا حِينَ تَصَرَّفَ فِيهَا وَكَانَتْ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَإِلَّا حَرُمَ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ رَبِّهَا فَجَائِزٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، جَائِزٌ وَمُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ، وَإِذَا ادَّعَى الرَّدَّ لِمَوْضِعِهَا فَيُصَدَّقُ فِي الْمَكْرُوهِ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا عَدَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى رَدِّهَا لِيَدِ صَاحِبِهَا، وَلَا يَكْفِي شَهَادَتُهَا عَلَى رَدِّهَا لِمَوْضِعِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالسَّلَفِ الْحَقِيقِيِّ، وَيَدْخُلُ فِي الْمُعْدَمِ مَنْ عِنْدَهُ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ أَوْ مَا يَزِيدُ عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ سَيِّئَ الْقَضَاءِ وَالظَّالِمُ وَمَنْ مَالُهُ حَرَامٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحِلَّ كَرَاهَةِ الْمِثْلِيِّ وَحُرْمَةِ الْمُقَوَّمِ وَالْمُعْدَمِ حَيْثُ جُهِلَ حَالُ الْمُودِعِ بِالْكَسْرِ، وَأَمَّا إنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ يَعْلَمُ سَمَاحَتَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجَمِيعِ، وَأَمَّا لَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمُودَعُ بِالْفَتْحِ يَعْلَمُ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فِي الْجَمِيعِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ] بِأَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ رَدَّ مَا تَسَلَّفَهُ إلَى مَحِلِّهِ، فَإِنْ نَكَلَ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ. تَنْبِيهٌ: لَيْسَتْ الصُّرَّةُ شَرْطًا وَالْمَضْمُونُ هُوَ الْمِثْلُ إذَا كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَالْقِيمَةُ إذَا كَانَتْ مُقَوَّمَةً وَالضَّامِنُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ لَا مِنْ خَرَاجٍ وَكَسْبٍ وَكَذَا غَيْرُ الْمَأْذُونِ، وَقَبِلَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَتَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ لَا فِي رَقَبَتِهِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ سَيِّدُهُ ضَمَانَهَا بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتهَا عَنْ عَبْدِي فَلَا يُتْبَعُ،

[أحكام اللقطة]

بِوَدِيعَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَالرِّبْحُ لَهُ) لِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَقَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ عَيْنًا) قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ: فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ، وَمَنْ اتَّجَرَ بِوَدِيعَةٍ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا قَالَهُ ق: وَقَالَ أَيْضًا قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ عَيْنًا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَرْضًا إذْ لَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْغَاصِبِ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ لَهُ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ (وَإِنْ بَاعَ) الْمُودَعُ (الْوَدِيعَةَ وَهِيَ عَرْضٌ فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي) أَخْذِ (الثَّمَنِ) الَّذِي بَاعَهَا بِهِ (أَوْ) فِي أَخْذِ (الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي) هَذَا إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى اللُّقَطَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ وَجَدَ لُقَطَةً) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ مَا يُلْتَقَطُ (فَلْيُعَرِّفْهَا) وُجُوبًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يُعْرَفُ فَيَسْتَأْجِرُ مِنْهَا (سَنَةً) عَقِبَ الِالْتِقَاطِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ لُقَطَةَ مَكَّةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِلْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي اللُّقَطَةِ. وَقِيلَ: تُعَرَّفُ لُقَطَتُهَا أَبَدًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَوْ أُعْتِقَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَبِيٍّ وَسَفِيهٍ وَلَوْ قَبِلَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا إلَّا أَنْ يَصُونَا بِهِمَا مَالَهُمَا فَيَضْمَنَانِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا وَمِمَّا يَصُونَا لَا إنْ تَلِفَ مَا يَصُونَاهُ وَاسْتَفَادَا غَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ] الصَّوَابُ أَنَّ التِّجَارَةَ الْوَدِيعَةِ مَكْرُوهَةٌ كَانَتْ مِمَّا يَحْرُمُ تَسَلُّفُهَا أَوْ يُكْرَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالتَّجْرِ أَنَّ الْمُتَسَلِّفَ بِقَصْدِ تَمَلُّكِهَا وَأَنْ يَصْرِفَهَا فِيمَا يَصْرِفُ فِيهِ مَالَهُ، وَالْمُتَّجِرُ إنَّمَا قَصَدَ تَحْرِيكَهَا [قَوْلُهُ: وَالرِّبْحُ لَهُ] أَيْ وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا يَكُونُ أَسْوَأَ إلَخْ] قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ تِجَارَةَ الْغَاصِبِ الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ عَرْضًا مَكْرُوهَةً، فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَأَوْلَى الْمُودَعُ أَيْ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّجْرُ بِمَالِ الصَّبِيِّ لِنَفْسِهِ فَأَوْلَى الْغَاصِبُ فَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا اتَّجَرَ بِالدَّنَانِيرِ مَثَلًا وَتَحَصَّلَ مِنْهَا رِبْحٌ فَهُوَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَهُ الرِّبْحُ فَأَوْلَى الْمُودَعُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا فَاتَتْ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ الْفَوَاتِ يَجِبُ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ وَعِنْدَ الْقِيَامِ أَخْذُ الثَّمَنِ أَوْ رَدُّ الْبَيْعِ، وَكَذَا كُلُّ مُتَعَدٍّ بِالْبَيْعِ عَلَى سِلَعِ غَيْرِهِ وَلَوْ غَاصِبًا، وَمَحِلُّ تَخْيِيرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي الْإِجَازَةِ وَالرَّدِّ مَا لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ يَبْلُغْهُ الْبَيْعُ وَيَسْكُتُ مُدَّةً بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا وَإِلَّا لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَأَخْذُ مَا بِيعَتْ بِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا [أَحْكَام اللُّقَطَة] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى اللُّقَطَةِ] الِالْتِقَاطُ وُجُودُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَالٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ مُحْتَرَمًا لَيْسَ حَيَوَانًا نَاطِقًا وَلَا نَعَمًا بَلْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا أَوْ رَقِيقًا صَغِيرًا وُجِدَتْ فِي الْعِمَارَةِ أَوْ الْخَرَابِ أَوْ سَاحِلِ الْبَحْرِ وَعَلَيْهَا عَلَامَةُ الْإِسْلَامِ لَا نَحْوَ عَنْبَرٍ فَلَوْ وَجَدَهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَالُ اللَّقِيطِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مُحْتَرَمٌ مَالُ الْحَرْبِيِّ فَلَيْسَ بِلُقَطَةٍ، بَلْ إمَّا فَيْءٌ أَوْ غَنِيمَةٌ وَخَرَجَ الْآبِقُ وَهُوَ الرَّقِيقُ الْكَبِيرُ فَلَا يُقَالُ لَهُ لُقَطَةٌ كَمَا خَرَجَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى ضَالَّةً، فَالْمُعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ أَرْبَعَةٌ لُقَطَةٌ وَلَقِيطٌ وَآبِقٌ وَضَالَّةٌ فَاللُّقَطَةُ تَقَدَّمَ حَدُّهَا، وَأَمَّا اللَّقِيطُ فَهُوَ صَغِيرٌ آدَمِيٌّ لَمْ يُعْلَمْ أَبَوَاهُ وَلَا رِقُّهُ، أَمَّا لَوْ عُلِمَ رِقُّهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَهُوَ لُقَطَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ آبِقٌ وَحَدُّهُ رَقِيقٌ كَبِيرٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ وَالضَّالَّةُ نَعَمٌ مُحْتَرَمٌ وُجِدَ بِغَيْرِ حِرْزٍ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَدَ] أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ [قَوْلُهُ: بِضَمِّ اللَّامِ إلَخْ] وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أُخَرُ لُقْطَةٌ بِسُكُونِ الْقَافِ وَلُقَاطَةٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَلَقَاطَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ [قَوْلُهُ: فَلْيُعَرِّفْهَا وُجُوبًا] أَيْ عَلَى الْفَوْرِ فَلَوْ تَوَانَى حَتَّى ضَاعَتْ ثُمَّ جَاءَ رَبُّهَا ضَمِنَهَا قَالَهُ تت. وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِقَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً» إلَخْ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِنَفْسِهِ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِثْلُهُ يُعْرَفُ فَإِمَّا أَنْ يُعَرِّفَ أَوْ يَسْتَأْجِرَ مِنْ عِنْدِهِ مَنْ يُعَرِّفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلُهُ لَا يُعَرِّفُ فَإِنَّهُ يَسْتَأْجِرُ مِنْهَا وَإِذَا دَفَعَهَا لِمَنْ يَثِقُ بِهِ وَضَاعَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ كَالْوَدِيعَةِ يَضْمَنُهَا بِدَفْعِهَا لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ اللُّقَطَةَ لَمْ يَأْمَنْهُ رَبُّهَا

«لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» أَوَّلَهُ الْقَرَافِيُّ: بِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا دُونَ تَعْرِيفٍ بَلْ لَا تُؤْخَذُ إلَّا لِصَاحِبِهَا أَيْ لِتُعْرَفَ لَهُ وَالتَّعْرِيفُ يَكُونُ فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَرَّةً وَالتَّعْرِيفُ سَنَةً مُخْتَصٌّ بِالْكَثِيرِ، وَأَمَّا التَّافِهُ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ فَلَا يُعَرَّفُ وَمَا فَوْقَ التَّافِهِ وَدُونَ الْكَثِيرِ كَالدَّلْوِ يُعَرَّفُ سَنَةً عَلَى قَوْلٍ وَدُونَ السَّنَةِ عَلَى آخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقَطُ مِمَّا يَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ كَاللَّحْمِ وَالْفَاكِهَةِ فَيَأْكُلُهُ وَلَا يُعَرِّفُهُ، وَالتَّعْرِيفُ يَكُونُ (بِمَوْضِعٍ يَرْجُو التَّعْرِيفَ بِهَا) وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اُلْتُقِطَتْ فِيهِ وَأَبْوَابُ الْمَسَاجِدِ، وَإِذَا عَرَّفَهَا لَا يَذْكُرُ جِنْسَهَا بَلْ يَقُولُ: مَنْ ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ (فَإِنْ تَمَّتْ سَنَةٌ وَلَمْ يَأْتِ لَهَا أَحَدٌ فَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهَا) عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ رَبِّهَا، ظَاهِرُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حَبْسِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا لِمُنْشِدٍ] أَيْ مَنْ يُرِيدُ تَعْرِيفَهَا [قَوْلُهُ: أَوَّلَهُ الْقَرَافِيُّ] سَبَبُ تَنْبِيهِ الشَّارِعِ عَلَى خُصُوصِ لُقَطَةِ مَكَّةَ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ حَتَّى فِي غَيْرِهَا أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الْحَرَمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ مِنْ كُلِّ قُطْرٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الَّذِي قُطْرُهُ بَعِيدٌ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكْثُرُ أَخْذُهَا بُنَيَّةِ التَّمَلُّكِ فَنَبَّهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَخْذُهَا بِهَذَا الْقَصْدِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالتَّعْرِيفُ يَكُونُ فِي كُلِّ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ] هَذَا إذَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ وَإِلَّا فَالتَّعْرِيفُ إثْرَ الِالْتِقَاطِ فِي كُلِّ يَوْمٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا التَّافِهُ إلَخْ] أَيْ الَّذِي لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ النُّفُوسُ وَهُوَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ شَارِحُ الْمُدَوَّنَةِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَدُونَ السَّنَةِ عَلَى آخَرَ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَالرَّاجِحُ أَنَّ مَا فَوْقَ التَّافِهِ وَدُونَ الْكَثِيرِ كَالدَّلْوِ وَالدُّرَيْهِمَاتِ وَالدَّنَانِيرِ يُعَرَّفُ أَيَّامًا هِيَ مَظِنَّةُ طَلَبِهِ وَلَا يُعَرَّفُ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَاسْتَظْهَرَهُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهِ [قَوْلُهُ: فَيَأْكُلُهُ وَلَا يُعَرِّفُهُ أَصْلًا] وَلَا اسْتِينَاءَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ. وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: يَنْبَغِي الِاسْتِينَاءُ بِأَكْلِهِ يَسِيرًا لِاحْتِمَالِ إتْيَانِ صَاحِبِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَكَلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ بِيعَ وَلَا يَأْكُلُهُ وَوَقَفَ ثَمَنَهُ كَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: يَرْجُو التَّعْرِيفَ] أَيْ ثَمَرَةَ التَّعْرِيفِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي اُلْتُقِطَتْ فِيهِ وَتُعَرَّفُ بِالْبَلَدَيْنِ إنْ وُجِدَتْ بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَأَبْوَابُ الْمَسَاجِدِ] لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا وُجِدَتْ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الشِّرْكِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ دَفْعُهَا لِعَالِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ عَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَأْثَمْ. [قَوْلُهُ: لَا يَذْكُرُ جِنْسَهَا] وَأَوْلَى النَّوْعُ وَلَا مَا يُؤَدِّي لِمَعْرِفَتِهَا. تَنْبِيهٌ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى التَّعْرِيفِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الِالْتِقَاطِ وَحَاصِلُهُ إنْ عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ مُطْلَقًا، وَإِنْ شَكَّ فِيهَا كُرِهَ كَذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ فَيَجِبُ إنْ خَافَ الْخَائِنَ وَإِلَّا كُرِهَ، وَفَائِدَةُ الْوُجُوبِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا أَوْ رَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ وَضَاعَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، وَفَائِدَةُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ. وَأَمَّا فِي الْمَكْرُوهِ فَلَا يَضْمَنُهَا بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا يَضْمَنُهَا إذَا أَخَذَهَا وَرَدَّهَا لِمَوْضِعِهَا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَضَاعَتْ. وَلَوْ ضَاعَتْ عِنْدَ الْمُلْتَقِطِ زَمَنَ تَعْرِيفِهَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَدَّى أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا كَمَا إذَا أَخَذَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَإِنَّهُ يُخَاطَبُ بِضَمَانِهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا لِشَبَهِهِ بِالْغَاصِبِ، فَلَوْ تَنَازَعَ مَعَ رَبِّهَا بَعْدَ ضَيَاعِهَا أَوْ تَلَفِهَا بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَهَا وَادَّعَى رَبُّهَا أَنَّهُ أَخَذَهَا بِقَصْدِ تَمَلُّكِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ. [قَوْلُهُ: سَنَةً] أَيْ أَوْ أَيَّامًا فِيمَا يُعَرَّفُ أَيَّامًا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا] أَيْ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ مَحِلُّ التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَيْرَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ بِيَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا حَبْسُهَا لِرَبِّهَا أَوْ بَيْعُهَا وَحَبْسُ ثَمَنِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِرَبِّهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ وَلَا تَمَلُّكُهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ

وَالتَّصَدُّقِ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ التَّمْلِيكَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: نُصُوصُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ التَّمْلِيكِ، وَرُبَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّمْلِيكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا، وَفِي التَّوْضِيحِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا (وَ) إذَا تَصَدَّقَ بِهَا (ضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ) وَإِنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَخَذَهَا. ق: أَجْمَلَ الْمُصَنَّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ صَاحِبِهَا، وَهَلْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَوْ فَائِتَةً، وَهَلْ وَجَدَهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ أَوْ الْمِسْكِينِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ. اُنْظُرْ بَقِيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ (وَإِنْ انْتَفَعَ) الْمُلْتَقِطُ (بِهَا) أَيْ بِاللُّقَطَةِ (ضَمِنَهَا وَإِنْ هَلَكَتْ قَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا بِغَيْرِ تَحْرِيكٍ) أَيْ تَعَدٍّ (لَمْ يَضْمَنْهَا) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، مَفْهُومُهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا ضَمِنَهَا (وَإِذَا عَرَفَ طَالِبُهَا) أَيْ اللُّقَطَةِ (الْعِفَاصَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْوِعَاءُ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفَقَةُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (وَ) عَرَفَ (الْوِكَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْوِعَاءُ (أَخَذَهَا) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى الْآخَرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشَقَّةُ تَخْلِيصِ مَا فِي ذِمَّةِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: مَرْجُوحِيَّةِ التَّمْلِيكِ] يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَ الْأَوْلَى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ: وَرُبَّمَا وَقَعَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ رُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مِنْ التَّمْلِيكِ. وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَظَهَرَ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ: الْكَرَاهَةُ وَالْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ، الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ شَأْنُكَ بِهَا بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا] أَيْ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ رَبِّهَا ضَمِنَهَا لِرَبِّهَا إنْ جَاءَ أَيْ وَفَاتَتْ عَلَى مَا نُفَصِّلُ، فَنَقُولُ: حَاصِلُهُ أَنَّ رَبَّ اللُّقَطَةِ لَوْ جَاءَ وَوَجَدَهَا بِيَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ مُبْتَاعٍ مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهَا وَلَهُ تَضْمِينُ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّصَدُّقِ بِهَا هَذَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ دَخَلَهَا نَقْصٌ أَمْ لَا أَوْ عَنْ رَبِّهَا وَدَخَلَهَا نَقْصٌ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ بِتَصَدُّقِهِ بِهَا ضَمِنَهَا، وَأَمَّا عَنْ رَبِّهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا نَقْصٌ مُفْسِدٌ فَيَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا، وَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْقِيمَةَ فَلِلْمُلْتَقِطِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمِسْكِينِ بِعَيْنِ اللُّقَطَةِ أَوْ بِمَا بَقِيَ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمِسْكِينِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهَا فَأَتَتْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْمُلْتَقِطُ بِمَا غَرِمَهُ مِنْ قِيمَتِهَا لِرَبِّهَا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَإِنْ وَجَدَهَا قَائِمَةً أَيْ بِيَدِ الْمِسْكِينِ أَوْ بِيَدِ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَخَذَهَا أَيْ يَتَعَيَّنُ أَخْذُهَا أَوْ لَهُ أَخْذُهَا، وَلَهُ أَخْذُ قِيمَتِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ وَجَدَهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ] قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ كَمَا هُوَ مُفَادُ قَوْلِهِ: وَإِذَا تَصَدَّقَ أَيْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ فَتَأَمَّلْ تَفْهَمْ، وَأَمَّا لَوْ وَجَدَهَا بِيَدِهِ الْمُلْتَقِطِ فَتَارَةً يَجِدُهَا بِحَالِهَا وَتَارَةً يَجِدُهَا تَغَيَّرَتْ بِنَقْصٍ وَتَارَةً يَجِدُهَا فَاتَتْ. وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا نَوَى تَمَلُّكَهَا بَعْدَ السَّنَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا نَاقِصَةً بِغَيْرِ سَمَاوِيٍّ أَيْ بِاسْتِعْمَالِ الْمُلْتَقِطِ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا أَوْ قِيمَتِهَا يَوْمَ نَوَى التَّمَلُّكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا كَمَا إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً بِحَالِهَا، فَإِنْ نَوَى التَّمَلُّكَ قَبْلَ السَّنَةِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ يَضْمَنُ السَّمَاوِيَّ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ السَّنَةِ أَوْ بَعْدَ السَّنَةِ وَقَبْلَ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَخْذُهَا فَقَطْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَقَصَتْ بِسَبَبِ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ انْتَفَعَ الْمُلْتَقِطُ بِهَا] أَيْ فِي غَيْرِ رُكُوبِهَا لِمَوْضِعِهِ وَتَلِفَتْ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَلَفٌ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كِرَاؤُهَا لِمَالِكِهَا إنْ كَانَ مِثْلُهُ يَكْرِي الدَّوَابَّ. وَقَوْلُنَا: أَيْ فِي غَيْرِ رُكُوبِهَا لِمَوْضِعِهِ وَأَمَّا رُكُوبُهَا مِنْ مَوْضِعِ الِالْتِقَاطِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ أَوْ يَتَعَسَّرْ قَوْدُهَا عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ تُدْرِكْ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَعَدٍّ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَعَدَّى فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ انْتَفَعَ وَفَسَّرَ التَّحْرِيكَ بِالتَّعَدِّي إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ تَحْرِيكٍ إذْ قَدْ يَكُونُ التَّحْرِيكُ مَأْذُونًا فِيهِ لِلْعَلَفِ. [قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَجْزَأَهُ] أَيْ أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ مُدَّةً بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا تُدْفَعُ لَهُ عَاجِلًا. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى الْآخَرَ أَيْ وَقَدْ لَا يَنْسَاهُ وَيُكْتَفَى بِذِكْرٍ وَاحِدٍ فَيُعْطَى حُكْمَهُ مِنْ كَوْنِهَا تُدْفَعُ لَهُ بَعْدَ

الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ عَدَدِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَصْبَغَ، وَاعْتَبَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ إلَى يَمِينٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَغَلَّةُ اللُّقَطَةِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ لِلْمُلْتَقِطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إنِّي وَجَدْت شَاةً فَقَالَتْ لَهَا: عَرِّفِي وَاعْلِفِي وَاحْلِبِي وَاشْرَبِي (وَلَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ ضَالَّةَ الْإِبِلِ مِنْ الصَّحْرَاءِ) ع: هَذَا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً مِنْ السِّبَاعِ وَاللُّصُوصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ حَيْثُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ، وَقِيلَ: لَا يَأْخُذُهَا مُطْلَقًا انْتَهَى. وَقَالَ ج: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَلْتَقِطُهَا إذَا وَجَدَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّ وُجُودَ رَبِّهَا فِي غَيْرِ الصَّحْرَاءِ أَسْهَلُ فَلْيَلْتَقِطْهَا لِيَحْفَظَهَا لَهُ حَتَّى يَجِدَهُ عَنْ قَرِيبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَهَا فِي الصَّحْرَاءِ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ مَعْرِفَةُ رَبِّهَا إذَا نَقَلَهَا إلَى الْعِمَارَةِ (وَلَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (أَخْذُ الشَّاةِ وَأَكْلُهَا إنْ كَانَتْ بِفَيْفَاءَ) وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الَّتِي (لَا عِمَارَةَ فِيهَا) وَكَانَ يَعْسُرُ حَمْلُهَا إلَى الْعِمَارَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِينَاءِ، فَإِنْ أَثْبَتَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ أَخَذَهَا، وَأَمَّا إذَا وَصَفَ اثْنَيْنِ فَلَا يَسْتَأْنِي بِهَا وَتُدْفَعُ لَهُ عَاجِلًا، وَأَمَّا لَوْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَغَلِطَ فِي الْوِكَاءِ أَوْ عَكْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي وَلَا تُدْفَعُ لَهُ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تُشْتَرَطُ] أَيْ أَنَّ مَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَجَهِلَ عَدَدَهَا فَلَا يَضُرُّ وَتُدْفَعُ لَهُ كَمَا فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، بَلْ لَوْ عَرَّفَ أَحَدَهُمَا وَجَهِلَ الْعَدَدَ فَإِنَّهَا تُعْطَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَ بِالزِّيَادَةِ لَا يَضُرُّ وَفِي غَلَطِهِ بِالنَّقْصِ قَوْلَانِ. وَفِي غَلَطِهِ فِي صِفَةِ الدَّنَانِيرِ لَا شَيْءَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ بِأَنْ قَالَ مُحَمَّدِيَّةٌ فَإِذَا هِيَ يَزِيدِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَصْبَغَ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى يَمِينٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ أَنَّ مَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا بِلَا يَمِينٍ، وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إذَا عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ فَإِنَّهَا تُدْفَعُ لَهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَأَوْلَى إذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ أَشْهَبَ: لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ الْعُرْفُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فَإِنْ قُلْنَا: كَالشَّاهِدَيْنِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى يَمِينٍ، وَإِنْ قُلْنَا كَالشَّاهِدِ فَيُحْتَاجُ مَعَهُ لِيَمِينٍ قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَلَوْ عَرَّفَ إنْسَانٌ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَرَّفَ الْآخَرُ عَدَدَهَا وَوَزْنَهَا فَإِنَّهَا تُعْطَى لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ بَعْدَ يَمِينِهِ، وَيُقْضَى لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْعَدَدَ عَلَى مَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ بِيَمِينٍ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ عَرَّفَ أَوْصَافًا يَقْوَى بِهَا الظَّنُّ عَلَى مَنْ عَرَّفَ أَوْصَافًا يَحْصُلُ بِهَا ظَنٌّ دُونَهُ بِيَمِينٍ، وَكَذَا يُقْضَى لِمَنْ عَرَّفَ الْعِفَاصَ وَحْدَهُ بِيَمِينٍ عَلَى مَنْ عَرَّفَ الْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَلَوْ وَصَفَهَا ثَانٍ مِثْلَ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَنْفَصِلْ بِهَا حَلَفَا وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ انْفَصَلَ بِهَا انْفِصَالًا بَيِّنًا بِحَيْثُ يُمْكِنُ وُصُولُ الْعِلْمِ لِلثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: وَغَلَّةُ اللُّقَطَةِ إلَخْ] أَيْ مِنْ لَبَنٍ وَجُبْنٍ وَسَمْنٍ وَزُبْدٍ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ وَلَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ، وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ لَهُ قَدْرَ قِيَامِهِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لُقَطَةٌ بِخِلَافِ صُوفِهَا كَانَ تَامًّا أَوْ لَا وَنَسْلُهَا وَمَا زَادَ مِنْ كِرَائِهَا عَلَى عَلَفِهَا فَهُوَ لِرَبِّهَا، فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَلَا غَلَّةَ لَهَا فَإِنَّ صَاحِبَهَا يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا وَدَفْعِ نَفَقَتِهَا وَلَهُ تَسْلِيمُهَا لِلْمُلْتَقِطِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهَا لِأَنَّ رَبَّهَا لَا يَلْزَمُهُ الزَّائِدُ عَلَى قِيمَتِهَا وَلَوْ ظَهَرَ عَلَى صَاحِبِهَا دَيْنٌ لَقُدِّمَ الْمُلْتَقِطُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى ذِي الدَّيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَتْ] مُحَصَّلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا فِي الشَّارِحِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ قَوْلَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُطْلَقٌ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا وَلَا يُرَاعِي خَوْفَ هَلَاكِهَا مِنْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَوْ سِبَاعٍ، وَمَا إذَا خَافَ الْخَائِنَ فَإِنَّهُ يَلْتَقِطُهَا وُجُوبًا، فَإِنْ الْتَقَطَهَا فِي حَالَةِ كَوْنِهِ لَمْ يَخَفْ الْخَائِنَ فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهَا سَنَةً ثُمَّ يَتْرُكُهَا بِمَحِلِّهَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ وَاضِحٌ] خِلَافًا لِمَنْ قَالَ التَّقْيِيدُ بِالصَّحْرَاءِ بِالنَّظَرِ لِلْغَائِبِ، وَلَا يَلْحَقُ بِضَالَّةِ الْإِبِلِ الْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ بَلْ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي اللُّقَطَةِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَتَأَتَّى إلَخْ] تَعْلِيلٌ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ يَعْسُرُ حَمْلُهَا] لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ تَيَسَّرَ حَمْلُهَا لَلْعُمْرَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَكَلَهَا فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ الْعُمْرَانِ لَكِنْ إنْ

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فِي الْبَابِ فَقَالَ: (وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرْضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، إذْ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. وَظَاهِرُهُ طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا، عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الْحُرُّ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ سَوَاءٌ اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ كَالْحُرِّ وَمَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ فِي رَقَبَتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ، وَسَوَاءٌ بَاشَرَ الِاسْتِهْلَاكَ أَوْ تَسَبَّبَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ ق. (وَكُلُّ مَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ) أَوْ يُعَدُّ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ كَالْبَيْضِ (فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ) فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ هَذَا إذَا عُرِفَتْ مَكِيلَتُهُ أَوْ وَزْنُهُ، أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ الصُّبْرَةِ بَعْدَ وَصْفِهَا يَوْمَ اسْتَهْلَكَهَا، وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ حَسَنَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ مِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ وَطَالَبَهُ بِهِ فِي زَمَنِ الرَّخَاءِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا مِثْلَهُ دُونَ قِيمَتِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَمِنْهَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: تَعَدَّى أَنَّ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ وَأَفْسَدَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْبَيْطَارِ فِي حَالِ عِلَاجِهِ، وَالطَّبِيبِ فِي حَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَمَلَهَا مُذَكَّاةً أَوْ طَعَامًا وَوَجَدَهُ بِفَيْفَاءَ إلَى الْعُمْرَانِ وَوَجَدَهُ رَبُّهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَدْفَعُ لَهُ أُجْرَةَ حَمْلِهِ، فَإِنْ أَتَى بِهِ حَيَّةً إلَى الْعُمْرَانِ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ كَاللُّقَطَةِ كَمَا إذَا وَجَدَهَا بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِغَنَمِهِ فِي الْمَرْعَى، وَسَكَتَ عَنْ الْبَقَرِ وَحُكْمُهُ إذَا كَانَتْ بِفَيْفَاءَ وَخَافَ عَلَيْهَا السِّبَاعَ أَوْ الْجُوعَ أَوْ الْعَطَشَ أَوْ النَّاسَ فَلَهُ أَكْلُهَا عِنْدَ تَعَسُّرِ حَمْلِهَا، وَأَمَّا لَوْ تَيَسَّرَ سَوْقُهَا لِلْحَاضِرَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهَا فَإِنْ كَانَتْ بِمَحِلِّ أَمْنٍ فِي الْفَيْفَاءِ تُرِكَتْ بِهَا فَإِنْ أَخَذَهَا وَجَبَ تَعْرِيفُهَا، وَأَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالشَّاةُ الْمَوْجُودَةُ لَلْعُمْرَانِ فَيَجِبُ الْتِقَاطُهَا عِنْدَ خَوْفِ الْخَائِنِ كَالْخَيْلِ وَنَحْوِهَا. [قَوْلُهُ: عَرْضًا] الْمُرَادُ بِهِ شَيْئًا غَيْرَ الْمِثْلِيِّ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ لَهُ قَوْلًا بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُتْلَفَاتِ مِثْلِيَّةٌ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: طَائِعًا كَانَ أَوْ مُكْرَهًا] لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الْحُرُّ] أَيْ الرَّشِيدُ [قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ يَضْمَنُ مَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ] أَيْ الْبَالِغُ أَيْ وَكَذَا الْمَأْذُونُ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَالْمُؤْمَنَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِمَا يُتْبَعَانِ إنْ عَتَقَا [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ] أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ [قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَ] تَعْمِيمٌ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَحِلُّ ضَمَانِهِمَا إذَا لَمْ يُؤْمَنَا عَلَى مَا أَتْلَفَاهُ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَصُونَا بِهِ مَا لَهُمَا فَيَضْمَنَانِ فِي الْمَصُونِ فَقَطْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْهُ وَمِمَّا صُونَ بِهِ مَالُهُ وَلَا فَرْقَ فِي الصَّبِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمَيِّزًا أَمْ لَا إلَّا ابْنَ شَهْرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْعَجْمَاءِ فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا يُتْبَعُ بِالثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْ فَإِذَا أَفَادَ مَالًا لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ بَعْدُ، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يُتَصَوَّرُ تَأْمِينُهُ وَالْمَنْقُولُ فِيمَا يُتْلِفُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَالَ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا هَدَرٌ. وَالثَّالِثُ: الْمَالُ هَدَرٌ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ تَسَبَّبَ] كَمَا إذَا ضَرَبَ دَابَّةً فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ آحَادُهُ] أَيْ وَأَمَّا مَا اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ كَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ فَفِيهِ الْقِيمَةُ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ] هَذَا إنْ وُجِدَ لَهُ مِثْلٌ، أَمَّا إنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ وَعُرِفَ لَهُ مِثْلٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَصْبِرُ إلَى أَوَانِهِ وَيَأْخُذُ مِثْلَهُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فِيهِ] أَيْ فَإِذَا أَتْلَفَ لَهُ مِثْلِيًّا ثُمَّ وَجَدَهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ مِثْلَ مِثْلِيِّهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بَلْ يَصِيرُ إلَى بَلَدِ الْمُتْلَفِ فَيُوَفِّيهِ الْمِثْلَ فِيهَا، بَلْ لَوْ غَصَبَ مِنْهُ مِثْلِيًّا ثُمَّ وَجَدَهُ مَعَهُ بِعَيْنِهِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَصْبِرُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مِثْلَهُ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ [قَوْلُهُ: إذَا عُرِفَتْ مَكِيلَتُهُ] أَيْ أَوْ عَدَدُهُ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ جُزَافًا] وَهُوَ مَا جُهِلَ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ عَدَدُهُ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لَهُ قِيمَةَ الصُّبْرَةِ] أَيْ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ الْجُزَافَ كَالْمُقَوَّمِ الْوَاجِبِ عَلَى مُتْلِفِهِ قِيمَتُهُ بَعْدَ تَحَرِّيهِ حَيْثُ كَانَ مُتْلِفُهُ غَيْرَ مَالِكِهِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ يَبِيعُ صُبْرَةً عَلَى الْكَيْلِ ثُمَّ يُتْلِفُهَا قَبْلَ كَيْلِهَا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا لِيُوفِيَهُ لِلْمُشْتَرِي. [قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي فِعْلِ شَيْءٍ وَأَفْسَدَهُ] حَيْثُ كَانَ الْمَالِكُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إذْنُهُ بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا وَإِلَّا ضَمِنَ [قَوْلُهُ:

[الغصب وما يتعلق به]

طِبِّهِ، وَالْمُؤَدِّبِ إذَا ضَرَبَ ضَرْبًا يَجُوزُ لَهُ وَنَشَأَ مِنْهُ فَسَادٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي إذَا حَدَّ حَدًّا وَنَشَأَ مِنْهُ فَسَادٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا خَتَمَ بِهِ التَّرْجَمَةَ وَهُوَ الْغَصْبُ، وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ أَخْذُ مَالٍ قَهْرًا تَعَدِّيًا بِلَا حِرَابَةٍ، وَحُكْمُهُ الْحُرْمَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ. وَمِنْ أَحْكَامِهِ الضَّمَانُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَ) الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ أَيْ الْغَاصِبُ كُلُّ آدَمِيٍّ يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْغَصْبِ إنْ فَاتَ الْمَغْصُوبُ (فَإِنْ) لَمْ يَفُتْ (رَدَّ) الْغَاصِبُ (ذَلِكَ) الْمَغْصُوبَ (بِحَالِهِ) إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي بَدَنِهِ وَلَمْ تَحِلَّ أَسْوَاقُهُ (فَلَا شَيْءَ) أَيْ لَا قِيمَةَ (عَلَيْهِ) وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ وَالتَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالْبَيْطَارِ] أَيْ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ حَيْثُ فَعَلَ كُلَّ الْمَطْلُوبِ مَعَ ظَنِّ السَّلَامَةِ [قَوْلُهُ: فِي حَالِ عِلَاجِهِ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ حَالِ عِلَاجِهِ فَهُوَ مَحْضُ تَعَدٍّ فَتَأَمَّلْ [الْغَصْب وَمَا يَتَعَلَّق بِهِ] [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ] وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا [قَوْلُهُ: أَخْذُ مَالٍ] مُخْرِجٌ لِأَخْذِ الْحُرِّ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، أَيْ أَخْذُ آدَمِيٍّ مَالًا لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْآدَمِيِّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ وَقَوْلُهُ: قَهْرًا حَالَ مُقَارَنَةٍ مُخْرِجٌ لِلْخِيَانَةِ وَالِاخْتِلَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَهْرَ فِيهِمَا إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ لَا حَالَ الْأَخْذِ، وَالْخَائِنُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي جَهْرَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً، وَالْمُخْتَلِسُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي خُفْيَةً وَيَذْهَبُ جَهْرَةً. وَقَوْلُهُ: تَعَدِّيًا أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَهْرًا لَكِنَّهُ لَيْسَ تَعَدِّيًا، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ تَشْمَلُ الْحِرَابَةَ وَتَنْطَبِقُ عَلَيْهَا أَخْرَجَهَا لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْفَوْتُ فَافْتَرَقَا إلَخْ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَصْدُقُ عَلَى أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ لِأَنَّ أَخْذَهَا يُقَالُ لَهُ تَعَدٍّ لَا غَصْبٌ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ] أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] [قَوْلُهُ: يُطَوَّقُهُ] أَيْ بِأَنْ تَمْتَدَّ عُنُقُهُ حَتَّى يُسْلَكَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: مِنْ سَبْعٍ لِأَنَّ غَصْبَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ الْعُلْيَا غَصْبٌ لِمَا حَاذَاهُ مِمَّا تَحْتَهَا [قَوْلُهُ: أَرَضِينَ] بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُجْعَلُ الْأَرْضُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ شَارِحُ الْجَامِعِ [قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ إلَخْ] أَيْ آيِلٌ لِلضَّمَانِ لَا أَنَّهُ ضَامِنٌ بِالْفِعْلِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، فَإِنْ رَدَّ. [قَوْلُهُ: كُلُّ آدَمِيٍّ يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ] خَرَجَ أَخْذُ الْحَرْبِيِّ مَالَ الْمُسْلِمِ قَهْرًا فَلَا يُقَالُ لَهُ غَصْبٌ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ] دَلِيلٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِمَا غَصَبَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْهُ أَيْ أَخَذَتْهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَيْ مُلْزَمَةٌ بِدَفْعِهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا أَوْ قِيمَتِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ فَاتَ وَالْمُرَادُ ذِي الْيَدِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عَامٌّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ] أَيْ مِنْ كُلِّ آدَمِيٍّ تَنَاوَلَهُ إلَخْ [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّمَانَ يُعْتَبَرُ حَالَةَ الْغَصْبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ يَضْمَنُ بِالْأَكْثَرِ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ إلَى يَوْمِ التَّلَفِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ زَمَنٍ غَاصِبٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَفُتْ رُدَّ إلَخْ] تَقْدِيرُهُ لَمْ يَفُتْ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْطَ مَحْذُوفٌ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: رُدَّ هُوَ الْجَوَابُ وَحِينَئِذٍ يَخْلُو قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا فَلَعَلَّ الشَّارِحَ لَاحَظَ عَاطِفًا مَحْذُوفًا أَيْ فَإِنْ لَمْ يَفُتْ وَرُدَّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِلَّ أَسْوَاقُهُ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ لَا تُعْتَبَرُ فَهِيَ كَالْعَدَمِ فَلَا يَأْخُذُ رَبُّ السِّلْعَةِ إلَّا سِلْعَتَهُ

مِنْ إثْمِ الِاغْتِصَابِ (وَإِنْ تَغَيَّرَ) الْمَغْصُوبُ بِنَقْصٍ فِي ذَاتِهِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ حَالَةَ كَوْنِهِ (فِي يَدَيْهِ) أَيْ يَدَيْ الْغَاصِبِ (فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِهِ بِنَقْصِهِ) مِنْ غَيْرِ أَرْشِ الْعَيْبِ (أَوْ تَضْمِينِهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْقِيمَةَ) يَوْمَ الْغَصْبِ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ سُوقُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ) فِي الْمَغْصُوبِ (بِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (خُيِّرَ) الْمَغْصُوبُ مِنْهُ (أَيْضًا فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ) أَيْ مَعَ أَخْذِ (مَا نَقَصَهُ) ك: أَوْ تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ يَوْمَ التَّعَدِّي. وَقَالَ ج: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ التَّعَدِّي لَا مِنْ بَابِ الْغَصْبِ، وَيَعْنِي أَنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبًا مَثَلًا فَأَفْسَدَهُ إفْسَادًا كَثِيرًا أَنَّ رَبَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ مَا نَقَصَهُ أَوْ أَخْذِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَعَنْ أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: إنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْقِيمَةِ أَوْ أَخْذُهُ نَاقِصًا وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعَهُ، وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) ك: فِي بَعْضِ النَّسْخِ أَيْضًا وَهُوَ وَهَمٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ مَا إذَا حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ، وَأَمَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ مِثَالُهُ أَنْ يَغْصِبَ ثَوْبًا فَيَصْبُغُهُ فَرَبُّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ وَبَيْنَ أَخْذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْأَدَبُ] بِمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ تَأْدِيبُهُ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا وَيُسْجَنُ لِحَقِّ اللَّهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَأَدَبُ الصَّبِيِّ لِأَجْلِ الْفَسَادِ فَقَطْ لَا لِأَجْلِ التَّحْرِيمِ، كَمَا يُؤَدَّبُ عَلَى الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ تَهْذِيبًا لِلْأَخْلَاقِ، وَيُؤَدَّبُ الْغَاصِبُ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِغْفَارُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ إذْ الْفُقَهَاءُ إذَا أَطْلَقُوا الِاسْتِغْفَارَ مُرَادُهُمْ التَّوْبَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَغْصُوبُ] أَيْ تَعَيَّبَ وَقَوْلُهُ: الْمَغْصُوبُ أَيْ الْمُقَوَّمُ قَالَهُ عج، أَيْ إذَا تَعَيَّبَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا كَمَا إذَا غَصَبَ أَمَةً قَائِمَةَ الثَّدْيَيْنِ فَانْكَسَرَا عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. وَقَوْلُ عج: أَيْ الْمُقَوَّمُ احْتِرَازًا مِنْ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا عَيَّبَهُ وَمِثْلُهُ إذَا أَتْلَفَهُ فَإِنْ يَضْمَنْ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ الْمِثْلِيُّ وَقْتَ الْغَصْبِ غَالِيًا وَوَقْتَ الْقَضَاءِ بِهِ رَخِيصًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمِثْلِيُّ الْمَغْصُوبُ مَوْجُودًا وَأَرَادَ بِهِ أَخْذَهُ وَأَرَادَ الْغَاصِبُ إعْطَاءَ مِثْلِهِ فَلِرَبِّهِ أَخْذُهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ تَضْمِينُهُ] أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ خُيِّرَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ] أَيْ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّغَيُّرَ مُوجِبٌ لِذَلِكَ التَّخْيِيرِ، وَلَوْ كَانَ تَغَيُّرُ سُوقٍ إلَخْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ تَغَيُّرَ السُّوقِ لَغْوٌ [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ فِي الْمَغْصُوبِ بِتَعَدِّيهِ] يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ. وَقَوْلُهُ: بِتَعَدِّيهِ أَيْ الْغَاصِبِ أَيْ بِفِعْلِهِ وَلَوْ خَطَأً لِأَنَّهُ كَالْعَمْدِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ احْتِرَازًا مِنْ تَعَدِّي الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّ رَبَّ الشَّيْءِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ الْقِيمَةَ وَيَتْبَعَ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ يَأْخُذَ شَيْأَهُ، وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ شَيْؤُهُ وَاتِّبَاعُ الْغَاصِبِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ التَّعَدِّي] أَرَادَ بِهِ الْغَصْبَ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْغَصْبِ لَا فِي التَّعَدِّي [قَوْلُهُ: وَقَالَ ج هَذِهِ إلَخْ] قَالَ تت: وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي بِتَعَدِّيهِ لِلْغَاصِبِ كَمَا قَرَّرْنَا، وَعَلَى مَا ذَكَرَ يَعُودُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ اهـ. [قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبًا مَثَلًا] وَمِنْ ذَلِكَ إذَا قَطَعَ ذَنَبَ دَابَّةٍ شَخْصٌ ذُو هَيْئَةٍ وَمُرُوءَةٍ كَقَاضٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ قَطَعَ أُذُنَهَا أَوْ قَطَعَ طَيْلَسَانَهُ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ: بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعَدِّي أَوْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ وَمَا نَقَصَ. [قَوْلُهُ: إفْسَادًا كَثِيرًا إلَخْ] هُوَ مَا أَفَاتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: فِي أَخْذِهِ وَأَخْذِ إلَخْ] أَيْ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ يُقَالُ: مَا قِيمَتُهُ مَعِيبًا بِمَا أَحْدَثَهُ الْمُتَعَدِّي؟ فَيُقَالُ: ثَمَانِيَةٌ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُتَعَدِّي دِرْهَمَيْنِ أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ وَيَتْرُكُهُ لِلْمُتَعَدِّي. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْيَسِيرِ] أَيْ فَإِنَّ الْيَسِيرَ فِي بَابِ التَّعَدِّي لَا يُوجِبُ تَخْيِيرًا إنَّمَا لِرَبِّهِ أَخْذُ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ، وَأَمَّا الْيَسِيرُ فِي بَابِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لِرَبِّهِ أَخْذَ الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ وَالْيَسِيرُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُفِتْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كَمَا إذَا تَعَدَّى عَلَى بَقَرَةٍ شَخْصٌ فَفَعَلَ بِهَا فِعْلًا أَذْهَبَ بِهِ لَبَنَهَا لِأَنَّ الْبَقَرَةَ تُرَادُ لِغَيْرِ اللَّبَنِ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ أَشْهَبَ إلَخْ] ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ وَهَمٌ] أَيْ لَفْظٌ أَيْضًا وَهَمٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلَطٌ [قَوْلُهُ: إذَا حَصَلَ فِيهِ زِيَادَةٌ] أَوْ لَمْ يَحْصُلْ لَا زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ، وَأَمَّا لَوْ نَقَصَهُ الصَّبْغُ فَإِنَّهُ يَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعَيْبِ السَّمَاوِيِّ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ بَيْنَ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ شَيْءٍ وَبَيْنَ أَخْذِ قِيمَتِهِ سَالِمًا مِنْ هَذَا

الثَّوْبِ، ثُمَّ إذَا أَخَذَهُ دَفَعَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ . ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ لِمَنْ هِيَ فَقَالَ: (وَلَا غَلَّةَ لِلْغَاصِبِ وَيَرُدُّ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّةٍ أَوْ انْتَفَعَ) ظَاهِرُهُ وُجُوبُ رَدِّ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ رَبْعًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ وَابْنِ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ ك: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ اخْتِصَاصُ الضَّمَانِ بَغْلَةِ الرِّبَاعِ دُونَ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ ق: قَالَ فِي الْكِتَابِ: يَرُدُّ الْغَاصِبُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ نَسْلِ حَيَوَانٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ لَبَنٍ، فَإِنْ أَكَلَهُ فَمِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْحَدُّ إنْ) ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَنَّهُ (وَطِئَ الْأَمَةَ) لِأَنَّهُ زَانٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِرَبِّ الْأَمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ وَلَدٍ نَشَأَ عَنْ زِنًا أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ تَابِعٌ لِأُمِّهِ فِي الْمِلْكِ. ع: " اُنْظُرْ هَذِهِ الْإِضَافَةَ وَصَوَابُهُ لَوْ قَالَ وَلَدُهَا رَقِيقٌ إذْ لَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا (وَلَا يَطِيبُ لِغَاصِبِ الْمَالِ رِبْحُهُ حَتَّى يَرُدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى رَبِّهِ) ك: يَعْنِي إذَا غَصَبَ مَالًا فَاتَّجَرَ فِيهِ وَنَمَا فِي يَدَيْهِ وَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ كَانَ الرِّبْحُ لَهُ، كَمَا أَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِكَوْنِهِ نَشَأَ عَنْ مَالٍ لَمْ يَطِبْ قَلْبُ صَاحِبِهِ بِتَقَلُّبِهِ فِيهِ، فَإِذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ عَلَى وَجْهِهِ وَاسْتَحَلَّ مِنْ رَبِّهِ جَازَ لَهُ وَطَابَ بِطِيبِ نَفْسِ رَبِّ الْمَالِ (وَلَوْ تَصَدَّقَ) الْغَاصِبُ (بِالرِّبْحِ كَانَ أَحَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقْصِ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ إلَخْ] أَيْ يَرُدُّ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَ مَا أَكَلَ وَقَوْلُهُ: أَوْ انْتَفَعَ أَيْ قِيمَةُ مَا انْتَفَعَ أَيْ قِيمَةُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الذَّاتَ الْمَغْصُوبَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ عُطِّلَ فَلَا يَغْرَمُ لِلْمَغْصُوبِ شَيْئًا كَالدَّارِ يُغْلِقُهَا وَالدَّابَّةِ يَحْبِسُهَا وَالْأَرْضِ يُبَوِّرُهَا وَالْعَبْدِ لَا يَسْتَخْدِمُهُ هَذَا فِي غَصْبِ الذَّاتِ، وَأَمَّا لَوْ غَصَبَ الْمَنْفَعَةَ وَيُقَالُ لَهُ التَّعَدِّي فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ ذَا الْمَنْفَعَةَ بَلْ عَطَّلَهُ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا انْتَفَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَى، فَحَاصِلُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ مَا غَصَبَهُ مِنْ رَقَبَةِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَكْرَاهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ وَمُحَصِّلُ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ إذَا سَكَنَ أَوْ اسْتَغَلَّ أَوْ زَرَعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَضْمَنُ فِي الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكٍ حَيْثُ اسْتَعْمَلَ أَوْ أَكْرَى، وَأَمَّا مَا نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ كَسَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصُوفٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ مِنْ صَدَقَاتِ الْغَلَّةِ، فَلِمُلَخَّصِهِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكِهِ قُلْت: وَنَقَلَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِيمَا لَمْ يَكُنْ نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكٍ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَقْفَهْسِيِّ وَالْفَاكِهَانِيِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ اعْتِمَادُ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ قُلْت: وَيَبْقَى الْكَلَامُ فِي غَلَّةِ مَاعُونٍ وَنَحْوِهِ فَهَلْ يُعْطَى حُكْمَ الْحَيَوَانِ أَوْ الرِّبَاعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ الرِّبَاعِ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: فِي الْكِتَابِ] لَيْسَ هَذَا الْمَقُولُ هُوَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ فَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ لَا عَلَى رَبِّ الْمَغْصُوبِ وَلَا فِي غَلَّتِهِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهِيَ الْغَلَّةُ الَّتِي لَا تَكُونُ نَاشِئَةً عَنْ تَحْرِيكٍ كَالسَّمْنِ وَاللَّبَنِ وَالْجُبْنِ وَالثَّمَرَةِ وَالصُّوفِ وَكِرَاءِ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ. وَأَمَّا الْغَلَّةُ الَّتِي تَكُونُ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكِ الْحَيَوَانِ فِي الِاسْتِخْدَامِ مَثَلًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهَا لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَصَارَ مُحَصَّلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا غَلَّةٌ لَمْ تَنْشَأْ عَنْ تَحْرِيكٍ كَاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ فَقَدْ ضَاعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا غَلَّةٌ تَنْشَأُ عَنْ تَحْرِيكٍ فَهِيَ لَهُ أَنْفَقَ أَوْ لَمْ يُنْفِقْ كَأَنْ كَانَتْ تَأْكُلُ تِلْكَ الدَّابَّةُ مِنْ كَلَأٍ مَثَلًا [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكَلَهُ فَمِثْلُهُ] أَيْ إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَعُلِمَتْ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَذِهِ الْإِضَافَةَ] أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَدُهُ [قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ] أَيْ تَنَاوُلُ ذَلِكَ الرِّبْحِ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ نَشَأَ إلَخْ] هَذَا لَا يُنْتِجُ الْكَرَاهَةَ بَلْ يُنْتِجُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ، فَيَكُونُ الرَّاجِحَ وَقَوْلُهُ: مِنْ رَبِّهِ أَيْ اسْتَحَلَّ الرِّبْحَ مِنْ رَبِّهِ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُطَابِقُ مُفَادَ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مُفَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَتَى رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ أَحَلَّهُ أَمْ لَا وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ التَّادَلِيُّ، وَمُفَادُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إلَّا إذَا أَحَلَّهُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْإِحْلَالَ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ فِي طِيبِ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِمُفَادِ الْمُصَنِّفِ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِهِ] أَيْ صِفَتِهِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ] أَيْ بَعْدَ رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ [قَوْلُهُ: كَانَ أَحَبَّ] أَيْ

إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ) وَهُوَ أَشْهَبُ لَعَلَّ التَّصَدُّقَ بِهِ يَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَفِي بَابِ الْأَقْضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى) أَيْ مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ أَنَّهُ أَلَّفَ الْكِتَابَ فِي ذِهْنِهِ، وَتَأَمَّلَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ وَهُنَا تَمَّ الْكَلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الرُّبْعِ الرَّابِعِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَكْلِهِ [قَوْلُهُ: يَكُونُ كَفَّارَةً] لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» . فَإِنْ قِيلَ: نَدْبُ الصَّدَقَةِ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّهَا خَيْرٌ فَلَا مَفْهُومَ لِلرِّبْحِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَأَكُّدِ النَّدْبِ فِي حَقِّ هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَغْصِبُ. تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ نَاجِي: دَلَّ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَطِيبُ إلَخْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الصَّدَقَةُ بِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ. قَالَ: وَعَرَضْت هَذَا عَلَى شَيْخِنَا أَبِي مَهْدِيٍّ فَاسْتَحْسَنَهُ اهـ. قُلْت: وَجَعَلَ تت الْمَشْهُورَ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ لِرَبِّهِ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ اهـ. [قَوْلُهُ: وَتَأَمَّلْهُ] التَّأَمُّلُ قَبْلَ التَّأْلِيفِ فَالْمُنَاسِبُ تَقْدِيمُ قَوْلِهِ وَتَأَمَّلْهُ عَلَى قَوْلِهِ أَلَّفَهُ إلَّا أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا.

[باب في أحكام الدماء والحدود]

[40 - بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ] (بَابٌ) (فِي) بَيَانِ (أَحْكَامِ الدِّمَاءِ) مِنْ قَوَدٍ وَدِيَةٍ وَقِصَاصٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) فِي بَيَانِ أَسْبَابِ (الْحُدُودِ) وَلَوَازِمِهَا وَتَقَادِيرِهَا وَمَا يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا مِنْ أَدَبٍ وَتَعْزِيرٍ وَكَفَّارَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمُثْبِتِ لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَقَالَ: (وَلَا تُقْتَلُ نَفْسٌ) مُكَافِئَةٌ (بِنَفْسٍ) مُكَافِئَةٍ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعِصْمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ غِيلَةً (إلَّا) إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا (بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِاعْتِرَافٍ) أَيْ إقْرَارٍ (أَوْ بِالْقَسَامَةِ) أَيْ الْأَيْمَانِ. وَيُشْتَرَطُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْحُدُود] [المثبت لِلْقِصَاصِ فِي النَّفْس] بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ [قَوْلُهُ: مِنْ قَوَدٍ] أَيْ مِنْ ثُبُوتِ قَوَدٍ وَهُوَ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الدِّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَقِصَاصٍ] أَرَادَ بِهِ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ، وَأَرَادَ بِالْقَوَدِ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُلْصِقَهُ بِالْقَوَدِ وَيَذْكُرَ الدِّيَةَ بَعْدَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] كَالْغُرَّةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ أَسْبَابِ الْحُدُودِ] كَالزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ، وَالْحُدُودُ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ، وَشَرْعًا مَا وُضِعَ لِمَنْعِ الْجَانِي مِنْ عَوْدِهِ لِمِثْلِ فِعْلِهِ وَزَجْرِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَوَازِمِهَا] أَرَادَ بِهَا تَوَابِعَهَا أَيْ مِنْ التَّغْرِيبِ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: وَتَقَادِيرِهَا أَيْ مِقْدَارِهَا. وَقَوْلُهُ: وَمَا يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ كُلُّهُ أَيْ مَا يَثْبُتُ بِهِ أَسْبَابُ الْحُدُودِ وَأَحْكَامُ الدِّمَاءِ أَيْ مُوجِبُ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا] أَيْ إلَى أَحْكَامِ الدِّمَاءِ وَالْحُدُودِ وَالرُّجُوعُ مَعْنَاهُ الْمُشَابَهَةُ أَيْ فِي الزَّجْرِ. [قَوْلُهُ: وَتَعْزِيرٍ] هُوَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنْ الْعَذَابِ مَوْكُولٍ قَدْرُهُ لِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ، فَإِنَّ تَعْدَادَهَا مَحْدُودٌ مِنْ الشَّارِعِ وَعَطْفُ التَّعْزِيرِ عَلَى الْأَدَبِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَنْ وَطِئَ الْبَهِيمَةَ يُعَزَّرُ، وَهَلْ الْحُدُودُ زَوَاجِرُ عَنْ إتْلَافِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ وَالْأَدْيَانِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَنْسَابِ، فَفِي الْقِصَاصِ حِفْظُ النُّفُوسِ وَفِي الْقَطْعِ لِلسَّرِقَةِ حِفْظُ الْأَمْوَالِ وَفِي الْحَدِّ لِلزِّنَا حِفْظُ الْأَنْسَابِ، وَفِي الْحَدِّ لِلشُّرْبِ حِفْظُ الْعُقُولِ، وَفِي الْحَدِّ لِلْقَذْفِ حِفْظُ الْأَعْرَاضِ، وَفِي الْقَتْلِ لِلرِّدَّةِ حِفْظُ الدِّينِ، وَقِيلَ: إنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرُ أَيْ كَفَّارَاتٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ عج: وَأَمَّا التَّعَازِيرُ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا هَذَا الْخِلَافَ وَلَعَلَّهُ يُتَّفَقُ عَلَى كَوْنِهَا زَوَاجِرَ. [قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ فِي الْخَطَأِ وَمَنْدُوبَةٌ فِي الْعَمْدِ، وَقَدْ يُقَالُ: هَلَّا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّمَاءِ كَالدِّيَةِ بِدَلِيلِ عَطْفِهَا عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ. وَقَوْلُهُ: وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْحُكُومَةِ وَمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ فَهَذِهِ مِمَّا تَبَرَّعَ بِهِ. [قَوْلُهُ: مُكَافِئَةٍ لَهَا فِي الْحُرِّيَّةِ] فَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ. وَقَوْلُهُ: وَالْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ: وَالْعِصْمَةِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ قُتِلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُل أَحَدًا إلَّا أَنَّ قَتْلَهُ لَيْسَ لِلْقِصَاصِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ غِيلَةً أَيْ فَيُقْتَلُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْجَانِي مُكَلَّفًا وَقَصْدُهُ الضَّرْبُ، وَعِصْمَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إمَّا بِالْإِيمَانِ أَوْ بِالْأَمَانِ أَوْ بِحَطِّ الْجِزْيَةِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا عَلَى مُخْطِئٍ وَلَا عَلَى قَاتِلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصُومًا. [قَوْلُهُ: إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ] أَقَلُّهَا رَجُلَانِ فَلَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَيَثْبُتُ بِذَلِكَ مُوجِبُ الدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. وَشَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِفَةِ الْقَتْلِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: ذَبَحَهُ وَالْآخَرُ أَحْرَقَهُ أَوْ جَرَحَهُ بِغَيْرِ ذَبْحٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ لِقَوْلِهِمَا فَإِنْ قَامَ الْأَوْلِيَاءُ بِهِمَا بَطَلَ الدَّمُ، وَإِنْ قَامُوا بِأَحَدِهِمَا أَقْسَمُوا مَعَهُ وَاقْتَصُّوا وَسَقَطَتْ

[أحكام القسامة]

الْقَتْلِ بِهَا شُرُوطٌ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إذَا وَجَبَتْ) أَيْ الْقَسَامَةُ بِأَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ عَاقِلًا بَالِغًا مُكَافِئًا لِلْمَقْتُولِ فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ غَيْرَ أَبٍ، وَاتِّفَاقِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْقَتْلِ، وَأَنْ تَكُونَ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْعَمْدِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَنْ تَكُونَ الْأَوْلِيَاءُ رِجَالًا عُقَلَاءَ بَالِغِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَوْلِيَاءِ لَوْثٌ يُقَوِّي دَعْوَاهُمْ وَهُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَتْلِ أَوْ الْعَدْلُ يَرَى الْمَقْتُولَ يَتَخَبَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ بِحِذَائِهِ أَوْ قُرْبِهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، أَوْ يَقُولُ الْمَقْتُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQشَهَادَةُ الْآخَرِ لِاجْتِمَاعِ الْقَاتِلِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَلَى تَكْذِيبِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ إقْرَارٌ] مِنْ الْجَانِي الْمُكَلَّفِ عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالِ اخْتِيَارِهِ لَا إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَإِقْرَارِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ عج: الْبَيِّنَةُ تَجْرِي فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ بِلَا قَيْدٍ وَالِاعْتِرَافُ مِنْ الْبَالِغِ الْحُرِّ وَكَذَا الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ [قَوْلُهُ: الْأَيْمَانِ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْأَيْمَانُ وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقْسَمَ مَعْنَاهُ حَلَفَ حَلِفًا. [أَحْكَام الْقَسَامَة] [قَوْلُهُ: مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَخْ] تَعْبِيرُهُ بِمِنْ يُفِيدُ أَنَّ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ لِكُلِّ الشُّرُوطِ وَهِيَ مَا أَفَادَهَا الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَكُونَ إلَخْ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُسْقِطَ مِنْهَا، وَيَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ مِنْهَا وَهِيَ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَاتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُنَاسِبُ لِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ: وَأَنْ تَتَّفِقَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى الْقَتْلِ وَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ إلَخْ] احْتِرَازًا عَنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا لِأَنَّ عَمْدَهُمَا وَخَطَأَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلْقَسَامَةِ بِذَلِكَ إذْ شَرْطُ الْقِصَاصِ مُطْلَقًا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ نَعَمْ دِيَةُ مَنْ جَنَيَا عَلَيْهِ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا وَهُمَا كَوَاحِدٍ مِنْهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ: مُكَافِئًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا لَهُ كَأَنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ قَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا وَكَذَا قَوْلُهُ: غَيْرُ أَبٍ شَرْطٌ فِي مُطْلَقِ الْقِصَاصِ أَيْ إذَا قَصَدَ الْأَبُ ضَرْبَ وَلَدِهِ فَمَاتَ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ إزْهَاقَ رُوحِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَاتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الْقَتْلِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلدَّمِ إذَا كَانُوا رِجَالًا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَعْمَامٍ أَوْ إخْوَةٍ مَثَلًا فَعَفَا أَحَدُهُمْ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ لِأَنَّ عَفْوَهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْجَمِيعِ، وَأَحْرَى لَوْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ كَمَا لَوْ عَفَا الِابْنُ مَعَ وُجُودِ الْعَمِّ لَا إنْ عَفَا الْعَمُّ مَعَ وُجُودِ الْأَخِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْعَمْدِ إلَخْ] أَيْ فَلَا يُقْتَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَصَاعِدًا] فَلَا حَدَّ لِلْأَكْثَرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقَلَّ مَحْدُودٌ وَأَمَّا الْأَكْثَرُ فَلَا، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَأَنْ يَكُونَ الْحَالِفُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْوَلِيِّ، وَأَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ هُوَ تَعَدُّدُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ إلَّا عَاصِبٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَسْتَعِينُ بِعَاصِبِهِ فِي الْحَلِفِ مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّ الدَّمَ كَمَا إذَا قُتِلَتْ أُمُّهُ فَاسْتَعَانَ بِعَمِّهِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَكُونَ الْأَوْلِيَاءُ رِجَالًا] وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَحْلِفْنَ فِي الْعَمْدِ لِعَدَمِ شَهَادَتِهِنَّ فِيهِ، وَإِنْ انْفَرَدْنَ صَارَ الْمَقْتُولُ بِمَثَابَةِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَتُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِلَّا حُبِسَ. وَقَوْلُنَا: فِي الْعَمْدِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخَطَأِ فَيَحْلِفُهَا مَنْ يَرِثُ وَلَوْ وَاحِدًا أَوْ امْرَأَةً وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَطَأِ إلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ الْأَيْمَانَ كُلَّهَا وَتَأْخُذُ حَظَّهَا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: عُقَلَاءَ بَالِغِينَ تَكَلَّمَ عج عَلَى مُحْتَرَزِ بَالِغِينَ فَقَالَ: وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُنْظَرُ لِبُلُوغِهِ وَهَلْ يُطْلَبُ مِنْ الْعَاقِلَةِ حِينَئِذٍ الْحَلِفُ لِاحْتِمَالِ نُكُولِهَا فَتَغْرَمُ أَوْ لَا، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامٍ ذَكَرَهُ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فَيَحْلِفُ الْكَبِيرُ حِصَّتَهُ وَالصَّغِيرُ مَعَهُ، وَسَكَتَ عَنْ مُحْتَرَزِ عُقَلَاءَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ إنْ كَانَتْ تُرْجَى وَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الصَّبِيِّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُرْجَ فَيَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي النِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: لَوْثٌ إلَخْ] اللَّوْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ قَرِينَةٌ تُقَوِّي جَانِبَ الْمُدَّعِي وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ اللَّوْثِ وَهُوَ الْقُوَّةُ قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهُوَ الشَّاهِدُ أَيْ وَهُوَ رُؤْيَةُ الشَّاهِدِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى رُؤْيَةِ مُتَعَلِّقُ الشَّاهِدِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ رُؤْيَةٍ. [قَوْلُهُ: يَتَخَبَّطُ فِي دَمِهِ] أَيْ يَضْطَرِبُ فِي دَمِهِ، وَقَوْلُهُ: بِحِذَائِهِ أَيْ مُقَابِلِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ بِلَصْقِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَوْ قُرْبِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ] أَيْ

فِي الْعَمْدِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَكَيْفِيَّةُ الْقَسَامَةِ أَنَّهُ (يُقْسِمُ) أَيْ يَحْلِفُ (الْوُلَاةُ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لِلْمَقْتُولِ وَرِثُوهُ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانُوا خَمْسِينَ حَلَفُوا (خَمْسِينَ يَمِينًا) كُلُّ وَاحِدٍ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً مُتَوَالِيَةً بَتًّا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ أَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ (وَ) بَعْدَ حَلِفِهِمْ (يَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» ". (وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ) عَصَبَةٍ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ إلَّا الذُّكُورُ (وَ) إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً فَ (لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ أَكْثَرُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ) يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQكَتَلَطُّخِهِ بِدَمِهِ وَالْمُدْيَةُ بِيَدِهِ كَمَا أَفَادَهُ تت. [قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ] أَيْ الْأَخِيرِ أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ أَوْ الْعَدْلُ يَرَى الْمَقْتُولَ، أَيْ وَالْمَشْهُورُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْثٌ. وَقَوْلُهُ: أَوْ يَقُولُ الْمَقْتُولُ فِي الْعَمْدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالشَّاهِدِ أَيْ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ اخْتِصَاصَ اللَّوْثِ بِمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْوُلَاةُ] جَمْعُ وَلِيٍّ. [وَقَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً] أَيْ مِنْ النَّسَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ فَإِنَّ مَوَالِيَهُ الَّذِينَ أَعْتَقُوهُ يُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ عَصَبَةٌ لَا مِنْ النَّسَبِ وَلَا مِنْ الْمَوَالِي بَلْ وِرْثَهُ نِسَاءٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَاصِبٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يَسْتَعِينُ بِهِ أَوْ وَجَدَهُ وَنَكَلَ الْمُعِينُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تُرَدُّ عَلَى الْجَانِي. [قَوْلُهُ: وَرِثُوهُ أَمْ لَا] بِأَنْ كَانَ مَنْ يَحْجُبُهُمْ فَإِذَا تَرَكَ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ مَثَلًا وَأَرَادَ الْأَخَوَانِ أَنْ يَسْتَعِينَا بِالْعَمَّيْنِ فَلَهُمَا ذَلِكَ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا خَمْسِينَ إلَخْ] فَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الْأَوْلِيَاءِ بِأَنْ كَانُوا اثْنَيْنِ مَثَلًا أَوْ طَاعَ اثْنَانِ مِنْ الْخَمْسِينَ فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِهَا مُتَوَالِيَةً فِي الْعَمْدِ بِأَنْ يَحْلِفَ هَذَا يَمِينًا وَهَذَا يَمِينًا حَتَّى تَتِمَّ الْأَيْمَانُ، وَفِي الْخَطَإِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ وَبَعْدَ فَرَاغِهِ يَحْلِفُ الْآخَرُ حِصَّتَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْعَمْدِ يَبْطُلُ الدَّمُ بِنُكُولِ وَاحِدٍ فَشَدَّدَ بِخِلَافِ الْخَطَأِ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْحَالِفِ بِنُكُولِ النَّاكِلِ. [قَوْلُهُ: مُتَوَالِيَةً] الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ يَمِينًا. [قَوْلُهُ: بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ] كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ: وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ فَقَطْ لَا يُقْبَلُ حَتَّى يَقُولَ: الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَفِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْيَمِينُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي اللِّعَانِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَفِي الْقَسَامَةِ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ فَقَطْ. قَالَ الشَّيْخُ: وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. [قَوْلُهُ: أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ] هَذَا فِيمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى الْقَتْلِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ] فِيمَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى الضَّرْبِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالضَّرْبِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ أَوْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ كَأَنْ يَقُولَ: لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ أَوْ إنَّمَا مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. [قَوْلُهُ: أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ إلَخْ] أَيْ لِخَبَرِ الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُد «عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلًا» الْحَدِيثَ. وَفِيهِ. «فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ، فَوَدَاهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِنْدِهِ» اهـ. أَيْ مِنْ إبِلِهِ. [قَوْلُهُ: أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةٍ] لِأَنَّ أَيْمَانَ الْأَوْلِيَاءِ أُقِيمَتْ مَعَ اللَّوْثِ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ، وَكَمَا لَمْ يَكْتَفِ فِي الْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَكْفِي فِي الْأَيْمَانِ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا جَاءَتْ جَمَاعَةٌ لِإِنْسَانِ فَقَتَلُوهُ مُجْتَمِعِينَ عَمْدًا عُدْوَانًا وَمَاتَ مَكَانَهُ أَوْ رُفِعَ مَغْمُورًا أَوْ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ جِنَايَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ تَمَيَّزَتْ وَاسْتَوَتْ كَأَنْ اخْتَلَفَتْ وَكَانَ فِي بَعْضِهَا فَقَطْ مَا نَشَأَ عَنْهُ الْمَوْتُ وَلَمْ يُعْلَمْ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُقْتَلُونَ مِنْ غَيْرِ قَسَامَةٍ، أَيْ وَثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ لَا إنْ احْتَاجَ لِقَسَامَةٍ فَلَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ لَهَا كَمَا إذَا تَأَخَّرَ مَوْتُهُ غَيْرَ مَنْفُوذِ مَقْتَلٍ وَغَيْرَ مَغْمُورٍ قُتِلَ وَاحِدٌ فَقَطْ بِقَسَامَةٍ وَهُوَ الَّذِي كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ مَا احْتَاجَ لِقَسَامَةٍ فَتَدَبَّرْ. وَكَذَا لَوْ تَمَيَّزَتْ جِنَايَاتُ كُلٍّ وَلَمْ يَحْصُلْ تَمَالُؤٌ بَلْ قَصَدَ كُلُّ وَاحِدٍ الضَّرْبَ

وَقِيلَ: يُقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ يَخْتَارُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَقْتُلُونَهُ، وَنَسَبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَسَبَ ك الْأَوَّلَ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ بِالْقَسَامَةِ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَقَتَلَهُ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ وَالْمُحِقُّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِائَةً وَيُسْجَنُونَ سَنَةً. وَلَمَّا كَانَ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ اللَّوْثُ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي. نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِذِكْرِ صُوَرٍ ثَلَاثٍ آتِيًا بِأَدَاةِ الْحَصْرِ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِقَوْلِ الْمَيِّتِ) فِي مَرَضِهِ (دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ) لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْعَمْدِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا كَانَ بِهِ جُرْحٌ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: " لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَوْلِ جُرْحٌ وَنَحْوُهُ وَبِهِ الْعَمَلُ وَشَهَرَهُ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَهَادَةِ) وَاحِدٍ (عَلَى) مُعَايَنَةِ (الْقَتْلِ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يَكُونُ لَوْثًا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ سَاقِطَةٌ شَرْعًا، فَإِذَا شَهِدَ الْعَدْلُ بِمُعَايَنَةِ الْقَتْلِ يُقْسِمُ الْوُلَاةُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَيَسْتَحِقُّونَ الدَّمَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوَثٌ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَوْتُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجُرْحِ ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَ ذَلِكَ) لَيْسَ الْجُرْحُ شَرْطًا بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَرَحَهُ كُلٌّ وَمَاتَ وَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيُّهَا مَاتَ فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ الْأَقْوَى فِعْلًا عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتَعَيَّنُ وَحْدَهُ لِلْقَتْلِ بِقَسَامَةٍ وَيُقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ جَرَحَهُ، وَيُعَاقَبُ مَنْ لَمْ يَجْرَحْ وَأَمَّا الْمُتَمَالَئُونَ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الضَّرْبِ بِأَنْ قَصَدُوا جَمِيعًا وَحَضَرُوا قَتْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ الَّذِي لَمْ يَضْرِبْ لَوْ اُحْتِيجَ لَهُ لَضَرَبَ وَمَاتَ فَوْرًا فَيُقْتَصُّ مِنْهُمْ عِنْدَ الْمُكَافَأَةِ. [قَوْلُهُ: يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ] أَيْ فَيَقُولُونَ لَمِنْ جَرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ مَاتَ وَلَا يَقُولُونَ لَمِنْ جَرْحِهِمْ أَوْ ضَرْبِهِمْ، وَانْظُرْ إذَا قَالُوا ذَلِكَ هَلْ تُعَادُ الْأَيْمَانُ أَوْ لَا؟ وَإِذَا عَيَّنُوا وَاحِدًا وَأَقْسَمُوا عَلَيْهِ وَاعْتَرَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْقَاتِلُ بِمُفْرَدِهِ فَإِنَّ الْأَوْلِيَاءَ يَقْتُلُونَ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ] بِأَنْ يَقُولُوا لِمَنْ ضَرَبَهُمْ مَاتَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَيُضْرَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ بَقِيَ مِائَةً وَيُسْجَنُونَ سَنَةً] جَارٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ [قَوْلُهُ: بِقَوْلِ الْمَيِّتِ إلَخْ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا حُرًّا مُسْلِمًا عَاقِلًا وَقَوْلُهُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ سَوَاءٌ كَانَ فُلَانٌ حُرًّا أَوْ عَبْدًا بَالِغًا أَوْ لَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَدْلًا أَوْ لَا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا عَدُوًّا أَوْ لَا. وَلَدًا ادَّعَى أَنَّ أَبَاهُ شَقَّ جَوْفَهُ أَوْ ذَبَحَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْعَدَاوَةُ هُنَا تُؤَكِّدُ صِدْقَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْقَتْلِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْعَمْدِ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَالْقَوَدَ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ أَيْضًا أَنَّ الْوُلَاةَ يُقْسِمُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ، وَقِيلَ: لَا قَسَامَةَ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ. تَنْبِيهٌ: شَرْطُ الْعَمَلِ بِقَوْلِهِ أَيْضًا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ وَأَنْ يَتَمَادَى عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ إذَا بَيَّنَ قَتْلَهُ بِأَنَّهُ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ وَأَطْلَقَ فَلَمْ يَقُلْ لَا عَمْدًا وَلَا خَطَأً فَإِنَّ أَوْلِيَاءَهُ يُبَيِّنُونَ ذَلِكَ وَيُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفُوا عَلَى الْعَمْدِ قُتِلُوا وَإِنْ حَلَفُوا عَلَى الْخَطَأِ أَخَذُوا الدِّيَةَ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ] سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَالْمَرْأَتَانِ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا وَفِي سَائِرِ مَا قُلْنَا أَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ فِيهِ لَوْثٌ. [قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ] أَيْ لِأَنَّهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَيًّا وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتَمْكِينُ الْأَوْلِيَاءِ حِينَئِذٍ مِنْ الْقَسَامَةِ يَسْتَلْزِمُ قَتْلَ الْجَانِي وَيَسْتَلْزِمُ تَزْوِيجَ امْرَأَةِ الْمَقْتُولِ وَقَسْمَ مَالِهِ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَنَّ ثُبُوتَ الْمَوْتِ خَاصٌّ بِهَذَا اللَّوْثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمَوْتِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْقَسَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ رُؤْيَةُ الْعَدْلِ الْمَقْتُولَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالشَّخْصَ الْمُتَّهَمَ بِقُرْبِهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْقَتْلِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى الْجَرْحِ] أَيْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ

وَالضَّرْبُ مِثْلُهُ سَوَاءٌ شَهِدَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ، فَيُقْسِمُ الْوُلَاةُ أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ مَاتَ، أَمَّا إنْ مَاتَ بِفَوْرِهِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ بِلَا قَسَامَةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ) لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمَقْصُودُ تَأْخِيرُ الْمَوْتِ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْجُرْحِ أَوْ الضَّرْبِ يَوْمًا فَصَاعِدًا، وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ. (وَإِذَا نَكَلَ) بِفَتْحِ الْكَافِ بِمَعْنَى رَجَعَ (مُدَّعُو الدَّمِ) كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْ الْيَمِينِ فِي الْعَمْدِ وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ أَوْ بِشَاهِدٍ عَلَى الْقَتْلِ (حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا) وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ مَعَهُمْ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْلِفُ مِنْ وُلَاتِهِ مَعَهُ غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ حَلَفَ الْخَمْسِينَ) يَمِينًا وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سُجِنَ بِسَبَبِ أَمْرٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا نَكَلُوا فِي الْخَطَأِ قِيلَ تَبْطُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِعْلُ بَلْ وَالضَّرْبُ أَيْ أَوْ شَهِدَا عَلَى مُعَايَنَةِ الضَّرْبِ، وَكَذَلِكَ يُعَدُّ لَوْثًا شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا لَا خَطَأً، فَلَا يَكْفِي شَهَادَةُ الْوَاحِدِ فِيهِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَهُ فِي الْخَطَأِ جَارٍ مُجْرَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالدِّيَةِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى إقْرَارِهِ نَاقِلٌ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِ النَّاقِلِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ وَلَا بُدَّ مَعَ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَرْحِ أَوْ الضَّرْبِ مِنْ يَمِينٍ مُكَمِّلَةٍ لِلنِّصَابِ وَفِي صِفَتِهَا خِلَافٌ، فَقِيلَ: يَحْلِفُهَا قَبْلَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ، وَقِيلَ: يَحْلِفُهَا مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْجَرْحِ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ مِنْ الْخَمْسِينَ لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَقَدْ مَاتَ مِنْ جُرْحِهِ، فَإِنْ قُلْت. قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ إقْرَارَهُ بِكَوْنِهِ قَتَلَهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ عَمْدًا يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا: إنَّ الْقَتْلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْجُرْحُ يَثِبُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ وَإِنْ تَعَدَّدَ اللَّوْثُ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ] تَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ يُفِيدُ الْحَصْرَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولُوا: إنَّمَا مَاتَ مِنْ جَرْحِهِ أَوْ ضَرْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إنْ مَاتَ بِفَوْرِهِ أَوْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْتُولِ بِأَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ الْمَوْتُ لِضَعْفِ أَمْرِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْمُعَايَنَةِ. [قَوْلُهُ: يَوْمًا فَصَاعِدًا] هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلُهُ مَاتَ بِفَوْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِيهِ لِلْعُرْفِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْيَوْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَحَرِّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ] الصَّوَابُ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا نَكَلَ] بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُمْ] أَيْ وَكَانُوا مُسَاوِينَ لِمَنْ لَمْ يَنْكُلْ، وَأَوْلَى لَوْ كَانُوا أَعْلَى مِنْهُ فِي الدَّرَجَةِ كَمَا لَوْ نَكَلَ الِابْنُ مَعَ وُجُودِ الْعَمِّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ ذَلِكَ النَّاكِلُ أَبْعَدَ كَالْعَمِّ مَعَ وُجُودِ الْأَخِ فَلَا عِبْرَةَ بِنُكُولِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ إلَخْ] هَذَا الْقَيْدُ مُضِرٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ بِمَا ذَكَرَ أَوْ بِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ إلَخْ] مُلَخَّصُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدٌ فَقَطْ، فَجَعْلُ عَصَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِمْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ تَغْلِيبٌ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَيَحْلِفُ الْمُتَّهَمُ مَعَهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ مَا يَشْمَلُ عَصَبَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ. وَقَوْلُهُ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَقَوْلُهُ: وَحْدَهُ حَالٌ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَسْتَعِينُ بِعَاصِبِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ مَا يُفِيدُ ضَعْفَ كَلَامِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ وَاعْتِمَادَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ أَرَادَ النَّاكِلُ مِنْ الْمُدَّعِينَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْحَلِفِ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَبَدًا] هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَنْ نَكَلَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَإِنْ طَالَ أَزْيَدَ مِنْ سَنَةٍ ضُرِبَ مِائَةً

الْقَسَامَةُ، وَقِيلَ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ، وَالْقَاتِلُ كَرَجُلٍ مِنْهُمْ فَمَنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ ع: قَوْلُهُ: حَلَفَ إلَخْ هَذَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَلَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى جَمَاعَةٍ) ق: يُرِيدُ وَقَدْ نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ (حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ (خَمْسِينَ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا، وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا حَلَفَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ عَلَى الصَّحِيحِ. (وَيَحْلِفُ مِنْ الْوُلَاةِ فِي طَلَبِ الدَّمِ خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا) ق: هَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ مَعَ وُجُودِ أَكْثَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ. ج: وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَجْتَزِئُ مِنْهُمْ بِخَمْسِينَ (وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ) مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا (قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ) فَالِاثْنَانِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا (وَلَا تَحْلِفُ امْرَأَةٌ فِي الْعَمْدِ) كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُطْلِقَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ تَبْطُلُ الْقَسَامَةُ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: فَيَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ] فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا وَاحِدَةً وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافِ رَجُلٍ وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ] وَيَكُونُ لِمَنْ نَكَلَ مِنْ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ أَوْ حَلَفَ بَعْضَ الْأَيْمَانِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّاكِلِ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ وَأَخَذَ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا رُدَّ بِنُكُولِ الْعَاقِلَةِ، هَذَا إذَا كَانَتْ عَاقِلَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ حَلَفَ الْجَانِي خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَبْرَأُ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الدِّيَةَ كُلَّهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةٌ وَلَا بَيْتُ مَالٍ أَوْ كَانَ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ جَمِيعَ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْتُ مَالٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ حِصَّتَهُ الَّتِي تَخُصُّهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَاقِلَةٌ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى وَاحِدٍ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ كَانَ الْمُدَّعِي رَجُلًا أَوْ أَكْثَرَ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ فَإِنَّهُ فَرْضُهُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ، أَوْ نَكَلَ الْمُعِينُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ وَقَدْ نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ] أَيْ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُشَارِكٌ لِغَيْرِ النَّاكِلِ فِي الدَّرَجَةِ. وَقَالَ عج: ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ وَنَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ أَوْ بَعْضُهُمْ، وَيَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْ الْوَلِيِّ اهـ. [قَوْلُهُ: حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا إلَخْ] وَمَنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَإِنْ طَالَ أَزْيَدَ مِنْ سَنَةٍ ضُرِبَ مِائَةً وَأُطْلِقَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ فِي الْجَلَّابِ: إذَا نَكَلَ الْمُدَّعُونَ لِلدَّمِ عَنْ الْقَسَامَةِ وَرُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَنَكَلُوا حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُمْ تُرِكُوا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَلْدُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ اهـ. أَيْ فَالطُّولُ هُوَ حَبْسُ السَّنَةِ وَهَذَا فِيمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ، وَأَمَّا مَا لَا قَسَامَةَ فِيهِ كَالْعَبْدِ يَدَّعِي عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَلَا ضَرْبَ وَلَا سِجْنَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ نَكَلَ ضُرِبَ وَسُجِنَ وَغَرِمَ الْقِيمَةَ بَعْدَ يَمِينِ السَّيِّدِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَوْثٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لِلْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ إلَخْ] أَشَارَ لِهَذَا الْخِلَافِ الْفَاكِهَانِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ هَلْ يَحْلِفُونَ كُلُّهُمْ أَوْ إنَّمَا يَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. لَكِنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ. [قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ اثْنَانِ] أَيْ حَيْثُ أَطَاعَا بِالْخَمْسِينَ يَمِينًا وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْبَاقِي امْتِنَاعٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ] أَتَى بِهَذَا كَأَنَّهُ مَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ خَمْسُونَ رَجُلًا وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ الْوُلَاةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ، وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ مَا لِلْمُصَنِّفِ لَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ عَدَدُ الْأَوْلِيَاءِ عَدَدَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ أَوْ كَانُوا أَكْثَرَ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، وَلَا يَكْفِي حَلِفُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رَجُلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَكْفِي حَلِفُ اثْنَيْنِ أَطَاعَا مِنْ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ وَيَحْلِفُ أَيْ يَجُوزُ لَا أَنَّهُ يَجِبُ. [قَوْلُهُ: كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ أَمْ لَا] فَإِنْ انْفَرَدَتْ النِّسْوَةُ يَصِيرُ الْمَقْتُولُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَتُرَدُّ

أَمْ لَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدَّمِ فِي الْقَسَامَةِ شَرْطُهُ الذُّكُورِيَّةُ. (وَتَحْلِفُ الْوَرَثَةُ فِي الْخَطَإِ بِقَدْرِ مَا يَرِثُونَ مِنْ الدِّيَةِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ) فَالِاثْنَانِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا، وَالثَّلَاثَةُ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةَ عَشَرَ يَمِينًا وَثُلُثَانِ، وَيَجْبُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْكَسْرَ الَّذِي صَارَ إلَى حِصَّتِهِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا (وَإِنْ انْكَسَرَتْ يَمِينٌ عَلَيْهِمْ حَلَفَهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنًا وَبِنْتًا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلذَّكَرِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ، وَلِلْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَا الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ، فَقَدْ حَصَلَ لِلْبِنْتِ مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ أَكْثَرُ مِنْ الِابْنِ فَتَحْلِفُ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى تَوَزُّعِ الْأَيْمَانِ فِي الْخَطَإِ مَسْأَلَةٌ (وَ) هِيَ (إذَا حَضَرَ بَعْضُ وَرَثَةِ دِيَةِ الْخَطَإِ) وَغَابَ الْبَعْضُ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِمَنْ حَضَرَ (بُدٌّ) أَيْ حَتْمٌ لَازِمٌ (أَنْ يَحْلِفَ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ) الْخَمْسِينَ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا (ثُمَّ يَحْلِفُ مَنْ يَأْتِي) أَيْ يَجِيءُ مِمَّنْ كَانَ غَائِبًا (بَعْدَهُ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ) وَلَا يُجْتَزَى بِيَمِينِ مَنْ حَضَرَ قَبْلَهُ. ك: لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ أَخْذِ هَذَا الْمَالِ حُصُولُ الْأَيْمَانِ، فَإِنْ حَلَفَ الْحَاضِرُ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْهُ وَالْآتِي بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْوَرَثَةِ يَحْلِفُ مَا يَنْوِيهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ لِتَقَدُّمِ أَيْمَانِ الْحَاضِرِ كُلَّ الْأَيْمَانِ انْتَهَى. . ق: (وَيَحْلِفُونَ فِي الْقَسَامَةِ) وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ (قِيَامًا) رَدْعًا لَهُمْ وَزَجْرًا لَعَلَّ الْمُبْطِلَ يَرْجِعُ لِلْحَقِّ، وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ الْحَلِفِ قِيَامًا فَفِي عَدِّهِ نُكُولًا قَوْلَانِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلْمَقْتُولِ إلَّا عَاصِبٌ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِعَانَةُ بِعَاصِبِهِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْمَقْتُولِ كَمَا إذَا قُتِلَتْ أُمُّهُ فَإِنَّ لَهُ الِاسْتِعَانَةَ بِعَمِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَعِنْ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ تُرَدُّ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَلَا يُطْلَقُ وَلَوْ طَالَ حَبْسُهُ [قَوْلُهُ: فِي الْخَطَإِ] أَيْ فِي إثْبَاتِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ. [قَوْلُهُ: مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ] بَلْ وَإِنْ انْفَرَدَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهَا كُلِّهَا، وَلَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ إلَّا فَرْضَهَا وَمِثْلُهَا الْأَخُ لِلْأُمِّ، وَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْجَانِي مِمَّا زَادَ عَلَى نَصِيبِ الْحَالِفِ لِتَعَذُّرِ الْحَلِفِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِمَنْزِلَةِ نُكُولِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ نَكَلَتْ غَرِمَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: حَلَفَهَا] أَيْ الْمُنْكَسِرَةَ أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْهَا [قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى تَوْزِيعِ] مَصَبِّ التَّفْرِيعِ قَوْلُهُ: ثُمَّ يَحْلِفُ مَنْ يَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَغَابَ الْبَعْضُ] أَوْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. [قَوْلُهُ: بُدٌّ] بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الْمُهْمَلَةِ. [قَوْلُهُ: حَتْمٌ لَازِمٌ] فِي تَقْدِيرِ هَذَا مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، وَالْمُتَعَيِّنُ قَوْلُ تت أَيْ مَهْرَبٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيُوهِمُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَمْ يَكُنْ حَتْمٌ لَازِمٌ أَنْ يَحْلِفَ الْخَمْسِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ لَهَا إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِمَجْمُوعِ النَّفْيِ وَمَدْخُولِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ حَلِفِ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يَحْلِفُ مَنْ يَأْتِي إلَخْ] وَظَاهِرُهُ وَلَوْ رَجَعَ الْحَالِفُ أَوَّلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ الَّتِي حَلَفَهَا وَرَدَّ مَا أَخَذَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ حِصَّتَهُ فَقَطْ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَيَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدِّيَةِ، فَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ أَوْ مَنْ كَانَ صَبِيًّا وَوَرِثَهُ الَّذِي حَلَفَ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ، فَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ الْمَيِّتِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِحَلِفِهِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: بَعْدَهُ] أَيْ بَعْدَ حَلِفِ الْحَاضِرِ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ. [قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ إلَخْ] عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: يَحْلِفُ مَا يَنُوبُهُ أَيْ وَلَا يَحْلِفُ الْكُلَّ لِتَقَدُّمِ أَيْمَانِ الْحَاضِرِ، وَالْأَوْلَى لِتَقَدُّمِ حَلِفِ الْحَاضِرِ كُلَّ الْأَيْمَانِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ قِيَامًا أَيْ قِيَامًا عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونَ يَحْلِفُونَ قُعُودًا. [قَوْلُهُ: قِيَامًا] أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِمْ قِيَامًا. [قَوْلُهُ: فَفِي عَدِّهِ نُكُولًا قَوْلَانِ] قَالَ ق: فَإِنْ قُلْنَا نُكُولًا بَطَلَ حَقُّهُمْ، وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِنُكُولٍ يَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ وَيَحْلِفُونَ جُلُوسًا اهـ. ك: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاجِبٌ شَرْطٌ وَعَلَى الثَّانِي وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي التَّقْرِيرِ وَكَذَا وَجَدْته

بِالزَّمَانِ، وَإِنَّمَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالْمَكَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَيُجْلَبُ) الْحَالِفُ (إلَى مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةَ (وَ) إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (وَ) إلَى (بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَهْلُ أَعْمَالِهَا) أَيْ طَاعَتِهَا (لِلْقَسَامَةِ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَسَافَةَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْدَعُ لِلْكَاذِبِ لِشَرَفِهَا (وَلَا يُجْلَبُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ إلَى غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ) حَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِعَشَرَةٍ. (وَلَا قَسَامَةَ فِي جُرْحٍ) ك: رُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا جَرَحَ شَخْصٌ شَخْصًا وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يُقْسِمُ وَيَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ إنْ كَانَ خَطَأً، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ الْقَسَامَةُ فِي الْجُرُوحِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ (وَ) كَذَا (لَا) قَسَامَةَ (فِي) قَتْلِ (عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْحُرِّ وَإِنَّمَا فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا (وَ) كَذَا (لَا) قَسَامَةَ (بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ) مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ الْمُسْلِمُ الذِّمِّيَّ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَإِذَا ثَبَتَ قَتْلُهُ لَهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَخَذَ وَلِيُّهُ دِيَتَهُ وَيُضْرَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْيِيدًا. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِالزَّمَانِ] قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَخْ فَفِيهِ تَرْجِيحٌ لِعَدَمِ التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ. [قَوْلُهُ: أَهْلُ أَعْمَالِهَا] نَائِبُ فَاعِلِ يُجْلَبُ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ الْحَالِفُ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْمَوْصُوفِ بِنَائِبِ الْفَاعِلِ، أَيْ أَهْلُ طَاعَةِ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ الَّذِينَ يُؤَدُّونَ لَهَا الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ. [قَوْلُهُ: لِلْقَسَامَةِ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجْلَبُ أَحَدٌ إلَى تِلْكَ الْأَمَاكِنِ فِي حَلِفٍ غَيْرِ الْقَسَامَةِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ] أَيْ مَوْضِعُ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَانْظُرْ هَلْ ذَهَابًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ يُجْلَبُ أَوْ ذَهَابًا وَإِيَابًا كَذَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ عَشَرَةَ أَمْيَالٍ أَيْ لَا أَيَّامٍ. كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَانْظُرْ لَوْ كَانَ أَعْمَالُهَا عَلَى أَكْثَرِ مِنْ عَشَرَةٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى غَيْرِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى إلَى، أَيْ إلَى غَيْرِهَا مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ عِنْدَ الْحَالِفِ. [قَوْلُهُ: إلَّا مِنْ الْأَمْيَالِ] أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَلْبُ مِنْ الْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَعْمَلُ الْمُصَلِّي إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَإِيلْيَا» . [قَوْلُهُ: حَدَّهَا بَعْضُهُمْ] أَفْصَحَ عَنْ هَذَا تت بِقَوْلِهِ: قِيلَ ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ عَشَرَةٌ، وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضٍ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَةُ أَيْ وَمَا قَارَبَهَا. [قَوْلُهُ: رُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الِاسْمُ إلَخْ] وَلَمْ يُتِمَّ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ، وَيُجْمَعُ الِاسْمُ عَلَى جُرُوحٍ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَتْحُ مِنْ رِوَايَتِهِ كَالضَّمِّ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: وَبِالْفَتْحِ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالضَّمِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ رِوَايَتِهِ فَيَكُونَ مُسْتَأْنَفًا. وَاقْتِصَارُ تت عَلَى الضَّمِّ يُؤَيِّدُهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ] أَيْ فَإِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ شَاهِدَانِ فَالدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَتُؤْخَذُ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَيُقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ إلَّا عِنْدَ الْمُكَافَأَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي بَرِئَ الْجَارِحُ إنْ حَلَفَ وَإِلَّا حُبِسَ فِي جُرْحِ الْعَمْدِ وَغَرِمَ فِي غَيْرِهِ، وَإِنْ تَجَرَّدَتْ الدَّعْوَى عَنْ الشَّاهِدِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَحْلِفُ. [قَوْلُهُ: لَا قَسَامَةَ فِي عَبْدٍ] أَيْ وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى قَوْلِهِ عَدْلَانِ لِأَنَّهُ مَالٌ. [قَوْلُهُ: إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ] أَيْ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ غَرِمَ قِيمَتَهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، وَإِنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ حَلَفَ سَيِّدُهُ يَمِينًا وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ: مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ ظَاهِرُهَا أَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَافِرٌ. وَحَاصِلُ مُرَادِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وُجِدَ مَنْفُوذَ الْمَقَاتِلِ وَهُوَ يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ الْمُسْلِمِ وَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عَدْلَانِ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ إذَا قَتَلَ إذَا تَحَقَّقَ قَتْلُهُ بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: وَإِذَا ثَبَتَ قَتْلُهُ إلَخْ] أَيْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَتَلَهُ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ دِيَتَهُ فِي الْعَمْدِ مِنْ مَالِهِ

[قتل الغيلة]

الْقَاتِلُ مِائَةً وَيُسْجَنُ عَامًا إنْ كَانَ عَمْدًا (وَ) كَذَا (لَا قَسَامَةَ) وَلَا دِيَةَ (فِي قَتِيلٍ وُجِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ) قَتِيلٍ (وُجِدَ فِي مَحَلَّةِ) أَيْ دَارِ (قَوْمٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الصَّفَّانِ مُتَأَوِّلَيْنِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَدَمُهُ هَدَرٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَوِّلًا، فَمَاتَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَمَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَأَوِّلِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا يُبْعِدُهُ عَنْ دَارِهِ لِيُبَاعِدَ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ. . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى بَعْضِ آثَارِ الْجِنَايَةِ فَقَالَ: (وَقَتْلُ الْغِيلَةِ) وَهِيَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ لِأَخْذِ مَالِهِ (لَا عَفْوَ فِيهِ) لَا لِلْمَقْتُولِ وَلَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَا لِلسُّلْطَانِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا مَقْتُولٌ حَدًّا لَا قَوَدًا. (وَلِلرَّجُلِ) وَلَوْ سَفِيهًا (الْعَفْوُ عَنْ دَمِهِ) أَيْ عَنْ دَمِ نَفْسِهِ (الْعَمْدِ) إذَا عَفَا بَعْدَ مَا وَجَبَ لَهُ الدَّمُ مِثْلُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهِ وَلَا كَلَامَ لِلْأَوْلِيَاءِ وَلَا لِأَهْلِ الدَّيْنِ إذَا كَانَ مِدْيَانًا، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا عَفَا قَبْلَ وُجُوبِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ اُقْتُلْنِي وَدَمِي هَدَرٌ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ عَفَا عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ لِأَوْلِيَائِهِ وَقَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ قَتْلَ غِيلَةٍ) تَكْرَارٌ (وَعَفْوُهُ) أَيْ الرَّجُلِ الْمَقْتُولِ (عَنْ) دَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَعَ الْعَاقِلَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَاهِدٌ فَإِنَّ وَلِيَّهُ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَأْخُذُ دِيَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا دَعْوَى وَلِيِّ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ الصَّفَّيْنِ] أَيْ الْمُسْلِمَيْنِ. [قَوْلُهُ: مُتَأَوِّلَيْنِ] أَيْ بِأَنْ ظَنَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ جَوَازَ قِتَالِهَا لِلْأُخْرَى لِكَوْنِهَا أَخَذَتْ مَالَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَاغِيَةً عَلَى الْأُخْرَى أَيْ فَدَمُ كُلٍّ هَدَرٌ. وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ وَلَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ غَيْرُ الْبُغَاةِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فِي هَذِهِ، أَعْنِي مَا إذَا كَانَ كُلٌّ بَاغِيًا، وَأَمَّا لَوْ عُلِمَ الْقَاتِلُ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَى عَيْنِهِ لَاقْتُصَّ مِنْهُ قَالَهُ مَالِكٌ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْثٌ وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْمَقْتُولُ مَطْرُوقًا لِمُرُورِ النَّاسِ فِيهِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَمُرُّ فِيهِ إلَّا أَهْلُهُ وَوُجِدَ فِيهِمْ شَخْصٌ مَقْتُولٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَوْثًا [قَتْلَ الغيلة] [قَوْلُهُ: وَهِيَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ لِأَخْذِ مَالِهِ] احْتِرَازًا عَنْ الْقَتْلِ لِلثَّائِرَةِ أَيْ الْعَدَاوَةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ فَإِنَّ فِيهِ الْقِصَاصَ، وَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ فِيهِ وَعَنْ الْقَتْلِ لِطَلَبِ الْإِمَارَةِ أَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْإِمَارَةِ قَصْدُهُ فِي الْغَالِبِ خَلْعُ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: لَا عَفْوَ فِيهِ إلَخْ] أَيْ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهِ أَوْ لَا عَفْوَ فِيهِ نَافِذٌ. [قَوْلُهُ: لَا لِلْمَقْتُولِ] وَلَوْ بَعْدَ إنْفَاذِ مَقَاتِلِهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا وَالْقَاتِلُ حُرًّا مُسْلِمًا لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي مَعْنَى الْمُحَارَبَةِ، وَالْمُحَارِبُ بِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَوْ بِعَبْدٍ أَوْ كَافِرٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ] أَيْ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَفْوِ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ، ثُمَّ إنَّ الْفَاكِهَانِيَّ بَحَثَ فِي ذَلِكَ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ: قُلْت لَا يَخْتَصُّ حَقُّ اللَّهِ بِقَتْلِ الْغِيلَةِ حَتَّى يَصْلُحَ عِلَّةً لِمَا ذَكَرَ إذْ مَا مِنْ حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ لِلْعَبْدِ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ وَهُوَ إيصَالُهُ ذَلِكَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّيهِ فَانْظُرْ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ اهـ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ مَقْتُولٌ حَدًّا] لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمُكَافَأَةُ، وَأَمَّا الْقَوَدُ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُكَافَأَةُ [قَوْلُهُ: وَلِلرَّجُلِ الْعَفْوُ] مَفْهُومُ الرَّجُلِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ إذْ الْأُنْثَى وَالصَّغِيرُ كَذَلِكَ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: إذَا عَفَا بَعْدَمَا وَجَبَ] نَظِيرُ ذَلِكَ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: اقْطَعْ يَدِي أَوْ أَحْرِقْ ثَوْبِي فَيَفْعَلُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أَيْ مَعَ قَوْلِهِ وَقَتْلُ الْغِيلَةِ. وَقَالَ تت: لَيْسَ فِيهِ تَكْرَارٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَقْتُلُهُ فِيهِ غَدْرًا وَيَأْخُذُ مَالَهُ، وَمَعْنَى مَا هُنَا مِنْ نَفْيِ الْغِيلَةِ أَيْ بِأَنْ يَقْتُلَهُ لِعَدَاوَةٍ أَوْ حَسَدٍ اهـ. بِالْمَعْنَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ مَعْنَى التَّكْرَارِ أَنَّهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ أَيْ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِنَا هُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَتْلُ الْغِيلَةِ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ، وَقَتْلُ الْغِيلَةِ لَا عَفْوَ فِيهِ فَدَعْوَى التَّكْرَارِ بِغَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِالْمَفْهُومِ نَظَرٌ، وَدَعْوَى عَدَمِ التَّكْرَارِ مُطْلَقًا نَظَرٌ. قَالَ الشَّيْخُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: صَرَّحَ بِهِ دَفْعًا لَمَّا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ لَا عَفْوَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمَقْتُولِ. [قَوْلُهُ: وَعَفْوُهُ فِي ثُلُثِهِ] سَوَاءٌ نُفِذَتْ مَقَاتِلُهُ أَمْ لَا، وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ

نَفْسِهِ (الْخَطَأِ) كَائِنٌ (فِي ثُلُثِهِ) ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلدَّمِ إمَّا أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، وَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ) بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّمِ، وَكَانَ بَالِغًا (فَلَا قَتْلَ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَمَّا لَمْ يَتَبَعَّضْ كَانَ سُقُوطُ بَعْضِهِ يُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ سُقُوطُ الْقَتْلِ بِعَفْوِ بَعْضِ الْبَنِينَ سَقَطَ نَصِيبُهُ وَحْدَهُ (وَ) يَثْبُتُ (لِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْبَنِينَ (نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ لَا يَسْقُطُ جَمِيعُهُ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ وَبَيَّنَّاهُ فِي الْأَصْلِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ مَعَ الْبَنِينَ) إنْ لَمْ يَكُونُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ الذُّكُورُ أَقْرَبَ فَلَا كَلَامَ لِلْبَنَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْبَنَاتُ أَقْرَبَ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ أَوْ بِاجْتِمَاعِ بَعْضٍ مِنْ كُلِّ الصِّنْفَيْنِ، أَوْ بِاجْتِمَاعِ أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَبَعْضِ الصِّنْفِ الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ عَفَا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَأَرَادَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الْقَتْلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْقَتْلَ (وَمَنْ عَفَا عَنْهُ فِي الْعَمْدِ) أَوْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْقِصَاصُ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ كَالْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الْكَافِرَ (ضُرِبَ مِائَةً) رَدْعًا (وَحُبِسَ عَامًا) وَعَلَى ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فَابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ قَالَهُ عج. فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَلْفَانِ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَدِيَتُهُ أَلْفٌ فَإِنَّ الدِّيَةَ تَسْقُطُ عَنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ سَقَطَ عَنْ الْقَاتِلِ مَعَ عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ] أَيْ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِمْ مِنْ كُلِّ شَخْصَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مُشْتَرِكِينَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِتَسَاوِيهِمْ كَأَحَدِ عَمَّيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ مُعْتِقَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مُسَاوَاةٌ فَعَفْوُ الْبَعِيدِ لَغْوٌ وَالْقَرِيبُ مُعْتَبَرٌ بِالْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: وَكَانَ بَالِغًا] أَيْ وَعَاقِلًا. [قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ لِمَنْ بَقِيَ] وَامْتَنَعُوا مِنْ الْعَفْوِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَافِي إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَفَا عَنْهَا صَرِيحًا أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ إرَادَتُهَا فَيَحْلِفُ، وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ، " وَنَصِيبُهُمْ " بِالْجَمْعِ مُرَاعَاةً لِمَعْنَى " مِنْ ". [قَوْلُهُ: نَصِيبُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ] أَيْ دِيَةِ عَمْدٍ، وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ الْبَاقِي نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ إذَا كَانَ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ أَوْ مَعَ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ، مِثَالُ الْأَوَّلِ عَفْوُ أَحَدِ الْبَنِينَ الذُّكُورِ، وَمِثَالُ الثَّانِي لَوْ عَفَا أَحَدُ الْبَنِينَ وَمَعَهُمَا بِنْتٌ. وَلَوْ عَفَتْ الْبِنْتُ مَجَّانًا وَمَعَهَا أُخْتٌ فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِأَنَّ الْبِنْتَ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ. وَضِدُّهُ حَيْثُ كَانَ ثَابِتًا بِاعْتِرَافٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَأَمَّا لَوْ احْتَاجَ لِقَسَامَةٍ فَلَا تُقْسِمُ النِّسَاءُ وَإِنَّمَا يُقْسِمُ الْعَصَبَةُ، فَإِنْ أَرَادَتْ الْعَفْوَ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْفَرِيقَيْنِ أَوْ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ. [قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ] حَاصِلُهُ أَنَّ اللَّوَاتِي لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي الدَّمِ الْبَنَاتُ دُونَ بَنَاتِهِنَّ وَبَنَاتُ الْأَبْنَاءِ الذُّكُورِ وَإِنْ سَفَلْنَ دُونَ بَنَاتِهِنَّ، وَالْأَخَوَاتُ الْأَشِقَّاءُ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ فَإِنْ كُنَّ بَنَاتٍ وَعَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ نُظِرَ فِي مِلْكِ السُّلْطَانِ بِالِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ أَمْضَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامٌ عَادِلٌ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبَلَدِ جَمَاعَةٌ عُدُولٌ يَجْتَمِعُونَ وَيَنْظُرُونَ، فَإِنْ أَرَادُوا الْقَتْلَ قَتَلُوا وَيَنُوبُونَ مَنَابَ السُّلْطَانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا عَفْوَ لِلْبَنَاتِ] أَيْ وَلَا لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ وَإِنَّمَا الْعَفْوُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مِنْ الْإِنَاثِ الْمُتَسَاوِيَاتِ. [قَوْلُهُ: فَلَا كَلَامَ لِلْبَنَاتِ] هَذِهِ مَفْهُومَةٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ بِهِنَّ النِّسَاءُ لَا بَنَاتُ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ أَقْرَبُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْبَنَاتُ أَقْرَبَ] هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ مُطْلَقًا أَوْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ وَثَبَتَ الْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ، فَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ فَالْكَلَامُ لِلنِّسَاءِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا] أَيْ اجْتِمَاعِ الْقِسْمَيْنِ وَهُمَا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَعْمَامِ. [قَوْلُهُ: فِي الْعَمْدِ] أَيْ الْعُدْوَانِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَعَذَّرَ مِنْهُ أَيْ أَوْ وَرِثَ دَمَ نَفْسِهِ وَلَوْ قِسْطًا مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدُ ابْنَيْنِ أَبَاهُ عَمْدًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْآخَرُ فَإِنَّ الْقَاتِلَ قَدْ وَرِثَ جَمِيعَ دَمِ نَفْسِهِ، وَمِثَالُ إرْثِ الْقِسْطِ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ أَبَاهُ عَمْدًا وَثَبَتَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ لِجَمِيعِ إخْوَتِهِ ثُمَّ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ إخْوَتِهِ حَظُّهُمْ مِنْ دِيَةِ عَمْدٍ. [قَوْلُهُ: ضُرِبَ مِائَةً] أَيْ مِائَةَ سَوْطٍ وَمِائَةً بِالنَّصْبِ

[أحكام الدية]

مَضَى عَمَلُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَثَرًا آخَرَ مِنْ آثَارِ الْجِنَايَةِ بِقَوْلِهِ: (وَالدِّيَةُ) وَاحِدَةُ الدِّيَاتِ بِتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ اصْطِلَاحًا مَالٌ يَجِبُ بِقَتْلِ آدَمِيٍّ حُرٍّ عِوَضًا عَنْ دَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمُوَطَّأِ: «إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَبَدَأَ بِبَيَانِ دِيَةِ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي الْخَطَإِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَقَدْ تَعْرِضُ فِيهِ الدِّيَةُ وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ بِحَسَبِ الْجَانِي فَ (عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ) وَهُمْ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْعَمُودِ (مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) مُخَمَّسَةٌ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ (وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ) كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ (أَلْفُ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ) كَأَهْلِ الْعِرَاقِ (اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ) وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQنِيَابَةً عَنْ الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ خَلِيلٍ أَنَّ الضَّرْبَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَبْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيبِهِ تَكْلِيفُهُ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَحُبِسَ عَامًا أَيْ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فَيُغَرَّبُ. [أَحْكَام الدِّيَة] [الدِّيَة فِي النَّفْس] [قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ إلَخْ] أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ اثْنَانِ دِيَةٌ وَقِصَاصٌ، وَأَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى الْقِصَاصِ وَالْآنَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الدِّيَةُ. [قَوْلُهُ: وَالدِّيَةُ] وَاحِدَةُ الدِّيَاتِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْوَدَى وَهُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: أَوْدَى فُلَانٌ إذَا هَلَكَ فَلَمَّا كَانَتْ تَلْزَمُ مِنْ الْهَلَاكِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ] رَاجِعْ الْمُفْرَدَ وَالْجَمْعَ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ اصْطِلَاحًا] أَيْ وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْقَتِيلَ يَدِيهِ دِيَةً إذَا أَعْطَى لَهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ وَالْهَاءُ عِوَضٌ، وَالْأَصْلُ وَدَى مِثْلُ وَعَدَ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ الْمَالُ دِيَةً أَيْ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ. [قَوْلُهُ: بِقَتْلِ آدَمِيٍّ] فَمَا وَجَبَ فِي قَطْعِ يَدٍ مَثَلًا لَا يُقَالُ فِيهِ دِيَةٌ أَيْ حَقِيقَةً هَذَا ظَاهِرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ لَهَا دِيَةٌ حَقِيقَةً إذْ قَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَحَرِّرْ. وَقَوْلُهُ: آدَمِيٌّ خَرَجَ غَيْرُهُ فَمَا وَجَبَ فِي قَتْلِهِ يُقَالُ فِيهِ قِيمَةٌ. وَقَوْلُهُ: حُرٌّ خَرَجَ الرِّقُّ فَمَا وَجَبَ فِي قَتْلِهِ يُقَالُ فِيهِ قِيمَةٌ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: عِوَضًا عَنْ دَمِهِ أَيْ ذَاتِهِ. [قَوْلُهُ: وَقَوْلِهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فِي الْمُوَطَّأِ] اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الْمُوَطَّأِ بِتَمَامِهِ وَحَذَفَ الْحَرْفَ الْمُؤَكِّدَ وَهُوَ إنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَلَفْظُهَا إنَّ فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْأَنْفِ إذَا أُوعِيَ جَدْعًا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِي الْجَائِفَةِ مِثْلُهَا، وَفِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] مَعْطُوفٌ عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لِقَوْلِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَطَإِ الدِّيَةُ لَا مُحْتَرَزَ] لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ فَلَهُ مُحْتَرَزٌ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ تُفْرَضُ فِيهِ الدِّيَةُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ] أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَصْحَابِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ. [قَوْلُهُ: الْبَادِيَةِ] خِلَافُ الْحَاضِرَةِ. وَقَوْلُهُ: الْعَمُودِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَادِيَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَيُقَالُ لِأَصْحَابِ الْأَخْبِيَةِ أَهْلُ عَمُودٍ اهـ. أَيْ لِكَوْنِ الْخِبَاءِ يُقَامُ عَلَى الْعَمُودِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ هُمْ أَهْلُ الْعَمُودِ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَهُمْ إلَّا الْخَيْلُ أَوْ الْبَقَرُ مَثَلًا فَلَا نَصَّ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُمْ يُكَلَّفُونَ مَا يَجِبُ عَلَى حَاضِرَتِهِمْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْإِبِلِ] الْمَحَلُّ لِلضَّمِيرِ فَالْأَنْسَبُ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: مُخَمَّسَةٍ] سَيَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامَ] دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَلْفُ دِينَارٍ] وَزْنُ الدِّينَارِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَعِيرَةً مُتَوَسِّطَاتٍ. [قَوْلُهُ: كَأَهْلِ الْعِرَاقِ] دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ فَارِسُ وَخُرَاسَانُ. [قَوْلُهُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ] وَزْنُ الدِّرْهَمِ خَمْسُونَ وَخُمُسَا حَبَّةٍ مِنْ مُتَوَسِّطَاتِ الشَّعِيرِ وَصَرْفُ دِينَارِ الدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا كَدِينَارِ السَّرِقَةِ

كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا تَكُونُ مِنْ الْبَقَرِ وَلَا مِنْ الْغَنَمِ وَلَا مِنْ الْعُرُوضِ. ثُمَّ ثَنَّى بِدِيَةِ الْعَمْدِ فَقَالَ: (وَدِيَةُ الْعَمْدِ إذَا قُبِلَتْ) تَكُونُ مُرَبِّعَةً مِنْ كُلِّ سِنٍّ مِنْ الْإِنَاثِ (خَمْسٌ) وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسٌ (وَعِشْرُونَ حِقَّةً) وَهِيَ بِنْتُ أَرْبَعِ سِنِينَ (وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً) وَهِيَ بِنْتُ خَمْسِ سِنِينَ (وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ) وَهِيَ بِنْتُ ثَلَاثِ سِنِينَ (وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ) وَهِيَ بِنْتُ سَنَتَيْنِ. . تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: إذَا قُبِلَتْ أَنَّ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ لَهُمْ الْخِيَارُ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَرِوَايَتُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَوَاهُ بِتَعَيُّنِ الْقَوَدِ لَيْسَ إلَّا، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا قَالَ الْأَوْلِيَاءُ: نَأْخُذُ الدِّيَةَ وَامْتَنَعَ الْقَاتِلُ وَمَكَّنَ نَفْسَهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَأَيْضًا لَوْ عَفَا الْأَوْلِيَاءُ وَسَكَتُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا شَيْئًا حِينَ الْعَفْوِ ثُمَّ طَلَبُوا الدِّيَةَ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَهُمْ الدِّيَةُ. . (وَدِيَةُ الْخَطَإِ مُخَمَّسَةٌ) عِشْرُونَ (مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الْحِقَّةِ وَالْجَذَعَةِ وَبِنْتِ اللَّبُونِ وَبِنْتِ الْمَخَاضِ (وَ) يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ (عِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورًا) فَدِيَةُ الْعَمْدِ نَاقِصَةٌ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَنْوَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعَدَدِ وَاحِدَةً لِإِسْقَاطِ ابْنِ اللَّبُونِ الذَّكَرِ وَزِيَادَةِ عِشْرِينَ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ فَهِيَ مُغَلَّظَةٌ وَدِيَةُ الْخَطَأِ مُخَفَّفَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا الذُّكُورَ، وَالذُّكُورُ أَخَفُّ مِنْ الْإِنَاثِ. . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الدِّيَةِ الْمُرَبَّعَةِ وَالْمُخَمَّسَةِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ الدِّيَةَ الْمُثَلَّثَةَ فَقَالَ: (وَإِنَّمَا تُغَلَّظُ الدِّيَةُ فِي الْأَبِ يَرْمِي ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ) وَنَحْوِهَا غَيْرَ قَاصِدٍ بِذَلِكَ قَتْلَهُ (فَيَقْتُلُهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ، أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمْ يُرِدْ بِإِنَّمَا الْحَصْرَ فَإِنَّ الْأُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنِّكَاحُ بِخِلَافِ دِينَارِ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ فَصَرْفُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَأَمَّا دِينَارُ الصَّرْفِ فَلَا يَنْضَبِطُ. [قَوْلُهُ: إنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ إلَخْ] أَيْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ تَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ غَيْرِهَا لَأَجْزَأَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ فِي الذَّهَبِ وَعِبَارَةُ تت ظَاهِرُهَا أَنَّهُ وِفَاقٌ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُؤْخَذُ فِيهَا عَرْضٌ وَلَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْمُخَالِفُ: عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَانِ مِنْهَا وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَةُ حُلَّةٍ اهـ. تَنْبِيهٌ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فِي الدِّيَةِ إبِلٌ وَلَا مِنْ أَهْلِ الْعَمُودِ ذَهَبٌ وَلَا وَرِقٌ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ وَرِقٌ وَلَا إبِلٌ أَيْ فَدَفْعُهَا مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: وَدِيَةُ الْعَمْدِ] أَيْ دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الذَّكَرِ وَقَوْلُهُ: إذَا قُبِلَتْ بِأَنْ حَصَلَ عَفْوٌ عَلَيْهَا أَوْ تَعَذَّرَ الْقِصَاصُ لِفَقْدِ الْمُمَاثَلَةِ. [قَوْلُهُ: مُرَبِّعَةٌ] أَيْ تُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ تَغْلِيظًا عَلَى الْقَاتِلِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ لَا تُغَلَّظُ بِالتَّرْبِيعِ إلَّا عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ] بِالتَّاءِ وَالْأَنْسَبُ رِوَايَةُ حَذْفِ التَّاءِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ] أَيْ قَالَ بِهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ الْقَوَدُ لَيْسَ إلَّا] أَيْ لَا الْعَفْوُ بِالدِّيَةِ وَأَمَّا الْعَفْوُ مَجَّانًا فَلَهُمْ [قَوْلُهُ: وَدِيَةُ الْخَطَإِ] أَيْ وَدِيَةُ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْخَطَأِ عَلَى الْقَاتِلِ الْبَادِي مُخَمَّسَةٌ رِفْقًا بِالْمُؤَدِّي لَهَا. [قَوْلُهُ: ذُكُورًا] تَأْكِيدٌ لِأَنَّ ابْنَ لَا يُطْلَقُ: إلَّا عَلَى الذُّكُورِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ] أَيْ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ [قَوْلُهُ: بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا] أَيْ كَالْحَجَرِ وَالْخَشَبَةِ أَوْ إلْقَائِهِ مِنْ الْحَائِطِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ مُوجِبَ قَتْلِ الْجَانِي قَصْدُ الْقَتْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قَصْدُ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقَتْلَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ إلَخْ] أَيْ أَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ شَيْئًا شَأْنُهُ الْقَتْلُ بِأَنْ ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ

وَإِنْ عَلَتْ وَالْجَدَّ وَإِنْ عَلَا كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ (وَ) اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا (تَكُونُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاتِلِ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ الْآنَ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا اُنْتُظِرَ يُسْرُهُ وَهِيَ (ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ وَقَوْلُهُ: (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) تَكْرَارٌ زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ (وَقِيلَ ذَلِكَ) أَيْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فِي حَقِّ الْأَبِ (عَلَى عَاقِلَتِهِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي قَبِيلَتَهُ الَّتِي تَعْقِلُ عَنْهُ وَالْعَقْلُ الدِّيَةُ (وَقِيلَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. (وَ) أَمَّا (دِيَةُ الْمَرْأَةِ) الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ) الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَدِيَتُهَا خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ مُخَمَّسَةٌ أَوْ مُرَبَّعَةٌ عَلَى حَسَبِ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً تَكُونُ مُثَلَّثَةً سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَا بَعِيرٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ، وَمِنْ الذَّهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَوْفَهُ فَفِي هَذَا كُلِّهِ يُقْتَلُ بِهِ، وَأَمَّا إنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَتَكُونُ دِيَتُهُ مُخَمَّسَةً كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَجَانِبِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، وَبِقَوْلِ أَشْهَبَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لِمَا رُوِيَ لَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ السَّبَبُ فِي إيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ الْوَلَدُ سَبَبًا فِي إعْدَامِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأُمَّ إلَخْ] يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَرَادَ بِالْأَبِ الْأَصْلَ فَيَشْمَلُ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ، وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذَكَرَهُ بِالْمُسْلِمِ بَلْ لَوْ فَعَلَهُ الْكَافِرُ بِابْنِهِ وَتَرَافَعُوا إلَيْنَا لَغُلِّظَتْ عَلَى الْأَبِ الدِّيَةُ، وَلَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا سَقَطَتْ عَلَى الْأَبِ بِالتَّثْلِيثِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِفَرْعِهِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَبِتَعَمُّدِ الْمَرْمَى يُنَاسِبُهُ التَّغْلِيظُ وَمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحَنَانِ وَالشَّفَقَةِ يُنَاسِبُ إسْقَاطَ الْقَتْلِ كَالْخَطَأِ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهُ] أَيْ غَيْرَ الْأَبِ مِنْ الْأُمِّ وَالْجَدِّ مِمَّنْ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. [قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِهِ] أَيْ حَالَّةً غَيْرَ مُؤَجَّلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْحَوَامِلُ] أَيْ الْأَرْبَعُونَ. [قَوْلُهُ: زِيَادَةً فِي الْبَيَانِ] أَيْ فَأَرَادَ بِالتَّكْرَارِ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْبَيَانِ. تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْجَلَّابِ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ أَسْنَانُهَا اهـ. [قَوْلُهُ: فِي حَقِّ الْأَبِ] أَيْ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ تُغَلَّظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي قَبِيلَتَهُ سَيَأْتِي بَيَانُهَا] أَيْ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَعْقِلُ عَنْهُ] أَيْ تَغْرَمُ مَا لَزِمَهُ مِنْ الدِّيَةِ، أَيْ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَمُهُ بِتَمَامِهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جَانِيًا لَكِنْ جَاءَ الشَّرْعُ بِكَوْنِهَا تُؤَدِّي عَنْهُ وَهُوَ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَحَاصِلُ الْأَقْوَالِ فَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي مَالِ الْأَبِ مُطْلَقًا حَالَّةً، وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ حَالَّةً مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِي مَالِهِ وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ حَالَّةً كَمَا ذَكَرَهُ عج. تَنْبِيهٌ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَغْلِيظِهَا بِالتَّثْلِيثِ عَلَى الْأَصْلِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ مِنْ أَهْلِ النَّقْدِ، وَفِي تَغْلِيظِهَا خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا تُغَلَّظُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَتُقَوَّمُ الْمُثَلَّثَةُ حَالَّةً وَالْمُخَمَّسَةُ عَلَى تَأْجِيلِهَا، وَيَأْخُذُ مَا زَادَتْهُ الْمُثَلَّثَةُ عَلَى الْمُخَمَّسَةِ وَيَنْسُبُ الْمُخَمَّسَةَ فَمَا بَلَغَ بِالنِّسْبَةِ يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ، فَإِذَا قِيلَ الْمُخَمَّسَةُ عَلَى آجَالِهَا تُسَاوِي مِائَةً وَالْمُثَلَّثَةُ عَلَى حُلُولِهَا تُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى الدِّيَةِ الْمُخَمَّسَةِ مِثْلُ خُمُسِهَا فَتَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، وَمِنْ الْوَرِقِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَأَمَّا الْمُرَبَّعَةُ فَلَا تُغَلَّظُ إلَّا مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ دِيَةُ الْعَمْدِ مِنْ الْعَيْنِ فَلَا تُغَلَّظُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْجَانِي الْأَلْفَ دِينَارٍ أَوْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً] وَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ بِنْتًا وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَرْمِي ابْنَهُ مِثْلُهُ بِنْتُهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا هُنَا وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ فِيمَا مَرَّ اتِّكَالًا عَلَى قَوْلِهِ هُنَا وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: تَكُونُ مُثَلَّثَةً سِتَّةَ عَشَرَ] خِلَافُ الصَّوَابِ وَالصَّوَابُ

[دية الأعضاء]

خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. (وَكَذَلِكَ دِيَةُ الْكِتَابِيِّينَ) وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نِصْفُ دِيَةِ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِي النَّسَائِيّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ» (وَنِسَاؤُهُمْ) أَيْ نِسَاءُ الْكِتَابِيِّينَ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ نِصْفِ دِيَةِ رِجَالِهِمْ (وَالْمَجُوسِيُّ) وَهُوَ مَا لَيْسَ بِكِتَابِيٍّ (دِيَتُهُ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ. وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ تَكُونُ دِيَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْإِبِلِ فَتَكُونُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِينَارًا وَثُلُثَا دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ سِتَّةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثَا بَعِيرٍ (وَنِسَاؤُهُمْ) أَيْ نِسَاءُ الْمَجُوسِ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ فَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ ثَلَاثَةُ أَبْعِرَةٍ وَثُلُثُ بَعِيرٍ (وَدِيَةُ جِرَاحِهِمْ كَذَلِكَ) أَيْ دِيَةُ جِرَاحِ نِسَاءِ الْمَجُوسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ وَجَمَعَ النِّسَاءَ بِالْمِيمِ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ شَرَعَ يُبَيِّنُ دِيَةَ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ فَقَالَ: (وَفِي الْيَدَيْنِ) أَيْ قَطْعِ مَجْمُوعِهِمَا (الدِّيَةُ) كَامِلَةً ظَاهِرُهُ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْكُوعِ أَوْ مِنْ الْمِرْفَقِ أَوْ الْمَنْكِبِ ق: هَذَا إذَا كَانَ فِي كَفِّهِ أَصَابِعُ فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ وَقَطَعَ آخَرُ بَعْضَهَا فَعَلَى الثَّانِي بِحِسَابِهِ (وَكَذَلِكَ فِي) مَجْمُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ، وَفِي الْمُغَلَّظَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَعِشْرُونَ خَلِفَةً اهـ. وَكَذَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ [قَوْلُهُ: عَقْلٌ] أَيْ دِيَةٌ. [قَوْلُهُ: الْمَجُوسِيُّ] وَمِثْلُهُ الْمُرْتَدُّ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمُرْتَدُّ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. [قَوْلُهُ: أَيْ دِيَةُ جِرَاحِ نِسَاءِ الْمَجُوسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِهِمْ] أَيْ مِنْ دِيَةِ جِرَاحِ رِجَالِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ مُسَاوَاةِ الْأُنْثَى لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي، وَتُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ تُسَاوِي الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا فِي دِيَةِ الْجِرَاحِ إلَى بُلُوغِ الثُّلُثِ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ تَرْجِعُ لِدِيَتِهَا فَتَأْخُذُ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ مَجُوسِيَّةٍ وَلَا كِتَابِيَّةٍ، فَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: وَدِيَةُ جِرَاحِهِمْ كَذَلِكَ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُسَاوِيهِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: كَذَلِكَ أَيْ عَلَى النِّصْفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا بَلَغَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ وَحِينَئِذٍ لَا وَجْهَ لِقَصْرِ كَلَامِهِ عَلَى نِسَاءِ الْمَجُوسِ بَلْ يَكُونُ كَلَامُهُ عَامًّا فِي جِرَاحِ نِسَاءِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِخْرَاجُ نِسَاءِ الْمَجُوسِ مِنْ عُمُومِ تَعَاقُلِ الْمَرْأَةِ إلَخْ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ. قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ: وَسَاوَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ بِثُلُثِ دِيَتِهِ فَتَرْجِعُ لِدِيَتِهَا. قَالَ شُرَّاحُهُ: أَيْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ دِينِهَا إلَى ثُلُثِ دِيَتِهِ فَتَرْجِعُ حِينَئِذٍ إلَى دِيَتِهَا، فَإِذَا جَنَى عَلَى كِتَابِيٍّ مُوضِحَةً فَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَذَلِكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا وَمِنْ الْوَرِقِ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَكَذَا مُوضِحَةُ الْمَرْأَةِ الْكِتَابِيَّةِ فَإِنْ جَنَى عَلَيْهَا جَائِفَةً رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا وَهُوَ ثُلُثُ دِيَتِهَا وَذَلِكَ ثَمَانُونَ دِينَارًا وَثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَفِي مُوضِحَةِ الْمَجُوسِيِّ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَمُوضِحَةُ نِسَائِهِمْ كَذَلِكَ، وَفِي جَائِفَتِهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ، وَفِي جَائِفَةِ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ نِصْفُ ذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. [قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمْ أَشْخَاصًا. [دِيَةَ الْأَعْضَاءِ] [قَوْلُهُ: الدِّيَةُ كَامِلَةً] قَطَعَهُمَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ بِمَا يُسْقِطُهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَانَ الْقَطْعُ إلَخْ] هَذَا الظَّاهِرُ مُسَلَّمٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ عج فِي حَاشِيَتِهِ، فَقَالَ: أَيْ سَوَاءٌ قُطِعَا مِنْ الْأَصَابِعِ أَوْ مِنْ الْكُوعَيْنِ. أَوْ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي كَفِّهِ أَصَابِعُ] وَهَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَامِلَةً إذَا كَانَ فِي كَفِّهِ أَصَابِعُ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ أَصَابِعِهِ أَيْ سَابِقًا وَجَاءَ شَخْصٌ آخَرُ قَطَعَ بَعْضَهَا أَيْ مَعَ الْكَفِّ. مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَطَعَ الْيَدَ وَلَمْ تَكُنْ كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ فَعَلَى الثَّانِي بِحِسَابِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ مِنْ أُصْبُعٍ بِأَنْ كَانَتْ نَاقِصَةً أُصْبُعَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلِصَاحِبِهَا دِيَةُ مَا فِيهَا مِنْ بَاقِي الْأَصَابِعِ وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ حَيْثُ كَانَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أُصْبُعٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا وَاحِدَةٌ فَدِيَتُهَا وَحُكُومَةٌ فِي الْكَفِّ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إلَّا كَفٌّ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا الْحُكُومَةُ،

قَطْعِ (الرِّجْلَيْنِ) مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنْ الرُّكْبَتَيْنِ أَوْ مِنْ الْفَخِذَيْنِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَرِجْلُ الْأَعْرَجِ كَرِجْلِ الصَّحِيحِ إنْ كَانَ الْعَرَجُ خَفِيفًا وَلَمْ يَكُنْ عَنْ جِنَايَةٍ أَخَذَ أَرْشَهَا، وَيَجِبُ فِي شَلِّهِمَا مَا يَجِبُ فِي قَطْعِهِمَا (وَ) كَذَا فِي مَجْمُوعِ قَلْعِ (الْعَيْنَيْنِ) الدِّيَةُ كَامِلَةً (وَفِي كُلٍّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ (نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ الدِّيَةِ ع: هَذَا فِي الْخَطَإِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي. (وَفِي الْأَنْفِ يُقْطَعُ مَارِنُهُ) وَهُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ (الدِّيَةُ) كَامِلَةً مِائَةُ نَاقَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، هَذَا إذَا ذَهَبَ كُلُّهُ، وَإِذَا قُطِعَ بَعْضُ الْمَارِنِ كَانَ فِيهِ بِحِسَابِهِ وَيُقَاسُ مِنْ الْمَارِنِ لَا مِنْ أَصْلِ الْأَنْفِ، وَإِذَا ذَهَبَ الشَّمُّ مَعَ قَطْعِ الْأَنْفِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا ذَهَبَ الشَّمُّ أَوَّلًا ثُمَّ قَطَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَدِيَتَانِ. (وَفِي) إبْطَالِ (السَّمْعِ) مِنْ الْأُذُنَيْنِ (الدِّيَةُ) وَفِي إبْطَالِهِ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ إلَّا بِهَا. (وَفِي الْعَقْلِ) إذَا أَزَالَهُ بِالضَّرْبِ (الدِّيَةُ) وَإِذَا أَزَالَهُ بِقَطْعِ يَدَيْهِ دِيَتَانِ: دِيَةٌ لَهُ وَدِيَةٌ لَهُمَا، وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَزَالَ عَقْلُهُ فَثَلَاثُ دِيَاتٍ إذَا وَقَعَتْ الْجِرَاحَةُ دُونَ النَّفْسِ. (وَفِي الصُّلْبِ) يَنْكَسِرُ (الدِّيَةُ وَفِي) قَطْعِ (الْأُنْثَيَيْنِ) دُونَ الذَّكَرِ (الدِّيَةُ) وَفِي قَطْعِهِمَا مَعَ الذَّكَرِ دِيَتَانِ، وَفِي قَطْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ (وَفِي) قَطْعِ (الْحَشَفَةِ) وَهِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ وَحْدَهَا (الدِّيَةُ) كَامِلَةً وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَبِحِسَابِهِ يُقَاسُ مِنْ الْحَشَفَةِ لَا مِنْ أَصْلِ الذَّكَرِ. (وَفِي) قَطْعِ (اللِّسَانِ) النَّاطِقِ (الدِّيَةُ) كَامِلَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً أُصْبُعًا وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا وَبَعْضَ آخَرَ وَلَوْ إبْهَامًا فَهِيَ كَالْيَدِ الْكَامِلَةِ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الرِّجْلِ. [قَوْلُهُ: وَرِجْلُ الْأَعْرَجِ كَرِجْلِ الصَّحِيحِ إنْ كَانَ الْعَرَجُ خَفِيفًا] أَيْ كَرِجْلِ الصَّحِيحِ فِي الدِّيَةِ كَانَ هَذَا الْعَرَجُ الْخَفِيفُ خِلْقَةً أَوْ حَصَلَ مِنْ أَمْرٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ مِنْ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا حَيْثُ تَعَذَّرَ أَخْذُ الْعَقْلِ. [فَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ عَنْ جِنَايَةٍ أَخَذَ أَرْشَهَا] صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ عَنْ جِنَايَةٍ أَوْ عَنْ جِنَايَةٍ لَمْ يَأْخُذْ لَهَا أَرْشًا لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ، وَأَمَّا لَوْ أَخَذَ لَهَا أَرْشًا أَوْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ مِنْ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الرِّجْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَرَجُ ثَقِيلًا فَلَهُ بِحِسَابِ مَا بَقِيَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخَطَإِ اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي مَجْمُوعِ قَلْعِ الْعَيْنَيْنِ] أَيْ أَوْ زَالَ نُورُهُمَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَكَذَا فِي قَلْعِ مَجْمُوعِ الْعَيْنَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَانِي إلَخْ] لَك أَنْ تَقُولَ بِالتَّعْمِيمِ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ مَا نَصُّهُ: فَمَنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا وَسَقَطَ الْقِصَاصُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَإِ، وَكَذَا كُلُّ مُزْدَوِجَيْنِ إلَّا فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ فَإِنَّ فِيهَا الدِّيَةَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ] وَيُسَمَّى بِالْأَرْنَبَةِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ دُونَ الْعَظْمِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ مِنْ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِي الْأَنْفِ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهُ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَوْلُهُ: وَيُقَاسُ مِنْ الْمَارِنِ أَيْ مِنْ أَصْلِ الْمَارِنِ [قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَسْمَعُ إلَّا بِهَا] لِأَنَّ الْأُذُنَ الْوَاحِدَةَ فِي السَّمْعِ لَيْسَتْ كَعَيْنِ الْأَعْوَرِ [قَوْلُهُ: إذَا أَزَالَهُ بِالضَّرْبِ] كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَلَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا صَارَ يُجَنُّ فِي الشَّهْرِ يَوْمًا مَعَ لَيْلَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهُ مِنْ الدِّيَةِ جُزْءٌ مِنْ ثَلَاثِينَ جُزْءًا، وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ النَّهَارَ فَقَطْ أَوْ اللَّيْلَ فَقَطْ مَرَّةً فِي الشَّهْرِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ جُزْءٌ مِنْ سِتِّينَ جُزْءًا، وَمَحَلُّ الْعَقْلِ الْقَلْبُ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا الرَّأْسُ، فَإِذَا أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ عَقْلُهُ فَيَلْزَمُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِلْعَقْلِ وَنِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: وَعَلَى الْآخَرِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِيَةُ الْعَقْلِ. [قَوْلُهُ: إذَا وَقَعَتْ الْجِرَاحَةُ دُونَ النَّفْسِ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَمُتْ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: وَفِي الصُّلْبِ يَنْكَسِرُ إلَخْ] أَيْ الظَّهْرِ أَيْ حَيْثُ يَمْنَعُهُ الْقِيَامَ وَالْجُلُوسَ أَوْ الْقِيَامَ وَحْدَهُ، وَأَمَّا جُلُوسُهُ فَقَطْ فَحُكُومَةٌ وَلَوْ ذَهَبَ بَعْضُ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ حُكُومَةً. [قَوْلُهُ: وَفِي قَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ] أَيْ خَطَأً أَيْ أَوْ يَرُضُّهُمَا مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَفِي قَطْعِ إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ] أَيْ أَوْ رَضِّهَا وَلَوْ قَطَعَ الْأُنْثَيَيْنِ عَمْدًا لَوَجَبَ الْقِصَاصُ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا إلَخْ] ظَاهِرُهُ لُزُومُ الدِّيَةِ فِي قَطْعِ الْحَشَفَةِ وَحْدَهَا، أَيْ أَوْ مَعَ الذَّكَرِ وَلَوْ ذَكَرَ عِنِّينٍ لِصِغَرٍ أَوْ اعْتِرَاضٍ وَلَوْ لِشَيْخٍ فَانٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ، وَذَكَرُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فِيهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَنِصْفُ حُكُومَةٍ، وَفِي قَطْعِ الْعَسِيبِ حُكُومَةٌ كَقَطْعِ كَفٍّ مُجَرَّدٍ عَنْ الْأَصَابِعِ. قَالَ بَعْضُهُمْ. وَانْظُرْ

(وَفِيمَا مَنَعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ اللِّسَانِ (الْكَلَامَ الدِّيَةُ) فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ الْكَلَامَ، فَفِي الْقَدْرِ الْمَقْطُوعِ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ (وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ) وَمَعْنَى الْحُكُومَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا سَالِمًا بِعَشَرَةٍ مَثَلًا ثُمَّ يُقَوَّمُ بِالْجِنَايَةِ بِتِسْعَةٍ فَالتَّفَاوُتُ بِوَاحِدٍ عُشْرٌ فَيَجِبُ عُشْرُ الدِّيَةِ. (وَفِي) قَطْعِ (ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ) الْكَبِيرَةِ وَلَوْ عَجُوزًا مِنْ أَصْلِهِمَا أَوْ مِنْ حَلَمَتَيْهِمَا (الدِّيَةُ) وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَتْ تُرْجَى إعَادَتُهُمَا إلَى هَيْئَتِهِمَا اُسْتُؤْنِيَ بِهِمَا فَإِنْ لَمْ تُرْجَ إعَادَتُهُمَا أُخِذَتْ الدِّيَةُ. (وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ) فِي الْخَطَأِ وَسَيَأْتِي إذَا كَانَ عَمْدًا (وَفِي الْمُوضِحَةِ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) . (وَفِي) قَلْعِ (السِّنِّ) مُؤَنَّثَةٌ (خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ أُصْبُعٍ) مُؤَنَّثَةٌ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ فِي الْخَطَإِ (عَشْرٌ) مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ (وَفِي) قَطْعِ (الْأُنْمُلَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ خُلِقَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيْدٍ أَوْ أَرْجُلٍ أَوْ ذَكَرَانِ وَفِي كُلٍّ قُوَّةُ الْأَصْلِ ثُمَّ قَطَعَ الثَّلَاثَةَ أَوْ الذَّكَرَيْنِ، وَفِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ لَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةٌ كَامِلَةٌ [قَوْلُهُ: وَفِي قَطْعِ اللِّسَانِ الدِّيَةُ] يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الذَّوْقِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبَ مِنْهُ الذَّوْقُ مَعَ بَقَائِهِ أَوْ ذَهَبَ صَوْتُهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دِيَةُ ذَلِكَ الذَّاهِبِ، وَلَوْ قَطَعَ اللِّسَانَ فَذَهَبَ ذَوْقُهُ وَصَوْتُهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الذَّاهِبَ بِالْجِنَايَةِ إنَّمَا تَجِبُ دِيَتُهُ لَا دِيَةُ مَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَفِيمَا مَنَعَ مِنْهُ] أَيْ مِنْ اللِّسَانِ الْكَلَامَ الدِّيَةُ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَطَعَ مِنْ شَخْصٍ بَعْضَ لِسَانِهِ النَّاطِقِ، وَمَنَعَ ذَلِكَ نُطْقَهُ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِأَنَّهَا لِلنُّطْقِ لَا لِلِّسَانِ. [قَوْلُهُ: وَفِي لِسَانِ الْأَخْرَسِ حُكُومَةٌ] أَيْ قُطِعَ كُلُّهُ فِيهِ حُكُومَةٌ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الصَّوْتَ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ حَلَمَتَيْهِمَا إلَخْ] عِبَارَةٌ مُجْمَلَةٌ، وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنْ تَقُولَ: تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ قَطَعَ الثَّدْيَيْنِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا لِأَنَّ ذَلِكَ جَمَالٌ لِصَدْرِهَا، وَرُبَّمَا دَرَّ مِنْهَا لَبَنٌ وَأَمَّا إذَا قُطِعَ رُءُوسُهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَلَمَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُبْطِلَ اللَّبَنَ مِنْهُمَا مَا لَمْ تَكُنْ عَجُوزًا وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، وَمِثْلُ إبْطَالِ اللَّبَنِ إفْسَادُهُ فَلَوْ ضَرَبَهَا فِي مَوْضِعٍ فَبَطَلَ لَبَنُهَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ فَلَوْ فَسَدَ مَوْضِعُ اللَّبَنِ ثُمَّ عَادَ رَدَّهَا. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ] أَيْ الْمَقْطُوعَةُ ثَدْيًا أَوْ حَلَمَةً يُوَضِّحُ الْمَقَامَ عِبَارَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا وَإِنْ قَطَعَ ثَدْيَا الصَّغِيرَةِ فَإِنْ اسْتُوقِنَ أَنَّهُ أَبْطَلَهُمَا فَلَا يَعُودَانِ أَبَدًا فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ وُضِعَتْ الدِّيَةُ وَاسْتُؤْنِيَ بِهَا فَإِنْ نَبَتَا فَلَا عَقْلَ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْبُتَا أَوْ شُرِطَا فَيَبِسَا أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ فَطَبِّقْ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ تَقُولَ: فَإِنْ كَانَتْ تُرْجَى أَيْ بِشَكٍّ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ تُرْجَ أَيْ اسْتُوقِنَ عَدَمُ الْإِعَادَةِ وَلَوْ قَطَعَ حَلَمَتَيْ صَغِيرَةٍ فَسَيَأْنَى بِهَا إلَى زَمَنِ الْإِيَاسِ فَإِنْ أَتَى زَمَنُ الْإِيَاسِ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُ تَمَامِ السَّنَةِ، وَفِي ثَدْيِ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ [قَوْلُهُ: وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ] طَمَسَهَا أَوْ أَذْهَبَ نُورَهَا، وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَبَيْنَ نَحْوِ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ بِالنِّسْبَةِ. تَتِمَّةٌ: لَوْ دُفِعَتْ الدِّيَةُ فِي نَحْوِ الْعَقْلِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَنَافِعِ ثُمَّ رَجَعَ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ قَدْ ذَهَبَ فَإِنَّ الدِّيَةَ تُرَدُّ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُوضِحَةِ] أَيْ الْخَطَأِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَمْدُهَا فِيهِ الْقِصَاصُ. [قَوْلُهُ: وَفِي قَلْعِ السِّنِّ إلَخْ] وَمِثْلُ الْقَلْعِ تَصْيِيرُهَا مُضْطَرِبَةً جِدًّا أَوْ تَسْوِيدُهَا أَوْ تَحْمِيرُهَا أَوْ تَصْفِيرُهَا حَيْثُ كَانَ تَصْفِيرُهَا يُذْهِبُ جَمَالَهَا كَالسَّوَادِ كَانَتْ مِنْ مُقَدَّمِ الْفَمِ أَوْ مُؤَخَّرِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ] وَكَذَا مَا فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً حَيْثُ كَانَتْ مُسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ قَطَعَهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الضَّعِيفَةِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ إنْ قَطَعَهَا وَحْدَهَا، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَتْ مَعَ الْكَفِّ فَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَدَ الزَّائِدَةَ فِيهَا هَذَا التَّفْصِيلُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَهَذَا فِي أَصَابِعِ الْمُسْلِمِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ دِيَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَفِيهِ الْقِصَاصُ] إنْ كَانَ لَهُ مُمَاثِلٌ أَوْ الدِّيَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ

[دية الجراحات]

الْأَصَحِّ وَاحِدَةُ الْأَنَامِلِ وَهِيَ الْعُقَدُ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ غَيْرِ الْإِبْهَامِ (ثَلَاثٌ وَثُلُثٌ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ ثَلَاثَةَ أَنَامِلَ (وَفِي) قَطْعِ (كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْ الْإِبْهَامَيْنِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ إبْهَامِ الرِّجْلِ أَوْ الْيَدِ. . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى دِيَةِ الْأَعْضَاءِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْجِرَاحَاتِ فَقَالَ: (وَفِي الْمُنَقِّلَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ (عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ) وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَلْفٌ وَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَالْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِيهَا سَوَاءٌ إذْ لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَتَالِفِ (وَالْمُوضِحَةُ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (مَا أَوْضَحَ) أَيْ أَظْهَرَ (الْعَظْمَ) وَأَزَالَ السَّاتِرَ الَّذِي يَحْجُبُهُ وَهُوَ الْجِلْدُ وَمَا تَحْتَهُ مِنْ اللَّحْمِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ لَيْسَ إلَّا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِهَا مُوضِحَةً أَنْ تُوضِحَ مَالَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ، بَلْ لَوْ أَوْضَحَتْ مِنْهُ مِقْدَارَ إبْرَةٍ كَفَى فِي تَسْمِيَتِهَا مُوضِحَةً (وَالْمُنَقِّلَةُ مَا طَارَ فَرَاشُهَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا (مِنْ الْعَظْمِ وَلَمْ تَصِلْ إلَى الدِّمَاغِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْمُنَقِّلَةُ هِيَ الَّتِي يَنْقُلُ مِنْهَا الطَّبِيبُ الْعِظَامَ الصِّغَارَ لِتَلْتَئِمَ الْجِرَاحُ، فَتِلْكَ الْعِظَامُ هِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا: الْفَرَاشُ (وَمَا وَصَلَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الدِّمَاغِ وَلَوْ بِقَدْرِ إبْرَةٍ وَيَبْقَى عَلَى الدِّمَاغِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مَتَى انْكَشَفَتْ عَنْهُ مَاتَ. (فَهِيَ الْمَأْمُومَةُ) وَلَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ: (فَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) فَعَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَثُلُثُ بَعِيرٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ثَلَاثُمِائَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ مُمَاثِلٌ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ] أَيْ وَالْهَمْزَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ ضَمُّ الْمِيمِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ الْخَطَأِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الْعَمْدِ فَالْوَاجِبُ الْقِصَاصُ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ الْإِبْهَامِ] حَالٌ مِنْ الْأُنْمُلَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْأُنْمُلَةِ غَيْرَ أُنْمُلَةِ الْإِبْهَامِ. [قَوْلُهُ: وَفِي قَطْعِ كُلِّ أُنْمُلَةٍ إلَخْ] أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أُنْمُلَتَانِ [دِيَة الْجِرَاحَات] [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُنَقِّلَةِ] وَهِيَ وَالْهَاشِمَةُ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ] أَيْ إنْ كَانَتْ بِالرَّأْسِ أَوْ بِاللَّحْيِ إلَّا عَلَى النَّابِتِ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ الْعُلْيَا وَهُوَ كُرْسِيُّ الْخَدِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي الرَّأْسِ وَلَا فِي اللَّحْي الْأَعْلَى فَفِيهَا حُكُومَةٌ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٌ، فَمِنْ الْإِبِلِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمِنْ الذَّهَبِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ وَهَكَذَا. وَأَمَّا عِبَارَتُهُ فَتُوهِمُ أَنَّهَا لَيْسَ مِنْ النَّقْدَيْنِ عُشْرٌ وَنِصْفُ عُشْرٍ. [قَوْلُهُ: مَا أَوْضَحَ] أَيْ جِرَاحَةٌ أَوْضَحَتْ وَالنِّسْبَةُ مَجَازٌ وَالْحَقِيقَةُ الْجَانِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَأَنْ كَانَتْ فِي الظَّهْرِ فَفِيهَا الْحُكُومَةُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا مُوضِحَةً اصْطِلَاحًا بَلْ لُغَةً. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ لُغَةً مَا أَوْضَحَتْ الْعَظْمَ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَهِيَ مَا أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْمُوضِحَةِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا عَمْدُهَا فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَأَمَّا الْجَائِفَةُ وَالْآمَّةُ وَالْمُنَقِّلَةُ فَعَمْدُهَا وَخَطَؤُهَا سَوَاءٌ. وَقَوْلُهُ: مَا طَارَ أَيْ جِرَاحَةً. [قَوْلُهُ: مِنْ بَيَانِيَّةٌ] أَيْ الْفَرَاشَ الَّذِي هُوَ الْعَظْمُ، وَالتَّقْدِيرُ وَالْمُنَقِّلَةُ جِرَاحَةٌ طَارَ عَظْمُهَا وَنِسْبَةُ الْعَظْمِ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَطِيرُ بِهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ تَصِلْ] فَاعِلُهُ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا أَيْ وَلَمْ تَصِلْ تِلْكَ الْجِرَاحَةُ إلَى الدِّمَاغِ. [قَوْلُهُ: هِيَ الَّتِي] إلَخْ أَيْ هِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تَنْقُلُ إلَخْ. فَحِينَئِذٍ فَالْمُنَقِّلَةُ هِيَ الْجِرَاحُ الْقَائِمَةُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ فِعْلِ الْجَانِي لَا أَنَّهَا فِعْلُ الْجَانِي لِأَنَّهُ قَائِمٌ بِهِ. [قَوْلُهُ: يَنْقُلُ مِنْهَا الطَّبِيبُ الْعِظَامَ الصِّغَارَ إلَخْ] أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّقْلَ كَمَا يَكُونُ مِنْ الطَّبِيبِ يَكُونُ مِنْ الضَّرْبَةِ نَفْسِهَا. [قَوْلُهُ: وَيَبْقَى عَلَى الدِّمَاغِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مَتَى انْكَشَفَتْ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الدَّامِغَةَ فِيهَا أَيْضًا ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ الَّتِي خَرَقَتْ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ، وَلَا تُنَافِي كَلَامَ الشَّارِحِ لِإِمْكَانِ الْخَرْقِ مَعَ الِالْتِئَامِ فَالْمَوْتُ إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ الْكَشْفِ لَا عَنْ مُجَرَّدِ الْخَرْقِ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ. [قَوْلُهُ: فَهِيَ الْمَأْمُومَةُ] أَيْ الْجِرَاحَةُ الَّتِي وَصَلَتْ إلَى الدِّمَاغِ

وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِينَارًا وَثُلُثُ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ (وَكَذَلِكَ الْجَائِفَةُ) وَهِيَ مَا أَفَضْت إلَى الْجَوْفِ وَلَا تَكُونُ إلَّا فِي الظَّهْرِ أَوْ الْبَطْنِ الْحُكْمُ فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ. (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ) أَيْ أَقَلَّ مِنْ (الْمُوضِحَةِ) مِنْ الْجِرَاحِ إنْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ (إلَّا الِاجْتِهَادُ) أَيْ الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ مِنْ الشَّارِعِ هَذَا فِي الْخَطَإِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ (وَكَذَلِكَ) لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْجَائِفَةِ فِي الْخَطَإِ (فِي) جُرْحِ (الْجَسَدِ) إلَّا الِاجْتِهَادُ وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ. (وَلَا يُعْقَلُ جُرْحٌ) أَيْ لَا تُؤْخَذُ دِيَتُهُ (إلَّا بَعْدَ) تَبَيُّنِ (الْبُرْءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ الْوَاجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَمْ لَا، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ قَالَهُ ق وَقَالَ د: عِيَاضٌ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ إذَا حَصَلَ الْبُرْءُ قَبْلَ السَّنَةِ عَقَلَ الْجُرْحَ. وَقَالَ ابْنُ شَاسٍ: السَّنَةُ شَرْطٌ فَلَا يُعْقَلُ قَبْلَهَا وَلَوْ بَرِئَ (وَمَا بَرِئَ) مِنْهَا (عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ) أَيْ عَيْبٍ (مِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ) وَكَذَلِكَ مَا دُونَ الْجَائِفَةِ مِمَّا لَا عَقْلَ فِيهِ يُسَمَّى (فَ) إنَّهُ (لَا شَيْءَ فِيهِ) عَلَى الْجَانِي مِنْ عَقْلٍ وَأَدَبٍ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَهَذَا الْمَفْهُومُ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ إلَّا الِاجْتِهَادُ كَمَا قَيَّدْنَا بِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهِيَ الْمَأْمُومَةُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا أَفْضَتْ إلَى الْجَوْفِ] أَيْ وَلَوْ قَدْرَ إبْرَةٍ، فَإِنْ نَفَذَتْ الْجَائِفَةُ لِلْجَانِبِ الْآخَرِ تَعَدَّدَتْ وَكَذَلِكَ يَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ إذَا ضَرَبَهُ فِي جَنْبِهِ فَنَفَذَتْ إلَى الْجَنْبِ الْآخَرِ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ إلَخْ] أَيْ مِنْ الْجِرَاحَاتِ السِّتِّ. الْأُولَى: الدَّامِيَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُضْعِفُ الْجِلْدَ فَيَرْشَحُ مِنْهُ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ شَقِّ جِلْدٍ. الثَّانِيَةُ: الْحَارِصَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ. الثَّالِثَةُ: السِّمْحَاقُ، وَهِيَ الَّتِي تَكْشِطُ الْجِلْدَ. الرَّابِعَةُ: الْبَاضِعَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ اللَّحْمَ. الْخَامِسَةُ: الْمُتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِيهِ بِتَعَدُّدٍ. السَّادِسَةُ: الْمِلْطَاةُ، الَّتِي قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ. فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ، وَالثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِاللَّحْمِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا الِاجْتِهَادُ وَكَيْفِيَّةُ الِاجْتِهَادِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَبْدًا سَالِمًا مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ عَلَى صِفَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجِنَايَةِ مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ يُقَوَّمُ ثَانِيًا مَعِيبًا بِتِسْعَةٍ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِالْعُشْرِ فَيَجِبُ عَلَى الْجَانِي بِتِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الدِّيَةِ وَهُوَ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي هَذَا الْمِثَالِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْعَمْدِ الْقِصَاصُ] وَكَذَلِكَ فِي مُنَقِّلَةِ الْجَسَدِ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ جِرَاحِ الْجَسَدِ مَا لَمْ يَعْظُمْ الْخَطَرُ كَعِظَامِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالصُّلْبِ وَالْفَخِذِ وَشَبَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ الْوَاجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ لَا] أَيْ وَهَلْ يَبْرَأُ عَلَى شَيْنٍ أَوْ لَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ مُقَدَّرًا مِنْ الشَّارِعِ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ وَالْمُوضِحَةِ أَوْ لَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَطَأً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ عَمْدًا لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ وَكَسْرِ عِظَامِ الصَّدْرِ وَالْفَخِذِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ] أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّفْسِ فَتُسْتَحَقُّ تِلْكَ النَّفْسُ بِقَسَامَةٍ، وَكَذَلِكَ يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ زَوَالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ خَوْفَ الْهَلَاكِ عَلَى الْجَانِي فَيُؤَدِّي إلَى أَخْذِ نَفْسٍ فِيمَا دُونَهَا، وَأَمَّا إذَا جَنَى جِنَايَةً عَلَى نَفْسٍ فَلَا يُؤَخَّرُ لِمَا ذُكِرَ مَا لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا. وَاخْتِيرَ قَطْعُهُ مِنْ خِلَافٍ فَلَا يُؤَخَّرُ لِحَرٍّ وَلَا لِبَرْدٍ لِأَنَّهُ وَإِنْ مَاتَ هُوَ أَحَدُ حُدُودِهِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَا دُونَ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ أَيْ مِنْ سُوءِ الْمُوضِحَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُقَدِّرْ فِيهِ الشَّارِعُ شَيْئًا فَيَدْخُلُ فِيهِ سَابِقُ الْمُوضِحَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ السِّتِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا قَدَّرَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا فَالْوَاجِبُ الْمُقَدَّرُ بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ أَمْ لَا إلَّا الْمُوضِحَةَ فَإِنَّهَا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ يَجِبُ دَفْعُ دِيَتِهَا وَحُكُومَةٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ عَقْلٍ وَأَدَبٍ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ] أَرَادَ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ مَا يَشْمَلُ ثَمَنَ الدَّوَاءِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ. [قَوْلُهُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ كَذَلِكَ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَيْ مِنْ عَقْلٍ وَأَدَبٍ وَأُجْرَةِ طَبِيبٍ مَعَ أَنَّهُ لَا أَدَبَ فِي الْخَطَإِ وَلَوْ بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأُجْرَةِ فَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ مُطْلَقًا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ أَوْ لَا إنَّمَا فِي الشَّيْنِ الْحُكُومَةُ فَقَطْ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ عَلَى الْحُكُومَةِ فَقَالَ: وَفِي الْجِرَاحِ حُكُومَةٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: مُفَسِّرٌ إلَخْ] أَيْ فَنَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ إلَّا الِاجْتِهَادُ إذَا

[علي من تجب الدية]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَأِ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى جِرَاحِ الْعَمْدِ فَقَالَ: (وَفِي الْجِرَاحِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي الْمَتَالِفِ مِثْلِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْفَخِذِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالصُّلْبِ وَنَحْوِهِ) كَعَظْمِ الصَّدْرِ (فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ) مَعْنَاهُ فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ عَقْلُهُ الْمُقَدَّرُ فِيهِ، إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ ثُلُثُهَا أَوْ عُشْرُهَا أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يَعْنِي الدِّيَةَ كَامِلَةً فِي الْجَمِيعِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا بُدَّ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ مِنْ تَأْدِيبِ الْقَاضِي لِلْجَارِحِ اُقْتُصَّ مِنْهُ أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ. وَقَالَ ك: لَا قِصَاصَ عِنْدَنَا فِي الْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْقِصَاصِ فَلَا بُدَّ مِنْ وَجِيعِ الْأَدَبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ. . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ وَأَجْزَائِهَا شَرَعَ يُبَيِّنُ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ فَقَالَ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ وَلَا اعْتِرَافَ بِهِ) ك: رُوِّينَاهُ هَكَذَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَالصَّوَابُ تَنْوِينُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ دِيَةَ جِنَايَةِ خَطَأٍ إنْ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَحْمِلْهَا لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ (وَتَحْمِلُ مِنْ جِرَاحِ) وَيُرْوَى مِنْ جُرُوحِ (الْخَطَإِ مَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِ الْجَانِي) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي، وَعَلَى قَوْلِ مُقَابِلِهِ الْمُرَادُ ثُلُثُ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ دُونَ الْجَانِي. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي امْرَأَةً فَجَنَتْ عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَتْ لَهُ أُصْبُعَيْنِ فَعَقْلُهُمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى الثَّانِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَحَدُّ الْعَاقِلَةِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الدِّيَةَ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْجِرَاحِ] أَيْ إنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ بَاقِي الْجَسَدِ [قَوْلُهُ: الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ] بِالْمِسَاحَةِ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ فَيُقَاسُ الْجُرْحُ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا فَقَدْ تَكُونُ الْجِرَاحَةُ نِصْفَ عُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَهِيَ جُلُّ عُضْوِ الْجَانِي أَوْ كُلُّهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ عَظُمَ عُضْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى عُضْوِ الْجَانِي فَإِنَّهُ لَا يُكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ يَسْقُطُ، وَمَفْهُومُ الْجِرَاحِ أَنَّ اللَّطْمَةَ وَالضَّرْبَةَ بِآلَةٍ لَا تَجْرَحُ وَلَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ لَا قِصَاصَ فِيهَا، وَإِنَّمَا فِيهَا التَّأْدِيبُ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ نَتْفُ اللِّحْيَةِ أَوْ الشَّارِبِ أَوْ الْحَاجِبِ فَإِنَّ عَمْدَ هَذِهِ وَخَطَأَهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا فِيهَا الْحُكُومَةُ إذَا لَمْ تَعُدْ لِهَيْئَتِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا سِوَى الْأَدَبِ فِي الْعَمْدِ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْمَتَالِفِ] أَيْ الْجِرَاحَاتِ الْمَتَالِفِ أَيْ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا الْمَوْتُ سَرِيعًا. [قَوْلُهُ: وَالْفَخِذِ] أَيْ وَكَسْرِ الْفَخِذِ. [قَوْلُهُ: وَالْأُنْثَيَيْنِ] أَيْ رَضُّ الْأُنْثَيَيْنِ بِخِلَافِ قَطْعِهِمَا فَإِنَّ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ. [قَوْلُهُ: وَالصُّلْبِ] أَيْ الظَّهْرِ وَقَوْلُهُ: كَعَظْمِ الصَّدْرِ أَيْ أَوْ الْعُنُقِ. [قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ] أَيْ فَفِي عَمْدِ ذَلِكَ الدِّيَةُ. [قَوْلُهُ: إمَّا الدِّيَةُ كَامِلَةً] أَيْ فِي الصُّلْبِ أَيْ إذَا تَعَطَّلَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْجُلُوسِ أَوْ الْقِيَامِ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: أَوْ ثُلُثُهَا أَيْ كَالْمَأْمُومَةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عُشْرُهَا أَيْ احْتِمَالًا فِي الْحُكُومَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ أَوْ أَنَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَيَكُونُ نَاظِرًا لِلْمُنَقِّلَةِ. [قَوْلُهُ: اُقْتُصَّ مِنْهُ] أَيْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُقْتَصَّ أَيْ كَهَذِهِ الْمَسَائِلِ. [قَوْلُهُ: فِي الْجَائِفَةِ إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ. وَقَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ أَيْ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الْفَاكِهَانِيِّ مَعَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَتَجِدُهُ مُخَالِفًا لَهُ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَمَ بِالتَّأْدِيبِ مُطْلَقًا، وَمُفَادُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ التَّأْدِيبَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْقِصَاصِ فَلَا تَأْدِيبَ وَهُوَ ظَاهِرٌ [عَلَيَّ مِنْ تجب الدِّيَة] [قَوْلُهُ: وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ قَتْلَ عَمْدٍ] سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِعَفْوٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي. [قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِرَافَ إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ مِنْ عَدْلٍ ثِقَةٍ لَا يُتَّهَمُ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَغْرَمُهَا الْجَانِي مِنْ مَالِهِ. [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ تَنْوِينٍ] أَيْ مَعَ فَتْحِ فَاءِ اعْتِرَافَ وَقَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ تَنْوِينُهُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِعَدَمِ التَّنْوِينِ. [قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْعَاقِلَةِ] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْإِجْمَالِ أَنَّ

وَاحِدٍ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ أَيْ يَتَحَمَّلُونَ عَنْهُ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْيَسَارُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيِّ بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْعَمْدَ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ هَلْ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ فِيهِ أَمْ لَا فَقَالَ: (وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ عَمْدًا فَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَادُ مِنْ عَمْدِهِمَا) وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ (وَكَذَلِكَ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُقَادُ مِنْهُ) فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ (لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ) أَيْ لَا يُقَادُ مِنْهُ لِخَوْفِ تَلَفِ النَّفْسِ. تَنْبِيهٌ: فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجِرَاحِ مَا يَكُونُ عَقْلُهُ مُقَدَّرًا بِالثُّلُثِ إلَّا الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ قَالَهُ ع، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَاقِلَةَ عِدَّةُ أُمُورٍ: أَهْلُ الدِّيوَانِ وَلَوْ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى وَالْعَصَبَةُ وَالْمَوَالِي وَبَيْتُ الْمَالِ، فَأَهْلُ الدِّيوَانِ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَصَبَةِ إنْ كَانَتْ لَهُمْ جَوَامِكُ تُصْرَفُ لَهُمْ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ فَعَصَبَتُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ عَلَى تَرْتِيبِ النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ وَهُمْ الْمُعْتِقُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْمَوَالِي الْأَسْفَلُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَبَيْتُ الْمَالِ وَهَلْ عَلَى الْجَانِي شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ حَيْثُ عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ لَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَنُوبُهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ كَانَ وَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي. قَالَ الشَّيْخُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا تُقَسَّطُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّفْقِ مِنْ الْعَاقِلَةِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَحَدُّ الْعَاقِلَةِ إلَخْ أَيْ عَلَى قَوْلٍ، وَقِيلَ حَدُّهَا الزَّائِدُ عَلَى أَلْفٍ أَيْ زِيَادَةٌ لَهَا بَالٌ كَالْعِشْرِينِ فَفَوْقُ، أَيْ وَقَدْرُ أَقَلِّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَهُمَا قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ وَهُمَا لِسَحْنُونٍ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ كِفَايَةٌ كَمَّلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي لَوْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى أَلْفٍ كَمَّلَ حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَ مَا نَابَهُمْ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمْ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ، وَالْجَانِي كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَحَمَلَ بَيْتُ الْمَالِ مَثَلًا مَا بَقِيَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْجَانِي كَمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْتُ مَالٍ وَلَا عَاقِلَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْعَاقِلَةِ دُونَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ حَمْلُ جَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَوْ قَدَرُوا عَلَيْهَا وَهَذَا حَدٌّ لِلْعَاقِلَةِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: يُنْسَبُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ ظَاهِرٌ فِي الْعَاقِلَةِ الَّذِينَ هُمْ الْعَصَبَةُ فَقَطْ، فَإِذَا كَمُلَ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ إخْوَةِ الْجَانِي فَلْيَكُنْ الْأَبُ الْمَنْسُوبُ لَهُ أَبًا لِلْجَانِي، وَإِذَا كَمُلَ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَلْيَكُنْ الْأَبُ الْمَنْسُوبُونَ لَهُ جَدًّا لِلْجَانِي وَهَكَذَا. [قَوْلُهُ: الْحُرِّيَّةُ] فَالْعَبْدُ لَا يَعْقِلُ وَلَا يُعْقَلُ عَنْهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ فِي رَقَبَتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالذُّكُورِيَّةُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِخُرُوجِهَا مِنْ قَوْلِنَا وَهِيَ الْعَصَبَةُ، وَيُجَابُ بِأَنَّ ذِكْرَهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَوَالِي إذْ هِيَ شَامِلَةٌ لِلْإِنَاثِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ وَلَوْ احْتِمَالًا كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ. [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] فَالصَّبِيُّ لَا يَعْقِلُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَعْقِلُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لِلْإِتْلَافِ. [قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ] فَالْمَجْنُونُ لَا يَعْقِلُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَعْقِلُ عَنْ نَفْسِهِ. [وَقَوْلُهُ: وَالْيَسَارُ] فَالْفَقِيرُ لَا يَعْقِلُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَعْقِلُ عَنْ نَفْسِهِ فَيُتَّبَعُ إذَا كَانَ مُعْدِمًا. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَالْمَرْأَةَ وَالْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ يُعْقَلُ عَنْهُمْ وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَيَعْقِلُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُبَاشِرُونَ لِلْإِتْلَافِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَلَاءِ وَالْعُسْرِ وَالْبُلُوغِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقْتُ ضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ الْحُضُورُ لَا إنْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ اسْتَغْنَى فَقِيرٌ أَوْ تَحَرَّرَ عَبْدٌ أَوْ عَقَلَ مَجْنُونٌ بَعْدُ، وَكَذَا إذَا قَدِمَ غَائِبٌ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ عِنْدَ وَقْتِ ضَرْبِهَا فَلَا ضَرْبَ عَلَيْهِ أَوْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عِنْدَ هُمْ فَصَارَ كَأَهْلِ إقْلِيمٍ آخَرَ إذْ لَا يُضَمُّ أَهْلُ إقْلِيمٍ لِأَهْلِ إقْلِيمٍ آخَرَ، وَأَمَّا غَائِبُ الْحَجِّ أَوْ الْغَزْوِ فَتُضْرَبُ عَلَيْهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْجَانِي، وَأَمَّا الْجَانِي نَفْسُهُ فَتُضْرَبُ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا وَقْتَ الضَّرْبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً، فَإِذَا ضُرِبَتْ عَلَيْهَا بِقَدْرِ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ أَعْسَرَ أَحَدُهُمْ أَوْ مَاتَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ وَتَحِلُّ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ [قَوْلُهُ: قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ] وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُكَرَّرٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ لِشُمُولِ هَذَا لِمِثْلِ الْفَخِذِ وَعَظْمِ الصَّدْرِ مِمَّا يَبْلُغُ

(وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) وَهُوَ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِقَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ (وَتُعَاقِلُ) أَيْ تُسَاوِي (الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ) مِنْ أَهْلِ دِينِهَا (إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ) مِنْ أَهْلِ دِينِهَا يُرِيدُ وَلَا تَسْتَكْمِلُ الثُّلُثَ لِقَوْلِهِ: (فَإِذَا بَلَغَتْهَا) صَوَابُهُ بَلَغَتْهُ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُذَكَّرٌ لَكِنَّهُ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ اكْتِسَابِ التَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ (رَجَعَتْ) أَيْ رُدَّتْ (إلَى عَقْلِهَا) أَيْ إلَى قِيَاسِ دِيَتِهَا، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقْطَعَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ فَفِيهَا ثَلَاثُونَ بَعِيرًا لِمُسَاوَاتِهَا لِلرَّجُلِ فِيمَا يَقْصُرُ عَنْ ثُلُثِ دِيَتِهِ، وَإِذَا قَطَعَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ فَفِيهَا عِشْرُونَ بَعِيرًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَاوَتْهُ لَلَزِمَ أَنْ يَجِبَ لَهَا أَرْبَعُونَ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهِ فَلِذَلِكَ رَجَعَتْ إلَى نِصْفِ الْوَاجِبِ لِلرَّجُلِ وَهُوَ عِشْرُونَ، وَعَلَى هَذَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ. (وَالنَّفَرُ) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْجَمَاعَةُ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا (يَقْتُلُونَ رَجُلًا فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ) جَمِيعًا سَوَاءٌ بَاشَرُوا الْقَتْلَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَالْبَاقُونَ حَاضِرُونَ بِشُرُوطٍ إنْ ثَبَتَ قَتْلُهُمْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَأَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدًا وَأَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ عَلَى قَتْلِهِ، وَأَنْ تَتَكَافَأَ الدِّمَاءُ وَأَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ. . (وَالسَّكْرَانُ) بِمُحَرَّمٍ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ قَاصِدًا شُرْبَهُ (إنْ قَتَلَ قُتِلَ) ظَاهِرُهُ طَافِحًا كَانَ أَوْ نَشْوَانًا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يُعْذَرُ مُطْلَقًا نَشْوَانًا أَوْ طَافِحًا قَالَهُ ق. وَقَالَ ع: يُرِيدُ النَّشْوَانَ الَّذِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَأَمَّا الطَّافِحُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَجِنَايَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا وَحَكَى الْخِلَافَ فِي النَّشْوَانِ انْتَهَى. . (وَإِنْ قَتَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحُكُومَةِ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ [قَوْلُهُ: أَيْ تُسَاوِي] فَتَأْخُذُ فِي أَطْرَافِهَا مِثْلَ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ، وَتَسْتَمِرُّ مُسَاوِيَةً إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالْغَايَةُ خَارِجَهُ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى قِيَاسِ إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ الدِّيَةُ وَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ وَأَرَادَ بِالْقِيَاسِ الِاعْتِبَارَ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا قَطَعَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ إلَخْ] أَيْ بَلْ إذَا قَطَعَ لَهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أُنْمُلَةً فَيَرْجِعُ إلَى عَقْلِهَا، وَكَذَا إذَا قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَةً وَأُنْمُلَةً فَإِنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ فَلَهَا فِي الْمُنَقِّلَةِ وَفِيمَا نَقَصَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَنْ الثَّلَاثِ وَأُنْمُلَةٍ كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا فِي قَطْعِ ثَلَاثٍ وَأُنْمُلَةٍ أَوْ الْجَائِفَةِ أَوْ الدَّامِغَةِ أَوْ الْآمَّةِ نِصْفُ مَا لِلرَّجُلِ. [قَوْلُهُ: وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ] جَمَعَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي بَيْتٍ فَقَالَ: فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ سَعِيدٌ أَبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَةُ وَلَا يَخْفَى أَنْ مُفَادَ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُعَاقَلَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا مُعَاقَلَةَ فِي شَيْءٍ [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى عَشَرَةٍ] يُخَالِفُ مَا عِنْدَ عَبْدِ الْحَقِّ، فَقَالَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَى تِسْعَةٍ وَمَا فَوْقَ التِّسْعَةِ إلَى الْعَشَرَةِ رَهْطٌ، وَمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ إلَى الْأَرْبَعِينَ عُصْبَةٌ وَمَا فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ إلَى الْمِائَةِ أُمَّةٌ ذَكَرَهُ تت. [قَوْلُهُ: يَقْتُلُونَ رَجُلًا] أَيْ أَوْ امْرَأَةً فَرَضَ الشَّارِحُ الْكَلَامَ فِي التَّمَالُؤِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ سَوَاءٌ بَاشَرُوا الْقَتْلَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى قَتْلِهِ] أَيْ مُتَمَالِئِينَ عَلَى قَتْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَتَكَافَأَ الدِّمَاءُ] أَوْ أَدْنَى مِنْ الْمَقْتُولِ إلَّا إنْ كَانُوا أَعْلَى مِنْهُ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ] لَا صِبْيَانًا وَنَحْوَهُمْ [قَوْلُهُ: بِمُحَرَّمٍ] أَيْ بِمُحَرَّمٍ شُرْبُهُ كَخَمْرٍ وَلَبَنٍ حَامِضٍ شَأْنُهُ الْإِسْكَارُ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ سَكِرَ بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ كَأَنْ سَكِرَ بِدَوَاءٍ أَوْ لَبَنٍ لَيْسَ شَأْنُهُ الْإِسْكَارُ، فَكَالْمَجْنُونِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ عَنْ حَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ. [قَوْلُهُ: قَاصِدًا] شُرْبَهُ احْتَرَزَ عَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ، أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ شُرْبَهُ لِكَوْنِهِ يَظُنُّهُ لَبَنًا. [قَوْلُهُ: إنْ قَتَلَ قُتِلَ] أَيْ إنْ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَكَانَ بَالِغًا. [قَوْلُهُ: أَوْ نَشْوَانًا] عَلَى زِنَةٍ سَكْرَانَ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُعْذَرُ مُطْلَقًا] وَهُوَ الرَّاجِحُ وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: انْتَظَرَ حَتَّى يُفِيقَ] فَإِذَا آيَسَ مِنْ إفَاقَتِهِ

مَجْنُونٌ) مُطْبِقٌ لَا يُفِيقُ مِنْ جُنُونِهِ (رَجُلًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا وَقَتَلَ فِي حَالِ جُنُونِهِ، أَمَّا إذَا قَتَلَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ ثُمَّ جُنَّ اُنْتُظِرَ حَتَّى يُفِيقَ فَيُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ حَالَ إفَاقَتِهِ بِلَا إشْكَالٍ. (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَإِ) فِي نَفْيِ الْقِصَاصِ ظَاهِرُهُ كَالْمُدَوَّنَةِ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا جَنَاهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ تَجِبُ دِيَتُهُ (عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ) مَا جَنَاهُ تَبْلُغُ دِيَتُهُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ ثُلُثَ الدِّيَةِ (فَ) دِيَةُ مَا جَنَاهُ (فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا اُتُّبِعَ بِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ. (وَتُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ) اتِّفَاقًا (وَ) يُقْتَلُ (الرَّجُلُ بِهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَهِيَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] الْآيَةَ (وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ) أَيْ لِبَعْضِ جِنْسِ مَنْ ذَكَرَ (مِنْ بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . (وَلَا يُقْتَلُ) مُسْلِمٌ (حُرٌّ بِعَبْدٍ) مُطْلَقًا أَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ كُلُّهُ قِنًّا أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ كَانَ فِيهِ عَقْدٌ مِنْ عُقُودِ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُكَاتَبِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ فَيُقْتَلُ بِهِ (وَيُقْتَلُ بِهِ) أَيْ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ (الْعَبْدُ) ع: يُرِيدُ إذَا شَاءَ الْأَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَسْتَحْيُوهُ، فَإِنْ اسْتَحْيُوهُ كَانَ السَّيِّدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إسْلَامِ الْعَبْدِ أَوْ يُعْطِي دِيَةَ الْمَقْتُولِ (وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ) حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ (بِ) قَتْلِ (كَافِرٍ وَيُقْتَلُ بِهِ) أَيْ يُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ (الْكَافِرُ وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي جِرَاحٍ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِوُجُودِ التَّكَافُؤِ فِي الدِّمَاءِ فَإِنْ جَرَحَ الْعَبْدُ الْحُرَّ فَالْعَبْدُ فِيمَا جَنَى، وَإِنْ جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي عُضْوٍ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَفِيهِ عَقْلُ ذَلِكَ مَنْسُوبًا مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى فَفِيهِ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ اُقْتُصَّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمَ حَاكِمٍ يَرَى السُّقُوطَ، وَإِذَا شَكَّ هَلْ قَتَلَ حَالَ الْجُنُونِ أَوْ حَالَ الْإِفَاقَةِ فَجَزَمَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَازِمَةٌ قِيلَ لِعَاقِلَتِهِ وَقِيلَ لَهُ: وَلَا سَبِيلَ لِإِسْقَاطِهَا [قَوْلُهُ: وَعَمْدُ الصَّبِيِّ] الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ] وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الثَّانِي خِلَافًا فِي بَابِ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهُ. [قَوْلُهُ: ثُلُثَ الدِّيَةِ] أَيْ دِيَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي. [قَوْلُهُ: فَدِيَةُ مَا جَنَاهُ فِي مَالِهِ] أَيْ عَلَى الْحُلُولِ [قَوْلُهُ: وَتُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ] وَالرَّجُلُ بِهَا حَيْثُ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا وَالْمَقْتُولُ حُرًّا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْجُمْهُورِ] أَيْ وَمُقَابِلُهُ لَا يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ لِبَعْضِ جِنْسِ مَنْ ذُكِرَ] أَيْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيُقْتَصُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَعَكْسُهُ [قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ حُرٌّ بِعَبْدٍ إلَخْ] احْتَرَزَ عَنْ الْحُرِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْحُرِّ قِيمَتُهُ وَفِي جَرْحِهِ مَا نَقَصَ قِيمَتَهُ، وَيَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: أَوْ بَعْضُهُ] أَيْ وَهُوَ الْمُبَعَّضُ. [قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ إلَخْ] وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ مِنْ رَقِيقٍ عَلَى رَقِيقٍ فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنًّا مَحْضًا وَالْقَاتِلُ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ وَفِي الْخَطَإِ جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ. [قَوْلُهُ: فَالْعَبْدُ فِيمَا جَنَى] أَيْ فِي جِنَايَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَفِيهِ عَقْلُ ذَلِكَ إلَخْ] فَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي جَائِفَتِهِ وَآمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا فِيهِ، وَمَا عَدَا تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ مِنْ يَدٍ وَعَيْنٍ وَرِجْلٍ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهُ سَلِيمًا فَعِبَارَةُ الشَّارِحِ لَا تُؤْخَذُ عَلَى إطْلَاقِهَا. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُكَافِئًا لِلْمَقْتُولِ حِينَ الْقَتْلِ ثُمَّ زَالَتْ الْمُسَاوَاةُ قَبْلَ الْقِصَاصِ فَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ، فَإِذَا قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ أَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَ الْقَتْلِ وَقَدْ وُجِدَتْ.

نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) قِصَاصَ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) فِي جُرْحٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي جُرْحِ الْعَبْدِ، فَإِنْ جَنَى الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ فَعَلَيْهِ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ إنْ كَانَ مِمَّا لَهُ عَقْلٌ مُسَمًّى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ، وَإِنَّ جَنَى الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِيمَا كَانَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى وَالْحُكُومَةُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى. (وَالسَّائِقُ) الَّذِي يَضْرِبُ الدَّابَّةَ مِنْ خَلْفِهَا (وَالْقَائِدُ) الَّذِي يَجُرُّهَا مِنْ أَمَامِهَا (وَالرَّاكِبُ) الَّذِي عَلَى ظَهْرِهَا (ضَامِنُونَ لِمَا وَطِئَتْهُ) أَيْ صَدَمَتْهُ (الدَّابَّةُ) بِرِجْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ضَبْطِهَا وَإِمْسَاكِهَا، يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ اجْتَمَعُوا وَأَصَابَتْ شَيْئًا فَالضَّمَانُ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ دُونَ الرَّاكِبِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ فِعْلِهَا ذَلِكَ مِنْ سَبَبِهِ فَيَضْمَنُ خَاصَّةً إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَوْنٌ مِنْ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ (وَمَا كَانَ مِنْهَا) أَيْ الدَّابَّةِ مِنْ الْإِتْلَافِ (مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ) أَيْ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ (أَوْ وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِغَيْرِ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ (فُعِلَ بِهَا) مِنْ ضَرْبٍ أَوْ نَخْسٍ وَنَحْوِهِ (فَذَلِكَ) الْفِعْلُ مِنْهَا (هَدَرٌ) لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ» الْعَجْمَاءُ بِالْمَدِّ كُلُّ حَيَوَانٍ سَوَاءٌ الْآدَمِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْجُبَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْهَدَرُ الَّذِي لَا دِيَةَ فِيهِ. (وَمَا مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَهُوَ هَدَرٌ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا انْهَارَ الْمَعْدِنُ أَوْ الْبِئْرُ عَلَى مَنْ يَعْمَلُ فِيهِ فَهَلَكَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ مُسْتَأْجِرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا صُنْعَ فِيهِ لِمُكَلَّفٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ. (وَتُنَجَّمُ) أَيْ تُقَسَّطُ (الدِّيَةُ) الْكَامِلَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي الْخَطَإِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ لَا قِصَاصَ إلَخْ] حَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ سَاوَى الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ فِي الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فِيهِمَا لَمْ يُقْتَصَّ لَهُ لَا فِي جُرْحٍ وَلَا نَفْسٍ، وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهُ فِيهِمَا اُقْتُصَّ لَهُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ دُونَ الْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا الْحُرِّيَّةُ فَقَطْ وَالْآخَرَ الْإِسْلَامُ فَقَطْ فَمَنْ فِيهِ الْإِسْلَامُ أَعْلَى مِمَّنْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَأَجْرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَأَفْهَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْكُفَّارَ يُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَالْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ [قَوْلُهُ: لِمَا وَطِئَتْهُ] وَمِثْلُ مَا وَطِئَتْ مَا لَوْ طَارَتْ حَصَاةٌ مِنْ تَحْتِ حَافِرِهَا فَكَسَرَتْ آنِيَةً مَثَلًا فَضَمَانُهَا مِنْ قَائِدِهَا مَثَلًا، وَمَفْهُومُ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ وَلَدُ الدَّابَّةِ الْمَسُوقَةِ أَوْ الْمَرْكُوبَةِ أَوْ الْمَقُودَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ] أَيْ يُرِيدُ إذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: دُونَ الرَّاكِبِ] لِأَنَّهُ كَالْمَتَاعِ لَا يُقَدِّمُهَا وَلَا يُؤَخِّرُهَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ عَوْنٌ] أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُ عَوْنٌ فَعَلَى الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ] أَيْ بِأَنْ أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا مِنْ مَنْعِهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ وَهِيَ وَاقِفَةٌ] أَيْ فِي مَحَلِّهَا الْمُعَدِّ لَهَا أَوْ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا كَبَابِ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِالْعَدَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ وُقُوفُهَا فِيهِ فَيَضْمَنُ. قَالَ خَلِيلٌ: أَوْ رَبَطَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ، وَكَذَا يَضْمَنُ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْعَدَاءِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهَا الْآنَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى فِيهَا حَيْثُ اشْتَهَرَتْ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا، وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَضَمَانُهُ عَلَى الْفَاعِلِ كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا شَخْصٌ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِقَرْنِهَا آخَرَ فَقَتَلَتْهُ، وَمِثْلُ تَسَبُّبِهِ لَوْ رَآهَا أَصَابَتْ شَيْئًا بِفَمِهَا فَتَمَكَّنَ مِنْ تَخْلِيصِهِ قَبْلَ إتْلَافِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهَا لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا لَوْ ظَهَرَ تَلَفُ شَيْءٍ مِنْ الدَّابَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ مِمَّا يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا وَيَظْهَرُ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسَبُّبِ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ إلَخْ] احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَمَاتَا فَإِنَّ نِصْفَ دِيَةِ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَدِيَةُ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَهَكَذَا لَوْ كَثُرُوا لِتَسَبُّبِ كُلٍّ فِي قَتْلِهِ وَقَتْلِ مَنْ مَعَهُ فَمَا نَابَهُ سَاقِطٌ لِقَتْلِهِ نَفْسَهُ وَتُؤْخَذُ عَاقِلَتُهُ بِمَا تَسَبَّبَ فِي غَيْرِهِ تت. [قَوْلُهُ: وَتُنَجَّمُ الدِّيَةُ] أَيْ وَأَمَّا قِيمَةُ الرَّقِيقِ فَهِيَ حَالَّةٌ عَلَى الْجَانِي. وَقَوْلُهُ: فِي الْخَطَإِ إلَخْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ

عَنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ أَوْ غَيْرِهِ (عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) أَثْلَاثًا مُتَسَاوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مُسَاوَاةٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَتُخَفَّفُ عَلَيْهِمْ، وَتُحْسَبُ السَّنَةُ مِنْ يَوْمِ التَّنْجِيمِ فَيُعْطِي الثُّلُثَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْكَامِلَةِ تُنَجَّمُ عَلَى الشُّهُورِ فَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ. ق قَوْلُهُ: (وَثُلُثُهَا فِي سَنَةٍ) لَيْسَ بِتَكْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا فِي الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَتَكَلَّمَ ثَانِيًا فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ كَدِيَةِ الْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ. ع قَوْلُهُ: (وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ) عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُنَجَّمُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَجْعَلَ النِّصْفَ فِي سَنَةِ وَنِصْفٍ. (وَالِدِيَّةُ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ (مَوْرُوثَةٌ) أَيْ تُورَثُ (عَلَى) حُكْمِ (الْفَرَائِضِ) الْمُقَدَّرَةِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الْقَاتِلَ نَصِيبَهُ الْمُقَدَّرَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَفِي جَنِينِ الْحُرَّةِ) الْمُسْلِمَةِ أَوْ الْكِتَابِيَّةِ مِنْ مُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَوْ مِنْ زِنًا وَهُوَ مَا تَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ مِنْ مُضْغَةٍ أَوْ عَلَقَةٍ فَمَا فَوْقُ أَوْ دَمٍ مُنْعَقِدٍ إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمْدِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ هِيَ حَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَفِي حُكْمِ الْخَطَأِ الْعَمْدُ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْمَأْمُومَةِ الْجَائِفَةِ وَكَسْرِ الْفَخِذِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْعَاقِلَةِ] وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ] وَابْتِدَاءُ السَّنَةِ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ لَا يَوْمِ الْقَتْلِ وَلَا يَوْمِ الْخِصَامِ وَلَا يَوْمِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ] أَيْ إعَانَةٌ. [قَوْلُهُ: تُنَجَّمُ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا تُنَجَّمُ. [قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ] سَيَأْتِي أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُنَجَّمُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَمَا قِيلَ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ شُذُوذٌ. [قَوْلُهُ: وَثُلُثُهَا فِي سَنَةٍ] أَيْ فِي آخِرِ سَنَةٍ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا إلَخْ] كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ أَوْ رِجْلَ شَخْصٍ خَطَأً. [قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ] أَيْ أَنَّ النِّصْفَ يُنَجَّمُ فِي سَنَتَيْنِ كُلَّ سَنَةٍ رُبْعٌ، وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ ثَلَاثُ سِنِينَ كُلَّ سَنَةٍ رُبْعٌ وَهُوَ مُعْتَمَدٌ عج فَيَكُونُ مَشْهُورًا مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُجْعَلَ] أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ ثُلُثًا فِي سَنَةٍ وَسُدُسًا فِي نِصْفِ سَنَةٍ. [قَوْلُهُ: عَنْ عَمْدٍ إلَخْ] أَيْ عَنْ قَتْلٍ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ تُورَثُ] فَسَّرَهُ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ، ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ فِي الْمَقَامِ مُنَاقَشَةً لِأَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي كَانَ مَمْلُوكًا لِلْمُورَثِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالدِّيَةُ إنَّمَا اسْتَحَقَّهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاته بِدَلِيلِ أَنَّ دَيْنَهُ يُقْضَى مِنْهَا وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهَا كَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: عَلَى حُكْمِ الْفَرَائِضِ] جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى مَفْرُوضَةٍ وَهُوَ النَّصِيبُ الْمُقَدَّرُ كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ، وَحُكْمُهُ إعْطَاؤُهُ لِرَبِّهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّيَةَ تُورَثُ إرْثًا جَارِيًا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَيْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِهِ فَيُعْطِي نِصْفَهَا لِمَنْ يُعْطَى النِّصْفُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ كَالْبِنْتِ وَهَكَذَا فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: أَوْ الْكِتَابِيَّةِ] وَمِثْلُهَا الْمَجُوسِيَّة [قَوْلُهُ: مِنْ مُسْلِمٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ] رَاجِعٌ لِكِتَابِيَّةٍ، وَمَعْنَاهُ إنَّمَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْكِتَابِيَّةِ مَا ذَكَرَ إذَا كَانَ جَنِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَأَوْلَى الْحُرُّ الْمُسْلِمُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ زَوْجُهَا كَافِرًا فَكَالْحُرَّةِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي نَصْرَانِيَّةٍ يَتَزَوَّجُهَا مَجُوسِيٌّ وَبِالْعَكْسِ هَلْ لِجَنِينِهَا حُكْمُ أَبِيهِ أَوْ حُكْمُ أُمِّهِ وَصُحِّحَ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: وَلَوْ مِنْ زِنًا] رَاجِعٌ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ إلَّا أَنَّك إذَا اعْتَبَرْت عُشْرَ وَاجِبِ الْأُمِّ تَجِدُ الْحُكْمَ عَامًّا فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، أَيْ عُشْرُ الْوَاجِبِ مِنْ دِيَةٍ إنْ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ مِنْ قِيمَةٍ إنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ زِنًا هَذَا فِي غَيْرِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا هِيَ فَكَجَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا كَمَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ مَثَلًا تَحْمِلُ مِنْ الزَّوْجِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَالْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ سَيِّدُ الْأَمَةِ رَقِيقًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أَمَةٍ وَمِثْلُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ مَا إذَا كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا كَالْغَارَّةِ لِلْحُرِّ وَكَأَمَةِ الْجَدِّ وَمِثْلُ السَّيِّدِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ السَّيِّدُ الْحُرُّ الْكَافِرُ فَمُلَخَّصُهُ أَنْ تَقُولَ: وَالْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ كَالْحُرَّةِ مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا. [قَوْلُهُ: أَوْ دَمٍ مُنْعَقِدٍ] وَهُوَ الَّذِي إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَا يَذُوبُ، وَلَا

ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ ضَرْبِهَا نَفْسَهَا (غُرَّةٌ عَبْدٌ) بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ (أَوْ وَلِيدَةٌ) عَلَى الْجَانِي عَلَى الْمَشْهُورِ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْبِيضِ إلَّا أَنْ يَقِلُّوا فَمِنْ وَسَطِ السُّودَانِ (تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ) ق: وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ أَوْ عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى فِي الْغُرَّةِ إلَّا الذَّهَبُ دُونَ الْإِبِلِ قَالَهُ ق. وَقَالَ ع: اُخْتُلِفَ إذَا أَتَى بِالْوَلِيدَةِ أَوْ بِالْعَبْدِ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَتَى بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا أَمْ لَا انْتَهَى. قُلْت: الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبُ الْقَبُولِ (وَتُورَثُ) الْغُرَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَخْفَى أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ أَوْ دَمٍ مُنْعَقِدٍ عَمَّا قَبْلَهُ لَكَفَى لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُضْغَةَ مِنْ مَاصَدَقَاتٍ فَمَا فَوْقُ. [قَوْلُهُ: إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا] وَأَمَّا لَوْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً بِشُرُوطِ الْقَسَامَةِ، وَلَوْ مَاتَ عَاجِلًا سَوَاءٌ خَرَجَ مِنْهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا أَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْقَسَامَةِ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْخُذُوا الْغُرَّةَ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَابُونَ لِذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَهَذَا فِي الْخَطَإِ، وَأَمَّا لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ ظَهْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا فَنَزَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ اُقْتُصَّ مِنْهُ بِقَسَامَةٍ بِخِلَافِ تَعَمُّدِ الْجَنِينِ بِضَرْبٍ كَرَأْسِهَا فَفِيهِ الدِّيَةُ بِقَسَامَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ حَيَّةٌ] وَأَمَّا لَوْ انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْضُهُ فِي حَيَاتِهَا وَبَعْضُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِيهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ ضَرْبٍ وَنَحْوِهِ] أَيْ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ شَيْءٍ بِشَرْطِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مِنْ التَّخْوِيفِ أَوْ الشَّمِّ لَزِمَتْ الْفِرَاشَ إلَى أَنْ أَسْقَطَتْ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّقْطِ أَيْضًا، وَيَجِبُ عَلَى الْجِيرَانِ أَنْ يَدْفَعُوا لَهَا مِنْ ذِي الرَّائِحَةِ إنْ طَلَبَتْ مِنْهُمْ أَوْ عَلِمُوا أَنَّهَا حَامِلٌ، وَإِنْ عُدِمَ أَكْلُهَا أَوْ شُرْبُهَا مِنْ ذِي الرَّائِحَةِ يَضُرُّهَا فَإِنْ لَمْ يَدْفَعُوا لَهَا فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ، وَكَذَلِكَ رَائِحَةُ السَّرَابِ لَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى السَّرَابَاتِيَّةِ كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ ضَرْبِهَا نَفْسَهَا] أَيْ فَيَلْزَمُهَا الْغُرَّةُ. [قَوْلُهُ: بِالتَّنْوِينِ إلَخْ] قَالَ تت: وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْجُمْهُورُ تَنْوِينُ غُرَّةٍ دُونَ إضَافَةٍ وَعَبْدٌ بَدَلٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَعَدَمِهِ] أَيْ وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: أَوْ وَلِيدَةٌ] مَعْطُوفٌ عَلَى عَبْدٌ. وَقَوْلُهُ: وَلِيدَةٌ أَيْ أُنْثَى وَعَبَّرَ بِالْوَلِيدَةِ لِصِغَرِهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: الْوَلِيدَةُ الْأَمَةُ الصَّغِيرَةُ فَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْعُشْرُ إلَّا اثْنَيْنِ يُؤْخَذُ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِالْعَبْدِ وَبِالْوَلِيدَةِ الْجِنْسُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ أَنَّهَا عَلَى الْجَانِي عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا. [قَوْلُهُ: فَمِنْ وَسَطِ السُّودَانِ إلَخْ] كَذَا فِي الْمَجْمُوعَةِ أَيْ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ أَوْ الْخِيَارِ وَهُوَ أَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى فِي الْغُرَّةِ إلَّا الذَّهَبُ] أَيْ أَوْ الْفِضَّةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهَا إبِلٌ وَلَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ يُؤْخَذُ خَمْسُ فَرَائِضَ أَيْ بِنْتُ مَخَاضٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَابْنُ لَبُونٍ، فَظَهَرَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهَا مِثْلَهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْمُقَابِلِ. [قَوْلُهُ: هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيمَةِ] أَيْ بِحَيْثُ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا قُلْت: هُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ مَشَى الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْجَنِينِ وَإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ وَلَوْ أَمَةً نَقْدًا أَوْ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً تُسَاوِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْدِ الْعَيْنُ الْحَالَّةُ. [قَوْلُهُ: هَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا أَمْ لَا] لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا [قَوْلُهُ: قُلْت الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وُجُوبُ الْقَبُولِ] بَلْ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: يَعْنِي أَنَّ الْجَانِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ مِثْلَ عُشْرِ الْأُمِّ مِنْ الْعَيْنِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ الْغُرَّةَ وَهَذَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ. وَأَمَّا جَنِينُ الْأَمَةِ فَيَتَعَيَّنُ النَّقْدُ وَتَكُونُ فِي مَالِ الْجَانِي حَيْثُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَمْ تَبْلُغْ الْغُرَّةُ الثُّلُثَ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي تَعَدُّدِ الْجَنِينِ، فَإِنَّ الْجَنِينَ إذَا تَعَدَّدَ يَتَعَدَّدُ الْوَاجِبُ وَهُوَ الْغُرَّةُ إنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَالدِّيَةُ مَعَ الْقَسَامَةِ إنْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي مَجُوسِيٍّ ضَرَبَ بَطْنَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا غَيْرَ مُسْتَهَلٍّ لِأَنَّ الْغُرَّةَ أَكْثَرُ مِنْ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ. [قَوْلُهُ: وَتُورَثُ] وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهَا إرْثًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الضَّارِبُ أَبًا يَلْزَمُهُ الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ كَأَنْ شَرِبَتْ الْأُمُّ

(عَلَى) حُكْمِ الْفَرَائِضِ الْمَذْكُورَةِ فِي (كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) فِي مِيرَاثِ الْمَيِّتِ. (وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ) وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا إذْ كُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا (وَقَاتِلُ الْخَطَإِ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ) وَحَيْثُ يَرِثُ يَحْجُبُ وَحَيْثُ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ، وَصُورَتُهُ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ وَأُمًّا وَقَتَلَ أَحَدُهُمْ الْآخَرَ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَالِكَ إلَّا أَخًا وَاحِدًا مَعَ الْقَاتِلِ، فَالْقَاتِلُ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَتَرِثُ مِنْ الْمَالِ السُّدُسَ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ فَيَحْجُبُهَا الْأَخَوَاتُ عَنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ. (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا) الْحُرِّ إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا مِثْلُ (مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ) مِنْ زَوْجِهَا الْحُرِّ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ أَمَةً خِلَافُ الِاصْطِلَاحِ فَإِنَّ الْأَمَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الَّتِي لِلْخِدْمَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْجَنِينُ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ زَوْجٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مِنْ زِنًا (فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا) أَيْ قِيمَةِ الْأَمَةِ إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، ظَاهِرُ كَلَامِهِ زَادَ عَلَى الْغُرَّةِ أَوْ نَقَصَ، وَأَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ فِيهِ الْقِيمَةَ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. (وَمَنْ قَتَلَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ (عَبْدًا) قِنًّا كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ كَالْمُكَاتَبِ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَتَلَهُ غِيلَةً أَوْ حِرَابَةً فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) مُسْلِمًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا (فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ) الْغِيلَةُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا بِأَنَّهَا قَتْلُ إنْسَانٍ لِأَخْذِ مَالِهِ، وَالْحِرَابَةُ كُلُّ فِعْلٍ يُقْصَدُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَتَعَذَّرُ الِاسْتِغَاثَةُ مَعَهُ عَادَةً مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَقَالَ ق: كُلُّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَاف السَّبِيلَ فَهُوَ مُحَارِبٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا. وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ بَعْضُهُمْ) تَأْكِيدٌ. (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِإِسْقَاطِهَا مَا فِي بَطْنِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهَا [قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ] أَيْ الْعُدْوَانِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَمْدِ غَيْرِ الْعُدْوَانِ فَلَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي الْبَاغِيَةِ. وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ وَوِرْثُهُ. [قَوْلُهُ: دُونَ الدِّيَةِ] أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ سَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: وَصُورَتُهُ إلَخْ] فَرْضُ الشَّارِحِ فِي الْخَطَإِ وَيُقَاسُ عَلَيْهَا الْعَمْدُ [قَوْلُهُ: وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَدَارُ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ تَخَلَّقَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَيَشْمَلُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْغَارَّةِ وَأَمَةَ الْجَدِّ، فَإِنَّ فِي جَنِينِ مَنْ ذَكَرَ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا. [قَوْلُهُ: غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ] أَيْ أَوْ عُشْرُ دِيَةِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا تَسَبَّبَ إنْسَانٌ فِي قَتْلِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تُقَوَّمَ أُمُّهُ حَامِلًا بِهِ وَعَلَى حَالِهَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهَا بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا بِهِ فَمَا نَقَصَ يَغْرَمُهُ الْجَانِي هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا لَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الْأُمِّ لِأَنَّ نَحْوَ الْبَقَرَةِ يَنْقُصُ قِيمَتُهَا بَعْدَ فَقْدِ وَلَدِهَا عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ حَيَاتِهِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ] الْأَحْرَارِ إذْ لَوْ قَتَلَهُ رَقِيقٌ فَالْقِصَاصُ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ] وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ وَلَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُبَعَّضًا يَغْرَمُهَا الْقَاتِلُ حَالَّةً فِي مَالِهِ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا [قَوْلُهُ: الْجَمَاعَةُ] أَيْ الْمُكَلَّفُونَ. [قَوْلُهُ: فِي الْحِرَابَةِ] أَيْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ فِي حَالِ الْحِرَابَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْحِرَابَةُ كُلُّ إلَخْ] هَذَا يَشْمَلُ قَطْعَ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ وَالْقَتْلُ خُفْيَةً الَّذِي هُوَ الْغِيلَةُ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالْغِيلَةُ وَهِيَ الْقَتْلُ لِأَخْذِ الْمَالِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ] أَيْ صَدَرَ الْفِعْلُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ. [قَوْلُهُ: وَأَخَافَ السَّبِيلَ إلَخْ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَخَافَ النَّاسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِخَافَةَ حَقُّهَا أَنْ تُوقَعَ عَلَى الْمَارِّ فِي الطَّرِيقِ فَأَوْقَعَهَا عَلَى نَفْسِ الطَّرِيقِ عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَشْمَلُ قَتْلَ الْغِيلَةِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ بَعْضُهُمْ] أَيْ هَذَا إذَا وَلِيَهُ كُلُّهُمْ بَلْ وَإِنْ وَلِيَهُ بَعْضُهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ تَمَالُؤٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْحِرَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ إلَّا إذَا تَمَالَئُوا عَلَى قَتْلِهِ ابْتِدَاءً، أَوْ بَاشَرَ جَمِيعُهُمْ الْقَتْلَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحِرَابَةَ أَشَدُّ يُقْتَلُ فِيهَا بِالنَّصْرَانِيِّ أَوْ الْعَبْدِ وَلَا يَجُوزُ الْعَفْوُ فِيهَا عَنْ

[كفارة القتل]

عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ حُرًّا مُؤْمِنًا مَعْصُومًا، وَاحْتَرَزَ بِالْخَطَأِ مِنْ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَمْدَ بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ تَفْسِيرٌ لِلْكَفَّارَةِ أَيْ هِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (مُؤْمِنَةٍ) سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ وَلَا مُشْتَرَاةٌ بِشَرْطِ الْعِتْقِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) بِمَعْنَى لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقَ رَقَبَةٍ (فَ) إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ (صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عِتْقًا وَلَا صَوْمًا انْتَظَرَ أَحَدَهُمَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِطْعَامُ (وَيُؤْمَرُ) الْقَاتِلُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّكْفِيرِ (إنْ عَفَا عَنْهُ) الْوَلِيُّ (فِي الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) لِعِظَمِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ عَبْدًا، وَلِمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا. (وَيُقْتَلُ) وُجُوبًا (الزِّنْدِيقُ) حَدًّا لَا كُفْرًا (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَتُقْبَلُ إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ (وَهُوَ الَّذِي يُسِرُّ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِيمَانَ) وَهَذَا هُوَ الْمُنَافِقُ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنَافِقِينَ خَشْيَةَ أَنْ يُقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ فَيَنْفِرُ النَّاسُ عَنْ الْإِسْلَامِ. (وَكَذَلِكَ) يُقْتَلُ (السَّاحِرُ) الَّذِي يُبَاشِرُ السِّحْرَ بِنَفْسِهِ (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَقَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِ يُبَاشِرُ احْتِرَازًا عَمَّنْ دَفَعَ مَالًا لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ السِّحْرَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إنْ عُثِرَ عَلَيْهِ قُتِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاتِلِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: تَأْكِيدٌ لَا يَظْهَرُ بَلْ هُوَ مُبَالَغَةٌ [كَفَّارَة الْقَتْل] [قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ فِي الْخَطَإِ] قَالَ تت: وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا فَلِذَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِأَنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَوْ شَرِيكًا، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ لَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ كَفَّارَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْتُولِينَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْحُرِّ] فَلَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُهُ: الْمُسْلِمِ أَيْ فَلَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ. [قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ حُرًّا] أَيْ فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ عَبْدٍ. [قَوْلُهُ: مُؤْمِنًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ كَافِرٍ. [قَوْلُهُ: مَعْصُومًا] فَلَا تَجِبُ فِي قَتْلِ حَرْبِيٍّ ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ تت. [قَوْلُهُ: مُؤْمِنَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُشْتَرَطُ فِي رَقَبَةِ الظِّهَارِ وَالصَّوْمِ يُطْلَبُ هُنَا. [قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ إلَخْ] أَيْ بِأَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الرِّقِّ لِلْمُكَفِّرِ. [قَوْلُهُ: وَلَا عَقْدُ حُرِّيَّةٍ] أَيْ وَلَا رَبْطُ حُرِّيَّةٍ، أَيْ وَلَا مُرْتَبِطٌ بِرِقٍّ هُوَ حُرِّيَّةٌ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَخْ] أَيْ فَلَوْ أَعْسَرَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْظُرُ لِبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَلِإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ لِأَجْلِ أَنْ يَصُومَهَا ذَكَرَهُ الْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرِهِ [قَوْلُهُ: مُتَتَابِعَيْنِ] فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ الصَّوْمَ فَإِنْ أَفْطَرَ عَمْدًا ابْتَدَأَهُ وَنِسْيَانًا أَوْ لِحَيْضٍ أَوْ لِمَرَضٍ فَلَا يَبْتَدِئُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصِلَ صَوْمَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَوْ أَعْسَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ انْتِظَارَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ حَتَّى يَصُومَا وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مَعَ عَدَمِ إثْمِ الْقَاتِلِ لِخَطَرِ أَمْرِ الدِّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْقَاتِلُ إلَخْ] أَيْ فَهِيَ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ الَّذِي لَا يُكَفِّرُهُ إلَّا النَّارُ أَوْ عَفْوُ الْبَارِي. [قَوْلُهُ: إنْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ] أَوْ لِعَدَمِ التَّكَافُؤِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ] أَيْ فَإِذَا كَفَّرَ قَاتِلُ الْعَمْدِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ التَّرْكِ كَذَا حَلَّ تت. أَقُولُ: وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا. [قَوْلُهُ: إذَا قَتَلَ عَبْدًا] أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ ذِمِّيًّا، وَسَوَاءٌ وَقَعَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا. [قَوْلُهُ: أَوْ خَطَأً فَأَلْقَتْ جَنِينًا إلَخْ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ [مِنْ يَقْتُلُونَ وجوبا] [قَوْلُهُ: حَدًّا لَا كُفْرًا] أَيْ إنْ تَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَفَائِدَةُ قَتْلِهِ حَدًّا أَنَّ مَالَهُ لِوَارِثِهِ وَمِثْلُ تَوْبَتِهِ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إنْكَارُهُ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّنْدَقَةِ، وَأَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلَمْ يَتُبْ فَلَا يُورَثُ وَلِكَوْنِ مَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ كَمَالِ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ حَدًّا. [قَوْلُهُ: الَّذِي يُبَاشِرُ] تَفْسِيرٌ لِلسَّاحِرِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ سَاحِرٍ لَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ] فَيُقْتَلُ حَدًّا كَالزِّنْدِيقِ حَيْثُ كَانَ يُخْفِي ذَلِكَ وَتَابَ حِينَ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ لَقُتِلَ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ] لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ كَمَنْ يَسْتَأْجِرُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا الَّذِي يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ كَانَ سِحْرًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَإِلَّا عُوقِبَ بِغَيْرِ

إنْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ السِّحْرَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ الْأَجْسَامَ وَيُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا. (وَيُقْتَلُ مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا كَانَ بَالِغًا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إلَّا أَنْ يَتُوبَ) فَلَا يُبَادَرُ بِقَتْلِهِ (وَ) لَكِنْ تُعْرَضُ التَّوْبَةُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى فَإِنَّهُ (يُؤَخَّرُ لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ عُقُوبَةٍ بِضَرْبٍ أَوْ تَجْوِيعٍ أَوْ تَعْطِيشٍ وَمِنْ غَيْرِ تَخْوِيفٍ بِالْقَتْلِ وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ " مَنْ " تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَتُؤَخَّرُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ (وَمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ) عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ (وَأَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَقَالَ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَتْلِ. [قَوْلُهُ: قُتِلَ إنْ لَمْ يُسْلِمْ إلَخْ] هَكَذَا قَالَ سَحْنُونٌ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونَ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ، وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَلِذَلِكَ قَالَ تت: وَيُؤَدَّبُ السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ بِسِحْرِهِ فَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ بِذَلِكَ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَيُؤَدَّبُ إنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ مِنْهُمْ أَحَدًا فَيُقْتَلُ بِهِ اهـ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ الْأَجْسَامِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى كُلُّ مَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْأَجْسَامِ وَيُخْرِجُهَا عَنْ حَالِهَا وَلَوْ الصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةَ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ رَبْطُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ وَإِذْهَابُ عَقْلِ غَيْرِهِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَأَوْلَى لَوْ غَيَّرَ صِفَةَ الْجِسْمِ كَتَغَيُّرِهِ مِنْ صُورَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ إلَى صُورَةِ الْحِمَارِيَّةِ وَظَاهِرُهُ كَانَ سَبَبُ التَّغَيُّرِ كَلَامًا مُكَفِّرًا فِي ذَاتِهِ أَوْ لَا، وَقَدْ أَطْلَقَ مَالِكٌ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. نَعَمْ إنْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ كَلَامٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ ظَهَرَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَيُمْكِنُ رَدُّ تَفْسِيرِ الشَّارِحِ إلَيْهِ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: بِأَنَّهُ كُلُّ مَا يُغَيِّرُ أَيْ مِمَّا عُظِّمَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ وَيُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ مَنْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِالْإِخْبَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ هَكَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْبَغَ، وَاسْتَصْوَبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَحْوِ آيَةِ {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 64] لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ السِّحْرِ الْمُكَفِّرِ [قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ مَنْ ارْتَدَّ] قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ، وَتَقْرِيرُهُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا. [قَوْلُهُ: أَيْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ] أَيْ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ أَوْ الْبَعِيدُ كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكَ بِهِ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْكُفْرَ، كَقَوْلِهِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ أَوْ أَتَى بِفِعْلٍ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ كَإِلْقَاءِ قُرْآنٍ فِي قَذَرٍ اخْتِيَارًا. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ بَالِغًا] وَأَمَّا الصَّبِيُّ إذَا ارْتَدَّ فَيُهَدَّدُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا بَلَغَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ، هَذَا إذَا كَانَ مُمَيِّزًا. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ إلَّا إذَا بَلَغَ وَأَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُبَادَرُ بِقَتْلِهِ وَلَكِنْ تُعْرَضُ التَّوْبَةُ عَلَيْهِ] أَيْ وَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ مَنْ ارْتَدَّ يُقْتَلُ عِنْدَ عَدَمِ التَّوْبَةِ فَلَا يُبَادَرُ بِهِ، وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مُشْكِلٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ] أَيْ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَمَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ] فَإِنْ تَابَ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا قُتِلَ بِغُرُوبِ شَمْسِ. الثَّالِثِ: وَتُحْسَبُ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ مِنْ ثُبُوتِ الْكُفْرِ لَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ مَعَ تَأَخُّرِ الثُّبُوتِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الثُّبُوتُ وَإِنَّمَا كَانَ يُؤَخَّرُ ثَلَاثًا لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مَضَى لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ وَاَلَّذِي يَسْتَتِيبُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِ تَخْوِيفٍ بِالْقَتْلِ] فَلَا يُقَالُ لَهُ: إنْ لَمْ تُسْلِمْ تُقْتَلُ، وَكَذَا لَا يُخَوَّفُ بِغَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْنَا أَوْ مَكْرُوهٌ وَلَعَلَّهُ مَكْرُوهٌ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارُ إلَخْ] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ قَتْلِ النِّسَاءِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ قَتْلِهِنَّ لِأَنَّ مَحْمَلَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدِّ. [قَوْلُهُ: وَتُؤَخَّرُ الْحَامِلُ حَتَّى تَضَعَ] أَيْ وَتَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ، وَإِنْ كَانَتْ تُرْضِعُ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَيَقْبَلُ الْوَلَدَ وَكَذَا تُؤَخَّرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ حَيْثُ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا أَوْ كَانَتْ سُرِّيَّةً حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَوْ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِضَعْفٍ أَوْ يَأْسٍ

أُصَلِّي) الْآنَ وَأُصَلِّي بَعْدُ أَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي مُطْلَقًا أَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ (أُخِّرَ حَتَّى يَمْضِيَ) أَيْ يَخْرُجَ (وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ) خَرَجَ الْوَقْتُ وَ (لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ تِلْكَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ (قُتِلَ) بِالسَّيْفِ فِي الْمَكَانِ الْمَعْهُودِ وَلَا يُعَاقَبُ بِغَيْرِهِ وَلَا بِهِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْقَتْلِ وَلَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً بَلْ يُهَدَّدُ أَوَّلًا وَيُضْرَبُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا لَا كُفْرًا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ الْقَتْلُ بِالْفَائِتَةِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا) وَتُجْزِيهِ وَإِنْ أَدَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQمَشْكُوكٍ فِيهِ فَلَا تَسْتَبْرِئُ إلَّا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحْمِلُ أَوْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّهَا تَسْتَبْرِئُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهَا، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا اسْتِبْرَاءَ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ حَمْلًا، اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي ذَلِكَ أَوْ شَكُّوا. تَنْبِيهٌ: يُطْعَمُ الْمُرْتَدُّ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ فَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ عِنْدَهُ [قَوْلُهُ: وَأُصَلِّي بَعْدُ] أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَيْنُ قَوْلِهِ أَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. [قَوْلُهُ: أُخِّرَ حَتَّى يَمْضِيَ] مُفَادُ الشَّارِحِ إبْقَاءُ الْعِبَارَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا وَأَنَّ التَّأْخِيرَ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ مَاشِيًا عَلَى ضَعِيفٍ، وَنَحْنُ نُقَرِّرُهُ عَلَى وَجْهٍ بِهِ يَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ يَمْضِي مَعْنَاهُ أَيْ يَكَادُ يَمْضِي، أَيْ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ الضَّرُورِيِّ مَا يَسَعُ رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا طُمَأْنِينَةٌ وَلَا اعْتِدَالٌ وَلَا قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ وَلَا طَهَارَةٌ فِيمَا يَظْهَرُ صَوْنًا لِلدِّمَاءِ، فَإِنْ قَامَ لِلْفِعْلِ لَمْ يُقْتَلْ وَإِلَّا قُتِلَ بِالسَّيْفِ فِي الْحَالِ هَذَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً وَاحِدَةً، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَاضِرَتَانِ أُخِّرَ لِبَقَاءِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرَيْنِ حَضَرًا وَلِثَلَاثٍ فِيهِمَا سَفَرًا وَلِأَرْبَعٍ فِي اللَّيْلَتَيْنِ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا وَلَا يُعْتَبَرُ أَيْضًا طُمَأْنِينَةٌ وَلَا اعْتِدَالٌ مُطْلَقًا وَلَا فَاتِحَةٌ سِوَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَقَطْ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ طُمَأْنِينَةٍ وَغَيْرِهَا. قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَبِقَوْلِنَا حَتَّى يَكَادَ يَمْضِي إلَخْ عُلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَامْتَنَعَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أُخِّرَ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يَكُنْ الْمُصَنِّفُ آتِيًا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ الْفَائِتَةَ يُقْتَلُ بِهَا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْعِبَارَةِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فِي الْمَكَانِ الْمَعْهُودِ] أَيْ الْمَعْهُودِ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُقْتَلُ ابْتِدَاءً بَلْ يُهَدَّدُ أَوَّلًا وَيُضْرَبُ] وَهَلْ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الشَّارِحِ مِنْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِالْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ أَوْ قَبْلَهُ. وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ فَنَقُولُ: إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ تَهْدِيدُهُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُهَدَّدُ بِالْقَتْلِ بَعْدَ الضَّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى ضَاقَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مَعَ الطَّهَارَةِ فَتَرَدَّدَ عج فِي قَتْلِهِ وَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ قَتْلِهِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ قَتْلَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَا سَبِيلَ إلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الشُّرُوعِ مَعَ الْقُدْرَةِ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ لِي وَمَنْ طُلِبَتْ مِنْهُ بِسَعَةِ وَقْتِهَا وَأُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ وَحَصَلَ تَوَانٍ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَيُقْتَلُ بِهَا لِأَجْلِ الطَّلَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَزِيَّةِ، قُلْت: فَعَلَيْهِ لَا يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ ذَهَبَ إلَى الْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْمَعْهُودَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي فَائِتَةٍ لَمْ يُطْلَبْ بِهَا فِي الْوَقْتِ. تَتِمَّةٌ: حُكْمُ مَنْ قَالَ: لَا أَتَوَضَّأُ أَوْ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لَا أَسْتُرُ عَوْرَتِي فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا أَرْكَعُ لَهَا أَوْ لَا أَسْجُدُ كَسَلًا حُكْمُ تَارِكِهَا، وَانْظُرْ هَلْ يُقَدَّرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ قَدْرُ مَا يَسْعَهُمَا مَعَ رَكْعَةٍ، وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ أَوْ يُرَاعَى قَدْرُ رَكْعَةٍ مَعَ بَدَلِهِمَا وَهُوَ التَّيَمُّمُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ] أَيْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْفَائِتَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ أَصْلًا أَوْ طُلِبَتْ بِضِيقِ وَقْتِهَا عَلَى مَا

ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَبَيْنَ التَّقَرُّبِ. (وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ) الْوَاجِبَ (فَاَللَّهُ حَسْبُهُ) يَنْتَقِمُ مِنْهُ فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ بِقَتْلٍ وَلَا بِغَيْرِهِ إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ عِنْدَهُ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي. (وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ (جَحْدًا لَهَا) أَيْ لِوُجُوبِهَا أَوْ لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنْهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ جَحَدَ غَيْرَهَا مِنْ الْفَرَائِضِ كَالْحَجِّ أَوْ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ (فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ) كُفْرًا لَا حَدًّا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. (وَمَنْ سَبَّ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَوْ عَابَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا (قُتِلَ حَدًّا) إنْ تَابَ لَا كُفْرًا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِهَذَا قَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) سَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ] أَيْ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا. [قَوْلُهُ: أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا] بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ قَهْرًا، أَوْ كُرْهًا بِمَعْنَى التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ فَبِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى قَتْلِهِ] مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَإِذَا مَاتَ فَيَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا بِخِلَافِ دَمِ الْفَقِيرِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ الْمُمْتَنِعُ مَالًا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَلَاءِ لِلْإِمَامِ سَجْنُهُ حَتَّى يُظْهِرَ مَالَهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْمَالِ وَاتُّهِمَ بِإِخْفَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَحْلِفُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْبُغَاةِ] هُمْ الَّذِي خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا كَانَ الطَّالِبُ لِلزَّكَاةِ الْإِمَامَ. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ] قَدْ يُقَالُ إنَّ نِيَّةَ الْإِمَامِ نَائِبَةٌ عَنْ نِيَّتِهِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا [قَوْلُهُ: فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ. [قَوْلُهُ: إذْ لَعَلَّهُ لَمْ تَتَوَفَّرْ] أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ فِي الظَّاهِرِ. [قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ] قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ. [قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحَلَّ إلَخْ] أَيْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْكُفْرِ [قَوْلُهُ: كَالْمُرْتَدِّ] أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ. [قَوْلُهُ: يُسْتَتَابُ] أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ التَّوْبَةَ. وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتُبْ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الِارْتِدَادِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ ظَرْفَهُ الْعُمْرُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ] أَيْ شَتَمَ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ] سَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَقَوْلُهُ: الْبَالِغِينَ وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَيُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ] أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّحَصُّنَ بِاَللَّهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ عَابَهُ] أَيْ نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا فِي خُلُقٍ أَوْ دِينٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا] أَيْ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ كَأَنْ قَالَ: أَسْوَدُ أَوْ قَصِيرٌ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُ أَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا بِقَوْلِهِ: أَوْ عَابَهُ لِأَنَّهُ إذَا نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ فَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا. [قَوْلُهُ: قُتِلَ حَدًّا إنْ تَابَ إلَخْ] أَيْ أَوْ أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ وَلَا دَعْوَى سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: قُتِلَ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا قَالَهُ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي قَتْلِ السَّابِّ الْمُسْلِمِ أَوْ صُلْبِهِ حَيًّا. [قَوْلُهُ: وَلِهَذَا] أَيْ وَلِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَتْلُهُ، وَلَا بُدَّ فَيَكُونُ فِيهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ قُتِلَ حَدًّا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا تُسْقِطُهُ التَّوْبَةُ] أَيْ كَالزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالسَّارِقِ سِوَى الْمُحَارِبِ فَإِنَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِتْيَانِهِ لِلْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، أَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنَّ قَتْلَهُ كُفْرٌ. اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ

أَمَّا إذَا لَمْ يَتُبْ كَانَ قَتْلُهُ كُفْرًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - أَوْ جَحَدَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَمَنْ سَبَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا وَلَا يُقْتَلُ. (وَمَنْ سَبَّهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَوْ سَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ قُتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) مَا ذَكَرَهُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ج. وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. وَقَالَ ع: مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ غَيْرُ الْمَشْهُورِ. مِثَالُ سَبِّهِ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَبِيحًا أَوْ يَقُولَ: لَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ سَاحِرٌ أَوْ يَقُولَ الْيَهُودِيُّ لَيْسَ بِرَسُولٍ إلَيْنَا وَإِنَّمَا رَسُولُنَا مُوسَى، أَوْ يَقُولَ النَّصْرَانِيُّ إنَّمَا رَسُولُنَا عِيسَى، وَمِثَالُ سَبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَنْ يَقُولَ: غَيْرُ كَرِيمٍ أَوْ يَقُولَ: غَيْرُ حَلِيمٍ، وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا كُفْرٌ بِهِ أَنْ يَقُولَ: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَهُ صَاحِبَةٌ أَوْ لَهُ وَلَدٌ. (وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ) إذَا مَاتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ وَكَانَ حُرًّا (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) ع: وَانْظُرْ لِمَ سَكَتَ عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ. ع: يَحْتَمِلُ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِيهِمْ لِوَرَثَتِهِمْ وَفِيهِ خِلَافٌ، وَحَكَى ج أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَعْجِلُ بِقَتْلِ السَّابِّ وَمِثْلُهُ الزِّنْدِيقُ وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُمَا كُفْرًا لِأَنَّ التَّأْخِيرَ ثَلَاثًا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُرْتَدِّ غَيْرِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ] أَيْ مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكِيَّتِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ جَحَدَ كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنْزَلَةِ] الْمُرَادُ مِمَّا عُلِمَ مَجِيءُ الْإِسْلَامِ بِهِ ضَرُورَةً. [قَوْلُهُ: نُكِّلَ نَكَالًا شَدِيدًا] أَيْ عُوقِبَ عِقَابًا شَدِيدًا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَبَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ] أَيْ أَوْ اُخْتُلِفَ فِي مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَنْ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ قَبُولُهَا، وَقِيلَ: لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ سَبِّ اللَّهِ وَسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَرٍ وَالْبَشَرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَشَرًا يَقْبَلُ الْعَيْبَ وَتَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ بِالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ سَائِرِ الْعُيُوبِ فَلَا يَلْحَقُهُ عَيْبٌ وَلَا مَعَرَّةٌ فَشُدِّدَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ] الْمُرَادُ بِمَا بِهِ كُفْرٌ مَا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ وَبِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ مَا لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ إلَخْ أَيْ فَيَكُونُ إسْلَامُهُ تَوْبَةً لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْبَةِ الْكَافِرِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَتَوْبَةُ الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ، أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَدُّهُ، وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ فِي سَبِّ إلَخْ] أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ع إلَخْ] أَيْ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا كَيْفَمَا وَقَعَ مِنْهُ السَّبُّ لَا بِمَا كَفَرُوا بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَهَلْ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ أَوْ قَبْلَهَا قَوْلَانِ. وَاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ قَوْلًا قَبِيحًا] لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ مَاصَدَقَاتِ ذَلِكَ مَا كَفَرُوا بِهِ فَلَا يُنَاسَبُ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ سَاحِرٌ إلَخْ. [قَوْلُهُ: غَيْرُ كَرِيمٍ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، أَيْ بَخِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَمِثَالُ سَبِّهِ بِمَا بِهِ كُفْرٌ] أَيْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَيَنْقَضِيَ أَمَدُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَتْلِ لِأَنَّ حِلَّ أَخْذِهَا مُغَيًّا بِنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - [قَوْلُهُ: إذَا مَاتَ عَلَى ارْتِدَادِهِ] بِأَنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ حُرًّا] وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ. [قَوْلُهُ: لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ] فَيُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ كُفَّارًا وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَالَهُ يَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ ذَكَرَ] وَهُوَ أَشْيَاءُ: الْأَوَّلُ وَالثَّانِي الزِّنْدِيقُ وَالسَّاحِرُ اللَّذَانِ تَابَا بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ: يُقْتَلُ الزِّنْدِيقُ حَدًّا، بَلْ السَّاحِرُ مِنْ أَفْرَادِ الزِّنْدِيقِ عَلَى تَقْرِيرِهِ الَّذِي قُرِّرَ بِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَيْنِ مِيرَاثُهُمَا لِوَرَثَتِهِمَا، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُمَا مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ. الثَّالِثُ: مَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَامْتَنَعَ مِنْهَا كَسَلًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسْلِمٌ فَتَرِثُهُ

مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ. (وَالْمُحَارِبُ) الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ (لَا عَفْوَ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ) أَيْ أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا (فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) وُجُوبًا إذَا كَانَ مُكَلَّفًا وَلَوْ عَفَا عَنْهُ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ) أَحَدًا (فَيَسَعُ) أَيْ يَبْذُلُ (الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ) اسْتِحْبَابًا (بِقَدْرِ جُرْمِهِ) أَيْ اكْتِسَابِهِ لِلْمَعَاصِي وَالطُّغْيَانِ (وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ فِي فَسَادِهِ) فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ كَافِيًا فِي رَدْعِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ فَعَلَ بِهِ أَشَدَّ الْعُقُوبَاتِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ أَيْسَرَ الْعُقُوبَاتِ وَهُوَ النَّفْيُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَبْذُلُ الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ فَقَالَ: (فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ يُقَطِّعُهُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يَنْفِيهِ إلَى بَلَدٍ يُسْجَنُ بِهَا حَتَّى يَتُوبَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ ع: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ إمَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ أَوْ يَصْلُبَهُ ثُمَّ يَقْتُلَهُ. وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ الصَّلْبَ حَدٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمُ الصَّلْبُ، وَالْقَتْلُ يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ. بِالسَّيْفِ أَوْ الرُّمْحِ وَلَا يُقْتَلُ عَلَى صِفَةٍ يُعَذَّبُ بِهَا وَلَا بِحِجَارَةٍ، وَالصَّلْبُ الرَّبْطُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيَكُونُ قَائِمًا لَا مُنَكَّسًا وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ مِنْهَا وَمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَثَتُهُ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّارِكُ لَهَا جَحْدًا فَذَلِكَ مُرْتَدٌّ بِلَا رَيْبٍ. الرَّابِعُ: السَّابُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتُبْ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُرْتَدِّ. [قَوْلُهُ: أَنَّ مِيرَاثَ الزِّنْدِيقِ] أَيْ الَّذِي تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قُلْت: وَكَذَا الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ يَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ كَافِرًا فَصَارَ كَالْمُرْتَدِّ فَيَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ الْغَيْرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: لَا عَفْوَ فِيهِ] جَائِزٌ. [قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ] بَلْ وَلَوْ شَارَكَ فِي الْقَتْلِ بِإِعَانَةٍ كَضَرْبٍ أَوْ إمْسَاكٍ، بَلْ وَلَوْ بِالْمُمَالَأَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ مَفْسَدَةٌ أَشَدُّ كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي عَرَبِ أَفْرِيقِيَّةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَخْصًا وَقَتَلُوهُ بِهِ يُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ بِهِ خَلَائِقَ كَثِيرَةً. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُكَلَّفًا] أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَاقَبُ حَارَبَ بِالسَّيْفِ أَوْ الْعَصَا. تَحْقِيقٌ [قَوْلُهُ: وَالطُّغْيَانِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: فُعِلَ بِهِ أَشَدُّ] أَيْ نَدْبًا أَيْ وَإِذَا كَانَ ذَا تَدْبِيرٍ نُدِبَ قَتْلُهُ وَتَحْتَهُ أَمْرَانِ قُتِلَ فَقَطْ أَوْ صُلِبَ ثُمَّ قُتِلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بَلْ يَنْدُبُ لَهُ النَّظَرُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ أَيْ وَلَا تَدْبِيرٍ، وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ حَالِ مَنْ كَثُرَ مَقَامُهُ فِي الْفَسَادِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَا قُوَّةٍ وَلَا بَطْشٍ وَلَا تَدْبِيرٍ النَّفْيُ وَالضَّرْبُ كَمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ حَالِهِ نَادِمًا عَلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ النَّفْيُ] أَيْ وَالضَّرْبُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مِنْ الْقُصُورِ وَعَدَمِ التَّطْبِيقِ لِكَلَامِهِ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِمَّا قَتَلَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَصْلُبُهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ] فَيَصْلُبُهُ حَيًّا عَلَى خَشَبَةٍ يُرْبَطُ جَمِيعُهُ بِهَا لَا مِنْ أَعْلَاهُ فَقَطْ كَإِبْطَيْهِ وَوَجْهِهِ أَوْ ظَهْرُهُ لَهَا غَيْرَ مَنْكُوسٍ، فَالصَّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَقْتُلَهُ فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَصْلُبْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ مِنْ الْحُدُودِ شَيْئًا، وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحَبْسِ لَصَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ] فَإِنْ قُلْت: مَا جَوَابُ الْمَشْهُورِ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ قُلْت: جَوَابُهُ الْأَخْذُ مِنْ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ مِمَّا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلْبَ وَحْدَهُ يَكْفِي كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يَكْفِي. الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الصَّلْبَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ. [قَوْلُهُ: وَالرُّمْحِ] أَيْ بِوَضْعِهِ فِي لَبَّتِهِ. [قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَائِمًا إلَخْ] وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ يَدَاهُ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الرَّاحَةِ إلَى أَنْ يَمُوتَ، فَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ مَنْقُولًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ] لَعَلَّ الْمُرَادَ

الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ حَارَبَ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْقَطْعِ مِنْ الْيَدِ فَقِيلَ: مِنْ الْكُوعِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ. وَمِنْ الرِّجْل فَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَيُتْرَكُ لَهُ آخِرُ مُؤَخِّرِ الْقَدَمِ، وَقِيلَ: تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ وَالنَّفْيُ الْإِخْرَاجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَأَقَلُّ الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إلَيْهِ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَالنَّفْيُ خَاصٌّ بِالذَّكَرِ الْحُرِّ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَلَا يُنْفَيَانِ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بِنَفْيِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِهِ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ) أَيْ لَمْ يُظْهَرْ (عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ) إلَى الْإِمَامِ (تَائِبًا وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ) تَعَالَى (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ وَهِيَ الْقَتْلُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَاسْتَثْنَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَحَقُّ اللَّهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ، وَصَرَّحَ بِالْحَقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ) الَّتِي جَنَاهَا فِي حَالِ حِرَابَتِهِ (مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ) ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ. (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ) جَمْعُ لِصٍّ (ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا سَلَبُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ) سَوَاءٌ أُخِذَ فِي حَالِ تَلَصُّصِهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا، وَسَوَاءٌ أَخَذَ الْمَالَ هُوَ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِينَ شَرِيكٌ، وَاللُّصُوصُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حُمَلَاءُ فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ غَرِمَ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَّا الْمُجْتَمَعُونَ عَلَى السَّرِقَةِ فَكُلٌّ مُخَاطَبٌ بِمَا أَخَذَهُ خَاصَّةً عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا تَعَاوَنُوا فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ. وَقَوْلُهُ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى] قَالَ تت: فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ لَهُ تَفْرِيقُ الْقَطْعِ فِي وَقْتَيْنِ اهـ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً إلَخْ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ مَا إذَا كَانَتْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ الْكُوعِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ] أَيْ قَطْعًا آتِيًا عَلَى مُنْتَهَى الْأَصَابِعِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَالْحَبْسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ] أَيْ أَوْ يَمُوتَ لَا أَنَّهُ يُخَلَّى سَبِيلُهُ بَعْدَ سَنَةٍ، وَيَكُونُ النَّفْيُ بَعْدَ الضَّرْبِ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ عَبْدًا تَخَيَّرَ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ، الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ أَوْ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الصَّلْبِ ثُمَّ الْقَتْلِ، وَلَا يُنْفَى إلَّا بِرِضَا السَّيِّدِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ وَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالنَّفْيِ إلَى بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ وَوَجَدَتْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً. [قَوْلُهُ: حَتَّى جَاءَ إلَى الْإِمَامِ تَائِبًا] أَيْ أَوْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرَابَةِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ، أَيْ فَحَدُّهَا يَسْقُطُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْمِينُهُ، وَإِنْ جَازَ لَهُ تَأْمِينُ الْكَافِرِ. [قَوْلُهُ: وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ] اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ مُوسِرًا مِنْ حِينِ أَخَذَ الْمَالَ إلَى حِينِ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ، وَإِنْ أَعْسَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَنْ جَاءَ تَائِبًا أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ إنْ وُجِدَ وَاتُّبِعَ بِهِ إنْ أَعْدَمَ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ أَوْ النَّفْيُ أَوْ الْأَوَّلَانِ فَقَطْ دُونَ النَّفْيِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ، وَالْأَوَّلُ مُرْتَضَى أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَالثَّانِي ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ اُنْظُرْ عج. [قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ] أَيْ الْمُحَارِبِينَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا السَّارِقُ بَلْ الْمُحَارِبُ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ] كَانَ مَا أَخَذَهُ أَصْحَابُهُ بَاقِيًا أَوْ لَا، نَابَهُ شَيْءٌ مِمَّا نَهَبُوهُ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ عَمَّنْ عَدَاهُ حَيْثُ لَزِمَ مَنْ عَدَاهُ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ يَغْرَمُ بِطَرِيقِ الضَّمَانِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إلَخْ] هُوَ الرَّاجِحُ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْبُغَاةُ وَالْغُصَّابُ فَإِنْ وُجِدَ بِيَدِ غَاصِبٍ بَعْضُ مَالٍ وَقَدَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمْ اسْتَبَدَّ

[كتاب الحدود]

مِنْهُمْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (وَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ) أَوْ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَهُ (قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ) قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، وَأَمَّا إنْ تَابَ بَعْدَ مَا قَتَلَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الذِّمِّيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ، وَلَا يُقْتَلُ بِهِمَا قَالَهُ ع. وَقَالَ ق: مُقْتَضَى قَوْلِهِ: فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَوْ جَاءَ تَائِبًا. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الزِّنَا وَلَفْظُهُ مَقْصُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ مَمْدُودٌ عِنْدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ تَعَمُّدًا، وَحُكْمُهُ الْحُرْمَةُ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَعُقُوبَاتُ الزَّانِي ثَلَاثَةٌ. رَجْمٌ فَقَطْ. جَلْدٌ مَعَ تَغْرِيبٍ. جِلْدٌ فَقَطْ. أَوَّلُهَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ زَنَى مِنْ حُرٍّ) مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ذَكَرٍ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِقَدْرِ مَا غُصِبَ مِنْهُ، وَرَدَّ مَا فَضَلَ إنْ فَضَلَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسُوا كَأَرْبَابِ الدُّيُونِ يَتَحَاصُّونَ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ق إلَخْ] كَلَامُ ق ضَعِيفٌ، وَالرَّاجِحُ كَلَامُ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْتَلُ حِينَئِذٍ إلَّا قِصَاصًا فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ غَيْرَ مُكَافِئٍ لَهُ فَإِنَّمَا يَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلْعَبْدِ أَوْ الدِّيَةَ فِي الذِّمِّيِّ، وَإِنْ كَانَ مُكَافِئًا لَهُ فَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ [كِتَاب الْحُدُود] [حَدّ الزِّنَا] [قَوْلُهُ: وَلَفْظُهُ مَقْصُورٌ إلَخْ] وَالنِّسْبَةُ إلَى الْمَقْصُورِ زَنَوِيٌّ وَإِلَى الْمَمْدُودِ زَنَائِيٌّ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَصَرَهُ جَعَلَهُ اسْمَ الشَّيْءِ نَفْسِهِ، وَمَنْ مَدَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ اثْنَيْنِ كَالْمُقَاتَلَةِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَطْءُ مُكَلَّفٍ] أَيْ تَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ أَوْ قَدْرِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ انْتِشَارٍ، أَوْ مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ خَفِيفَةٍ لَا تَمْنَعُ لَذَّةً لَا كَثِيفَةٍ أَوْ فِي هَوَاءِ الْفَرْجِ وَلَمَّا كَانَ الزِّنَا لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ، فَذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُسْتَلْزِمٌ لِذِكْرِ الْآخَرِ، وَاخْتِيرَ ذِكْرُ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مُجْرَى الْعِلَّةِ وَالِاسْتِغْنَاءُ بِهَا عَنْ الْمَعْلُومِ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قَالَهُ بَهْرَامٌ، أَوْ يُقَالُ: إضَافَةُ الْوَطْءِ لِلْمُكَلَّفِ تَعَلُّقُهُ بِهِ أَيْ تَعَلُّقُ الْوَطْءِ بِمُكَلَّفٍ، وَالْمُرَادُ بِالْفَاعِلِ مَنْ يَمِيلُ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْمَرْأَةُ تَمِيلُ إلَى ذَلِكَ فَيَشْمَلُ الْوَاطِئَ وَالْمَوْطُوءَةَ، وَخَرَجَ بِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ زِنًا لُغَةً. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ. وَاحْتَرَزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ الصَّبِيِّ وَلَوْ مُرَاهِقًا لَكِنَّ الْمُرَاهِقُ يُؤَدَّبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَخَرَجَ مَنْ لَاطَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْفَاعِلِ نَكِرَةً وَكَذَا بِالْمَفْعُولِ. وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: مُسْلِمٍ أَيْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَخَرَجَ بِهِ وَطْءُ الْكَافِرِ لِلْكَافِرَةِ أَوْ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَبِالْمُسْلِمِ عَنْ الْكَافِرِ إذَا زَنَا بِمُسْلِمَةٍ طَائِعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ يُعَاقَبُ الْعُقُوبَةَ الشَّدِيدَةَ، وَتُحَدُّ الْمُسْلِمَةُ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ. وَقَوْلُهُ: فَرْجَ آدَمِيٍّ احْتَرَزَ بِالْفَرْجِ عَنْ الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَنَحْوِهِ وَبِالْآدَمِيِّ مِنْ وَطْءِ الْبَهِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ وَيُعَزَّرُ، وَيَخْرُجُ مِنْ الْآدَمِيِّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ زَنَى بِهِ فِي فَرْجِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ. وَأَمَّا إنْ زَنَى بِهِ فِي دُبُرِهِ فَعَلَى الزَّانِي الْحَدُّ، وَإِنْ زَنَى بِذَكَرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَكَذَا بِفَرْجِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ نَائِمٍ فِي فَرْجِهَا فَعَلَيْهَا الْحَدُّ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جِنِّيَّةً،. [قَوْلُهُ: لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ] الْمُرَادُ بِالْمِلْكِ التَّسَلُّطُ الشَّرْعِيُّ فَالْمَمْلُوكُ الذَّكَرُ لَا تَسَلُّطَ لَهُ عَلَيْهِ شَرْعًا مِنْ جِهَةِ الْوَطْءِ، وَخَرَجَ بِهِ مَنْ وَطْؤُهَا لَهُ حَلَالٌ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ وَلَكِنْ امْتَنَعَ وَطْؤُهُمَا عَلَيْهِ لِعَارِضٍ مِنْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: بِاتِّفَاقٍ النِّكَاحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِيهِ لَا يُسَمَّى زِنًا شَرْعًا إذْ لَا حَدَّ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ لَا الْمَذْهَبِيُّ وَقَوْلُهُ: تَعَمُّدًا أَخْرَجَ بِهِ النَّاسِيَ وَالْغَالِطَ. وَكَذَا الْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ إذَا كَانَ يَظُنُّ مِنْهُ ذَلِكَ كَالْأَعْجَمِيِّ إذَا زَنَا بِقُرْبِ إسْلَامِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلِّوَاطِ لِأَنَّ الْفَرْجَ شَامِلٌ لِلدُّبُرِ فَيُسَمَّى زِنًا شَرْعًا لَكِنْ اللِّوَاطُ إنَّمَا هُوَ الْوَطْءُ فِي دُبُرِ الذَّكَرِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فِي دُبُرِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ فَهُوَ مِنْ الزِّنَا كَدُبُرِ الْأُنْثَى الْأَجْنَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ. [قَوْلُهُ: الْكِتَابُ] قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] إلَى غَيْرِ مَا آيَةٍ وَقَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك، ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك، ثُمَّ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك» ". وَقَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ الزِّنَا مُحَرَّمٌ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.

أُنْثَى (مُحْصَنٍ) ك: رُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ (رُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ) بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَاحْتَرَزَ بِالْحُرِّ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَيَنُصُّ عَلَى حُكْمِهِ (وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَتَزَوَّجَ) الرَّجُلُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ (امْرَأَةً) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً بَالِغَةً أَوْ غَيْرَ بَالِغَةٍ مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا (نِكَاحًا صَحِيحًا) احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يُحْصِنُ اتِّفَاقًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: (وَيَطَأُهَا وَطْئًا صَحِيحًا) مِنْ الْوَطْءِ الْغَيْرِ الْمُبَاحِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ فَإِنَّهُ لَا يُحْصِنُ. وَثَانِيهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ يُحْصَنْ) الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ (جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ) بَعْدَ أَنْ يُجْلَدَ (غَرَّبَهُ الْإِمَامُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ) كَفَدَكَ وَخَيْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَبَيْنَهُمَا يَوْمَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثُ مَرَاحِلَ وَيَكُونُ حَمْلُهُ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا نَفَقَتُهُ (وَحُبِسَ فِيهِ عَامًا) وَيَكُونُ مِنْ حِينِ سُجِنَ. وَثَالِثُهَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى الْعَبْدِ) الْقِنِّ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْحُرِّيَّةِ كَالْمُكَاتَبِ (فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَمْسِينَ وَهِيَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حَدُّ خَمْسِينَ. (وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ) عَلَيْهَا فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْأَمَةَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي وَرَدَ فِيهَا النَّصُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْعَبْدُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا ثُمَّ بَالَغَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَا مُتَزَوِّجَيْنِ) ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِحْصَانِ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: وَمَنْ زَنَى] أَيْ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ فِي أَجْنَبِيَّةٍ مُطِيقَةٍ وَلَوْ مَيِّتَةً. [قَوْلُهُ: رُوِّينَاهُ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ] قَالَ الْمَجْدُولِي: وَاعْلَمْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْ أَحْصَنَ إذَا تَزَوَّجَ مُحْصَنٌ بِفَتْحِ الصَّادِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَفِيهِ الْكَسْرُ عَلَى الْقِيَاسِ أَيْضًا اهـ. فَقَوْلُ الْفَاكِهَانِيِّ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ أَيْ مِنْ حَيْثُ السَّمَاعُ. [قَوْلُهُ: بِحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ] أَيْ لَا بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ خَشْيَةَ التَّشْوِيهِ وَلَا بِحِجَارَةٍ صَغِيرَةٍ خَشْيَةَ التَّعْذِيبِ وَلَا يُحْفَرُ لَهُ حُفْرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمُقَابِلُهُ يُحْفَرُ لِنِصْفِهِ وَيُتَّقَى فَرْجُهُ وَوَجْهُهُ وَيُضْرَبُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ وَيُجَرَّدُ أَعْلَى الرَّجُلِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِي الضَّرْبَ وَيُنْظَرُ بِهَا وَضْعُ حَمْلِهَا وَتَجِدُ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا بِخِلَافِ الْجَلْدِ فَإِنَّهَا تُؤَخَّرُ فِيهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ نِفَاسُهَا لِأَنَّهَا مَرِيضَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْإِحْصَانُ] لُغَةً الْعِفَّةُ وَشَرْعًا أَنْ يَتَزَوَّجَ. [قَوْلُهُ: الْبَالِغُ] أَيْ الْحُرُّ. [قَوْلُهُ: نِكَاحًا صَحِيحًا] أَيْ وَلَازِمًا. [قَوْلُهُ: وَطْئًا صَحِيحًا] أَيْ مُبَاحًا مَعَ انْتِشَارٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ شُرُوطَ الْإِحْصَانِ عَشَرَةٌ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ وَالْإِصَابَةُ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ لَازِمٍ، وَأَنْ تَكُونَ الْإِصَابَةُ صَحِيحَةً بِانْتِشَارٍ وَلَا مُنَاكَرَةٍ، وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ حُرِّيَّةِ الزَّوْجِ وَإِسْلَامِهِ وَالْإِطْلَاقِ فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهُ قَدْ يَتَحَصَّنُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ، فَالزَّوْجَةُ الْأَمَةُ الْحُرَّةُ الْمُطِيقَةُ تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْحُرَّ الْبَالِغَ وَلَا يُحْصِنُهَا كَمَا أَنَّ الْكِتَابِيَّةَ تُحْصِنُ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ وَلَا يُحْصِنُهَا، وَالْمَجْنُونَةُ تُحْصِنُ الْعَاقِلَ وَلَا يُحْصِنُهَا، وَتَتَحَصَّنُ الْمَرْأَةُ دُونَ الرَّجُلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْبَالِغَةُ الْحُرَّةُ بِعَبْدٍ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونٍ بَالِغٍ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُحْصَنْ] أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ تَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا أَوْ غَيْرَ لَازِمٍ أَوْ وَطِئَ فِي زَمَنِ حُرْمَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: غَرَّبَهُ الْإِمَامُ] أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَوْ غَرَّبَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ] أَيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى مَا يُفِيدُهُ بَعْضُهُمْ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْمَرْحَلَةُ الْمَسَافَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْمُسَافِرُ فِي نَحْوِ يَوْمٍ وَالْجَمْعُ مَرَاحِلُ. [قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَفِي بَيْتِ الْمَالِ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: وَحُبِسَ فِيهِ عَامًا] فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَامِ أُخْرِجَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِثْلِهِ فِي الْبُعْدِ يَمْكُثُ فِيهِ حَتَّى تَتِمَّ السَّنَةُ، وَلَوْ زَنَى فِي الْمَكَانِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ أَوْ زَنَى الْغَرِيبُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَأَنَّسَ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمَسْجُونِينَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَوَحَّشْ فِيهِ غَرَّبَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُسْجَنُ فِيهِ سَنَةً يَبْتَدِئُهَا مِنْ يَوْمِ الْخُرُوجِ الثَّانِي وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَإِلَّا فَفِي سِجْنِهِ الْأَوَّلِ، وَالْغَرِيبُ إنْ كَانَ بِفَوْرِ نُزُولِهِ قَبْلَ تَأَنُّسِهِ فِي الْبَلَدِ الَّتِي زَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ فِيهَا سَنَةً وَإِلَّا أُخْرِجَ إلَى غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: حَدُّ خَمْسِينَ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ مَقِيسٌ عَلَيْهَا] أَيْ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ. [قَوْلُهُ: وَفِي أَنَّهُ لَا تَغْرِيبَ. عَلَيْهِمَا] أَيْ وَلَوْ رَضِيَ السَّيِّدُ بِخِلَافِ الرَّقِيقِ

تَقَدَّمَ الْحُرِّيَّةُ فَفَارَقَا الْحُرَّ فِي ذَلِكَ (وَ) فِي أَنَّهُ (لَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَغْرِيبَ (عَلَى الْمَرْأَةِ) ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إلَى الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ، فَفِي تَغْرِيبِهَا تَعْرِيضٌ لِهَتْكِهَا وَمُوَاقَعَةِ مِثْلِ الَّذِي غُرِّبَتْ مِنْ أَجْلِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ الطُّرُقَ الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا الزِّنَا وَحَصَرَهَا فِي ثَلَاثَةٍ فَقَالَ: (وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ مِنْهُ) عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَلَوْ مَرَّةً (أَوْ بِحَمْلٍ يَظْهَرُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ مَثَلًا (أَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ) بِأَنْ يَقُولَ: رَأَيْته بَيْنَ فَخِذَيْهَا وَلَا أَدْرِي مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا) حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا حَدَّ عَلَى الرَّابِع؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْقَذْفَ. (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيُؤَدَّبُ كَمَا يُؤَدَّبُ فِي الْمَكْتَبِ (وَيُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَالِدِهِ) عَلَى الْمَذْهَبِ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ لَهُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ. وَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ وَيَسْتَبْرِئُهَا إنْ أَرَادَ وَطْأَهَا (وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مَالِهِ (وَ) لَكِنْ (تُقَوَّمُ عَلَيْهِ) يَوْمَ وَطِئَ وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَارِبِ وَالْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ إذَا رَضِيَ السَّيِّدُ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِالنَّفْيِ فَلَهَا ذَلِكَ حَيْثُ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَحَرِّرْ الْفَرْقَ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى السَّيِّدِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِالتَّغْرِيبِ أَنَّهُ يُغَرَّبُ وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ. [قَوْلُهُ: لَا تَغْرِيبَ عَلَى امْرَأَةٍ] وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْجَلْدُ فَقَطْ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالتَّغْرِيبِ أَوْ رَضِيَ زَوْجُهَا. [قَوْلُهُ: وَالصِّيَانَةِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: لِهَتْكِهَا أَيْ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الصِّيَانَةِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَمُوَاقَعَةِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلِهَا أَوْ وُقُوعٍ فَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا [قَوْلُهُ: إلَّا بِاعْتِرَافٍ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا] حَيْثُ أَقَرَّ طَائِعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَوْ مَرَّةً، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ اعْتِرَافُهُ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُكْرَهٍ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ مَثَلًا] أَيْ وَلَا سَيِّدٌ مُقِرٌّ بِوَطْئِهَا، وَقَدْ يُبْحَثُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِأَنَّ لَفْظَةَ مَثَلًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا أَوْ هَذَا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ، وَمِثْلُ الْخَالِيَةِ مِنْهُمَا ذَاتُ السَّيِّدِ أَوْ الزَّوْجِ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ فَزَوْجَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَلْزَمُهُمَا الْحَدُّ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِمَنْ يُولَدُ لَهُ لَكِنْ وَلَدَتْ لِمُدَّةٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهَا بِزَوْجِهَا كَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا كَامِلًا لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ. [قَوْلُهُ: يَرَوْنَهُ] أَيْ ذَكَرَ الزَّانِي فِي فَرْجِهَا. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ] أَيْ وَفَتْحِ الْوَاوِ. [قَوْلُهُ: وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ] أَيْ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ الرُّؤْيَا أَيْ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ يَجْتَمِعُونَ فِي النَّظَرِ لِلذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ اجْتَمَعُوا وَنَظَرَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَطْءِ، وَالْأَفْعَالُ لَا يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ وَقْتِ الْأَدَاءِ وَاتِّحَادِ وَقْتِ الرُّؤْيَا، وَيَذْكُرُوا اتِّحَادَ وَقْتِ الرُّؤْيَا لِلْقَاضِي فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي أَمَاكِنِ الرُّؤْيَا أَوْ فِي الطَّوْعِ أَوْ الْإِكْرَاهِ أَوْ فِي الزِّنَا وَالشُّبْهَةِ، وَكَذَا لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا لِلْقَاضِي أَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَيَجِبُ تَفْرِيقُهُمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ بَعْدَ إتْيَانِهِمْ جَمِيعًا، وَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الزِّنَا أَنْ يَنْظُرَ لِلْعَوْرَةِ قَصْدًا لِيَعْلَمَ كَيْفَ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ عَلَى الرَّابِعِ] بَلْ يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْحَدِّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ مَا ذَكَرَ تَغْلِيظًا حَتَّى لَا يَكَادَ يَثْبُتُ الزِّنَا عَلَى أَحَدٍ قَصْدًا لِلسَّتْرِ. وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِأَنَّهُ قَصَدَ الشَّهَادَةَ فِيهِ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْآخَرِينَ قَدْ قَصَدُوا أَيْضًا الشَّهَادَةَ. الثَّانِي: أَنَّ قَصْدَ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِالشَّهَادَةِ بِالْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَكَوْنُهُ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ] أَيْ لَمْ يَبْلُغْ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. وَقَوْلُهُ: وَيُؤَدَّبُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْوَالِي تَأْدِيبُهُ اسْتِصْلَاحًا لِحَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَالِغًا دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ الْفَاعِلَ حُدَّ بِشَرْطِ إطَاقَةِ الْمَفْعُولِ وَعَكْسُهُ بِأَنْ بَلَغَ الْمَفْعُولُ دُونَ الْفَاعِلِ فَلَا حَدَّ نَعَمْ يُعَزَّرُ الْمَفْعُولُ. [قَوْلُهُ: أَمَةِ وَالِدِهِ] أَيْ أَوْ وَالِدَتِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لَا يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلُهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مَالِ الْأَبِ مَتَى احْتَاجَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَمَةِ وَلَدِهِ] الْمُرَادُ أَمَةُ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ لَهُ

فَوَّتَهَا عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ) ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا. (وَيُؤَدَّبُ الشَّرِيكُ فِي الْأَمَةِ يَطَؤُهَا) إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّرِكَةُ مُتَّفِقَةَ الْأَنْصِبَاءِ أَوْ مُخْتَلِفَةً لِإِقْدَامِهِ عَلَى وَطْءٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» (وَ) لَكِنْ (يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) إذَا حَمَلَتْ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ التَّمَاسُكُ بِنَصِيبِهِ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الِاسْتِيلَادِ لَهَا وَتَكُونُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَاطِئِ لِمِلْكِهِ، وَاخْتُلِفَ مَتَى يَكُونُ الضَّمَانُ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ فَقِيلَ: يَوْمَ الْحَمْلِ وَقِيلَ يَوْمَ الْوَطْءِ وَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ (فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالشَّرِيكُ) الَّذِي لَمْ يَطَأْ (بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ) بِنَصِيبِهِ مِنْهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْوَاطِئِ لَا صَدَاقَ وَلَا مَا نَقَصَهَا (أَوْ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاطِئِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْهُ شَرِيكُهُ ثَمَنَ نَصِيبِهِ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اتَّبَعَهُ بِالْقِيمَةِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ حُلُولٍ أَوْ تَأْجِيلٍ. (وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ) حُرَّةٌ غَيْرُ طَارِئَةٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا زَوْجٌ أَوْ أَمَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَسَيِّدُهَا مُنْكِرٌ لِلْوَطْءِ وَالْحَالُ أَنَّهُ ظَاهِرٌ (بِهَا حَمْلٌ اُسْتُكْرِهَتْ) عَلَيْهِ (لَمْ تُصَدَّقْ) فِي دَعْوَاهَا الْإِكْرَاهَ ـــــــــــــــــــــــــــــQشُبْهَةً فِي مَالِهِ] لِخَبَرِ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا، وَلَوْ جَدًّا لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ وَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ غُرْمِ قِيمَتِهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى وَطْئِهَا لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلِابْنِ وَطْءٌ وَإِلَّا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِوَلَدِهِ وَلَوْ لَمْ تَحْمِلْ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِابْنَ إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: تُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْوَطْءِ لَا يُنْتِجُ التَّقْوِيمَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَيُؤَدَّبُ الشَّرِيكُ] أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لُزُومُ الْأَدَبِ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ جَاهِلٍ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي وَطْئِهَا لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يُبَاحُ بِمُجَرَّدِ إذْنِ شَرِيكِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ. [قَوْلُهُ: قِيمَتَهَا] أَيْ نِصْفَ قِيمَتِهَا مَثَلًا. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ إذَا حَمَلَتْ] وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَتَّبِعُ ذِمَّتَهُ أَوْ يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهَا لَكِنْ بَعْدَ وَضْعِهَا لِأَنَّهُ وَلَدُهَا مِنْهُ لَا يُبَاعُ بِحَالٍ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنَ النِّصْفِ اُتُّبِعَ بِالْبَاقِي كَمَا يَتَّبِعُهُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ فِي قَسْمِ الْعُسْرِ لَا فِي قَسْمِ الْيُسْرِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ. [قَوْلُهُ: لَهَا] مُتَعَلِّقٌ بِثُبُوتِ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَوْمَ الْوَطْءِ] اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ يَوْمَ الْحَمْلِ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَوْمِ الْوَطْءِ بِأَنْ يَتَعَدَّدَ الْوَطْءُ وَلَا يَحْصُلُ حَمْلٌ إلَّا مِنْ الْوَطْءِ الْمُتَأَخِّرِ، فَحِينَئِذٍ أَرَادَ بِيَوْمِ الْوَطْءِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ الْوَطْءِ إذَا تَعَدَّدَ فِي أَيَّامٍ، وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِ عج عَلَى يَوْمِ الْوَطْءِ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ إلَّا أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلشَّرِيكِ الثَّانِي مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِنَصِيبِهِ] وَيَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ. [قَوْلُهُ: أَوْ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ] أَيْ الْوَاطِئِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. [قَوْلُهُ: ثَمَنَ نَصِيبِهِ] أَيْ قِيمَتَهُ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا اتَّبَعَهُ بِالْقِيمَةِ] أَيْ أَوْ جَبَرَهُ عَلَى بَيْعِهَا وَلَوْ كُلِّهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَلَدَ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ وَهُوَ حُرٌّ لَا يُبَاعُ بِحَالٍ، وَإِنْ بِيعَتْ أُمُّهُ وَلَوْ تَأَخَّرَ تَقْوِيمُ الْأَمَةِ عَلَى الْوَاطِئِ حَتَّى مَاتَتْ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَرَتَّبَتْ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَ إذَا وَطِئَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لِشَرِيكِهِ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ وُجُوبًا مُطْلَقًا حَمَلَتْ أَمْ لَا، وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوَطْءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ سِوَى قِيمَةِ حِصَّتِهِ وَلَا قِيمَةَ لِلْوَلَدِ، وَتَكُونُ بِهِ أُمَّ الْوَلَدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تُبَاعُ إنْ حَمَلَتْ وَيُتَّبَعُ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ [قَوْلُهُ: اُسْتُكْرِهَتْ إلَخْ] السِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: لَمْ تُصَدَّقْ] لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّوْعُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ، وَلِأَنَّ تَصْدِيقَهَا

سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ أَمْ لَا (وَحُدَّتْ إلَّا أَنْ) تَظْهَرَ إمَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا وَهِيَ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ إمَّا أَنْ (تُعْرَفَ بِبَيِّنَةٍ) عَادِلَةٍ (أَنَّهَا احْتَمَلَتْ حَتَّى غَابَ عَلَيْهَا) الْمُكْرِهُ وَخَلَا بِهَا (أَوْ جَاءَتْ مُسْتَغِيثَةً عِنْدَ النَّازِلَةِ) أَيْ عَقِبَ الْوَطْءِ (أَوْ جَاءَتْ تَدْمَى) إذَا كَانَتْ بِكْرًا ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَسْتَغِثْ سَوَاءٌ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَلِيقُ بِهِ أَمْ لَا. (وَالنَّصْرَانِيُّ) أَوْ الْيَهُودِيُّ (إنْ غَصَبَ الْمُسْلِمَةَ فِي الزِّنَا قُتِلَ) إذَا ثَبَتَ الْغَصْبُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؛ لِأَنَّهُ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ بِذَلِكَ إذْ لَمْ نُعَاهِدْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمُسْلِمَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَهُوَ فِي الْحُرَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الْأَمَةِ خِلَافٌ مَشْهُورُهُ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُحَدُّ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةُ. وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْهُ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا هِيَ فَتُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا. (وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا أُقِيلَ وَتُرِكَ) وَلَا تَتَعَرَّضُ لَهُ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: وَطِئْت فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَظَنَنْت أَنَّهُ زِنًا أَوْ لَا مِثْلُ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبْدِيَ عُذْرًا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQذَرِيعَةٌ إلَى كَثْرَةِ الزِّنَا لَا سِيَّمَا مَعَ قِلَّةِ دِينِ النِّسَاءِ وَمِيلِهِنَّ لِلْوَطْءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ أَيْ الْإِكْرَاهُ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ تُعْرَفَ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ] قِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ يَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَخَبَرُهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ لِلْحَدِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِنْ إسْقَاطِهَا بِاسْتِغَاثَتِهَا [قَوْلُهُ: مُسْتَغِيثَةً] أَيْ مُتَظَلِّمَةً. [قَوْلُهُ: أَيْ عَقِبَ] تَفْسِيرٌ لِعِنْدَ، وَالْوَطْءُ تَفْسِيرٌ لِلنَّازِلَةِ لِأَنَّ مَجِيئَهَا صَائِحَةً قَرِينَةُ غَصْبِهَا. [قَوْلُهُ: تَدْمَى] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ رَضِيَ يَرْضَى أَوْ عَصَى يَعْصِي. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ بِكْرًا] قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: لَيْسَ خَاصًّا بِالْبِكْرِ بَلْ وَكَذَا الثَّيِّبُ إذَا شُجَّتْ وَنَحْوُهُ مِنْ كَسْرِ يَدِهَا. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَسْتَغِثْ إلَخْ] ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَجِيئَهَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ مُسْقِطٌ لِحَدِّهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي سُقُوطِ حَدِّهَا مُجَرَّدُ مَجِيئِهَا تَدْمَى بَلْ لَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا كَمَجِيئِهَا صَائِحَةً أَوْ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ لَا إنْ ادَّعَتْ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدِّهَا، وَحَاصِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا إمَّا أَنْ تَدَّعِي عَلَى صَالِحٍ أَوْ فَاسِقٍ أَوْ مَجْهُولِ الْحَالِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ صَالِحًا فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ حُدَّتْ لِلزِّنَا وَإِلَّا فَلَا وَحُدَّتْ لَهُ لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَلَا حَدَّ لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا وَتُحَدُّ لِلزِّنَا بِشَرْطَيْنِ أَنْ تَحْمِلَ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَتُحَدُّ لِلزِّنَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ وَإِلَّا سَقَطَ، وَأَمَّا لِلْقَذْفِ فَإِنْ كَانَتْ تَخْشَى الْفَضِيحَةَ سَقَطَ إنْ تَعَلَّقَتْ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ، وَإِنْ لَمْ تَخْشَ لَزِمَهَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَانْظُرْ إذَا شَكَّ هَلْ هِيَ مِمَّنْ يَخْشَى الْفَضِيحَةَ أَمْ لَا وَلَا صَدَاقَ لَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَاهَا عَلَى صَالِحٍ أَوْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: وَالنَّصْرَانِيُّ إنْ غَصَبَ إلَخْ] لَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَ بَلْ الْمُصَالَحُ كَذَلِكَ، وَمَنْ نَزَلَ بِأَمَانٍ لِتِجَارَةٍ مَثَلًا كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: إنْ غَصَبَ الْمُسْلِمَةَ] وَأَمَّا لَوْ غَصَبَ الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ وَهِيَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ فَفِي قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَتِهِ قَوْلَانِ، وَمَفْهُومُ غَصَبَ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِهِ وَاسْتُظْهِرَ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَتْ بِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ فَإِنْ كَانَتْ تَجْهَلُ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ. وَلَا يُقْتَلُ هُوَ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً. [قَوْلُهُ: بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ] رَأَوْهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَالْوَلَدُ الْمُتَخَلِّقُ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى دِينِ أُمِّهِ وَلَا يَلْحَقُ بِأَبِيهِ وَلَوْ أَسْلَمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا مِنْ مَالِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الشَّدِيدَةِ] وَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ أَنَّ الْإِمَاءَ مَالٌ وَلَا قَتْلَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ لَا] رَجَعَ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الْهُرُوبُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ فَكَالرُّجُوعِ، وَأَمَّا قَبْلُ فَالْحَدُّ لَازِمٌ وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْهُرُوبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ لِإِذَاقَتِهِ الْعَذَابَ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ، وَمِثْلُ رُجُوعِهِ مَا إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَهُوَ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ صَدَاقُ الْمَزْنِيِّ بِهَا حَيْثُ كَانَتْ مُكْرَهَةً. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا

[حد اللواط]

الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي لِحَدِيثِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلُهُ: وَتُرِكَ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أُقِيلَ. (وَيُقِيمُ الرَّجُلُ عَلَى عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ حَدَّ الزِّنَا) وَحَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الشُّرْبِ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِمَا حَدَّ السَّرِقَةِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ، وَيُشْتَرَطُ فِي إقَامَتِهِمَا الْحَدَّ الْمَذْكُورَ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ (إذَا ظَهَرَ حَمْلٌ) بِالْأَمَةِ (أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الْعَبْدِ بِالزِّنَا (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ السَّيِّدِ وَهُوَ (أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ أَوْ كَانَ إقْرَارٌ) مِنْهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ حُكْمُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِغَيْرِ عَبْدِ السَّيِّدِ يُخَالِفُ حُكْمَ غَيْرِهَا خُشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ دُخُولُهَا فِيمَا تَقَدَّمَ اسْتَدْرَكَ ذَلِكَ دَفْعًا لَمَّا يُتَوَهَّمُ فَقَالَ: (وَلَكِنْ إنْ كَانَ لِلْأَمَةِ زَوْجٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ السَّيِّدِ (فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إلَّا السُّلْطَانُ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: لِغَيْرِهِ مِمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا لِلسَّيِّدِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا، وَمِثْلُ الْأَمَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالْحُرِّ أَوْ عَبْدِ الْغَيْرِ الْعَبْدُ الْمُتَزَوِّجُ بِالْحُرَّةِ أَوْ بِأَمَةِ غَيْرِ السَّيِّدِ فَإِنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ إلَّا السُّلْطَانُ. . ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى اللِّوَاطِ فَقَالَ: (وَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِذَكَرٍ بَالِغٍ أَطَاعَهُ رُجِمَا أُحْصِنَا أَوْ لَمْ يُحْصَنَا) لَفْظُ مَنْ عَامٌّ يَشْمَلُ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ وَالْكَافِرَ، وَعَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّكَرُ مَمْلُوكَهُ أَوْ لَا، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ إتْيَانِ الْأُنْثَى فِي دُبُرِهَا فَإِنَّهُ لَا يُرْجَمُ ذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا عُوقِبَ عُقُوبَةً شَدِيدَةً، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حُدَّ حَدَّ الزِّنَا. وَقَوْلُهُ: بَالِغٍ صِفَةٌ لِلذَّكَرِ الْمَفْعُول بِهِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي رَجْم الْمَفْعُول بِهِ الْفِعْلَ الْمَذْكُورَ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا وَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا فِي رَجْم الْفَاعِل، فَلَوْ كَانَ صَبِيًّا لَا يُرْجَمُ وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ. وَقَوْلُهُ: أَطَاعَهُ شَرْطٌ أَيْضًا فِي رَجْم الْمَفْعُول بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَكْرَهَهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفَاعِلُ فَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَإِنَّهُ يُرْجَمُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَفْعُولُ بِهِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا، وَشَرْطُ الْحَدّ فِي اللِّوَاطِ كَالزِّنَا مِنْ مَغِيب الْحَشَفَةِ وَثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ. . ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْقَذْفِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَدُلُّ عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَوْ النَّفْيِ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي] وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ. وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُعْذَرُ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ بَلْ بِأَمْرٍ يُعْذَرُ بِهِ. [قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ مَاعِزٍ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَوَجْهُهُ مَا فِي حَدِيثِ مَاعِزٍ «لَمَّا أَزْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ هَارِبًا فَاتَّبَعُوهُ فَقَالَ لَهُمْ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدُّوهُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ» . لِأَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ اهـ. قُلْت: وَكَلَامُ مَاعِزٍ كَمَا تَرَى فِي الْهُرُوبِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ فِي الرُّجُوعِ فَهُوَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْأَوْلَوِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ] عَلَى الصِّفَةِ الْمُشْتَرَطَةِ الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا. [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ إقْرَارٌ] أَيْ وَلَمْ يَرْجِعَا [قَوْلُهُ: إلَّا السُّلْطَانُ] أَيْ لِحَقِّ الْآخِرِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إنْ كَانَ حُرًّا وَلِحَقِّ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رِقًّا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى مَمْلُوكِهِ حَدَّ الزِّنَا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ مِلْكِهِ بِأَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَصْلًا أَوْ تَزَوَّجَ بِمِلْكِ السَّيِّدِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدَ الشُّهُودِ. [حَدّ اللِّوَاط] [قَوْلُهُ: إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ] بِأَنْ أَدْخَلَ الْحَشَفَةَ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي دُبُرِهِ. [قَوْلُهُ: عُوقِبَ عُقُوبَةً شَدِيدَةً] كَمَا تُؤَدَّبُ الْمَرْأَةُ فِي مُسَاحَقَتِهَا الْأُخْرَى. [قَوْلُهُ: أَطَاعَهُ] شَرْطٌ أَيْضًا فِي رَجْمِ الْمَفْعُولِ بِهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ عَلَى الْفِعْلِ بِغَيْرِهِ فَفِي حَدِّهِ خِلَافٌ وَالْمَذْهَبُ الْحَدُّ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ] أَيْ وَكَانَ مُطْبَقًا، وَأَمَّا بُلُوغُ الْمَفْعُولِ بِهِ دُونَ الْفَاعِلِ فَلَا رَجْمَ، وَيُؤَدَّبُ الصَّغِيرُ وَيُعَزَّرُ الْبَالِغُ التَّعْزِيرَ الَّذِي لَا يَقْصُرُ عَدَدُهُ عَنْ مِائَةٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَا غَيْرَ مُكَلَّفَيْنِ فَالْأَدَبُ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: كَالزِّنَا] أَيْ كَالشَّرْطِ فِي الزِّنَا، وَهُوَ خَبَرُ قَوْلِهِ: وَشَرْطُ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ بَيَانٌ لِشَرْطٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي عَدُّ الْمَغِيبِ شَرْطًا لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الزِّنَا. [قَوْلُهُ: وَثُبُوتُهُ بِبَيِّنَةٍ] أَيْ أَرْبَعِ عُدُولٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ اعْتِرَافٍ أَيْ الِاعْتِرَافُ الْمُسْتَمِرُّ، وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ [حَدّ القذف] [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ] وَأَمَّا

الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ. وَالسُّنَّةِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ الَّذِينَ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ الْحَدَّ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ شُرُوطٌ عَشَرَةٌ اثْنَانِ فِي الْقَاذِفِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعِفَّةُ عَمَّا رُمِيَ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ مَعَهُ آلَةُ الْوَطْءِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ، وَاثْنَانِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْقَذْفُ بِوَطْءٍ يَلْزَمُ بِهِ الْحَدُّ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطُ أَوْ نَفْيِ نَسَبِ الْمَقْذُوفِ عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ. وَبَدَأَ بِمَا يُوجِبُ الْقَذْفَ فَقَالَ: (وَعَلَى الْقَاذِفِ الْحُرِّ) الْبَالِغِ الْعَاقِلِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَلَوْ سَكْرَانًا أَوْ أَبًا (الْحَدُّ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً (وَعَلَى الْعَبْدِ) يَعْنِي جِنْسَهُ الصَّادِقَ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلُغَةً فَهُوَ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ مَجَازًا فِي الرَّمْيِ بِالْمَكَارِهِ وَالْقَذْفُ مِنْ الْكَبَائِرِ. [قَوْلُهُ: مَا يَدُلُّ] أَيْ شَيْءٌ يَدُلُّ أَيْ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْإِشَارَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ، وَعَطْفُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ، وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزِّنَا أَعَمُّ مِنْ اللِّوَاطِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ، فَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ غَيْرُ صَحِيحٍ لَا لِلتَّشْكِيكِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ، وَمُرَادُهُ بِالْجَدِّ الْجَدُّ لِلْأَبِ وَإِنْ عَلَا. وَقَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْمَجْهُولِ بِالْجِيمِ احْتِرَازًا بِذَلِكَ مِنْ الْمَجْهُولِ كَالْمَنْبُوذِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهُ بِنَفْيِ نَسَبٍ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ لَكِنْ يُؤَدَّبُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَحْمُولُ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ احْتِرَازًا عَنْ الْمَسْبِيِّ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ. أَوْ قَالَ لَهُ: يَا وَلَدَ الزِّنَا لِأَنَّ الْمَحْمُولِينَ لَا تَثْبُتُ أَنْسَابُهُمْ وَلَا يَتَوَارَثُونَ. [قَوْلُهُ: قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]] الْمُرَادُ بِالْإِحْصَانِ هَاهُنَا الْعِفَّةُ. [قَوْلُهُ: خَاضُوا فِي الْإِفْكِ] الْإِفْكُ هُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَذِبِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ الَّذِينَ رُمُوا السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ بِالزِّنَا الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. [قَوْلُهُ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ] فَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا إذَا قَدَفَا غَيْرَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَسِتَّةٌ فِي الْمَقْذُوفِ إلَخْ] لَكِنْ إنْ كَانَ بِنَفْيِ نَسَبٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالْإِسْلَامُ فَقَطْ، فَالْكَافِرُ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِمَا بِنَفْيِ النَّسَبِ مَا لَمْ يَكُنْ أَبَوَا الرَّقِيقِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَإِلَّا حُدَّ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ أَبُوهُ حُرًّا مُسْلِمًا وَأُمُّهُ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَأَمَّا بِالزِّنَا فَيُزَادُ عَلَى هَذَيْنِ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْعِفَّةُ وَالْآلَةُ. [قَوْلُهُ: وَالْبُلُوغُ] يُرِيدُ إذَا كَانَ فَاعِلًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَفْعُولًا فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بَلْ إطَاقَةُ الْوَطْءِ فَقَطْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: وَالْعِفَّةُ عَمَّا رُمِيَ بِهِ] أَيْ أَنْ يَكُونَ عَفِيفًا عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ، فَمَنْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا ثُمَّ أَثْبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ حُدَّ فِيهِ أَيْ وَإِنْ تَابَ، وَكَذَا إنْ زَنَى بَعْدَ أَنْ قُذِفَ وَقَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ. فَقَوْلُنَا: وَعَفَّ عَنْ وَطْءٍ يُوجِبُ الْحَدَّ يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْوَطْءِ رَأْسًا، وَأَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبًا لِوَطْءٍ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ إذْ هُوَ فِيهِمَا عَفِيفٌ عَمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ وَعَلَى الْمَقْذُوفِ أَنْ يُثْبِتَ الْعَفَافَ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ مَجْبُوبٍ وَنَحْوِهِ] أَيْ كَمَقْطُوعِ الذَّكَرِ إنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا بَعْدَ إزَالَةِ الْآلَةِ، فَإِنْ قَيَّدَ زِنَاهُ بِهَا قَبْلَ قَطْعِهَا حُدَّ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ إذَا قَذَفَ خُنْثَى مُشْكِلًا بِالزِّنَا بِفَرْجِهِ الذَّكَرِ أَوْ فِي فَرْجِهِ الَّذِي لِلنِّسَاءِ فَلَا حَدَّ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِمَا فَلَا حَدَّ فِيهِ، وَإِنْ رَمَاهُ بِأَنَّهُ أُتِيَ فِي دُبُرِهِ حُدَّ رَامِيهِ لِأَنَّهُ إذَا زَنَى بِهِ حُدَّ حَدَّ الزِّنَا لَا اللِّوَاطِ. [قَوْلُهُ: عَنْ أَبِيهِ فَقَطْ] أَيْ أَوْ عَنْ جَدِّهِ كَقَوْلِهِ: لَسْت ابْنَهُ فَيُحَدُّ وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت لَسْت ابْنَهُ مِنْ الصُّلْبِ لِأَنَّ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَبًا فَلَا يُصَدَّقُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيْ لَا عَنْ أُمِّهِ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ فِيهِ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ مُحَقَّقَةٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ. وَأَمَّا الْأُبُوَّةُ فَثَابِتَةٌ بِالظَّنِّ فَلَا يُعْلَمُ كَذِبُهُ فِي نَفْيِهِ فَتَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مَعَرَّةٌ. تَنْبِيهٌ: يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِنَفْيِ نَسَبِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ عَنْ أَبِيهِ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا. [قَوْلُهُ: مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا] وَلَوْ حَرْبِيًّا بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَرْبِيِّ إذَا قَذَفَ مُسْلِمًا بِبَلَدِ الْحَرْبِ، ثُمَّ

(أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً (فِي الْقَذْفِ وَخَمْسِينَ) جَلْدَةً (فِي الزِّنَا) ع: صَوَابُهُ ثَمَانُونَ وَأَرْبَعُونَ وَخَمْسُونَ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحُرِّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَبْدِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْحُرِّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ. (وَالْكَافِرُ) الْحُرُّ (يُحَدُّ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ مَا عَلَى الْحُرِّ (وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ عَبْدٍ) أَيْ جِنْسِهِ الصَّادِقِ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (أَوْ) قَاذِفِ (كَافِرٍ) حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِعِرْضِهِمَا (وَيُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيَّةِ بِالزِّنَا إنْ كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ الصَّبِيِّ) بِذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعَرَّةَ تَلْحَقُ الصَّبِيَّةَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَذَفَهُ بِأَنَّهُ فُعِلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْعَارُ فِي هَذَا. (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ فِي قَذْفٍ وَلَا) فِي (وَطْءٍ) لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُ (وَمَنْ نَفَى رَجُلًا) مَثَلًا (مِنْ نَسَبِهِ) مِنْ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أَعْظَمُ مِنْ فِعْلِهِ الزِّنَا؛ لِأَنَّ مَعَرَّةَ الزِّنَا تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، وَمَعَرَّةُ كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا لَا تَزُولُ أَبَدًا. (وَفِي التَّعْرِيضِ) وَهُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ الْغَرَضِ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِضِدِّهِ نَحْوَ مَا أَنَا بِزَانٍ (الْحَدُّ) وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظًا يَحْتَمِلُ السَّبَّ وَالْقَذْفَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَا حِمَارُ قِيلَ يُغَلَّبُ جَانِبُ السَّبِّ وَيُؤَدَّبُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُغَلَّبُ جَانِبُ الْقَذْفِ وَيُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: يَا مَرْكُوبُ كَالْحِمَارِ وَالْمَرْكُوبُ هُوَ الْمَفْعُولُ بِهِ. (وَ) كَذَا (مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا لُوطِيُّ حُدَّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْلَمَ أَوْ أُسِرَ أَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَبًا] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَبَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ. [قَوْلُهُ: وَخَمْسِينَ فِي الزِّنَا] هَذَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيَجْمَعَهُ مَعَ نَظِيرِهِ فِي التَّشْطِيرِ. [قَوْلُهُ: بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ] هَذَا ظَاهِرٌ فِي ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ تَمْيِيزٌ عَنْ الْحَدِّ لِمَا انْبَهَمَ مِنْ الذَّوَاتِ، وَأَمَّا فِي أَرْبَعِينَ وَخَمْسِينَ فَلَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَا حَظَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَعَلَى الْعَبْدِ الْحَدُّ أَرْبَعِينَ. وَقَوْلُهُ: الرِّوَايَةُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هُنَاكَ رِوَايَةً أُخْرَى بِالرَّفْعِ فِي الْكُلِّ وَهُوَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ يُحَدُّ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ] وَلَوْ حَرْبِيًّا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْحَرْبِيِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ عَبْدٍ] أَيْ بِزِنًا كَنَفْيِ النَّسَبِ لَا أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِعِرْضِهِمَا] أَيْ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ، زَادَ فِي التَّحْقِيقِ إلَّا أَنَّهُ يُؤَدَّبُ، وَفِي الْخَرَشِيِّ عَنْ تَقْرِيرِهِ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ وَلَوْ كَانَ الْقَاذِفُ مِثْلَهُمَا. وَلَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مِثْلُهَا يُوطَأُ] لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ لَهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُطِيقَةِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ قَذَفَهُ بِأَنْ فُعِلَ بِهِ] أَيْ إنْ كَانَ مُطِيقًا [قَوْلُهُ: فِي قَذْفٍ] أَيْ لِغَيْرِهِ بِزِنًا أَوْ نَفْيِ نَسَبٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا فِي وَطْءٍ] أَيْ حَصَلَ مِنْ الصَّبِيِّ فِي صَبِيَّةٍ أَوْ بَالِغٍ وَلَوْ فِي الصَّبِيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ بَالِغٍ تت. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَفَى] أَيْ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ عَاقِلٍ وَإِنْ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا. [قَوْلُهُ: رَجُلًا] حُرًّا مُسْلِمًا، أَيْ أَوْ امْرَأَةً كَذَلِكَ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ مَجْنُونَيْنِ. [قَوْلُهُ: نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ] أَيْ لَا مِنْ عَمِّهِ. [قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْحَدُّ] إذَا كَانَ نَسَبُهُ مَعْلُومًا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفِ النَّسَبِ كَالْمَنْبُوذِ يَرْمِيهِ بِنَفْيِ النَّسَبِ عَنْ أَبٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ أَوْ يَا مَنْفِيُّ مِمَّا يَقْتَضِي نَفْيَ نَسَبِهِ عَنْ مُطْلَقِ أَبٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَبْذِهِ كَوْنُهُ وَلَدَ زِنًا. [قَوْلُهُ: وَفِي التَّعْرِيضِ الْحَدُّ] إنْ أَفْهَمَ الرَّمْيَ بِالزِّنَا أَوْ نَفْيَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ كَمَا إذَا نَسَبَهُ لِعَمِّهِ. [قَوْلُهُ: نَحْوُ مَا أَنَا بِزَانٍ] أَيْ فَالْقَائِلُ غَرَضُهُ أَنْتَ زَانٍ عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِضِدِّهِ أَيْ لِمُنَافِيهِ وَهُوَ مَا أَنَا بِزَانٍ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ الضِّدُّ اصْطِلَاحًا ثُمَّ إنَّ تَفْسِيرَ التَّعْرِيضِ بِهَذَا قُصُورٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالتَّعْرِيضُ خِلَافُ التَّصْرِيحِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ يُغَلَّبُ إلَخْ] لَعَلَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ مَا لَمْ يَظْهَرْ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَإِلَّا عُمِلَ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ ظُهُورِ إرَادَةِ الثَّانِي إلْحَاقُ الْهَاءِ أَيْ قَوْلُهُ: يَا حِمَارَةُ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُغَلَّبُ جَانِبُ الْقَذْفِ فَيُحَدُّ لِجَرَيَانٍ عَنْ عَوَامِّ مِصْرَ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا فِي الْمَفْعُولِ بِهِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا لُوطِيُّ] أَيْ وَكَانَ الْمَقُولُ لَهُ عَفِيفًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ

[حد الشرب]

لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى فَاحِشَةٍ يَلْزَمُ فَاعِلَهَا الْحَدُّ. ع: هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ بَالِغًا وَقَالَ لَهُ: يَا فَاعِلُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: يَا مَفْعُولُ فَإِنَّهُ يُحَدُّ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ. (وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً) بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ جَمِيعًا أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدَةً (فَ) عَلَيْهِ (حَدٌّ وَاحِدٌ يَلْزَمُهُ لِمَنْ قَامَ بِهِ مِنْهُمْ ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَنْ قَامَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي الْقَذْفِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ دَفْعِ الْمَعَرَّةِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَتَكْذِيبِ الْقَاذِفِ، فَإِذَا حُدَّ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْمَعَرَّةُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِثْمُ فَعَلَيْهِ. (وَمَنْ كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ) كَرَّرَ (الزِّنَا فَ) يَلْزَمُهُ (حَدٌّ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ إذَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا تَدَاخَلَتْ كَالْأَحْدَاثِ إذَا تَكَرَّرَتْ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي جَمِيعِهَا طُهْرٌ وَاحِدٌ وَكَذَا مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَقَذَفَ لَا يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ عَلَى الْمَنْصُوصِ لِلِاتِّحَادِ بِخِلَافِ مَنْ قَذَفَ وَزَنَى فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً) تَكْرَارٌ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِتَكْرَارٍ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ إذَا قَذَفَهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهَذَا إذَا كَرَّرَ قَذْفَهُمْ. (وَمَنْ لَزِمَتْهُ حُدُودٌ وَقَتْلٌ) مِثْلُ أَنْ يَزْنِيَ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقَ وَيَقْتُلَ مُسْلِمًا (فَالْقَتْلُ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ) كُلِّهِ وَلَا يُحَدُّ (إلَّا فِي) اجْتِمَاعِ (الْقَذْفِ) مَعَ الْقَتْلِ (فَلْيُحَدَّ) لِلْقَذْفِ (قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ) لِنَفْيِ الْمَعَرَّةِ. ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ كَانَ الْمَقْذُوفُ هُوَ الْمَقْتُولَ. . ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ حَدَّ شُرْبِ الْمُسْكِرِ فَقَالَ: (وَمَنْ شَرِبَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ الْأَحْرَارِ مُخْتَارًا مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْفَاظِ الْقَذْفِ يَا عِلْقُ أَوْ يَا مُخَنَّثُ، وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ الِاشْتِهَارَاتُ الْعُرْفِيَّةُ وَالْقَرَائِنُ الْحَالِيَّةُ فَمَتَى فُقِدَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْقَذْفَ وَلَا يُحَدُّ، وَمَتَى وُجِدَ أَحَدُهُمَا حُدَّ وَإِنْ انْتَقَلَ الْعُرْفُ وَبَطَلَ بَطَلَ الْحَدُّ. تَتِمَّةٌ: يَثْبُتُ الْقَذْفُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَلَى الْقَذْفِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَدَمُ ثُبُوتِهِ بِمَا ذُكِرَ [قَوْلُهُ: بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ] وَسَوَاءٌ تَعَدَّدَ نَوْعُ مَا قَذَفَ بِهِ أَوْ اتَّحَدَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: أَوْ كُلَّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً] بِانْفِرَادِهِ بِمَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ زَانٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ] أَيْ قَبْلَ حَدِّهِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. [قَوْلُهُ: فَحَدٌّ وَاحِدٌ] ثَمَانُونَ لِلْحُرِّ وَأَرْبَعُونَ لِلرَّقِيقِ. [قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ] أَيْ فِيمَا تَكَرَّرَ مِنْ أَفْرَادِ الشُّرْبِ أَوْ مِنْ أَفْرَادِ الزِّنَا. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا] أَيْ جِنْسُهَا وَاحِدٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ: وَتَدَاخَلَتْ أَيْ اكْتَفَى بِإِحْدَاهَا. [قَوْلُهُ: كَالْأَحْدَاثِ إلَخْ] لَا يَتِمُّ التَّنْظِيرُ إلَّا لَوْ قَالَ: كَالْأَطْهَارِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا مُوجَبًا بِالْفَتْحِ، أَوْ يَقُولُ: أَوَّلًا لِأَنَّ أَسْبَابَ الْحَدِّ إلَخْ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهَا مُوجِبًا بِالْكَسْرِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَنْصُوصِ] مُقَابِلُهُ مَا أَجْرَاهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الْكَائِنِ فِي قَذْفِ الْجَمَاعَةِ هَلْ يُوجِبُ تَعَدُّدَ الْحَدِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ قَذَفَ وَزَنَى] وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْقَدْرِ يَكْفِي فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ، وَالْمُخْتَلِفَةُ الْقَدْرِ يَجِبُ إقَامَتُهَا وَيُبْدَأُ بِأَشَدِّهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْقَذْفَ وَالشُّرْبَ يَدْخُلَانِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَيُحَدُّ مِائَةً إذَا شَرِبَ وَزَنَى أَوْ قَذَفَ وَزَنَى. [قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَرَّرَ قَذْفَهُمْ] أَيْ قَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ [قَوْلُهُ: وَمَنْ لَزِمَتْهُ] مَنْ شَرْطِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَشَرْطُهَا أَوْ صِلَتُهَا لَزِمَتْهُ حُدُودٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ سَبَبِهَا عَلَى الْقَتْلِ أَوْ تَأَخُّرِهِ [حَدّ الشُّرْب] [قَوْلُهُ: وَمَنْ شَرِبَ] الْمُرَادُ بِالشُّرْبِ وُصُولُهُ لِلْحَلْقِ مِنْ فَمٍ وَإِنْ رَدَّ قَبْلَ الْوُصُولِ لِجَوْفِهِ لَا مِنْ أَنْفٍ وَأُذُنٍ وَعَيْنٍ وَحُقْنَةٍ وَلَوْ إلَى الْجَوْفِ، وَلَوْ حَصَلَ الْإِسْكَارُ فِيهِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ حَرُمَ وَدَخَلَ فِي الشُّرْبِ وَضْعُ إبْرَةٍ غَمَسَهَا فِي خَمْرٍ

[كيفية إقامة الحد]

ضَرُورَةٍ وَلَوْ جَهْلًا لِلْحَدِّ أَوْ الْحُرْمَةِ (خَمْرًا) وَهُوَ مَا عُصِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِيُحَلَّى (أَوْ) شَرِبَ (نَبِيذًا) وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي الْمَاءِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ. ع قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) صِفَةٌ لِنَبِيذٍ لَا لِخَمْرٍ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُحَدُّ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ (حُدَّ ثَمَانِينَ) جَلْدَةً بَعْدَ صَحْوَةٍ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَوْ الشَّمِّ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا قَالَهُ ع أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: (سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ) إشَارَةٌ إلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُحَدُّ فِي النَّبِيذِ إذَا سَكِرَ (وَلَا سِجْنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ، ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ سَجَنُوا فِيهِ. . (فَرْعٌ) فِي أَكْلِ الْحَشِيشَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْحَدُّ وَالْأَدَبُ وَالْحَدُّ إنْ حُمِّصَتْ وَالْأَدَبُ إنْ لَمْ تُحَمَّصْ، وَكَذَلِكَ الثَّلَاثَةُ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ صَلَّى بِهَا. . ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ الْحَدِّ فَقَالَ: (وَيُجَرَّدُ الْمَحْدُودُ) الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ (وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِيهَا) مِنْ (الضَّرْبِ) كَالْفَرْوِ لِتَتَأَلَّمَ بِالضَّرْبِ وَتَنْزَجِرَ عَنْ مِثْلِ مَا ارْتَكَبَتْهُ (وَيُحَدَّانِ قَاعِدَانِ) صَوَابُهُ قَاعِدَيْنِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَوَجْهُ الرَّفْعِ بِأَنَّهُ خَبَرُ مُضْمِرٍ أَيْ وَهُمَا قَاعِدَانِ غَيْرَ مَرْبُوطَيْنِ، وَمَحَلُّ الضَّرْبِ الظَّهْرُ وَالْكَتِفَانِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَيُتَوَسَّطُ فِي الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَيُنْتَظَرُ لِلْحَدِّ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ، وَالضَّرْبُ يَكُونُ بِسَوْطٍ مِنْ جِلْدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى لِسَانِهِ وَابْتَلَعَ رِيقَهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْمُسْلِمِينَ احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمْ ذِمِّيِّينَ أَوْ حَرْبِيِّينَ. وَقَوْلُهُ: الْمُكَلَّفِينَ احْتِرَازًا عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا لَا حَدَّ عَلَى الْغَالِطِ. [قَوْلُهُ: مُخْتَارًا] أَيْ لَا مُكْرَهًا. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ أُخْرِجَ بِهِ صَاحِبُ الْغُصَّةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً. [قَوْلُهُ: وَلَوْ جَهْلًا لِلْحَدِّ أَوْ الْحُرْمَةِ] أَيْ كَقَرِيبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ، فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُعْذَرْ هُنَا وَعُذِرَ فِي الزِّنَا حَيْثُ كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَفَاسِدَ الشُّرْبِ لَمَّا كَانَتْ أَشَدَّ مِنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا لِكَثْرَتِهَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَنَى وَسَرَقَ وَقَتَلَ كَانَ أَشَدَّ مِنْ الزِّنَا، وَلِأَنَّ الشُّرْبَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا عُصِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِيُحَلَّى] لَفْظَةُ لِيُحَلَّى لَيْسَتْ فِي التَّحْقِيقِ فَالْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهَا، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مَا دَخَلَتْهُ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ بِحَيْثُ صَارَ شَأْنُهُ الْإِسْكَارَ أَسْكَرَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ] أَيْ مَثَلًا لِيُدْخِلَ الْعَسَلَ وَغَيْرَهُ، أَيْ وَيَسْتَمِرُّ حَتَّى يَحْلُوَ وَيَصِلَ إلَى حَدِّ الْإِسْكَارِ، وَنَبِيذٌ بِمَعْنَى مَنْبُوذٍ وَالْعِبَارَةُ عَلَى حَذْفِ أَيْ مَاءٍ مَنْبُوذٍ لِأَنَّ الْمَشْرُوبَ الْمَاءُ الْمَنْبُوذُ فِيهِ نَحْوُ التَّمْرِ لَا نَفْسُ الْمَنْبُوذِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مُسْكِرًا مَعْنَاهُ شَأْنُهُ الْإِسْكَارُ أَسْكَرَ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: إمَّا بِإِقْرَارٍ] أَيْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ صَحْوِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ الشَّمِّ مِمَّنْ يَعْرِفُهَا] وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى الشُّرْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الرَّائِحَةِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ مَشْرُوبَهُ خَمْرٌ وَعَدْلَانِ أَنَّهُ عَسْلٌ مَثَلًا أَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّ رَائِحَةَ فَمِهِ خَمْرٌ وَآخَرَانِ رَائِحَتُهُ ثُومٌ مَثَلًا لِأَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي. [قَوْلُهُ: وَالْأَدَبُ] أَيْ لِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ كَمَا فِي تت أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الثَّلَاثَةُ] الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَكَذَا ثَلَاثَةٌ أَيْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْبُطْلَانِ أَيْ: فَمَنْ يَقُولُ بِالْحَدِّ يَقُولُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا، وَمَنْ يَقُولُ بِالْأَدَبِ يَقُولُ بِعَدَمِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَمَنْ يُفَصِّلُ فِي الْحَدِّ يُفَصِّلُ فِي الْبُطْلَانِ [كَيْفِيَّة إقَامَة الْحَدّ] [قَوْلُهُ: وَيُجَرَّدُ] ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُجَرَّدُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِمَّا يَقِيهَا] وَيُنْدَبُ أَنْ تُجْعَلَ فِي قُفَّةٍ وَيُجْعَلَ تَحْتَهَا شَيْءٌ مِنْ تُرَابٍ وَيُبَلَّ بِالْمَاءِ لِأَجْلِ السَّتْرِ. [قَوْلُهُ: قَاعِدَانِ] ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مَرْبُوطَيْنِ] أَيْ وَمِنْ غَيْرِ شَدِيدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ لَا يَقَعُ مَوْقِعَهُ فَيَجُوزُ شَدُّهُ، وَيَكُونُ الْمُتَوَلِّي لِلضَّرْبِ شَخْصًا مُتَوَسِّطًا لَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَلَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. [قَوْلُهُ: الظَّهْرُ] هُوَ خِلَافُ الْبَطْنِ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. وَقَوْلُهُ: وَالْكَتِفَانِ وَالظَّاهِرُ وَمَا بَيْنَهُمَا مِثْلُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَيُنْتَظَرُ لِلْحَدِّ] الْأَوْلَى الْجَلْدِ. [قَوْلُهُ: وَالضَّرْبُ يَكُونُ

[حد السرقة]

لَيْسَ لَهُ رَأْسَانِ وَيَكُونُ رَأْسُهُ لَيِّنًا وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَالْوُسْطَى وَلَا يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالسَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ، وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُؤَخِّرُ الْيُسْرَى وَيُوَالِي بَيْنَ الضَّرْبِ وَلَا يُفَرِّقُ عَلَى الْأَيَّامِ إلَّا أَنْ يُخْشَى مِنْ تَوَالِيهِ هَلَاكُ الْمَحْدُودِ هَذَا فِي غَيْرِ الرَّجْمِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَدُّهُ الرَّجْمَ رُجِمَ سَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالرَّجْمِ. (وَلَا تُحَدُّ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ) وَتَجِدَ مَنْ يَقُومُ بِحَالِ الطِّفْلِ لِفِطَامِهِ لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُحَدُّ (مَرِيضٌ مُثَقَّلٌ حَتَّى يَبْرَأَ) لِخَوْفِ التَّلَفِ إذَا جُلِدَ (وَلَا يُقْتَلُ وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ) ج: لَوْلَا قَوْلُهُ: (وَلْيُعَاقَبْ) لَاحْتَمَلَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُحَدُّ حَدَّ الْبِكْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ الْبَهِيمَةِ وَلْيُعَاقَبْ لِارْتِكَابِهِ أَمْرًا مُحَرَّمًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَا رُوِيَ «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» فَغَيْرُ ثَابِتٍ. . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُدُودِ فَقَالَ: (وَمَنْ سَرَقَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الذُّكُورِ أَوْ الْإِنَاثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسَوْطٍ] وَلَا يُجْزِئُ قَضِيبٌ وَشِرَاكٌ وَلَا دِرَّةٌ، وَكَانَتْ دِرَّةُ عُمَرَ لِلْأَدَبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ جِلْدٍ] زَادَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: مِنْ جِلْدٍ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ رَأْسَانِ] أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا رَأْسَانِ بَلْ رَأْسٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَيَقْبِضُ عَلَيْهِ بِالْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ] أَيْ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِ عَقْدَ التِّسْعِينَ وَصِفَةُ عَقْدِ التِّسْعِينَ أَنْ يَعْطِفَ السَّبَّابَةَ حَتَّى تَلْقَى الْكَفَّ وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَيُقَدِّمُ إلَخْ] هَذَا مُوجِبٌ لِقُوَّةِ الضَّرْبِ عَكْسُ الَّذِي قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ] قَضِيَّتُهُ أَنَّ مِنْ أَفْرَادِ الْمُوَالَاةِ مَا إذَا فَعَلَ بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَبَعْضَهُ الْآخَرَ فِي وَسَطِهِ أَوْ آخِرِهِ. وَظَاهِرُهُ. أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ وَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ أَيْ مَثَلًا فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ التَّفْرِقَةِ مَا إذَا فَعَلَ بَعْضَهُ فِي وَقْتٍ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ فِي وَقْتٍ لِظَنِّ السَّلَامَةِ فِي ذَلِكَ دُونَ فِعْلِ الْجَمِيعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَتَدَبَّرْ [قَوْلُهُ: وَلَا تُحَدُّ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ] لِئَلَّا يَسْرِيَ إلَى مَا فِي بَطْنِهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ زِنًا وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْحَمْلَ بَلْ يَنْظُرُهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَكَكْنَ فِي حَمْلِهَا أُخِّرَتْ لِتَمَامِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ وَطِئَهَا، وَهَذَا إذَا مَضَى لِزِنَاهَا نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ وَإِلَّا جَازَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الْحَمْلِ حِينَئِذٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ الْمُسْتَرْسِلِ عَلَى وَطْئِهَا وَإِلَّا أُخِّرَتْ لِحَيْضَةٍ. [قَوْلُهُ: وَتُحَدُّ إلَخْ] أَيْ يُقَامُ عَلَيْهَا الْحَدُّ عَقِبَ الْوَضْعِ إنْ وَجَدَتْ مَنْ يَقُومُ بِالطِّفْلِ، هَذَا إذَا كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ أُخِّرَتْ حَتَّى تُتِمَّ نِفَاسَهَا وَتَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا. [قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ إلَخْ] أَيْ حَيْثُ «جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَتْ لَهُ: طَهِّرْنِي. فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي فَلَمَّا وَضَعَتْ أَتَتْ إلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي حَتَّى تَفْطِمِيهِ أَوْ حَتَّى تُرْضِعِيهِ. فَلَمَّا أَرْضَعَتْهُ أَتَتْ إلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي حَتَّى تَسْتَوْدِعِيهِ. فَلَمَّا اسْتَوْدَعَتْهُ أَتَتْ فَرَجَمَهَا» اهـ وَاسْمُهَا سُمَيَّةُ أَوْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ فَرَجٍ. [قَوْلُهُ: مُثَقَّلٌ] بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ حَتَّى يَبْرَأَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ بِالْجَلْدِ اعْتِدَالُ الْهَوَاءِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ حَدُّهُ الْقَتْلَ وَلَوْ بِالرَّجْمِ فَلَا يُنْتَظَرُ. [قَوْلُهُ: وَلْيُعَاقَبْ إلَخْ] أَيْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَالْبَهِيمَةُ كَغَيْرِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ ذَبْحًا وَأَكْلًا. [قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ قَالَ إلَخْ] أَيْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَلْيُعَاقَبْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُقْتَلُ أَنَّهُ لَا حَدَّ. وَقَوْلُهُ: لِارْتِكَابِهِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلْيُعَاقَبْ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْمُرَادُ لَا حَدَّ عَلَى وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ فَلِمَ عَدَلَ عَنْ صَرِيحِ اللَّفْظِ قُلْت: إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَتْلِ غَيْرُ صَوَابٍ. [قَوْلُهُ: فَغَيْرُ ثَابِتٍ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ [حَدّ السَّرِقَة] [قَوْلُهُ: وَمَنْ سَرَقَ بِفَتْحِ الرَّاءِ] أَيْ فِي الْمَاضِي وَمَكْسُورُهَا فِي الْمُضَارِعِ، تت: وَعَرَّفَ ابْنُ عَرَفَةَ السَّرِقَةَ بِقَوْلِهِ: أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ فَلَا قَطْعَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا عَلَى مَنْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ النِّصَابِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَخْرَجَ النِّصَابَ عَلَى مَرَّاتٍ وَلَا عَلَى أَبٍ أَخَذَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ قَدْرَ نِصَابٍ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: خِفْيَةً عَمَّا لَوْ خَرَجَ جِهَارًا فَهَذَا يُسَمَّى مُخْتَلِسًا.

الْأَحْرَارِ أَوْ الْأَرِقَّاءِ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ (رُبْعَ دِينَارٍ ذَهَبًا) وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قِيمَتِهِ (أَوْ) سَرَقَ (مَا قِيمَتُهُ يَوْمَ السَّرِقَةِ) لَا يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ ارْتَفَعَ السِّعْرُ يَوْمَ الْحُكْمِ أَوْ انْخَفَضَ (ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ مِنْ الْعُرُوضِ أَوْ) سَرَقَ (وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً) خَالِصَةً وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَوْنِهَا تُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ (قُطِعَ) وَالْأَصِيلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» ، وَلِلْقَطْعِ شُرُوطٌ فِي السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ فُهِمَ بَعْضُهَا مِمَّا تَقَدَّمَ فَاَلَّتِي فِي السَّارِقِ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا، بَالِغًا، غَيْرَ مِلْكٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ، غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلسَّرِقَةِ، وَاَلَّتِي فِي الْمَسْرُوقِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّارِقَ مَنْ يَدْخُلُ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ كَذَلِكَ، وَالْمُخْتَلِسُ مَنْ يَدْخُلُ خُفْيَةً وَيَخْرُجُ جَهْرَةً، وَالْخَائِنُ مَنْ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ جَهْرَةً وَمَعَهُ إذْنٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا الْتِفَاتَ إلَى قِيمَتِهِ] أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَوْنِهِ يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ [قَوْلُهُ: أَوْ سَرَقَ مَا قِيمَتُهُ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا تَقْوِيمَ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ سَاوَتْ الثَّلَاثَةُ دَرَاهِمَ الرُّبْعَ دِينَارٍ أَوْ نَقَصَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِذَا لَوْ سَاوَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ رُبْعَ دِينَارٍ وَلَمْ تُسَاوِ الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ وَهَذَا حَيْثُ وُجِدَتْ الدَّرَاهِمُ فِي بَلَدِ السَّرِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُتَعَامَلْ بِهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ السَّرِقَةِ إلَّا الذَّهَبُ فَالتَّقْوِيمُ بِالذَّهَبِ. وَقَوْلُهُ: يَوْمَ السَّرِقَةِ أَيْ مَا يُسَاوِي الثَّلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ لَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ نَقَصَتْ وَقْتَهُ كَذَبْحِ شَاةٍ بِحِرْزٍ أَوْ خَرْقِ ثَوْبٍ بِحِرْزِهِ فَنَقَصَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ لَمْ يُقْطَعْ كَأَنْ لَمْ يُسَاوِهَا إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ كَطُرُوِّ غُلُوٍّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: يَوْمَ السَّرِقَةِ وَمُقَابِلُهُ يَعْتَبِرُهَا يَوْمَ الْحُكْمِ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَذْهَبُ مَا قَالَ لِأَنَّهُ وَقْتَ تَعَلُّقِهَا بِالذِّمَّةِ. [قَوْلُهُ: وَزْنَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ] فِي التَّحْقِيقِ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ أَنَّ دِينَارَ السَّرِقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالدِّيَةِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا، وَدِينَارُ الْجِزْيَةِ وَالزَّكَاةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ. [قَوْلُهُ: خَالِصَةً] احْتِرَازًا مِنْ الْمَغْشُوشِ بِالنُّحَاسِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَلِكَ. ابْنُ رُشْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نُحَاسًا تَافِهًا لَا قَدْرَ لَهُ. تَحْقِيقٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْخُلُوصُ مِنْ الْغِشِّ وَلَوْ كَانَتْ رَدِيئَةَ الْمَعْدِنِ كَمَا قَالَهُ اللَّقَانِيُّ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُؤَلِّفُ قَيْدَ الْخُلُوصِ فِي الرُّبْعِ دِينَارٍ نَظَرًا لِلْغَالِبِ إذْ الْغَالِبُ خُلُوصُهُ مِنْ الْغِشِّ وَلَا بُدَّ مِنْ الْخُلُوصِ فِيهِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: فِي مِجَنٍّ] الْمِجَنُّ هُوَ التُّرْسُ لِأَنَّهُ يُوَارِي حَامِلَهُ أَيْ يَسْتُرُهُ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ وَيُجْمَعُ عَلَى مَجَانَّ، وَإِنَّمَا كَانَتْ زَائِدَةً لِأَنَّهُ مِنْ الْجُنَّةِ وَالسُّتْرَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا] فَلَا قَطْعَ عَلَى غَيْرِ بَالِغٍ وَلَا عَلَى مَجْنُونٍ مُطْبِقٍ، وَكَذَا إنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانَا وَسَرَقَ فِي حَالِ جُنُونِهِ وَإِلَّا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ إذَا أَفَاقَ كَمَا أَنَّ السَّكْرَانَ بِحَرَامٍ يُقْطَعُ بَعْدَ صَحْوِهِ سَرَقَ حَالَ سُكْرِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ قُطِعَ قَبْلَ صَحْوِهِ اُكْتُفِيَ بِهِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرَامٍ فَكَالْمَجْنُونِ الَّذِي سَرَقَ حَالَ جُنُونِهِ، وَاسْتَظْهَرَ حَمْلَهُ عَلَى أَنَّهُ بِحَرَامٍ حَيْثُ شَكَّ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَالَتُهُ ظَاهِرَةً فِي خِلَافِ ذَلِكَ، وَانْظُرْ إذَا شَكَّ فِي سَرِقَةِ الْمَجْنُونِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانَا هَلْ هِيَ فِي حَالِ جُنُونِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ. وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» . وَلَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ مُخْتَارًا لِيَخْرُجَ الْمُكْرَهُ وَيَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِخَوْفِ الْقَتْلِ، وَاسْتُظْهِرَ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ كَمَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ فَيَكُونُ بِالْقَتْلِ وَبِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مِلْكٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ] أَيْ لَا يَكُونُ السَّارِقُ عَبْدًا لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا لَهُ فَلَا يُقْطَعُ ذَلِكَ الْعَبْدُ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ] احْتِرَازًا مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ إذَا سَرَقَا أَيْ مِنْ مَالِ وَلَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا، وَمِثْلُهُمَا الْجَدُّ وَلَوْ لِأُمٍّ وَلَوْ كَانَ فَرْعُهُ عَبْدًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَزِعَهُ السَّيِّدُ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . أَمَّا الِابْنُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلسَّرِقَةِ] احْتِرَازًا عَمَّنْ سَرَقَ لِجُوعٍ أَصَابَهُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا سَرَقَ حِمَارًا مَثَلًا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَيْ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ طَيْرًا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِأَجْلِ إجَابَتِهِ مِثْلُ الْبَلَابِلِ وَالْعَصَافِيرِ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ، نَعَمْ إنْ كَانَ لَحْمُهُ يُسَاوِي بَعْدَ ذَبْحِهِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِذَلِكَ. وَأَمَّا الْحَمَامُ

نِصَابًا مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ مِلْكًا تَامًّا مُحْتَرَمًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ) وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا عُرْفًا احْتِرَازًا مِنْ السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ فِي الْحِرْزِ، وَنَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان اسْتِسْرَارًا احْتِرَازًا عَمَّنْ أَخَذَ اخْتِلَاسًا أَوْ مُكَابَرَةً فَلَا يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْمُحْتَرِزَاتِ كُلِّهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مُحْتَرَزِ الشَّرْطِ الْأَخِيرِ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْصِدُ لِيَأْتِيَ بِالْأَخْبَارِ لَا اللَّعِبِ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَيَقُومُ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْلُغُهُ وَتَبْلُغُ الْمُكَاتَبَةُ إلَيْهِ. [قَوْلُهُ: نِصَابًا] أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ أَخْذَ جَمِيعِ النِّصَابِ وَلَوْ عَلَى مَرَّاتٍ، فَمَنْ قَصَدَ ابْتِدَاءً أَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَخْرَجَهُ عَلَى مَرَّاتٍ فَيُقْطَعُ، فَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا عَلَى مَرَّاتٍ فِي لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالٍ وَلَمْ يَقْصِدْ ابْتِدَاءً سَرِقَتَهُ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ قَصْدُهُ كُلُّهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ كَإِخْرَاجِهِ دُونَ نِصَابٍ مِمَّا وَجَدَهُ مُجْتَمَعًا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ قَمْحٍ أَوْ مَتَاعٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ فَيُخْرِجُ تَمَامَ النِّصَابِ فَيُحْمَلُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ إخْرَاجَ مَا أَخْرَجَهُ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ قَصْدًا وَاحِدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حِينَ أَخْرَجَ مَا أَخْرَجَهُ أَوَّلًا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى إخْرَاجِ مَا أَخْرَجَهُ فَقَطْ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ نِصَابٍ كَامِلٍ. [قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ سَرَقَ مِلْكَهُ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَ فَلَا قَطْعَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ مَعَهُ بَيِّنَةٌ بِالرَّهِينَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَإِلَّا قُطِعَ كَمَا أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ وَإِذَا مَلَكَ الشَّيْءَ الْمَسْرُوقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحِرْزِ بِأَنْ وَرِثَهُ مَثَلًا لَا إنْ مَلَكَهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَيُقْطَعُ. وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ: مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ السَّارِقَ مِنْ سَارِقٍ فَيَقْطَعَانِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ سَرَقَهُ ثَالِثٌ وَهَكَذَا وَيَشْمَلُ السَّرِقَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ بَابِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْوَاقِفِ. [قَوْلُهُ: مِلْكًا تَامًّا] وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ كَالشَّرِيكِ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَا قَطْعَ حِينَئِذٍ عَلَى مَا نُفَصِّلُهُ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ شَرِكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ يُقْطَعُ بِوُجُودِ شَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَحْجُبَ السَّارِقَ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ. الثَّانِي: أَنْ يَسْرِقَ فَوْقَ حَقِّهِ نِصَابًا مِنْ جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَةِ مَا سَرَقَ وَمَا لَمْ يَسْرِقْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَمَا إذَا كَانَ جُمْلَةُ الْمَالِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسَرَقَ مِنْهُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُقَوَّمًا كَشَرِكَةٍ فِي عُرُوضٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ كَكُتُبٍ مُخْتَلِفَةٍ جُمْلَتُهَا تُسَاوِي اثْنَيْ عَشَرَ فَسَرَقَ كِتَابًا مُعَيَّنًا يُسَاوِي سِتَّةً فَيُقْطَعُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ فَقَدْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ مِنْهُ نِصَابًا، فَإِنْ سَرَقَ دُونَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُقَوَّمِ وَالْمِثْلِيِّ أَنَّ الْمُقَوَّمَ لَمَّا كَانَ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ حَظِّهِ مِنْهُ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِي الْمُقَوَّمِ كَانَ مَا سَرَقَهُ بَعْضُهُ حَظُّهُ وَبَعْضُهُ حَظُّ صَاحِبِهِ، وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَلَمَّا كَانَ لَهُ أَخَذُ حَظِّهِ مِنْهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُهُ فَقَدَّمَ اخْتِلَافَ الْأَغْرَاضِ فِيهِ، غَالِبًا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِمَّا هُوَ قَدْرُ حَظِّهِ أَوْ أَكْثَرُ بِدُونِ نِصَابٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ، وَمَا بَقِيَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مُحْتَرَمًا إلَخْ] أَيْ بِأَنْ يَجُوزَ بَيْعُهُ لَا إنْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ طُنْبُورًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ سَرَقَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ إلَّا أَنَّ الْخَمْرَ يَقْضِي عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ لَا لِمُسْلِمٍ حَيْثُ أَتْلَفَهَا السَّارِقُ وَإِلَّا رُدَّتْ بِعَيْنِهَا لَهُ لَا إنْ كَانَتْ لِمُسْلِمٍ لِوُجُوبِ إرَاقَتِهَا إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ خَشَبُ الطُّنْبُورِ بَعْدَ كَسْرِهِ بِالْفِعْلِ فَلَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِتَقْدِيرِ كَسْرِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ ثُمَّ إنَّ وِعَاءَ الْخَمْرِ إذَا كَانَتْ تُسَاوَيْ نِصَابًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ هَلْ يُقْطَعُ؟ قُلْت: هُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَا لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ كَلْبًا أُذِنَ فِي اتِّخَاذِهِ أَمْ لَا مُعَلَّمًا أَمْ لَا، وَلَوْ سَاوَى لِتَعْلِيمِهِ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ. [قَوْلُهُ: إذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ] أَيْ بِأَنْ أَخْرَجَ مِنْ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ هُوَ وَسَوَاءٌ بَقِيَ النِّصَابُ خَارِجَ الْحِرْزِ أَوْ تَلِفَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يُعَدُّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا] أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ شَرْعِيٌّ، وَحِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَالْحِرْزُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَمْوَالِ، فَرُبَّ مَكَان يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَخْصٍ وَغَيْرَ حِرْزٍ بِالنِّسْبَةِ لِآخَرَ، أَوْ يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ لِمَتَاعٍ وَلَا يَكُونُ حِرْزًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَتَاعٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: أَوْ مُكَابَرَةً] الْمُكَابِرُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مِنْ غَيْرِ مُحَارَبَةٍ وَهُوَ الْغَاصِبُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَابَرَ بَعْدَ ثُبُوتِ أَخْذِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُهُ

بِقَوْلِهِ: (وَلَا قَطْعَ فِي الْخُلْسَةِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ ظَاهِرًا غَفْلَةً. . وَقَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي السَّرِقَةِ أَيْ سَرِقَةِ مَا ذُكِرَ (يَدُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ: وَمَنْ سَرَقَ فَإِنَّ " مَنْ " عَامٌّ وَالْقَطْعُ الْمَذْكُورُ يَكُونُ أَوَّلًا فِي يَدِهِ الْيُمْنَى (ثُمَّ إنْ سَرَقَ) ثَانِيًا بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى (قُطِعَتْ رِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ الْيُسْرَى (ثُمَّ إنْ سَرَقَ) ثَالِثًا (فَ) تُقْطَعُ (يَدُهُ) الْيُسْرَى (ثُمَّ إنْ سَرَقَ) رَابِعًا (فَ) تُقْطَعُ (رِجْلُهُ) الْيُمْنَى، وَهَذَا التَّرْتِيبُ إذَا كَانَتْ الْيُمْنَى مَوْجُودَةً سَلِيمَةً وَلَمْ يَكُنْ أَعْسَرَ، فَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ تُقْطَعُ الشِّمَالُ دُونَ الْيُمْنَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ يُمْنَى أَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى قَطْعِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى، وَمَوْضِعُ الْقَطْعِ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ الْكُوعِ، وَفِي الرِّجْلَيْنِ مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبَيْنِ (ثُمَّ إنْ سَرَقَ) فِي الْخَامِسَةِ (جُلِدَ وَسُجِنَ) . . ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ فَقَالَ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ) مَا لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا وَيَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ (وَإِنْ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أُقِيلَ) مِنْ الْقَطْعِ (وَغَرِمَ السَّرِقَةَ) أَيْ قِيمَتَهَا (إنْ كَانَتْ) الْقِيمَةُ (مَعَهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ الْقِيمَةُ (اُتُّبِعَ بِهَا) وَلَمَّا قَيَّدَ الْقَطْعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْحِرْزِ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. فَقَالَ: (وَمَنْ أَخَذَ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ) الَّتِي بَلَغَتْ نِصَابًا (مِنْ الْحِرْزِ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْرَاجُ بِنَفْسِهِ أَوْ رَمَاهُ إلَى خَارِجٍ أَوْ أَخْرَجَهُ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَرَفَعُوهُ عَلَى رَأْسِ أَحَدِهِمْ أَوْ ظَهْرِهِ فَخَرَجَ بِهِ وَبَقُوا هُمْ فِي الْحِرْزِ وَأَخْرَجُوا مَعَهُ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَطْعُ أَمَّا إذَا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الْحِرْزِ أَوْ أَتْلَفَهَا فِيهِ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَطْعُ وَلَا عِبْرَةَ بِمُكَابَرَتِهِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرًا] أَيْ أَخْذًا ظَاهِرًا لَا خُفْيَةً. [قَوْلُهُ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ] أَيْ الْمُكَلَّفُونَ، وَيُقْطَعُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُعَاهَدُ وَإِنْ لِمِثْلِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ أَعْسَرَ] تَبِعَ اللَّخْمِيَّ وَظَاهِرَ خَلِيلٍ وَالْجَلَّابَ وَابْنَ الْحَاجِبِ وَالْإِرْشَادَ وَغَيْرَهُمْ وَلَوْ أَعْسَرَ، وَأَمَّا الْأَضْبَطُ فَتُقْطَعُ يُمْنَاهُ اتِّفَاقًا. [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ] أَيْ فَاسِدَةً. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَاقِصَةً أَكْثَرَ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةً لِلْيُمْنَى قَبْلَ الْحُكْمِ بِقَطْعِهَا لَا أُصْبُعَيْنِ وَأُنْمُلَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى قَطْعِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى] فَإِنْ سَرَقَ مَرَّةً ثَانِيَةً قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُمْنَى. [قَوْلُهُ: وَمَوْضِعُ الْقَطْعِ فِي الْيَدَيْنِ مِنْ الْكُوعِ] وَإِذَا قُطِعَ فَإِنَّهُ يُحْسَمُ بِالنَّارِ أَيْ يُكْوَى مَوْضِعُ الْقَطْعِ لِيَنْقَطِعَ جَرَيَانُ الدَّمِ بِحَرْقِ أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ لِأَنَّ دَوَامَ جَرْيِهِ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِ الْمَقْطُوعِ فَيُغْلَى الزَّيْتُ عَلَى النَّارِ ثُمَّ تُجْعَلُ الْيَدُ فِيهِ، وَالْحَسْمُ مِنْ حَقِّ الْمَقْطُوعِ لَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ. وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ أَنَّ حُكْمَ الْحَسْمِ الْوُجُوبُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَاكِمِ وَالْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ] أَيْ سَالِمُ الْأَعْضَاءِ أَوْ النَّاقِصُ الْيُمْنَى مَرَّةً رَابِعَةً [قَوْلُهُ: جُلِدَ وَسُجِنَ] وَلَعَلَّ الْحَبْسَ لِظُهُورِ تَوْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَنَفَقَتُهُ وَأُجْرَةُ حَبْسِهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا] أَيْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ عَيَّنَ السَّرِقَةَ أَوْ أَخْرَجَ الْقَتِيلَ اُنْظُرْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا] مِثَالُ الشُّبْهَةِ أَنْ يَقُولَ: أَخَذْت مَالِي الْمُودَعَ وَظَنَنْت ذَلِكَ سَرِقَةً، وَمِثَالُ غَيْرِ الشُّبْهَةِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا أَنَا كَذَبْت فِي إقْرَارِي. [قَوْلُهُ: أُقِيلَ] أَيْ تُرِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ قِيمَتُهَا إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا الْقِيمَةَ لِأَنَّ الْغُرْمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَائِتِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْغُرْمُ دُونَ الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْغُرْمُ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى شُبْهَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغُرْمِ انْتَهَى. وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّرِقَةَ إذَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ وَلَيْسَ لِلسَّارِقِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ قَهْرًا عَلَى رَبِّهِ وَيَدْفَعُ لَهُ الْقِيمَةَ وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قُطِعَ أَوْ لَا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُخْرِجَ السَّرِقَةَ] وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ هُوَ أَوْ ابْتَلَعَ دُرًّا. [قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَطْعُ] أَيْ يُقْطَعُونَ جَمِيعًا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِهِ إلَّا بِرَفْعِهِمْ، وَإِذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَكَا فِي حَمْلِ نِصَابٍ فَأَخْرَجَاهُ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ كُلُّ

أَخْرَجَهَا فَلَا قَطْعَ (وَكَذَلِكَ الْكَفَنُ) لَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ (مِنْ الْقَبْرِ) إذَا سَاوَى رُبْعَ دِينَارٍ. (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَارِقٍ وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ وَالْخَائِنُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» . . فَرْعٌ: لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ حُجِرَ عَلَيْهِ قُطِعَ، أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ) تَكْرَارٌ وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا يَلْزَمُهُ فِي بَدَنِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ يَلْزَمُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَنْ يُوقِعَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا (وَ) أَمَّا إقْرَارُهُ فِي (مَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ) أَيْ فِيمَا يَجِبُ أَخْذُهُ فِيهِ (فَلَا إقْرَارَ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُبِّ انْتِقَالِهِ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ (وَلَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ (مُعَلَّقٍ) عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَقِلُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ دُونَ صَاحِبِهِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يَنُوبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ فَإِذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَعَلَيْهِمَا الْقَطْعُ وَلَوْ لَمْ يَنُبْ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ أَوْ نَابَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ وَلَوْ اسْتَقَلَّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ نَابَ كُلًّا نِصَابٌ فَالْقَطْعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَإِنْ اسْتَقَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا قَطْعَ وَإِلَّا فَالْقَطْعُ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَامِلًا لِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ وَهُمْ شُرَكَاءُ فِيمَا أَخْرَجُوهُ لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَخْرَجَ مَا فِيهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُخْرِجَهُ] فَإِنْ أَخْرَجَهُ قُطِعَ لِأَنَّهُ حِرْزٌ لِمَا هُوَ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَبْرُ قَرِيبًا مِنْ الْعُمْرَانِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا قُطِعَ لِأَنَّ النَّبَّاشَ سَارِقٌ وَكُلُّ سَارِقٍ تُقْطَعُ يَدُهُ، وَكَذَا تُقْطَعُ يَدُ مَنْ سَرَقَ كَفَنَ الْمَيِّتِ الْمَرْمِيِّ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ الْبَحْرَ حِينَئِذٍ صَارَ حِرْزًا لَهُ، وَسَوَاءٌ رُمِيَ بِالْبَحْرِ مَثَلًا أَمْ لَا وَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَا عَلَى الْغَرِيقِ مِنْ الْحَوَائِجِ، وَشَرْطُ الْكَفَنِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَادًا وَلَوْ مَنْدُوبًا، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَا قَطْعَ وَمِثْلُ سَرِقَةِ الْكَفَنِ سَرِقَةُ نَفْسِ اللَّحْدِ لَا مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ رُخَامٍ وَنَحْوِهِ [قَوْلُهُ: مِنْ بَيْتٍ] لَا خُصُوصِيَّةَ لِقَوْلِهِ: بَيْتٍ فَلَوْ أَذِنَ تَاجِرٌ لِمَنْ يَدْخُلُ حَانُوتَهُ يُقَلِّبُ مِنْهُ شَيْئًا يَشْتَرِيهِ فَاخْتَلَسَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا قَطْعَ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ خَائِنٌ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي دُخُولِهِ كَالشَّخْصِ يُضَيِّفُ الضَّيْفَ فَيُدْخِلُهُ دَارِهِ أَوْ يَبْعَثُ الشَّخْصَ إلَى دَارِهِ لِيَأْتِيَهُ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِهَا بِشَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَسْرِقُ مِنْ مَوْضِعٍ مُغْلَقٍ قَدْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّهُ خَائِنٌ لَا سَارِقٌ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشُّرَكَاءِ بِأَنَّ الدَّاخِلَ فِيهَا لَيْسَ بِإِذْنِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَلْ لِمَا لَهُ مِنْ الشَّرِكَةِ بِخِلَافِ الضَّيْفِ. [قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَى مُنْتَهِبٍ] قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْرِيرِ: الْمُنْتَهِبُ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ عِيَانًا مُتَعَمِّدًا قُوَّةً وَغَلَبَةً وَالْمُخْتَلِسُ مَنْ يَخْطَفُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ، وَيَتَعَمَّدُ الْهَرَبَ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ وَالسَّارِقِ مَنْ يَأْخُذُ خُفْيَةً وَالْخَائِنُ مَنْ يَخُونُ فِي وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا بِأَخْذِ بَعْضِهَا وَالْجَاحِدُ مَنْ يُنْكِرُهَا [قَوْلُهُ: لَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ حُجِرَ عَلَيْهِ] أَنْ يَدْخُلَهُ أَوْ يَفْتَحُهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْحَجْرُ بِالْكَلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْغَلْقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الضَّيْفِ أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ قَصَدَ الْحَجْرَ عَنْهُ بِالْخُصُوصِ وَمَا قُصِدَ بِالْخُصُوصِ أَشَدُّ مِمَّا قُصِدَ بِالْعُمُومِ بِخِلَافِ الضَّيْفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْحَجْرَ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ، وَحُكْمُ أَمَةِ الزَّوْجَةِ حُكْمُهَا فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ، وَحُكْمُ عَبْدِ الزَّوْجِ حُكْمُهُ إذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ الزَّوْجَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ] أَيْ أَوْ قَتْلٍ أَيْ كَإِقْرَارِهِ بِشُرْبٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ زِنًا، أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ فِي جَسَدِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ كَمَا فِي تت. وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالٍ فِي يَدِهِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ سَيِّدُهُ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَالْمَالُ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْمُقِرِّ لَهُ كَذَا فِي تت. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إقْرَارُهُ فِيمَا كَانَ فِي رَقَبَتِهِ] كَمَا إذَا أَقَرَّ بِقَطْعِهِ يَدَ حُرٍّ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ [قَوْلُهُ: فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ] أَيْ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ هَذَا فِي الْمُعَلَّقِ فِي الْبُسْتَانِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الثَّمَرِ فِي الدُّورِ أَوْ الْبُيُوتِ فَإِنَّ سَارِقَهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مِنْ حِرْزٍ. قُلْنَا: مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ قُطِعَ وَعُلِّقَ عَلَى الشَّجَرِ فَهَذَا لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَلَوْ بِعَلَقِ، وَلَوْ قُطِعَ وَوُضِعَ فِي الْمَحَلِّ الْمُعْتَادِ وَضْعُهُ فِيهِ قَبْلَ الْجَرِينِ قِيلَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ بِهِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: إنْ كُدِّسَ يُقْطَعُ

كَانَ عَلَيْهِ عِلْقٌ وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) قَطْعَ (فِي الْجُمَّارِ) وَهُوَ قَلْبُ النَّخْلِ حَالَ كَوْنِهِ (فِي النَّخْلِ وَ) كَذَلِكَ (لَا) قَطْعَ (فِي الْغَنَمِ الرَّاعِيَةِ) فِي حَالِ رَعْيِهَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا (حَتَّى تُسْرَقَ مِنْ مُرَاحِهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا مَوْضِعُ مَقِيلِهَا الَّتِي تُسَاقُ إلَيْهِ (وَ) كَذَلِكَ (التَّمْرُ) الْمَقْطُوعُ لَا قَطْعَ فِيهِ حَتَّى يُسْرَقَ (مِنْ الْأَنْدَرِ) وَهُوَ الْجَرِينُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا. (وَلَا يُشْفَعُ لِمَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ فِي السَّرِقَةِ وَالزِّنَا) وَالْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَلَغَ الْإِمَامَ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا طَلَبُهُ مِنْهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَإِنْ تَابَ السَّارِقُ وَالزَّانِي وَهُوَ كَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ (وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الشَّفَاعَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ (فِي الْقَذْفِ) فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: يَجُوزُ عَفْوُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ حَقٌّ لِلْمَقْذُوفِ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَقْذُوفُ السَّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا. (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْكُمِّ) وَنَحْوِهِ (قُطِعَ) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حِرْزٌ لِمَا عَلَيْهِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْهُرْيِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ. ك: وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِشَبَهِهِ بِمَا فِي الْجَرِينِ وَإِلَّا فَلَا لِشَبَهِهِ بِمَا عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ وَسَرِقَتُهُ بَعْدَ وَضْعِهِ فِي الْجَرِينِ يُقْطَعُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: وَالْقَوْلَانِ حَكَاهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ] إلَّا أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْقَطْعِ مَنْصُوصٌ وَبِالْقَطْعِ مُخَرَّجٌ. [قَوْلُهُ: لَا قَطْعَ فِي الْجُمَّارِ] كَأَنَّهُ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا] فَهِيَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُعَدُّ حِرْزًا فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ وَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ جَالِسًا بِهِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهَا فِي حَالِ رَعْيِهَا تَكُونُ مُفَرَّقَةً غَيْرَ مُتَّصِلَةٍ بِرَبِّهَا. [قَوْلُهُ: مَوْضِعُ مَقِيلِهَا] أَيْ عَقِبَ الرَّوَاحِ مِنْ الْمَرْعَى وَقَبْلَ الذَّهَابِ لِلرَّعْيِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ لَهَا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا، وَمِثْلُ السَّرِقَةِ مِنْ الْمَرَاحِ السَّرِقَةُ مِنْهَا حَالَ سَيْرِهَا لِلْمَرْعَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهَا تَكُونُ مُجْتَمَعَةً وَلِذَلِكَ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْإِبِلِ الْمُجْتَمِعَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الْجَامُوسِ فِي حَالِ سَيْرِهَا لِلْمَرْعَى بِمُجَرَّدِ إبَانَتِهِ عَنْ بَاقِيهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْجَرِينُ] الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْجُرْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا جُمِعَ الْحَبُّ أَوْ التَّمْرُ فِي الْجَرِينِ وَغَابَ رَبُّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَمِنْ غَيْرِ حَارِسٍ. [قَوْلُهُ: لِمَنْ بَلَغَ الْإِمَامَ] ظَاهِرُهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ فِيمَا ذَكَرَ قَبْلَ عِلْمِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ الْمَشْفُوعُ لَهُ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ أَيْ فِي غَيْرِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ لَهُ وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ. [قَوْلُهُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ] أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ تَابَ اُنْظُرْهُ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَابَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: طَلَبُهَا لِلطَّهَارَةِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَابَتْ وَكَذَا مَاعِزٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي الشَّفَاعَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ] وَأَمَّا قَبْلُ فَيَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. [قَوْلُهُ: وَمَرَّةً قَالَ لَا يَجُوزُ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمَقْذُوفُ السَّتْرَ] وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالِ الْإِمَامِ خُفْيَةً عَنْ حَالِ الْمَقْذُوفِ، فَإِذَا بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ ظُهُورَ الْأَمْرِ جَازَ عَفْوُهُ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ إذَا أَرَادَ بِعَفْوِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ مِنْ الْقَاذِفِ بَعْدَ حَدِّهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاذِفُ أَبًا أَوْ أُمًّا وَإِلَّا جَازَ الْعَفْوُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا وَهَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْقَائِمِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْقَائِمُ لِغَيْرِهِ كَالِابْنِ يَقُومُ بِحَقِّ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَقَدْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ مَاتَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَيَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ الَّذِي وَجَبَ تَعْزِيرُهُ وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. قَالَ بَعْضٌ عَقِبَهُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] كَالْجَيْبِ وَالْعِمَامَةِ وَالْحِزَامِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حِرْزٌ لِمَا عَلَيْهِ] لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ، وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْحَافِظُ لَهُ فِيهِ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَلَوْ نَائِمًا لَهُ شُعُورٌ، وَلَوْ سَرَقَ الشَّيْءَ وَصَاحِبَهُ لَا يُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ الدَّابَّةَ مَعَ رَاكِبِهَا. [قَوْلُهُ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ] أَيْ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ

وَهُوَ بَيْتٌ يَجْعَلُهُ السُّلْطَانُ لِلْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ (وَ) مِنْ (بَيْتِ الْمَالِ) وَهُوَ بَيْتٌ يَجْعَلُهُ السُّلْطَانُ لِلْعَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَ) مِنْ (الْمَغْنَمِ فَلْيُقْطَعْ) فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (وَقِيلَ إنْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ مِنْ الْمَغْنَمِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ قُطِعَ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ إذَا كَانَ مِنْ الْغَانِمِينَ. (وَيُتَّبَعُ السَّارِقُ إذَا قُطِعَ بِقِيمَةِ مَا فَاتَ مِنْ السَّرِقَةِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهَا (فِي) حَالِ (مَلَائِهِ) وَاحْتَرَزَ بِمَا فَاتَ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ بَاقِيًا فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَأْخُذُهُ بَعْدَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ عِوَضًا عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْحِرْزِ، وَالْمَسْرُوقُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ (وَلَا يُتَّبَعُ) السَّارِقُ بِمَا فَاتَ (فِي) حَالِ (عُدْمِهِ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ لَا يَجِبُ فِيهِ عُقُوبَتَانِ الْقَطْعُ وَالِاتِّبَاعُ مَعَ الْعُدْمِ (وَيُتَّبَعُ) السَّارِقُ (فِي عُدْمِهِ بِمَا) أَيْ بِالشَّيْءِ الَّذِي (لَا يُقْطَعُ فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ) بِأَنْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَلْزَمُهُ فَلَمْ يَبْقَ مَا يَمْنَعُ مِنْ اتِّبَاعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشُّوَنِ. [قَوْلُهُ: وَالطَّعَامُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى الْمَتَاعِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْمَغْنَمِ] أَيْ بَعْدَ حَوْزِهِ وَقُطِعَ بِذَلِكَ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ فِيهِ كَانَ الْإِمَامُ مُنْتَظِمًا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ سَرَقَ] ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ يُقْطَعُ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ مِمَّا يَخُصُّهُ أَوْ قَدْرَهُ عَلَى الرَّاجِحِ [قَوْلُهُ: فِي حَالِ مَلَائِهِ] أَيْ الْمُسْتَمِرِّ مِنْ يَوْمِ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ. [قَوْلُهُ: بِمَا فَاتَ فِي حَالِ عُدْمِهِ] الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ أَعْسَرَ جُزْءًا مِنْ الزَّمَنِ الَّذِي بَيْنَ سَرِقَتِهِ وَقَطْعِهِ لَسَقَطَ عَنْهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ] أَيْ أَوْ لِرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ.

[باب في الأقضية والشهادات]

[بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ] (بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ) وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَشْيَاءَ لَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا كَالصُّلْحِ وَالْفَلَسِ وَالْقِسْمَةِ، وَنَحْنُ نُبَيِّنُ كُلًّا فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا الْأَقْضِيَةُ فَجَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ وَهُوَ لُغَةً الْحُكْمُ وَاصْطِلَاحًا لَهُ سَبْعُ مَعَانٍ تَرْجِعُ إلَى انْقِضَاءِ الشَّيْءِ وَتَمَامِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] أَيْ لَفُصِلَ، وَمِنْهُ قَضَى الْقَاضِي فَصَلَ الْحُكُومَةَ وَالْقَضَاءُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ. ابْنُ شَاسٍ: وَالْحُكْمُ بِالْعَدْلِ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَكِنَّ خَطَرَهُ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ الْجَوْرَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إلَى اللَّهِ وَأَبْعَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ] [الأقضية وَأَحْكَامهَا] ِ [قَالُوا: وَذَكَرَ فِي الْبَابِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَعِيبٍ بَلْ حَسَنٌ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَقْضِيَةُ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَجَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ، وَأَصْلُ قَضَاءٍ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت وَالْهَمْزَةُ تُبْدَلُ مِنْ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْوَاقِعَتَيْنِ بَعْدَ الْأَلِفِ كَسَمَاءٍ وَبِنَاءٍ وَجُمِعَ عَلَى أَقْضِيَةٍ، وَمِثْلُ قَضَاءٍ قَضِيَّةٌ إلَّا أَنَّهَا تُجْمَعُ عَلَى قَضَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا، وَمَعْنَى الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْحُكْمُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الْحُكْمُ] جُمْلَةٌ مُعَرَّفَةُ الطَّرَفَيْنِ فَتُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ حَصْرُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ السَّبْعَةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا مَعَانٍ لُغَوِيَّةٌ لَا اصْطِلَاحِيَّةٌ، بَلْ أَنْهَاهَا بَعْضٌ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَقَالَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لُغَةً بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَرَاغِ وَالْهَلَاكِ وَالْأَدَاءِ وَالْإِنْهَاءِ وَالْمُضِيِّ وَالصُّنْعِ وَالتَّقْدِيرِ اهـ. بَلْ مَعْنَاهُ اصْطِلَاحًا مَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَضَاءُ الْإِخْبَارُ عَنْ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ. [قَوْلُهُ: تَرْجِعُ] مِنْ رُجُوعِ الشَّيْءِ إلَى مُفَسِّرِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ. وَقَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ الَّذِي هُوَ التَّمَامُ. [قَوْلُهُ: فَصَلَ الْحُكُومَةَ] هَكَذَا فِيمَا بِيَدِي مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَالصَّوَابُ الْخُصُومَةُ كَمَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْقَضَاءُ] أَيْ الْحُكْمُ بِالْعَدْلِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ] أَيْ عِنْدَ تَعَدُّدِ مَنْ يَقُومُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ مَصَالِحِ أَيْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ كَمَا إذَا انْفَرَدَ إنْسَانٌ بِشُرُوطِهِ أَوْ خَافَ فِتْنَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ النَّاسِ إنْ لَمْ يَتَوَلَّ أَوْ خَافَ ضَيَاعَ الْحَقِّ عَلَى أَرْبَابِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ أَزْيَدَ فِقْهًا فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَالطَّلَبُ لِلْقَضَاءِ، وَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبُولِ أُجْبِرَ، وَإِنْ ضُرِبَ أَوْ سُجِنَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَلَا الطَّلَبُ، وَلَوْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِلْقَضَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَقَدْ تَعْرِضُ لَهُ الْحُرْمَةُ كَكَوْنِهِ جَاهِلًا أَوْ قَاصِدًا بِهِ تَحْصِيلَ الدُّنْيَا مِنْ الْأَخْصَامِ أَوْ جَائِرًا وَالِاسْتِحْبَابُ كَتَوْلِيَتِهِ لِإِشْهَارِ عِلْمِهِ، وَالْإِبَاحَةُ كَقَصْدِ الِارْتِزَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِفَقْرِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَالْكَرَاهَةُ كَتَوْلِيَتِهِ لِقَصْدِ تَحْصِيلِ الْجَاهِ وَتَصْيِيرِهِ عَظِيمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ [قَوْلُهُ: لَكِنَّ خَطَرَهُ] أَيْ الْحُكْمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَكْبَرِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَعْظَمِ تَفْسِيرٌ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الذُّنُوبُ الصَّغَائِرُ أَوْ يُرَادُ بِأَعْظَمِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرُ. [قَوْلُهُ: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 15]] أَيْ الْجَائِرُونَ أَيْ وَأَمَّا الْمُقْسِطُ فَمَعْنَاهُ الْعَادِلُ {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]

النَّاسِ مِنْ اللَّهِ رَجُلٌ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ شَيْئًا فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِمْ» . فَالْقَضَاءُ مِحْنَةٌ مَنْ دَخَلَ فِيهِ اُبْتُلِيَ بِعَظِيمٍ وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَقَدْ ذُبِحَ بِسِكِّينٍ» انْتَهَى. . وَلَهُ شُرُوطُ صِحَّةٍ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا وَهِيَ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَدَالَةُ وَالْفِطْنَةُ وَالِاجْتِهَادُ فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ، وَبَدَأَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ فَقَالَ: «وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ج: هَذَا مَخْصُوصٌ عِنْدَنَا بِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: التَّدْمِيَةُ فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ. وَالثَّانِي: الْمَغْصُوبَةُ تَحْمِلُ بِبَيِّنَةٍ وَتَدَّعِي الْوَطْءَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا، بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَقُولُ: كَانَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ، وَجُعِلَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ جَانِبَهُ أَضْعَفُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ، وَجُعِلَتْ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى جَانِبًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَدَّعِي الْأَصْلَ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ أَمْ لَا، وَالْمَشْهُورُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ، وَفِي خَبَرٍ «إنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . فَالْقَاسِطُ ضِدُّ الْمُقْسِطِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الْقَاسِطِينَ حَطَبَ جَهَنَّمَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ظَاهِرًا. [قَوْلُهُ: «إنَّ أَعْتَى» إلَخْ] قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعُتُوُّ التَّجَبُّرُ وَالتَّكَبُّرُ، وَقَدْ عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا فَهُوَ عَاتٍ. [قَوْلُهُ: «عَلَى اللَّهِ» ] أَيْ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَوْ أَنَّ الْمُتَجَبِّرَ عَلَيْهِمْ كَالْمُتَجَبِّرِ عَلَى اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: وَأَبْغَضَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ بِصَدَدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَوْلُهُ: مِحْنَةٌ: ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ. وَقَوْلُهُ: بِعَظِيمٍ أَيْ بِابْتِلَاءٍ عَظِيمٍ أَيْ بِاخْتِبَارٍ عَظِيمٍ. [قَوْلُهُ: «فَقَدْ ذُبِحَ» ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الْكَلَامِ التَّحْذِيرُ مِنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ وَلْيَتَّقِهِ. وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ سِكِّينٍ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الذَّبْحَ إنَّمَا يَكُونُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ بِالسِّكِّينِ فَعَدَلَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سُنَنِ الْعَادَةِ إلَى غَيْرِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ الَّذِي أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ مَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِ دِينِهِ دُونَ هَلَاكِ بَدَنِهِ، الْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي يَقَعُ بِهِ إزْهَاقُ الرُّوحِ إنَّمَا يَكُونُ بِالسِّكِّينِ فَإِنْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ كَانَ ذَبْحُهُ خَنْقًا وَتَعْذِيبًا فَضَرَبَ بِذَلِكَ الْمَثَلَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْحَذَرِ مِنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] اعْلَمْ أَنَّ عَدَالَةَ الشَّهَادَةِ تَسْتَلْزِمُ مَا ذَكَرَهُ قَبْلُ إذْ هِيَ وَصْفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْصَافٍ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعَدَمُ الْفِسْقِ. [قَوْلُهُ: وَالْفِطْنَةُ] أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْمُغَفَّلِ الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَفَطُّنٌ لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخُدَعِهِمْ، وَالْفَطِنَةُ جُودَةُ الذِّهْنِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَرُدُّ بِهِ الصَّحِيحَ فَاسِدًا وَبِالْعَكْسِ. [قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ مُقَلِّدٍ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ] أَيْ وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهِ فَيَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقَ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُطْلَقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُقَلِّدِ وَهُوَ قِسْمَانِ مُجْتَهِدُ مَذْهَبٍ وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْأَدِلَّةِ، وَمُجْتَهِدُ الْفَتْوَى وَهُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى التَّرْجِيحِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ بَاطِلَةٌ قَوْلٌ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ طَائِفَةٌ أَيْضًا، كَالْمَازِرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَمِمَّنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ] مُقَيَّدٌ بِالدَّعْوَى الَّتِي تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَا فِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنِّكَاحِ، فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ وَالزَّوْجِ. [قَوْلُهُ: بِوَجْهَيْنِ] يُزَادُ عَلَيْهِمَا مَسْأَلَةُ الْحِيَازَةِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ مِنْ الْمُدَّعِي، وَلَا تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عج. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ فِيهَا إلَى بَيِّنَةٍ] بَلْ يَكْفِي اللَّوْثُ، إلَّا أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّ نَفْسَ التَّدْمِيَةِ أَيْ قَوْلُهُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ لَا يَحْتَاجُ لِبَيِّنَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى قَوْلِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ إلَخْ] مُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَحْلِفُ مُطْلَقًا، وَثُبُوتُ الْخُلْطَةِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى

إنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخُلْطَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ وَلِهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَمِينَ) أَيْ وَلَا يُقْضَى بِيَمِينٍ (حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ أَوْ الظِّنَّةُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ التُّهْمَةَ. ع: وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَهُ وَالظِّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ، فَالْخُلْطَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالظِّنَّةُ لِأَهْلِ الْغُصُوبَاتِ انْتَهَى. وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا قَالَهُ بِقَوْلِهِ: (كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حُجَّةٌ فَيُخَصَّصُ بِهِ الْحَدِيثُ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْدُثُ) أَيْ تَظْهَرُ (لِلنَّاسِ أَقَضِيَّةٌ) أَيْ أَحْكَامٌ مُسْتَنْبَطَةٌ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ (بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَلَا يُعَارَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَتَرْكُ كُلِّ مَا أَحْدَثَهُ الْمُحْدِثُونَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، ثُمَّ اسْتَشْعَرَ سُؤَالًا عَلَى قَوْلِهِ: «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ: فَإِذَا أَبَى أَنْ يَحْلِفَ هَلْ يَغْرَمُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: لَا أَحْلِفُ مَثَلًا (لَمْ يُقْضَ) أَيْ لَمْ يُحْكَمْ (لِلطَّالِبِ) وَهُوَ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يَحْلِفَ) الطَّالِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ تَكُونُ بِدَيْنٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ تَكَرُّرِ بَيْعٍ بِالنَّقْدِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ] الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ أَيْ فَلَا يُفْتَقَرُ لِخُلْطَةٍ، زَادَ خَلِيلٌ أَشْيَاءَ أُخَرَ مِنْهَا الصَّانِعُ وَالْمُتَّهَمُ وَالضَّعِيفُ وَالْمُسَافِرُ عَلَى رُفْقَتِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِي صَارَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ مُطْلَقًا فَإِنَّهُمْ يُوَجِّهُونَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ عِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَنْ خُلْطَةٍ وَلَا تُهْمَةٍ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَثْبُتَ الْخُلْطَةُ أَوْ الظِّنَّةُ] أَيْ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضًا مِنْهَا وَهِيَ الصَّانِعُ وَالضَّعِيفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّهَا تَتَوَجَّهُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي مَعَهُ] أَيْ عَلَى إثْبَاتِ الْخُلْطَةِ. [قَوْلُهُ: وَالظِّنَّةُ إنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ] يُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ أَوْ غَصْبٍ. [قَوْلُهُ: لِأَهْلِ الْغُصُوبَاتِ] أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ السُّرَّاقِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ] هُوَ الرَّاجِحُ وَلَا يَمِينَ مَعَهَا. [قَوْلُهُ: كَذَلِكَ قَضَى حُكَّامُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ] أَيْ كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَوْلُهُ: وَإِجْمَاعُ: يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ قَضَى حُكَّامُ إلَخْ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حُكَّامِهَا يَقْضُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُجْمِعَ أَهْلُهَا عَلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَيُخَصَّصُ بِهِ الْحَدِيثُ] أَيْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . أَيْ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْيَمِينَ مُتَوَجِّهَةٌ مُطْلَقًا فَيُخَصَّصُ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ وَحُكَّامُ الْمَدِينَةِ قَضَوْا بِذَلِكَ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْضِيَةِ الْمُحْدَثَةِ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ مِنْ الْفُجُورِ، فَظَهَرَ قَوْلُ الشَّارِحِ وَأُكِّدَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ قَالَ عُمَرُ] هُوَ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ قَوْلًا وَفِعْلًا. [قَوْلُهُ: أَقْضِيَةٌ] جَمْعُ قَضَاءٍ. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا إلَخْ] يَعْنِي أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَدِّدَ أَحْكَامًا لَمْ تَكُنْ مَعْهُودَةً فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلًا بِقَدْرِ مَا يُحْدِثُهُ النَّاسُ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ الشَّرْعِ وَلَكِنْ لَوْ وَقَعَتْ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ لَحَكَمُوا فِيهَا بِذَلِكَ، نَحْوُ الْحَلِفِ عَلَى الْمُصْحَفِ أَوْ مَقَامِ وَلِيٍّ أَوْ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ فِيمَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا لَمْ يَسْتَنِدْ] أَيْ وَأَمَّا مَا اسْتَنَدَ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَلَا يُتْرَكُ، وَأَرَادَ بِالِاسْتِنَادِ الْقِيَاسَ مَثَلًا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْحَلِفِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْحَالِفِ يَنْزَجِرُ عَنْ الْحَلِفِ بِهِ كَاذِبًا، فَإِذَا فُقِدَ ذَلِكَ فِيهِ وَوُجِدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيُعْطَى حُكْمَهُ

(فِيمَا يَدَّعِي فِيهِ مَعْرِفَةً) أَيْ عِلْمًا بِصِفَةِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ وَقَدْرِهِ. ع: ظَاهِرُ قَوْلِهِ مَعْرِفَةً أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ لَا تَنْقَلِبُ إذَا ادَّعَى عَلَى سَارِقٍ وَأَبَى مِنْ الْيَمِينِ فَبِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ يَغْرَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ. ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا بِقَوْلِهِ: (وَالْيَمِينُ) فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا (بِاَللَّهِ) أَيْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ (الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ) وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ النَّاسِ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ، وَقِيلَ: لَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِيِّ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ بَلْ يَقُولُ: وَاَللَّهِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ الْآتِي وَمَا تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ أَنَّهُ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَقَطْ لَا يَزِدْ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ يَمِينٌ أَوْ نَمْنَعُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حَقٌّ. . ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ بِالْهَيْئَةِ وَالْمَكَانِ، أَمَّا الْهَيْئَةُ فَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَحْلِفُ قَائِمًا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقِيَامَ شَرْطٌ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَلَوْ حَلَفَ جَالِسًا لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَ) أَمَّا الْمَكَانُ فَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ يَحْلِفُ (عِنْدَ مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْدَعُ لِلْحَالِفِ وَأَرْجَى أَنْ يَرْجِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ عِلْمًا] بِأَنْ يَقُولَ: أَتَحَقَّقُ أَنَّ لِي عِنْدَك دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا وَهِيَ دَعْوَى التَّحْقِيقِ، إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّ الْعِلْمَ تَعَلَّقَ بِشَأْنِ الْمُدَّعَى فِيهِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ مُقَابَلَتَهُ بِيَمِينِ التُّهْمَةِ يَقْتَضِي أَنَّ مُتَعَلَّقَ الْعِلْمِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا قَرَّرْنَا. تَنْبِيهٌ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَعْرِفُهُ قَطْعًا إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عِلْمِهِ إنْ كَانَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ وَالْبَتِّ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ مُقَابِلُهُ أَنَّهَا تُرَدُّ. [قَوْلُهُ: أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ لَا تَنْقَلِبُ] كَأَنْ يَتَّهِمَ شَخْصًا بِسَرِقَةِ مَالٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ الطَّالِبُ بَلْ يَغْرَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِهِ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي دَعْوَى التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا] أَيْ الَّتِي تُطْلَبُ فِي الْحُقُوقِ احْتِرَازًا عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي تُكَفَّرُ فَإِنَّهَا أَعَمُّ إذْ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ، زَادَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ الَّتِي لَا يُوَجِّهُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ وَإِلَّا فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَيْ لَيْسَ لِخَصْمِهِ أَنْ يُحَلِّفَهُ. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ إلَخْ] إنَّمَا غَيَّرَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ الْعَوَامّ، وَحِينَئِذٍ فَالْبَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ أَيْ كَائِنَةٌ بِاَللَّهِ فَلَا يَدُلُّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهَا لِلْقَسَمِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَزِيدُ إلَخْ] وَلِذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِاَللَّهِ فَقَطْ أَوْ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا عَامٌّ إلَخْ] أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْكِتَابِيَّ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا يَقُولُ فِي يَمِينِهِ هَذَا اللَّفْظَ أَيْ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِيِّ] أَيْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَهُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّ الْيَهُودِيَّ كَالْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ يَقُولُ بِاَللَّهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ضَعِيفَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِتَعَدُّدِ الْآلِهَةِ إلَّا الثَّنَوِيَّةُ لَا الْوَثَنِيَّةُ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمَقَاصِدِ: أَجْمَعَ أَرْبَابُ النُّقُولِ عَلَى وَحْدَةِ الصَّانِعِ إلَّا الثَّنَوِيَّةَ لَا الْوَثَنِيَّةُ، فَلَيْسَ مَعَنَا مَنْ لَا يَقُولُ بِالتَّوْحِيدِ إلَّا الثَّنَوِيَّةُ فَقَطْ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِمَّنْ يَقُولُونَ بِالتَّوْحِيدِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ تَوْحِيدَهُمْ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى قَالَتْ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ] مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَا يُرَدُّ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ يَمِينٌ] أَيْ وَكَلَامُنَا فِي الْيَمِينِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ تَتَوَجَّهُ فِي كُلِّ مَالٍ وَلَوْ قَلِيلًا، وَأَمَّا تَغْلِيظُهَا أَيْ تَشْدِيدُهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ، أَيْ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عُرُوضٍ تُقَوَّمُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ. [قَوْلُهُ: فَلَوْ حَلَفَ جَالِسًا لَمْ يُجْزِهِ] حَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ التَّغْلِيظُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَوْ أَوْلَى، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ التَّغْلِيظِ هَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا، وَإِذَا حَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ هَلْ تُعَادُ أَمْ لَا، وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ هَلْ يُعَدُّ نَاكِلًا أَوْ لَا، فَعَلَى الْوُجُوبِ يَحْنَثُ وَتُعَادُ وَيُعَدُّ نَاكِلًا وَعَلَى عَدَمِهِ لَا وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ] أَيْ أَوْ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهَا لَا تُغَلَّظُ بِمِنْبَرٍ غَيْرِ مِنْبَرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لِلْحَقِّ (وَ) إنْ كَانَ (فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (يَحْلِفُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ (فِي الْجَامِعِ) الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ (وَ) يَكُونُ ذَلِكَ (بِمَوْضِعٍ يُعَظِّمُ مِنْهُ) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ. ق: فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ هُنَاكَ عُدَّ نُكُولًا مِنْهُ وَيَغْرَمُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ) كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا (بِاَللَّهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ مَا قَدَّمْنَا وَهُوَ أَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ حَقٍّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَامٌّ فِي الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ، وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ يَحْلِفُ كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ " الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى "، وَلَا عَلَى النَّصْرَانِيِّ " الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى "، وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ حَلَفَ (حَيْثُ يُعَظِّمُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ فَالْيَهُودِيُّ يَحْلِفُ فِي كَنِيسَتِهِ وَالنَّصْرَانِيُّ فِي بِيعَتِهِ وَالْمَجُوسِيُّ فِي بَيْتِ النَّارِ. (وَإِذَا وَجَدَ الطَّالِبُ) وَهُوَ الْمُدَّعِي (بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَ) الْحَالُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ (لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ (قُضِيَ لَهُ بِهَا) سَوَاءٌ كَانَتْ حَاضِرَةً أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تُبْرِئُ الذِّمَّةَ. وَإِنَّمَا شُرِعَتْ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ. ابْنُ الْمَاجِشُونَ: وَإِنَّمَا يُقْضَى لَهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ بِهَا (وَ) أَمَّا (إنْ) كَانَ (عَلِمَ بِهَا) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ (فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ، وَشَرَطَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْبَيِّنَةِ بِالتَّصْرِيحِ أَوْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْفَرْقُ خَبَرُ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمَةً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . وَرُبَّمَا أَفْهَمَ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ مِنْبَرُهُ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ عِنْدَ الْمُجَدَّدِ، وَهَلْ يَكُونُ بِمَوْضِعِ الْأَصْلِيِّ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ. [قَوْلُهُ: رَدْعًا] أَيْ يَكُونُ رَدْعًا. [قَوْلُهُ: فِي الْجَامِعِ] وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ مَسْجِدٌ وَلَوْ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ تت. [قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ الْكَافِرُ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ: الْكَافِرُ مُطْلَقًا يَحْلِفُ كَالْمُسْلِمِ، وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَقَطْ. وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْكِتَابِيَّ مُطْلَقًا كَالْمُسْلِمِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَالْمَجُوسِيُّ يَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ فَقَطْ. [قَوْلُهُ: حَيْثُ يُعَظِّمُ] أَيْ الْمَكَانُ الَّذِي يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ. [قَوْلُهُ: فَالْيَهُودِيُّ يَحْلِفُ فِي كَنِيسَتِهِ] فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْكَنِيسَةَ لِلنَّصْرَانِيِّ وَالْبِيعَةَ لِلْيَهُودِيِّ وَهُوَ أَقْرَبُ. تَنْبِيهٌ التَّغْلِيظُ يَكُونُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَلَا يَحْلِفُ إلَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَائِبَةً غَيْبَةً قَرِيبَةً] وَأَمَّا الْغَائِبَةُ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَحُكْمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَمْ يُعْلَمْ بِهَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ] أَيْ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِهِ أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ نَاسِيًا لَهَا أَيْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا أَيْ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا أَوْ أُعْلِمَ بِهَا، أَيْ أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ أَوْ أَنَّهَا مَاتَتْ، فَلَوْ حَلَّفَ الْقَاضِي مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ إذْنِ خَصْمِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا فَائِدَةَ فِيهَا وَلِلْخَصْمِ أَنْ يُعِيدَهَا ثَانِيَةً، وَلَوْ شَرَطَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي عَدَمَ قِيَامِهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي نَسِيَهَا وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ حَاضِرَةٌ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَحُكْمُ الْبَيِّنَةِ الْغَائِبَةِ غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْجُمُعَةِ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ. خَاتِمَةٌ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَعِنْدَ غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَكْتُبُ عِنْدَهُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ قَرَأَ عَلَيْهَا الشَّهَادَةَ وَفِيهَا أَسْمَاءُ الشُّهُودِ وَأَنْسَابُهُمْ وَمَسَاكِنُهُمْ، وَيَعْذِرُ إلَيْهِمْ فِي شَأْنِهِمْ، فَإِنْ ادَّعَى مَطْعَنًا فِيهِمْ أَمَرَهُ بِإِثْبَاتِهِ وَإِلَّا أَلْزَمَهُ الْقَضَاءَ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدُوا بِحَضْرَتِهِ فَلَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ حَاضِرَةً وَلَمْ يَتْرُكْهَا لِمَا ذُكِرَ أَيْ بِأَنْ ظَنَّ أَنَّهَا لَا تَشْهَدُ لَهُ فَلَهُ الْقِيَامُ.

[أحكام الشهادات]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الشَّهَادَاتِ وَهِيَ مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي مَوْضِعِ قَوْمٍ يَصْلُحُونَ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَهُوَ عَاصٍ وَيُجْبَرُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ. وَهِيَ عَلَى مَرَاتِبَ: الْأُولَى: بَيِّنَةُ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، الثَّانِيَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَيُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي الْأَمْوَالِ) وَمَا أَدَّى إلَى الْأَمْوَالِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الْخِيَارِ وَالْآخَرُ عَلَى الْبَتِّ، وَالثَّالِثَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْضَى بِذَلِكَ) أَيْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ حَدٍّ) وَإِنَّمَا يُقْضَى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ. مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا: وَمَنْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَأَنْكَرَتْ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَلَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ هُوَ كَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَأَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا تَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَإِذَا لَمْ تَحْلِفْ فَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ طُلِّقَ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِّ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رُدَّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (فِي دَمِ عَمْدٍ) أَيْ جِرَاحِ عَمْدٍ (أَوْ) قَتْلِ (نَفْسٍ) وَاحْتَرَزَ بِالْعَمْدِ مِنْ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمَالِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَحْكَام الشَّهَادَات] قَوْلُهُ: مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ] أَيْ مُفْرَدُ الشَّهَادَاتِ مَصْدَرُ شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ، فَعَلَيْهِ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِمُعَيَّنٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي مَوْضِعِ قَوْمٍ يَصْلُحُونَ لَهَا] تَحَمُّلًا أَوْ أَدَاءً فَيُطَالَبُونَ بِهَا عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ، فَمَنْ قَامَ بِهَا كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ اثْنَانِ لَكَانَتْ فِي حَقِّهِمَا فَرْضَ كِفَايَةٍ لِثُبُوتِ الْحَقِّ الْمَالِيِّ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الْمَالِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَاهِدَيْنِ فَتَكُونُ فِي حَقِّهِمَا فَرْضَ عَيْنٍ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ الْأَدَاءُ عُرْفًا إعْلَامُ الشَّاهِدِ الْحَاكِمَ بِشَهَادَتِهِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِمَا شَهِدَ بِهِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا عَلَى مَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى عَدَدِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَكِفَايَةً عَلَى مَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَيْهِ حَاضِرًا كَوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْأَمْوَالِ. وَقَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِمَا مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ يَسْجُنُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَضْرِبُهُ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ إلَخْ] فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مُدَّعِي الْخِيَارِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَعَبَّرَ بِمِثْلِ لَيَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَجِرَاحَاتُ الْخَطَأِ وَأَدَاءُ الْكِتَابَةِ. [قَوْلُهُ: فِي نِكَاحٍ] أَيْ ادَّعَى نِكَاحَهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا احْتِرَازًا عَنْ الدَّعْوَى عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ] فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِذَا وَفِي بَعْضِهَا بِإِنْ. [قَوْلُهُ: فَلَهَا رَدُّ الْيَمِينِ] مُفَادُهُ أَنَّهَا مُطَالَبَةٌ بِالْيَمِينِ إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْلِفْ لَهَا رَدُّ الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُطَالَبَةً بِالْيَمِينِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَحَيْثُ لَمْ تُطَالَبْ بِالْحَلِفِ فَيَحْلِفُ الزَّوْجُ فَإِنْ يَحْلِفْ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ أَيْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ رُدَّ إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَحَيْثُ لَمْ يُطَالَبْ بِالْحَلِفِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَإِنَّ السَّيِّدَ يَلْزَمُهُ يَمِينٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ وَإِنْ طَالَ حَبْسُهُ سَنَةً دُيِّنَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكَادُ يَخْفَى فَقِيَامُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ يَدُلُّ عَلَى الْكَذِبِ. [قَوْلُهُ: فِي دَمٍ عَمْدٍ] كَأَنْ يَدَّعِي شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ وَإِنَّمَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ: يُقْتَصُّ مِنْهُ بِالشَّاهِدِ وَالنُّكُولِ، وَقِيلَ: يُسْجَنُ فَإِنْ طَالَ سَجْنُهُ دُيِّنَ وَأُخْرِجَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِالشَّاهِدِ] وَمِثْلُهُ الْجُرْحُ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ

ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي دَمِ الْعَمْدِ وَالْقَتْلِ فَقَالَ: (إلَّا مَعَ الْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ) مُرَادُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْقَسَامَةِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لَا يُعْطِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي دَمِ عَمْدٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ عَمْدًا إلَّا مَعَ الْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ فَيُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ مَعَ الْقَسَامَةِ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي الْجِرَاحِ الْعَمْدِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَوْلُهُ: (وَقَدْ قِيلَ يُقْضَى بِذَلِكَ) أَيْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (فِي الْجِرَاحِ) يَعْنِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي تَمْرِيضِ الْمَشْهُورِ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ وَذَكَرَهُ لَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ) فِيمَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الرِّجَالِ (إلَّا فِي الْأَمْوَالِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْإِجَارَةِ (وَمِائَةُ امْرَأَةٍ كَامْرَأَتَيْنِ وَذَلِكَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ يُقْضَى بِذَلِكَ مَعَ رَجُلٍ أَوْ مَعَ الْيَمِينِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ) . وَالرَّابِعَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَقَطْ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ الْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ) وَهُوَ النُّطْقُ (وَشِبْهِهِ) مِثْلُ عُيُوبِ الْفَرْجِ أَوْ الْبَدَنِ (جَائِزَةٌ) وَلَا يُعَارَضُ هَذَا الْحَصْرُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا قَيَّدْنَا بِهِ كَلَامَهُ مِنْ قَوْلِنَا فِيمَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الرِّجَالِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقَالَ: (وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ) عَلَى خَصْمِهِ بِدُنْيَوِيٍّ لَهُ بَالٌ وَطَالَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا (وَلَا) شَهَادَةُ (ظَنِينٍ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَثْنَى إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي قَتْلِ النَّفْسِ إذْ لَا دَخْلَ لِقَوْلِهِ فِي دَمِ عَمْدٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ. [قَوْلُهُ: مُرَادُهُ أَنَّهُ يُقْضَى بِالْقَسَامَةِ] أَيْ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاهِدِ مَعَ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ زَائِدٍ عَلَى أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ فِي بَعْضِ أَمْثِلَةِ اللَّوْثِ كَالْعَدْلِ فَقَطْ فِي مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ عَلَى الْجُرْحِ لَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ الْوَلِيُّ لَقَدْ جَرَحَهُ وَلَمِنْ جَرْحِهِ مَاتَ، فَيَزِيدُ لَقَدْ جَرَحَهُ مَعَ كُلِّ يَمِينٍ لِيَكْمُلَ النِّصَابُ، وَتِلْكَ الصِّفَةُ اجْتَمَعَ فِيهَا الْيَمِينُ الْمُكَمِّلَةُ لِلنِّصَابِ وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ. [قَوْلُهُ: وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ] أَيْ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ وَلَا رِجَالٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَا أَزْيَدَ مِنْ امْرَأَتَيْنِ مِنْ النِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَطَّلِعُ] أَيْ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَوْ يَنْدُرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْوِلَادَةِ] ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ شَخْصُ الْجَسَدِ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. [قَوْلُهُ: جَائِزَةٌ] مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَلَا يَكْفِي الْوَاحِدَةُ مَعَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْوِلَادَةِ وَعَلَى الِاسْتِهْلَالِ أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَنْزِلُ مُسْتَهِلًّا عَامٌّ فِي الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَإِنَّمَا عُمِلَ بِشَهَادَتَيْنِ فِيهِ لِنُدُورِ اطِّلَاعِ الرِّجَالِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الرِّجَالِ لِذَلِكَ، وَفَائِدَةُ ثُبُوتِ الِاسْتِهْلَالِ وَعَدَمِهِ تَظْهَرُ فِي الْإِرْثِ لَهُ أَوْ مِنْهُ، وَأَمَّا عَيْبُ الْفَرْجِ وَالْحَيْضِ فَهُوَ فِي الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ تُصَدَّقُ فِي نَفْيِ دَاءِ فَرْجِهَا وَفِي حَيْضِهَا. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ شَرَفُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ فَإِذَا تَنَازَعَ بَائِعُ أَمَةٍ مَعَ مُشْتَرِيهَا فِي عَيْبٍ بِفَرْجِهَا نَظَرَهَا النِّسَاءُ، وَأَمَّا مَا كَانَ بِغَيْرِ الْفَرْجِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ فَيَنْظُرُهُ الرِّجَالُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَاخِلَ الثِّيَابِ وَخَارِجَ الْفَرْجِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ الْعِدْلَاتِ وَلَوْ فِي الْحَرَائِرِ. قَالَ تت: وَهَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِي كَوْنِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ مَعَ يَمِينِ الْقَائِمِ بِشَهَادَتِهِنَّ اهـ. وَعَلَيْهِ فَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ تُزَادُ عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: بِدُنْيَوِيٍّ] أَيْ خَصْمُهُ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ خَفِيفٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ طَالَتْ أَيْ أَوْ طَالَتْ فَحَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي صُورَتَيْنِ، أُولَاهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْخُصُومَةُ بِسَبَبٍ دُنْيَوِيٍّ غَيْرِ خَفِيفٍ، الثَّانِيَةُ: بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ خَفِيفٍ إلَّا أَنَّهُ طَالَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ اسْتَحْكَمَتْ، وَأَمَّا بِدِينِيٍّ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ أَوْ دُنْيَوِيٍّ خَفِيفٍ وَلَمْ تَطُلْ الْخُصُومَةُ فَتَجُوزُ. قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ فِي أَمْرٍ خَفِيفٍ وَلَا تُقْبَلُ فِي الْمُهَاجَرَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْعَدَاوَةِ الْبَيِّنَةِ اهـ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ.

وَقِيلَ: الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: (وَلَا يُقْبَلُ) يَعْنِي فِي الشَّهَادَةِ (إلَّا الْعُدُولُ) لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ. بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ أَنْ يَتَمَحَّضَ الرَّجُلُ لِلطَّاعَةِ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا مَعْصِيَةٌ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ الطَّاعَةُ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ وَأَغْلَبَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ فَهُوَ الْعَدْلُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا) مَثَلًا مَا لَمْ يَتُبْ، أَمَّا إنْ تَابَ فَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ (شَهَادَةُ عَبْدٍ) فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لَهَا. وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ وَمَنْ فِيهَا شَائِبَةٌ مِنْ شَوَائِبِ الْعِتْقِ (وَ) كَذَا (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (صَبِيٍّ) فِي حَالِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَإِنْ تَحَمَّلَهَا فِي الصِّبَا وَضَبَطَهَا وَأَدَّاهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ صِبَاهُ، وَسَيَنُصُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَمَا هُنَا مَخْصُوصٌ بِهِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (كَافِرٍ) فِيمَا شَهِدَ بِهِ فِي حَالِ كُفْرِهِ لَا عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ. وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ حَالَ كُفْرِهِ وَشَهِدَ بِهِ حَالَ إسْلَامِهِ فَيُقْبَلُ مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ (وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إلَّا فِي الزِّنَا) فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ (وَ) كَذَا غَيْرُ الزِّنَا إذَا تَابَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ يَسْتَمِرُّ الْمَنْعُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ الْعَدَاوَةِ، وَكَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَابْنِهِ، وَكَذَا ابْنُ الْعَدُوِّ لَا يَشْهَدُ عَلَى عَدُوِّ أَصْلِهِ وَلَوْ مَاتَ كَأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُورَثُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ] أَيْ بِارْتِكَابِهِ أَمْرًا لَا يَجُوزُ شَرْعًا، وَفَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَيْ الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ بِأَنَّهُ مَغْمُوسٌ فِي أَخْلَاقِهِ يُرَى مَعَ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُرَى مَعَ أَهْلِ الشَّرِّ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ] أَيْ بِالْمَيْلِ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَيْ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ الْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ، أَوْ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، أَوْ لِلسَّفِيهِ عَلَى الرَّشِيدِ لِاتِّهَامِ الْأَبِ عَلَى إبْقَاءِ الْمَالِ تَحْتَ يَدِهِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْعُدُولُ] جَمْعُ عَدْلٍ وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ السَّالِمُ مِنْ فِسْقٍ وَحَجْرِ سَفَهٍ وَبِدْعَةٍ وَإِنْ مَعَ تَأْوِيلٍ، فَالسَّفِيهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَكَذَلِكَ الْبِدْعِيُّ كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَالْخَارِجِيِّ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى تَأْوِيلِ أَحَدٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: الْعَدَالَةُ عِنْدَنَا حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ الْعَدْلِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصْمُ الْعَدَالَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَى أَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمَانِ بِشَهَادَةِ كَافِرٍ أَوْ مَسْخُوطٍ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: لَأَغْنَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ] الْغِنَى إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى تَفْسِيرِ الظِّنِّينَ بِالْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَغْلَبُهَا عَلَيْهِ] بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظٌ عَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ] أَقُولُ: التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِ الْكَبَائِرِ بِمُجْتَنِبٍ، وَفِي جَانِبِ الصَّغَائِرِ بِمُحَافِظٍ عَلَى تَرْكٍ لِلتَّفَنُّنِ، وَبَعْدَ هَذَا فَنَقُولُ: إنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَمْ تَشُبْ طَاعَتَهُ الْمَعَاصِي فَيَكُونُ عَيْنَ مَا نَفَاهُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ هَذَا حَالَ الْأَدَاءِ] ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ التَّحَمُّلُ مِنْ كُلِّ مُمَيِّزٍ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا الشَّهَادَةُ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ، وَالْمَشْهُودُ عَلَى خَطِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ الْأَدَاءِ عِنْدَ كِتَابَةِ خَطِّهِ. [قَوْلُهُ: الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا مَثَلًا] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ عَامٌّ فِي الْقَذْفِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ. زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَمِثْلُ الْمَحْدُودِ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْجِرَاحَاتِ أَيْ حُدَّ بِالْفِعْلِ، وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُحَدَّ أَيْ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَا فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَتُبْ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: مَرْتَبَةٌ عَظِيمَةٌ] فَهِيَ مِنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي إلْزَامِ الْغَيْرِ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَلَيْهِ، وَالنَّفْسُ تَأْنَفُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْ نَاقِصٍ وَأَمَّا مَا تَحَمَّلَهُ فِي حَالِ الرِّقِّ وَأَدَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ صِبَاهُ] أَيْ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إزَالَةِ النَّقْصِ الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِأَجْلِهِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّبَائِعِ الْبَشَرِيَّةِ فِي دَفْعِ الْمَعَرَّةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ. [قَوْلُهُ: مَخْصُوصٌ بِهِ] أَيْ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ بِسَبَبِهِ أَيْ فَيُقْصَرُ عَلَى مَا عَدَاهُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُرَدَّ فِي حَالِ كُفْرِهِ] أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا قُبِلَتْ إلَخْ] لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ مُجَرَّدَ حُصُولِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى صَلَاحِ حَالِ الْمَحْدُودِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ

(فِيمَا حُدَّ فِيهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ قَالَ: وَإِذَا تَابَ الْمَحْدُودُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيمَا حُدَّ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ (شَهَادَةُ الِابْنِ لِلْأَبَوَيْنِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: ذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ تَكُنْ تُهْمَةٌ كَمُوَالَاةِ الْأَبِ لِلِابْنِ بِالصِّلَةِ وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ (شَهَادَتُهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ (لَهُ) أَيْ لِلِابْنِ وَفِي حُكْمِهِمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (الزَّوْجِ لِلزَّوْجَةِ) (وَلَا) شَهَادَتُهَا (هِيَ لَهُ) فِي حَالِ الْعِصْمَةِ لِوُجُودِ التُّهْمَةِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالِ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا لَهُ بَعْدَ أَنَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا مَقْبُولَةٌ (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ الْعَدْلِ لِأَخِيهِ) فِي الْأَمْوَالِ، ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُبَرَّزًا أَمْ لَا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفَقَتُهُ أَوْ يَتَكَرَّرْ عَلَيْهِ مَعْرُوفُهُ، وَتَقْيِيدُنَا بِالْأَمْوَالِ احْتِرَازًا مِنْ شَهَادَتِهِ فِيمَا تُدْرِكُهُ فِيهِ الْحَمِيَّةُ أَوْ دَفْعُ مَعَرَّةٍ مَثَلًا فَلَا تَجُوزُ (وَلَا) تَجُوزُ (شَهَادَةُ مُجَرَّبٍ فِي كَذِبٍ) حَرَامٍ (أَوْ مُظْهِرٍ لِكَبِيرَةٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُكَرِّرُ لَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَالْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ لَا أَثَرَ لَهَا، وَقَيَّدْنَا بِالْحَرَامِ احْتِرَازًا مِنْ الْكَذِبِ الْجَائِزِ كَالْكَذِبِ لِلصُّلْحِ بَيْنَ الْمُتَهَاجِرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِمُدَّةٍ خِلَافًا لِمَنْ حَدَّهُ بِسَنَةٍ أَوْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا حُدَّ فِيهِ] أَيْ بِالْفِعْلِ وَلَوْ صَارَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ أَحْسَنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى التَّأَسِّي بِإِثْبَاتِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي صِفَتِهِ، وَقَيَّدْنَا بِالْفِعْلِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا عُفِيَ عَنْهُ فَشَهِدَ فِي مِثْلِهِ فَتُقْبَلُ، وَاشْتِرَاطُ الْحَدِّ بِالْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ. وَأَمَّا فِي قَتْلِ غَيْرِهِ عَمْدًا وَعُفِيَ عَنْهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْقَتْلِ وَلَوْ حَسُنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهِ وَمِثْلُ الْحُدُودِ التَّعَازِيرُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ عُزِّرَ فِيمَا عُزِّرَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْتَنِدُ فِي حُكْمِهِ لِإِخْبَارِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ. تَنْبِيهٌ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ بِخِلَافِ الْكَافِرِ إذَا حُدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا غَيْرُ الزِّنَا إلَخْ] إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَيْسَ قَصْدُهُ خُصُوصَ الْمَحْدُودِ فِي الزِّنَا. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمَحْدُودُ مُطْلَقًا فِي زِنًا أَوْ غَيْرِهِ إذَا تَابَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيمَا حُدَّ فِيهِ، وَمُقَابِلُهُ مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا تَابَ تُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ فِيمَا حُدَّ فِيهِ. [قَوْلُهُ: لِلْأَبَوَيْنِ] وَإِنْ عَلَيَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ وَفِي حُكْمِهِمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْعَ لَا يَشْهَدُ لِأَصْلِهِ وَلَا الْأَصْلَ لِفَرْعِهِ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِلْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ أَوْ عَكْسُهُ فَيَجُوزُ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ لِأَحَدِ أَوْلَادِهِ عَلَى وَلَدِهِ الْآخَرِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَإِلَّا امْتَنَعَتْ كَمَا لَوْ شَهِدَ الْوَالِدُ لِلصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ لِلْبَارِّ عَلَى الْفَاسِقِ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ لِابْنِهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِابْنِهِ عَلَى ابْنِهِ لَانْبَغَى أَنْ لَا تَجُوزَ قَوْلًا وَاحِدًا. [قَوْلُهُ: بِالصِّلَةِ] أَيْ الْعَطِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا تَجُوزُ إلَخْ] وَكَمَا لَا يَشْهَدُ لِلزَّوْجَةِ لَا يَشْهَدُ لِأَبِيهَا وَلَا لِابْنِهَا، وَكَمَا لَا تَشْهَدُ الزَّوْجَةُ لِزَوْجِهَا لَا تَشْهَدُ لِأَبِيهِ وَلَا لِأُمِّهِ. [قَوْلُهُ: فِي حَالِ الْعِصْمَةِ] أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَتَدْخُلُ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا إلَخْ دَخَلَ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ. [قَوْلُهُ: مَقْبُولَةٌ] أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ قَالَهُ سَحْنُونٌ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَانَ مُبَرَّزًا أَمْ لَا] ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ التَّبَرُّزِ وَالْمُبَرَّزُ هُوَ مَنْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِي الْعَدَالَةِ. [قَوْلُهُ. وَتَقْيِيدُنَا بِالْأَمْوَالِ] وَمِثْلُ الْمَالِ الْجِرَاحُ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ. [قَوْلُهُ: فِيمَا تُدْرِكُهُ فِيهِ الْحَمِيَّةُ] أَيْ الْعَصَبِيَّةُ أَيْ كَأَنْ شَهِدَ بِأَنَّ فُلَانًا جَرَحَ أَخَاهُ أَوْ قَذَفَهُ؛ لِأَنَّهُ تُدْرِكُهُ الْحَمِيَّةُ وَيَصْدُقُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ دَفَعَ مَعَرَّةً، فَالظَّاهِرُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ. وَقَالَ مَثَلًا إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ يَكْتَسِبُ لِأَخِيهِ شَرَفًا أَوْ جَاهًا كَشَهَادَتِهِ لَهُ بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ بِنِكَاحِهَا شَرَفٌ أَوْ جَاهٌ لِكَوْنِهَا مِنْ ذَوِي الْقَدْرِ. [قَوْلُهُ: فَالْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ] أَيْ فِي

فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ. وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِ فَاعِلُهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مُظْهِرَ الصَّغِيرَةِ لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَطْفُهُ الْكَبَائِرَ عَلَى الْكَذِبِ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ مَا يُطْلَبُ فِي الشَّهَادَةِ، وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكَبِيرَةِ الْإِظْهَارَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ كَبِيرَةً مُسْتَتِرًا فَإِنَّهُ يَقْدَحُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (جَارٍّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا) مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ لِشَرِيكِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَأَمَّا شَهَادَتُهُ لَهُ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ فَجَائِزٌ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (دَافِعٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (ضَرَرًا) مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ بِدَيْنٍ فَشَهِدَ لَهُ هَذَا أَنَّهُ قَضَاهُ دَيْنَهُ فَهَذَا يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الْمُخَاصَمَةَ (وَ) كَذَا (لَا) تَجُوزُ شَهَادَةُ (وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ) هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَا جَارٍّ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ مَالًا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إنَّمَا كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَفْظُهَا وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَشَهَادَتُهُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ (وَلَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ النِّسَاءِ وَلَا تَجْرِيحُهُنَّ) لَا لِلرِّجَالِ وَلَا لِلنِّسَاءِ لِنَقْصِهِنَّ عَنْ رُتْبَةِ الرِّجَالِ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا بِهِ تَكُونُ التَّزْكِيَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا مَنْ يَقُولُ عَدْلٌ رِضًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَا يُجْزِئُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُخْتَصَرِ مَعَ قُيُودٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّنَةِ لَا أَثَرَ لَهَا مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي السَّنَةِ، وَالْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ صَغِيرَةٌ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا عَظِيمُ مَفْسَدَةٍ فَكَبِيرَةٌ وَلِذَلِكَ قَدَحَتْ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْكَذِبِ الْجَائِزِ] أَرَادَ بِهِ الْمَأْذُونَ فِيهِ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ حَيْثُ كَانَ وَسِيلَةً لِلْإِصْلَاحِ. [قَوْلُهُ: فَالْمُرَادُ بِهِ فَاعِلُهَا] أَيْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ لَا أَيْ تَلَبَّسَ بِهَا تَلَبُّسًا لَا تُعْرَفُ لَهُ بَعْدَهُ تَوْبَةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] بَلْ مُظْهِرُ الصَّغِيرَةِ كَمُظْهِرِ الْكَبِيرَةِ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يُبَاشِرَ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ وَأَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَنَظْرَةٍ لِأَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يَقْدَحُ إلَّا بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا، فَمَا يَقَعُ فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ صَغِيرَةُ خِسَّةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: لَا مَفْهُومَ لَهُ] قَدْ يُقَالُ: قَدْ أَجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِقَوْلِهِ: وَالْمُرَادُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ لِشَرِيكِهِ] صُورَتُهَا ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى آخَرَ بِمَالٍ، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ الْمُدَّعَى بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الشَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يَشْهَدَ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ نَفْعًا لِنَفْسِهِ، وَكَمَا إذَا شَهِدَ عَلَى مُوَرِّثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا أَوْ بِقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْحَالُ أَنَّهُ غَنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى قَتْلِهِ لِيَأْخُذَ مَالَهُ، وَلِذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَجَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ إلَخْ] أَيْ وَكَشَهَادَةِ بَعْضِ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ فَقِيرًا. [قَوْلُهُ: الْمُخَاصَمَةُ] أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ أَيْ بِحَيْثُ يُخَاصِمُنِي وَيُنَازِعُنِي فَيَقُولُ: إنِّي أُقَاسِمُك فِي مَالِ الْمَدِينِ أَوْ أَنَا أَسْتَقِلُّ بِهِ وَأَنْتَ لَيْسَ لَك دَيْنٌ. [قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنْ يُرِيدَ تَقْلِيلَ مَالِهِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ هَذِهِ تُهْمَةٌ بَعِيدَةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ النِّسَاءِ إلَخْ] أَيْ فِيمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ] بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ أَشْهَدُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَقَلَهُ الطِّخِّيخِيُّ عَنْ الْبِسَاطِيِّ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَدَمَ اشْتِرَاطِهِ. [قَوْلُهُ: مَعَ قُيُودٍ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُزَكِّي كَوْنُهُ مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ مَعْرُوفًا. لِلْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ غَرِيبًا فَلَا يُشْتَرَطُ فِي مُزَكِّيهِ كَوْنُهُ مَعْرُوفًا لِلْقَاضِي، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُزَكِّيَ مُزَكِّيهِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ، وَكَوْنُ الْمُزَكِّي فَطِنًا عَارِفًا بِتَصَنُّعَاتِ الشُّهُودِ، وَأَنْ يَكُونَ مُعْتَمِدًا فِي شَهَادَتِهِ عَلَى التَّزْكِيَةِ عَلَى طُولِ عِشْرَةٍ لِلْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَيُرْجَعُ فِي طُولِهَا لِلْعُرْفِ لَا عَلَى مُجَرَّدِ سَمَاعٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا مِنْ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُزَكِّي مِنْ أَهْلِ سُوقِ الْمُزَكَّى بِالْفَتْحِ وَمَحَلَّتِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ ذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُودِ مَنْ فِيهِ تِلْكَ الْأَوْصَافُ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ. فَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِ مُعَاشَرَةٍ وَلَا مُعَاشَرَةٍ قَصِيرَةٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَشَرْطُ التَّزْكِيَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ أَنْ

وَاخْتُلِفَ هَلْ اللَّفْظَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ: الْعَدَالَةُ فِي الْفِعْلِ وَالرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ فَطِنًا غَيْرَ مُغَفَّلٍ. وَالْعَدَالَةُ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُهُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى، وَقِيلَ: الرِّضَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَالْعَدَالَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّزْكِيَةِ (وَلَا فِي التَّجْرِيحِ وَاحِدٌ) إذَا زَكَّاهُ فِي الْعَلَانِيَةِ. وَأَمَّا فِي السِّرِّ فَيَجُوزُ فِيهِ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ) فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ (فِي الْجِرَاحِ) وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْقَتْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِ، وَفِي الْجِرَاحِ بِأَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا) ؛ لِأَنَّ تَفْرِقَتَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ، وَالْآخَرُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ أَيْضًا، ظَاهِرُهُ كَالْمُخْتَصَرِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَبِيرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَذْكُورَةٌ فِي الْأَصْلِ. ج: يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي الْمَأْتَمِ وَالْأَعْرَاسِ مَقْبُولَةٌ وَهُوَ أَحَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَسُوقِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى تَحْقِيقِ مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عُدُولٌ قُبِلَ غَيْرُهُمْ وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَشَدَّ بُرُوزًا مِنْهُمْ اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: الْعَدَالَةُ فِي الْفِعْلِ] أَيْ الْعَدَالَةُ تَكُونُ فِي الْفِعْلِ أَيْ بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرَائِضَ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا تَارِكًا لِلزِّنَا وَنَحْوِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ أَيْ الرِّضَا يَكُونُ فِي التَّحَمُّلِ. وَقَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ تَفْسِيرٌ لِلرِّضَا فِي التَّحَمُّلِ أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمَّا كَانَتْ تُؤَدِّي لِقَبُولِ التَّحَمُّلِ وَالرِّضَا بِهِ فُسِّرَتْ بِهِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مُغَفَّلٍ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: فَطِنًا أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَصَنُّعَاتُ الشُّهُودِ. قَالَ الْبِسَاطِيُّ: التَّغَفُّلُ عَدَمُ اسْتِحْضَارِ الْقُوَّةِ الْمُنَبِّهَةِ مَعَ وُجُودِهَا، فَالْبَلِيدُ لَا قُوَّةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَالْمُغَفَّلُ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] أَيْ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا فِي الْقَوْلِ وَقَوْلُهُ هَيْئَةٌ إلَخْ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَدَالَةَ عَلَى هَذَا وَصْفٌ وُجُودِيٌّ وَيَكُونُ تَعَلُّقُهَا بِالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: تَحْمِلُهُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالشَّهَادَةِ بِهَا بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ مُتَعَلِّقِهَا. وَقَوْلُهُ: تَحْمِلُهُ أَيْ تَكُونُ سَبَبًا عَادِيًّا لِمُلَازَمَتِهِ التَّقْوَى، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ نَقُولَ: الْمُرَادُ تَسْتَلْزِمُ عَقْلًا مُلَازَمَةَ التَّقْوَى اسْتِلْزَامَ الْجَوْهَرِ لِلْعَرَضِ، وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا أَوْ عَلَى بَابِهَا مُبَالَغَةٌ، وَالتَّقْوَى امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي. وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ إلَخْ مَصْدُوقُ مَا فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ الْمُعَامَلَةُ أَيْ الْمُعَامَلَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَالْمُعَامَلَةُ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ أَمَّا الثَّانِيَةُ فَكَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا ذُكِرَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَأَمَّا الْأَوْلَى فَكَالْبِيَاعَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ كَثُرَ أَيْ تَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي التَّزْكِيَةِ] أَيْ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي السِّرِّ فَيَجُوزُ فِيهِ وَاحِدٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي السِّرِّ أَيْضًا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعَدِّلَ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهُ وَلَا كُنْيَتَهُ الْمَشْهُورَ بِهَا وَلَا اللَّقَبَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ عَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ مَنْ يُجَرِّحُ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَيِّنَ سَبَبَ الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، فَرُبَّمَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مَا يَقْضِيهِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَرَّحَ شَاهِدًا فِي شَهَادَتِهِ فَسُئِلَ عَنْ سَبَبِهِ فَقَالَ: رَأَيْته يَبِيعُ وَلَا يُرَجِّحُ الْمِيزَانَ، فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَجْرِيحِ شَخْصٍ وَشَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فَإِنَّ شَاهِدَ الْجَرْحِ مُقَدَّمٌ عَلَى شَاهِدِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ يَحْكِي عَنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالْمُجَرِّحَ عَنْ الْبَاطِنِ. [قَوْلُهُ: فِي الْجِرَاحِ] مُتَعَلِّقٌ بِتَقْدِيرِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ يُلْجِئُ إلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى مِنْ أَوْ عَلَى بَابِهَا، وَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِ وَفِي إلَخْ] هَذَا يُفِيدُ وُقُوعَ خِلَافٍ فِي الْجِرَاحِ أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقُوا] فَإِنْ تَفَرَّقُوا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُمْ إلَّا إنْ شَهِدَ الْعُدُولُ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَذْكُورَةٌ] الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِمْ. الْخَامِسُ: أَنْ يَشْهَدُ مِنْهُمْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. السَّادِسُ: أَنْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ فِي الشَّهَادَةِ. السَّابِعُ: أَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا. الثَّامِنُ: أَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَلَا عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونُوا مُمَيِّزِينَ

قَوْلَيْ ابْنِ الْجَلَّابِ. قُلْت: شُهِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ، مُقَابِلُهُ أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الصِّبْيَانَ مَنْدُوبُونَ إلَى الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِأَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: بِعْتهَا بِدِينَارٍ وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْفِعْلِ. الْعَاشِرُ: أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بَيْنَهُمْ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتَهُمْ لِصَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ وَلَا الْعَكْسُ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَنْ تَكُونَ الشُّهُودُ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِمْ فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. الْمَازِرِيُّ: الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صِغَارٍ لَمْ تَكُنْ الشُّهُودُ فِي جُمْلَتِهِمْ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَحَاصِلُ الْفِقْهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصَّبِيِّ الشَّاهِدِ شُرُوطٌ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ لَا فِي مَالٍ، وَأَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا مُمَيِّزًا، وَأَنْ يَبْلُغَ عَشَرَ سِنِينَ أَوْ مَا قَرُبَ مِنْهَا، وَأَنْ يَكُونَ ذَكَرًا فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَإِنْ كَثُرْنَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّدًا وَأَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ أَنْفُسِهِمْ أَوْ بَيْنَ آبَائِهِمْ. وَاسْتَظْهَرُوا أَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَاوَةِ مَضَرَّةٌ دُنْيَوِيَّةٌ أَوْ دِينِيَّةٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ قَرِيبًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مَضَرَّةٌ فَيَشْمَلُ الْعَمَّ وَالْخَالَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَكِيدَةً كَمَا فِي الْبَالِغِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الشُّهُودِ خِلَافٌ بَلْ يَكُونُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ كَشَهَادَةِ وَاحِدٍ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ وَالْآخَرُ مِثْلُهُ وَأَمَّا لَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّ غَيْرَهُ قَتَلَ فَلَا تُقْبَلُ، وَأَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمْ فُرْقَةٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمْ مَظِنَّةُ تَعْلِيمِهِمْ مَا لَمْ تَشْهَدْ الْعُدُولُ عَلَيْهِمْ بِمَا شَهِدُوا بِهِ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ افْتِرَاقُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ لَا يَحْضُرَهُمْ بَالِغٌ وَقْتَ الْجَرْحِ أَوْ الْقَتْلِ فَإِنْ حَضَرَ وَقْتَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمْكَنَهُ تَعْلِيمُهُمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا سَقَطَتْ لِإِمْكَانِ تَعْلِيمِهِمْ هَذَا بِحَسَبِ ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى صُورَةٍ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَهِيَ مَا إذَا اتَّحَدَ الْكَبِيرُ وَكَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ وَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ لَا فِي جَرْحٍ، وَأَنْ لَا يَشْهَدَا عَلَى كَبِيرٍ وَلَا لِكَبِيرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَإِذَا شَهِدُوا وَهُمْ مُسْتَوْفُونَ لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِي حَالِ صِغَرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رُجُوعُهُمْ وَالْعِبْرَةُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا يُعْتَبَرُ تَجْرِيحُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ وَلَا تَجْرِيحُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ، وَأَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِبُلُوغِهِمْ وَعَدَلُوا لَقُبِلَ رُجُوعُهُمْ. وَفَائِدَةُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ الدِّيَةُ وَلَوْ ثَبَتَ الْقَتْلُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ إلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ. [قَوْلُهُ: فِي الْمَأْتَمِ] أَيْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ عَلَى بَعْضِهِنَّ فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِنَّ فِي مَأْتَمٍ أَوْ عُرْسٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمَأْتَمُ بِمِيمٍ وَهَمْزَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ عَلَى وَزْنِ مَفْعَلٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْعَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ مَكَان مِنْ أَتَمَ بِالْمَكَانِ يَأْتَمُّ أُتُومًا أَقَامَ، ثُمَّ تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ يَجْتَمِعْنَ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَالْعَامَّةُ تَخُصُّهُ بِالْمُصِيبَةِ، فَتَقُولُ: كُنَّا فِي مَأْتَمِ فُلَانٍ وَالْأَجْوَدُ فِي مَنَاحَتِهِ أَفَادَهُ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: مَنْدُوبُونَ] أَيْ مَطْلُوبُونَ إلَى الِاجْتِمَاعِ. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّسَاءِ أَيْ فَلَسْنَ مَنْدُوبَاتٍ إلَى الِاجْتِمَاعِ بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ اجْتِمَاعِهِنَّ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى مُحَرَّمٍ وَإِلَّا وَجَبَ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ] الْأَوْلَى عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ] تَثْنِيَةُ مُتَبَايِعٍ بِالْيَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ تَبَايَعَ وَالْمُرَادُ الْمُتَعَاقِدَانِ حَتَّى يَشْمَلَ الْمُتَكَارِيَيْنِ. [قَوْلُهُ: فِي قَدْرِ الثَّمَنِ] فِيهِ قُصُورٌ إذْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَشْمَلُ إذْ هُوَ حَذْفُ مُتَعَلِّقٍ اخْتَلَفَ فَشَمِلَ الِاخْتِلَافَ فِي جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ صِفَتِهِ أَوْ قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ أَوْ فِي قَدْرِ الرَّهْنِ أَوْ الْأَجَلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ كَبِعْت بِدَنَانِيرَ وَيَقُولُ الْآخَرُ بِطَعَامٍ أَوْ أَسْلَمْت فِي حِنْطَةٍ. وَقَالَ الْآخَرُ فِي حَدِيدٍ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي نَوْعِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ كَبِعْت بِذَهَبٍ. وَقَالَ الْآخَرُ: بِفِضَّةٍ أَوْ قَالَ: أَسْلَمْنَا فِي قَمْحٍ، وَقَالَ الْآخَرُ فِي شَعِيرٍ، فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ حُكِمَ بِهِ فَلَا يَقَعُ فَسْخٌ بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ بِهِ مَا دَامَ التَّنَازُعُ مَوْجُودًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُفْسَخُ بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى الْفَسْخِ. وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْفَسْخِ مُتَوَقِّفًا عَلَى

(اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ) أَوَّلًا اسْتِحْبَابًا فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا بِعْتهَا بِنِصْفِ دِينَارٍ وَلَقَدْ بِعْتهَا بِدِينَارٍ (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِهِ (يَأْخُذُ الْمُبْتَاعُ) السِّلْعَةَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ (أَوْ يَحْلِفُ) هُوَ أَيْ الْمُبْتَاعُ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ دَعْوَاهُ، فَيَقُولُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ: وَاَللَّهِ لَمْ أَشْتَرِهَا بِدِينَارٍ وَلَقَدْ اشْتَرَيْتهَا بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَيَبْرَأُ مِنْ لُزُومِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ السِّلْعَةَ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَحْلِفَ (وَيَبْرَأُ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَدَاعِيَانِ فِي شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمَا) كُلٌّ مِنْهُمَا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ وَلَا بِبَيِّنَةٍ، وَلَمْ يُنَازِعْهُمَا فِيهِ أَحَدٌ وَهُوَ مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكْتَسِبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (حَلَفَا وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمٍ أَنَّهُ إذَا رَضِيَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ بِمَا قَالَ الْآخَرُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا وُجِدَ شَبَهٌ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا، لَكِنْ يَرُدُّ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ مَعَ الْقِيَامِ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ مَعَ الْفَوَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْفَوَاتُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُقَوَّمًا أَوْ مِثْلِيًّا، وَقِيلَ فِي الْمِثْلِيِّ: يَلْزَمُ مِثْلُهُ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ بِيَمِينِهِ إنْ اُنْتُقِدَ وَإِنْ لَمْ يُنْتَقَدْ فَلِلْمُبْتَاعِ بِيَمِينِهِ. ابْنُ نَاجِي: هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ مَثَلًا بِثَمَانِيَةٍ، وَالْمُشْتَرِي بِأَرْبَعَةٍ، أَوْ الْمُثَمَّنِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: بَلْ هَذَا الثَّوْبَ وَهَذَا الْفَرَسَ بِعَشَرَةٍ، أَوْ فِي الْأَجَلِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك لِشَهْرٍ، وَالْمُشْتَرِي لِشَهْرَيْنِ، أَوْ فِي أَصْلِ الرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ أَوْ قَدْرِ الرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك بِرَهْنٍ أَوْ بِحَمِيلٍ، وَيَقُولُ الْمُشْتَرِي: بَلْ بِلَا رَهْنٍ وَلَا حَمِيلٍ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيُفَاسِخَانِ وَالْفَسْخُ بِالْحُكْمِ أَيْضًا لَا بِمُجَرَّدِ التَّحَالُفِ، وَمَحَلُّ الْفَسْخِ مَا لَمْ تَفُتْ السِّلْعَةُ وَإِلَّا فَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ حَيْثُ أَشْبَهَ الْبَائِعَ أَمْ لَا، فَإِنْ انْفَرَدَ الْبَائِعُ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا وَفُسِخَ وَرُدَّتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ يَوْمَ بَيْعِهَا، وَلَا يُرَاعَى شَبَهٌ مَعَ قِيَامِ الْمَبِيعِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ الرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ فَكَالْحُكْمِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ نَوْعِهِ كَمَا يَنْبَغِي. تَنْبِيهٌ حُكْمُ تَنَاكُلِهِمَا حُكْمُ حَلِفِهِمَا، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ إجْمَاعًا بِيَمِينِهِ. [قَوْلُهُ: اُسْتُحْلِفَ الْبَائِعُ أَوَّلًا اسْتِحْبَابًا] الْمَذْهَبُ وُجُوبُ تَبْدِئَةِ الْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: فَيَقُولُ] هَذَا فِي مِثَالِهِ الَّذِي فَرَضَهُ وَهُوَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ. [قَوْلُهُ: فَيَقُولُ إلَخْ] لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ بَيْعِهَا بِنِصْفِ دِينَارٍ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا بِدِينَارٍ. [قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَمْ أَشْتَرِهَا بِدِينَارٍ إلَخْ] لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الشِّرَاءِ بِدِينَارٍ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا بِنِصْفِ دِينَارٍ. [قَوْلُهُ: بِأَيْدِيهِمَا] فِيهِ قُصُورٌ أَيْ أَوْ لَا بُدَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يَدَّعِهِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُقَرَّ بِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْهُمَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِهِ لِوَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُهُ، وَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً وَهُوَ بِيَدِ ذَلِكَ الثَّالِثِ وَلَمْ يَدَّعِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِمَنْ يُقِرُّ الْحَائِزُ لَهُ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ لَا لِغَيْرِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ. وَأَمَّا إنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِإِقْرَارِهِ وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْحَائِزُ لِنَفْسِهِ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّهُ يَبْقَى بِيَدِهِ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ حَلِفٍ لِسُقُوطِ بَيِّنَتِهِمَا وَهُوَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ قَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ كَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُشْبِهُ أَنْ يَكْتَسِبَهُ دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ هَذَا ظَاهِرُهُ. قُلْت: وَالظَّاهِرُ بِيَمِينٍ وَقَوْلُهُ وَلَا بَيِّنَةٍ، وَأَمَّا لَوْ قَامَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنَازِعْهُمَا فِيهِ أَحَدٌ] وَأَمَّا لَوْ نَازَعَهُمَا ثَالِثٌ فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مُشَارِكًا لَهُمَا فِي كَوْنِهِ بِيَدِهِ كَمَا بِيَدِهِمَا فَإِنَّهُ كَهُمَا فَيُقْسَمُ بَيْنَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ حَلِفِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمَا فِي الْحَوْزِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُمَا يُقَدَّمَانِ عَلَيْهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا فَقَطْ وَلَا دَخْلَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مِمَّا يُشْبِهُ إلَخْ هَذَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلَمْ

يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ سَقَطَ حَقُّهُ لِلَّذِي حَلَفَ (وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ) وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا رَاجِحَةً عَلَى الْأُخْرَى بِالْأَعْدَلِيَّةِ (قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا) بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ أَقَامَهَا أَنَّهُ مَا بَاعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (فَإِنْ) لَمْ تُرَجَّحْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ (اسْتَوَيَا) فِيهِ (حَلَفَا وَكَانَ) الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ (بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: بِأَيْدِيهِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. ع: هُوَ لِمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً. وَقَالَ ك: هُوَ لِمَنْ بِيَدِهِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَشَهِدَ لِأَحَدِهِمَا بِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ أَيْضًا. (وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ أُغْرِمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ قَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ) ج: ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَعْتَرِفَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ أَمْ لَا، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ غُرِّمَ وَإِنْ قَالَ: اشْتَبَهَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ، وَتَبِعَ فِي هَذَا النَّقْلِ ابْنَ الْمَوَّازِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ يَغْرَمُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ وَالْعَمْدَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِهَا. [قَوْلُهُ: حَلَفَا وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا] وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا] يُشْعِرُ بِقِسْمَتِهِ نِصْفَيْنِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ كُلٌّ يَدَّعِي جَمِيعَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ جَمِيعَهُ وَالْآخَرُ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ كَالْعَوْلِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْكُلَّ وَالْآخَرُ النِّصْفَ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ عَنْ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَكَيْفِيَّةُ الْعَمَلِ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْكُلِّ قَدْرُ الْكَسْرِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيُزَادُ عَلَى الْكُلِّ النِّصْفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَيُنْسَبُ ذَلِكَ لِمَجْمُوعِ الْكُلِّ وَالْكَسْرُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ يَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُ مُدَّعِي النِّصْفِ الثُّلُثَ وَمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ] أَيْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمَا مَعًا أَيْ لَا بُدَّ لِوَاحِدٍ عَلَيْهِ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يَدَّعِهِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْهُمَا. وَأَمَّا لَوْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً وَتَسَاوَتَا وَهِيَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ ذَا الْيَدِ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ وَيَبْقَى الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ حَائِزِهِ وَيَحْلِفُ هَذَا إذَا لَمْ تُرَجَّحْ بَيِّنَةٌ مُقَابِلَ الْيَدِ، فَإِنْ رُجِّحَتْ بِأَيِّ مُرَجِّحٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِمُقَابِلِ الْيَدِ وَيَحْلِفُ وَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ. [قَوْلُهُ: قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا] وَكَمَا يُقْضَى بِأَعْدَلِهِمَا يُقْضَى بِالْمُؤَرَّخَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَبِالسَّابِقَةِ تَارِيخًا وَالنَّاقِلَةِ عَلَى الْمُسْتَصْحَبَةِ كَأَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ أَنْشَأَهَا وَلَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ، وَتَشْهَدُ أُخْرَى أَنَّ زَيْدًا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُقَدَّمُ النَّاقِلَةُ؛ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُخْرَى وَتُقَدَّمُ الْمُثْبِتَةُ عَلَى النَّافِيَةِ وَالدَّاخِلَةُ عَلَى الْخَارِجَةِ، وَالْمُرَادُ بِالدَّاخِلَةِ بَيِّنَةُ وَاضِعِ الْيَدِ وَالْخَارِجَةِ بَيِّنَةُ غَيْرِهِ كَمَا قَرَّرْنَا، وَمِنْ الْمُرَجَّحَاتِ تَعْيِينُ سَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَأَطْلَقَتْ الْأُخْرَى فَقَالَتْ: نَشْهَدُ أَنَّهُ مَلَكَهُ فَقَطْ رُجِّحَتْ الْأُولَى وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى شَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ] إنَّمَا لَزِمَهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ مَزِيدَ الْعَدَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ. [قَوْلُهُ: بَلْ اسْتَوَيَا] كَانَ الْوَاجِبُ اسْتَوَيَتَا أَيْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَدَالَةِ وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ عَدَدٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ك إلَخْ] لَيْسَ كَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ مُخَالِفًا لِكَلَامِ ابْنِ عُمَرَ، فَإِنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ فِي مَوْضُوعِ مَا إذَا أَقَامَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ بَيِّنَةً فِيمَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهُوَ لِمَنْ أَقَامَهَا سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْحَائِزُ أَوْ الْآخَرُ، وَكَلَامُ ك فِي مَوْضُوعِ مَا إذَا لَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَهُوَ لَهُ بِيَمِينِهِ كَمَا قَالَ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَهُ أَنَّهُ مِلْكٌ لَا حَوْزٌ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وَيَتَلَخَّصُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا تِسْعُ صُوَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إمَّا بِأَيْدِيهِمَا مَعًا أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُقِيمَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَوْ لَا يُقِيمُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ يُقِيمُهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ الْحُكْمِ] احْتِرَازًا عَنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا، وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْحُكْمِ غَرِمَ نِصْفَ الْحَقِّ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ نِصْفِهِ غَرِمَ رُبْعَهُ وَهَكَذَا. [قَوْلُهُ: أُغْرِمَ] أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ

[مسائل في الوكالة]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: (وَمَنْ قَالَ) لِمُوَكِّلِهِ (رَدَدْت لَك مَا وَكَّلْتنِي عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَيْعِهِ أَوْ) قَالَ لَهُ: (دَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ أَوْ) قَالَ الْمُودَعُ لِمَنْ اسْتَوْدَعَهُ شَيْئًا (رَدَدْت عَلَيْك وَدِيعَتَك أَوْ) قَالَ الْعَامِلُ لِمَنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا فَيَطْلُبُهُ فَيَقُولُ لَهُ: دَفَعْت إلَيْك (قِرَاضَك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ وَالْمُقَارَضِ. ك: يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مُؤْتَمَنُونَ فَلِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ، نَعَمْ لَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمْ شَيْئًا بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ فِي رَدِّهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ إلَيْهِ حِينَ اسْتَوْثَقَ مَنّهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ لَمْ يَأْتَمِنْهُ بِخِلَافِ مَا قُبِضَ عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ. ج: وَالْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ. وَأَمَّا إنْ كَانَتْ اتِّفَاقِيَّةً فَلَا. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي رُجُوعِهِ وَإِنَّمَا أُغْرِمَ لِاعْتِرَافِهِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَيَسْتَحِقُّ الرَّاجِعُ عَنْ شَهَادَتِهِ الْعُقُوبَةَ بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ تَابَ وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ عَلَى أَشْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يُنْقَضُ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ الزُّورَ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا رَجَعَا فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ قِيمَةَ الْمُعْتَقِ وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ دَخَلَ بِالزَّوْجَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ ضَمِنَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَيَضْمَنَانِ الدَّيْنَ وَيُضَمَّنَانِ الْعَقْلَ فِي الْقِصَاصِ فِي أَمْوَالِهِمَا. وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْهُمَا فِي الْعَمْدِ وَاسْتَقَرَّ بِهِ خَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا نَفْسًا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَإِنَّمَا غَرِمَا الدِّيَةَ وَإِنْ تَعَمَّدَا عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّعَمُّدِ لَا تَسْتَلْزِمُ الْعَقْلَ لِجَوَازِ الْعَفْوِ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا، فَاَلَّذِي أَوْجَبَ الْقَتْلَ إنَّمَا هُوَ الْحُكْمُ وَالرَّاجِحُ كَلَامُهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ رُجُوعُهُمَا عَنْ شَهَادَةِ الْقَتْلِ وَقَالَا غَلِطْنَا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا. تَنْبِيهٌ مَا تَقَرَّرَ إذَا كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَالِاسْتِيفَاءِ كَمَا قُلْنَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَنَقُولُ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ بِمَالٍ مَضَى اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِقِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَمْضِي كَمَا فِي الْحُكْمِ بِالْمَالِ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَمْضِي وَلَا يَسْتَوْفِي الدَّمَ لِحُرْمَتِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَرَجَعَ إلَى هَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَالْقِيَاسُ الْأَوَّلُ. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ مَا إذَا رَجَعَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ إتْلَافٌ كَمَا لَوْ رَجَعَا عَنْ طَلَاقِ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ عَنْ عِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ عَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ فَلَا غُرْمَ إذَا لَمْ يُفَوِّتَا عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَّا الِاسْتِمْتَاعَ وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ. [مَسَائِل فِي الْوَكَالَة] [قَوْلُهُ: عَلَى مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْوَكَالَةِ إلَخْ] هِيَ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ فَيَخْرُجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا عِبَادَةَ أَخْرَجَ مَا إذَا أَنَابَ غَيْرَهُ فِي الصَّلَاةِ بَدَلَهُ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ وَأَرْكَانُهَا الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ وَالْمُوَكَّلُ فِيهِ وَالصِّيغَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا الْمُوَكَّلُ فِيهِ فَهُوَ مَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ مِنْ عَقْدٍ وَفَسْخٍ وَقَبْضِ حَقٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ فَهِيَ كُلُّ مَا دَلَّ عُرْفًا عَلَى جَعْلِ التَّصَرُّفِ لِغَيْرِهِ مَعَ قَبُولِ الْمُفَوَّضِ لَهُ قِيلَ عَلَى الْفَوْرِ وَقِيلَ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعَادَةِ. [قَوْلُهُ: رَدَدْت لَك مَا وَكَّلْتنِي إلَخْ] مِثَالُهُ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى دَفْعِ دَيْنٍ لِزَيْدٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَرَدَّهُ لِمُوَكِّلِهِ فَنَازَعَهُ الْمُوَكِّلُ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى بَيْعِهِ أَيْ أَوْ قَالَ لِمَنْ وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ رَدَدْت إلَيْك مَا وَكَّلْتنِي عَلَى بَيْعِهِ لِتَعَذُّرِ بَيْعِهِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ قَالَ دَفَعْت أَيْ أَوْ قَالَ: بِعْته وَدَفَعْت إلَيْك ثَمَنَهُ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ مَعَ يَمِينِهِ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ مَاشٍ عَلَى مَا قَالَهُ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ، أَنَّهُ إذَا قَالَ فِيهَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَإِذَا قَالَ صُدِّقَ فَبِغَيْرِ يَمِينٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا إطْلَاقَ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ] هِيَ الَّتِي أَقَامَهَا خِيفَةَ دَعْوَى الرَّدِّ بِأَنْ يُشْهِدَهَا أَنَّهُ إذَا ادَّعَى رَدَّ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي قَوْلِهِ رَدَدْت مَا قَبَضْته مِنْ مُوَكِّلِي لَهُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ يُصَدَّقُ بِيَمِينٍ إذَا قَبَضَ ذَلِكَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَأَمَّا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ مِثْلُ الْوَدِيعَةِ

[أحكام الصلح]

كَعَبْدِ الْحَقِّ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ. (وَمَنْ قَالَ دَفَعْت إلَى فُلَانٍ كَمَا أَمَرْتنِي) مِثْلُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ إلَى مِسْكِينٍ (فَأَنْكَرَ فُلَانٌ) بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَا أَمَرَهُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ (فَعَلَى الدَّافِعِ الْبَيِّنَةُ) أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ (ضَمِنَ) إذَا أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَكَذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْأَيْتَامِ) وَهُوَ الْوَصِيُّ وَوَصِيُّهُ وَوَلِيُّ الْقَاضِي (الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ) إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ وَنَازَعُوهُ فِي مِقْدَارِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ (أَوْ) أَنَّهُ (دَفَعَ إلَيْهِمْ) أَمْوَالَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ وَقَيَّدْنَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ لِقَوْلِهِ: (وَإِنْ كَانُوا فِي حَضَانَتِهِ) وَنَازَعُوا (صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ فِيمَا يُشْبِهُ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تُدْرِكُهُ فِي الْإِشْهَادِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى مَا لَا يُشْبِهُ لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ كَذَلِكَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصُّلْحِ فَقَالَ: (وَالصُّلْحُ) وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ (جَائِزٌ إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» . مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى دَارٍ ادَّعَاهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَمِثَالُ الثَّانِي: أَنْ يُصَالِحَ عَلَى سِلْعَةٍ بِثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْبَسَهَا آخِذُهَا أَوْ لَا يَبِيعَهَا (وَيَجُوزُ) الصُّلْحُ (عَلَى الْإِقْرَارِ) اتِّفَاقًا (وَ) عَلَى (الْإِنْكَارِ) عَلَى الْمَشْهُورِ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا مَثَلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ. [قَوْلُهُ: قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَعَبْدِ الْحَقِّ] وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: فَأَنْكَرَ] مَفْهُومُهُ لَوْ اعْتَرَفَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَلَكِنْ ادَّعَى أَنَّهُ ضَاعَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمُصِيبَةُ الْمَالِ لِمَنْ هُوَ لَهُ. [قَوْلُهُ: إذَا أَمَرَهُ بِالْإِشْهَادِ إلَخْ] كَانَ الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا إلَيْهِ أَمْ لَا، كَانَتْ الْعَادَةُ الْإِشْهَادَ أَمْ لَا، وَمَحَلُّ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ الدَّفْعُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمُوَكِّلِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ وَلَوْ جَرَى عُرْفٌ بِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَهِيَ تُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: وَوَلِيُّ الْقَاضِي] أَيْ مَا قَدَّمَهُ الْقَاضِي. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُونُوا فِي حَضَانَتِهِ] كَأَنْ كَانَ يُنْفِقُ مُسَانَاةً أَوْ مُشَاهَرَةً. [قَوْلُهُ: وَنَازَعُوهُ فِي مِقْدَارِ مَا أَنْفَقَ] أَيْ أَوْ أَصْلُ الْإِنْفَاقِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ وَرُشْدِهِمْ] وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ زَمَنَ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ لَا يُصَدَّقُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الدَّفْعِ حَيْثُ أَتْلَفُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ رُشْدِهِمْ سِوَى النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ قَامُوا بَعْدَ طُولٍ مِنْ رُشْدِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: صُدِّقَ فِي النَّفَقَةِ] أَيْ فِي شَأْنِ النَّفَقَةِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا نَازَعُوهُ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ فِي قَدْرِ الْمُنْفَقِ، وَمِثْلُ كَوْنِهِمْ فِي حَضَانَتِهِ كَوْنُهُمْ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِمْ وَهِيَ فَقِيرَةٌ وَظَهَرَ أَثَرُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ. [قَوْلُهُ: مَعَ يَمِينِهِ] اُخْتُلِفَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْسُبَ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَيُسْقِطَ الزَّائِدَ، وَلَا يَحْلِفُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عِمْرَانَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَقَلُّ مَا حَسَبَ وَهُوَ قَوْلُ عِيَاضٍ قُلْت: وَهُوَ الظَّاهِرُ فَتَدَبَّرْ. [أَحْكَام الصُّلْح] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ إلَخْ] الصُّلْحُ انْتِقَالٌ عَنْ حَقٍّ أَوْ دَعْوَى بِعِوَضٍ لِرَفْعِ نِزَاعٍ أَوْ لِخَوْفِ وُقُوعِهِ. [قَوْلُهُ: جَائِزٌ] أَيْ جَوَازًا رَاجِحًا؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِلَفْظِ جَائِزٍ الْمُوهِمِ الْجَوَازَ الْمُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ لِأَجْلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا مَا جَرَّ إلَى حَرَامٍ. [قَوْلُهُ: أَحَلَّ حَرَامًا] أَيْ أَدَّى إلَى ارْتِكَابِ مُحَرَّمٍ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ] أَيْ وَكَالصُّلْحِ عَنْ الذَّهَبِ الْمُؤَجَّلِ بِالْوَرِقِ وَلَوْ عَلَى الْحُلُولِ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَلْبَسَهَا آخِذُهَا إلَخْ] الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَلْبَسَهُ أَيْ الثَّوْبَ، وَتَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِلسِّلْعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ بِكَوْنِهَا مِمَّا لَا يُلْبَسُ وَالْأَمْرُ سَهْلٌ. [قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِقْرَارِ] وَيَكُونُ تَارَةً بَيْعًا إنْ وَقَعَ عَلَى أَخْذِ غَيْرِ الْمُقَرِّ بِهِ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَرْضٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَيُصَالِحُ عَنْهُ بِدَرَاهِمَ، وَتَارَةً تَكُونُ إجَارَةً وَذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ ذَاتٌ مُعَيَّنَةٌ كَثَوْبٍ أَوْ عَبْدٍ فَيُصَالِحُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَنَافِعَ دَارٍ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ

فَيُنْكِرَ ثُمَّ يُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَا إقْرَارٍ. ك: هُوَ كَالْإِقْرَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ. ج: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَا أَعْرِفُهُ لَكِنَّهُ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فِي السُّكُوتِ هَلْ هُوَ كَالْإِقْرَارِ أَمْ لَا، وَلِلصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ شُرُوطٌ نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ التَّغْرِيرِ بِالزَّوْجَةِ فَقَالَ: (وَالْأَمَةُ) الْقِنُّ (الْغَارَّةُ) الَّتِي تَدْعُو رَجُلًا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مِائَةٌ فَصَالَحَهُ عَنْهَا بِخَمْسِينَ وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ إبْرَاءٌ، وَيَجُوزُ عَنْ الدَّيْنِ بِمَا يُبَاعُ بِهِ فَإِنْ كَانَ عَرْضًا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ وَلَوْ بِعَيْنٍ حَالَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا جَازَ الصُّلْحُ عَنْهُ بِعَرْضٍ حَالٍّ وَعَنْ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَعَكْسِهِ حَيْثُ حَلَّا وَعَجَّلَا الْمَصَالِحَ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ] خِلَافًا لِابْنِ الْجَهْمِ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَعِلَّتُهُ مَذْكُورَةٌ فِي ابْنِ نَاجِي. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَالِحُهُ] أَيْ يَجُوزُ لَهُ وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْجَوَازُ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَقْدِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ بِحَيْثُ يَحِلُّ تَنَاوُلُ مَا وَقَعَ بِهِ الصُّلْحُ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكِرَ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ. [قَوْلُهُ: مَا ذَكَرَهُ] أَيْ الْفَاكِهَانِيُّ. وَقَوْلُهُ: مِنْ الْخِلَافِ أَيْ الْمُشَارِ لَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: هُوَ كَالْإِقْرَارِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ، وَأَقُولُ يُبْحَثُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ كَالْإِقْرَارِ لَمَا اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُ الْإِنْكَارِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: نَقَلْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] هِيَ مَا أَفَادَهَا فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَعَلَى إنْكَارِ الْمُنْكِرِ، وَعَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَشَرَطَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ اشْتَرَطَ شَرْطًا وَاحِدًا وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ، فَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ وَطَعَامًا مِنْ بَيْعٍ فَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالطَّعَامِ وَأَنْكَرَ الدَّرَاهِمَ فَصَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ لِأَجَلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ اعْتَرَفَ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ وَصَالَحَهُ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَفَسْخِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَأَنْكَرَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَنْهَا بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي إذْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي دَنَانِيرِهِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ، وَجَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ إنَّمَا صَالَحَ عَلَى يَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمَا أَنْ يَجُوزَ عَلَى دَعْوَاهُمَا مَعًا. وَهَذَا لَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ، وَهَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَرَادِب مِنْ قَرْضٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ لَك عِنْدِي خَمْسَةٌ مِنْ سَلَمٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا مُعَجَّلَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْقَرْضِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَعَامَ السَّلَمِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَهَذَا أَيْضًا يُجِيزُهُ أَصْبَغُ وَيَمْنَعُهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ أَوْ عَلَى تَأْخِيرِ جَمِيعِهَا فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ: حَطَطْت وَأَخَّرْت وَأَنَا دَائِنٌ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقُولُ: افْتَدَيْت مِنْ يَمِينٍ وَجَبَتْ عَلَيَّ. وَظَاهِرُ الْحُكْمِ أَنَّ فِيهِ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، فَالسَّلَفُ هُوَ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ هِيَ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلِفِهِ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْمَالِ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِاشْتِرَاطِ الْجَوَازِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الشَّرْطَ وَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهِ عَلَى قَوْلِ أَصْبَغَ اهـ كَلَامُ التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: بِالزَّوْجَةِ] حَالٌ مِنْ التَّغْرِيرِ أَيْ حَالَ كَوْنِ التَّغْرِيرِ مُلْتَبِسًا بِالزَّوْجَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ الْقِنُّ] بَلْ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْقِنَّ وَالْمُكَاتَبَةَ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ وَلَدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ، وَقِيمَةُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ عَلَى الْغَرَرِ. أَمَّا الْأُولَى فَلِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ السَّيِّدِ فَيَكُونُ رَقِيقًا أَوْ بَعْدَهُ وَيَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَحُرٌّ أَوْ يَحْمِلُ بَعْضَهُ أَوَّلًا يَحْمِلُ مِنْهُ شَيْئًا فَيَرِقُّ مَا لَا يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْ بَعْضِهِ أَوْ كُلِّهِ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ سَيِّدُ أُمِّهِ قَبْلَهُ فَيَكُونَ حُرًّا أَوْ احْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ سَيِّدِ أُمِّهِ فَيَكُونَ رَقِيقًا وَيَغْرَمَ قِيمَةَ وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ عَلَى الْغَرَرِ لِذَلِكَ الْأَجَلِ أَيْ عَلَى أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَعْدَ

[مسائل من الاستحقاق]

يَتَزَوَّجَهَا مُخَبِّرَةً بِمَقَالِهَا أَوْ بِشَاهِدِ حَالِهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ ف (تَتَزَوَّجُهُ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ) ثُمَّ يَظْهَرُ خِلَافُهُ (فَلِسَيِّدِهَا أَخْذُهَا وَأَخْذُ قِيمَةِ الْوَلَدِ يَوْمَ الْحُكْمِ لَهُ) بِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ وَكَانَ الزَّوْجُ حُرًّا غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أَمَةٌ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي النِّكَاحِ أَمْ لَا. وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقُ الْمِثْلِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ فَلِذَلِكَ قَيَّدْنَا كَلَامَهُ بِقَوْلِنَا: وَكَانَ الزَّوْجُ حُرًّا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَخْذِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْحُكْمِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْوِلَادَةِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَوْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَهُ قِيمَتُهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ فَقَالَ: (وَمَنْ اسْتَحَقَّ أَمَةً) وَالْحَالُ أَنَّهَا (قَدْ وَلَدَتْ) مِنْ حُرٍّ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَجَلِ، وَوَلَدُ الْمُبَعَّضَةِ بِمَنْزِلَتِهَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ فَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْبَعْضِ الْقِنِّ. [قَوْلُهُ: الْغَارَّةُ] لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْغَارَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِقِيمَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْأَبِ كَانَ الْغَارُّ الْأَمَةَ أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ السَّيِّدَ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَنُفَصِّلُهُ فَنَقُولُ: فَإِذَا كَانَ الْغَارُّ أَجْنَبِيًّا وَتَوَلَّى الْعَقْدَ فَلِسَيِّدِهَا عَلَى الزَّوْجِ جَمِيعُ الْمُسَمَّى كَقِيمَةِ الْوَلَدِ ثُمَّ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالصَّدَاقِ لَا بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، أَيْ إذًا يُخْبِرُ أَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ خَاصٍّ وَإِنَّمَا تَوَلَّى عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِوِلَايَةِ الْإِسْلَامِ الْعَامَّةِ أَوْ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ، وَمِثْلُ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ غَيْرُ وَلِيٍّ عِلْمُ الزَّوْجِ بِذَلِكَ، وَقَوْلُنَا: وَتَوَلَّى الْعَقْدَ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا حَصَلَ مِنْهُ إخْبَارٌ فَقَطْ بِالْحُرِّيَّةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غُرُورٌ. قَوْلِي: لَمْ يُصَاحِبْ عَقْدًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْغَارُّ السَّيِّدَ فَحُكْمُهُ أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ كَغُرُورِهَا. [قَوْلُهُ: فَلِسَيِّدِهَا أَخْذُهَا] أَيْ إنْ أَرَادَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَغْرُورِ وَلَهُ إبْقَاؤُهَا زَوْجَةً إنْ أَذِنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ وَفِي اسْتِخْلَافِ رَجُلٍ يَعْقِدُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ إذْنٌ بِالنِّكَاحِ أَوْ أَذِنَ لَهَا وَلَمْ يَأْذَنْ فِي اسْتِخْلَافِ مَنْ يَعْقِدُ نِكَاحَهَا لَتَحَتَّمَ. [قَوْلُهُ: وَأَخْذُ قِيمَةِ الْوَلَدِ] أَيْ مِنْ أَبِيهِ دُونَ مَالِهِ لِتَخَلُّقِهِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ] أَيْ فَإِذَا كَانَ يُعْتَقُ عَلَى السَّيِّدِ فَإِنَّهُ لَا غَرَامَةَ عَلَى الْأَبِ الْمَغْرُورِ حِينَئِذٍ بِقِيمَةِ وَلَدِهِ كَمَا لَوْ غَرَّتْ الْوَلَدَ أَمَةُ أَبِيهِ أَوْ أَمَةُ جَدِّهِ مِنْ أَبٍ أَوْ أُمٍّ أَوْ أَمَةُ أُمِّهِ بِالْحُرِّيَّةِ فَتَزَوَّجَهَا ظَانًّا حُرِّيَّتَهَا وَأَوْلَدَهَا ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرِقِّهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ يُعْتَقُ عَلَى جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَلَا قِيمَةَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ عَالَمٍ بِأَنَّهَا أَمَةٌ] هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ الْغَارَّةُ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَذِنَ لَهَا السَّيِّدُ فِي النِّكَاحِ إلَخْ] يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا فَيَأْخُذُ السَّيِّدُ قِيمَةَ الْوَلَدِ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَقَلُّ] هَذَا إذَا فَارَقَهَا، وَأَمَّا إنْ أَمْسَكَهَا فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا لَهُ إمْسَاكُهَا بِشَرْطِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَعَدَمِ الطَّوْلِ وَإِذْنِ السَّيِّدِ لَهَا فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَإِذَا اخْتَارَ الْإِمْسَاكَ فَلِيَسْتَبْرِئهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ السَّابِقَ عَلَى الْإِجَازَةِ الْوَلَدُ فِيهِ حُرٌّ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْهَا رَقِيقٌ، وَأَمَّا إنْ أَذِنَ لَهَا فِي التَّزْوِيجِ دُونَ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنَّ نِكَاحَهَا يُفْسَخُ أَبَدًا وَيَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ. [قَوْلُهُ: وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ فَيَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِالْفَضْلِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ. تَنْبِيهٌ لَوْ حَصَلَ الْغُرُورُ مِنْ السَّيِّدِ وَمِمَّنْ تَوَلَّى الْعَقْدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَحُكْمِ غُرُورِ السَّيِّدِ. [قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] هَذَا إذَا مَاتَ الْوَلَدُ بِلَا سَبَبٍ، وَأَمَّا لَوْ قُتِلَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَى أَبِيهِ بِقِيمَتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَبَاهُ الْأَقَلُّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَتْلِ، وَالدِّيَةُ تَشْمَلُ الْخَطَأَ وَصُلْحَ الْعَمْدِ فَلَوْ اقْتَصَّ الْأَبُ أَوْ هَرَبَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْحُكْمِ بِالْقِيمَةِ. [مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ] الِاسْتِحْقَاقُ لُغَةً إضَافَةُ الشَّيْءِ لِمَنْ يَصْلُحُ بِهِ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ كَاسْتِحْقَاقِ هَذَا مِنْ الْوَقْفِ مَثَلًا بِوَصْفِ الْفَقْرِ وَشَرْعًا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ بِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ أَوْ حُرِّيَّةٍ كَذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَرَفْعُ الْمِلْكِ بِالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا لَا يُسَمَّى اسْتِحْقَاقًا؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ مِلْكٍ لَا

غَاصِبٍ سَوَاءٌ وَطِئَهَا بِمِلْكٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ مِنْ غَاصِبٍ لَمْ يُعْلَمْ بِغَصْبِهِ (فَلَهُ) أَيْ لِمُسْتَحِقِّ الْأَمَةِ (قِيمَتُهَا وَقِيمَةُ الْوَلَدِ) أَيْ أَخْذُ قِيمَتِهَا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَ الْحُكْمِ) وَيَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا ثَابِتَ النَّسَبِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يُقَوَّمُ بِهِ (وَقِيلَ يَأْخُذُهَا) أَيْ الْأَمَةَ (وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَقِيلَ لَهُ قِيمَتُهَا) أَيْ أَخْذُ قِيمَتِهَا (فَقَطْ) يَوْمَ وَطْئِهَا وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِمَالِكٍ وَبِالْأَخِيرِ أَفْتَى مَالِكٌ لَمَّا اُسْتُحِقَّتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الثَّمَنَ فَيَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ الَّذِي بَاعَهَا لَهُ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ لِلتَّخْيِيرِ لَا لِلتَّمْلِيكِ وَإِذَا اخْتَارَ الثَّمَنَ كَانَ كَالْمُقَرَّرِ لِبَيْعِ الْغَاصِبِ (وَ) أَمَّا (لَوْ كَانَتْ) الْأَمَةُ الْمُسْتَحِقَّةُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ (بِيَدِ غَاصِبٍ) عُلِمَ بِغَصْبِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (الْحَدُّ) ؛ لِأَنَّهُ زَانٍ (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْأَمَةِ (لِرَبِّهَا) إذَا كَانَ غَيْرَ أَبٍ، وَلَوْ قَالَ وَوَلَدُهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْأُنْثَى لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ بِهَا لَا بِهِ، وَحُكْمُ مَنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهِ كَحُكْمِ الْغَاصِبِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقَّةِ فَقَالَ: (وَمُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ) أَيْ وَمَنْ اسْتَحَقَّ أَرْضًا مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِغَاصِبٍ (بَعْدَ أَنْ عَمَرَتْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنْ الْعِمَارَةِ أَيْ بَعْدَ أَنْ تَصَرَّفَ فِيهَا بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِثُبُوتِ مِلْكٍ قَبْلَهُ كَمَا خَرَجَ الرَّفْعُ بِالْمَوْتِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ حُرِّيَّةٍ عَطْفٌ عَلَى مِلْكٍ لِتَدْخُلَ صُورَةُ الِاسْتِحْقَاقِ بِحُرِّيَّةٍ. [قَوْلُهُ: قَدْ وَلَدَتْ] أَفْهَمَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَلِدْ لَكَانَ لِمُسْتَحِقِّهَا أَخْذُهَا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مُشْتَرِيهَا فِي وَطْئِهَا وَلَوْ بِكْرًا وَافْتَضَّهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ حُرٍّ غَيْرِ غَاصِبٍ] أَيْ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ رِقٌّ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ، أَيْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ غَاصِبًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ مَوْهُوبًا، وَاحْتَرَزَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: مِنْ حُرٍّ عَمَّا إذَا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ يَدِ رَقِيقٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِسَيِّدِهَا بِأَخْذِهَا مَعَ وَلَدِهَا بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ زِنًا. [قَوْلُهُ: أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ] أَنْوَاعٌ لِلْمِلْكِ فَلَا وَجْهَ لِلْإِتْيَانِ بِأَوْ. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَاصِبٍ تُنَازَعُ فِيهِ هِبَةٌ وَمَا بَعْدَهَا إلَّا أَنَّ فِيهِ قُصُورًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا اشْتَرَيْت مِنْ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْلَمْ بِغَصْبِهِ أَيْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ. [قَوْلُهُ: وَقِيمَةُ الْوَلَدِ] فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ حَتْفَ أَنْفِهِ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ قُتِلَ عَمْدًا فَلَا شَيْءٌ فِيهِ عَلَى الْأَبِ إنْ اقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ أَوْ عَفَا عَنْهُ لَكِنْ لِلْمُسْتَحِقِّ فِي الْعَفْوِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَاتِلِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ، فَلَوْ قُتِلَ خَطَأً فَالدِّيَةُ مُنَجَّمَةٌ وَيَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْهَا قَدْرَ قِيمَتِهِ فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى الدِّيَةِ فَإِنَّ الْأَبَ يَغْرَمُ لِلسَّيِّدِ الدِّيَةَ، فَلَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ قَبْلَ قِيَامِ الْمُسْتَحِقِّ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ الَّذِي قَالَ فِيهِ يَأْخُذُ قِيمَتَهَا فَقَطْ إذَا وَجَدَهَا حَيَّةً اهـ. [قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ] أَيْ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْ الْأَمَةِ وَالْوَلَدِ وَلَا تَكُونُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ مِمَّنْ اسْتَحَقَّتْ مِنْ يَدِهِ، وَيَرْجِعُ مَنْ اسْتَحَقَّتْ مِنْهُ عَلَى بَائِعِهِ بِثَمَنِهِ سَوَاءٌ سَاوَى مَا غَرِمَهُ لِمُسْتَحِقِّهَا أَوْ نَقَصَ، وَأَمَّا لَوْ زَادَ الثَّمَنُ عَلَى الْقِيمَةِ لَرَجَعَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ عَلَى الْبَائِعِ بِقَدْرِ مَا أَخَذَهُ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ بِبَاقِي الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ. [قَوْلُهُ: لَمَّا اُسْتُحِقَّتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ] أَيْ مُحَمَّدٍ قِيلَ: كَانَ لِمَالِكٍ ابْنَانِ يَحْيَى وَمُحَمَّدٌ وَابْنَةٌ اسْمُهَا فَاطِمَةٌ زَوْجُ ابْنِ أُخْتِهِ، وَابْنُ عَمِّهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقِيلَ: كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ بَنِينَ يَحْيَى وَمُحَمَّدٌ وَحَمَّادٌ وَأُمُّ الْبَهَاءِ. [قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْأَوَّلِ] وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: عُلِمَ بِغَصْبِهِ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. [قَوْلُهُ: إذَا كَانَ غَيْرَ أَبٍ] أَيْ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ غَيْرَ أَبٍ أَيْ لِرَبِّهَا. [قَوْلُهُ: وَحُكْمُ مَنْ اشْتَرَاهَا إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مَثَلًا وَالْعَالِمُ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: كَحُكْمِ الْغَاصِبِ] أَيْ فِي قَطْعِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحْدَهُ حَيْثُ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِلْمِهِ قَبْلَ الْوَطْءِ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدُ إقْرَارٍ مِنْهُ بَعْدَ وَطْئِهَا أَنَّهُ وَطْئِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِغَصْبِهَا فَيُحَدُّ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْوَلَدِ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرِهِ] أَيْ كَوَارِثٍ وَمَوْهُوبٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِالْغَصْبِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْمِيمِ] أَيْ فَالْفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ مُسْنَدٌ لِتَاءِ

الْمُسْتَحِقَّ (يَدْفَعُ) لِمَنْ أَعْمَرَهَا (قِيمَةَ الْعِمَارَةِ قَائِمًا) وَيَأْخُذُ أَرْضَهُ بِمَا فِيهَا (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ مَا أَعْمَرَ فِيهَا (دَفَعَ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي) أَوْ مَنْ هُوَ فِي مَنْزِلَتِهِ (قِيمَةَ الْبُقْعَةِ بَرَاحًا) أَيْ لَا شَيْءَ فِيهَا (فَإِنْ أَبَى) الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ، وَفِي نُسْخَةٍ أَبَيَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ أَيْ الْمُسْتَحِقُّ وَالْمُشْتَرِي أَيْ أَبَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ دَفْعِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ (كَانَا شَرِيكَيْنِ بِقِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) فَالْمُسْتَحِقُّ بِقِيمَةِ أَرْضِهِ وَاَلَّذِي أَعْمَرَ بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبُقْعَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَةُ الْعِمَارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا يَوْمَ الْبِنَاءِ. وَقَيَّدْنَا بِمَنْ لَيْسَ بِغَاصِبٍ لِقَوْلِهِ: (وَالْغَاصِبُ) يُرِيدُ وَمَنْ وَصَلَتْ إلَيْهِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِغَصْبِهِ (يُؤْمَرُ بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَزَرْعِهِ وَشَجَرِهِ) مِنْ الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقَّةِ (وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ رَبُّهَا قِيمَةَ ذَلِكَ النُّقْضِ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ (وَقِيمَةَ الشَّجَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخَاطَبِ مَصْدُوقُهَا الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرُهُ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: قَائِمًا] أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ الْغَيْرِ الْمُغَيَّا إنْ كَانَ الْبَانِي مُشْتَرِيَهَا مَثَلًا، وَعَلَى التَّأْبِيدِ الْمُغَيَّا بِحَدٍّ إنْ كَانَ الْبَانِي مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا لِلْأَرْضِ وَحَصَلَ الِاسْتِحْقَاقُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. قَالَ تت: وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَنْفَقَ كَانَ الْبِنَاءُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا جَيِّدًا أَوْ رَدِيئًا. [قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي] أَيْ أَوْ كَانَ عَدِيمًا وَبَدَأَ بِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا إذْ الْأَرْضُ لَهُ وَانْتَقَلَ الْخِيَارُ لِلْبَانِي إذَا أَبَى الْمُسْتَحِقُّ لِيَزُولَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا وَكَانَا شَرِيكَيْنِ إذَا أَبَيَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ حَقٌّ، فَإِذَا قَالَ الْمَالِكُ مَا عِنْدِي مَا أُعْطِيهِ الْآنَ وَمَا أُرِيدُ إخْرَاجَهُ وَلَكِنْ يَسْكُنُ وَيَنْتَفِعُ حَتَّى يَرْزُقَنِي الْإِلَهُ مَا أُؤَدِّي مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَوْ رَضِيَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ كِرَاءِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا اسْتَحَقَّتْ بِمِلْكٍ، وَأَمَّا لَوْ اسْتَحَقَّتْ بِحَبْسٍ مِنْ يَدِ صَاحِبِ شُبْهَةٍ بَعْدَ أَنْ بَنَاهَا أَوْ غَرَسَهَا فَلَيْسَ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ إلَّا نَقْضُهُ أَوْ شَجَرُهُ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ قِيمَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الْوَقْفِ، وَلَيْسَ لَنَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ يُطَالِبُهُ الْبَانِي بِقِيمَةِ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ قَائِمًا كَانَ الْحَبْسُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ أَبَيَا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى إبَايَةِ الْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ إلَخْ] وَيُقَالُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَرَقَّعَهُ أَوْ سَفِينَةً خَرِبَةً وَأَصْلَحَهَا أَوْ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ. [قَوْلُهُ: يَوْمَ الْحُكْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ ج وَهُوَ الْأَقْرَبُ. [قَوْلُهُ: وَالْغَاصِبُ] أَيْ لِعَرْصَةٍ وَيَبْنِيهَا أَوْ يَغْرِسُهَا. [قَوْلُهُ: يُؤْمَرُ] بَنَى يُؤْمَرُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِفَاعِلِ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَالِكُ. [قَوْلُهُ: بِقَلْعِ بِنَائِهِ وَزَرْعِهِ وَشَجَرِهِ] أَيْ إذَا كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ الزَّرْعِ الْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إنْ فَاتَ وَقْتُ الزَّرْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُزْرَعُ مِنْهَا فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ كِرَاءُ تِلْكَ السَّنَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أَوْ الشَّجَرِ فَإِنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ يَأْخُذُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا زُرِعَتْ الْأَرْضُ وَاسْتَحَقَّهَا صَاحِبُهَا مِنْ يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ أَخَذَهُ مَالِكُ الْأَرْضِ بِلَا شَيْءٍ وَإِلَّا فَلَهُ قَلْعُهُ وَلَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إبْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ عَلَى التَّبْقِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَخْذِهِ مَجَّانًا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فِي هَذَا الْقِسْمِ الثَّانِي يُعَدُّ بَائِعًا لَهُ. هَذَا إذَا لَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا يُرَادُ لَهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ إلَّا كِرَاءُ السَّنَةِ. وَأَمَّا مَنْ اسْتَحَقَّهَا مِنْ ذِي الشُّبْهَةِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ السَّنَةِ حَيْثُ كَانَ الْإِبَّانُ بَاقِيًا فَلَوْ فَاتَ الْإِبَّانُ فَلَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ كِرَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشُّبْهَةِ يَفُوزُ بِالْغَلَّةِ. تَنْبِيهٌ وَكَمَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ يُؤْمَرُ بِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ.

مُقْلَعًا) أَيْ مَقْلُوعًا فَيُعْتَبَرُ الشَّجَرُ حَطَبًا وَالْبِنَاءُ أَنْقَاضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، وَإِنْ أَعْطَاهُ رَبُّهَا قِيمَةَ نَقْضِهِ وَشَجَرِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ (بَعْدَ قِيمَةِ أَجْرِ مَنْ يَقْلَعُ ذَلِكَ) صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ ذَلِكَ مَقْلُوعًا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ أَجْرِ مَنْ يَقْلَعُهُ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ. مَا ذُكِرَ مِنْ إسْقَاطِ مِقْدَارِ الْقَلْعِ مِنْ الْقِيمَةِ مِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَعْبَانَ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِمَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِعَبْدِهِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِلْغَاصِبِ (فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ) كَالْجَصِّ وَالنَّقْشِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ فَقَالَ: (وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ الْغَلَّةَ) سَوَاءٌ كَانَ الْمَغْصُوبُ دَارًا أَوْ شَاةً أَوْ غَيْرَهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» (وَلَا يَرُدُّهَا غَيْرُ الْغَاصِبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَلَمَّا كَانَ الْوَلَدُ لَيْسَ بِغَلَّةٍ وَخُشِيَ تَوَهُّمُ دُخُولِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَالْوَلَدُ فِي الْحَيَوَانِ) غَيْرِ الْآدَمِيِّ (وَفِي الْأَمَةِ إذَا كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ) الْحُرِّ (يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُمَّهَاتِ مِنْ يَدِ مُبْتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْوَلَدِ حُكْمُ الْأُمِّ فِي كَوْنِهِ مِلْكًا لِمَنْ هِيَ لَهُ مِلْكٌ، وَاحْتَرَزَ بِغَيْرِ السَّيِّدِ مِمَّا لَوْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ، وَقَيَّدْنَا السَّيِّدَ بِالْحُرِّ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ السَّيِّدُ عَبْدًا فَإِنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ يَأْخُذُهُ وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ غَصَبَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ وَعَلَيْهِ الْحَدُّ) تَكْرَارٌ. (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ) بَيْتٌ وَلِآخَرَ (غُرْفَةٌ) عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: النُّقْضِ بِضَمِّ النُّونِ] وَعِبَارَةٌ أُخْرَى بِكَسْرِ النُّونِ كَالزَّرْعِ بِمَعْنَى الْمَزْرُوعِ [قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ الشَّجَرُ حَطَبًا] وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الشَّجَرِ يَنْبُتُ بَعْدَ قَلْعِهِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ [قَوْلُهُ: مَنْ يَقْلَعُ ذَلِكَ] أَيْ أَوْ يَهْدِمُ الْبِنَاءَ [قَوْلُهُ: مِثْلُهُ لِابْنِ الْمَوَّازِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْهُ أُجْرَةُ الْقَلْعِ وَيُؤَوَّلُ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ شَعْبَانَ. وَقَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: كَالْجَصِّ وَالنَّقْشِ] أَيْ أَوْ الزَّرْعِ أَوْ الشَّجَرِ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَدَّ الِانْتِفَاعِ أَوْ الْبِنَاءِ الْكَائِنِ بِالطُّوبِ النِّيءِ، وَسَكَتَ عَنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ قَبْلَ الظَّفَرِ بِالْغَاصِبِ، وَنَقُولُ: إذَا غَصَبَ الدَّارَ فَسَكَنَهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَ الدَّارَ فَأَغْلَقَهَا أَوْ الْأَرْضَ فَبَوَّرَهَا فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَدِي وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَخْذَ الْمَنْفَعَةِ دُونَ تَمْلِكْ الذَّاتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ وَلَوْ عَطَّلَ. [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ الْغَاصِبُ] وَمِثْلُهُ اللِّصُّ وَالْخَائِنُ وَالْمُخْتَلِسُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيمَا اغْتَلَّهُ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَعُلِمَ الْكُمُّ وَإِنْ جُهِلَتْ الْكَمِّيَّةُ أَوْ كَانَتْ مُقَوَّمَةً فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا هَذَا فِيمَا نَشَأَ عَنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ كَثَمَرِ الشَّجَرِ وَصُوفِ الْغَنَمِ وَلَبَنِ الْبَقَرِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْعَبْدِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا لَمْ تَفُتْ الذَّاتُ الْمَغْصُوبَةُ وَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَتُهَا وَإِلَّا فَلَا غَلَّةَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الِاسْتِيلَاءِ فَقَدْ كَشَفَ الْغَيْبُ أَنَّهُ اسْتَغَلَّ مِلْكَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرُدُّهَا غَيْرُ الْغَاصِبِ] وَهُوَ صَاحِبُ الشُّبْهَةِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا مِنْ الْغَاصِبِ حَيْثُ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، وَمِثْلُهُ مَوْهُوبُ غَيْرِ الْعَالِمِ وَمَجْهُولُ الْحَالِ أَيْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُ غَاصِبٍ، وَهَلْ وَاهِبُهُ غَاصِبٌ فَالْغَلَّةُ لِهَؤُلَاءِ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ بِالشَّيْءِ لِمُسْتَحِقِّهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ الْحُرِّ] أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ الْحُرِّ أَيْ بِأَنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا أَوْ مِنْ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ الرَّقِيقِ، وَقَوْلُهُ: يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَلَّةٍ. [قَوْلُهُ: مِمَّا لَوْ كَانَ مِنْ السَّيِّدِ] فَالْمُرَادُ بِالسَّيِّدِ الْحَائِزُ لَهَا أَيْ إذَا كَانَ مِنْ السَّيِّدِ الْمُقَيَّدِ بِكَوْنِهِ حُرًّا فَهُوَ حُرٌّ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَحِقِّ إلَّا قِيمَتُهُ مَعَ قِيمَةِ أُمِّهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ قَيَّدَ السَّيِّدَ بِالْحُرِّ فَيَكُونُ مِنْ مَنْطُوقِ الْمُصَنِّفِ السَّيِّدُ الْعَبْدُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ غَصَبَ أَمَةً] أَرَادَ بِالْغَصْبِ الْقَهْرَ عَلَى الْوَطْءِ وَلَوْ لَمْ

(وَضَعُفَ السُّفْلُ) وَخَافَ عَلَيْهِ الْهَدْمَ (فَإِصْلَاحُ السُّفْلِ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ) لِيَتَمَكَّنَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ (وَ) كَذَلِكَ (الْخَشَبُ لِحَمْلِ السَّقْفِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ؛ لِأَنَّ السَّقْفَ مُضَافٌ لِلْبَيْتِ (وَ) كَذَلِكَ (تَعْلِيقُ الْغُرَفِ) أَيْ تَدْعِيمُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ (إذَا وَهِيَ) أَيْ ضَعُفَ (السُّفْلُ) وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: (وَهُدِمَ) بِمَعْنَى أَوْ أَيْ أَوْ هُدِمَ، قِيلَ: مَعْنَاهُ قَارَبَ أَنْ يَنْهَدِمَ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى بَابِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَوْلُهُ: (حَتَّى يُصْلَحَ) غَايَةٌ لِتَعْلِيقِ الْغُرَفِ (وَيُجْبَرُ) صَاحِبُ السُّفْلِ (عَلَى أَنْ يُصْلِحَ) سُفْلَهُ (أَوْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يُصْلِحُهُ) . وَقَوْلُهُ: ( «وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهُوَ لَفْظُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَتَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ وَهُوَ (فَلَا يَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) وَاللَّفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى جِهَةِ التَّأْكِيدِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَضُرُّ لَا تُضَرُّ، وَقِيلَ: بِمَعْنَيَيْنِ فَمَعْنَى «لَا ضَرَرَ» وَلَا تَضُرُّ مَنْ لَمْ يَضُرَّك وَمَعْنَى «لَا ضِرَارَ» لَا تَضُرُّ مَنْ أَضَرَّك ثُمَّ مَثَّلَ لِمَا يَضُرُّ بِالْجَارِ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: (مِنْ فَتْحِ كُوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ الطَّاقَةُ وَوَصَفَهَا بِقَوْلِهِ: (قَرِيبَةً يَكْشِفُ جَارَهُ مِنْهَا) بِحَيْثُ يُمَيِّزُ الذُّكُورَ مِنْ الْإِنَاثِ وَتُسَدُّ بِالْبِنَاءِ بَعْدَ هَدْمِ عَتَبَتِهَا فَلَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً لَا يُوصَلُ إلَى الْكَشْفِ مِنْهَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَمْ يُؤْمَرْ بِغَلْقِهَا. ثَانِيهَا قَوْلُهُ: (أَوْ فَتْحِ بَابٍ قُبَالَةَ بَابِهِ) ظَاهِرُهُ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونَ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ نَصُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْصِدْ تَمَلُّكَ ذَاتِهَا [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْحَدُّ] وَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ نَقْصِهَا بِوَطْئِهِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْخَشَبُ لِحَمْلِ السَّقْفِ عَلَيْهِ] قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ السَّقْفَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْأَسْفَلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ لَازِمٌ لَهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْأَسْفَلِ مَعَ صَاحِبِ الْأَعْلَى فِي السَّقْفِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ بِخِلَافِ الْبَلَاطِ الْكَائِنِ فَوْقَ السَّقْفِ فَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ السُّفْلَ شَامِلٌ لِلسَّقْفِ وَمَا تَحْتَهُ فَالْمُوجِبُ لِحَمْلِهِ هَذَا الْمُوهِمَ الْمُوَافَقَةُ لِعِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ قَالَتْ: وَمَا رَثَّ مِنْ خَشَبِ الْعُلُوِّ الَّذِي هُوَ أَرْضُ الْغُرَفِ وَالسَّطْحِ فَإِصْلَاحُهُ عَلَى رَبِّ الْأَسْفَلِ وَلَهُ مِلْكُهُ كَمَا عَلَيْهِ إصْلَاحُ مَا وَهِيَ مِنْ جُدْرَانِ الْأَسْفَلِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ قَارَبَ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَلَى حَالِهَا وَأَنَّ الْعَطْفَ لِلتَّفْسِيرِ، وَاَلَّذِي يُنَاسِبُ كَوْنَ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ كَوْنُ هُدِمَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُصْلَحَ] أَيْ الْوَاهِي أَوْ يُعِيدُ الْمُنْهَدِمَ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمِلْكِ وَالْوَقْفِ لِتَنَزُّلِ نَاظِرِ الْوَقْفِ مَنْزِلَةَ الْمَالِكِ، فَإِذَا كَانَ الْأَعْلَى مَمْلُوكًا وَالْأَسْفَلُ مَوْقُوفًا لَزِمَ النَّاظِرَ إصْلَاحُ الْأَسْفَلِ لِحِفْظِ الْأَعْلَى. [قَوْلُهُ: وَيُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ إلَخْ] الْمُرَادُ بِالسُّفْلِ مَا نَزَلَ عَنْ غَيْرِهِ لِيَشْمَلَ الْأَوْسَطَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فَوْقَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَبِيعُهُ مِمَّنْ يُصْلِحُهُ] فَإِذَا بَاعَهُ لِشَخْصٍ وَامْتَنَعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْإِصْلَاحِ أَوْ بِبَيْعٍ مِمَّنْ يُصْلِحُ وَهَكَذَا. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى «لَا ضَرَرَ» لَا تَضُرَّ مَنْ أَضَرَّك] أَيْ لَا تَفْعَلْ مَعَهُ زِيَادَةً عَلَى مَا فَعَلَ مَعَك فَتُعَدُّ ضَارًّا، وَأَمَّا مِثْلُ فِعْلِهِ أَوْ أَنْقَصُ مِنْهُ فَجَائِزٌ قَالَ تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَأَمَّا الْأَكَابِرُ الْكُمَّلُ فَيُقَابِلُونَ الْإِسَاءَةَ بِالْمَعْرُوفِ [قَوْلُهُ: فَتْحِ إلَخْ] أَفْهَمَ أَنَّ الْكُوَّةَ السَّابِقَةَ عَلَى بَيْتِ الْجَارِ لَا يُقْضَى بِسَدِّهَا وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّطَلُّعِ عَلَى الْجَارِ مِنْهَا، وَالْمُتَنَازَعُ فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ يُحْمَلُ عَلَى الْحُدُوثِ فَيُقْضَى بِسَدِّهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ الضَّمُّ وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ تُشْعِرُ بِتَسَاوِيهِمَا بَلْ قُدِّمَ الضَّمُّ فَقَالَ: وَالْكُوَّةُ تُضَمُّ وَتُفْتَحُ الثُّقْبَةُ فِي الْحَائِطِ. [قَوْلُهُ: قَرِيبَةٍ] أَيْ مِنْ مَنْزِلِ جَارِهِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ هَدْمِ عَتَبَتِهَا] الْعَتَبَةُ الدَّرَجَةُ أَيْ إنْ كَانَ لَهَا عَتَبَةٌ أَيْ دَرَجَةٌ يَرْقَى عَلَيْهَا لَهَا بِأَنْ كَانَ فِيهَا نَوْعُ بُعْدٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ النَّظَرُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ الرُّقِيِّ عَلَى تِلْكَ الْعَتَبَةِ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَيُؤْمَرُ بِسَدِّهَا بَعْدَ هَدْمِ عَتَبَتِهَا لِئَلَّا يُقَدَّمَ الْأَمْرُ فَيَظُنُّ الْوَارِثُ أَنَّ لَهُ فِيهَا اسْتِحْقَاقًا. [قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَتْ بَعِيدَةً] أَيْ أَوْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الِارْتِفَاعِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ مِنْهَا أَوْ قَرِيبَةً لَكِنْ جُعِلَ حَائِلًا يَمْنَعُ الْكَشْفَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ فَتْحِهَا فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَاخْتُلِفَ إذَا فَتَحَ كُوَّةً مِنْ حَائِطِهِ بِحَيْثُ يَكْشِفُ عَلَى بُسْتَانِ جَارِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَزَارِعِ الْجَارِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَتْحِ بَابٍ

خِلَافُهُ. وَثَالِثُهَا قَوْلُهُ: (أَوْ حَفْرِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي حَفْرِهِ وَإِنْ كَانَ) الْحَفْرُ (فِي مِلْكِهِ وَيُقْضَى بِالْحَائِطِ لِمَنْ إلَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ (الْقِمْطُ وَالْعُقُودُ) الْجَوْهَرِيُّ الْقِمْطُ بِالْكَسْرِ مَا يُشَدُّ بِهِ الْأَخْصَاصُ وَمِنْهُ مَعَاقِدُ الْقِمْطِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْقِمْطُ مَعَاقِدُ الْحِيطَانِ وَاحِدُهَا قِمَاطٌ وَالْقَمْطُ الشَّدُّ، وَقِيلَ: الْقِمْطُ وَالْعُقُودُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ تَنَاكُحُ الْآجُرِّ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُقْضَى بِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَقَالَ ع: يُرِيدُ الشَّيْخُ بَعْدَ يَمِينِهِ وَقِيلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ الْعُرْفَ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ مَعَهُ الْيَمِينُ أَوْ مَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَلَا يَمِينَ مَعَهُ. (وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ) بِالْهَمْزَةِ مَقْصُورٌ الْعُشْبُ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا أَيْ لَا يَمْنَعَ أَحَدُكُمْ فَضْلَ الْمَاءِ لِيَسْلَمَ لَهُ الْكَلَأُ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا فَضْلَ الْكَلَأِ» . وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ الْمَاءِ مَرْعًى يَنْزِلُ فِيهِ قَوْمٌ يُرِيدُونَ رَعْيَهُ فَيَمْنَعُهُمْ أَهْلُ الْمَاءِ مِنْ الشُّرْبِ لِيَرْتَحِلُوا عَنْ مَرْعَاهُمْ وَذَلِكَ فِي الْأَرْضِ الْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقُبَالَةَ بَابِهِ] أَيْ بَابِ جَارِ الْفَاتِحِ فَإِنْ فَعَلَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى عَوْرَةِ جَارِهِ، وَمَفْهُومُ قُبَالَةَ بَابِهِ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ جَارِهِ فَلَا مَنْعَ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْكِتَابِ أَوْ نَصُّهُ] يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِحَ مُتَرَدِّدٌ فِي كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلْإِضْرَابِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: بَلْ نَصُّهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ أَوْ نَصُّهُ أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ نَافِذَةً فَلَا يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ الْبَابِ وَلَوْ لَمْ يُحَرِّفْهُ عَنْ بَابِ جَارِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ إحْدَاثَ الْبَابِ بِالسِّكَّةِ النَّافِذَةِ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَكَذَا بِغَيْرِ النَّافِذَةِ حَيْثُ رَضِيَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَهَذَا بِخِلَافِ إحْدَاثِ الْحَانُوتِ قُبَالَةَ بَابِ شَخْصٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ، وَلَوْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ شِدَّةُ الضَّرَرِ مِنْ الْحَانُوتِ دُونَ الْبَابِ بِكَثْرَةِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْحَانُوتِ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ فِي مِلْكِهِ] كَحَفْرِ بِئْرٍ مُلْتَصِقَةٍ بِجِدَارِهِ أَوْ حَاصِلٍ لِمِرْحَاضِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُقْضَى بِالْحَائِطِ إلَخْ] أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ تَشْهَدُ لِأَحَدِهِمَا وَإِلَّا لَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَعُمِلَ بِشَهَادَتِهَا وَلَوْ كَانَ الْقِمْطُ وَالْعَقْدُ لِجِهَةٍ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: الْقِمْطُ بِالْكَسْرِ] أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا [قَوْلُهُ: مَا يُشَدُّ بِهِ أَيْ حَبْلٌ] يُشَدُّ بِهِ الْإِخْصَاصُ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَامُوسُ [قَوْلُهُ: مَعَاقِدُ] جَمْعُ مَعْقِدٍ كَمَجْلِسٍ مَوْضِعُ عَقْدِهِ [قَوْلُهُ: مَعَاقِدُ الْحِيطَانِ] أَيْ مَا تُعْقَدُ بِهِ الْحِيطَانُ أَيْ مَا تُرْبَطُ بِهِ الْحِيطَانُ فَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْقِمْطِ الْخَشَبُ الَّذِي يُجْعَلُ فِي وَسَطِ الْحَائِطِ لِيَحْفَظَهُ مِنْ الْكَسْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَنَاكُحُ الْآجُرِّ] الْمُرَادُ بِالتَّنَاكُحِ تَدَاخُلُ بَعْضِ الْبِنَاءِ فِي بَعْضٍ، وَقِيلَ: الْقِمْطُ الْخَشَبُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْعُقُودُ تَنَاكُحُ الْأَحْجَارِ فِي بَعْضِهَا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ع] يُرِيدُ الشَّيْخُ بَعْدَ يَمِينِهِ أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَقِيلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ صَرِيحَةٍ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَقْوَى وَنَحْوُهُ لعج. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ. تَنْبِيهٌ لَوْ كَانَ الْقِمْطُ وَالْعُقُودُ مِنْ جِهَتِهِمَا أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ شَيْءٌ مِنْهُمَا كَانَ الْحَائِطُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ فَضْلَ الْمَاءِ] أَيْ الزَّائِدَ عَلَى حَاجَتِهِ فِيهِ [قَوْلُهُ: الْعُشْبُ] بِضَمِّ الْعَيْنِ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا أَيْ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: لِيَرْتَحِلُوا عَنْ مَرْعَاهُمْ] أَيْ وَلَا يُمْكِنُ رَعْيُ ذَلِكَ الْكَلَأِ إلَّا بِالشُّرْبِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَيُمْنَعُ صَاحِبُ الْمَاءِ مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ بَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ إمْسَاكُ ذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنْ أَمْسَكَهُ كَانَ لِلْغَيْرِ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ شَارِبَهُ أَوَّلًا إذْ الْحَقُّ فِي الْكَلَأِ لِكَافَّةِ النَّاسِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ ذَلِكَ الْمَاءِ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا يُورَثُ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ وَأَمَّا إذَا بَيَّنَ أَوَّلًا أَنَّ الْمَاءَ مِلْكُهُ وَأَشْهَدَ

الْمَمْلُوكَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَرْضِ الْمَحُوزَةِ فَلَهُ الْمَنْعُ كَمَا سَيَنُصُّ عَلَيْهِ. وَإِذَا حَفَرَ أَهْلُ الْمَوَاشِي آبَارًا فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ مُسَافِرُونَ بِدَوَابِّهِمْ (فَأَهْلُ آبَارِ الْمَاشِيَةِ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ بِمَاءِ الْآبَارِ (حَتَّى يَسْقُوا) ثُمَّ الْمُسَافِرُونَ لِسَقْيِهِمْ ثُمَّ مَاشِيَةُ أَهْلِ الْآبَارِ ثُمَّ مَاشِيَةُ الْمُسَافِرِينَ (ثُمَّ النَّاسُ) بَعْدَهُمْ (فِيهَا) أَيْ فِي الْآبَارِ أَيْ فِي فَضْلِ مَائِهَا شُرَكَاءُ (سَوَاءٌ) وَقَيَّدْنَا بِغَيْرِ مَمْلُوكَةٍ لِقَوْلِهِ: (وَمَنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ عَيْنٌ أَوْ بِئْرٌ فَلَهُ مَنْعُهَا إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ بِئْرُ جَارِهِ) أَوْ يَغُورَ مَاؤُهَا (وَ) الْحَالُ أَنَّ (لَهُ) أَيْ لِلْجَارِ (زَرْعٌ يَخَافُ عَلَيْهِ فَلَا يَمْنَعُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ (فَضْلَهُ) أَيْ فَضْلَ الْمَاءِ، بَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لَهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ. أَنْ يَكُونَ الْجَارُ زَرَعَ عَلَى أَصْلِ مَاءٍ فَانْهَارَتْ بِئْرُهُ وَأَنْ يَخَافَ عَلَى زَرْعِهِ التَّلَفَ وَأَنْ يَشْرَعَ فِي إصْلَاحِ بِئْرِهِ وَلَا يُؤَخِّرَ (وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْجَارِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ الْفَضْلِ (ثَمَنٌ) لِصَاحِبِ الْمَاءِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ (أَمْ لَا) وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. (وَيَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيُسْتَحَبُّ (أَنْ لَا يَمْنَعَ الرَّجُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ذَلِكَ فَلَهُ الْمَنْعُ قَالَهُ فِي الْإِيضَاحِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا حَفَرَ إلَخْ] هَذَا مُغَايِرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي إخْرَاجِ الْمَاءِ بِدُونِ تَبَيُّنِ الْمِلْكِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَظَرَ فِي الْأَوَّلِ إلَى عَدَمِ مَنْعِ الْمَاءِ مِمَّنْ يُرِيدُ رَعْيَ الْكَلَأِ بِمَاشِيَتِهِ يُرِيدُ رَبُّ الْمَاءِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمَاءِ لِأَجْلِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْكَلَإِ، وَنَظَرَ فِي هَذَا الْفَرْعِ إلَى عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ وَارِدٍ عَلَى الْمَاءِ مِنْ مُسَافِرٍ أَوْ حَاضِرٍ يُرِيدُ الْمَاءَ لِنَفْسِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ دَابَّةٍ وَمَاشِيَةٍ بِدُونِ الْتِفَاتٍ إلَى مَنْعٍ مِنْ كَلَإٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَأَهْلُ آبَارِ الْمَاشِيَةِ] حَاصِلُ فِقْهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ رَبُّ الْمَاءِ بِشُرْبِ نَفْسِهِ ثُمَّ الْمُسَافِرُ ثُمَّ الْحَاضِرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْأَنْفُسِ تُقَدَّمُ الدَّوَابُّ فَيُقَدَّمُ دَوَابُّ رَبِّ الْمَاءِ ثُمَّ دَوَابُّ الْمُسَافِرِ ثُمَّ دَوَابُّ الْحَاضِرِ، ثُمَّ مَاشِيَةُ رَبِّ الْمَاءِ ثُمَّ مَاشِيَةُ الْمُسَافِرِ ثُمَّ مَاشِيَةُ النَّاسِ، وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ بِجَمِيعِ الرَّيِّ، وَقُدِّمَتْ الدَّوَابُّ عَنْ الْمَاشِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ تُذَكَّى بِخِلَافِ الدَّوَابِّ. وَاسْتَظْهَرَ عج أَنَّ مَاشِيَةَ الْمُسَافِرِ وَدَابَّتَهُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي الْمَاءِ كِفَايَةٌ لِلْجَمِيعِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ أَرْبَابِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالْجَهْدِ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ قُدِّمَ ذُو الْجَهْدِ وَلَوْ غَيْرَ رَبِّهَا، وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ الْجَهْدُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ لَكِنْ يَتَفَاوَتُ قُدِّمَ الْأَشَدُّ، وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ لَكِنْ اسْتَوَتْ الْمَشَقَّةُ فَهَلْ يَتَوَاسُونَ أَوْ يُقَدَّمُ رَبُّ الْمَاءِ؟ قَوْلَانِ وَأَظْهَرُهُمَا الثَّانِي، وَمَنْ قُلْنَا بِتَقْدِيمِهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ الْجَهْدُ لَا بِجَمِيعِ الرَّيِّ. وَلِلْمُسَافِرِ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ عَارِيَّةُ الْآلَةِ كَالْحَبْلِ وَالدَّلْوِ وَالْحَوْضِ وَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمِلْكِيَّةَ فَإِنْ بَيَّنَهَا حِينَ الْحَفْرِ فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ عَنْهَا أَيْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ بَنَاهَا لِنَفْسِهِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ لَيْسَ فِيهِ الْتِئَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: فَقُدِّمَ عَلَيْهِ مُسَافِرُونَ بِدَوَابِّهِمْ يُفِيدُ بِحَسَبِ ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ إلَّا دَوَابُّ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: ثُمَّ مَاشِيَةُ الْمُسَافِرِينَ بَعْدَ مَاشِيَةِ أَهْلِ الْآبَارِ، فَيُفِيدُ أَنَّ مَعَ الْمُسَافِرِينَ مَوَاشِيَ لَا دَوَابَّ، وَمُحَصِّلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْمَرَاتِبَ خَمْسَةٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا تِسْعٌ [قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ] أَيْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً. [قَوْلُهُ: فَلَهُ مَنْعُهَا] أَيْ وَبَيْعُهُ إلَّا مَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ أَوْ الْمَرَضُ الشَّدِيدُ وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُ مَجَّانًا وَلَا يَتْبَعُهُ بِثَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ مَلِيًّا بِبَلَدِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ الثَّمَنُ لَأَخَذَ بِهِ [قَوْلُهُ: بِئْرُ جَارِهِ إلَخْ] قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: جَارُهُ لَيْسَ شَرْطًا وَكَذَلِكَ مَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْقِيَ بِذَلِكَ الْبِئْرِ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ اهـ. [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ] لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُصَنِّفِ الشَّرْطَانِ الْأَوَّلَانِ فَإِنْ انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْفَضْلِ بِأَنْ كَانَ زَرْعُ الْجَارِ لَا عَلَى أَصْلِ مَاءٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَّضَ زَرْعَهُ لِلْهَلَاكِ أَوْ لَمْ يَنْهَدِمْ بِئْرُهُ أَوْ لَمْ يَشْرَعْ فِي إصْلَاحِهَا. [قَوْلُهُ: أَمْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَوْ مَلِيًّا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ انْتَفَعَ بِمَالِ غَيْرِهِ لِإِحْيَاءِ مَالِ نَفْسِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ دَفْعَ الْفَاضِلِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِعَانَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ مُقَيَّدٌ بِفَضْلِ بِئْرِ الزَّرْعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ فَضْلِ بِئْرِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ فِيهِ الثَّمَنَ قَوْلًا وَاحِدًا حَيْثُ كَانَ مَوْجُودًا مَعَ الْمُحْتَاجِ لِلْمَاءِ لَا إنْ لَمْ يُوجَدْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فَضْلَ بِئْرِ الْمَاشِيَةِ الَّتِي لَمْ يُبَيِّنْ حَافِرُهَا الْمِلْكِيَّةَ، وَفَضْلُ بِئْرِ الزَّرْعِ بِشُرُوطِهِ

جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ) أَيْ يُدْخِلَ (خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ) لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَمْنَعُ الرَّجُلُ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ» رُوِيَ خَشَبَةً بِالْإِفْرَادِ وَخَشَبَهُ بِالْجَمْعِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالشِّينِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَبِضَمِّهِمَا، وَهَذَا النَّهْيُ عِنْدَنَا مَنْدُوبٌ وَلِهَذَا قَالَ: يَنْبَغِي. فَقَوْلُهُ: (وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ) تَأْكِيدٌ. (وَمَا أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ مِنْ الزُّرُوعِ وَالْحَوَائِطِ بِاللَّيْلِ فَذَلِكَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي إفْسَادِ النَّهَارِ) وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْبَرُ مَالِكُهَا عَلَى دَفْعِهِمَا مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا. وَأَمَّا فَضْلُ بِئْرِ غَيْرِهِمَا مِمَّا لَهُ مَنْعُهُ وَذَلِكَ كَمَاءِ بِئْرٍ أَوْ صِهْرِيجٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي بِئْرِ مَاشِيَةٍ أَشْهَدَ عَلَى قَصْدِ تَمَلُّكِهَا حِينَ حَفَرَهَا فَإِنَّمَا فِيهِ الثَّمَنُ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَمِثْلُ ثَمَنِ الْمَاءِ الطَّعَامُ وَاللِّبَاسُ وَالشَّرَابُ لِلْمُضْطَرِّ وَلَهُ الثَّمَنُ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا وَجَبَ دَفْعُهُ مَجَّانًا، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ فَضْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ اللِّبَاسِ لِلْمُضْطَرِّ إنْ امْتَنَعَ يَجُوزُ لَهُ مُقَاتَلَتُهُ، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ يَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا، وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُضْطَرِّينَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مُقَاتَلَةٌ وَتَرَكُوهُمْ حَتَّى مَاتُوا عَطَشًا أَوْ جُوعًا فَدِيَاتُهُمْ عَلَى عَوَاقِلِ رَبِّ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُونَ بِهِمْ وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّرْكِ هَلْ يُعَدُّ فِعْلًا أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُقْصَدْ بِمَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ قَتْلُ الْمُضْطَرِّ وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى قَتْلِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُ الرَّجُلُ جَارَهُ] النَّهْيُ لِلْكَرَاهَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّ الْجَارِ مِلْكًا أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا نَاظِرُ الْمَسْجِدِ أَوْ نَائِبُهُ فَاخْتُلِفَ هَلْ يُنْدَبُ لَهُ إعَارَةُ الْجَارِ مَوْضِعًا يَغْرِزُ خَشَبَةً فِيهِ أَوْ يُمْنَعُ عَلَى قَوْلَيْنِ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ. [قَوْلُهُ: وَبِضَمِّهِمَا] أَيْ الْخَاءِ وَالشِّينِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا النَّهْيُ عِنْدَنَا إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْإِلْزَامِ. وَقَالَ بِمَا نَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَأَبُو حَنِيفَةَ. [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ] أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ حَمْلٍ يَنْبَغِي عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِشَارَةً إلَى قَوْلِ ابْنِ كِنَانَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَضْطَرَّ الْجَارُ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ، وَإِذَا أَعَارَ جَارَهُ مَوْضِعًا لِغَرْزِ خَشَبَةٍ مِنْ جَارِهِ وَأَرَادَ الْمَنْعَ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ. [قَوْلُهُ: الْمَاشِيَةُ] أَيْ الْمُمْكِنَةُ الْحِرَاسَةِ وَغَيْرُ الْمَعْرُوفَةِ بِالْعَدَاءِ احْتِرَازًا عَنْ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حِرَاسَتُهَا كَالْحَمَامِ وَالنَّحْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَرْبَابِهِ فِيمَا أَتْلَفُوهُ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ اتِّخَاذِهِ، وَعَلَى أَرْبَابِ الزُّرُوعِ حِفْظُهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ اقْتِنَاءِ مَا ذُكِرَ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ أَخْذُ مِلْكِ الْغَيْرِ بِأَنْ يَتَّخِذَ بُرْجًا أَوْ جَبْحًا بَعِيدًا عَنْ جَبْحِ أَوْ بُرْجِ الْغَيْرِ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ دُخُولُ مَا فِي بُرْجِ غَيْرِهِ فِيهِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَا يُصَادُ حَمَامُ الْأَبْرِجَةِ وَمَنْ صَادَ مِنْهُ شَيْئًا رَدَّهُ إنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَإِلَّا أَرْسَلَهُ وَلَا يَأْكُلُهُ، وَإِذَا دَخَلَ حَمَامُ بُرْجٍ لِرَجُلٍ فِي بُرْجِ آخَرَ رَدَّهَا إلَى رَبِّهَا إنْ قَدِرَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يَدْخُلُ فِي بُرْجِهِ الْمَصْنُوعِ فِي الْجَبَلِ أَوْ يَصِيدُهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَاحْتِرَازًا عَنْ الْمَعْرُوفَةِ بِالْعَدَاءِ فَصَاحِبُهَا يَضْمَنُ جَمِيعَ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَقَيَّدَ ضَمَانَ صَاحِبِهَا بِالْإِنْذَارِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الزُّرُوعِ وَالْحَوَائِطِ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَطِئَتْ شَخْصًا نَائِمًا فَقَتَلَتْهُ وَلَا سَائِقَ لَهَا وَلَا قَائِدَ وَلَا رَاكِبَ حَرَّكَهَا فَلَا ضَمَانَ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ] أَيْ وَاجِبُ مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلٍ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى قِيمَتِهَا بِقِيمَتِهِ عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ بِأَنْ يُقَالَ مَا قِيمَتُهُ الْآنَ عَلَى جَوَازِ شِرَائِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ سَالِمًا أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ جَائِحَتِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، فَلَوْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ حَتَّى عَادَ الزَّرْعُ لِهَيْئَتِهِ سَقَطَتْ قِيمَتُهُ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَاشِيَةَ فِي قِيمَةِ مَا أَفْسَدَتْهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ الْجَانِي وَهَذَا فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ عَلَى الْبَتِّ لَا عَلَى الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ إلَخْ] أَيْ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ «أَنَّ نَاقَةَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْ الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى أَهْلِهَا» .

[مسألة من مسائل الضمان]

وَمَحَلُّهُ إذَا تَرَكُوهَا بِغَيْرِ رَبْطٍ، أَمَّا إذَا رَبَطُوهَا وَحَفِظُوهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ قَالَهُ ق. وَقَالَ ج عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ نَهَارًا عَنْ أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ إذَا أُطْلِقَتْ دُونَ رَاعٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهَا رَاعٍ فَلَمْ يَمْنَعْهَا فَهُوَ كَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ. (وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ) الَّتِي بَاعَهَا مَثَلًا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهَا لَمْ تَفُتْ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهَا حَتَّى فُلِّسَ مُشْتَرِيهَا فَالْبَائِعُ حِينَئِذٍ أَيْ (فِي التَّفْلِيسِ) بِالْخِيَارِ (فَإِمَّا حَاصَصَ بِهَا) أَيْ دَخَلَ مَعَ الْغُرَمَاءِ فِي جُمْلَةِ الْمَالِ فَيَأْخُذُ نَصِيبًا بِنِسْبَةِ مَالِهِ مِنْهُ، ثُمَّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ اتَّبَعَ ذِمَّتَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْمُحَاصَصَةَ (أَخَذَ سِلْعَتَهُ) بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ (إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا) وَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ كَالدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْقَمْحِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْحِصَاصُ مَا لَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ طَرَحَ قَمْحَهُ فِي هَذِهِ الْمَطْمُورَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَخْيِيرِ الْبَائِعِ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَدْفَعْ الْغُرَمَاءُ لَهُ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ، أَمَّا إذَا دَفَعُوهُ لَهُ فَلَا مَقَالَ لَهُ وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ يُخَالِفُ التَّفْلِيسَ عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ: (وَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ السِّلْعَةِ إذَا وَجَدَهَا (فِي الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ مَنْ ابْتَاعَ السِّلْعَةَ وَلَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهَا (أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) لِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ بِقَوْلِهِ: (وَالضَّامِنُ غَارِمٌ) لِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» وَالزَّعِيمُ الْكَفِيلُ. د: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ مَحَلُّ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا عَلَى رَبِّهَا مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا رَاعٍ فِي اللَّيْلِ وَإِلَّا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يَجُوزُ لَهُمْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا طُلِبَ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: إذَا أُطْلِقَتْ دُونَ رَاعٍ] أَيْ وَسَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَقْرَبُ شَيْئًا مِنْ زَرْعِ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ كَالْقَائِدِ] أَيْ فَيَضْمَنُ حَيْثُ سَرَّحَهَا قَرِيبًا مِنْ الْمَزَارِعِ أَوْ بَعِيدَةً مِنْهَا عَلَى ظَاهِرِ ابْنِ نَاجِي. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَيْثُ سَرَحَتْ بَعْدَ الْمَزَارِعِ يَكُونُ مَا أَتْلَفَتْهُ هَدَرًا كَانَ مَعَهَا رَاعٍ أَمْ لَا [قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَدَ سِلْعَتَهُ إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ التَّفْلِيسَ أَعَمُّ وَأَخَصُّ، فَالْأَعَمُّ قِيَامُ ذِي دَيْنٍ عَلَى مَدِينِهِ لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ، وَالْأَخَصُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ قَضَاءِ مَا لَزِمَهُ، فَمِنْ أَحْكَامِ الْأَعَمِّ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعَاتِهِ وَمِنْ سَفَرِهِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ الدَّيْنُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ نَحْوِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا فِيهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ، وَمِنْ أَحْكَامِ الْأَخَصِّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ حَتَّى الْمَالِيَّةِ [قَوْلُهُ: فِي التَّفْلِيسِ] أَيْ الْأَخَصِّ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ تُعْرَفُ بِعَيْنِهَا] أَيْ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا سِلْعَتُهُ وَيَأْخُذُهَا وَلَوْ نَقْدًا مَسْكُوكًا حَيْثُ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا أَوْ كَانَ مَطْبُوعًا عَلَيْهَا، وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْفَلَسَ طَارِئٌ عَلَى الشِّرَاءِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهَا بَلْ يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ وَإِذَا وُجِدَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَصَرَّفَ فِي بَعْضِهِ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِالْبَاقِي [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَشْهَدْ إلَخْ] قَضِيَّةُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ قَمْحِهِ، وَأَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِقَمْحٍ تَعَيَّنَ الْمُحَاصَّةُ مَعَ أَنَّهُ إذَا خُلِطَ بِمِثْلِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ قَمْحِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْمُحَاصَّةُ، نَعَمْ لَوْ طُحِنَتْ الْحِنْطَةُ تَعَيَّنَتْ الْمُحَاصَّةُ كَمَا لَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ مِثْلِهِ أَوْ سَمَّنَ زُبْدَهُ أَوْ فَصَّلَ ثَوْبَهُ أَوْ ذَبَحَ كَبْشَهُ أَوْ تَتَمَّرَ رُطَبُهُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا دَفَعُوهُ لَهُ] أَيْ وَلَوْ مِنْ مَالِهِمْ الْخَاصِّ بِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ ضَمِنُوا لَهُ الثَّمَنَ وَهُمْ ثِقَاتٌ أَوْ يُعْطُونَهُ بِهِ حَمِيلًا ثِقَةً، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا أَمْكَنَ الرُّجُوعُ فَلَا رُجُوعَ فِي الْعِصْمَةِ وَالْبُضْعِ وَالْقِصَاصِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْمَوْتَ كَالْفَلَسِ [قَوْلُهُ: قَالَ ذَلِكَ] فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» [مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الضَّمَانِ] [قَوْلُهُ: الضَّمَانُ إلَخْ] الضَّمَانُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: ضَمَانُ مَالٍ وَضَمَانُ طَلَبٍ وَضَمَانُ وَجْهٍ، فَضَمَانُ الْمَالِ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ. وَضَمَانُ الْوَجْهِ عِبَارَةٌ عَنْ إحْضَارِ الْغَرِيمِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَبْرَأُ فِيهِ الضَّامِنُ بِتَسْلِيمِهِ الْمَضْمُونَ، وَضَمَانُ الطَّلَبِ عِبَارَةٌ عَنْ التَّفْتِيشِ عَنْ الْغَرِيمِ الَّذِي عَلَيْهِ

[أحكام الحوالة]

الْمَدِينُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَلِيًّا أَوْ مُعْدِمًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الضَّامِنِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْغَرِيمِ، وَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَقُولُ بَعْدُ وَلَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ (وَحَمِيلُ الْوَجْهِ) الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْغَيْرُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إنْ أَتَى بِوَجْهِ مَنْ تَحَمَّلَ بِهِ عِنْدَ الْأَجَلِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ وَ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ) عِنْدَ الْأَجَلِ بَعْدَ التَّلَوُّمِ (غَرِمَ) الْمَالَ الَّذِي عَلَيْهِ (حَتَّى) بِمَعْنَى إلَّا أَنْ (يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَغْرَمَ) فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ تَغِيبَ غَرَامَةُ الْمَالِ. ع: إلَّا إنْ أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فَفَرَّطَ فَيَغْرَمُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَوَالَةِ وَهِيَ تَحَوُّلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ تَبْرَأُ مِنْهَا الْأُولَى فَقَالَ: (وَمَنْ أُحِيلَ) عَلَى رَجُلٍ مَثَلًا (بِدَيْنٍ فَرَضِيَ) الْمُحَالُ بِالْحَوَالَةِ عَلَيْهِ (فَلَا رُجُوعَ لَهُ) أَيْ لِلْمُحَالِ (عَلَى الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْمُحِيلُ (وَإِنْ أَفْلَسَ) هَذَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَدِينِ مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَدِيمٌ وَأَحَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحَالُ بِدَيْنِهِ (وَإِنَّمَا الْحَوَالَةُ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ (فَهِيَ حَمَالَةٌ) أَيْ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ كَمَا قَدَّمْنَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَحْوِيلِ الْحَقِّ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَصْلُ دَيْنٍ لَمْ تَكُنْ حَوَالَةً وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُبْرِئُ ذِمَّةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّيْنُ ثُمَّ يُخْبِرُ صَاحِبَ الدَّيْنِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُهُ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ إلَّا إنْ قَصَّرَ أَوْ فَرَّطَ، وَشَرْطُ الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فَتَدْخُلُ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ فِي الثُّلُثِ هَكَذَا فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ الْكَبِيرِ. وَفِي تت أَنَّ ضَمَانَ الطَّلَبِ يُشَارِكُ ضَمَانَ الْوَجْهِ فِي لُزُومِ الْإِحْضَارِ، وَيَخْتَصُّ الْوَجْهُ بِالْغُرْمِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَفْرِيطٌ وَلَا تَهْرِيبٌ بِخِلَافِ الطَّلَبِ لَا يَغْرَمُ إلَّا إذَا حَصَلَ تَفْرِيطٌ أَوْ تَهْرِيبٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ] أَيْ لَا إنْ حَضَرَ مُوسِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَ فِي الْحَالَاتِ السِّتِّ، وَهِيَ الْمَلَاءُ وَالْعَدَمُ وَالْغَيْبَةُ وَالْحُضُورُ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغُرْمَ وَلَوْ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ مَلِيئًا. [قَوْلُهُ: وَحَمِيلُ الْوَجْهِ] وَمِثْلُهُ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ [قَوْلُهُ: بَرِيءَ مِنْ الضَّمَانِ إلَخْ] هَذَا إذَا أَتَى بِهِ فِي مَكَان تَأْخُذُهُ فِيهِ الْأَحْكَامُ، وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَهُ إلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا سُلْطَانَ فِيهِ أَوْ فِي حَالِ فِتْنَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ أَوْ مَكَان يَقْدِرُ فِيهِ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ لَهُ فِي السِّجْنِ بَرِئَ وَكَذَا لَوْ سَلَّمَ هُوَ نَفْسَهُ لَهُ بِإِذْنِ الضَّامِنِ، وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ] وَأَمَّا لَوْ أَتَى بِهِ فَلَا غُرْمَ وَلَوْ عَدِيمًا. [قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّلَوُّمِ] أَيْ الْخَفِيفِ إذَا كَانَ الْمَدِينُ حَاضِرًا أَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ كَالْيَوْمِ أَيْ الْيَوْمِ وَشِبْهِهِ لَا إنْ بَعُدَتْ فَيَغْرَمُ حَالًا. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ] أَيْ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ضَمَانَ طَلَبٍ وَإِنْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْوَجْهِ. [أَحْكَام الْحَوَالَةِ] [قَوْلُهُ: عَلَى رَجُلٍ مَثَلًا] أَيْ أَوْ امْرَأَةٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَفَلَسَ] أَيْ أَوْ جَحَدَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوَالَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَلَسُ سَابِقًا عَلَى عَقْدِ الْحَوَالَةِ أَوْ طَارِئًا عَلَيْهَا هَذَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُحَالُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا أَفْلَسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَلَهُ شَرْطُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَغُرَّهُ] أَيْ يَغُرُّ الْمُحِيلُ الْمُحَالَ وَقَوْلُهُ: مِنْهُ أَيْ فِيهِ أَيْ الْمَدِينِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ عَدِيمٌ] وَيَثْبُتُ عِلْمُ الْمُحِيلِ بِذَلِكَ. إمَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ، وَعِلْمُ الْجُحُودِ كَعِلْمِ الْعَدَمِ وَالظَّنُّ الْقَوِيُّ كَالْعِلْمِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَكَذَا عِلْمُهُ بِلَدَدِهِ أَوْ أَنَّهُ سَيِّئُ الْقَضَاءِ، وَإِذَا ادَّعَى الْمُحَالُ عَلَى الْمُحِيلِ أَنَّهُ يَعْلَمُ عُدْمَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ إنْ ظَنَّ بِهِ الْعِلْمَ أَيْ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُتَّهَمُ بِهَذَا فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَلَزِمَتْ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُحْتَالُ وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ بِهِ الْعِلْمَ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، فَلَوْ عَلِمَ الْمُحَالُ بِعُدْمِ الْغَرِيمِ فَالْحَوَالَةُ لَازِمَةٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَصْلِ دَيْنٍ] أَيْ أَصْلٍ هُوَ دَيْنٌ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: فَهِيَ حَمَالَةٌ] أَيْ ضَمَانٌ، وَلَوْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ عَلِمَ الْمُحَالُ بِذَلِكَ عَلِمَ الْمُحِيلُ بِعِلْمِهِ حِينَ الْحَوَالَةِ أَوَّلًا، وَاشْتَرَطَ الْمُحِيلُ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَلَزِمَ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ دَيْنَهُ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَرَاءَةَ وَهُوَ

شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى، فَلَوْ كَانَتْ حَوَالَةً لَبَرِئَتْ بِهَا ذِمَّتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَغْرَمُ الْحَمِيلُ إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَالضَّامِنُ غَارِمٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَمُرَادُهُ بِالْغَيْبَةِ الْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ الَّتِي تُدْرِكُهُ الْمَشَقَّةُ فِي طَلَبِهِ. وَأَمَّا الْقَرِيبَةُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ. (وَيَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ تَفْلِيسِهِ كُلُّ دَيْنٍ عَلَيْهِ) أَمَّا حُلُولُهُ بِالْمَوْتِ فَهُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا، وَأَمَّا حُلُولُهُ بِالْفَلَسِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْمُحَالِ أَنْ يَرْجِعَ إلَخْ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا حَمَالَةٌ، وَلَا يُطَالَبُ إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُشِيرَ لِمَا قُلْنَا، وَأَمَّا مَا قَالَهُ فَيُوهِمُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّمَانِ الرُّجُوعُ عَلَى الضَّامِنِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا عِنْدَ عُدْمِ الْمَضْمُونِ أَوْ غَيْبَتِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَصْلُ الرُّجُوعَ عَلَى الْمَضْمُونِ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ شَرْطُ الْحَوَالَةِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحَالِ فَقَطْ لَا الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ حِينَئِذٍ وَكَذَا مِنْ شَرْطِهَا ثُبُوتُ دَيْنِ الْمُحِيلِ فِي ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَتْ حَمَالَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَى دَيْنِ صَبِيٍّ وَسَفِيهٍ مَثَلًا تَدَايَنَاهُ وَصَرَفَاهُ فِيمَا لَهُمَا عَنْهُ غِنًى، وَكَذَا يُشْتَرَطُ حُلُولُ الْمُحَالِ بِهِ وَهُوَ دَيْنُ الْمُحَالِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَا حُلُولُ الدَّيْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ قَدْرًا وَصِفَةً فَلَا تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِدِينَارٍ عَلَى نِصْفِ دِينَارٍ وَلَا الْعَكْسُ، وَلَا بِدِينَارٍ مُحَمَّدِيٍّ عَلَى يَزِيدِيٍّ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ أَلَّا يَكُونَ الدَّيْنَانِ طَعَامَيْنِ مِنْ بَيْعٍ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ كَانَا مِنْ قَرْضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ قَرْضٍ وَالْآخَرُ مِنْ بَيْعٍ جَازَتْ بِشَرْطِ حُلُولِ الْمُحَالِ بِهِ خَاصَّةً، وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُهَا الْخَاصُّ عَلَى الرَّاجِحِ فَيَكْفِي خُذْ حَقَّك وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ] أَيْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الطَّالِبُ أَنْ يَأْخُذَ بِحَقِّهِ مَنْ شَاءَ مِنْ الْحَمِيلِ أَوْ الْغَرِيمِ فَإِنَّ لَهُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْبَتِهِ] مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ حَاضِرٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْغَرِيمِ مَالٌ حَاضِرٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَلَا يُتَّبَعُ الْكَفِيلُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ فِي التَّسَلُّطِ عَلَى الْمَالِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ بُعْدٌ لِعُسْرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ عَدَمِ إنْصَافِ حَاكِمٍ فَلِلطَّالِبِ طَلَبُ الْحَمِيلِ. [قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ إلَخْ] بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَلَّا يَكُونَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَتَلَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ مَا عَلَيْهِ. ثَانِيهِمَا: أَلَّا يَكُونَ مَنْ عَلَيْهِ شَرْطُ عَدَمِ حُلُولِهِ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِالشَّرْطِ. [قَوْلُهُ: أَوْ تَفْلِيسِهِ] الْمُرَادُ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِخَلْعِ مَالِهِ لَا مُجَرَّدُ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَحِلُّ بِهِ مَا أُجِّلَ، أَمَّا حُلُولُ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِالْمَوْتِ فَلِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ وَبِالْمَوْتِ قَدْ خَرِبَتْ. وَلَمْ يَبْقَ لِلْغَرِيمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ مَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَأَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِمَا، فَإِذَا ذَهَبَتْ إحْدَاهُمَا فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْأُخْرَى، وَأَمَّا حُلُولُهَا بِالْفَلَسِ فَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى ذِمَّةٍ عَامِرَةٍ وَبِالْفَلَسِ قَدْ خَرِبَتْ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَوْتَهُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا حُلُولُهُ بِالْفَلَسِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يُقَيَّدُ بِأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ، بَلْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ يُفْلِسُ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَقَلَّ مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ التَّفْلِيسِ أَنَّهُ لَا يُفَلِّسُهُ الْحَاكِمُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ، الْأَوَّلُ: أَنْ يَطْلُبَهُ أَرْبَابُ الدُّيُونِ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَيَأْبَى الْبَعْضُ وَإِذَا فَلَّسَ لِلْبَعْضِ فَلِلْآخَرِينَ مُحَاصَّةُ الْقَائِمِ؛ لِأَنَّ تَفْلِيسَهُ لِوَاحِدٍ تَفْلِيسٌ لِلْجَمِيعِ. الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمَطْلُوبُ تَفْلِيسُهُ بِهِ قَدْ حَلَّ أَصَالَةً أَوْ لِانْتِهَاءِ أَجَلِهِ إذْ لَا عَجْزَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلِ الشَّرْطِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْحَالُّ زَائِدًا عَلَى مَالِ الْمُفْلِسِ إذْ لَا حَجْرَ بِالدَّيْنِ الْمُسَاوِي أَوْ بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ الْحَالِ مَا لَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ مَثَلًا عَلَيْهِ مِائَتَانِ مِائَةٌ حَالَّةٌ وَمِائَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَمَعَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَالْبَاقِي بَعْدَ وَفَاءِ الْمِائَةِ الْحَالَّةِ لَا يَفِي بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ فَيُفَلَّسُ وَلَوْ أَتَى بِحَمِيلٍ وَأَحْرَى إنْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُؤَجِّلِ شَيْءٌ الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُلِدًّا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فَحُكْمُهُ فِيهَا كَالْحَضَرِ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ وَيَكْشِفُ عَنْ حَالِهِ أَوْ بَعِيدَةً أَوْ مُتَوَسِّطَةً

[أحكام القسمة]

بِأَنْ يَكُونَ الدِّينُ أَكْثَرَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِثْلَهُ (وَلَا يَحِلُّ) بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ تَفْلِيسِهِ (مَا كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ) مِنْ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّ مَحَالَّهَا لَمْ تَبْطُلْ وَلَمْ تَفُتْ (وَلَا تُبَاعُ رَقَبَةُ) الْعَبْدِ (الْمَأْذُونِ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ (فِيمَا عَلَيْهِ) مِنْ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا تُتَّبَعُ ذِمَّتُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ (وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ) أَيْ بِمَا عَلَى الْعَبْدِ (سَيِّدُهُ) إلَّا إذَا قَالَ لَهُمْ عَامِلُوهُ وَمَا عَامَلْتُمُوهُ بِهِ فَذَلِكَ عَلَيَّ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ بِهِ (وَيُحْبَسُ الْمِدْيَانُ) الْمَجْهُولُ الْحَالِ (لِيُسْتَبْرَأَ) أَمْرُهُ فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ فَلَا يُطْلَقُ حَتَّى يُسْتَحْلَفَ مَا لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَلَئِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ حَقَّهُ (وَلَا حَبْسَ عَلَى مُعْدِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَاحْتَرَزَ بِالْمُعْدِمِ عَنْ الْمُوسِرِ إذَا أَلَدَّ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضْرَبُ بِالسَّوْطِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ أَوْ يَمُوتَ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ لِيَنْتَفِعَ كُلٌّ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِمَا تَمَيَّزَ لَهُ فَقَالَ: (وَمَا انْقَسَمَ بِلَا ضَرَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَنْ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُتَوَسِّطِ أَنْ لَا يُعْلَمَ مَلَاؤُهُ فَإِنْ عُلِمَ لَمْ يُفَلَّسْ وَأَمَّا فِي الْبَعِيدَةِ فَيُفَلَّسُ وَإِنْ عُلِمَ مَلَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ تَفْلِيسِهِ إلَخْ] فَإِنْ شَرَطَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمَوْتِهِ مَا عَلَى الْمَدِينِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ أَوْ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَحَالَّهَا] أَيْ وَهِيَ الذِّمَمُ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَفُتْ مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تَبْطُلْ أَيْ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُبَاعُ رَقَبَةٌ] أَيْ عِنْدَ تَفْلِيسِهِ، وَإِنَّمَا يُقْضَى الدَّيْنُ مِمَّا لَهُ سَلَاطَةٌ عَلَيْهِ كَانَ بِيَدِهِ أَوْ لَا وَإِنْ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَتُبَاعُ فِي دَيْنِهِ أَوْ مَا اسْتَغْرَقَهُ مِنْهَا. وَأَمَّا وَلَدُهَا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا وَسِوَاهُ اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمِثْلُ أُمِّ وَلَدِهِ مَنْ بِيَدِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَى الْحُرِّ، وَإِذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَأْذُونِ وَأَمَتُهُ ظَاهِرَةُ الْحَمْلِ أُخِّرَ بَيْعُهَا حَتَّى تَضَعَ؛ لِأَنَّ مَا فِي بَطْنِهَا لِسَيِّدِهِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُتْبَعُ ذِمَّتُهُ إلَخْ] أَيْ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ إنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ عِتْقِهِ فَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ، وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ إنْ عَتَقَ كَالْمَأْذُونِ فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَلِلسَّيِّدِ إسْقَاطُهُ، وَمَا لَمْ يُسْقِطْهُ السَّيِّدُ مِمَّا لَهُ إسْقَاطُهُ يُتَّبَعُ بِهِ الرَّقِيقُ بَعْدَ عِتْقِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الْمِدْيَانُ] أَحَاطَتْ الدُّيُونُ بِمَالِهِ أَمْ لَا كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا الذَّكَرُ يُحْبَسُ مَعَ الذُّكُورِ وَالْأُنْثَى عِنْدَ أَمِينَةٍ خَالِيَةٍ أَوْ ذَاتِ زَوْجٍ أَمِينٍ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَالشَّابُّ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ يُحْبَسُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ حَدِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي عُنُقِهِ إلَّا إنْ عُرِفَ بِالْعَدَاءِ، وَمَحَلُّ حَبْسِهِ مَا لَمْ يَسْأَلْ الصَّبْرَ وَالتَّأْخِيرَ إلَى إثْبَاتِ عُسْرِهِ وَإِلَّا أُخِّرَ بِحَمِيلٍ وَلَوْ بِوَجْهِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ ثَبَتَ عَدَمُهُ] أَيْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ لَهُ مَالًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُسْتَحْلَفَ] أَيْ عَلَى الْبَتِّ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ مَالًا أَيْ وَيَزِيدُ وَإِنْ وَجَدْت الْمَالَ لَأَقْضِيَنَّهُ عَاجِلًا وَإِنْ كُنْت مُسَافِرًا عَجَّلْت الْأَوْبَةَ، وَبَعْدَ الْحَلِفِ يَجِبُ إطْلَاقُهُ وَإِنْظَارُهُ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَطَالَ حَبْسُهُ أَيْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَالشَّخْصِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ لَكِنْ بَعْدَ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا مَالٌ عِنْدَهُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مُعْدِمٍ] أَيْ ثَابِتِ الْعَدَمِ [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَيُضْرَبُ] أَيْ فَيُسْجَنُ أَوَّلًا فَإِنْ أَدَّى فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا ضُرِبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَيْ مَعَ السَّجْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِهِ، وَأَمَّا ظَاهِرُ الْمَلَاءِ بِمُلَابَسَتِهِ الثِّيَابَ الْجَمِيلَةَ فَإِنْ تَفَالَسَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَوْ يَثْبُتَ عُسْرُهُ، وَإِنْ وَعَدَ بِالْقَضَاءِ وَسَأَلَ تَأْخِيرَهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَ حَمِيلًا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَعَدَ ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ عَلَى الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنَّهُ يُسْجَنُ، وَمَجْهُولُ الْحَالِ إذَا وَعَدَ بِالْقَضَاءِ كَظَاهِرِ الْمُلَاءِ إنْ وَعَدَ بِهِ. [أَحْكَام الْقِسْمَة] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْقِسْمَةِ] الْقِسْمَةُ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قُرْعَةٌ وَمُرَاضَاةٌ وَمُهَايَأَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْعَةُ فَهِيَ فِعْلُ مَا يُعَيِّنُ حَظَّ كُلِّ شَرِيكٍ مِمَّا بَيْنَهُمْ مِمَّا يَمْتَنِعُ عِلْمُهُ حِينَ فِعْلِهِ، وَالْمُرَاضَاةُ هِيَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بَعْضَ مَا بَيْنَهُمْ بِتَرَاضٍ مِلْكًا، وَأَمَّا الْمُهَايَأَةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ بِمُشْتَرَكٍ فِيهِ عَنْ شَرِيكِهِ زَمَنًا مُعَيَّنًا مِنْ مُتَّحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ، الْأَوَّلُ: كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا

قُسِمَ) يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْقَابِلَ لِلْقِسْمَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ (مِنْ رَبْعٍ) وَهُوَ الْبِنَاءُ (أَوْ عَقَارٍ) وَهُوَ الْأَرْضُ وَغَيْرُهَا كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذَا كَانَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقِسْمَةَ وَأَبَاهَا بَعْضُهُمْ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي دَعَا إلَيْهَا صَاحِبُ الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ (وَ) أَمَّا (مَا) أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي (لَمْ يَنْقَسِمْ بِغَيْرِ ضَرَرٍ) وَفِي نُسْخَةٍ وَمَا لَمْ يَنْقَسِمْ إلَّا بِضَرَرٍ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ بِأَنْ يَكُونَ فِي قِسْمَتِهِ إتْلَافُ عَيْنِهِ أَوْ مَنْفَعَتُهُ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ وَالْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُهُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هِيَ إفْرَازُ الْحُقُوقِ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ إنْسَانٍ بِمَا تَمَيَّزَ لَهُ. فَإِذَا كَانَ الْقَسْمُ يُفِيتُهَا عَنْ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَجُزْ فَإِنْ تَشَاحَّ الشُّرَكَاءُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ مَشَاعًا وَأَرَادَ أَحَدُهُمْ الْبَيْعَ وَأَبَاهُ بَعْضُهُمْ (فَ) إنَّ (مَنْ دَعَا إلَى الْبَيْعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَبَاهُ) إذَا مَلَكُوهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْقِنْيَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمْ حِصَّتَهُ بِانْفِرَادِهَا ضَرَرًا وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ، وَقَيَّدْنَا بِإِذَا إلَخْ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا مَلَكَ هَذَا نَصِيبَهُ الْآنَ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدٌ يَخْدُمُ هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا. وَالثَّانِي: كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ عَبْدًا يَخْدُمُهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَيَجُوزُ فِي نَفْسِ مَنْفَعَتِهِ لَا فِي غَلَّتِهِ. فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ ظَاهِرٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْ فَلَيْسَتْ بَيْعًا وَلِذَلِكَ يُرَدُّ فِيهَا بِالْغَبْنِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْمُرَاضَاةِ فَهِيَ كَالْبَيْعِ فَلَا تُرَدُّ فِيهَا بِالْغَبْنِ حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا مُقَوَّمًا، وَمَنْ صَارَ لَهُ شَيْءٌ مَلَكَ ذَاتَه وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا. [قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الشَّيْءَ الْقَابِلَ إلَخْ] أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا انْقَسَمَ إلَخْ مُؤَوَّلٌ بِمَا قِيلَ وَإِلَّا لَزِمَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. وَقَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَيْ مِثْلُ كَوْنِ الْقَابِلِ مِنْ رَبْعٍ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الشَّيْءِ الْقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الرَّبْعِ قَابِلٌ لِلْقَسْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يَجُوزُ قَسْمُهُ بِالْفِعْلِ هُوَ مَا اتَّصَفَ بِصِفَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا ضَرَرٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ وَقَالَ بَعْدُ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا عُلِمَ أَنَّهُ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ إذْ مَا ذَكَرَ مِنْ تَمْيِيزِ الْحَقِّ وَجَبْرِ الْمُمْتَنِعِ خَاصٌّ بِهَا، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ وَالْمَعْدُودَ كَالْمُقَوَّمِ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ بِالْقُرْعَةِ خِلَافًا لِابْنِ رُشْدٍ فِي مَنْعِهِ الْقِسْمَةَ بِالْقُرْعَةِ فِيمَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبِنَاءُ] تَفْسِيرٌ لِلرَّبْعِ فَأَيُّ بِنَاءٍ يُقَالُ لَهُ رَبْعٌ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَرْضُ إلَخْ قَصْرُ الْعَقَارِ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْبِنَاءَ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ مِنْ حَيْثُ الْبِنَاءُ. [قَوْلُهُ: وَمَا لَمْ يَنْقَسِمْ بِغَيْرِ ضَرَرٍ] بِأَنْ لَمْ يَقْبَلْ الْقِسْمَةَ أَوْ يَقْبَلُهَا بِضَرَرٍ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ] يُرَدُّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمَعْنَى وَاحِدًا؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْأَوَّلِ صُورَتَانِ وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ [قَوْلُهُ: كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ] تَمْثِيلٌ لِلَّذِي فِي قِسْمَتِهِ إتْلَافُ عَيْنِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْخُفَّيْنِ تَمْثِيلٌ لِلَّذِي فِي قَسْمِهِ إتْلَافُ مَنْفَعَتِهِ، لَكِنَّ الْعَبْدَ وَمِثْلَهُ الْيَاقُوتَةُ مَثَلًا تُمْنَعُ قِسْمَتُهُ قُرْعَةً وَمُرَاضَاةً، وَأَمَّا الْخُفَّانِ فَيُمْنَعُ قِسْمَتُهُمَا قُرْعَةً لَا مُرَاضَاةً، فَإِنْ قُلْت: الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ هُوَ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ لَا غَيْرُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّمَلُّكُ مِنْ رَبْعٍ وَغَيْرِهِ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَكَيْفَ يَصِحُّ صِدْقُ الْمُصَنِّفِ بِاَلَّذِي لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَصْلًا؟ قُلْت: لَيْسَ مُرَادُهُ بِاَلَّذِي لَا يَقْبَلُ عَدَمَ الْقَبُولِ رَأْسًا بَلْ الْمُرَادُ مَا فِي قَسْمِهِ عَدَمُ النَّفْعِ أَصْلًا كَقَسْمِ الْعَبْدِ نِصْفَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ مَا فِيهِ عَدَمُ كَمَالِ النَّفْعِ كَالْخُفَّيْنِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ] أَيْ مِنْ الَّذِي لَمْ يَنْقَسِمْ بِغَيْرِ ضَرَرٍ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ مَنْ دَعَا إلَخْ] خَبَرُ مَا فِي قَوْلِهِ وَمَا لَمْ يَنْقَسِمْ، وَقَرَنَهُ بِالْفَاءِ إمَّا عَلَى تَوَهُّمِ أَمَّا أَوْ نَظَرًا إلَى مَا فِي الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْعُمُومِ نَحْوُ الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ الْإِكْرَامُ. وَقَوْلُهُ: إلَى الْبَيْعِ كَانَ الْأَوْلَى إلَى بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لِلضَّمِيرِ، وَجَعْلُ أَلْ عِوَضًا عَنْ الضَّمِيرِ مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ، وَالشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدَّرَ شَرْطًا وَجَعَلَ قَوْلَهُ: فَإِنَّ مَنْ دَعَا إلَخْ جَوَابُهُ وَقَدَّرَ لِمَا خَبَرًا حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ حَلَّ الْمَعْنَى. [قَوْلُهُ: أُجْبِرَ عَلَيْهِ مَنْ أَبَاهُ] ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَسْمُهُ [قَوْلُهُ: إذَا مَلَكُوهُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْقِنْيَةِ] هَذَانِ شَرْطَانِ وَبَقِيَ شَرْطٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الْآتِي النَّقْضَ لِلطَّالِبِ لِلْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ] أَيْ الشَّارِعُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ «لَا ضَرَرَ وَلَا

لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَبِالْقِنْيَةِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اشْتَرَوْهُ لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ سُوقَ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَإِنْ ارْتَفَعَ سُوقُهَا بِيعَتْ وَإِلَّا انْتَظَرَ بِهَا سُوقَهَا (وَقَسْمُ الْقُرْعَةِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ) ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمَقْسُومُ هُوَ الْمُشْتَرَكُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ مُنْفَرِدًا خَلِيلٌ: يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي قَسْمِ الْقُرْعَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ جِنْسَيْنِ أَوْ نَوْعَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَرَرٌ. (وَلَا يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ صَارَ صِنْفَيْنِ، وَالْقُرْعَةُ لَا تَكُونُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَرَاجُعٌ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ إلَّا بِتَرَاضٍ) ك: مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبَانِ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا دِينَارَانِ وَثَمَنُ الْآخَرِ دِينَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQضِرَارَ» . [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا عَمَّا إذَا اشْتَرَوْهُ لِلتِّجَارَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ لِلْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ مُحْتَرِزَ الْقِنْيَةِ أَمْرَانِ التِّجَارَةُ وَالْغَلَّةُ وَذَلِكَ لَأَنْ يَرْغَبَ فِي شِرَاءِ الْجُزْءِ أَيْضًا، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ إلَخْ لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْبَرُ الثَّانِي عَلَى الْبَيْعِ إذَا ارْتَفَعَ سُوقُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا جَبْرَ وَلَوْ ارْتَفَعَ السُّوقُ. [قَوْلُهُ: لَا يَكُونُ إلَّا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ] أَيْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ كَمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ] كَعَرْضٍ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَيُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ مُنْفَرِدًا] اعْلَمْ أَنَّ قِسْمَةَ الْقُرْعَةِ لَا تَكُونُ إلَّا فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ كَمَا قَرَّرْنَا، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ وَلَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ بِخِلَافِ الْمُرَاضَاةِ تَكُونُ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ اخْتَلَفَ جِنْسًا وَلَا تَحْتَاجُ لِتَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ، وَيُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِذَا كَانَ يُقْسَمُ كُلُّ صِنْفٍ مُنْفَرِدًا فَلَا تُجْمَعُ الدُّورُ مَعَ الْحَوَائِطِ وَلَا أَنْوَاعُ الثِّمَارِ إلَى بَعْضِهَا بَلْ كُلُّ نَوْعٍ يُقْسَمُ عَلَى حِدَتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْقَسْمَ وَإِلَّا فَفِي الثِّمَارِ يُضَمُّ مَا لَمْ يُحْتَمَلْ إلَى غَيْرِهِ، وَفِي نَحْوِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ يُبَاعُ وَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ وَلَا يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَقَارَ وَالْحَيَوَانَ تُقْصَدُ ذَاتُهُ بِخِلَافِ الثِّمَارِ. [قَوْلُهُ: أَوْ نَوْعَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ] كَالتُّفَّاحِ فَإِنَّهُ يُفْرَدُ عَنْ الْخَوْخِ وَعَنْ الرُّمَّانِ وَغَيْرِهِمَا مَثَلًا، وَكَالدُّورِ مَعَ الْأَرْضِ الَّتِي لِلزِّرَاعَةِ فَإِنَّ الدُّورَ تُقْسَمُ عَلَى حِدَتِهَا وَالْأَرْضَ عَلَى حِدَتِهَا بِشَرْطِ التَّسَاوِي قِيمَةً وَرَغْبَةً، وَالتَّقَارُبُ كَالْمَيْلِ أَيْ يَكُونُ الْمَيَلَانُ وَالْمَيْلُ جَامِعًا لِأَمْكِنَةِ جَمِيعِ الدُّورِ مَثَلًا، فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ جَمْعُ الدُّورِ فِيهِ فِي الْقَسْمِ، وَكَذَا أَرْضُ الزِّرَاعَةِ. وَاحْتَرَزَ بِالْمُتَبَاعِدِينَ عَنْ الْمُتَقَارِبَيْنِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَسْمُهُ بِالْقُرْعَةِ وَكَالصُّوفِ مَعَ الْكَتَّانِ أَوْ الْقُطْنِ أَوْ الْحَرِيرِ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ الْبَزَّ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا يُلْبَسُ صُوفًا أَوْ خَزًّا أَوْ كَتَّانًا أَوْ قُطْنًا أَوْ حَرِيرًا مَخِيطًا أَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ يَجُوزُ جَمْعُهُ فِي الْقَسْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْبَزِّ مُتَّحِدٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَهُوَ السَّتْرُ وَاتِّقَاءُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَكَأَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا] يُرِيدُ بِالثَّمَنِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً مُطْلَقًا عَيْنًا أَوْ غَيْرَهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ] أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كُلٌّ مِنْهُمَا هَلْ يَرْجِعُ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ فَحَصَلَ الْغَرَرُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ لَا يُؤَدِّيَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا عَنْ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَرَاجُعٌ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَصَدَ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ أَظْهَرُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ. تَنْبِيهٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حَقِيقَةَ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ وَهِيَ أَنْ يُعَدَّلَ الْمُقَسَّمُ وَيُجَزَّأَ عَلَى حَسَبِ أَدَقِّهِمْ نَصِيبًا، فَإِذَا كَانَ دَارُ الثَّلَاثَةِ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا وَلِلْآخَرِ نِصْفُهَا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يُكْتَبُ أَسْمَاءُ الشُّرَكَاءِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ وَتُوضَعُ فِي شَمْعٍ أَوْ طِينٍ ثُمَّ تُرْمَى وَاحِدَةٌ عَلَى سَهْمٍ مُتَطَرِّفٍ وَتُفْتَحُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَخَذَ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ وَمَا يَلِيهِ، ثُمَّ تُرْمَى أُخْرَى وَتُفْتَحُ فَإِذَا ظَهَرَتْ لِصَاحِبِ السُّدُسِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا، وَلَهَا صِفَةٌ أُخْرَى أَنْ يُكْتَبَ أَسْمَاءُ الْجِهَاتِ فِي أَوْرَاقٍ بِعَدَدِ الْأَجْزَاءِ وَيُعْطَى لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَرَقَةٌ وَلِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَفِي هَذِهِ قَدْ تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ. وَيَكْفِي قَاسِمٌ وَاحِدٌ وَالِاثْنَانِ أَوْلَى وَيَكُونُ عَدْلًا حُرًّا إنْ نَصَّبَهُ قَاضٍ، فَإِنْ نَصَّبَهُ الشُّرَكَاءُ كَفَى وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، وَالْقَاسِمُ هُوَ الَّذِي يُقَوِّمُ الْمَقْسُومَ وَيُعَدِّلُهُ أَيْ يُعَدِّلُ أَجْزَاءَ الْمَقْسُومِ كَذِرَاعٍ مِنْ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْغَرْبِيِّ، وَالِاحْتِيَاجُ لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ لَا الْمُرَاضَاةِ فَلَا

[أحكام الوصية]

فَيُقْرَعُ عَلَيْهِمَا فَمَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ الَّذِي ثَمَنُهُ دِينَارَانِ رَدَّ عَلَى صَاحِبِهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ لِيَتَعَادَلَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: لَك الْخِيَارُ إمَّا أَنْ تَخْتَارَ الَّذِي ثَمَنُهُ دِينَارَانِ وَتُعْطِيَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ أَوْ تَأْخُذَ الَّذِي ثَمَنُهُ دِينَارٌ وَتَأْخُذَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ فَقَالَ: (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) وَإِنْ بَعُدَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ (كَالْوَصِيِّ) إنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ بِوَصِيَّةِ الْأَبِ لَا بِوَصِيَّةِ الْقَاضِي، اعْلَمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَلَى وَجْهَيْنِ مَالِيَّةٌ وَنَظَرِيَّةٌ وَهِيَ الْمُرَادُ هُنَا وَلَهَا أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ: الْوَصِيُّ وَشَرْطُهُ الْإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ هُنَا السَّتْرُ لَا الصِّفَةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ. الثَّانِي: الْمُوصِي وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْأَطْفَالِ شَرْعًا كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ. ك: وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ عَلَى الْمَشْهُورِ، قُلْت: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ يَصِحُّ إيصَاؤُهَا بِشُرُوطٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَلِيلًا كَسِتِّينَ دِينَارًا مَوْرُوثًا عَنْهَا وَلَا وَلِيَّ لِلْمَحْجُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثُ: الْمُوصَى فِيهِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ بِوَفَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الثُّلُثِ وَفِي صِغَارِ الْوَلَدِ بِالْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَإِنْكَاحِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ إنْكَاحُهُ مِنْ الْأَوْلَادِ. الرَّابِعُ: الصِّيغَةُ كَأَوْصَيْتُ إلَيْك أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَفْوِيضِهِ الْأَمْرَ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمِنْ هَذَا كُلِّهِ عُلِمَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْتَقِرُ إلَى قَاسِمٍ وَلَا إلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: وَتُعْطَى خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَخْ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَرْفَ الدِّينَارِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ [أَحْكَام الْوَصِيَّةِ] [قَوْلُهُ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ كَالْوَصِيِّ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ وَلَا وَصِيَّةٌ فَالْحَاكِمُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الْمُوصَى وَهُوَ قَوْلُنَا وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] أَيْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ [قَوْلُهُ: لَا بِوَصِيَّةِ الْقَاضِي] أَيْ فَإِذَا كَانَ مُقَامًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي فَلَيْسَ لَهُ الْوَصَايَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ إذَا أَوْصَى لَهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الرَّجُلُ كَهُوَ. [قَوْلُهُ: مَالِيَّةٌ] أَيْ كَأَوْصَيْتُ لِلْفُقَرَاءِ بِثُلُثِ مَالِي. [قَوْلُهُ: وَالتَّكْلِيفُ] فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا. [قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ] الْمُرَادُ بِهَا الْأَمَانَةُ وَالرِّضَا فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ امْرَأَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَجْنَبِيَّةً أَوْ زَوْجَةً لِلْمُوصِي أَوْ مُسْتَوْلَدَتَهُ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ، وَكَذَا الْعَبْدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا بِشَرْطِ أَنْ يُوصِيَ سَيِّدُهُ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ رُجُوعٌ بَعْدَ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: ابْتِدَاءً وَدَوَامًا] فَطُرُوُّ الْفِسْقِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعَدَالَةِ فِيمَا وُلِّيَ فِيهِ يَعْزِلُهُ أَيْ يَكُونُ مُوجِبًا لِعَزْلِهِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ، فَإِنْ تَصَرَّفَ بَعْدَ طُرُوِّهِ وَقَبْلَ عَزْلِهِ بِالْفِعْلِ مَضَى. [قَوْلُهُ: السَّتْرُ] أَيْ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا أَيْ لَا ظَاهِرَ الْفِسْقِ. الْأَوْلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَالَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِيمَا وُلِّيَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ] أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمْيِيزُ وَالرُّشْدُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ السَّفِيهَ وَلِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ] أَيْ ثَلَاثَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنْ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: الْمُوصَى فِيهِ] أَيْ الَّذِي وَقَعَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ [قَوْلُهُ: لِوَفَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الثُّلُثِ] اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ خَاصٌّ بِالْوَصِيِّ عَلَى مَالِ يَتِيمٍ أَوْ عَلَى اقْتِضَاءِ دَيْنٍ أَوْ قَضَائِهِ خِيفَةَ أَنْ يَدَّعِيَ غَيْرُ الْعَدْلِ الضَّيَاعَ، وَأَمَّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِالْمَيِّتِ كَالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالْعِتْقِ فَيَجُوزُ إلَى غَيْرِ الْعَدْلِ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطْ الْعَدَالَةُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَمُنِعَ ذِمِّيٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ تَقَاضٍ. [قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ بِوَفَاءٍ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِصَدَدِ التَّكَلُّمِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ النَّظَرِيَّةُ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْمَالِيَّةُ فَإِذًا فِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: وَفِي صِغَارِ إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي الْمَالِ. وَقَوْلُهُ: بِالْوِلَايَةِ أَيْ التَّصَرُّفِ فِي صِغَارِ وَلَدِهِ بِالْوِلَايَةِ أَيْ بِآثَارِ الْوِلَايَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَقَوْلُهُ: وَإِنْكَاحِ مِنْ جُمْلَةِ آثَارِ الْوِلَايَةِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالنُّكْتَةُ ظَاهِرَةٌ، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: فُلَانٌ وَصِيِّي فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَ صِغَارَ بَنِيهِ وَمَنْ بَلَغَ مِنْ كِبَارِ بَنَاتِهِ بِإِذْنِهِنَّ وَذَلِكَ مَصْدُوقُ مَنْ فِي قَوْلِهِ: مَنْ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْأَبُ بِالْإِجْبَارِ أَوْ يُعَيِّنَ لَهُ الزَّوْجَ فَيُجْبَرُ، وَإِنْ خُصَّ بِشَيْءٍ اخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ] أَيْ

(وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيُزَوِّجَ إمَاءَهُمْ) لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ تَعَقَّبَهُ الْإِمَامُ فَإِنْ رَآهُ خَيْرًا أَمْضَاهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَيَّرٌ فِيمَا ذُكِرَ وَلَا يُجْبَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ بِبَرٍّ أَوْ بِبَحْرٍ وَقَيَّدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِزَمَنِ الْأَمْنِ، وَأَشَارَ إلَى أَحَدِ شُرُوطِ الْوَصِيِّ وَهِيَ الْعَدَالَةُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ) فِي دَيْنِهِ أَوْ أَمَانَتِهِ (فَإِنَّهُ يُعْزَلُ) وَإِنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِفِسْقِهِ. عِ: وَالْعَزْلُ إنَّمَا يَكُونُ بِالرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ وَهُوَ الَّذِي يَعْزِلُهُ وَيُوَلِّي غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ يَعْزِلُ الْأَبُ الْفَاسِقَ عَنْ مَتَاعِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَسْأَلَةٍ كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا فِي الْمَوَارِيثِ وَهِيَ (وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ) يُرِيدُ وَبِأُجْرَةِ الْغَسَّالِ وَالْحَمَّالِ وَالْحَفَّارِ وَالْحَنُوطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (بِالدَّيْنِ) الثَّابِتِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (ثُمَّ) بَعْدَ الدَّيْنِ (بِالْوَصِيَّةِ) إنْ كَانَ أَوْصَى (ثُمَّ) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِ (الْمِيرَاثِ) فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا قَدْرَ كَفَنِهِ وَمُوَارَاتِهِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ وَقُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ كَمَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ ثِيَابُ جَسَدِهِ وَثَوْبَا جُمُعَتِهِ مَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ، وَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الْكَفَنِ شَيْءٌ يَسْتَغْرِقُهُ الدَّيْنُ سَقَطَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْمِيرَاثُ، وَإِنْ فَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَالْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْإِشَارَةِ مَثَلًا [قَوْلُهُ: إلَيْهِ] فِيهِ الْتِفَاتٌ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ إذْ لَوْ جَرَى عَلَى السِّيَاقِ لَقَالَ إلَيْك. [قَوْلُهُ: وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى] أَيْ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْأَيْتَامِ [قَوْلُهُ: وَيُزَوِّجُ إمَاءَهُمْ] سَوَاءٌ زَوَّجَهُمْ مِنْ عَبِيدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْعَبِيدَ حَيْثُ كَانَ تَزْوِيجُ الْجَمِيعِ نَظَرًا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهَا بِنَفْسِهِ] قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى قِرَاضًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْعَقْدِ مَعَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا الْحُرْمَةُ وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ خَلِيلٍ النَّهْيُ وَلَوْ أَخَذَهُ الْوَصِيُّ بِجُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ يُشْبِهُ قِرَاضَ مِثْلِهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ إنْ وَقَعَ مَضَى وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلَهُ تَأْخِيرُهُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الطِّفْلِ أَوْ السَّفِيهِ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْمَالِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي خَتْنِهِ وَعِرْضِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ دَخَلَ فَأَكَلَ وَلَهُ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ فِي عِيدِهِ مِنْ أُضْحِيَّةٍ وَغَيْرِهَا، وَمَا أُنْفِقَ عَلَى اللُّعَابَيْنِ لَا يَلْزَمُ الْيَتِيمَ [قَوْلُهُ: فَإِنْ رَآهُ خَيْرًا أَمْضَاهُ] أَيْ بِأَنْ لَا يَخْشَى تَلَفَهُ. وَقَوْلُهُ: أَمْضَاهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَلَى جِهَةِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ جَازَ لَهُ إمْضَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَبْطَلَهُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَرَ خَيْرًا بِأَنْ يَخْشَى تَلَفَهُ وَقَوْلُهُ: أَبْطَلَهُ أَيْ وُجُوبًا هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الْوَصِيَّ مُخَيَّرٌ] أَيْ مُخَيَّرٌ فِي كَوْنِهِ يَتَّجِرُ لِلْيَتَامَى وَلَا يُجْبَرُ، وَقَوْلُهُ: بِزَمَنِ الْأَمْنِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ أَمْنٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّجِرَ بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمْ [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْصَى إلَى غَيْرِ مَأْمُونٍ] أَيْ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ، وَكَذَا يُعْزَلُ إذَا أَوْصَى لِعَاجِزٍ أَوْ مَنْ لَيْسَ فِيهِ كِفَايَةٌ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شُرُوطٌ مَطْلُوبَةٌ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا. [قَوْلُهُ: فِي دَيْنِهِ] أَيْ بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ اخْتِلَالُ حَالِ الْيَتَامَى. [قَوْلُهُ: أَوْ أَمَانَتِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الدَّيْنِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ فَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَنُكْتَتُهُ أَنَّهُ الْفَرْدُ الْأَهَمُّ. [قَوْلُهُ: إنَّمَا يَكُونُ بِالرَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ] أَيْ أَوْ الْقَاضِي. [قَوْلُهُ: الْأَبُ الْفَاسِقُ] أَيْ الَّذِي يُخْشَى مِنْهُ أَنْ يُتْلِفَ مَتَاعَ أَوْلَادِهِ [قَوْلُهُ: وَيُبْدَأُ بِالْكَفَنِ] يُرِيدُ بَعْدَ الْمُعَيَّنَاتِ مِثْلَ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ] أَيْ دَيْنِ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ لِمَا تَقَدَّمَ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِالرَّهْنِ مِنْ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ سَبَقَ فَكَانَ كَالدَّيْنِ إذَا قُبِضَ [قَوْلُهُ: لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ] أَيْ كَزَوْجَتِهِ الَّتِي عُلِمَ بُغْضُهُ لَهَا، فَإِذَا أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ يُتَّهَمُ كَمَا إذَا كَانَ يُحِبُّهَا وَيَمِيلُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ فَعَطِيَّةٌ مِنْهُمْ لَهَا، وَكَذَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي جُهِلَ حَالُهُ مَعَهَا إذَا وَرِثَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ ذَكَرٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ بَنُونَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا إلَّا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالصَّغِيرِ، وَأَمَّا إقْرَارُ الزَّوْجِ الصَّحِيحِ فَجَائِزٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. [قَوْلُهُ: كَمَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ ثِيَابُ جَسَدِهِ وَثَوْبَا جُمُعَتِهِ إلَخْ] هُمَا قَمِيصٌ وَرِدَاءٌ أَوْ

[أحكام الحيازة]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحِيَازَةِ وَهِيَ وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالْهَدْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ، فَقَالَ: (وَمَنْ حَازَ دَارًا) مَثَلًا أَوْ عَقَارًا (عَلَى حَاضِرٍ) رَشِيدٍ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ شَرِيكٍ (عَشْرَ سِنِينَ) عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَمْ يُحْدِثْ فِيهَا بِنَاءً وَلَا هَدْمًا وَلَا غَرْسًا وَهِيَ (تُنْسَبُ) أَيْ تُضَافُ (إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا) الْمُنَازِعُ (حَاضِرٌ عَالِمٌ) بِأَنَّهَا مِلْكُهُ (لَا يَدَّعِي شَيْئًا) وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ (فَلَا قِيَامَ لَهُ) وَاحْتَرَزَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجُبَّةٌ وَرِدَاءٌ. وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا تِلْكَ الْقِيمَةُ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا قِيمَةٌ كَثِيرَةٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ الَّتِي قَدْ تُفِيدُ التَّعْظِيمَ فَيُبَاعَانِ وَيُشْتَرَى لَهُ دُونَهُمَا، وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُفْلِسِ. [أَحْكَام الْحِيَازَةِ] [قَوْلُهُ: كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ] قَضِيَّةٌ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْهَدْمَ وَالْبِنَاءَ شَرْطُ كُلِّ حِيَازَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَعْلَمُهُ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ حَازَ إلَخْ] أَيْ وَيَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ لَهَا إذْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ شَرْطٌ فِي الْحِيَازَةِ [قَوْلُهُ: دَارًا مَثَلًا] لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقَارَ أَعَمُّ مِنْ الدَّارِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِقَوْلِهِ لِإِدْخَالِ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الْعَقَارِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ عَقَارًا بَيَانٌ لِمَا دَخَلَ مَثَلًا مُرَادًا مِنْهُ مَا عَدَا الدَّارَ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ فَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِذَا رَكِبَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً مُدَّةَ سَنَتَيْنِ وَهُوَ يَدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ، وَيَفُوزُ بِهَا الْحَائِزُ وَمِثْلُ الدَّابَّةِ أَمَةُ الْخِدْمَةِ، وَيُزَادُ فِي الْعَبْدِ وَالْعُرُوضِ سَنَةٌ فَالْمُدَّةُ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَرِيبِ فَلَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا [قَوْلُهُ: عَلَى حَاضِرٍ] أَيْ مَعَ حَاضِرٍ أَيْ مَعَ وُجُودِ حَاضِرٍ. [قَوْلُهُ: رَشِيدٍ] وَأَمَّا إذَا كَانَ سَفِيهًا فَلَا تُعْتَبَرُ الْحِيَازَةُ عَلَيْهِ كَالصَّغِيرِ وَالْبِكْرِ الْغَيْرِ الْمُعَنَّسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافِ عَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ. [قَوْلُهُ: أَجْنَبِيٍّ] أَيْ لَا إنْ كَانَ قَرِيبًا فَسَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ: غَيْرِ شَرِيكٍ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا شَرِيكًا فَلَا يَفُوزُ الْحَائِزُ لِمَا حَازَهُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: مُضِيُّ الْمُدَّةِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ بِخُصُوصِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ [قَوْلُهُ: عَشْرَ سِنِينَ] أَيْ حَازَ عَشْرَ سِنِينَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَوْ بِغَيْرِ هَدْمٍ وَبِنَاءٍ كَالْإِسْكَانِ وَالْإِجَارَةِ، إلَّا أَنَّ الْهَدْمَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَيْ كَثِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْإِصْلَاحِ مُطْلَقًا أَوْ لِغَيْرِهِ وَكَانَ يَسِيرًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْكَثْرَةِ لِلْعُرْفِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، أَيْ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إلَى طُولِ الزَّمَانِ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ. تَنْبِيهٌ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْمُدَّعِي بِالْإِسْكَانِ لِلْحَائِزِ أَوْ الْإِعْمَارِ أَوْ الْإِرْفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَى صَاحِبِهِ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعِي مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يُنَازِعْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] سَيَأْتِي مُقَابِلُهُ [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْدُثْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يَحْدُثْ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ تُنْسَبُ إلَيْهِ هَذَا قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضٌ. [قَوْلُهُ: عَالِمٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ] وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ الْمُحَازَ عَنْهُ مِلْكُهُ بِأَنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكِي فِي حَالِ تَصَرُّفِ هَذَا الْحَائِزِ، وَمَا وَجَدْت الْوَثِيقَةَ إلَّا عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ كَانَ وَارِثًا وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: إنَّمَا سَكَتَ لِغَيْبَةِ بَيِّنَتِي فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالْحِيَازَةِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَكَادُ يَخْفَى، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِالتَّصَرُّفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذِهِ الْحِيَازَةُ دَالَّةٌ عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ لَا نَاقِلَةٌ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ الْمُطَالَبَةِ] احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ ذَا شَوْكَةً فَإِنَّ لَهُ الْقِيَامَ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا قِيَامَ لَهُ] أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُ إذْ لَوْ كَانَتْ لَهُ لَمَا سَكَتَ عَنْ الدَّعْوَى بِهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ، وَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَفُوتُ بِالْحِيَازَةِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ كَحِيَازَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قِطْعَةٍ مِنْهَا فَلَا تَمْلِكُهَا وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِأَنَّهَا طَرِيقٌ وَمِثْلُهَا لَوْ حَازَ مَسْجِدًا أَوْ مَحَلًّا مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْحَائِزُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحِيَازَةَ لَا تَنْفَعُ فِي الْأَوْقَافِ كَمَا لَا تَنْفَعُ فِي وَثَائِقِ الْحُقُوقِ، فَلِلْمُسْتَحِقِّ مَا فِيهَا

[باب الإقرار]

بِالْحَاضِرِ مِنْ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَا يُحَازُ عَلَيْهِ كَذَا أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مُدَّةَ الْحَوْزِ عَشْرُ سِنِينَ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَصَرَّحَ د بِمَشْهُورِيَّتِهِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَا حَدَّ فِي ذَلِكَ وَالْمَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ. تَنْبِيهٌ ع: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ ق: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا ذُكِرَ أَوَّلَ الْبَابِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حِيَازَةِ الْأَقَارِبِ وَنَحْوِهِمْ فَقَالَ: (وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ عَشْرِ سِنِينَ بَلْ أَكْثَرَ ج كَخَمْسِينَ سَنَةً وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَابْنُ وَهْبٍ: الْأَقَارِبُ كَغَيْرِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَلَدَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَأَبِيهِ حِيَازَةٌ وَإِنْ طَالَتْ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصِّهْرَ كَالْقَرِيبِ نَصَّ عَلَيْهِ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) بِمَعْنَى لَا يَصِحُّ (إقْرَارُ الْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا (لِوَارِثِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَامُ بِهِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ. [قَوْلُهُ: كَذَا أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: كَذَا أَطْلَقَ فَيَقُولَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَيْبَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ بَعِيدَةٌ وَالْأَمْرُ فِيهَا كَمَا قَالَ، وَقَرِيبَةٌ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ ثَبَتَ عَجْزُهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِذَاتِهِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَكَالْأَوَّلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ، وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فَفِي سُقُوطِ حَقِّهِ قَوْلَانِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: ثُمَّ إنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ لَا عُذْرَ لَهُ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْبَتَهُ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. وَقَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: وَمِثْلُ الْحَاضِرِ الْغَائِبُ عَلَى يَوْمَيْنِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا حِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَصْهَارِ فِي مِثْلِ هَذِهِ إلَخْ] وَمِثْلُهُمْ الْمَوَالِي أَعْلَوْنَ أَوْ أَسْفَلُونَ، أَيْ أَصْهَارٌ وَمَوَالٍ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمْ [قَوْلُهُ: ج كَخَمْسِينَ سَنَةً] كُلٌّ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ وَأَشْهَبَ وَابْنِ وَهْبٍ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الْأَقَارِبِ سَوَاءٌ الشُّرَكَاءُ وَغَيْرُهُمْ. لَا تَكُونُ بِالسُّكْنَى وَالِازْدِرَاعِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بِالْبِنَاءِ وَالْهَدْمِ فِي الْأَمَدِ الطَّوِيلِ الزَّائِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى الرَّاجِحِ. وَهَذَا فِي أَقَارِبَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ تَشَاجُرٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجَانِبِ. [قَوْلُهُ: الْأَقَارِبُ كَغَيْرِهِمْ] أَيْ فَيَكْفِي الْعَشْرُ سِنِينَ أَيْ مَعَ التَّصَرُّفِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ مَذْكُورٌ فِي خَلِيلٍ فِي الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ طَالَتْ] أَيْ إلَّا أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ بِحَيْثُ تَهْلَكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْحَائِزُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي لِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ وَالْآخَرُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ طُولَ الْمُدَّةِ وَلَا مَانِعَ فَلَا قِيَامَ لِلْحَاضِرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُسْمَعُ لَهُ بَيِّنَةٌ. وَأَمَّا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا أَوْ وَهَبَهُ بِحَضْرَةِ الْآخَرِ مَعَ غَيْرِ كَلَامٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَاهُ مَعَ حُصُولِ هَذَا الْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الصِّهْرَ] هُوَ قَرِيبُ الْمَرْأَةِ [بَاب الْإِقْرَارِ] [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْإِقْرَارِ] وَلَهُ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ: الْمُقِرُّ وَالْمُقَرُّ لَهُ وَالْمُقَرُّ بِهِ وَالصِّيغَةُ، فَشَرْطُ الْمُقِرِّ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَشَرْطُ الْمُقَرِّ لَهُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِمِلْكِ الْمُقَرِّ بِهِ وَلَوْ حُكْمًا كَحَمْلٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ تَكْذِيبٌ لِلْمُقِرِّ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّكْذِيبِ، وَأَنْ لَا يُتَّهَمَ الْمُقِرُّ عَلَى الْإِقْرَارِ وَشَرْطُ الْمُقَرِّ بِهِ كَوْنُهُ حَقًّا بِحَيْثُ يَلْزَمُ الْمُقِرَّ وَصِيغَتُهُ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي لِفُلَانٍ كَذَا أَوْ فَعَلْت كَذَا مِمَّا يُوجِبُ فِعْلَهُ حُكْمًا. [قَوْلُهُ: مَرَضًا مَخُوفًا] وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَخُوفًا فَحُكْمُهُ كَالصَّحِيحِ. [قَوْلُهُ: لِوَارِثِهِ] الْأَقْرَبُ أَوْ الْمُسَاوِي، أَمَّا الْأَقْرَبُ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَالْمُسَاوِي كَمَا إذَا أَقَرَّ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْبِرِّ وَالْعُقُوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِلْعَاقِّ فَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ بِالْجَوَازِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ نَظَرًا لِصُورَةِ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ إقْرَارُهُ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا أَقَرَّ لِمَنْ لَا يَرِثُهُ كَخَالِهِ أَوْ أَقَرَّ

بِدَيْنٍ) لَهُ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ صُورَةُ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ أَنْ يَقُولَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا، وَصُورَةُ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِهِ أَنْ يَقُولَ: الدَّيْنُ الَّذِي لِي عَلَى فُلَانٍ قَبَضْته، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةٌ مِثْلُ أَنْ تَرِثَهُ ابْنَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ فَيُقِرَّ لِابْنَتِهِ بِمَالٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي التُّهْمَةَ فِي الْمَيْلِ إلَى ابْنَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ تُهْمَةٌ جَازَ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لِابْنِ عَمِّهِ بِدَيْنٍ أَوْ بِقَبْضِهِ. (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ أَنُفِذَ) مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مَا يَحُجُّ بِهِ عَنْهُ (وَالْوَصِيَّةُ بِالصَّدَقَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ مِنْ الْإِيصَاءِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا وَأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِهَا، (وَإِذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ) أَيْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لَأَنْ يَحُجَّ عَمَّنْ أَوْصَى بِحَجٍّ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ (قَبْلَ أَنْ يَصِلَ) إلَى مَكَّةَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ (فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ) مِنْ الطَّرِيقِ (وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ كُلَّهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ (وَ) أَمَّا (مَا هَلَكَ بِيَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ هُوَ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ مُلَاطِفٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لِأَبْعَدَ مِنْ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ قَدْ وَرِثُوا فَلَا يُشْتَرَطُ خُصُوصُ الْوَلَدِ بَلْ الشَّرْطُ فِيهِ أَنْ يَرِثَهُ أَقْرَبُ سَوَاءٌ كَانَ يَسْتَغْرِقُ أَوْ لَا. تَنْبِيهٌ يَصِحُّ إقْرَارُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَجُرْحٍ أَوْ قَتْلِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ كَسَرِقَةِ نِصَابٍ، وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَأْذُونِ، وَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ وَلَوْ حُكْمًا كَالْمُكَاتَبِ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ وَيَكُونُ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ] اعْلَمْ أَنَّ كِرَاءَ الْحَجِّ أَرْبَعَةٌ ضَمَانٌ مَضْمُونٌ بِذِمَّةِ الْأَجِيرِ، وَضَمَانٌ مُعَيَّنٌ بِذَاتِهِ وَبَلَاغٌ وَجَعَالَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَارَةً يَكُونُ مَضْمُونًا فِي السَّنَةِ وَتَارَةً مُعَيَّنًا بِهَا، وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إنَّمَا تَكَلَّمَا عَلَى الْبَلَاغِ وَعَلَى الضَّمَانِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِذَاتِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ. [قَوْلُهُ: أُنْفِذَ] أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ كَانَتْ مَكْرُوهَةً لِوُجُوبِ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَكْرُوهِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ. وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يُنَفَّذُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَمَحَلُّ الْإِنْفَاذِ إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ مَرَضِهِ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَهُ. أَوْ فِي صِحَّتِهِ وَكَانَ غَيْرَ صَرُورَةً لَا إنْ كَانَ صَرُورَةً فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِالْحَجِّ. [قَوْلُهُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ] أَيْ فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: يَجِبُ عَلَيْهِ] هَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ الْمُرَادُ يُوصِي بِالْحَجِّ وَلَعَلَّهُ الظَّاهِرُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَيْنَا] أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا] أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ أَيْ فِي إنْفَاذِهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ، فَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِيهَا. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ أَيْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَا خِلَافَ فِي انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِهَا أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ» إلَخْ أَيْ وَأَمَّا الْحَجُّ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَلْ ثَوَابُهُ لِلْمَيِّتِ أَمْ لَا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ. ج: وَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالتَّصَدُّقِ بِالْمَالِ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ لِلْخِلَافِ فِي حُصُولِ ثَوَابِهِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَيِّتُ. عَبْدُ الْحَقِّ وَلِذَلِكَ لَا تُقْرَأُ الْفَاتِحَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ] أَيْ أَوْصَدَ أَوْ أَخْطَأَ فِي الْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ] أَيْ أَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ لِمَكَّةَ وَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ أَفْعَالَ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: فَلَهُ بِحِسَابِ مَا سَارَ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الصُّعُوبَةُ وَالسُّهُولَةُ وَالْخَوْفُ وَالْأَمْنُ لَا بِحَسَبِ الْمَسَافَةِ، فَقَدْ يَكُونُ رُبْعُهَا يُسَاوِي نِصْفَ الْكِرَاءِ لِصُعُوبَتِهِ وَعَكْسُهُ، فَيُقَالُ: بِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ فِي زَمَنِ الْإِجَارَةِ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِئْجَارِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِعَشَرَةٍ قِيلَ: وَبِكَمْ يَحُجُّ مِثْلُهُ مِنْ مَكَانِ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ قِيلَ بِثَمَانِيَةٍ رَدَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا بَقِيَتْ أَوْ تَلِفَتْ بِسَبَبِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَخَذَ وَارِثُهُ خُمُسَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا وَهَذَا فِي أَجْرِ الضَّمَانِ إذَا وَقَعَ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ بِذِمَّتِهِ وَأَبَى وَارِثُهُ

فَهُوَ) أَيْ ضَمَانُهُ (مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُعَاوَضَتَهُ فِيهِ وَهُوَ الْعَمَلُ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِ الْعِوَضَ (وَإِلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْبَلَاغِ فَ) إنَّهُ إذَا هَلَكَ يَكُونُ (الضَّمَانُ مِنْ الَّذِينَ وَاجْرُوهُ) صَوَابُهُ آجَرُوهُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَإِنَّمَا كَانَ الضَّمَانُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْبَلَاغِ هُوَ أَنْ يُعْطَى مَالًا لِيَحُجَّ بِهِ فَإِنْ أَكْمَلَ الْعَمَلَ كَانَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (وَيَرُدُّ مَا فَضَلَ إنْ فَضَلَ شَيْءٌ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْحَجِّ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْلِكُ مَا اُسْتُؤْجِرَ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كِفَايَتِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْإِتْمَامِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْجَعَالَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِمَوْتِهِ أَوْ صَدِّهِ قَبْلَ التَّمَامِ. وَحَقِيقَةُ أَجْرِ الضَّمَانِ الْعَقْدُ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ. تَنْبِيهٌ وَحَيْثُ مَاتَ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُسْتَأْجَرُ فِي إجَارَةِ الضَّمَانِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، وَفِي الْبَلَاغِ الْآتِيَةِ مِنْ مَحَلِّ الِانْتِهَاءِ أَيْ انْتِهَاءِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَبْتَدِئُ الْحَجَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ، أَيْ يَبْتَدِئُ أَفْعَالَ الْحَجِّ لَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْمَسَافَةِ بَلْ يُحْرِمُ مِنْ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: ضَمَانُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. [قَوْلُهُ: فِيهِ] لَا حَاجَةَ لَهُ فَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُعَاوَضَتَهُ أَيْ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ وَتَحْتَمِلُ عَلَيْهِ عِوَضُهُ وَهُوَ الْعَمَلُ، فَحِينَئِذٍ إذَا ضَاعَتْ الدَّرَاهِمُ تَكُونُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ] شُرُوعٌ فِي الْبَلَاغِ، وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ مَا يُنْفِقُهُ بَدْءًا وَعَوْدًا بِالْعُرْفِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ، فَإِذَا رَجَعَ رَدَّ مَا فَضَلَ مِنْ النَّفَقَةِ وَيَرُدُّ الثِّيَابَ أَيْضًا الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَا يُوَسِّعُ كَثِيرًا وَلَا يَقْتُرُ بَلْ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَأْخُذَ مَفْهُومَهُ لَوْ دَخَلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ النَّفَقَةِ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بَلَاغًا جَائِزًا وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ فِيهِ سَلَفٌ وَإِجَارَةٌ فَلَا تَصِحُّ تِلْكَ الْإِجَارَةُ. [قَوْلُهُ: مِنْ الَّذِينَ وَاجْرُوهُ] أَيْ لِتَفْرِيطِهِمْ بِعَدَمِ إجَارَةِ الضَّمَانِ الَّتِي هِيَ أَحْوَطُ سَوَاءٌ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي أَوْصَى بِإِجَارَةِ الْبَلَاغِ فَفِي بَقِيَّةِ ثُلُثِهِ وَلَوْ قُسِمَ. [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ آجَرُوهُ] أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ. وَقَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَيْ اسْتَحَقَّهُ وَلَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ احْتَاجَ إلَخْ] هَذَا رُوحُ التَّعْلِيلِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْهُ شَيْئًا] ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ عَدَمُ التَّكْمِيلِ لِعُذْرٍ مِنْ مَوْتٍ أَوْ صَدٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَتُحْمَلُ عِبَارَةُ الشَّارِحِ عَلَى مَا إذَا تَرَكَ ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَإِذَا ضَاعَ الْمَالُ مِنْهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ رَجَعَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الْعَمَلِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَا فِي الذَّهَابِ وَلَا فِي الْإِيَابِ لِمَوْضِعِ الضَّيَاعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَاعَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى عَمَلِ الْحَجِّ وَيُكْمِلُ الْعَمَلَ، وَأَمَّا إذَا فَرَغَ الْمَالُ فَيَسْتَمِرُّ وَلَوْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِعِوَضٍ] أَيْ عِوَضٍ مُعَيَّنٍ كَثَلَاثِينَ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ أَيْ فَإِنْ عَجَزَ الْمَالُ عَنْ كِفَايَتِهِ أَيْ الْمُسْتَأْجَرِ. وَقَوْلُهُ: إتْمَامُهُ أَيْ لَزِمَ الْمُسْتَأْجَرَ إتْمَامُ الْحَجِّ.

[باب في علم الفرائض]

[بَابٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ] (بَابٌ فِي) عِلْمِ (الْفَرَائِضِ) جَمْعُ فَرِيضَةٍ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ رَغَّبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَابْتَدَأَ بِتَعْدَادِ مَنْ يَرِثُ فَقَالَ: (وَلَا يَرِثُ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا عَشَرَةٌ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ أَحْسَنُ (وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ] بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْإِرْثَ لَهُ أَرْكَانٌ وَأَسْبَابٌ وَشُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، فَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ وَارِثٌ وَمُوَرِّثٌ وَشَيْءٌ مَوْرُوثٌ، وَأَسْبَابُهُ أَرْبَعَةٌ الْقَرَابَةُ الْمَخْصُوصَةُ وَالْوَلَاءُ وَبَيْتُ الْمَالِ وَالنِّكَاحُ وَلَوْ فَاسِدًا حَيْثُ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ دُخُولٌ، وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ وَالْعِلْمُ بِالْجِهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِرْثِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى الْمُقَدَّرِ. [قَوْلُهُ: رَغِبَ النَّبِيُّ] أَيْ حَثَّ عَلَيْهِ حَثًّا قَوِيًّا أَيْ أَوْجَبَهُ وُجُوبًا أَكِيدًا مِنْ حَيْثُ ذِكْرُ الْعِلَّةِ أَوْ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْحَدِيثِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ، " وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى حَثَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مُدَاوَمَةِ تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ قَصْدُهُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: فِي تَعْلِيمِهِ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَابِقُ لِلْخَارِجِ. [قَوْلُهُ: قَالَ] جَوَابُ سُؤَالٍ نَشَأَ مِنْ قَوْلِهِ رَغَّبَ إلَخْ أَوْ بَيَانٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ» ] وُجُوبًا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاتِحَةِ وَسُنَّةً بِالسُّنَّةِ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَوْ آيَةً، وَنَدْبًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: «وَتَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ» أَيْ وُجُوبًا كِفَائِيًّا وَكَذَا وَعَلِّمُوهَا أَوْ وَالنَّدْبُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِيمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ] أَيْ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهَا سَيُقْبَضُ أَوْ أَنَّهَا سَتُقْبَضُ، وَنُكْتَةُ الْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهَا تُسَمَّى عِلْمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ اسْمٌ لِلْقَوَاعِدِ وَالضَّوَابِطِ أَوْ جِنْسِ الْعِلْمِ وَالتَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ أَيْ تَخْصِيصُ عِلْمِ الْفَرَائِضِ بِالْحَثِّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ يُنْسَى أَيْ يُسْرِعُ إلَيْهِ النِّسْيَانُ لِكَثْرَةِ تَشَابُهِهِ، أَيْ سَيَذْهَبُ بِمَوْتِ أَهْلِهِ لَا أَنَّهُ يُنْزَعُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا السِّرُّ فِي التَّعْبِيرِ بِهِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ غَيْرُ مُرَادٍ؟ قُلْت: الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّهُ كَالشَّبِيهِ بِاَلَّذِي يُنْزَعُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ أَوْ سَيُقْبَضُ حَامِلُهُ، وَعَبَّرَ بِالسِّينِ الْمُؤْذِنَةِ بِالْقُرْبِ مَعَ تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرِيبِ أَوْ نَظَرًا إلَى وُرُودِهِ عَلَى لِسَانِ أُمَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: «وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ» أَيْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبُلْدَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْمُؤْذِنِ بِقُرْبِ الْكُبْرَى مِنْهَا وَهُوَ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ فَإِنَّ الْعِلْمَ سَيَذْهَبُ بِمَوْتِ أَهْلِهِ وَلَا يُخَلِّفُونَ لِظُهُورِ الْفِتَنِ الْمُشْغِلَةِ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُمْ، وَالْمُرَادُ سَتُوجَدُ وَعَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ إشَارَةً إلَى تَحَقُّقِهَا وَأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ الْمُسْتَتِرِ ثُمَّ يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: «حَتَّى يَخْتَلِفَ» أَيْ فَيَخْتَلِفَ فَلَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ وَلَا بِمَعْنَى إلَى وَلَا إلَّا، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوُقُوفَ أَوْ اكْتِفَاءً بِهِ عَنْهُ، وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالِاخْتِلَافِ إشَارَةً إلَى عِظَمِ الْفُجُورِ بِحَيْثُ لَا يَقِفُونَ. [قَوْلُهُ: الِاثْنَانِ] أَقَلُّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ أَوْ أَنَّهُ لَازِمٌ لِكُلِّ عَدَدٍ زَادَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا أَيْ عَارِفًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إذْ وُجِدَ جَاهِلُ كَثِيرٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا عَشَرَةٌ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْبَسْطِ عِدَّتُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ، وَالْأَبُ

[من يرث بالسبب من الزوجين]

وَإِنْ بَعُدَ) وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنْ عَلَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الِابْنِ وَإِنْ سَفُلَ؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي الْأَبِ وَإِنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْهُ غَيْرُهُ (وَالْأَخُ) شَقِيقًا كَانَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَابْنُ الْأَخِ) الشَّقِيقِ أَوْ لِأَبٍ (وَإِنْ بَعُدَ وَالْعَمُّ) الشَّقِيقُ أَوْ لِأَبٍ (وَابْنُ الْعَمِّ) الشَّقِيقِ أَوْ لِأَبٍ (وَإِنْ بَعُدَ وَالزَّوْجُ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ) وَهُوَ الْمُعْتِقُ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَجَازِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْمُنْعِمَ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ غَيْرُ سَبْعٍ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ) لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ (وَالْأُخْتُ) الشَّقِيقَةُ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَالزَّوْجَةُ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ) . وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْدَادِ مَنْ يَرِثُ شَرَعَ يُبَيِّنُ مِقْدَارَ مَا يَرِثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَقَالَ: (فَمِيرَاثُ الزَّوْجِ مِنْ الزَّوْجَةِ إنْ لَمْ تَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ النِّصْفُ فَإِنْ تَرَكَتْ وَلَدًا) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْوَلَدُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا أَوْ لِعَانٍ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ قَاتِلٍ (فَلَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الرُّبْعُ) ، وَدَلِيلُ الْفَرِيضَتَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] . (وَتَرِثُ هِيَ) أَيْ الزَّوْجَةُ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَتَانِ أَوْ الزَّوْجَاتُ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (الرُّبْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَانَ الْوَلَدُ (مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا) زَوْجَةً كَانَتْ أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ فَلَهَا الثُّمُنُ) وَيُشْتَرَطُ فِي وَلَدِ الزَّوْجِ مَا اُشْتُرِطَ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ بِزِيَادَةِ شَرْطٍ وَهُوَ أَلَّا يَكُونَ مِنْ زِنًا، وَدَلِيلُ الْفَرِيضَتَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ} [النساء: 12] الْآيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَدُّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأَخُ لِلْأُمِّ، وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ، وَالْعَمُّ الشَّقِيقُ وَالْعَمُّ لِلْأَبِ، وَابْنُ الْعَمِّ الشَّقِيقِ وَابْنُ الْعَمِّ لِلْأَبِ، وَالزَّوْجُ وَذُو الْوَلَاءِ، وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ مِنْ الذُّكُورِ فَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَجَمِيعُهُمْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ إلَّا الزَّوْجَ وَالْأَخَ لِلْأُمِّ، وَجَمِيعُهُمْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ إلَّا الزَّوْجَ وَمَوْلَى النِّعْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحْسَنُ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَشْهَرُ الْفَتْحُ كَمَا هُوَ مُفَادُ غَيْرِ وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَمَوْلَى النِّعْمَةِ وَهُوَ الْمُعْتِقُ] أَيْ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ مِنْ ابْنِ الْمُعْتِقِ أَوْ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرِثُ مِنْ النِّسَاءِ] أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ، وَأَمَّا بِالْبَسْطِ فَعَشَرَةٌ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُخْتُ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجَةُ وَالْمُعْتِقَةُ، وَجَمِيعُهُنَّ يَرِثُ بِالنَّسَبِ إلَّا الزَّوْجَةَ وَالْمُعْتِقَةَ وَجَمِيعُهُنَّ يَرِثُ بِالْفَرْضِ إلَّا مَوْلَاةَ النِّعْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ] أَيْ الْمُعْتِقَةُ أَيْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا كَابْنِهَا. [مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ] [قَوْلُهُ: وَلَا وَلَدَ ابْنٍ] يُرَادُ بِالِابْنِ مُبَاشَرَةٌ أَوْ بِوَاسِطَةٍ كَابْنِ الِابْنِ. [قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ] أَيْ مُلْتَبِسًا بِنِكَاحٍ إلَخْ. لَا لِلسَّبَبِيَّةِ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي الْأَخِيرِ، وَلَا يَخْفَى رُجُوعُهُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حُرٍّ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُرٍّ وَهُوَ مُرْتَبِطٍ بِالْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ فِي الْوَسَطِ وَلَهُ ثَمَرَةٌ فِي الْأَخِيرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لِلْمُلَاعِنِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فَيَلْتَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ. وَقَوْلُهُ أَوْ وَلَدِهِ الْأَوْلَى أَوْ وَلَدِ ابْنِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا] أَيْ لَا إنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا إلَّا مَا يَأْتِي اسْتِثْنَاؤُهُ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ قَاتِلٍ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَاتِلَ أَيْ الْقَاتِلَ لِلْمَيِّتِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْإِرْثُ إذَا كَانَ مُتَعَمِّدًا لَا يَرِثُ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ، وَإِذَا كَانَ مُخْطِئًا لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ الْمَالِ فَيُحْجَبُ فِيمَا يَرِثُ فِيهِ وَلَا يُحْجَبُ فِيمَا لَا يَرِثُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَتَرِثُ هِيَ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ الرُّبْعَ أَوْ الثُّمُنَ يَشْتَرِكُ فِيهِ النِّسَاءُ عِنْدَ التَّعَدُّدِ عَلَى السَّوَاءِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ نَادِرَةٍ كَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ طَلَّقَ إحْدَاهُنَّ طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَمَاتَ وَجُهِلَتْ الْمُطَلَّقَةُ وَعُلِمَتْ الْمُتَزَوِّجَةُ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ تَقُولُ: أَنَا زَوْجَةٌ، وَيُفْرَضُ الْمَالُ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ دِينَارًا مَثَلًا رُبْعُهُ سِتَّةَ عَشَرَ لِلزَّوْجَاتِ فِي عَدَمِ الْوَلَدِ الْوَارِثِ، فَتُعْطَى الْجَدِيدَةُ أَرْبَعَةً وَالْبَاقِي بَيْنَ الْأَرْبَعِ مَعَ أَيْمَانِهِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَدِيدَةَ تَحَقَّقَ أَنَّهَا رَابِعَةٌ فَلَهَا أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرُّبْعِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ، فَإِنَّهَا جُهِلَتْ الْجَدِيدَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ فَالرُّبْعُ بَيْنَ الْخَمْسِ عَلَى السَّوَاءِ مَعَ أَيْمَانِهِنَّ. [قَوْلُهُ: وَلَا وَلَدُ ابْنٍ إلَخْ] أَرَادَ بِهِ الِابْنَ مُبَاشَرَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ.

[من يرث بالنسب]

تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ فِي تَوَارُثِ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ غَيْرَ قَاتِلٍ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُمَا صَحِيحًا. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَنْ يَرِثُ بِالسَّبَبِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَبَدَأَ بِمِيرَاثِ الْأُمِّ وَذَكَرَ لَهَا ثَلَاثَةَ فَرَائِضَ: الثُّلُثُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ وَالسُّدُسُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَمِيرَاثُ الْأُمِّ مِنْ ابْنِهَا الثُّلُثُ) لَوْ قَالَ مِنْ وَلَدِهَا لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَشْمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (إنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ قَاتِلٍ (أَوْ وَلَدَ ابْنٍ) كَذَلِكَ (أَوْ اثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ مَا كَانُوا فَصَاعِدًا) ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ غَيْرَ قَاتِلِينَ. وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ) أُولَاهُمَا (فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ف) هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ (لِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ) سَهْمٌ (وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) سَهْمٌ (وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ سَهْمَانِ (فَلِلْأَبِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُلْقِي فِي الْمُعَايَاةِ، فَيُقَالُ: امْرَأَةٌ وَرِثَتْ الرُّبْعَ بِالْفَرْضِ بِغَيْرِ عَوْلٍ وَلَا عَوْدٍ وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ (وَ) ثَانِيَتُهُمَا (فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ) فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ (لِلزَّوْجِ النِّصْفُ) ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ) سَهْمٌ (وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ سَهْمَانِ (لِلْأَبِ) وَتُسَمَّى هَاتَانِ الْفَرِيضَتَانِ بِالْغَرَّاوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ غَرَّتْ فِيهِمَا فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الثُّلُثَ لَفْظًا لَا مَعْنًى، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَأْخُذُ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَجَعَلَ الْأُولَى مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّانِيَةَ مِنْ سِتَّةٍ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] فَابْنُ عَبَّاسٍ رَأَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ الْوَلَدُ الشَّرْعِيُّ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ نِكَاحُهُمَا صَحِيحًا] أَيْ أَوْ فَاسِدًا مُخْتَلَفًا فِيهِ. [مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ] [قَوْلُهُ: بِالسَّبَبِ مِنْ إلَخْ] وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ الْأَوْلَى إلَخْ] وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ بِحَالٍ بِخِلَافِ مَنْ يَرِثُ بِالنَّسَبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: مَا كَانُوا] الْقَصْدُ التَّعْمِيمُ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْ فِي حَالِ كَوْنِ الْإِخْوَةِ أَيَّ إخْوَةٍ كَانُوا بَيْنَ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ: ذُكُورًا فَقَطْ إلَخْ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَكَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ التَّغْلِيبِ، وَأَمَّا الْوَسَطُ فَعَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ بِدُونِ تَغْلِيبٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا كُلُّهُمْ إنَاثًا يُقَالُ لَهُمْ أَخَوَاتٌ لَا إخْوَةٌ. [قَوْلُهُ: وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّانِيَةَ قَدْ أَفَادَ أَوَّلًا أَنَّهَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ وَقَوْلُهُ: إلَّا فِي فَرِيضَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْنِ فَلَيْسَ مَصْدُوقُ الْفَرِيضَةِ هُنَا مَصْدُوقَ الْفَرِيضَةِ فِي قَوْلِهِ ثَلَاثُ فَرَائِضَ. وَقَوْلُهُ: فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ إلَخْ. بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: فِي فَرِيضَتَيْنِ بَدَلُ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ أَيْ بَدَلٌ مِنْ مَجْمُوعِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ لَا فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، فَتُؤَوَّلُ بِأَنَّ الْمَعْنَى أُولَاهُمَا مَجْرُورٌ فِي زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَيْ الْمَجْرُورُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَمَا بَقِيَ وَهُوَ سَهْمَانِ فَلِلْأَبِ] فَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْأَبِ جَدًّا لَكَانَ لَهَا الثُّلُثُ حَقِيقَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ مَعَهُ بِالْفَرْضِ وَمَعَ الْأَبِ بِالتَّعْصِيبِ. [قَوْلُهُ: تُلْقِي فِي الْمُعَايَاةِ] عِبَارَةٌ عَنْ إلْقَاءِ كَلَامٍ أَوْ عَمَلٍ لَا يُهْتَدَى لِوَجْهِهِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ لِقَصْدِ إظْهَارِ عَجْزِهِ أَوْ بَيَانِ فَضْلِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَعْنَى تُلْقِي حَالَةَ كَوْنِ إلْقَائِهَا مِنْ إفْرَادِ الْمُعَايَاةِ وَنَصُّ الْأَسَاسِ عَايَا صَاحِبَهُ مُعَايَاةً إذَا أَلْقَى عَلَيْهِ كَلَامًا أَوْ عَمَلًا لَا يُهْتَدَى لِوَجْهِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا عَوْدٍ] أَيْ وَلَا رَدٍّ. مِثَالُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ: هَلَكَ هَالِكٌ عَنْ بِنْتٍ فَقَطْ فَلَهَا النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي رَدًّا. [قَوْلُهُ: فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ] أَيْ لِأَنَّهَا مَخْرَجُ النِّصْفِ وَثُلُثُ الْبَاقِي. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا تَأْخُذُ الثُّلُثَ] أَيْ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهَا. وَقَوْلُهُ: لَا مَعْنَى؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ فِي الْأُولَى الرُّبْعَ وَفِي الثَّانِيَةِ السُّدُسَ. [قَوْلُهُ: فَجَعَلَ الْأُولَى] فَعَلَى هَذَا تَأْخُذُ ثُلُثَهَا أَرْبَعَةً وَالزَّوْجَةُ رُبْعَهَا ثَلَاثَةً وَالْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ لِلْأَبِ. وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ مِنْ سِتَّةٍ أَيْ فَيَأْخُذُ الزَّوْجُ نِصْفَهَا ثَلَاثَةً وَالْأُمُّ ثُلُثَهَا اثْنَيْنِ وَالْأَبُ سُدُسَهَا وَاحِدًا قَالَ تت: وَرَأَى الْجُمْهُورُ أَنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ فِيهِمَا أَيْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُؤَدِّي لِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَخَذَتْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ الثُّلُثَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَكُونُ قَدْ أَخَذَتْ مِثْلَيْ الْأَبِ وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي اجْتِمَاعِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى يُدْلِيَانِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَأْخُذُ الْأُنْثَى مِثْلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَرَأَى الْجُمْهُورُ رَدَّهُ لِمَا لِابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي لِمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ

الْآيَةَ مُنْطَبِقَةً عَلَيْهِمَا وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى مَا إذَا كَانَ جَمِيعُ مَنْ خَلَفَ الْمَيِّتَ الْأَبَوَيْنِ فَقَطْ، وَثَمَّ تَأْوِيلٌ آخَرُ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ (وَلَهَا) أَيْ لِلْأُمِّ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْفَرِيضَتَيْنِ الْغَرَّاوَيْنِ (الثُّلُثُ) كَامِلًا (إلَّا مَا نَقَصَهَا الْعَوْلُ) وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْفُرُوضِ، وَذَلِكَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْفَرِيضَةِ فُرُوضٌ لَا تَفِي بِهَا جُمْلَةُ الْمَالِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إسْقَاطُ بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَلَا تَخْصِيصِ بَعْضِ ذَوِي الْفُرُوضِ بِالتَّنْقِيصِ فَزِيدَ فِي الْفَرِيضَةِ سِهَامٌ حَتَّى يَتَوَزَّعَ النَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ إلْحَاقًا لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِأَصْحَابِ الدُّيُونِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ عَوْلًا. مِثَالُ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ الْمِنْبَرِيَّةُ فَإِنَّ أَصْلَهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَتَعُولُ بِثَمَنِهَا إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسُ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ فَاتَّحَدَ مَخْرَجُ فَرْضِ الْأَبَوَيْنِ فَاكْتَفَيَا بِوَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ، وَانْدَرَجَ فِيهِ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ وَاتَّفَقَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ مَعَ مَخْرَجِ السُّدُسِ بِالنِّصْفِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْبِنْتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إذَا أَخَذَتْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ نَصٌّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ فَيُعَارِضُ قَوْلَهُ قَبْلُ إنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ فِيهِمَا يُؤَدِّي إلَخْ. وَجَوَابُهُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَوَاعِدِ إذَا أَبْطَلَتْ مَذْهَبَهُ فِي الثَّانِيَةِ بَطَلَ مَذْهَبُهُ فِي الْأُولَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي النَّقْضِ صُورَةُ تَأَمُّلٍ لَا يُقَالُ كَيْفَ تُقَدَّمُ الْقَوَاعِدُ عَلَى الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقَوَاعِدُ مِنْ الْقَوَاطِعِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ قَطْعِيًّا فَدَلَالَتُهُ ظَنِّيَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَثَمَّ تَأْوِيلٌ آخَرُ إلَخْ] أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَإِمَّا رَأَوْا أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ كَمُسْتَحَقٍّ عَلَى التَّرِكَةِ، وَكَأَنَّ التَّرِكَةَ مَا بَقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجَيْنِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ أَشْبَهُ بِمُرَادِهِمْ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَا نَقَصَهَا الْعَوْلُ] أَيْ إلَّا فَرِيضَةً نَقَصَهَا الْعَوْلُ أَيْ نَقَصَ فُرُوضَهَا الْعَوْلُ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ الْعَوْلُ أَيْ اصْطِلَاحًا، وَأَمَّا لُغَةً فَيُقَالُ، لِمَعَانٍ مِنْهَا ارْتِفَاعٌ يُقَالُ عَالَ الْمِيزَانُ إذَا ارْتَفَعَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْفُرُوضِ] لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّ الْمَزِيدَ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ الْفُرُوضُ عِنْدَ إبْقَائِهَا عَلَى مَعْنَاهَا أَوْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى عَلَى وَلَا يَصِحُّ، نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَرِيضَةِ لَصَحَّ كَالْمِثَالِ الْآتِي فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ. [قَوْلُهُ: وَذَلِكَ] أَيْ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ كَالْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ. وَقَوْلُهُ: فُرُوضٌ كَالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسَيْنِ وَالثُّمُنُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِنْبَرِيَّةِ. [قَوْلُهُ: جُمْلَةُ الْمَالِ] الْمُنَاسِبُ حَذْفُهَا، وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ فُرُوضٌ لَا تَفِي الْفَرِيضَةُ بِهَا، وَكَوْنُنَا نُرِيدُ بِجُمْلَةِ الْمَالِ الْفَرِيضَةَ وَيَكُونُ إظْهَارًا فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لَا دَاعِيَ إلَيْهِ خُصُوصًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ مِنْ اللَّفْظِ. وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْ الْمُنَاسِبُ وَلَا يُمْكِنُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَخْصِيصٍ إلَخْ أَيْ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ. وَقَوْلُهُ: فَزِيدَ فِي الْفَرِيضَةِ أَيْ عَلَى الْفَرِيضَةِ. [قَوْلُهُ: فَزِيدَ] أَيْ فَيُزَادُ فَتَدَبَّرْ. وَقَوْلُهُ: سِهَامٌ أَيْ مَثَلًا أَوْ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمَزِيدُ سَهْمًا وَاحِدًا وَسَهْمَيْنِ كَاَلَّتِي تَعُولُ لِسَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ وَتَكُونُ مِنْ سِتَّةٍ. [قَوْلُهُ: إلْحَاقًا لِأَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِأَصْحَابِ الدُّيُونِ] وَالْمُلْحَقُ الْعَبَّاسُ وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَ مَاتَتْ امْرَأَةٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ وَكَانَتْ أَوَّلَ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ فَقَالَ لَهُمْ فَرَضَ اللَّهُ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ بَدَأْت بِالزَّوْجِ لَمْ يَبْقَ لِلْأُخْتَيْنِ. حَقُّهُمَا، وَإِنْ بَدَأْت بِالْأُخْتَيْنِ لَمْ يَبْقَ لِلزَّوْجِ حَقُّهُ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ. فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِالْعَوْلِ وَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ سِتَّةَ دَرَاهِمَ وَلِرَجُلٍ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ وَلِآخَرَ أَرْبَعَةٌ أَلَيْسَ يُجْعَلُ الْمَالُ سَبْعَةَ أَجْزَاءٍ؟ فَأَخَذَتْ الصَّحَابَةُ بِقَوْلِهِ. [قَوْلُهُ فَسُمِّيَ ذَلِكَ عَوْلًا] أَيْ فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَالزِّيَادَةِ وَالزِّيَادَةُ ارْتِفَاعٌ وَالْعَوْلُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ الِارْتِفَاعُ سُمِّيَ ذَلِكَ الِارْتِفَاعُ عَوْلًا. [قَوْلُهُ: بِثُمُنِهَا] أَيْ بِمِثْلِ ثُمُنِهَا. [قَوْلُهُ: بِوَاحِدٍ] أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضَيْنِ أَيْ بِسُدُسٍ مِنْ السُّدُسَيْنِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ أَيْ وَالسُّدُسُ. وَقَوْلُهُ: وَانْدَرَجَ فِيهِ أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ السِّتَّةِ مَخْرَجُ فَرْضِ الْبِنْتَيْنِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ الثُّلُثَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَاتَّفَقَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ] أَيْ وَاتَّفَقَ مَخْرَجُ فَرْضِ الزَّوْجَةِ. [قَوْلُهُ:

ثُلُثَاهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأَبِ سُدُسُهَا أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُمِّ كَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ صَارَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَاحْتَجْنَا إلَى فَرْضِ الزَّوْجَةِ فَعُلْنَا بِقَدْرِ ثُمُنِهَا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فَعَالَتْ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْمِنْبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ فَقَالَ عَلَى الِارْتِجَالِ: صَارَ ثُمُنُ الْمَرْأَةِ تِسْعًا. وَأَشَارَ إلَى فَرِيضَةِ الْأُمِّ الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِخْوَةِ مَا كَانَا فَلَهَا السُّدُسُ حِينَئِذٍ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَجْبِ الْأُمِّ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ قَاطِبَةً. إلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَحْجُبُهَا إلَّا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْإِخْوَةِ فَصَاعِدًا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ فَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ الْأَبِ وَذَكَرَ لَهُ ثَلَاثَ فَرَائِضَ أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: (وَمِيرَاثُ الْأَبِ مِنْ وَلَدِهِ) الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (إذَا انْفَرَدَ وَرِثَ الْمَالَ كُلَّهُ) بِلَا خِلَافٍ وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَيُفْرَضُ لَهُ مَعَ) وُجُودِ (الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ) مَعَ (وَلَدِ الِابْنِ) الذَّكَرِ (السُّدُسُ) أَوَّلًا مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] وَإِلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ذَكَرٌ (وَلَا وَلَدُ ابْنٍ) كَذَلِكَ (فُرِضَ لِلْأَبِ السُّدُسُ) أَوَّلًا مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ (وَأُعْطِي) بَعْدَ ذَلِكَ (مَنْ شَرِكَهُ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ) وَهُمْ الْبِنْتُ أَوْ بِنْتُ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَتَانِ مِنْ ذَلِكَ فَصَاعِدًا (سِهَامَهُمْ ثُمَّ كَانَ لَهُ مَا بَقِيَ) إنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَأْخُذُهُ بِالتَّعْصِيبِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ الِابْنِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَذَكَرَ لَهُ فَرِيضَتَيْنِ أَشَارَ إلَى أُولَاهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَمِيرَاثُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ جَمِيعُ الْمَالِ إنْ كَانَ وَحْدَهُ) وَلَيْسَ مَعَهُ ذُو سَهْمٍ، أَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ أَخٌ لَهُ فَأَكْثَرُ فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ جَمِيعَ الْمَالِ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَالثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ بَعْدَ) أَخْذِ (سِهَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ جَدٍّ أَوْ جَدَّةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ] أَيْ أَوْ تَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي سِتَّةٍ. [قَوْلُهُ: بِقَدْرِ ثُمُنِهَا] أَيْ بِقَدْرِ مَخْرَجِ ثُمُنِهَا. [قَوْلُهُ: سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ لَيْسَ مَوْضِعَ سُؤَالٍ فَلَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَهُمْ أَوْ اتَّفَقَ أَوْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الِارْتِجَالِ] هُوَ الْإِتْيَانُ بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ، وَعَلَى بِمَعْنَى مَعَ، أَيْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِ جَائِيًا مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا رَوِيَّةٍ. [قَوْلُهُ: مَا كَانَا] وَلَوْ إخْوَةً وَلَوْ مَحْجُوبِينَ بِالشَّخْصِ كَأَبٍ وَأُمٍّ وَإِخْوَةٍ فَإِنَّهُمْ يَحْجُبُونَهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ احْتِرَازًا مِنْ الْحَجْبِ بِالْوَصْفِ كَأَنْ يَكُونَا رَقِيقَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، فَلَا تُحْجَبُ الْأُمُّ مِنْ الثُّلُثِ. [قَوْلُهُ: الْأَئِمَّةِ] أَرَادَ بِهِمْ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَابَةً أَوْ غَيْرَهُمْ لَا خُصُوصَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ إذْ الْأَصْلُ فِيهِ الِاتِّصَالُ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إلَخْ] بَلْ قَدْ نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ أَنَّ الْأَخَوَيْنِ جَمَاعَةٌ كَالْإِخْوَةِ، فَفِي مَنْعِ إطْلَاقِ الْإِخْوَةِ عَلَى الْأَخَوَيْنِ لُغَةً شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: إذَا انْفَرَدَ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمِيرَاثُ الْأَبِ مِنْ وَلَدِهِ نَقُولُ فِي شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا. [قَوْلُهُ: كُلَّهُ] أَيْ بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِالتَّعْصِيبِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: أَوَّلًا مِنْ أَصْلِ التَّرِكَةِ] لَا حَاجَةَ لِلَفْظِ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْبِنْتُ أَوْ بِنْتُ الِابْنِ] أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُنَّ ذُو فَرْضٍ أَوْ لَا، إذْ لَا يُفْرَضُ لَهُ مَعَ ذِي فَرْضٍ إلَّا مَعَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَتَانِ مِنْ ذَلِكَ فَصَاعِدًا، فَالْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْوَلَدُ أَوْ وَلَدُ الِابْنِ الذَّكَرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ لِذِكْرِهِ لَهُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: إنْ فَضَلَ شَيْءٌ إلَخْ] احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ ابْنَتَانِ وَأَبَوَانِ فَلَا يَفْضُلُ لِلْأَبِ شَيْءٌ يَأْخُذُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ الَّذِي هُوَ السُّدُسُ. [قَوْلُهُ: فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ] أَيْ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَبِ، وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ الرَّجُلِ بِالذَّكَرِ دَفْعُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلِ

وَإِنَّمَا بَدَأَ بِأَهْلِ السِّهَامِ؛ لِأَنَّهُمْ أَصْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ سِهَامًا مُعَيَّنَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْعَصَبَةِ، فَإِذَا كَانَ مَعَهُ زَوْجَةٌ فَقَطْ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لَهَا ثُمُنُهَا وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَانِ فَقَطْ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْأَبَوَيْنِ ثُلُثُهَا وَلِلِابْنِ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدِّ أَوْ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ ثُمُنُهَا ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَبَوَيْنِ الثُّلُثُ ثَمَانِيَةٌ بَيْنَهُمَا وَالْبَاقِي لَهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ ابْنِ الِابْنِ فَقَالَ: (وَابْنُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ) غَالِبًا (إذَا لَمْ يَكُنْ) لِلْمَيِّتِ (ابْنٌ) مِنْ صُلْبِهِ، وَقَيَّدْنَا بِغَالِبًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالِابْنِ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا. وَابْنُ الِابْنِ يَسْقُطُ فِي نَحْوِ أَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ وَابْنِ ابْنٍ وَلَا يَحْجُبُ مِنْ يَحْجُبُهُ الِابْنُ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَيْضًا لَيْسَ هُوَ مِثْلُهُ فِي التَّعْصِيبِ فَإِنَّ ابْنَ الصُّلْبِ يَعْصِبُ بَنَاتَ الصُّلْبِ وَلَا يَعْصِبُهُنَّ ابْنُ الِابْنِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يُبَيِّنُ مَا يَرِثُهُ الِابْنُ مَعَ إخْوَتِهِ فَقَالَ: (فَإِنْ كَانَ ابْنٌ) لِصُلْبٍ (وَ) مَعَهُ (ابْنَةٌ) كَذَلِكَ (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) سَوَاءٌ وَرِثَا الْمَالَ جَمِيعَهُ أَوْ مَا فَضَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَنْ شَرِكَهُمْ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ، فَإِذَا تَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا زَوْجَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ صَحِيحٌ عَلَيْهَا وَسَبْعَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُنْكَسِرَةٍ مُخَالِفَةٍ فَتُضْرَبُ عَدَدُ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ فَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجَةِ سَهْمٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِثَلَاثَةٍ يَبْقَى وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلذَّكَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلِلْأُنْثَى سَبْعَةٌ، وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِمَا يَرِثُهُ الْعَدَدُ مِنْ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فَقَالَ: (وَكَذَلِكَ فِي كَثْرَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَقِلَّتِهِمْ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ (يَرِثُونَ كَذَلِكَ جَمِيعَ الْمَالِ) فَيَقْتَسِمُونَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ خَمْسَةَ بَنِينَ وَخَمْسَ بَنَاتٍ فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَالَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِكُلِّ ذَكَرٍ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُنْثَى سَهْمٌ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَا فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ (بَعْدَ مَنْ شَرِكَهُمْ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ) مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ أَهْلُ سِهَامٍ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سِهَامَهُمْ أَوَّلًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ثُمَّ مَا فَضَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقْتَسِمُهُ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ كَذَلِكَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. ع. قَوْلُهُ: (وَابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي عَدَمِهِ فِيمَا يَرِثُ وَيَحْجُبُ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَابْنُ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ. وَقَالَ ق: مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْحَجْبِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الِابْنَ يَحْجُبُ بِنْتَ الِابْنِ وَلَا يَحْجُبُهَا ابْنُ الِابْنِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي الْمِيرَاثِ أَيْضًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ الْبَنَاتِ وَبَدَأَ بِمِيرَاثِ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ فَقَالَ: (وَمِيرَاثُ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ) الَّتِي لِلصُّلْبِ (النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] (وَلِلِابْنَتَيْنِ) مِنْ بَنَاتِ الصُّلْبِ (الثُّلُثَانِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَّثَهُمَا ذَلِكَ (فَإِنْ كَثُرْنَ) عَلَى الِاثْنَتَيْنِ بِأَنْ كُنَّ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ (لَمْ يَزِدْنَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ شَيْئًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَالِغُ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى ذَكَرٍ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ آتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَالِغُ، أَوْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ عَامًّا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. [قَوْلُهُ: مُعَيَّنَةً بِالْكِتَابِ] أَيْ فِي الْكِتَابِ. [قَوْلُهُ: الثُّلُثُ] أَيْ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ السُّدُسَيْنِ، وَتَقْرِيرُهَا أَنْ تَقُولَ: مَخْرَجُ الثُّمُنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَالسُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ وَبَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. [قَوْلُهُ: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ] لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: فِيمَا تَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ صَاحِبُ فَرْضٍ. [قَوْلُهُ: مَعْنَى كَلَامِهِ] أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ مُرَادٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ أَصْحَابُ سِهَامٍ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] وَأَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: وَيَحْجُبُ وَلِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ ابْنَ الِابْنِ لَا يَحْجُبُ

وَابْنَةُ الِابْنِ كَالْبِنْتِ) الْوَاحِدَةِ لِلصُّلْبِ (إذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتٌ) لِصُلْبٍ مَوْجُودَةً فَإِنَّهَا تَرِثُ النِّصْفَ بِالْإِجْمَاعِ (وَكَذَلِكَ بَنَاتُهُ) أَيْ الِابْنِ (كَالْبَنَاتِ) لِلصُّلْبِ (فِي) حَالِ (عَدَمِ الْبَنَاتِ) لِلصُّلْبِ تَرِثُ الِاثْنَتَانِ مِنْهُنَّ فَصَاعِدًا الثُّلُثَيْنِ بِلَا خِلَافٍ (فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةً وَاحِدَةً) لِلصُّلْبِ مَوْجُودَةً (وَمَعَهَا ابْنَةُ ابْنٍ فَلِلِابْنَةِ) لِلصُّلْبِ (النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ (وَإِنْ كَثُرَتْ بَنَاتُ الِابْنِ) مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ (لَمْ يَزِدْنَ عَلَى ذَلِكَ السُّدُسِ شَيْئًا) عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ) فِي دَرَجَتَيْنِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ وَسَيُصَرِّحُ بِحُكْمِ مَا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ (وَ) إذَا أَخَذَتْ بِنْتُ الصُّلْبِ النِّصْفَ وَبِنْتَا الِابْنِ أَوْ بَنَاتُهُ السُّدُسَ ف (مَا بَقِيَ) بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الثُّلُثُ (لِلْعَصَبَةِ) غَيْرِ عَصَبَاتِ بَنَاتِ الِابْنِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَتْ ابْنَةٌ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَتْ الْبَنَاتُ) لِلصُّلْبِ (اثْنَتَيْنِ) فَصَاعِدًا مَعَ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ (لَمْ يَكُنْ لِبَنَاتِ الِابْنِ شَيْءٌ) فِي السُّدُسِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَيْنِ تَكْمُلَا دُونَ بَنَاتِ الِابْنِ وَلَا فِي غَيْرِ السُّدُسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُنَّ فِي غَيْرِهِ اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ) أَيْ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ (أَخٌ) لَهُنَّ، لَوْ قَالَ بَدَلَهُ ذَكَرٌ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ ابْنَ الْعَمِّ إنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ (ف) إنَّ حُكْمَهُ كَالْأَخِ مَعَهُنَّ (يَكُونُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) إنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يَرِثْنَ بِالتَّعْصِيبِ، وَالْعَاصِبُ لَا يَرِثُ إلَّا مَا فَضَلَ كَابْنَتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَةِ ابْنٍ مَعَهَا ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهَا (وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ ذَلِكَ الذَّكَرُ) الَّذِي مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ (تَحْتَهُنَّ) فَإِنَّهُ يَعْصِبُهُنَّ فَإِذَا عَصَبَهُنَّ (كَانَ) ذَلِكَ (الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ كَذَلِكَ) أَيْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. ع: فَابْنُ الِابْنِ يَعْصِبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَمَنْ فَوْقَهُ وَلَا يَعْصِبُ مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ مِنْ مَسَائِلِ تَعْصِيبِ ابْنِ الِابْنِ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَلِمَنْ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّوْجَ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبْعِ وَلَا الزَّوْجَةَ مِنْ الرُّبْعِ إلَى الثُّمُنِ. [قَوْلُهُ: تَمَامُ الثُّلُثَيْنِ] فُهِمْ مِنْهُ أَنَّ نِصْفَ الْبِنْتِ مَعَ سُدُسِ بِنْتِ الِابْنِ فَرْضٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِمَا قَالَ فَرْضَانِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَتْ إحْدَاهُمَا حِصَّتَهَا تَكُونُ الْأُخْرَى أَحَقَّ بِحِصَّةِ الْبَائِعَةِ تَخْتَصُّ بِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمَا فَرْضٌ وَاحِدٌ لَا عَلَى أَنَّهُمَا فَرْضَانِ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -] أَصْلُ مَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَبَا مُوسَى سُئِلَ عَنْ بِنْتٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُوَافِقُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: 56] لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ مَا بَقِيَ لِلْأُخْتِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ. ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ] وَقِيلَ: ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: 11] إلَخْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ فَوْقَ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ] فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْأَنْزَلَ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ يَعْصِبُهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَهُنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ عَصَبَاتِ بَنَاتِ الِابْنِ] فِيهِ نَظَرٌ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ الِابْنِ الْأَنْزَلِ لَا يَعْصِبُ مِنْ فَوْقِهِ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ إذَا كَانَ لَهُنَّ فِي الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ حُكْمَهُ كَالْأَخِ مَعَهُنَّ] هَذَا السَّبْكُ يُفِيدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَكُونُ مَا بَقِيَ جَارِيًا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ لَا عَلَى الْأَخِ فَيَخْرُجُ الْمُصَنِّفُ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْقَى الْمُصَنِّفُ عَلَى سِيَاقِهِ ثُمَّ يَعْتَرِضَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَعْصِبُ مَنْ تَحْتَهُ] أَيْ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ ابْنَ ابْنٍ وَمَعَهُ بِنْتُ ابْنِ ابْنٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا زَادَ عَلَى فَرْضِ الْبَنَاتِ وَحْدَهُ وَلَا شَيْءَ لِمَنْ تَحْتَهُ مِنْ بَنَاتِ ابْنِ الِابْنِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ الِابْنِ لَا يَرُدُّ عَلَى ابْنَةِ الِابْنِ إذَا كَانَتْ فَوْقَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ بَنَاتُ الصُّلْبِ اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَإِنَّ الْبِنْتَ تَرِثُ النِّصْفَ وَتَرِثُ ابْنَةُ الِابْنِ السُّدُسَ تَمَامَ الثُّلُثَيْنِ وَمَا بَقِيَ لِابْنِ الِابْنِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا تَرِثُ فِي الثُّلُثَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ ابْنَةُ الِابْنِ فِي دَرَجَةِ ابْنِ الِابْنِ فَإِنَّ الْبِنْتَ تَرِثُ النِّصْفَ، وَمَا بَقِيَ بَيْنَ ابْنَةِ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا. [قَوْلُهُ: تَعْصِيبُ ابْنِ الِابْنِ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ

[من يحجب الإخوة والأخوات الأشقاء]

فَوْقَهُ، وَأَجَابَ عَنْهُمَا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ وَعَقَدَ فِي الْعِبَارَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: (وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَ بَنَاتُ الِابْنِ مَعَ الِابْنَةِ) لِلصُّلْبِ (السُّدُسَ وَتَحْتَهُنَّ بَنَاتُ ابْنٍ مَعَهُنَّ) ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ (أَوْ تَحْتَهُنَّ ذَكَرٌ كَانَ ذَلِكَ) الثُّلُثُ الْبَاقِي (بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَاتِهِ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ عَمَّاتِهِ) تَقْدِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: أَرَأَيْت مَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ بِنْتًا لِصُلْبٍ وَبَنَاتَ ابْنٍ وَتَحْتَهُنَّ بَنَاتُ ابْنٍ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ. وَتَقْدِيرُ الثَّانِيَةِ: أَرَأَيْت مَنْ هَلَكَ وَتَرَكَ بِنْتًا لِصُلْبٍ وَبَنَاتَ ابْنٍ وَتَحْتَهُنَّ بَنَاتُ ابْنٍ وَتَحْتَهُنَّ ابْنُ ابْنٍ وَتَقْدِيرُ جَوَابِ الْأُولَى كَانَ ذَلِكَ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَاتِهِ، وَتَقْدِيرُ جَوَابِ الثَّانِيَةِ كَانَ ذَلِكَ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ عَمَّاتِهِ (وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ) الثُّلُثِ الْبَاقِي (مَنْ دَخَلَ فِي الثُّلُثَيْنِ مِنْ بَنَاتِ الِابْنِ) مِنْ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِمَّا تَقَدَّمَ ثُمَّ عَقَّبَ الْكَلَامَ عَلَى الْبَنَاتِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْأَخَوَاتِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاحِدَةَ تَرِثُ النِّصْفَ إذَا انْفَرَدَتْ، وَالِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَيْنِ وَالْأَخُ يَعْصِبُهُنَّ فَقَالَ: (وَمِيرَاثُ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ النِّصْفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةِ الْكَلَالَةِ: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] وَسُمِّيَ الشَّقِيقُ شَقِيقًا؛ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الصُّلْبَ وَالرَّحِمَ مَعَ أَخِيهِ (وَ) مِيرَاثُ (الِاثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] . (فَإِنْ كَانُوا إخْوَةً وَأَخَوَاتٍ شَقَائِقَ أَوْ لِأَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (وَالْأَخَوَاتُ) الشَّقَائِقُ وَالْأُخْتُ الْوَاحِدَةُ (مَعَ الْبَنَاتِ) أَوْ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ أَوْ مَعَ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ (كَالْعَصَبَةِ لَهُنَّ يَرِثْنَ مَا فَضَلَ عَنْهُنَّ وَلَا يُرْبَى لَهُنَّ) أَيْ لَا يُفْرَضُ لِلْأَخَوَاتِ (مَعَهُنَّ) أَيْ مَعَ الْبَنَاتِ بَلْ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ بِالتَّعْصِيبِ، وَقَيَّدْنَا بِالشَّقَائِقِ؛ لِأَنَّ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ لَا شَيْءَ لَهُنَّ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الشَّقَائِقِ، وَإِنَّمَا قَالَ كَالْعَصَبَةِ وَلَمْ يَقُلْ عَصَبَةً؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يُشْبِهْنَ الْعَصَبَةَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ إلَّا مَا بَقِيَ عَنْ الْبِنْتِ، وَلَا يُشْبِهْنَ الْعَصَبَةَ فِي حِيَازَةِ الْمَالِ إذَا انْفَرَدْنَ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ وَالْأَخَوَاتِ الشَّقَائِقَ عَنْ الْمِيرَاثِ فَقَالَ: (وَلَا مِيرَاثَ لِلْإِخْوَةِ) الْأَشِقَّاءِ (وَالْأَخَوَاتِ) الشَّقَائِقِ مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُفْتَرِقِينَ (مَعَ الْأَبِ) بَلْ يُحْجَبُونَ بِهِ حَجْبَ إسْقَاطٍ؛ لِأَنَّهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِمْ أَنْ يَكُونَ مَصْدُوقُ الِابْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ مَا كَانَ مَنْسُوبًا لِلْمَيِّتِ بِلَا وَاسِطَةٍ، فَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يُلَاحِظَ الْوَاسِطَةَ فِي الْمُضَافِ فَيَكُونُ مَصْدُوقُ الْمُضَافِ إلَيْهِ الِابْنَ لِلْمَيِّتِ بِلَا وَاسِطَةٍ، أَوْ يُلَاحِظُ الْوَاسِطَةَ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ، مِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: وَعَقَدَ فِي الْعِبَارَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ حَيْثُ مَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ ابْتِدَاءً أَنَّ قَوْلَهُ: وَتَحْتَهُنَّ ذَكَرٌ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى تَحْتَهُنَّ بَنَاتُ ابْنٍ مَعَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مَعَهُنَّ ذَكَرٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ: كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَاتِهِ أَوْ مَنْ فَوْقَهُ طَرَفًا وَاحِدًا مَعَ أَنَّهُمَا طَرَفَانِ مُرْتَبِطَانِ بِمَا قَبْلَهُمَا عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ. فَقَوْلُهُ: بَيْنَهُ مَعَ قَوْلِهِ وَبَيْنَ أَخَوَاتِهِ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ: وَمَعَهُنَّ ذَكَرٌ فِي دَرَجَتِهِنَّ وَبَيْنَهُ مَعَ قَوْلِهِ: وَمَنْ فَوْقَهُ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ أَوْ تَحْتَهُنَّ ذَكَرٌ. [قَوْلُهُ: يَشُقُّ الصُّلْبَ] أَيْ الظَّهْرَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ ظَهْرَ الْأَبِ. وَقَوْلُهُ: الرَّحِمَ أَيْ رَحِمَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الصُّلْبِ وَيَدْخُلُ فِي الرَّحِمِ. [قَوْلُهُ: مَعَ أَخِيهِ] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَشُقُّ لَيْسَتْ الْمَعِيَّةَ فِي الزَّمَنِ وَإِلَّا لَمْ يَصْدُقْ إلَّا عَلَى التَّوْأَمَيْنِ فَقَطْ، بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي شَقِّ الصُّلْبِ أَيْ تَحَقُّقِ الشَّقِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلصُّلْبِ وَالرَّحِمِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَنُ. [مِنْ يحجب الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الْأَشِقَّاء] [قَوْلُهُ: وَالْأَخَوَاتُ الشَّقَائِقُ] أَرَادَ بِهِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ الْبَنَاتِ إلَخْ رَاجِعٌ لِلطَّرَفَيْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ الشَّقَائِقُ وَالْأُخْتُ. [قَوْلُهُ: كَالْعَصَبَةِ لَهُنَّ] اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُفْرَضُ] تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لَا بِالْحَقِيقَةِ أَيْ لَا يُزَادُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُنَّ] اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ بَيَانٌ

يُدْلُونَ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ يُدْلَى بِشَخْصٍ لَا يَرِثُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا مِيرَاثَ) لَهُمْ أَيْضًا (مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ) الذَّكَرِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنْهُمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبُنُوَّةَ تَشْمَلُهُ (وَالْأَخَوَاتُ لِلْأَبِ فِي) حَالِ (عَدَمِ) الْإِخْوَةِ (الشَّقَائِقِ كَالْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ) قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا فِي أَنَّ الْوَاحِدَةَ إذَا انْفَرَدَتْ تَرِثُ النِّصْفَ وَلِلْبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَيْنِ، وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَتْ) الْوَارِثَةُ (أُخْتًا شَقِيقَةً) لَيْسَ مَعَهَا ذَكَرٌ (وَ) إنَّمَا مَعَهَا (أُخْتٌ) وَاحِدَةٌ لِأَبٍ (أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ فَالنِّصْفُ) يُعْطَى (لِلشَّقِيقَةِ وَ) يُعْطَى (لِمَنْ بَقِيَ مِنْ) جِنْسِ (الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ) تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ كَمَا كَانَ لِبِنْتِ الصُّلْبِ النِّصْفُ وَلِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ بَنَاتِهِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا حَظَّ لِلْأُخْتِ الَّتِي لِلْأَبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَيَّدْنَا بِلَيْسَ مَعَهَا ذَكَرٌ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلَّتِي لِلْأَبِ، ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ أُخْتٍ فَقَالَ: (وَلَوْ كَانَتَا) أُخْتَيْنِ (شَقِيقَتَيْنِ) فَأَكْثَرَ (لَمْ يَكُنْ لِلْأَخَوَاتِ) اللَّوَاتِي (لِلْأَبِ) مَعَهُمَا (شَيْءٌ) فِي السُّدُسِ؛ لِأَنَّ الشَّقِيقَتَيْنِ اسْتَكْمَلَتَا الثُّلُثَيْنِ وَلَا فِي غَيْرِ السُّدُسِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ) أَيْ اللَّوَاتِي لِلْأَبِ (ذَكَرٌ) فِي دَرَجَتِهِنَّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الشَّقِيقَتَيْنِ ذَكَرٌ (فَ) إنَّهُمْ (يَأْخُذُونَ مَا بَقِيَ) بَعْدَ أَخْذِ الشَّقِيقَتَيْنِ أَوْ الشَّقَائِقِ الثُّلُثَيْنِ فَيَقْتَسِمُونَهُ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَقَيَّدْنَا الذَّكَرَ بِكَوْنِهِ فِي دَرَجَتِهِنَّ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَابْنِ الْأَخِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْصِبْ أُخْتَهُ فَمَنْ فَوْقَهُ وَهِيَ عَمَّتُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَصَبَ أُخْتَهُ عَصَبَ مَنْ فَوْقَهُ، وَبِقَوْلِنَا: وَلَمْ يَكُنْ إلَخْ احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا ذَكَرٌ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ. (وَمِيرَاثُ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ سَوَاءٌ السُّدُسُ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَ (وَ) أَمَّا (إنْ كَثُرُوا) بِأَنْ زَادُوا عَلَى الْوَاحِدِ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا (فَ) فَرْضُهُمْ (الثُّلُثُ) يُقْسَمُ (بَيْنَهُمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ) مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِلذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] الْآيَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَجْهِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يُشْبِهْنَ الْعَصَبَةَ فِي أَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ إلَّا مَا بَقِيَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يُدْلُونَ بِهِ] مِنْ أَدْلَى فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يَصِلُونَ. [قَوْلُهُ: الذَّكَرِ] صِفَةٌ لِلْمُضَافِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ ذَكَرٌ. [قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهُ أَقْوَى تَعْصِيبًا] أَيْ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِنَفْسِهِ وَالْأَخُ يُدْلِي بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبُنُوَّةَ تَشْمَلُهُ إلَخْ] فِيهِ أَنَّ مُطْلَقَ الْبُنُوَّةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِتَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَخِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: أَقْوَى تَعْصِيبًا، وَمَا كَانَ التَّعْلِيلُ يَتِمُّ إلَّا لَوْ جَعَلْنَا الْعِلَّةَ فِي تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَخِ الْبُنُوَّةُ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ لَسَلِمَ. [قَوْلُهُ: وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ] أَلْ لِلْجِنْسِ بِمُلَاحَظَةِ التَّغْلِيبِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فِي أَنَّ الْوَاحِدَةَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: كَالْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ] يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُشْتَرَكَةُ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّقَائِقِ. وَقَوْلُهُ: ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ بَدَلٌ مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ الَّذِي هُوَ الْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ لِقُرْبِهِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فِي جَانِبِ الْمُشَبَّهِ الَّذِي هُوَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ جِنْسِ] قَدَّرَهُ لِيُدْخِلَ الْوَاحِدَةَ مِنْ أَخَوَاتِ الْأَبِ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ] وَوَافَقَهُ أَبُو ثَوْرٍ، وَاسْتَدَلَّ أَبُو ثَوْرٍ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ السِّهَامُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . وَمُفَادُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْأُخْتِ لِلْعَاصِبِ عِنْدَهُ، وَلَعَلَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ: إنَّ الْأُخْتَ لِلْأَبِ مِنْ جُمْلَةِ الْفَرَائِضِ. [قَوْلُهُ: لِلْأَخَوَاتِ اللَّوَاتِي] أَلْ لِلْجِنْسِ. [قَوْلُهُ: سَوَاءٌ] حَالٌ مِنْ الْأُخْتِ وَالْأَخِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِمَا مُسْتَوِيَيْنِ لَا مَزِيدَ لِذَكَرٍ عَلَى أُنْثَى فِي الْفَرِيضَةِ. [قَوْلُهُ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى] مُبْتَدَأٌ وَمَعْطُوفٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ خَبَرٌ وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِسَوَاءٍ، فَإِنْ قُلْت: مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ اسْتِوَاءُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ؟ قُلْنَا: مِنْ حُكْمِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ التَّسَاوِي. [قَوْلُهُ: {يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12]] الْكَلَالَةُ الْفَرِيضَةُ الَّتِي لَا وَلَدَ فِيهَا وَلَا وَالِدَ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ

وَالْأُخْتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ خَاصَّةً، وَعَلَى أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَيَحْجُبُهُمْ) أَيْ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأُمِّ (عَنْ الْمِيرَاثِ) حَجْبَ إسْقَاطٍ (الْوَلَدُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (وَبَنُوهُ) وَإِنْ سَفَلُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا (وَالْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ) احْتِرَازًا مِنْ الْجَدِّ لِلْأُمِّ فَلَا يَحْجُبُ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ. (وَالْأَخُ يَرِثُ الْمَالَ) كُلَّهُ تَعْصِيبًا (إذْ انْفَرَدَ كَانَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّقِيقِ وَقَيَّدْنَا بِهَذَا قَوْلَهُ: (وَالشَّقِيقُ) أَيْ الْأَخُ الشَّقِيقُ (يَحْجُبُ الْأَخَ) الَّذِي (لِلْأَبِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ سَاوَى فِي دَرَجَةٍ وَزَادَ بِزِيَادَةِ أُمٍّ فَهُوَ مُقَدَّمٌ. (وَإِنْ كَانَ) مَنْ يَرِثُ (أَخٌ وَأُخْتٌ كَثُرَ شَقَائِقُ أَوْ لِأَبٍ) عِنْدَ عَدَمِ الشَّقَائِقِ (فَالْمَالُ) الْمَوْرُوثُ يُقْسَمُ (بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ كَرَّرَهَا لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ: (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْأَخِ ذُو) أَيْ صَاحِبُ (سَهْمٍ) أَيْ فَرْضٍ (بُدِئَ بِأَهْلِ السِّهَامِ وَكَانَ لَهُ) أَيْ الْأَخِ (مَا بَقِيَ) وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَخِ بَلْ كُلُّ عَاصِبٍ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَمَا أَبْقَتْ السِّهَامُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» . (وَكَذَلِكَ يَكُونُ مَا بَقِيَ) عَنْ أَهْلِ السِّهَامِ (لِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ) الْأَشِقَّاءِ إنْ كَانُوا وَإِلَّا فَلِلْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ يُقْسَمُ ذَلِكَ الْبَاقِي إنْ كَانَ بَيْنَهُمْ (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ لَهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَهْلِ السِّهَامِ إخْوَةٌ لِأُمٍّ) ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا (قَدْ وَرِثُوا الثُّلُثَ) وَوَرِثَ بَقِيَّةُ أَهْلِ السِّهَامِ الثُّلُثَيْنِ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ فَقَدْ اسْتَكْمَلُوا الْمَالَ (وَ) الْحَالُ (أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ) بَعْدَ اسْتِغْرَاقِ أَهْلِ السِّهَامِ جَمِيعَ الْمَالِ (أَخٌ شَقِيقٌ) فَقَطْ (أَوْ إخْوَةٌ ذُكُورٌ) فَقَطْ (أَوْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ) مَعًا (شَقَائِقُ مَعَهُمْ فَ) إنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ أَوْ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ (يُشَارِكُونَ كُلُّهُمْ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ) لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي وِلَادَةِ الْأُمِّ (فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ) أَجْمَعِينَ (بِالسَّوَاءِ) حَظُّ الذَّكَرِ كَالْأُنْثَى (وَهِيَ الْفَرِيضَةُ الَّتِي تُسَمَّى) عِنْدَ الْفَرْضِيَّيْنِ (بِالْمُشْتَرَكَةِ) لِاشْتِرَاكِ الْإِخْوَةِ فِي الثُّلُثِ. ك: وَتُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ وَهِيَ كُلُّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ وَاثْنَانِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ فَصَاعِدًا، وَعَصَبَةٌ مِنْ الْأَشِقَّاءِ فَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَنْ تَابَعَهُ يَقُولُ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَتَشْتَرِكُ الْإِخْوَةُ فِي الثُّلُثِ الْبَاقِي فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ، فَتَرْجِعُ الْإِخْوَةُ الْأَشِقَّاءُ عَلَى الْأُخْتَيْنِ لِلْأُمِّ فَيُشَارِكُونَهُمَا فِي الثُّلُثِ وَحَظُّ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ سَوَاءٌ انْتَهَى. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا تُسَمَّى مُشْتَرِكَةً وَبَدَأَ بِفِقْدَانِ الْأَشِقَّاءِ فَقَالَ: (وَلَوْ كَانَ مَنْ بَقِيَ إخْوَةٌ لِأَبٍ لَمْ يُشَارِكُوا الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ فِي ثُلُثِهِمْ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ وِلَادَةِ الْأُمِّ) ثُمَّ ثَنَّى بِفِقْدَانِ الْعَصَبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَوَاءٌ إلَخْ سَوَاءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِسَوَاءٍ. [قَوْلُهُ: وَبَنُوهُ] أَيْ بَنُو الْوَلَدِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ. وَقَوْلُهُ: وَبَنُوهُ أَيْ جِنْسُهُمْ وَفِيهِ تَغْلِيبٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنَاثًا. [قَوْلُهُ: مَعَهُمْ] لَا حَاجَةَ لَهُ، وَالْمَعْنَى أَوْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ حَالَةَ كَوْنِهِمْ أَيْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إخْوَةً شَقَائِقَ. [قَوْلُهُ: كُلُّهُمْ] تَأْكِيدٌ لِلْوَاوِ فِي قَوْلِهِ يُشَارِكُونَ. [قَوْلُهُ: أَجْمَعِينَ] تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ بَيْنَهُمْ. [قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاكِ] هَذَا يُؤْذِنُ بِقِرَاءَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ قِرَاءَتُهَا بِالْكَسْرِ وَنِسْبَةُ الِاشْتِرَاكِ إلَيْهَا مَجَازٌ وَلَوْ كَانَ فِي الْمُشْتَرَكَةِ جَدٌّ لَسَقَطَتْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْأَشِقَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَرِثُونَ فِيهَا بِوِلَادَةِ الْأُمِّ، وَالْجَدُّ يُسْقِطُ كُلَّ مَنْ يَرِثُ بِهَا، وَتُلَقَّبُ هَذِهِ بِشِبْهِ الْمَالِكِيَّةِ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ لِسُقُوطِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَتُعْرَفُ أَيْضًا بِالْحِمَارِيَّةِ] ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّهَا رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ إسْقَاطِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: هَبْ أَنَّ أَبَانَا كَانَ حِمَارًا أَلَيْسَتْ الْأُمُّ لَنَا وَاحِدَةً فَحَكَمَ بِالثُّلُثِ لِجَمِيعِهِمْ بِالسَّوَاءِ الْأَشِقَّاءُ وَاَلَّذِي لِلْأُمِّ. [قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ] أَيْ قَدْ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتُفْرَضُ فِيمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ أَخٌ شَقِيقٌ. وَقَوْلُهُ: وَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَيْ قَدْ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ

[حكم ذوي الأرحام]

فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ مَنْ بَقِيَ أُخْتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أُعِيلَ لَهُنَّ) أَيْ صَارَتْ مِنْ مَسَائِلِ الْعَوْلِ وَبَطَلَ التَّشْرِيكُ فَيُعَالُ لِلْوَاحِدَةِ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ فَتَبْلُغُ تِسْعَةً وَيُعَالُ لِلِاثْنَتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةٌ فَتَبْلُغُ عَشَرَةً، وَإِنْ كَانَتْ شَقِيقَةً وَأُخْتًا لِأَبٍ أُعِيلَ لِلشَّقِيقَةِ بِالنِّصْفِ وَاَلَّتِي لِلْأَبِ بِالسُّدُسِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ وَثُلُثٌ بِفِقْدَانِ تَعْدَادِ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ فَقَالَ: (وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ أَخٌ وَاحِدٌ أَوْ أُخْتٌ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرِكَةً وَكَانَ مَا بَقِيَ) وَهُوَ السُّدُسُ (لِلْإِخْوَةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا) فَقَطْ (أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا) فَالذُّكُورُ فَقَطْ يَقْتَسِمُونَهُ بِالسَّوِيَّةِ وَالذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ يَقْتَسِمُونَهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ كُنَّ إنَاثًا) أَيْ الْأَخَوَاتُ (لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أُعِيلَ لَهُمْ) صَوَابُهُ لَهُنَّ تَكْرَارٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَالْأَخُ لِلْأَبِ كَالشَّقِيقِ فِي) حَالِ (عَدَمِ الشَّقِيقِ) تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (إلَّا فِي الْمُشْتَرِكَةِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ثَبَتَ لِلشَّقِيقِ فِيهَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّ الْأَخِ لِلْأَبِ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِي وِلَادَةِ الْأُمِّ (وَابْنُ الْأَخِ كَالْأَخِ فِي) حَالِ (عَدَمِ الْأَخِ كَانَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ) مُرَادُهُ أَنَّهُ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ فِي التَّعْصِيبِ خَاصَّةً لَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ يُخَالِفُ الْأَخَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ ابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ) وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا سَيَأْتِي وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَالْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَالْأَخُ لِلْأَبِ أَوْلَى مِنْ ابْنِ أَخٍ شَقِيقٍ) لِعُلُوِّهِ عَلَيْهِ بِدَرَجَةٍ (وَ) كَذَا (ابْنُ أَخٍ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ أَخٍ لِأَبٍ) فِي دَرَجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ فِي دَرَجَتِهِ احْتِرَازًا مِمَّا إذَا كَانَ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ الشَّقِيقِ، وَسَيَنُصُّ عَلَى ضَابِطٍ لِذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: (وَابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ يَحْجُبُ عَمًّا لِأَبَوَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِوِلَادَةِ الْأَبِ وَالْعَمُّ يُدْلِي بِوِلَادَةِ الْجَدِّ (وَ) مِنْهُ (عَمُّ الْأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ عَمًّا لِأَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ رَحِمًا وَتَعْصِيبًا وَاَلَّذِي لِلْأَبِ لَيْسَ فِي دَرَجَتِهِ إلَّا التَّعْصِيبُ (وَ) مِنْهُ (عَمٌّ لِأَبٍ يَحْجُبُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ) لِعُلُوِّهِ عَلَيْهِ بِدَرَجَةٍ (وَ) مِنْهُ (ابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُ ابْنَ عَمٍّ لِأَبٍ) فِي دَرَجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُدْلِي بِسَبَبَيْنِ وَالضَّابِطُ هُوَ قَوْلُهُ: (وَهَكَذَا يَكُونُ الْأَقْرَبُ أَوْلَى) مُطْلَقًا أَيْ فِي الْإِخْوَةِ وَأَبْنَائِهِمْ وَالْأَعْمَامِ وَأَبْنَائِهِمْ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حُكْمِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهِيَ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَارِ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ وَلَا عَصَبَةٍ، وَعَلَى جِهَةِ الْبَسْطِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سِتَّةٌ مِنْ الرِّجَالِ وَسَبْعٌ مِنْ النِّسَاءِ، ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً بِالْمَنْطُوقِ وَاثْنَيْنِ بِالْمَفْهُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَ وَتُفْرَضُ فِيمَا إذَا كَانَ أَخَوَانِ شَقِيقَانِ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ أُخْتَانِ وَهُنَا وَاحِدَةٌ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ] أَيْ الْأَخِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا مَا اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ مِنْ أَنَّهُ الشَّقِيقُ أَوْ الَّذِي لِلْأَبِ. [قَوْلُهُ: فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ إلَخْ] الْأَوَّلُ: ابْنُ الْأَخِ لَا يَعْصِبُ أُخْتَهُ وَالْأَخُ يَعْصِبُهَا. الثَّانِي: أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَحْجُبُهُمْ الْجَدُّ وَيَحْجُبُ أَبْنَاءَهُمْ. الثَّالِثُ: أَنَّ الِاثْنَيْنِ مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ بِخِلَافِ آبَائِهِمْ. الرَّابِعُ: أَنَّ ابْنَ الْأَخِ إذَا كَانَ مَكَانَ الْأَخِ فِي الْمُشْتَرِكَةِ لَمْ تَكُنْ مُشْتَرِكَةً بَلْ يَسْقُطُ ابْنُ الْأَخِ. الْخَامِسُ: ابْنُ الْأَخِ لِلْأُمِّ لَا يَرِثُ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذَا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ تَكْرَارٌ مَعَ مَا سَيَأْتِي] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا سَيَأْتِي هُوَ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي مَرْكَزِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا سَيَأْتِي قَدْ ذُكِرَ مَعَ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَالْمَوْضِعُ لَهُ مَا سَيَأْتِي فَصَارَ هَذَا تَكْرَارٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ ابْنَ الْأَخِ الشَّقِيقِ وَاَلَّذِي لِلْأَبِ كَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ عَنْ ابْنِ الْأَخِ لِلْأُمِّ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَرِثُ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ أَبَاهُ مِنْ ذَوِي الْفُرُوضِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّعْصِيبِ فَكَانَ كَابْنِ الْبِنْتِ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ] وَهُوَ قَوْلُهُ وَالشَّقِيقُ يَحْجُبُ الْأَخَ لِلْأَبِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ] أَيْ مِنْ الضَّابِطِ أَيْ مِنْ أَفْرَادِهِ. وَقَوْلُهُ: يَكُونُ إلَخْ تَوْضِيحٌ لِقَوْلِهِ وَهَكَذَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُفَادَ بِهَذَا مَا لَمْ يُذْكَرْ مِمَّا يُقَاسُ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَقَدْ جُعِلَ هَذَا الضَّابِطُ الشَّامِلُ لِمَا تَقَدَّمَ وَبِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرْنَا لَا يَكُونُ ضَابِطًا شَامِلًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ وَالضَّابِطُ هُوَ مُفَادُ قَوْلِهِ: وَهَكَذَا بِجِهَةِ اللُّزُومِ وَهُوَ أَنَّ الْأَقْرَبَ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَوْلَى. [حُكْم ذَوِي الْأَرْحَام] [قَوْلُهُ: وَهِيَ عَلَى جِهَةِ إلَخْ]

[موانع الميراث]

فَقَالَ: (وَلَا يَرِثُ بَنُو الْأَخَوَاتِ مَا كُنَّ) شَقَائِقَ أَوْ لِأَبٍ وَبَنَاتُهُنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلَا) يَرِثُ (بَنُو الْبَنَاتِ) وَبَنَاتُهُنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَلَا) يَرِثُ (بَنَاتُ الْأَخِ) مَا كَانَ شَقِيقًا أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ (وَلَا) يَرِثُ (بَنَاتُ الْعَمِّ) وَلَا عَمُّ أَخُو أَبِيك لِأُمِّهِ ك: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا (وَلَا جَدٌّ لِأُمٍّ) وَفِي بَعْضِهَا أَيْضًا (وَلَا ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ وَلَا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ) وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَالْخَالُ وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ: وَلَا يَرِثُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَّا مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ فَقَالَ: (وَلَا يَرِثُ عَبْدٌ) قِنٌّ (وَلَا) يُورَثُ وَمِثْلُهُ (مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ) كَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ ثُبُوتِ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَبَيْنَ مَنْ مَعَهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الَّذِينَ حَدَثُوا مِنْ أَمَتِهِ بَعْدَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ جَمِيعُ مَالِهِ لِمَنْ لَهُ فِيهِ رِقٌّ (وَ) كَذَا (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) إجْمَاعًا وَقَوْلُهُ: (وَلَا ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ وَلَا جَدٌّ لِأُمٍّ وَلَا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ) تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَرِثُ أُمُّ أَبِي الْأَبِ مَعَ وَلَدِهَا أَبِ الْمَيِّتِ) فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ أَوَّلَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ الْجَدِّ وَآخِرَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ الْأَبِ وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَرِثُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ مَعَ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَلَا مَعَ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ) تَكْرَارٌ لَكِنْ فِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ: (ذَكَرًا كَانَ) الْوَلَدُ (أَوْ أُنْثَى) وَكَذَا قَوْلُهُ: (وَلَا مِيرَاثَ لِلْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ مَا كَانُوا) أَشِقَّاءَ أَوْ لِأَبٍ تَكْرَارٌ وَقَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُ عَمٌّ مَعَ الْجَدِّ وَلَا ابْنُ الْأَخِ مَعَ الْجَدِّ) دَاخِلٌ فِي الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) كَذَا (لَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ) الْعُدْوَانِ (مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ وَ) كَذَا (لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنَاسِبُ وَهُمْ. [قَوْلُهُ: شَقَائِقَ أَوْ لِأَبٍ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ أَوْ لِأُمٍّ. [قَوْلُهُ: وَبَنَاتُهُنَّ] هَذِهِ بِالْمَفْهُومِ وَقَوْلُهُ: وَبَنَاتُهُنَّ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَهَذِهِ أَيْضًا بِالْمَفْهُومِ، وَيُحْتَمَلُ دُخُولُ الْإِنَاثِ فِي الْبَنِينَ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ تَغْلِيبًا. [قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا أَيْضًا] مِنْ كَلَامِ ك. [مَوَانِع الْمِيرَاث] [قَوْلُهُ: عَلَى مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ] وَهِيَ الْكُفْرُ وَالرِّقُّ وَقَتْلُ الْعَمْدِ وَالشَّكُّ وَاللِّعَانُ. [قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ] أَيْ لِأَنَّ الرِّقَّ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ إذْ هُوَ سَبَبُهُ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَا تَقَدَّمَ] أَيْ فَيَرِثُهُ إرْثًا لُغَوِيًّا أَيْ يَأْخُذُ الْمَالَ الْبَاقِيَ بَعْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لُغَةً الْبَقَاءُ لَا الْإِرْثَ الشَّرْعِيَّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ] عِبَارَةُ بَهْرَامَ وَغَيْرِهِ تُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مَذْهَبُنَا، وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِنْ أَنَّ مِيرَاثَهُ لِلَّذِي أَعْتَقَ بَعْضَهُ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْجُمْهُورِ] مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ مُعَاذُ وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِنْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ دَلِيلُهُمَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» . وَاخْتُلِفَ فِيمَا عَدَا الْإِسْلَامِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ هَلْ يُحْكَمُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ كَالْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ مِلَلٍ وَأَدْيَانٍ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ النَّصْرَانِيَّةَ مِلَّةٌ وَالْيَهُودِيَّةَ مِلَّةٌ وَمَا عَدَاهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَرِثُ يَهُودِيٌّ نَصْرَانِيًّا وَلَا عَكْسُهُ وَكَذَا الْمَجُوسِيُّ، وَيَقَعُ التَّوَارُثُ بَيْنَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْمَجُوسِ وَعُبَّادِ الشَّمْسِ وَالْحَجَرِ. وَقَالَ عج: إنَّ كَلَامَ ابْنِ مَرْزُوقٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ غَيْرَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ مِلَلٌ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمَّهَاتِ، وَأَنَّ خَلِيلًا اعْتَمَدَ عَلَى نَقْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ مَالِكٍ وَفِيهِ مَقَالٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكَافِرِ الزِّنْدِيقُ أَوْ السَّاحِرُ أَوْ السَّابُّ إذَا قُتِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَمَا لَهُمْ لِوَارِثِهِمْ إنْ أَنْكَرُوا مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَابُوا. [قَوْلُهُ: وَلَا ابْنُ أَخٍ لِأُمٍّ إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَ الْمَانِعِ الثَّالِثِ وَمَا قَبْلَهُ بِمَسَائِلَ تَكَرَّرَتْ فِي كَلَامِهِ، وَمَا أَدْرِي مَا عُذْرُهُ فِي ذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلِابْنِ أَخٍ لِأُمٍّ وَلِأَبٍ إلَخْ. [قَوْلُهُ: فِيهِ إشْكَالٌ] قَالَ التَّتَّائِيُّ: وَقَدْ يُقَالُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ وَإِنْ عَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَبٌ، نَعَمْ يَبْقَى إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَضِيَّةَ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ فَقَدَ وَلَدَهَا أَبُو الْمَيِّتِ تَرِثُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ هِيَ لَا تَرِثُ بِحَالٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ] أَيْ الْوَلَدُ الْمُضَافُ لِلْوَلَدِ وَأَمَّا الْوَلَدُ الْمُضَافُ إلَيْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا. [قَوْلُهُ: وَلَا ابْنُ الْأَخِ مَعَ الْجَدِّ] لِأَنَّ رُتْبَةَ الْجَدِّ فِي رُتْبَةِ الْأَخِ، وَالْأَخُ. يَحْجُبُ ابْنَهُ فَكَذَا مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ. [قَوْلُهُ: الْعُدْوَانِ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَمْدِ غَيْرِ الْعُدْوَانِ كَقَتْلِ الْإِمَامِ

يَرِثُ قَاتِلُ الْخَطَإِ مِنْ الدِّيَةِ وَيَرِثُ مِنْ الْمَالِ) وَيَحْجُبُ فِي مَوْضِعٍ يَرِثُ وَلَا يَحْجُبُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرِثُ، وَتَقَدَّمَ فِي الدِّمَاءِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ أُمًّا وَأَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا قَاتِلُهُ فَإِنَّ الْأُمَّ تَرِثُ مِنْ الْمَالِ السُّدُسَ وَمَا بَقِيَ لِلْأَخَوَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّ الْأَخَوَيْنِ يَحْجُبَانِهَا مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ، وَتَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ فَلَا يَحْجُبُهَا، وَبَقِيَ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: انْتِفَاءُ النَّسَبِ بِاللِّعَانِ وَاسْتِهَامُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي الْمَوْتِ وَالْإِشْكَالُ إمَّا فِي الْوُجُودِ وَإِمَّا فِي الذُّكُورِيَّةِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ بَيْنَ الْإِرْثِ وَالْحَجْبِ مُلَازَمَةً بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ فَلَا يَحْجُبُ وَارِثًا) إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ (وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ) الْمَخُوفِ الَّذِي أَشْرَفَ فِيهِ الزَّوْجُ عَلَى الْمَوْتِ (تَرِثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدْلِ أَحَدًا مِمَّنْ يَرِثُهُ فِي حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَكَقَتْلِ شَخْصٍ أَبَاهُ مَثَلًا فِي بَاغِيَةٍ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ، وَمَنْ قَتَلَ شَخْصًا لَهُ وَلَاءُ عَتِيقٍ وَالْقَاتِلُ وَارِثُ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَالَهُ مِنْ الْوَلَاءِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَأَمَّا إذَا قُتِلَ عَتِيقُهُ فَلَا يَرِثُهُ، وَقَتْلُ الصَّبِيِّ غَيْرَهُ عَمْدًا عُدْوَانًا يُوجِبُ عَدَمَ الْإِرْثِ مِنْ الْمَقْتُولِ. فَقَوْلُهُمْ: عَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْقِصَاصِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتِبْهَامُ إلَخْ] السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَيْ كَمَا إذَا مَاتَ قَوْمٌ مِنْ الْأَقَارِبِ فِي سَفَرٍ أَوْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ بِغَرَقٍ فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ صَاحِبَهُ وَإِنَّمَا خَلَفَ الْأَحْيَاءَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ صُورَتَانِ مَا إذَا مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبِينَ وَجُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا وَاعْتَرَضَ فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ عَدَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِرْثِ مِنْهُ لِفَقْدِ الشَّرْطِ وَهُوَ تَأَخُّرُ حَيَاةِ الْوَارِثِ عَنْ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْوُجُودِ إلَخْ] هُوَ الْمُنْقَطِعُ خَبَرُهُ فَيَعْمُرُ مُدَّةً يَعِيشُ إلَيْهَا غَالِبًا قِيلَ: سَبْعُونَ، وَقِيلَ: ثَمَانُونَ، وَقِيلَ: تِسْعُونَ، وَقِيلَ: مِائَةٌ. فَلَوْ مَاتَ مُوَرِّثٌ لَهُ قُدِّرَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ التَّعْمِيرِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فَكَالْمَوْتَى فِي الْعُدْمِ، فَإِنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا وَأَبًا مَفْقُودًا فَعَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مِنْ سِتَّةٍ، وَعَلَى أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَتَضْرِبُ الْوَفْقَ فِي الْكَامِلِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةٌ، وَيُوقَفُ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ أَخَذَ الزَّوْجُ ثَلَاثَةً وَالْأَبُ ثَمَانِيَةً، وَإِنْ تَبَيَّنَ مَوْتُهُ أَوْ مَضَى التَّعْمِيرُ أَخَذَتْ الْأُخْتُ تِسْعَةً وَالْأُمُّ اثْنَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي الذُّكُورِيَّةِ] قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي إدْخَالِهِ الْإِشْكَالَ فِي الذُّكُورِيَّةِ هُنَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ وَهُوَ لَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ عَاجِلًا بَلْ يُوجِبُ نَقْصَ الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَتَأَخَّرُ النَّظَرُ فِيهِ لِيُنْظَرَ فِي أَمْرِهِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَحَيْثُ حُكِمَ بِالْإِشْكَالِ فَمِيرَاثُهُ نِصْفُ نَصِيبَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَتَقْرِيرُهُ مَعْلُومٌ مِنْ شُرَّاحِ خَلِيلٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا] أَيْ الشَّكُّ فِي الْوُجُودِ وَالذُّكُورِيَّةِ وَهُوَ الشَّكُّ فِي حَمْلِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ، أَيَّ شَكٍّ هَلْ يُوجَدُ أَيْ بِحَيْثُ تَضَعُ وَتَدُلُّ عَلَى حَيَاتِهِ بِنَحْوِ صُرَاخٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ حَيَاتِهِ فَهَلْ هُوَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ إلَخْ] يُحْجَبُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ، وَلَا تَرِثُ الْأُولَى: أُمٌّ وَجَدٌّ وَإِخْوَةٌ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ لِحَجْبِهِمْ بِالْجَدِّ. الثَّانِيَةُ: أَبَوَانِ وَإِخْوَةٌ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ وَلَا يَرِثُونَ لِحَجْبِهِمْ بِالْأَبِ. الثَّالِثَةُ: الْمُشْتَرِكَةُ إذَا كَانَ فِيهَا جَدٌّ. الرَّابِعَةُ: الْمَالِكِيَّةُ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَجَدٌّ فَإِنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَلَا يَرِثُونَ وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ثَلَاثَةً وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ اثْنَانِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ لَهُ لَوْ كُنْت دُونِي لَمْ تَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ يَأْخُذُهُ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَأَنَا أَحْجُبُ كُلَّ مَنْ يَرِثُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَيَأْخُذُ الْجَدُّ الثُّلُثَ كَامِلًا. وَقَالَ زَيْدٌ: لِلْأَخِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ لِلْأَبِ شَقِيقٌ لَكَانَتْ شِبْهَ الْمَالِكِيَّةِ. الْخَامِسَةُ: الْمُعَادَةُ كَأَخٍ شَقِيقٍ وَأَخٍ لِأَبٍ وَجَدٍّ فَإِنَّ الشَّقِيقَ يَعُدُّ عَلَى الْجَدِّ الْأَخَ لِلْأَبِ فَيَقْتَسِمُونَ الْمَالَ أَثْلَاثًا ثُمَّ يَرْجِعُ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ فَيَأْخُذُ مَا بِيَدِهِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا فِي الْمَرَضِ] وَمِثْلُ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ كَانَ طَلَاقُهَا مُعَلَّقًا فِي صِحَّتِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ مَثَلًا ثُمَّ فَعَلَتْ الْمُعَلَّقَ

[ميراث الجدات]

زَوْجَهَا إنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ) الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ إخْرَاجِ وَارِثٍ» وَبِهِ قَضَى عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِيُعَامَلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ (وَلَا يَرِثُهَا هُوَ) ؛ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ بِبَيْنُونَتِهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي النِّكَاحِ (وَكَذَلِكَ) مِثْلُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي الْمَرَضِ الطَّلَاقُ فِيهِ (إنْ كَانَ الطَّلَاقُ) طَلْقَةً (وَاحِدَةً) رَجْعِيَّةً (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ) الَّذِي طَلَّقَ فِيهِ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ) فِي أَنَّهَا تَرِثُهُ لِيُعَامَلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَلَا يَرِثُهَا هُوَ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ. وَقَيَّدْنَا بِرَجْعِيَّةٍ. احْتِرَازًا مِمَّا لَوْ أَبَانَهَا فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الثَّلَاثِ تَرِثُ مُطْلَقًا فِي الْعِدَّةِ وَخَارِجِهَا، وَمَفْهُومُ مَاتَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ بَعْدَمَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَمَفْهُومُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَوْ مَاتَ فِيهَا لَكَانَ الْحُكْمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَرِثُهَا كَمَا تَرِثُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الصَّحِيحُ) زَوْجَتَهُ (طَلْقَةً وَاحِدَةً) رَجْعِيَّةً (فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ مَا كَانَتْ) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِهَا (فِي الْعِدَّةِ) وَكَذَا بَقِيَّةُ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ ثَابِتَةٌ بَيْنَهُمَا مِنْ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ) مِنْ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ (فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا بَعْدَهَا) وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي مَرَضِهِ لَمْ تَرِثْهُ وَلَا يَرِثُهَا) تَكْرَارٌ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدَّاتِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا وَحَجْبِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا فَقَالَ: (وَتَرِثُ الْجَدَّةُ) الَّتِي (لِلْأُمِّ السُّدُسَ) فَقَطْ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهَا السُّدُسَ (وَكَذَلِكَ) الْجَدَّةُ (الَّتِي لِلْأَبِ) تَرِثُ السُّدُسَ قِيَاسًا عَلَى الَّتِي لِلْأُمِّ (فَإِنْ اجْتَمَعَتَا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَانِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الَّتِي لِلْأُمِّ أَقْرَبَ بِدَرَجَةٍ فَتَكُونُ أَوْلَى بِهِ) لِقُرْبِهَا وَ (لِأَنَّهَا الَّتِي) وَرَدَ (فِيهَا النَّصُّ وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي لِلْأَبِ أَقْرَبَهُمَا فَالسُّدُسُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يَرِثُ عِنْدَ) إمَامِنَا (مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَكْثَرُ مِنْ جَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُمَا) يَقُمْنَ مَقَامَهُمَا عِنْدَ عَدَمِهِمَا تَحْجُبُ الْقُرْبَى الْبُعْدَى عَلَى حُكْمِ مَا تَقَدَّمَ (وَيُذْكَرُ) وَفِي رِوَايَةٍ وَيُحْفَظُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّهُ وَرَّثَ ثَلَاثَ جَدَّاتٍ وَاحِدَةً مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) وَهِيَ أُمُّ الْأُمِّ (وَاثْنَتَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ) إحْدَاهُمَا (أُمُّ الْأَبِ وَ) الْأُخْرَى (أُمُّ أَبِي الْأَبِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْ الْخُلَفَاءِ) الْأَرْبَعَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) أَجْمَعِينَ (تَوْرِيثُ أَكْثَرَ مِنْ جَدَّتَيْنِ) . ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مِيرَاثِ الْجَدِّ فَقَالَ: (وَمِيرَاثُ الْجَدِّ) لِلْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ فِي حَالِ مَرَضِ الزَّوْجِ الْمَخُوفِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ وَلَوْ قَصَدَتْ تَحْنِيثَهُ بِفِعْلِهَا الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: تَرِثُ زَوْجَهَا] وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِالْأَزْوَاجِ، وَأَمَّا لَوْ مَاتَتْ دُونَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهَا؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ فَلَمَّا ارْتَكَبَ النَّهْيَ عُومِلَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ. فَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَلْيُعَامَلْ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ. [قَوْلُهُ: وَبِهِ قَضَى عُثْمَانُ] أَيْ فَقَدْ طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. [قَوْلُهُ: وَلْيُعَامَلْ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهِ] أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ] وَتِلْكَ الْعِلَّةُ وَإِنْ اقْتَضَيْت عَدَمَ إرْثِهَا إلَّا أَنَّ إرْثَهَا مِنْ حَيْثُ ارْتِكَابُهُ النَّهْيَ. [قَوْلُهُ: فِي أَنَّهَا تَرِثُهُ] أَيْ مِثْلُهُ فِي أَنَّهَا تَرِثُهُ. [قَوْلُهُ: فَلَا مِيرَاثَ] أَيْ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الصِّحَّةِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَهَا] لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: انْقَضَتْ إلَّا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ. [قَوْلُهُ: لَمْ تَرِثْهُ وَلَا يَرِثُهَا] لِفَسَادِ ذَلِكَ النِّكَاحِ وَلَوْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، وَلَوْ أَذِنَ الْوَارِثُ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ الْمُخْتَلَفَ فِي فَسَادِهِ فِيهِ الْإِرْثُ، وَوَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ فِيهِ إدْخَالَ وَارِثٍ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ. [مِيرَاث الْجَدَّات] [قَوْلُهُ: لِقُرْبِهَا] الْأَوْلَى حَذْفُهَا لِوُجُودِهَا فِي الَّتِي لِلْأَبِ عِنْدَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ. [قَوْلُهُ: وَأُمَّهَاتِهِمَا] ظَاهِرُ حِلِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ حِلٌّ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ وَيُحْفَظُ] وَهِيَ أَقْوَى كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ قُوَّةُ الْأُولَى

[ميراث الجد]

ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (إذَا انْفَرَدَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ الْأَشِقَّاءِ أَوْ لِلْأَبِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ (فَلَهُ الْمَالُ) كُلُّهُ كَالْأَبِ إجْمَاعًا (وَلَهُ) أَيْ الْجَدِّ لِلْأَبِ (مَعَ الْوَلَدِ الذَّكَرِ أَوْ مَعَ وَلَدِ الْوَلَدِ الذَّكَرِ السُّدُسُ) فَقَطْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ (فَ) أَمَّا (إنْ شَرِكَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ غَيْرَ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ فَلْيُفْرَضْ) وَفِي نُسْخَةٍ فَلْيُقْضَ (لَهُ السُّدُسُ) مِنْ أَصْلِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ أَوْ الِاثْنَتَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فَصَاعِدًا (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ) بَعْدَ أَخْذِ الْجَدِّ السُّدُسَ وَأَهْلِ السِّهَامِ سِهَامَهُمْ (كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْجَدِّ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَرِثَ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَفِي عِبَارَتِهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ غَيْرَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَمَّا الْإِخْوَةُ فَبِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا الْأَخَوَاتُ فَعَلَى مَذْهَبِنَا؛ لِأَنَّهُنَّ إنَّمَا يَرِثْنَ مَعَ الْجَدِّ بِالتَّعْصِيبِ (فَإِنْ كَانَ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ إخْوَةٌ) أَيْ جِنْسُ الْإِخْوَةِ أَشِقَّاءٌ أَوْ لِأَبٍ اجْتَمَعَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ أَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا (فَالْجَدُّ) حِينَئِذٍ لَهُ أَرْبَعُ حَالَاتٍ ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْهَا حَالَةً وَاحِدَةً وَهِيَ أَنَّهُ (مُخَيَّرٌ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ) وَفِي تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ مُخَيَّرٌ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْأَفْضَلَ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (يَأْخُذُ أَيْ ذَلِكَ أَفْضَلُ لَهُ) وَالْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (إمَّا مُقَاسَمَةُ الْإِخْوَةِ) فَيُقَدَّرُ أَخًا (أَوْ) يَأْخُذُ (السُّدُسَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ) يَأْخُذُ (ثُلُثَ مَا بَقِيَ) مِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ الْمُقَاسَمَةِ جَدٌّ وَأَخٌ وَجَدَّةٌ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدَّةِ سَهْمٌ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ وَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ بَعْدَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ، وَمِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ السُّدُسِ زَوْجَةٌ وَابْنَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَعَلَّ وَجْهَ كَوْنِ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْحِفْظِ يُؤْذِنُ بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ عَنْهُ دُونَ التَّعْبِيرِ بِالذِّكْرِ. [قَوْلُهُ: أَنَّهُ وَرَّثَ إلَخْ] وَرُوِيَ بِتَوْرِيثِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ. [مِيرَاث الْجَدّ] [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ وَلَا ابْنُ ابْنٍ وَلَا إخْوَةٌ. [قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَأَمَّا إنْ شَرِكَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ] أَيْ كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ أَوْ ابْنَتَانِ فَأَكْثَرَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِ الْأَبِ إذْ لَا يُفْرَضُ لَهُ السُّدُسُ مَعَ ذِي الْفَرْضِ إلَّا مَعَ الْمَذْكُورَاتِ وَحْدَهُنَّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ مِنْ غَيْرِهِنَّ كَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ لَكَانَ مَا بَقِيَ لَهُ فَقَطْ تَعْصِيبًا. [قَوْلُهُ: فَلْيُقْضَ إلَخْ] وَهِيَ أَوْلَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ بَقِيَ إلَخْ] أَفَادَ أَنَّهُ تَارَةً لَا يَبْقَى لَهُ كَمَا إذَا تَرَكَ الْمَيِّتُ جَدًّا وَبِنْتَيْ ابْنٍ وَأُمًّا. [قَوْلُهُ: وَفِي عِبَارَتِهِ إشْكَالٌ] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ فَإِنْ شَرِكَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السِّهَامِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا. [قَوْلُهُ: فَعَلَى مَذْهَبِنَا] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ لَهُ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْأَخَوَاتِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ أَخٌ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ مَعَ أَهْلِ السِّهَامِ] أَيْ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِالْجَدِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشَّارِحِ. [قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسُ الْإِخْوَةِ] قَدَّرَهُ لِيَتَنَاوَلَ الْوَاحِدَ مِنْ الْإِخْوَةِ. [قَوْلُهُ: حَالَةً وَاحِدَةً] نَذْكُرُ لَك بَقِيَّةَ الْأَحْوَالِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَنَقُولُ: الثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَغْرِقَ الْفَرْضُ جَمِيعَ الْمَالِ فَيُفْرَضُ لِلْجَدِّ السُّدُسُ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَيَسْقُطُ الْأَخُ كَمَا لَوْ تَرَكَ زَوْجًا وَبِنْتَيْنِ وَأُمًّا وَجَدًّا وَأَخًا فَلِلْبِنْتَيْنِ ثَمَانِيَةٌ الثُّلُثَانِ وَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَمَجْمُوعُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ فَاسْتَغْرَقَتْ الْفَرْضَ قَبْلَ اعْتِبَارِ الْجَدِّ، فَيُفْرَضُ لِلْجَدِّ السُّدُسُ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَيَسْقُطُ الْأَخُ؛ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَفْضُلَ عَنْ الْفَرْضِ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ، وَمَجْمُوعُهُمَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ فَيَفْضُلُ وَاحِدٌ هُوَ نِصْفُ سُدُسٍ فَتَعُولُ لِلْجَدِّ بِتَمَامِ السُّدُسِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَيَسْقُطُ الْأَخُ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَفْضُلَ عَنْ الْفَرْضِ السُّدُسُ فَيُدْفَعُ لِلْجَدِّ فَرْضًا وَيَسْقُطُ الْأَخُ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَجَدٍّ وَأَخٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ ذَلِكَ] أَيْ الثَّلَاثَةُ، وَأَتَى بِإِشَارَةِ الْبَعِيدِ مَعَ الْقُرْبِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَرْضًا يَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَعِيدِ. [قَوْلُهُ: أَفْضَلَ لَهُ] بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنْ أَيِّ. [قَوْلُهُ: أَيْ جِنْسُ الْإِخْوَةِ] إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ لِيَنْطَبِقَ عَلَى قَوْلِهِ فَهُوَ يُقَاسِمُ

[مسألة المعادة]

وَأَخٌ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي ثَمَانِيَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثُلُثَاهَا سِتَّةَ عَشَرَ لِلْبِنْتَيْنِ وَثُمُنُهَا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجَةِ وَالْبَاقِيَةُ خَمْسَةٌ، فَلَوْ أَخَذَ الْجَدُّ ثُلُثَهَا لَأَخَذَ سَهْمًا وَثُلُثَيْ سَهْمٍ، وَلَوْ قَاسَمَ لَأَخَذَ سَهْمَيْنِ وَنِصْفًا وَالْأَخُ كَذَلِكَ، وَإِذَا أَخَذَ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَيَأْخُذُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَالْأَخُ سَهْمًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ السُّدُسَ خَيْرٌ لَهُ، وَمِثَالُ أَفْضَلِيَّةِ الْبَاقِي أُمٌّ وَجَدٌّ وَخَمْسَةُ إخْوَةٍ فَفَرْضُ الْأُمِّ السُّدُسُ مَخْرَجُهُ مِنْ سِتَّةٍ وَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ لِلْأُمِّ سَهْمٌ وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ، فَإِنْ أَخَذَ الْجَدُّ سُدُسَ جَمِيعِ الْمَالِ أَخَذَ سَهْمًا وَاحِدًا، وَإِنْ قَاسَمَ أَخَذَ نِصْفًا وَثُلُثَ سَهْمٍ، وَإِنْ أَخَذَ ثُلُثَ الْبَاقِي أَخَذَ ثُلُثَ الْخَمْسَةِ وَهُوَ سَهْمٌ وَثُلُثَا سَهْمٍ وَلَيْسَ لِلْبَاقِي ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَتَضْرِبُ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ لِلْأُمِّ سُدُسُهَا ثَلَاثَةٌ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِلْجَدِّ ثُلُثُهَا خَمْسَةٌ فَكَانَ ثُلُثُ الْبَاقِي خَيْرًا لَهُ، وَبَقِيَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ عَشْرَةٌ لِلْخَمْسَةِ إخْوَةٍ لِكُلِّ أَخٍ سَهْمَانِ (فَ) أَمَّا (إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ) أَيْ الْجَدِّ (غَيْرَ الْإِخْوَةِ) أَيْ جِنْسَ الْإِخْوَةِ لَا أَهْلَ السِّهَامِ وَلَا غَيْرَهُمْ فَلَهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثُ حَالَاتٍ، إحْدَاهَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَهُوَ) أَيْ الْجَدُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرَ الْإِخْوَةِ (يُقَاسِمُ أَخًا) وَأَشَارَ إلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: (وَأَخَوَيْنِ) أَيْ وَيُقَاسِمُ أَخَوَيْنِ (أَوْ عَدْلَهُمَا أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ) وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ كَلَامِهِ هَلْ الْمُقَاسَمَةُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ أَمْ لَا، وَالْمَنْقُولُ فِي الْأُولَى أَنَّ الْمُقَاسَمَةَ أَفْضَلُ وَفِي الثَّانِيَةِ اسْتِوَاءُ الْمُقَاسَمَةِ وَثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالثَّالِثَةُ: أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ زَادُوا) أَيْ الْإِخْوَةُ عَلَى الْأَخِ وَالْأَخَوَيْنِ وَعَدْلِهِمَا بِأَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْجَدِّ (فَلَهُ الثُّلُثُ) مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَرْضًا لَا يَنْقُصُ عَنْهُ مِثَالُ أَوْلَى جَدٍّ وَأَخٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْنِ لِلْجَدِّ سَهْمٌ وَهُوَ نِصْفٌ وَلِلْأَخِ السَّهْمُ الْآخَرُ، وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ جَدٌّ وَأَخَوَانِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْمَالِ، وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ جَدٌّ وَثَلَاثَةُ إخْوَةٍ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمٌ وَلِلْبَاقِي سَهْمَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا تَصِحُّ وَلَا تُوَافِقُ فَتُضْرَبُ رُءُوسُ الْمُنْكَسِرِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَكُونُ تِسْعَةً لِلْجَدِّ ثُلُثَاهَا ثَلَاثَةٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الْإِخْوَةِ سَهْمَانِ، إذَا عَلِمْت هَذَا (فَهُوَ) أَيْ الْجَدُّ (يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُقَاسَمَةُ أَفْضَلَ لَهُ) مِنْ أَخْذِ الثُّلُثِ أَوْ اسْتَوَيَا فَإِنَّهُ يُقَاسِمُ (وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْجَدِّ (فِي) حَالِ (عَدَمِ) الْإِخْوَةِ (الشَّقَائِقِ كَالشَّقَائِقِ) إلَّا فِي الْمُشْتَرِكَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسْأَلَةٍ تُسَمَّى الْمُعَادَةَ انْفَرَدَ بِهَا زَيْدٌ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَتَبِعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ إمَامُنَا مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَهِيَ (فَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ الْأَشِقَّاءُ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ (عَادَّهُ الشَّقَائِقُ بِاَلَّذِينَ لِلْأَبِ) أَيْ دَخَلُوا فِي عِدَادِهِمْ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْعَدَدِ (فَ) بِسَبَبِ عَدِّ الشَّقَائِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخًا وَلَوْ أَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَنْطَبِقْ. [قَوْلُهُ: أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ] بَدَلٌ مِنْ عَدْلِهِمَا. [قَوْلُهُ: مِنْ أَصْلِ الْمَالِ فَرْضًا] أَيْ وَأَمَّا فِي تَعْيِينِ الْمُقَاسَمَةِ فَأَخْذُهُ تَعْصِيبٌ، وَفِي حَالَةِ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ فَفَرْضٌ حَيْثُ أَرَادَ أَخْذَ الثُّلُثِ وَتَعْصِيبٌ حَيْثُ أَرَادَ الْمُقَاسَمَةَ هَذَا مَا ظَهَرَ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ يَرِثُ الثُّلُثَ] أَيْ تَعْيِينًا وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُقَاسِمُ فِي الْأَوَّلِ تَعْيِينًا وَفِي الثَّانِيَةِ تَخْيِيرًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَاصِرٌ وَهَذَا كَالْحَاصِلِ لِمَا تَقَدَّمَ. أَقُولُ: وَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ يَرِثُ الثُّلُثَ تَعْيِينًا أَوْ تَخْيِيرًا لَاسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ أَوْ يَسْتَوِيَا فَتَدَبَّرْ. [مَسْأَلَة المعادة] [قَوْلُهُ: انْفَرَدَ بِهَا زَيْدٌ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعَادُونَهُ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مَعَ الشَّقَائِقِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَشِقَّاءُ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ] الْقَصْدُ الْجِنْسُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ بَعْدَ مِثَالِ ذَلِكَ إلَخْ. [قَوْلُهُ: عَادَّهُ الشَّقَائِقُ] أَيْ حَاسَبُوهُ فَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَيْ دَخَلُوا أَيْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ إلَخْ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لَا

عَلَى الْجَدِّ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ (مَنَعُوهُ بَعْدَهُمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ ثُمَّ كَانُوا) أَيْ الْأَشِقَّاءُ الذُّكُورُ (أَحَقَّ مِنْهُ) صَوَابُهُ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا نَقَصَهُ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَيِّتُ جَدًّا وَأَخًا شَقِيقًا وَأَخًا لِأَبٍ، فَإِنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يُعَادُّ الْجَدَّ بِالْأَخِ لِلْأَبِ فَيَكُونُ لِلْجَدِّ الثُّلُثُ وَهُوَ الَّذِي تُعْطِيهِ الْمُقَاسَمَةُ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْأَخُ الشَّقِيقُ فَيَأْخُذُ السَّهْمَ الَّذِي لِلْأَخِ لِلْأَبِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ سَهْمَانِ وَفِي يَدِ الْجَدِّ سَهْمٌ، وَفَسَّرْنَا الضَّمِيرَ فِي كَانُوا بِالْأَشِقَّاءِ الذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَشِقَّاءِ ذَكَرٌ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَلَهَا أَخٌ لِأَبٍ أَوْ أُخْتٌ لِأَبٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ فَتَأْخُذُ) الشَّقِيقَةُ (نِصْفَهَا مِمَّا حَصَلَ) كَمَا كَانَتْ تَأْخُذُهُ لَوْ انْفَرَدَتْ لَكِنْ تَعْصِيبًا لَا فَرْضًا فَإِنَّ الْجَدَّ يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ (وَ) بَعْدَ أَنْ تَأْخُذَ نِصْفَهَا (تُسَلِّمُ مَا بَقِيَ) مِنْ التَّرِكَةِ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى مَنْ ذُكِرَ مِنْ جَدٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ أَوْ أُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ هُمَا لِأَبٍ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِهَا بَاقٍ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ، مِثَالُ الْأُولَى جَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأَخٌ لِأَبٍ فَهَذِهِ مِنْ خَمْسَةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَلِلْأَخِ كَذَلِكَ وَلِلْأُخْتِ وَاحِدٌ، ثُمَّ تَرْجِعُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الْأَخِ لِلْأَبِ بِكَمَالِ النِّصْفِ وَالْخَمْسَةُ لَا نِصْفَ لَهَا فَتُضْرَبُ فِي مَقَامِ النِّصْفِ وَهُوَ اثْنَانِ بِعَشْرَةٍ فَتَأْخُذُ الشَّقِيقَةُ النِّصْفَ خَمْسَةً وَالْجَدُّ أَرْبَعَةً وَيَأْخُذُ الْأَخُ لِلْأَبِ السَّهْمَ الْبَاقِيَ. وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ: جَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَهَذِهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ وَاحِدٌ ثُمَّ تَرْجِعُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الَّتِي لِلْأَبِ فَتَأْخُذُ مَا بِيَدِهَا فَتُكْمِلُ نِصْفَهَا فَلَمْ يَبْقَ لِلَّتِي لِلْأَبِ شَيْءٌ. وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ جَدٌّ وَأُخْتٌ شَقِيقَةٌ وَأَخٌ وَأُخْتٌ لِأَبٍ وَهَذِهِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدِّ اثْنَانِ وَلِلْأَخِ اثْنَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ وَاحِدٌ ثُمَّ تَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْحَقِيقَةِ. وَقَوْلُهُ: عِدَادُهُمْ أَيْ مَعْدُودُهُمْ أَيْ إذَا عَقَدَ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ، وَلَا تُقَصِّرُ الْإِخْوَةُ عَلَى الْأَشِقَّاءِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْإِخْوَةِ مِنْ حَيْثُ هُمْ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ الْعَدَدِ نِسْبَةً فِي التَّحْقِيقِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَلَا يَظْهَرُ لَهُ صِحَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ فَاعِلِ الْمُعَادَةِ مُعَادِدٌ بَلْ عَادَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ أَيْ دَخَلُوا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعَدَدِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا قُلْنَا وَلِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ الْأَخَ الشَّقِيقَ يُعَادُّ أَنْ يَقُولَ مِنْ الْمُعَادَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَاحِظْ الْأَخْذَ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ إذْ الْعَدَدُ قَدْ يَأْتِي مَصْدَرًا وَبِمَعْنَى الْمَعْدُودِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: عَدِّ الشَّقَائِقِ] الْتَفَتَ لِلْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِمْ مَسْأَلَةُ الْمُعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ يُعَادُّ أَنْ يَقُولَ فَبِسَبَبِ مُعَادَّةِ الشَّقَائِقِ. [قَوْلُهُ: بِعَدِّهِمْ] أَيْ بِسَبَبِ عَدِّهِمْ. [قَوْلُهُ: كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ] أَيْ زِيَادَةَ أَيْ مَزِيدَ الْمِيرَاثِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ لِكُلَّيْهِ وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ: بَعْدُ أَيْ لِمَا نَقَصَهُ إلَخْ. فَيَكُونُ الْمُشَارُ لَهُ مُتَقَدِّمًا صَرِيحًا، وَيَحْتَمِلُ مَنَعُوهُ كَوْنَ الْمِيرَاثِ كَثِيرًا فَيَكُونُ الْمُشَارُ لَهُ مُتَقَدِّمًا ضِمْنًا. [قَوْلُهُ: يُعَادُ الْجَدُّ] أَيْ يُحَاسَبُ الْجَدُّ. [قَوْلُهُ: بِالْأَشِقَّاءِ الذُّكُورِ إلَخْ] هَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَاحَظَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ بَاقِيًا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْجَدَّ يَعْصِبُ الْأَخَوَاتِ] لَا يَخْفَى أَنَّ أَخْذَهَا النِّصْفَ لَيْسَ مِنْ كَوْنِهَا عَصَبَةً بِالْجَدِّ بَلْ بِالنَّظَرِ لِكَوْنِهِ فَرْضَهَا مَعَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ. [قَوْلُهُ: أَيْ إلَى مَنْ ذُكِرَ] هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَفْرَدَ مَعَ أَنَّهُ جَمْعٌ وَقَوْلُهُ: مِنْ جَدٍّ إلَخْ الْأَوْلَى حَذْفُ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يُلَاحَظُ أَخْذُهُ نَصِيبَهُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: إنْ بَقِيَ شَيْءٌ] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الْأَمْثِلَةَ الْآتِيَةَ لَهَا مُحْتَوِيَةٌ عَلَى الْبَقَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي بَعْضِهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ بَاقٍ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ. وَقَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ وَهُوَ الْوَسَطُ لَا يُنَاسِبُ وَضْعَ الْقَيْدِ عَلَى ذَلِكَ السِّيَاقِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَقِيقٌ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا أَخَذَهُ مَا كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَبِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ شَقِيقَةٌ فَإِنَّهَا تَسْتَكْمِلُ نِصْفَهَا أَوْ الثُّلُثَيْنِ إنْ تَعَدَّدَتْ، وَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مَنْ وُجِدَ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَبِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ هُمَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ ذُو سَهْمٍ أَوْ

[ما يرثه مولى النعمة ومولاة النعمة]

الشَّقِيقَةُ عَلَيْهِمَا بِتَمَامِ النِّصْفِ فَتَأْخُذُ مِمَّا بِيَدِ الْأَخِ وَاحِدًا وَتَأْخُذُ مِنْ الْأُخْتِ السَّهْمَ الَّذِي بِيَدِهَا ثُمَّ تَرْجِعُ الْأُخْتُ لِلْأَبِ عَلَى أَخِيهَا فَتُقَاسِمُهُ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ، فَوَاحِدٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا يَنْقَسِمُ فَتُضْرَبُ الْمَسْأَلَةُ فِي مَقَامِ الثُّلُثِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِنْهَا تَصِحُّ (وَلَا يُرْبَى) أَيْ لَا يُفْرَضُ (لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ) شَيْءٌ مُسَمًّى (إلَّا فِي) الْمَسْأَلَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْفَرْضِيَّيْنِ بِالْأَكْدَرِيَّةِ وب (الْغَرَّاءِ وَحْدَهَا) فَإِنَّهُ يُفْرَضُ فِيهَا لِلْأَخَوَاتِ وَالْجَدِّ وَلَا يُقَدَّرُ أَخًا ثُمَّ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى الْمُقَاسَمَةِ (وَسَنَذْكُرُهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) آخِرَ هَذَا الْبَابِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا يَرِثُهُ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَمُوَالَاةِ النِّعْمَةِ فَقَالَ: (وَيَرِثُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى) وَهُوَ الْمُعْتِقُ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ (إذَا انْفَرَدَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ صَاحِبُ فَرْضٍ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَةِ الْعَتِيقِ (جَمِيعَ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ سَوَاءٌ (كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً) وَاحْتَرَزَ بِالْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ، وَالْأَصْلُ فِي ثُبُوتِ إرْثِهِ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ الْأَعْلَى (أَهْلُ سَهْمٍ) أَيْ فَرْضٍ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ عَصَبَةٌ أَخَذَ أَهْلُ السِّهَامِ سِهَامَهُمْ وَ (كَانَ) بَعْدَ ذَلِكَ (لِلْمَوْلَى الْأَعْلَى مَا بَقِيَ) بَعْدَ أَخْذِ أَهْلِ السِّهَامِ سِهَامَهُمْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ وَبِهَذَا قَضَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَتْرُكَ بِنْتًا فَتَأْخُذَ النِّصْفَ وَيَأْخُذَ هُوَ الْبَاقِيَ وَقَيَّدْنَا بِلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ عَصَبَةٌ لِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ الْمَوْلَى) الْأَعْلَى (مَعَ الْعَصَبَةِ) أَيْ عَصَبَةِ الْعَتِيقِ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ بِالنَّسَبِ وَهُوَ بِالْوَلَاءِ (وَهُوَ) أَيْ الْمَوْلَى الْأَعْلَى (أَحَقُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا سَهْمَ لَهُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) لِعَدَمِ التَّعْصِيبِ فِيهِمْ وَلَا فَرْضَ لَهُمْ فَسَقَطُوا (وَلَا يَرِثُ) عِنْدَنَا (مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَّا مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ (وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ) شَيْئًا (إلَّا) فِي (مَا أَعْتَقْنَ) أَيْ بَاشَرْنَ الْعِتْقَ أَوْ أُعْتِقَ عَنْهُنَّ (أَوْ جَرَّهُ) إلَيْهِنَّ (مَنْ أَعْتَقْنَ بِوِلَادَةٍ أَوْ عِتْقٍ) ع: أَمَّا الْعِتْقُ فَبَيِّنٌ وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ، ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا. [قَوْلُهُ: فَتَأْخُذُ مِمَّا بِيَدِ الْأَخِ وَاحِدًا إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ تَقُولُ الشَّقِيقَةُ لَا اسْتِحْقَاقَ لَكُمَا إلَّا بَعْدَ أَخْذِ نِصْفِي فَآخُذُ كَمَا كُلًّا أَخَذَ وَكَأَنَّ ثَلَاثَتَهُمَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا قَسْمٌ فَتَأْخُذُ اثْنَيْنِ ثُمَّ الْفَاضِلُ يُقْسَمُ عَلَى إخْوَةِ الْأَبِ. [قَوْلُهُ: بِالْأَكْدَرِيَّةِ] سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ أَصْلَ زَيْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ فِي بَابِ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُخْتِ وَلَا يُعِيلُ وَقَدْ فَرَضَ وَأَعَالَ، أَوْ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ سَأَلَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَكْدَرُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالْجَدُّ] أَيْ يُفْرَضُ فِيهَا لِلْجَدِّ الْأَوْلَى حَذْفُهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ إنَّمَا هُوَ فَرْضُ الْأَخَوَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يُدْلَى لِلْأَخَوَاتِ مَعَ الْجَدِّ. [مَا يَرِثُهُ مَوْلَى النِّعْمَةِ وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ] [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتِقُ] فَإِنْ عَدِمَ الْمُعْتِقُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَرِثَ الْعَتِيقَ أَوْلَى عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ بِكَسْرِ التَّاءِ، فَإِنْ عَدِمَتْ وَرِثَهُ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَصَبَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ] أَيْ فَيَأْخُذُونَ فَرْضَهُمْ وَيَأْخُذُ الْمَوْلَى الْبَاقِيَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَخُ لِلْأُمِّ ابْنَ عَمٍّ وَإِلَّا أَخَذَ الْبَاقِيَ تَعْصِيبًا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْوَلَاءِ] أَيْ مِنْ أَجْلِ الْوَلَاءِ، وَمَفْعُولُ يَرِثُ شَيْئًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ «الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ، وَأَرَادَ بِالْوَلَاءِ أَثَرَهُ مِنْ الْمَالِ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا أَعْتَقْنَ] أَيْ إلَّا الْوَلَاءَ الْكَائِنَ فِي الشَّخْصِ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ. فَقَوْلُهُ: الْعِتْقُ أَيْ عَتَقَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أُعْتِقَ عَنْهُنَّ أَيْ أَعْتَقَهُ عَنْهُنَّ غَيْرُهُنَّ بِإِذْنِهِنَّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِنَّ كَمَا أَفَادَهُ تت. وَقَوْلُهُ: أَوْ جَرَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَعْتَقْنَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ الشَّخْصَ لَا الْوَلَاءَ وَالتَّقْدِيرُ إلَّا الْوَلَاءَ الثَّابِتَ فِي الشَّخْصِ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ أَوْ الشَّخْصِ الَّذِي جَرَّهُ الشَّخْصُ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ أَيْ جَرَّ وَلَاءَهُ. وَقَوْلُهُ: إلَيْهِنَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَوْ جَرَّهُ إلَيْهِنَّ أَيْ النِّسَاءِ، وَلَوْ أَبْقَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَأْتِي بِفِي لَاسْتَقَامَ، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ شَيْئًا إلَّا وَلَاءَ مَا أَعْتَقْنَ وَلَمَّا كَانَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ رَقِيقًا وَالرَّقِيقُ نَاقِصٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَعْقِلُ فَعَبَّرَ بِمَا. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْعِتْقُ فَبَيِّنٌ] أَيْ بِأَنْ تُعْتِقَ الْمَرْأَةُ عَبْدًا وَهُوَ يُعْتِقُ عَبْدًا فَيَمُوتُ الْعَبْدُ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَمُوتُ الْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ عَنْ مُعْتِقَةِ

[العول]

فَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ فَوَلَاءُ الْأَمَةِ وَالْجَنِينِ لِلْمَرْأَةِ وَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنَّ وَلَاءَهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَافِرٍ أَوْ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مِنْ زِنًا أَوْ مِنْ لِعَانٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ أَوْ يَعْتِقَ الْعَبْدُ أَوْ يُكَذِّبُ نَفْسَهُ الْمَلَاعِنُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِأَبِيهِ فِي ذَلِكَ هَذَا فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ، وَأَمَّا وَلَدُ الْمُعْتَقِ فَوَلَدُ الصُّلْبِ وَلَاؤُهُمْ لِلَّذِي أَعْتَقَهُ وَوَلَدُ الْبِنْتِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُعْتَقَةِ انْتَهَى. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْعَوْلِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ فِي السِّهَامِ وَالنَّقْصُ فِي الْمَقَادِيرِ فَقَالَ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ (وَكَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ) أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ الضَّرَرُ وَقُسِمَتْ الْفَرِيضَةُ عَلَى مَبْلَغِ سِهَامِهِمْ، وَتَحْقِيقُ هَذَا أَنْ تُقِيمَ أَصْلَ الْفَرِيضَةِ وَتُعْطِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيضَةِ سَهْمَهُ ثُمَّ تَجْمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ اجْتَمَعَ مِثْلُهَا أَوْ أَقَلُّ عَلِمْت أَنَّهَا غَيْرُ عَائِلَةٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَ أَكْثَرُهَا عَلِمْت أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمُعْتِقِهِ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا. [قَوْلُهُ: فَإِذَا أُعْتِقَتْ] أَيْ الْمَرْأَةُ الْأَمَةُ. [قَوْلُهُ: لِمَوَالِي أَبِيهِ] أَيْ لِلَّذِينَ أَعْتَقُوا أَبَاهُ، فَلَوْ انْقَرَضَ مَوَالِي الْأَبِ لَكَانَ الْحَقُّ لِبَيْتِ الْمَالِ. وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمَوْلُودُ مِنْ كَافِرٍ أَيْ مِنْ أَبٍ كَافِرٍ، وَلَوْ حَذَفَ مَنْ مَا ضَرَّهُ، وَيَكُونُ اسْمُ يَكُونُ عَائِدًا عَلَى الْأَبِ وَيَقُولُ بَعْدُ أَوْ زَانِيًا. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِأَبِيهِ] أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِمَوَالِي الْأَبِ. [قَوْلُهُ: هَذَا فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ] أَيْ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْمُعْتَقَةِ بِالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: وَلَدُ الْمُعْتَقِ] أَيْ الذَّكَرُ الْمُعْتَقُ بِالْفَتْحِ. وَقَوْلُهُ: فَوَلَدُ الصُّلْبِ أَيْ وَلَدُ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ أَيْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَلَدُ حُرًّا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ كَمَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ وَأَبُوهُ رَقِيقٌ ثُمَّ عَتَقَ الْأَبُ. [قَوْلُهُ: لِلَّذِي أَعْتَقَهُ] هَكَذَا فِيمَا رَأَيْت أَيْ لِلشَّخْصِ الَّذِي أَعْتَقَهُ، وَمَصْدُوقُهُ فِي الْمَقَامِ الْمَرْأَةُ. وَقَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْبِنْتِ أَرَادَ بِنْتَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ وَقَوْلُهُ: عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُعْتَقَةِ بِالْفَتْحِ أَيْ إنْ وَلَدَ بِنْتِ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِي أَبِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ زَانِيًا فَوَلَاؤُهُ لِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَقَةِ أَيْ وَلَدِ الْوَلَدِ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقَةِ أَيْ الَّتِي أَعْتَقَتْ جَدَّهُ. [الْعَوْل] [قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ فِي السِّهَامِ] أَرَادَ بِالسِّهَامِ الْفَرِيضَةَ كَالسِّتَّةِ وَفِي مَعْنَى عَلَى، أَيْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: وَالنَّقْصُ فِي الْمَقَادِيرِ هَذَا لَيْسَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْعَوْلِ بَلْ مِنْ ثَمَرَاتِهِ. [قَوْلُهُ: الْمَقَادِيرِ] جَمْعُ مِقْدَارٍ. [قَوْلُهُ: مَنْ لَهُ سَهْمٌ] أَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ مِنْ أَيْ، وَإِذَا اجْتَمَعَ أَشْخَاصٌ لَهُمْ سَهْمٌ أَيْ لَهُمْ هَذَا الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي أَفْرَادٍ. وَقَوْلُهُ: مَعْلُومٌ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أَشْخَاصٍ اجْتَمَعَ لَهُمْ أَسْهُمٌ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بَلْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ. وَقَوْلُهُ: فِي كِتَابِ اللَّهِ كَانَ السَّهْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي السُّنَّةِ أَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ، أَمَّا مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ فَظَاهِرٌ كَالنِّصْفِ لِلزَّوْجِ. وَمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَالسُّدُسُ لِبِنْتِ الِابْنِ إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَكَالْجَدِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْإِجْمَاعِ] أَيْ أَوْ كَانَ مَعْلُومًا بِالْإِجْمَاعِ، وَغَايَرَ الْأُسْلُوبَ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ أَوْ فِي الْإِجْمَاعِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ ظَرْفًا لِمَا ذُكِرَ أَيْ دَالًّا عَلَيْهِ بَلْ مُتَعَلِّقٌ بِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمَا ظَرْفَانِ لِمَا ذُكِرَ أَيْ دَالَّانِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ] أَيْ هَذَا الْجِنْسُ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهُ فِي أَفْرَادِهِ، وَخُلَاصَتُهُ كَانَتْ أَفْرَادُ هَذَا الْجِنْسِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَالِ أَرَادَ بِهِ الْفَرِيضَةَ كَالسِّتَّةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ، أَيْ كَأَنْ تَكُونَ السِّهَامُ نِصْفًا وَنِصْفًا وَسُدُسًا وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ. [قَوْلُهُ: وَقُسِمَتْ الْفَرِيضَةُ] بَيَانٌ لِإِدْخَالِ الضَّرَرِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ الضَّرَرُ بِأَنْ تُقْسَمَ الْفَرِيضَةُ مُرَادًا بِهَا الْمَالُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَبْلَغِ سِهَامِهِمْ] أَيْ عَلَى مَوْضِعِ بُلُوغِ سِهَامِهِمْ مَصْدُوقُ الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فِي الْأَرْبَعَةِ وَالْعِشْرِينَ الَّتِي تَعُولُ إلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، وَتُلَاحَظُ السِّهَامُ عَلَى إطْلَاقِهَا وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. [قَوْلُهُ: وَتَحْقِيقُ هَذَا] أَيْ الْمَقَامِ أَيْ مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا خُصُوصِ مُفَادِ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: أَصْلَ الْفَرِيضَةِ] أَيْ أَصْلٌ هُوَ الْفَرِيضَةُ أَيْ بِأَنْ تُصَحِّحَ الْمَسْأَلَةَ. [قَوْلُهُ: سَهْمَهُ] أَيْ جِنْسَ سَهْمِهِ فَيَصْدُقُ بِمَنْ لَهُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَأَرَادَ بِسَهْمِهِ حِصَّتَهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ اجْتَمَعَ مِثْلُهَا] كَمَا إذَا هَلَكَ هَالِكٌ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَقَلُّ كَمَا إذَا هَلَكَ هَالِكٌ

عَائِلَةٌ وَجُعِلَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ مَبْلَغِ ذَلِكَ السِّهَامِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَسَائِلَ الْفَرَائِضِ سَبْعَةٌ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالسِّتَّةُ وَالثَّمَانِيَةُ وَالِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ لَا يَعُولُ مِنْهَا إلَّا ثَلَاثٌ وَهِيَ السِّتَّةُ، وَالِاثْنَا عَشَرَ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ فَالسِّتَّةُ تَعُولُ أَرْبَعَ عَوْلَاتٍ وَالِاثْنَا عَشَرَ تَعُولُ ثَلَاثَ عَوْلَاتٍ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ تَعُولُ عَوْلَةً وَاحِدَةً إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، مِثَالُ ذَلِكَ الْمِنْبَرِيَّةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثَالُهَا بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ وَابْنَتَانِ لِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسُ وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ، فَاتَّحَدَ مَخْرَجُ فَرْضِ الْأَبَوَيْنِ فَاكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ وَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ، وَانْدَرَجَ فِيهِ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ وَاتَّفَقَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ مَعَ مَخْرَجِ السُّدُسِ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ يَحْصُلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْبِنْتَيْنِ ثُلُثَاهَا سِتَّةَ عَشَرَ وَلِلْأَبِ سُدُسُهَا أَرْبَعَةٌ وَلِلْأُمِّ كَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَصَارَ ذَلِكَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، فَاحْتَجْنَا إلَى فَرْضِ الزَّوْجَةِ فَعُلْنَا بِقَدْرِ ثُمُنِهَا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فَعَالَتْ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمْثِلَةُ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَعَاصِبٍ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ نِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ وَسُدُسُهَا وَاحِدٌ، فَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ السِّتَّةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ اجْتَمَعَ أَكْثَرُهَا] مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ أَكْثَرُ مِنْهَا كَالْمِنْبَرِيَّةِ فَإِنَّ ثُلُثَيْهَا وَسُدُسَيْهَا وَثُمُنَهَا يَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ. [قَوْلُهُ: وَجُعِلَتْ الْفَرِيضَةُ] أَيْ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ مَبْلَغٍ مِنْ زَائِدَةٌ أَيْ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَلَغَتْهُ سِهَامُهُمْ وَهُوَ السَّبْعَةُ وَالْعِشْرُونَ، أَوْ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَالْمَعْنَى وَجُعِلَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ الَّذِي هُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَجَعْلُهَا مِنْ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ لِلسِّهَامِ الْمَنْسُوبَةِ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: سِهَامَهُمْ وَتُلَاحَظُ كُلِّيَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ. [قَوْلُهُ: مَسَائِلَ الْفَرَائِضِ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ أُصُولَ مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ إلَخْ فَالزَّوْجُ لَهُ نِصْفُ مَسْأَلَةِ الْبِنْتِ وَلَهَا نِصْفُ مَسْأَلَةِ الْأُخْتِ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا مَسَائِلُ مَنْسُوبَةٌ لِعِلْمِ الْفَرَائِضِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ذَلِكَ اثْنَانِ. [قَوْلُهُ: الِاثْنَانِ] الِاثْنَانِ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى نِصْفٍ وَنِصْفٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ شَقِيقَةٍ أَوْ لِأَبٍ أَوْ نِصْفٍ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَأَخٍ، وَالثَّلَاثَةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُلُثٌ وَثُلُثَانِ كَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ وَأَخَوَاتٍ لِأَبٍ، أَوْ ثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَأُمٍّ وَأَخٍ، أَوْ ثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ كَبِنْتَيْنِ وَعَمٍّ، وَالْأَرْبَعَةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى رُبْعٍ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَابْنٍ أَوْ رُبْعٍ وَنِصْفٍ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأَخٍ، أَوْ رُبْعٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ. وَالسِّتَّةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا سُدُسٌ، وَمَا بَقِيَ كَجَدٍّ وَابْنٍ، أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَجَدَّةٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَخٍ لِأَبٍ، أَوْ سُدُسٌ وَثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ كَأُمٍّ وَابْنَتَيْنِ وَأَخٍ، أَوْ نِصْفٌ وَثُلُثٌ، وَمَا بَقِيَ كَأُخْتٍ وَأُمٍّ وَابْنِ أَخٍ، وَالثَّمَانِيَةُ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُمُنٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَابْنٍ أَوْ ثُمُنٌ وَنِصْفٌ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَابْنِ أَخٍ وَالِاثْنَا عَشَرَ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا رُبْعٌ وَسُدُسٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ، أَوْ رُبْعٌ وَثُلُثٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ، أَوْ رُبْعٌ وَثُلُثَانِ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَبِنْتَيْنِ وَأَخٍ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَصْلٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِيهَا ثُمُنٌ وَسُدُسٌ وَمَا بَقِيَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ، أَوْ ثُمُنٌ وَثُلُثَانِ، وَمَا بَقِيَ كَزَوْجٍ وَابْنَتَيْنِ وَأَخٍ. [قَوْلُهُ: فَرْضِ الْأَبَوَيْنِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السُّدُسَانِ. [قَوْلُهُ: فَاكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ] أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ الْفَرْضَيْنِ وَهُوَ مِنْ سِتَّةٍ. وَقَوْلُهُ: وَانْدَرَجَ فِيهِ أَيْ فِي السِّتَّةِ. وَقَوْلُهُ: فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ أَيْ مَخْرَجُ فَرْضِ الْبِنْتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَاتَّفَقَ فَرْضُ الزَّوْجَةِ] أَيْ مَخْرَجُ فَرْضِ الزَّوْجَةِ، وَمَخْرَجُ فَرْضِهَا ثَمَانِيَةٌ أَيْ أَنَّ الثَّمَانِيَةَ مَحَلٌّ لِخُرُوجِ فَرْضِهَا الَّذِي هُوَ الثُّمُنُ؛ لِأَنَّ الثَّمَانِيَةَ لَهَا ثُمُنٌ صَحِيحٌ، وَقِسْ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: مَعَ مَخْرَجِ السُّدُسِ أَيْ الَّذِي هُوَ السِّتَّةُ. [قَوْلُهُ: فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَمَانِيَةٍ] أَيْ أَوْ سِتَّةً فِي أَرْبَعَةٍ. [قَوْلُهُ: فَعَلْنَا بِقَدْرِ ثُمُنِهَا] يُقَالُ: عَوَّلْت عَلَيْهِ وَبِهِ اعْتَمَدْت عَلَيْهِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ إلَّا أَنَّهُ ضَمَّنَهُ زِدْنَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَزِدْنَا بِقَدْرِ ثُمُنِهَا. وَقَوْلُهُ: ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: بِقَدْرِ ثُمُنِهَا وَقَوْلُهُ: فَعَالَتْ أَيْ فَارْتَفَعَتْ. [قَوْلُهُ: وَأَمْثِلَةُ الْأَقْسَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْأَصْلِ] نَذْكُرُهَا لَك هُنَا لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فَنَقُولُ: فَالسِّتَّةُ تَعُولُ إلَى سَبْعَةٍ بِمِثْلِ سُدُسِهَا كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ لِغَيْرِ أُمٍّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُخْتَيْنِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فَقَدْ نَقَصَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سُبْعُ مَا بِيَدِهِ، وَهَذَا أَوَّلُ فَرِيضَةٍ عَالَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَتَعُولُ

[المسألة الغراء]

ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْغَرَّاءِ الَّتِي أَوْعَدَ بِمَجِيئِهَا فَقَالَ: (وَلَا يُعَالُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ إلَّا فِي) الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سَمَّاهَا مَالِكٌ بِ (الْغَرَّاءِ وَحْدَهَا) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا شَبِيهَ لَهَا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ فَهِيَ كَغُرَّةِ الْفَرَسِ (وَهِيَ) أَيْ الْغَرَّاءُ مِثَالُهَا (امْرَأَةٌ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا وَأُخْتَهَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَجَدَّهَا لِأَبِيهَا فَ) الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ (لِلزَّوْجِ النِّصْفُ) ثَلَاثَةٌ (وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ) اثْنَانِ (وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ) وَاحِدٌ (فَلَمَّا فَرَغَ الْمَالُ أُعِيلَ لِلْأُخْتِ بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْرَضْ لَهَا لَلَزِمَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُشَارِكَ الْجَدَّ فِي السُّدُسِ فَيَلْزَمُ نَقْصُهُ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ أَوْ لَا تُشَارِكُهُ فَيَلْزَمُ حِرْمَانُهَا مَعَ عَدَمِ الْحَاجِبِ، فَلِذَلِكَ أُعِيلَ لَهَا بِالنِّصْفِ ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ بِعَوْلِهَا مِنْ تِسْعَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ الْجَدُّ لِلْأُخْتِ لَا يَنْبَغِي لَكِ أَنْ تَزِيدِي عَلَيَّ فِي الْمِيرَاثِ لِأَنِّي مَعَكِ كَالْأَخِ فَرُدِّي مَا بِيَدِك وَهُوَ ثَلَاثَةٌ إلَى مَا بِيَدِي وَهُوَ سَهْمٌ لِيُقْسَمَ بَيْنَنَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا تَصِحُّ وَلَا تُوَافِقُ، فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً عَدَدَ الرُّءُوسِ الْمُنْكَسِرَةِ فِي الْفَرِيضَةِ بِعَوْلِهَا وَهُوَ تِسْعَةٌ تَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ لِلزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى ثَمَانِيَةٍ بِمِثْلِ ثُلُثِهَا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَأُخْتٍ لِأَبٍ أَوْ لِأَبَوَيْنِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَمَجْمُوعُهَا ثَمَانِيَةٌ، وَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ بِمِثْلِ نِصْفِهَا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَثَلَاثَةِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْبَاقِينَ السُّدُسُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَمَجْمُوعُهَا تِسْعَةٌ وَتَعُولُ إلَى عَشَرَةٍ بِمِثْلِ ثُلُثَيْهَا كَزَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلشَّقِيقَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ السُّدُسُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِوَلَدَيْهَا الثُّلُثُ وَمَجْمُوعُهَا عَشَرَةٌ، وَالِاثْنَا عَشَرَ تَعُولُ ثَلَاثَ عَوْلَاتٍ عَلَى تَوَالِي الْأَفْرَادِ فَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِمِثْلِ نِصْفِ سُدُسِهَا كَزَوْجٍ وَأُمٍّ وَابْنَتَيْنِ، فَلِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ، وَمَجْمُوعُهُمَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ ثَلَاثَ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بِمِثْلِ رُبْعِهَا كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَابْنَتَيْنِ لِلزَّوْجِ الرُّبْعُ وَلِلْأَبَوَيْنِ السُّدُسَانِ وَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَتَعُولُ إلَى سَبْعَةَ عَشْرَةَ بِمِثْلِ رُبْعِهَا وَسُدُسِهَا كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَوَلَدَيْهَا وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِأَبٍ، وَقَدْ بَقِيَ اثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا وَهُمَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا سُدُسُ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَمَا بَقِيَ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا سُدُسُ وَرُبْعُ وَثُلُثُ مَا بَقِيَ، وَمَا بَقِيَ مِثَالُ الْأَوَّلِ جَدٌّ وَجَدَّةٌ وَإِخْوَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدَّةِ وَاحِدٌ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي وَهُوَ خَمْسَةٌ وَلَا ثُلُثَ لَهَا صَحِيحٌ فَتَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي سِتَّةٍ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَمِثَالُ الثَّانِي هَؤُلَاءِ بِزِيَادَةِ زَوْجَةٍ. فَائِدَةٌ إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا عَالَتْ بِهِ الْمَسْأَلَةُ فَانْسُبْ إلَيْهَا بِغَيْرِ عَوْلِهَا، وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا نَقَصَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِسَبَبِ الْعَوْلِ فَانْسُبْ مَا عَالَتْ بِهِ إلَيْهَا مَعَ عَوْلِهَا. [الْمَسْأَلَةِ الْغَرَّاءِ] [قَوْله: أَوْعَدَ] الْمُنَاسِبُ وَعَدَ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا شَبِيهَ لَهَا إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْفَرْضُ لِلْأُخْتِ مَعَ الْجَدِّ، أَيْ وَشَأْنُ الَّذِي لَا شَبِيهَ لَهُ الِاشْتِهَارُ فَلِذَا فَرَّعَ وَقَالَ: فَهِيَ كَغُرَّةِ الْفَرَسِ فِي الِاشْتِهَارِ، وَالْمَعْنَى لَا يُفْرَضُ لَهَا إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ مِنْ حَيْثُ اسْتِغْرَاقُ أَرْبَابِ الْفُرُوضِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعَوْلُ أَوْ حِرْمَانُهَا وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ غَرَّهَا بِفَرْضِ الثَّلَاثَةِ لَهَا ثُمَّ رَجَعَ وَقَاسَمَهَا. [قَوْلُهُ: وَأُخْتَهَا لِأَبَوَيْنِ] احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أُخْتَ مِمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ لِغَيْرِ أُمٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ السُّدُسَ وَلَهُمَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْأُخْتِ أَخٌ لِلْأَبِ أَوْ شَقِيقٌ وَمَعَهُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَخِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَدَّ يَقُولُ لَهُ: لَوْ كُنْت دُونِي لَمْ تَرِثْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ تَأْخُذُهُ أَوْلَادُ الْأُمِّ وَأَنَا أَحْجُبُ كُلَّ مَنْ يَرِثُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَيَأْخُذُ الْجَدُّ حِينَئِذٍ الثُّلُثَ كَامِلًا، وَتُسَمَّى الْمَالِكِيَّةَ فِي الْأَخِ لِلْأَبِ وَشِبْهَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْأَخِ الشَّقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ يَنْقُصُ عَنْهُ] أَيْ بِالْإِجْمَاعِ [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٍ] مَجْرُورٌ بَدَلٌ أَوْ مَرْفُوعٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي لَك] أَيْ لَا يَجُوزُ لَك [قَوْلُهُ فَيُقْسَمُ] أَيْ الْمَجْمُوعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالْوَاحِدِ [قَوْلُهُ: وَأَرْبَعَةٌ عَلَى

ثَلَاثَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِتِسْعَةٍ، وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ مَضْرُوبَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ وَلِلْأُخْتِ وَالْجَدِّ أَرْبَعَةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ بِاثْنَيْ عَشَرَ تَأْخُذُ الْأُخْتُ مِنْهَا ثُلُثَهَا وَهُوَ أَرْبَعَةٌ، وَيَأْخُذُ الْجَدُّ ثُلُثَيْهَا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَمِنْ هَذَا عُلِمَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ: (ثُمَّ يُجْمَعُ إلَيْهَا سَهْمُ الْجَدِّ فَيُقْسَمُ جَمِيعُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَهَا وَالثُّلُثَيْنِ لَهُ فَتَبْلُغُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَهْمًا) وَلْيَكُنْ هَذَا آخِرَ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْفَرَائِضِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا اخْتَصَّ بِهِ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُوجَدُ فِي تَصَانِيفِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَقَالَ: ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثَةٍ إلَخْ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْجَدِّ فَيَأْتِي الِالْتِفَاتُ فِي قَوْلِهِ بَعْدُ وَالْجَدُّ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأُخْتِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ لَا مِنْ كَلَامِ الْجَدِّ بَيَانًا لِلْقِسْمَةِ الَّتِي أَرَادَهَا الْجَدُّ بِقَوْلِهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَنَا [قَوْلُهُ: تَكُونُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ] تَكُونُ الْفَرِيضَةُ أَيْ تَصِيرُ [قَوْلُهُ: جَمِيعُ ذَلِكَ] أَيْ مَجْمُوعُ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: فَتَبْلُغُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ] أَيْ وَإِذَا أَرَادَ الْقَسْمَ تَبْلُغُ الْفَرِيضَةُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ [قَوْلُهُ: وَلْيَكُنْ هَذَا إلَخْ] الْمَأْمُورُ مَا ذَكَرَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَكْدَرِيَّةِ وَالْمَأْمُورِيَّة كَوْنُهَا آخِرًا فَيَكُونُ مَجَازًا عَقْلِيًّا مِنْ إسْنَادِ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ. قَصَدَ بِهِ تَحْقِيقَ إكْمَالِ الْفَرَائِضِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّكْرَ فَلِذَلِكَ أَرْدَفَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. قَوْلُهُ: [عَلَى مَا اخْتَصَّ بِهِ] الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: لَا يُوجَدُ فِي تَصَانِيفٍ غَيْرُهُ مَصْدُوقٌ مَا هَذَا الْبَابُ وَالْأَبْوَابُ الْخَمْسَةُ بَعْدَهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ.

[باب في بيان جمل من الفرائض وجمل من السنن الواجبة والرغائب]

[43 - بَابُ جُمَلٍ] (بَابُ جُمَلٍ) أَيْ فِي بَيَانِ جُمَلٍ (مِنْ الْفَرَائِضِ وَ) جُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ (وَ) جُمَلٍ مِنْ (الرَّغَائِبِ) وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ التَّأْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ مَسَائِلُ لَا يُنَاسِبُ وَضْعُهَا فِي رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الْفِقْهِ فَجَمَعَهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي أَوَاخِرِ تَصَانِيفِهَا وَسَمَّوْهَا بِالْجَامِعِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرًا مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ لَيْسَتْ مِنْ الْجَامِعِ وَذِكْرُهَا مُنَافٍ لِمَا اشْتَرَطَهُ مِنْ الِاخْتِصَارِ قِيلَ: إنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ: بِأَنِّي لَمَّا رَأَيْتُ النَّاسَ قَدْ زَهِدُوا فِي الْعِلْمِ وَرَغِبُوا عَنْ تَعْلِيمِهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِنَشْرِ الْعِلْمِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، قَصَدْتُ إلَى تَجْدِيدِ عُيُونِ مَا تَقَدَّمَ إذْ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا كُلِّفَ بِهِ وَيَعْمَلَ عَلَى الْجَزْمِ فِيمَا خُوطِبَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْلُكُ بِالصَّحَابَةِ سَبِيلًا فَإِذَا رَأَى مِنْهُمْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ فِي بَيَانِ جُمَلٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَجُمَلٍ مِنْ السُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ] بَابُ جُمَلٍ. [قَوْلُهُ: جُمَلٍ] جَمْعُ جُمْلَةٍ فَقَوْلُهُ مَثَلًا: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ جُمْلَةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَرِيضَةٌ وَقِسْ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: الْوَاجِبَةِ] أَيْ الْمُؤَكَّدَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ مَحَاسِنِ] أَيْ مَا اخْتَصَّ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ ضِدُّ الْقُبْحِ أَفَادَ ذَلِكَ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ مُفْرَدَهُ حَسَنٌ لَا مُحْسَنٌ إلَّا تَقْدِيرًا اهـ. [قَوْلُهُ: فِي رُبْعٍ مِنْ أَرْبَاعِ الْفِقْهِ] قَالَ الْقَرَافِيُّ: هِيَ الْعِبَادَاتُ وَالْمُعَامَلَاتُ وَالْأَقْضِيَةُ وَالْجِنَايَاتُ اهـ. وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ مِنْ صَنِيعِ خَلِيلٍ [قَوْلُهُ: فَجَمَعَهَا الْمَالِكِيَّةُ] أَيْ جَمَعَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ. [قَوْلُهُ: بِالْجَامِعِ] أَيْ بِالْكِتَابِ الْجَامِعِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضٍ، وَلَعَلَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ مَنْ يُعَبِّرُ بِكِتَابٍ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَنْ يُعَبِّرُ بِبَابٍ فَيُقَالُ: بِالْبَابِ الْجَامِعِ أَيْ لِلْمَسَائِلِ الْمُشَتَّتَةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ غَيْرَهَا مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ. [قَوْلُهُ: وَذِكْرُهَا] أَيْ مَعَ أَنَّ ذِكْرَهَا مُنَافٍ أَيْ فَيُعْتَرَضُ بِوَجْهَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا لَيْسَ مِنْ الْجَامِعِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنَافٍ. [قَوْلُهُ: اشْتَرَطَهُ] أَيْ الْتَزَمَهُ [قَوْلُهُ: عَنْ ذَلِكَ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ، وَجَوَابُهُ يَأْتِي عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَأَنَا وَإِنْ كُنْتُ الْتَزَمْتُ الِاخْتِصَارَ لَكِنْ عَنَّ لِي مَا أَوْجَبَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ حَيْثُ رَأَيْتُ النَّاسَ زَهِدُوا إلَخْ. أَوْ أَنَّ ذِكْرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُنَافِي الِاخْتِصَارَ. [قَوْلُهُ: زَهِدُوا فِي الْعِلْمِ] تَعَلُّمًا بِدَلِيلِ الْعَطْفِ، أَوْ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا، وَالْعَطْفُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِكَوْنِ الْمُصَنِّفِ بِصَدَدِ التَّعْلِيمِ وَالزُّهْدُ فِي الشَّيْءِ الرَّغْبَةُ عَنْهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ أُمِرْنَا] أَمْرَ إيجَابٍ عَيْنِيًّا، أَوْ كِفَائِيًّا، أَوْ نَدْبٍ بِحَسَبِ الْوَقْتِ [قَوْلُهُ: بِنَشْرِ] النَّشْرُ التَّفْرِيقُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِظْهَارُ وَالْإِشْهَارُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: نَشَرَ الرَّاعِي غَنَمَهُ نَشْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ فَرَّقَهَا بَعْدَ أَنْ آوَاهَا فَتَجَوَّزَ الشَّارِحُ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ] أَيْ بِاعْتِبَارِ الْإِمْكَانِ أَيْ مُلْتَبِسًا بِمُعْتَبَرٍ هُوَ الْإِمْكَانُ أَيْ الطَّاقَةُ. [قَوْلُهُ: قَصَدْت إلَى تَجْدِيدِ عُيُونِ] أَيْ إلَى تَجْدِيدِ ذِكْرِ نَفْسِ مَا تَقَدَّمَ بِذَاتِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مُتَعَدِّدًا عَبَّرَ بِعُيُونٍ دُونَ عَيْنٍ أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي أُمِرْنَا بِنَشْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا كُلِّفَ بِهِ] أَيْ وَتَجْدِيدُ ذِكْرِ ذَاتِ مَا تَقَدَّمَ يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَعْنَى كُلِّفَ بِهِ أَيْ أُلْزِمَ بِهِ هَذَا فِي جَانِبِ الْوَاجِبِ. وَتَقُولُ فِي جَانِبِ الْمَنْدُوبِ وَالسُّنَّةِ إذْ الْمَنْدُوبُ وَالْمَسْنُونُ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ عَيْنَ مَا سُنَّ مِنْهُ، أَوْ نُدِبَ، وَاحْتَجَبَ لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَطْرَافَ الثَّلَاثَةَ. [قَوْلُهُ: وَيَعْمَلَ عَلَى الْجَزْمِ]

مِلَلًا سَلَكَ بِهِمْ مَسْلَكًا آخَرَ تَنْشِيطًا لَهُمْ وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ، وَابْتَدَأَ هَذَا الْبَابَ بِمَسَائِلَ فِقْهِيَّةٍ فَقَالَ: (الْوُضُوءُ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ) فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا (فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الطَّهَارَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْوُضُوءُ (مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَضَاءَةِ) وَهِيَ الْحُسْنُ وَالنَّظَافَةُ. وَلَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مُشْتَمِلًا عَلَى فَرَائِضَ وَغَيْرِهَا وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرِيضَةٌ فَرْضِيَّةُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (إلَّا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَمَسْحَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوُضُوءِ (فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ) وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ. (وَالسِّوَاكُ) فِي الْوُضُوءِ (مُسْتَحَبٌّ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: (مُرَغَّبٌ فِيهِ) تَأْكِيدٌ لَهُ إذْ كُلُّ مُسْتَحَبٍّ فِي الشَّرْعِ مُرَغَّبٌ فِيهِ. (وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ رُخْصَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَثْلِيثِ الْخَاءِ وَهُوَ لُغَةً التَّخْفِيفُ وَشَرْعًا إبَاحَةُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ وَهُوَ رُخْصَةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَهُ شُرُوطٌ تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بِالْمَثُوبَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ بِهَا. وَقَوْلُهُ: فِيمَا خُوطِبَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَعْمَلُ بَقِيَ أَنَّ مَا خُوطِبَ بِهِ نَفْسُ الْعَمَلِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ، وَبِالثَّانِي الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فَإِنْ قُلْتَ حَيْثُ أَجَبْتَ بِذَلِكَ هَلَّا قَالَ وَيَعْمَلُ مَا خُوطِبَ بِهِ بِدُونِ فِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ؟ قُلْتُ: الْإِتْيَانُ بِفِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَمَلُكَ الْمُطْلَقُ مَحْصُورًا فِيمَا خُوطِبْت بِهِ، وَأَرَادَ خُوطِبَ بِهِ، وَلَوْ نَدْبًا فَإِنْ قُلْت: يُنْكِرُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ إذْ الْوَاجِبُ إلَخْ قُلْتُ: لَا إذْ مَصَبُّ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ عَلَى الْجَزْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ وَعَدَ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ لَا يَتَخَلَّفُ يَجِبُ الْجَزْمُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ] دَلِيلٌ ثَانٍ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ [قَوْلُهُ: سَبِيلًا] أَيْ طَرِيقًا [قَوْلُهُ: مَلَلًا] أَيْ سَآمَةً [قَوْلُهُ: مَسْلَكًا آخَرَ] لَمْ يَقُلْ سَبِيلًا آخَرَ تَفَنُّنًا دَفْعًا لِلثِّقَلِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِ اللَّفْظِ [قَوْلُهُ: تَنْشِيطًا لَهُمْ] أَيْ لِأَجْلِ جَعْلِهِمْ مُسْرِعِينَ لِمَا طُلِبَ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: وَإِذْهَابًا لِلْكَسَلِ عَطْفٌ لَازِمٌ، وَالْكَسَلُ مَصْدَرُ كَسِلَ مِنْ بَابِ تَعِبَ. يُقَالُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ كَسِلَ كَسَلًا فَهُوَ كَسِلٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَكَسْلَانُ أَيْضًا وَامْرَأَةٌ كَسِلَةٌ وَكَسْلَى اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ. أَيْ وَمَا كَانَ الْمُصَنِّفُ بِصَدَدِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالْفَرَائِضِ مَسْلَكٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ وَهَذَا الَّذِي كَرَّرَهُ مَسْلَكٌ آخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِعِبَادَاتِ الرَّبِّ انْتَقَلَ إلَيْهِ لِإِذْهَابِ الْكَسَلِ فَتَكْرَارُهُ غَيْرُ مُضِرٍّ بَلْ مُفِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِقْهِيَّةٍ] نَسَبَهُ لِلْفِقْهِ مِنْ نِسْبَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ لِلْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ مِنْهُ الْعِلْمُ بِالْإِحْكَامِ أَيْ النِّسَبِ التَّامَّةِ، وَمِنْ نِسْبَةِ الْجُزْءِ لِلْكُلِّ إنْ أُرِيدَ مِنْهُ النِّسَبُ التَّامَّةُ [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ] مَفْهُومُ لَقَبٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوُضُوءَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ فَرِيضَةٌ أَيْضًا [قَوْلُهُ: أَوْ نَفْلًا] بِمَعْنَى أَنَّهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ نَفْلًا بِدُونِ الْوُضُوءِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ صَلَاةً نَافِلَةً. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ [قَوْلُهُ: وَالنَّظَافَةُ] عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَكُونَ الْحُسْنُ مِنْ مَعْنَى الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ. قَالَ زَرُّوقٌ: وَهَذَا فِي الظَّاهِرِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ، وَفِي الْبَاطِنِ بِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ، قَالُوا: وَذَلِكَ فِي الصَّغَائِرِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إجْمَاعًا: فَمَنْ تَابَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَبَائِرُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. [قَوْلُهُ: وَخَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ] فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَتْ أَجْزَاؤُهُ كُلُّهَا فَرَائِضَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبٌ [قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فَاسْمُ الْإِشَارَةِ يَعُودُ إلَى الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفِ بِذِكْرِ السُّنَنِ إلَخْ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي السُّنَنِ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِيُنَبِّهَ عَلَى خِلَافِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ كُلٍّ مِنْهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ فَيَقُولَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَضَائِلَ. [قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ] بِمَعْنَى الِاسْتِيَاكِ [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُرَغَّبِ فِيهِ الْمُؤَكَّدَ فِي طَلَبِهِ، فَبِالنَّظَرِ لِمَا قُلْنَا لَا يَظْهَرُ قَوْلُهُ إذْ كُلٌّ مُسْتَحَبٌّ إلَخْ. [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] أَيْ ذُو رُخْصَةٍ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرُّخْصَةَ إبَاحَةُ الْمَمْنُوعِ إلَخْ. وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَسْحَ جَائِزٌ جَوَازًا مَرْجُوحًا. [قَوْلُهُ: التَّخْفِيفُ] أَيْ التَّسْهِيلُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمِصْبَاحِ إبَاحَةُ الشَّيْءِ أَيْ الْإِذْنُ فِيهِ لِيَشْمَلَ الْوَاجِبَ وَغَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وَاجِبَةً كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: الْمَمْنُوعِ] أَيْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ فِيهِ الْحَذْفُ

الْكَلَامُ عَلَيْهَا فَقَوْلُهُ: (وَتَخْفِيفٌ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ تَوْكِيدٌ. (وَالْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ) وَهِيَ الْإِنْزَالُ وَمَغِيبُ الْحَشَفَةِ. (وَ) مِنْ (دَمِ حَيْضٍ وَ) مِنْ دَمِ (النِّفَاسِ فَرِيضَةٌ) . (وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ لِ) أَجْلِ (الصَّلَاةِ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهَذَا الْمُفَسِّرُ لِقَوْلِهِ: فِي الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ لَهَا وَاجِبٌ، وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ وَالْغُسْلَ سُنَّةٌ. (وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ) صَرَّحَ ع: بِمَشْهُورِيَّتِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ك: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. (وَالْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فَرِيضَةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ (لِأَنَّهُ جُنُبٌ) فِي الْغَالِبِ فَالذِّمِّيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَسْلَمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ غُسْلُهُ حَتَّى يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ إذَا اغْتَسَلَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مُجْمِعًا عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ غُسْلُهُ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الْعَزْمِ اتِّفَاقًا. (وَغَسْلُ الْمَيِّتِ) غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ (سُنَّةٌ) عَلَى مَا شَهَرَهُ الْمَغَارِبَةُ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَفْتَوْا بِهِ. (وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَرِيضَةٌ) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ عَارٍ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إجْمَاعًا مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا اُسْتُتِيبَ فَإِنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِيصَالُ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمَسْحُ. وَقَوْلُهُ: مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمَانِعِ وَهُوَ إمْكَانُ الْغُسْلِ. وَيُقَابِلُ الرُّخْصَةَ الْعَزِيمَةُ وَهِيَ الْحُكْمُ الْمَشْرُوعُ أَوَّلًا. [قَوْلُهُ: عَطْفُ بَيَانٍ] أَيْ الْمَقْصُودُ بِهِ بَيَانُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَقَصْدُهُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ رُخْصَةٌ أَيْ تَفْسِيرٌ بِحَسَبِ اللَّازِمِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ الْمَمْنُوعِ التَّخْفِيفُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تَأْكِيدٌ أَيْ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعَطْفِ تَأْكِيدُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَقْوِيَتُهُ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لُغَوِيٌّ أَيْ بِاعْتِبَارِ اللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ الْإِنْزَالُ] أَيْ مُسَبِّبُ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهَا الْحَدَثُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ بِحَسَبِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَمِنْ دَمِ حَيْضٍ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ دَمِ النِّفَاسِ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاسِ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ وَالْأَوْلَى إسْقَاطُ دَمٍ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ، وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا. . [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الصَّلَاةِ] أَيْ الْكَائِنِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: مُتَّصِلٌ بِالرَّوَاحِ] مِنْ آثَارِ كَوْنِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَيْ فَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّهُ لِلْيَوْمِ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي كُلِّ أَجْزَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا مُفَسِّرٌ إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ مَعْنَاهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَخِّرُ] هَذَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ فِي مُدَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ جَفَافُ آخِرِ عُضْوٍ مِنْ آخِرِ غَسْلَةٍ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ] أَيْ الْكَائِنِ قَبْلَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَأَمَّا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ سُنَّةٌ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا فَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ الْفَوْرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ قِطْعَةٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُسْلَيْنِ [قَوْلُهُ: وَقَالَ ك إلَخْ] ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» . [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جُنُبٌ فِي الْغَالِبِ] أَيْ فَمَا وَجَبَ الْغُسْلُ إلَّا لِلْجَنَابَةِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يَجْنُبْ فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ: إنَّ الْغُسْلَ عِبَادَةٌ فَلْيَغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ جَنَابَةٌ فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ كَمَا عَلِمْتَ الْمَشْهُورُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ] أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ رُكْنٌ فِي الْإِيمَانِ، أَوْ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ شَرْطُ كَمَالٍ. [قَوْلُهُ: مُجْمِعًا عَلَى الْإِسْلَامِ] أَيْ عَازِمًا عَلَى الْإِسْلَامِ. [قَوْلُهُ: وَغُسْلُ الْمَيِّتِ] أَيْ تَغْسِيلُهُ [قَوْلُهُ: غَيْرِ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ] وَأَمَّا غُسْلُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فَهُوَ حَرَامٌ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَمَنْ لَمْ يُفْقَدْ جُلُّهُ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ غُسْلَ شَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ حَرَامٌ وَمَا عَدَاهُ مِمَّا أَخْرَجَ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ] يُحْتَمَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَشْهُورٌ، أَوْ رَاجِحٌ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَشْهُورِ فَقِيلَ: مَا كَثُرَ قَائِلُهُ وَقِيلَ: مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ، وَقِيلَ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا الرَّاجِحُ فَهُوَ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ فَهُوَ عَيْنُ الْمَشْهُورِ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَفْتَوْا بِهِ] مِنْ آثَارِ الِاعْتِمَادِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَتْوَى وَلَا الْعَمَلُ بِغَيْرِ الْمُعْتَمَدِ. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ فَرِيضَةٌ أَيْ مَفْرُوضَةٌ [قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ] إنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ إجْمَاعًا وَإِلَّا

يَتُبْ قُتِلَ كُفْرًا، وَمَنْ أَقَرَّ بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ فِعْلِهَا أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ حَدًّا. (وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ) وَهِيَ اللَّهُ أَكْبَرُ (فَرِيضَةٌ) عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا مِنْ فَذٍّ وَإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ، وَأَمَّا الْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُهَا فَقِيلَ: يَدْخُلُ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَقِيلَ بِمَا دَخَلَ بِهِ الْإِسْلَامَ (وَبَاقِي التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ) ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ جَمِيعَ التَّكْبِيرِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ فِي بَابٍ جَامِعٍ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَالدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ) أَيْ الْفَرِيضَةِ (فَرِيضَةٌ) وَمَحِلُّ النِّيَّةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ فِي اللَّهُ وَبَيْنَ الرَّاءِ فِي أَكْبَرُ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْ هَذَا فَلَا تُجْزِئُ اتِّفَاقًا وَكَذَا إنْ تَقَدَّمَتْ بِكَثِيرٍ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ، ثُمَّ عَزَبَتْ فَتُجْزِئُ عَلَى الْأَشْهَرِ وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ عَزَبَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَتُجْزِئُ وَالْكَمَالُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحَبَةً. (وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ) قَائِمَتَيْنِ حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ دُونَ مَا عَدَاهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ (سُنَّةٌ) عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مَشْهُورُهَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. (وَالْقِرَاءَةُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْفَذِّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَوْ فِي الْجُلِّ (فَرِيضَةٌ) وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَحْمِلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ (وَمَا زَادَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الْفَرْضِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَمُسْتَحَبٌّ. (وَالْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ) الْمَفْرُوضَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ لِمَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي آيَةِ {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا} [النساء: 103] لَا يُنَافِي وُجُوبَهَا عَلَى الْكَافِرِ. [قَوْلُهُ: إجْمَاعًا] أَيْ فَرِيضَةً إجْمَاعًا، أَيْ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ فَرْضًا إجْمَاعًا أَيْ إجْمَاعِيًّا، أَوْ حَالَ كَوْنِ الْفَرْضِ إجْمَاعِيًّا أَوْ ذَا إجْمَاعٍ، أَوْ مُبَالَغَةٍ. [قَوْلُهُ: اُسْتُتِيبَ] أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا] أَيْ عَلَى مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا [قَوْلُهُ: فَقِيلَ: يَدْخُلُ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ] أَيْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْقَادِرِ يَدْخُلُ بِالنِّيَّةِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ أَتَى بِهَا بِلُغَتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْفَرِيضَةُ] دَفَعَ بِهِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي كَوْنَهَا فَرْضًا بَلْ الْمُرَادُ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ أَيْ الْمَفْرُوضَةَ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَيْ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ فَرِيضَتَهَا [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] أَيْ دُخُولُ فَرِيضَةٍ، أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النِّيَّةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا. وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّ الدُّخُولَ الْمَذْكُورَ فَرْضٌ آخَرُ غَيْرُ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرَائِضِ أَزْيَدَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ فَالْمُخَلِّصُ جَعْلُ الْبَاءِ فِي بِنِيَّةِ لِلتَّصْوِيرِ. [قَوْلُهُ: بَيْنَ الْهَمْزَةِ] أَيْ الزَّمَنُ الْكَائِنُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ أَيْ الزَّمَنُ الْكَائِنُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْهَمْزَةِ وَبَيْنَ نِهَايَةِ الرَّاءِ، أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ النِّيَّةُ وَقَعَتْ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِتَمَامِهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ الْكَمَالِ وَإِلَّا فَلَوْ أَوْقَعَ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِهَا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ لَكَفَى. [قَوْلُهُ: فِي أَثْنَائِهَا] أَيْ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: وَالْكَمَالُ] أَيْ وَالْأَفْضَلُ [قَوْلُهُ: مُسْتَصْحَبَةً] اسْمُ مَفْعُولٍ أَيْ يَسْتَصْحِبُهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ. أَيْ أَنْ تَكُونَ مُسْتَصْحِبَةً لَهُ. [قَوْلُهُ: قَائِمَتَيْنِ] لَمَّا كَانَ الرَّفْعُ يَصْدُقُ بِقِيَامِ الْيَدَيْنِ وَبِامْتِدَادِهِمَا مِنْ الْقِبْلَةِ إلَى الْخَلْفِ وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ. قَالَ قَائِمَتَيْنِ أَقُولُ وَلَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الرَّاهِبِ وَالرَّاغِبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَوْ دُونَ ذَلِكَ] ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ وَالدُّونُ صَادِقٌ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ وَهُمَا قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ فَظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ حَكَاهَا صَاحِبُ الْإِرْشَادِ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ إلَخْ] نَذْكُرُهَا لَك لِيَتَّضِحَ لَك الْمَقَامُ، فَنَقُولُ: قِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ فَضِيلَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ: لَا يُرْفَعُ أَصْلًا حَكَاهُ ابْنُ شَعْبَانَ عَنْ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: الْمَفْرُوضَةِ] الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ الْمَفْرُوضَةِ لِيَشْمَلَ النَّافِلَةَ [قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْجُلِّ] ، أَوْ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سُنَّةٌ] عِبَارَةٌ قَاصِرَةٌ وَالْأَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ لَا أَنَّ جَمِيعَ السُّورَةِ سُنَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقُولُ: وَأَقَلُّ هَذَا الزَّائِدِ آيَةٌ فَلَا يَكْفِي بَعْضُهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَالٌ كَبَعْضِ آيَةِ الدَّيْنِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي النَّفْلِ] أَيْ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي النَّفْلِ. [قَوْلُهُ: لِمَا يَكُونُ فِيهِ إلَخْ] أَيْ الْقِيَامِ أَيْ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَفِي وُجُوبِهِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي حَقِّهِ وَعَدَمِهِ تَأْوِيلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الشَّارِحِ أَنَّ الْخِلَافَ

الْفَاتِحَةِ بِمِقْدَارِ مَا يُكَبِّرُ فِيهِ لِلْإِحْرَامِ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ. (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ (فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. (وَالْجِلْسَةُ الْأُولَى) فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ (سُنَّةٌ وَ) الْجِلْسَةُ (الثَّانِيَةُ) فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ بِمِقْدَارِ مَا يُوقِعُ فِيهِ السَّلَامَ خَاصَّةً (فَرِيضَةٌ) وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ. (وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ) ج: عَلَى الْمَعْرُوفِ (وَالتَّيَامُنُ بِهِ) أَيْ بِالسَّلَامِ (قَلِيلًا) لِلْإِمَامِ وَالْفَذِّ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ قُبَالَةَ وَجْهِهِ وَيَسْتَتِمَّهُ عَنْ يَمِينِهِ (سُنَّةٌ) وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ فَضِيلَةٌ وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ. (وَتَرْكُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ (فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أَيْ سَاكِتِينَ، فَمَنْ تَكَلَّمَ عَمْدًا لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ أَوْ جَهْلًا أَوْ إكْرَاهًا أَوْ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ مَثَلًا فَإِنَّ صَلَاتَهُ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا النَّاسِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ. (وَالتَّشَهُّدَانِ) أَيْ كُلُّ تَشَهُّدٍ (سُنَّةٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ) فَقَطْ سِرًّا (حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ) تَأْكِيدٌ وَلَا سُجُودَ عَلَى مَنْ نَسِيَهُ فَإِنْ سَجَدَ لِتَرْكِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَسَائِرِ الْفَضَائِلِ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ وَلَا يُكَبِّرُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَرِيضَةٌ) فِي كُلِّ صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَغَيْرِهَا إلَّا فِي الْفَرْضِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فِي حَالِ الْمَرَضِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُ تَيَسَّرَ لَهُ. وَإِلَّا فِي النَّفْلِ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ لِلرَّاكِبِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ. (وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالسَّعْيُ إلَيْهَا فَرِيضَةٌ) أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ، أَمَّا فَرْضِيَّةُ الصَّلَاةِ فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ ذَكَرٍ بَالِغٍ مُقِيمٍ، وَيَخُصُّهَا بِالنِّيَّةِ أَيْ يَنْوِي أَنَّهَا جُمُعَةٌ، وَأَمَّا فَرْضِيَّةُ السَّعْيِ فَهُوَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى فِي الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: مِنْ إحْرَامٍ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، أَوْ وَرُكُوعٍ. [قَوْلُهُ: وَالرُّكُوعُ] مَعْطُوفٌ عَلَى الْقِيَامُ وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُمَا وَكَذَا سَائِرُ أَفْعَالِهَا مِمَّا عُلِمَ فَرْضِيَّتُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ [قَوْلُهُ: عَلَيْهِ] أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ] خَبَرُ الْقِيَامُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فَرِيضَةٌ لَكِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَرْضَانِ حَتَّى فِي النَّافِلَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْجَلْسَةُ] بِفَتْحِ الْجِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَرَّةُ. [قَوْلُهُ: فِيمَا فِيهِ تَشَهُّدَانِ] أَيْ، أَوْ مَا فِيهِ أَكْثَرُ [قَوْلُهُ: وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ] أَيْ وَالزِّيَادَةُ مُتَقَدِّمَةٌ، وَالْمُرَادُ مَا كَانَ ظَرْفًا لِلسُّنَّةِ، وَأَمَّا مَا كَانَ ظَرْفًا لِلْمَنْدُوبِ كَالدُّعَاءِ فَذَلِكَ الظَّرْفُ مَنْدُوبٌ وَبِالْجُمْلَةِ يُعْطَى الظَّرْفُ حُكْمَ الْمَظْرُوفِ. [قَوْلُهُ: وَالسَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ] أَيْ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ تَسْلِيمَةِ التَّحْلِيلِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ لَهَا سَلَامٌ، فَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ فَلَا يُطْلَبُ لَهَا سَلَامٌ وَلَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَعْرُوفِ] وَمُقَابِلُهُ مَا حَكَاهُ الْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّيَامُنُ إلَخْ] أَيْ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْكَافِ وَالْمِيمِ، وَقَوْلُهُ: قَلِيلًا أَيْ بِحَيْثُ تُرَى صَفْحَةُ وَجْهِهِ. وَقَوْلُهُ: لِلْفَذِّ وَالْإِمَامِ إلَخْ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ لَا قُبَالَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. . [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْكَلَامِ] أَيْ وَكَذَا تَرْكُ كُلِّ فِعْلٍ كَثِيرٍ [قَوْلُهُ: لِغَيْرِ إصْلَاحِ صَلَاتِهِ] صَادِقٌ بِالْكَلَامِ لِمُجَاوَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيَقْصُرْ الْكَلَامَ عَلَى مَا عَدَا الْمُجَاوَبَةَ [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَيْ، أَوْ حَرِيقٍ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ صَلَاتِهِ] أَيْ يَسِيرًا، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَيَبْطُلُ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا النَّاسِي أَيْ الْيَسِيرُ وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَمُبْطِلٌ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ سَهْوًا، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ مَا رَوَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ مِنْ وُجُوبِ الْأَخِيرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: تَأْكِيدٌ إلَخْ] الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ [قَوْلُهُ: فَإِنْ سَجَدَ لِتَرْكِهِ] أَيْ مُتَعَمِّدًا، أَوْ جَاهِلًا [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] وَمُقَابِلُهُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْجَلَّابُ مِنْ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَمَا رَوَاهُ عَلِيٌّ مِنْ أَنَّ مَالِكًا كَبَّرَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا] كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. [قَوْلُهُ: فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ] أَيْ فِي حَالَةِ الْتِحَامِ الْحَرْبِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ] وَمُقَابِلُهُ مَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ

مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ. (وَالْوِتْرُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا أَيْ صَلَاتُهُ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ (وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَ) صَلَاةُ (الْخُسُوفِ) أَيْ خُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (وَ) صَلَاةُ (الِاسْتِسْقَاءِ) سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ وَآكَدُ هَذِهِ الْخَمْسَةِ صَلَاةُ الْوِتْرِ ثُمَّ الْعِيدَيْنِ ثُمَّ الْخُسُوفِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ (وَصَلَاةُ الْخَوْفِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا) بِقَوْلِهِ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةُ. فَالصَّلَاةُ فِي نَفْسِهَا فَرِيضَةٌ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ سُنَّةٌ وَقِيلَ رُخْصَةٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ. . ع: وَانْظُرْ قَوْلَهُ: (وَهُوَ فِعْلٌ يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فِي الْجَمَاعَةِ فَضِيلَةٌ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ اهـ. . (وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ وَالْجَمْعُ) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (لَيْلَةَ الْمَطَرِ) وَفِي الطِّينِ وَالظُّلْمَةِ (تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ (وَ) إنَّمَا كَانَ رُخْصَةً؛ لِأَنَّهُ (قَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ) أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَقَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا اُسْتُشْهِدَ بِفِعْلِهِمْ دُونَ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ النَّسْخُ دُونَ فِعْلِهِمْ. (وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ) بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (وَبِالْمُزْدَلِفَةِ) بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَبَعْدَ حَطِّ الرِّحَالِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. (وَجَمْعُ الْمُسَافِرِ) سَفَرًا وَاجِبًا كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ أَوْ مَنْدُوبًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ مُبَاحًا كَالتِّجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ صَلَاتُهُ] أَيْ صَلَاةٌ هِيَ الْوِتْرُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ثُمَّ يَرِدُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ صَلَاةٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنَّمَا تَقَعُ سُنَّةً مَعَ الْجَمَاعَةِ وَتُنْدَبُ لِمَنْ فَاتَتْهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الزَّوَالُ فَتَفُوتَ. [قَوْلُهُ: خُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَخْ] الْمُعْتَمَدُ أَنَّ صَلَاةَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مَنْدُوبَةٌ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ الْعِيدَيْنِ] وَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: الْآيَةَ] الشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] لِأَنَّ الرُّخْصَةَ قَدْ تَكُونُ سُنَّةً. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَرُبَّمَا أَشْعَرَ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِرُخْصِيَّتِهَا غَيْرُ الْقَائِلِ بِسُنِّيَّتِهَا. [قَوْلُهُ: وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَهُوَ فِعْلٌ إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي حُكْمِ الْكَيْفِيَّةِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ فِعْلٌ يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ إلَخْ بَيَانٌ لِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالسُّنِّيَّةِ. وَقَوْلُهُ: يَسْتَدْرِكُونَ بِهِ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ وَصْفٌ لِمَنْ عَلِمَ حُصُولَ سُنِّيَّةِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَعَ أَنَّ وَصْفَ ذَلِكَ الْمُحَصَّلِ النَّدْبُ، فَصَارَ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ، وَلَوْ مِنْ الْبَعْضِ سُنَّةٌ وَذَهَابُ الشَّخْصِ لِيُحَصِّلَ الْفَضْلَ مَعَهُمْ مَنْدُوبٌ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الَّذِي وَصْفُهُ النَّدْبُ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَ وَصْفَهُ السُّنِّيَّةَ إلَّا أَنَّ تت حَلَّ الْمُصَنِّفَ بِمَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَسْتَدْرِكُونَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَيْ يُحَصِّلُونَ بِهِ السُّنَّةَ [قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] أَيْ الَّذِي عَلِمَ حُصُولَ السُّنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ الْمُعَارَضُ بِهَا خِلَافُ الَّتِي بَعْدَهَا. وَقَوْلُهُ: وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ أَيْ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ. [قَوْلُهُ: قَوْلُهُ تَخْفِيفٌ] أَيْ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَإِنْ قُلْت: فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَكَيْفَ يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِتَحْصِيلِ مَنْدُوبٍ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا غَيْرُ وَاجِبٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يَرِدُ لَوْ كَانَ الْوُجُوبُ بَاقِيًا. [قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ] جَمْعَ تَقْدِيمٍ. وَقَوْلُهُ: وَبِالْمُزْدَلِفَةِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَبَعْدَ حَطِّ الرِّحَالِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَكَانَ هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ الْعَادَةُ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] حَذْفُهُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ، بَلْ الْمُخْتَصَرُ يُفِيدُ السُّنِّيَّةَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَجَمْعُ الْمُسَافِرِ] أَيْ فِي الْبَرِّ. [قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ الْوَاجِبِ] أَيْ كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ الْوَاجِبِ. وَقَوْلُهُ: كَحَجِّ التَّطَوُّعِ أَيْ كَالسَّفَرِ الْحَجُّ التَّطَوُّعُ، وَإِضَافَةُ حَجٍّ لِلتَّطَوُّعِ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِ اللَّامِ

سَوَاءٌ كَانَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ (فِي) حَالِ (جَدِّ السَّيْرِ رُخْصَةٌ) وَظَاهِرُ اشْتِرَاطِ جَدِّ السَّيْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ وَلَا يُرَخَّصُ فِي السَّفَرِ الْحَرَامِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَا فِي السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ كَالسَّفَرِ لِصَيْدِ اللَّهْوِ. (وَجَمْعُ الْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يُغْلَبَ عَلَى عَقْلِهِ) عِنْدَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ (تَخْفِيفٌ) أَيْ رُخْصَةٌ فَإِذَا جَمَعَ وَلَمْ يُغْلَبْ عَلَى عَقْلِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا، وَالْجَمْعُ فِي الظُّهْرَيْنِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَفِي الْعِشَاءَيْنِ عِنْدَ الْغُرُوبِ (وَكَذَلِكَ جَمْعُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ (لِ) أَجْلِ (عِلَّةٍ بِهِ) تَخْفِيفٌ (فَيَكُونُ ذَلِكَ أَرْفَقَ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّك تَقُولُ: فُلَانٌ ذُو تَطَوُّعٍ بِالْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: كَالتِّجَارَةِ أَيْ كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ [قَوْلُهُ: فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صُورِيٌّ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ أَيْ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ وَقْتَهَا مُمْتَدٌّ، وَقَوْلُهُ: فِي حَالِ جَدِّ السَّيْرِ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ فِي حَالٍ هُوَ جَدُّ السَّيْرِ. [قَوْلُهُ: رُخْصَةٌ] لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ تَكُونُ وُجُوبًا وَنَدْبًا وَإِبَاحَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْجَمْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي سَلَكَهُ جَائِزٌ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى لِلْعَاصِي وَغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَدُّ فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ الْحِلِّ إذًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا فِيهِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ، أَوْ تَأْخِيرُهُ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ح فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لِلْمُسَافِرِ إذَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَهُوَ نَازِلٌ فِي الْمَنْهَلِ وَنَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَوَّلَ وَقْتِ الْأُولَى، وَإِذَا نَوَى النُّزُولَ قَبْلَ الِاصْفِرَارِ أَخَّرَ الْعَصْرَ وَفِي الِاصْفِرَارِ يُخَيَّرُ فِي تَقْدِيمِ الْعَصْرِ أَوْ تَأْخِيرِهِ، وَإِذَا زَالَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ سَائِرٌ أَخَّرَهُمَا إنْ نَوَى النُّزُولَ فِي الِاصْفِرَارِ، أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ نَوَى النُّزُولَ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِي وَقْتَيْهِمَا فَهَذِهِ أَحْوَالٌ سِتَّةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَجْرِي فِي الْعِشَاءَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ اعْتِمَادِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَدِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَرُخِّصَ جَمْعُ الظُّهْرَيْنِ بِبَرٍّ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَفِيهَا شَرْطُ الْجَدِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُرَخَّصُ فِي السَّفَرِ الْحَرَامِ] لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُنَاسِبُ مَا فِيهِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ تَقْدِيمُهَا كَمَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: أَيْ رُخْصَةٌ] أَيْ مَنْدُوبٌ، فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ أَيْ رُخْصَةٌ فَلِمَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ بَدَلَ قَوْلِهِ رُخْصَةٌ، قُلْت: تَفَنَّنَ فِي التَّعْبِيرِ، ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ بَحَثَ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا تَخْفِيفًا بَلْ هُوَ تَثْقِيلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُغْلَبُ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا فَتَسْقُطُ عَنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: لَا يَجْمَعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي عَقْلِهِ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا اهـ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا] أَيْ نَدْبًا. تَنْبِيهٌ: لَمْ يُعْلَمْ حُكْمُ مَنْ خَافَ الْمَوْتَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ، أَوْ خَافَتْ الْحَيْضَ قَالَ بَهْرَامُ: لَا يُشْرَعُ لَهُ الْجَمْعُ وَذَكَرَ عج فُرُوقًا فَانْظُرْهَا. [قَوْلُهُ: وَسَطَ وَقْتِ الظُّهْرِ] أَرَادَ بِهِ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ جَمْعُهُ صُورِيًّا. [قَوْلُهُ: لِعِلَّةٍ بِهِ] أَيْ غَيْرِ مَا سَبَقَ كَحُصُولِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ بِإِيقَاعِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا، وَيَلْحَقُ بِالْمَرِيضِ كُلُّ مَنْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ بِالْوُضُوءِ، أَوْ الْقِيَامِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا صَلَّاهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ إذَا صَلَّاهُمَا مُجْتَمِعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُهُمَا جَمْعًا صُورِيًّا. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَبْطُونِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا يَنْضَبِطُ إسْهَالُ بَطْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَضْبِطُ وَقْتَ إسْهَالِ بَطْنِهِ مَثَلًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ عِنْدَ الْأُولَى، أَوْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى عِنْدَ الثَّانِيَةِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ. [قَوْلُهُ: تَخْفِيفٌ] أَيْ رُخْصَةٌ، فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ لِلصَّحِيحِ ذَلِكَ قُلْت: نَعَمْ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، فَالرُّخْصَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: تَخْفِيفٌ مُفَادُ التَّشْبِيهِ

لِأَنَّهُ إذَا جَمَعَ كَانَ لَهُ قِيَامٌ وَاحِدٌ وَوُضُوءٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ كَانَ لَهُ قِيَامَانِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ. (وَالْفِطْرُ فِي السَّفَرِ) الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ (رُخْصَةٌ) إنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا (وَالْإِقْصَارُ) أَيْ قَصْرُ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ. (وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ) لَهُمَا نِيَّةٌ تَخُصُّهُمَا (وَقِيلَ) هُمَا (مِنْ السُّنَنِ) وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَصَلَاةُ الضُّحَى) بِالْقَصْرِ (نَافِلَةٌ) وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا فَضِيلَةٌ وَوَقْتُهَا مِنْ حِلِّ النَّافِلَةِ لِلزَّوَالِ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ. (وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ نَافِلَةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ كَبِيرٌ) رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ» . وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ قَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا) أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً (غُفِرَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَأَنَّهُ قَالَ: وَجَمْعُهُ كَذَلِكَ أَيْ تَخْفِيفٌ. وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ ذَلِكَ جَوَابَ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْحُكْمَ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَيَكُونُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ الشَّارِعُ فِي فِعْلِهِ إذَا رَفَقَ بِهِ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ قِيَامَانِ] أَيْ وَوُضُوءَانِ. [قَوْلُهُ: وَيُرَخَّصُ فِيهِ الْجَمْعُ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمَسَافَةِ مَسَافَةَ قَصْرٍ وَقَدْ أَحْسَنَ فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ حَذَفَهَا [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ] أَيْ فَيَكُونُ ظَاهِرُهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ ضَعِيفًا، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الرُّخْصَةَ تَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْرُ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِي الْمُقَامِ أَنَّ اللُّغَةَ الْفُصْحَى قَصَرْت الصَّلَاةَ أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ، أَوْ مِنْ الصَّلَاةِ قَصْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَهِيَ اللُّغَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ قَالَ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَفِي لُغَةٍ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَالُ: أَقْصَرْتهَا وَقَصَّرْتهَا أَفَادَ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَيَكُونُ الْمُصَنِّفُ عَبَّرَ بِغَيْرِ الْفُصْحَى، وَيَكُونُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ قَصْرُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ] أَشَارَ لَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ الْمَسَافَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَغَيْرُهَا. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ] أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الْإِتْمَامُ وَإِنَّمَا كَانَ الْفِطْرُ مَكْرُوهًا وَالْقَصْرُ سُنَّةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا رُخْصَةٌ؛ لِأَنَّ فِي الْقَصْرِ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ مَعَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ تَشْتَغِلُ مَعَهُ الذِّمَّةُ. قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ مِنْ الرَّغَائِبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: بِالْقَصْرِ] فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، أَمَّا الضُّحَى بِالْقَصْرِ فَاسْمٌ لِأَوَّلِ حِلِّ النَّافِلَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لِلزَّوَالِ ضَحَاءٌ بِالْمَدِّ وَقَبْلَ حِلِّ النَّافِلَةِ ضَحْوَةٌ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ بِالْقَصْرِ بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ وَالنَّافِلَةُ مَا دُونَ السُّنَّةِ وَالرَّغِيبَةِ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ] لَا خِلَافَ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ. [قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ] وَأَوْسَطُهَا سِتٌّ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ. لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَقَالَ عج: يُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَى الثَّمَانِيَةِ بِنِيَّةِ الضُّحَى. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ] أَيْ الْمُسَمَّى بِالتَّرَاوِيحِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: نَافِلَةٌ] أَيْ مُتَأَكِّدَةٌ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيلُونَ الْقِيَامَ فِي فِعْلِهَا وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ كَرَاهَةِ النَّفْلِ جَمَاعَةً كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ. [قَوْلُهُ: رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ] صَادِقٌ بِالْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُثَلَّثَةِ عَلَى الْكَمِّيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ] أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ نَافِلَةً وَفِيهِ فَضْلٌ كَثِيرٌ. [قَوْلُهُ: إيمَانًا] أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا وَعَدَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ مِنْ الْأَجْرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُحْتَسِبًا أَجْرَهُ إلَخْ] أَيْ عَادَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَقُومُهُ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً] أَيْ لَا يَقُومُهُ قِيَامَ رِيَاءٍ وَلَا قِيَامَ سُمْعَةٍ، أَوْ لَا يَقُومُهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُرَائِيًا وَلَا فِي حَالِ كَوْنِهِ مُسْمِعًا، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ الشَّامِلُ لِلْخَوْفِ مِنْ النَّارِ وَالطَّمَعِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ فَيُفَسِّرُونَ الِاحْتِسَابَ بِأَنْ يَعْمَلَ الْأَعْمَالَ مَحَبَّةً فِي الْمَعْبُودِ لَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ وَلَا طَمَعًا فِي جَنَّتِهِ. قَالَ اللَّقَانِيُّ: الرِّيَاءُ الْعَمَلُ لِغَرَضٍ مَذْمُومٍ كَأَنْ يَعْمَلَ لِيَرَاهُ

مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ غَيْرَ الْكَبَائِرِ (وَالْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا) . وَالصَّلَاةُ عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ مَا عَدَا شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ (فَرِيضَةٌ) مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) عَنْ الْبَاقِينَ (وَكَذَلِكَ مُوَارَاتُهُمْ بِالدَّفْنِ) أَيْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَغَسْلُهُمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ. (وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا) وَاحِدٌ فَأَكْثَرُ عَنْ الْبَاقِينَ (إلَّا) فِي (مَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) كَالتَّوْحِيدِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لَا يَحْمِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسُ، وَالسُّمْعَةُ أَنْ يَعْمَلَ لِيَسْمَعَ النَّاسُ عَنْهُ بِذَلِكَ فَيُكْرِمُونَهُ بِإِحْسَانٍ، أَوْ مَدْحٍ، أَوْ تَعْظِيمِ جَاهِهِ بِهِ فِي قُلُوبِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُحْبِطٌ لِثَوَابِ الْعَمَلِ اهـ. [قَوْلُهُ: غَيْرِ الْكَبَائِرِ] أَيْ الَّذِي هُوَ الصَّغَائِرُ، وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ، أَوْ مَحْضُ الْعَفْوِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَاعِلِ صَغَائِرُ فَقِيلَ: يُكَفِّرُ بِهِ أَجْزَاءً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَبَائِرُ وَلَا صَغَائِرُ يُرْفَعُ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَيُقَالُ هَكَذَا مَعَ كُلِّ مُكَفِّرٍ وَالْأَحْسَنُ مَا أَفَادَهُ تت عَنْ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ: الذُّنُوبُ كَالْأَمْرَاضِ مِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالصَّلَاةِ، وَمِنْهَا مَا يَذْهَبُ بِالصَّوْمِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْوُضُوءِ وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالتَّوْبَةِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْجِهَادِ، وَمِنْهَا مَا يُكَفَّرُ بِالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ تُكَفِّرُ مَا وَجَدَتْ مِنْ الذُّنُوبِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تُكَفِّرُ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ اهـ. [قَوْلُهُ: وَالْقِيَامُ مِنْ اللَّيْلِ] بِمَعْنَى الصَّلَاةُ فِي جُزْءٍ [قَوْلُهُ: مِنْ النَّوَافِلِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا] ؛ لِأَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ شَعَائِرِ الصَّالِحِينَ وَالْأَفْضَلُ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ، وَيَحْصُلُ الْفَضْلُ بِقَدْرِ حَلْبِ النَّاقَةِ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ الْمُقَامِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ أَوَّلًا عَلَى الْقِيَامِ بِمَعْنَى التَّرَاوِيحِ وَهُنَا عَلَى الْقِيَامِ بِمَعْنَى التَّهَجُّدِ فِي اللَّيْلِ. [قَوْلُهُ: فَرِيضَةٌ مِنْ فُرُوضِ إلَخْ] وَقِيلَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا الْمُوَارَاةُ بِالدَّفْنِ فَفَرْضٌ بِاتِّفَاقٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ] لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ يَجِبُ مُوَارَاةُ الْكَافِرِ، وَلَوْ حَرْبِيًّا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الضِّيعَةُ بِتَكْفِينِهِ فِي شَيْءٍ وَدَفْنِهِ، وَقِيلَ: يُتْرَكُ الْحَرْبِيُّ. [قَوْلُهُ: وَغُسْلُهُمْ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُلَائَمَةِ فِي كَلَامِهِ فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ يَقُولُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يَقُولُ بِسُنِّيَّةِ الْغُسْلِ يَقُولُ بِسُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ كُلٍّ مِنْ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّيْخِ فِي تَكْرَارِ حُكْمِ غُسْلِ الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مُوَارَاتِهِمْ بِالْكَفَنِ وَالدَّفْنِ وَاجِبَةٌ كِفَايَةً بِاتِّفَاقٍ، وَأَمَّا غُسْلُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَفِيهَا خِلَافٌ بِالْوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ فِي كُلٍّ. [قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ] أَيْ الْمُكَلَّفِينَ بَلْ قَدْ يُقَالُ: وَلَا مَفْهُومَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاقِينَ] مُتَعَلِّقٌ بِ يَحْمِلُ [قَوْلُهُ: إلَّا فِيمَا يَلْزَمُ] أَيْ إلَّا الطَّلَبَ فِي الَّذِي يَلْزَمُ. [قَوْلُهُ: فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ] أَيْ فِي ذَاتِهِ الْخَاصَّةِ أَيْ الَّتِي هِيَ شَيْءٌ خَاصٌّ وَهُوَ وَصْفٌ مُؤَكَّدٌ وَالْخَاصَّةُ مُقَابِلُ الْعَامَّةِ. [قَوْلُهُ: كَالتَّوْحِيدِ] أَيْ كَعَقَائِدِ التَّوْحِيدِ بِأَنْ يَعْرِفَهَا بِدَلِيلٍ، وَلَوْ إجْمَالِيًّا، وَأَمَّا بِالدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ بِأَنْ يُقَرِّرَ الدَّلِيلَ وَيَحِلَّ شُبَهَهُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَقُومُ بِهِ الْوَاحِدُ فِي الْقُطْرِ الَّذِي يَشُقُّ الْوُصُولُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْوُضُوءِ إلَخْ أَيْ مَسَائِلِ الْوُضُوءِ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى أَمْرٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ. تَنْبِيهٌ.: يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ إلَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَأُمُورِ دِينِهِ] أَيْ وَمَسَائِلِ دِينِهِ، أَيْ وَمَسَائِلَ هِيَ دِينُهُ أَيْ مَا يَتَعَبَّدُ بِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ] أَيْ مَا

أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ. (وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ عَامَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ (يَحْمِلُهَا مَنْ قَامَ بِهَا مِنْهُمْ) فَتَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ (إلَّا أَنْ يَغْشَى) أَيْ يُفْجَأَ بِمَعْنَى يُغِيرُ (الْعَدُوُّ مَحَلَّةَ قَوْمٍ فَيَجِبُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ) كُلِّهِمْ (قِتَالُهُمْ إذَا كَانُوا مِثْلَيْ عَدَدِهِمْ) فَإِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْهِمْ جَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ (وَالرِّبَاطُ) وَهُوَ الْإِقَامَةُ (فِي ثُغُورِ) أَيْ الْفُرَجِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ (الْمُسْلِمِينَ) وَالْكُفَّارِ (وَسَدُّهَا وَحِيَاطَتُهَا) أَيْ حِفْظُهَا (وَاجِبٌ) وُجُوبَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ (يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ) عَنْ بَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ. (وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ) عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ تَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي الصِّيَامِ. (وَالِاعْتِكَافُ) وَهُوَ مُلَازَمَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ (نَافِلَةٌ) عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ الرَّجُلَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فَرْضُ عَيْنٍ، ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّرَفَيْنِ. قَوْلُهُ: عَامَّةٌ وَقَوْلُهُ يَحْمِلُهَا وَأَنَّ مَعْنَى عَامَّةٌ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَرْضُ عَيْنٍ مُقَابِلٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُهُ مُقَابِلٌ لِلثَّانِي مَعَ أَنَّ عَامَّةَ تَفْسِيرِهِ صَادِقٌ بِفَرْضِ الْعَيْنِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى إسْقَاطُهُ، وَمَعْنَى فَرْضِ عَيْنٍ أَيْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لِلْإِخْبَارِ بِهِ فَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُهُ أَحَدٌ غَيْرُ ضَرُورِيِّ الذِّكْرِ فَالْقَصْدُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ لُزُومِهِ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ كَانَ اللَّازِمُ لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مَا ذُكِرَ فَمَا الْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ؟ قُلْت: بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ عِلْمُ الْقَضَاءِ مِثْلُ الشُّفْعَةِ وَالتَّعْمِيرِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالدِّيَاتِ انْتَهَى. وَبَعْضُهُمْ شَرَحَ الْمُصَنَّفَ بِمَا يُفِيدُ مَعْرِفَةَ الْبَاقِي بِوَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: وَكَذَلِكَ طَلَبُ الْعِلْمِ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهُ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَأُصُولٍ وَكَلَامٍ وَنَحْوٍ وَلُغَةٍ إقْرَاءً وَتَأْلِيفًا، أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ. [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ] أَيْ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذُكِرَ إلَّا الرِّجَالُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ. وَقَوْلُهُ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ أَيْ ظَهَرَ ظُهُورَ الْأَمْرِ الْغَالِبِ أَيْ كَظُهُورِهِ، أَوْ فِي مَكَانِ الْأَمْرِ الْغَالِبِ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ وَظُهُورُ الْغَالِبِ أَوْ مَكَانُ ظُهُورِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَفَرِيضَةُ الْجِهَادِ] أَيْ وَفَرِيضَةٌ هِيَ الْجِهَادُ أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ قَادِرٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُغِيرُ] لَمَّا كَانَ فِي اللَّفْظِ خَفَاءٌ عَبَّرَ بِمَعْنًى وَمَعْنَى يُغِيرُ يَهْجُمُ [قَوْلُهُ: مَحَلَّةَ قَوْمٍ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: فَرْضًا] مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَا هُوَ بِمَعْنَاهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: فَيَجِبُ وُجُوبًا، أَوْ حَالٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَجِبُ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْوُجُوبِ فَرْضًا عَلَى مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مِنْ إطْلَاقِ الْوُجُوبِ عَلَى الطَّلَبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَالْمُرَادُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانُوا أَكْثَرَ إلَخْ] أَيْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفِرَارُ، وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ عَدَدَ الرِّجَالِ حَيْثُ اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمُسْلِمِينَ. [قَوْلُهُ: جَازَ لَهُمْ الْفِرَارُ] أَيْ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْفِرَارِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] [قَوْلُهُ: فِي ثُغُورِ] جَمْعُ ثَغْرٍ كَفَلْسٍ [قَوْلُهُ: أَيْ الْفُرَجِ إلَخْ] تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي بَابِ الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ] أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ظَاهِرِهِ تَوْضِيحًا وَتَبْيِينًا لِلثُّغُورِ، أَيْ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْخَوْفُ، وَلَوْ أَنَّهُ فَسَّرَ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ تت بِأَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ الْفُرَجُ الْكَائِنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ انْتَهَى لَكَانَ أَحْسَنَ. [قَوْلُهُ: وَسَدُّهَا] أَيْ مَنْعُ الْعَدُوِّ مِنْ التَّوَصُّلِ لَهَا فَهُوَ سَدٌّ مَعْنَوِيٌّ، وَعَطْفُ الْحِيَاطَةِ عَلَيْهِ عَطْفَ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ إلَخْ] خَبَرُ الرِّبَاطِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَعَلَّهُ أُفْرِدَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَاحِدًا. [قَوْلُهُ: يَحْمِلُهُ مَنْ قَامَ بِهِ] أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الرِّبَاطِ وَالسَّدِّ وَالْحِيَاطَةِ. [قَوْلُهُ: شَهْرِ رَمَضَانَ] مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى لِلِاسْمِ، أَوْ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلْبَيَانِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالشَّهْرُ مَأْخُوذٌ مِنْ شَهَرْته، وَرَمَضَانُ مِنْ الرَّمْضَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَحْمِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يُحْرِقُ الذُّنُوبَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُلَازَمَةُ إلَخْ] هَذَا بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ فَهُوَ مُطْلَقُ اللُّزُومِ وَالْإِقَامَةِ [قَوْلُهُ: مَكَان مَخْصُوصٍ] هُوَ الْمَسْجِدُ الْمُبَاحُ. وَقَوْلُهُ: عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصِ الذِّكْرِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمُلَازَمَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى عَمَلٍ مَخْصُوصٍ، أَوْ مَعَ عَمَلٍ مَخْصُوصٍ، زَادَ

الْمَشْهُورِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِهِ. (وَالتَّنَفُّلُ بِالصَّوْمِ) فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا (مُرَغَّبٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ، وَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَمَّا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» . فَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا مِنْ أَجْوَدِ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمِهَا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ عَمَلِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا الصَّوْمُ يَتَحَمَّلُ اللَّهُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ الْجَنَّةَ (وَكَذَلِكَ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ مُرَغَّبٌ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْقَابِلَةَ. وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ» ". (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (رَجَبٍ) مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سُئِلَ عَنْ صِيَامِ رَجَبٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ» (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ شَهْرِ (شَعْبَانَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى شَرَائِطَ أَحْكَمَتْهَا السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] مُقَابِلُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ حَكَاهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الَّتِي لَا نَهْيَ فِيهَا] أَيْ نَهْيَ تَحْرِيمٍ، أَوْ كَرَاهَةٍ [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حِسَابٍ] حَالٌ مِنْ الْأَجْرِ أَيْ لَا يُهْتَدَى إلَيْهِ حِسَابُ الْحِسَابِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ هُمْ الصَّائِمُونَ] أَيْ قَالَ: بَعْضُهُمْ هُمْ الصَّائِمُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهِمْ الصَّابِرُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَنَّ رَجُلًا] بَدَلٌ مِنْ مَا أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَأَنَّ مَفْتُوحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ الرَّجُلَ. [قَوْلُهُ: عَمَّا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ] لَيْسَ الْقَصْدُ كُلَّ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ وَلَا جِنْسَ مَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، بَلْ الْقَصْدُ الْجِنْسُ فِي تَحَقُّقِهِ فِي فَرَدَّ الْمُبَيِّنَ بَعْدُ بِقَوْلِهِ كُلُّ عَمَلِ فَهُوَ بَدَلٌ، أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ مَا مَاثَلَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِعَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ فَقَطْ لَا مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ وَجَوْدَتِهِ وَإِحْكَامِهِ، وَإِنْ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ: هَذَا أَجْوَدُ الْأَحَادِيثِ وَأَحْكَمُهَا وَالْأَحْكَامُ الْخُلُوُّ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِلْجَوَابِ الْمَقْصُودِ. [قَوْلُهُ: ابْنِ آدَمَ] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجِنَّ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِي] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لِي أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرِي، وَقِيلَ: تَشَبَّهَ بِوَصْفِي اهـ. [قَوْلُهُ: وَأَنَا أَجْزِي بِهِ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ أَقْضِي دَيْنَهُ بِسَبَبِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَحْكَمِهَا] عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ أَتْقَنَهَا أَيْ الَّذِي مَعْنَاهُ بَيِّنٌ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَبْقَى إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ ثَوَابَهُ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ بِخِلَافِ ثَوَابِ غَيْرِهِ، وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوَابَهُ كَثَوَابِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِالْمَظَالِمِ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. الثَّانِي: أَنَّ تَضْعِيفَ الْحَسَنَةِ غَيْرَ الصَّوْمِ لَا يُؤْخَذُ فِي الْمَظَالِمِ أَيْضًا، وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ إنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ بِهِ غَيْرِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ عُبِدَ بِهِ غَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: عَبْدَهُ] أَيْ جِنْسَ عَبْدِهِ [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ وَهُوَ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ] أَيْ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ عَاشُورَاءَ أَفَادَهُ تت بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ. [قَوْلُهُ: بِمَا رَوَاهُ] أَيْ بِسَبَبِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ إلَخْ] هَلْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا الَّذِي يُكَفِّرُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَوْ شَيْءٌ آخَرُ اُنْظُرْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلَ مِنْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مَنُوطٌ بِالْأَفْضَلِيَّةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: رَجَبٍ] سُمِّيَ رَجَبًا مِنْ التَّرْجِيبِ وَهُوَ التَّعْظِيمُ. [قَوْلهُ: حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ] أَيْ بِحَيْثُ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَصُومُهُ كُلَّهُ، وَالشَّاهِدُ فِي هَذَا الطَّرَفِ دُونَ الطَّرَفِ الَّذِي بَعْدَهُ. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ثَوَابَ صَوْمِهِ يَفْضُلُ ثَوَابَ صَوْمِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ بَاقِي الْحُرُمِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ دُونَ بَاقِيهَا وَجْهٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ بَلْ وَرَدَ أَنَّ صَوْمَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ رَجَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُرُمِ عج.

مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ (يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ (وَ) كَذَلِكَ صَوْمُ (يَوْمِ التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ» يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. (وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَفْضَلُ) وَفِي نُسْخَةٍ أَحْسَنُ (مِنْهُ لِلْحَاجِّ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا الْحَاجُّ فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ لِمَا فِي أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ» . (وَزَكَاةُ الْعَيْنِ) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَ) زَكَاةُ (الْحَرْثِ) الْحُبُوبِ وَغَيْرِهَا (وَ) زَكَاةُ (الْمَاشِيَةِ) الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (فَرِيضَةٌ) تَقَدَّمَ دَلِيلُ هَذَا فِي بَابِهِ (وَزَكَاةُ الْفِطْرِ سُنَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَقِيلَ السُّنَّةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَمَعْنَى فَرَضَهَا قَدَّرَهَا. (وَحَجُّ الْبَيْتِ) الْحَرَامِ الَّذِي بِمَكَّةَ (فَرِيضَةٌ) فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِهِ (وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي بَابِ الْحَجِّ (وَالتَّلْبِيَةُ) فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَجِّ أَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَقِيقَتِهَا ثَمَّةَ (وَالنِّيَّةُ بِالْحَجِّ فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . (وَالطَّوَافُ لِلْإِفَاضَةِ) وَهُوَ الَّذِي يُفْعَلُ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ عَرَفَةَ (فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ. (وَ) كَذَلِكَ (السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَرِيضَةٌ وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ الْمُتَّصِلُ بِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: شَعْبَانَ] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: سُمِّيَ شَعْبَانَ لِتَشَعُّبِ الْقَبَائِلِ فِيهِ لِلْقِتَالِ. [قَوْلُهُ: مِنْهُ] أَيْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ: فِي شَعْبَانَ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي مِنْهُ أَيْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ صِيَامًا حَالَةَ كَوْنِهِ كَائِنًا فِي شَعْبَانَ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَإِنْ صَدَقَتْ بِمُسَاوَاةِ شَعْبَانَ لِغَيْرِهِ وَبِزِيَادَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي زِيَادَةِ شَعْبَانَ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا أَيْ إلَّا زَمَنًا قَلِيلًا مِنْهُ أَيْ مِنْ شَعْبَانَ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْقِلَّةِ. [قَوْلُهُ: يَوْمِ التَّرْوِيَةِ] سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى لِحُجَّاجِ الْعَرَبِ يَسْقُونَهُمْ، وَقِيلَ: لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَصْبَحَ يَتَرَوَّى فِي أَمْرِ الرُّؤْيَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ. [قَوْلُهُ: مُرَغَّبٌ فِيهِ إلَخْ] أَيْ وَهُوَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ [قَوْلُهُ: الْعَمَلُ] مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ: الصَّالِحُ صِفَتُهُ. وَقَوْلُهُ: أَفْضَلُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْهُ أَيْ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ لَيْسَ أَيَّامٌ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ، وَهِيَ وَإِنْ صَدَقَتْ بِالْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهَا تُعُورِفَتْ فِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ] فِي الْعِبَارَةِ تَغْلِيبٌ لِظُهُورِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْعَشْرِ يَوْمُ الْعِيدِ وَهُوَ لَيْسَ يَوْمَ صِيَامٍ، أَقُولُ: وَقَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى صَوْمِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ. [قَوْلُهُ: وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوَّلًا وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الْحَجِّ لَأَغْنَاهُ عَنْ هَذَا. [قَوْلُهُ: فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ] أَيْ لِيَتَقَوَّى عَلَى الْوُقُوفِ [قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ. [قَوْلُهُ: الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ] وَسُمِّيَا بِالْعَيْنِ لِشَرَفِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنْ عَيْنِ الْجَارِحَةِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَاحْتَرَزَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ، وَلَوْ تُعُومِلَ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عُرُوضُ التِّجَارَةِ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهَا] أَفَادَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَيْرِ الْقَطَانِيُّ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالزَّيْتُونُ [قَوْلُهُ: وَاجِبَةٌ] أَيْ كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى فَرَضَهَا قَدَّرَهَا] أَيْ وَالتَّقْدِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالسُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُؤَكَّدَةٌ] الَّذِي شَهَرَهُ شُرَّاحُ خَلِيلٍ وُجُوبُ التَّلْبِيَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى تَارِكِهَا، وَأَوَّلُ مَنْ لَبَّى الْمَلَائِكَةُ كَمَا أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْحَجِّ أَنَّهَا فَرْضٌ] أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَجْعَلُهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: وَالطَّوَافُ لِلْإِفَاضَةِ] هُوَ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ إلَخْ] تَقْدِيرُهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ التَّنَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ

أَيْ بِالسَّعْيِ وَهُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ (وَاجِبٌ) وُجُوبُ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ (وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ آكَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ طَوَافِ الْقُدُومِ. ع: اُنْظُرْ كَيْفَ اسْتَعْمَلَ أَفْضَلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ. (وَالطَّوَافُ لِلْوَدَاعِ سُنَّةٌ) وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. (وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ يَوْمِ عَرَفَةَ سُنَّةٌ) لَا دَمَ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ فَقَوْلُهُ: (وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ) وُجُوبَ السُّنَنِ تَكْرَارٌ. (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَرِيضَةٌ) بِلَا خِلَافٍ. (وَمَبِيتُ الْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. (وَوُقُوفُ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ مَأْمُورٌ بِهِ) اسْتِحْبَابًا (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَوْ غَيْرَهَا (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ. (وَكَذَلِكَ) (الْحِلَاقُ) فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ وَتَقْبِيلُ الرُّكْنِ) يَعْنِي الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي أَوَّلِ شَوْطٍ (سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، وَفِيمَا عَدَا الشَّوْطَ الْأَوَّلَ مُسْتَحَبٌّ. (وَالْغُسْلُ لِ) أَجْلِ (الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ) لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، وَيُطْلَبُ فِيهِ الِاتِّصَالُ بِالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّظَافَةِ. (وَالرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ وَغُسْلُ عَرَفَةَ) لِأَجْلِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (سُنَّةٌ) . وَقَوْلُهُ: (وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ) تَكْرَارٌ (وَالصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ) وَهِيَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَاحِدُ وَحْدَهُ (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) ك: لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «فَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ كَانَتْ لَهُ دَرَجَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ كَانَتْ لَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً» . (وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَذًّا أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ) وَيَلِيهِمَا فِي الْفَضْلِ مَسْجِدُ إيلِيَاءَ. ع قَوْلُهُ: (وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ التَّضْعِيفِ) أَيْ الزِّيَادَةِ (بِذَلِكَ) التَّفْضِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ فَرْضًا فَيُنَافِي قَوْلَهُ وَاجِبٌ [قَوْلُهُ: بِهِ] أَيْ بِالسَّعْيِ، وَذَهَبَ بَعْضٌ إلَى أَنَّ ضَمِيرَ الْمُتَّصِلِ رَاجِعٌ لِلسَّعْيِ. وَقَوْلُهُ: بِهِ عَائِدٌ عَلَى الطَّوَافِ وَهُوَ أَحْسَنُ. [قَوْلُهُ: وَاجِبٌ وُجُوبَ السُّنَنِ] الْأَوْلَى أَنْ يَبْقَى الْمُصَنَّفُ عَلَى ظَاهِرِهِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ فِيهِ الدَّمُ بِتَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: ع اُنْظُرْ إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ بَلْ طَوَافُ الْقُدُومِ يَتَرَتَّبُ الْإِثْمُ عَلَى تَرْكِهِ كَالْإِفَاضَةِ إلَّا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَنْجَبِرُ بِخِلَافِ طَوَافِ الْقُدُومِ. [قَوْلُهُ: وَالطَّوَافُ لِلْوَدَاعِ سُنَّةٌ] أَيْ خَفِيفَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَبِيتُ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ إلَخْ] الرَّاجِحُ النَّدْبُ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا دَمَ فِي تَرْكِهِ، وَلَيْلَةُ عَرَفَةَ هِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعِ. [قَوْلُهُ: فَقَوْلُهُ إلَخْ] أَيْ إذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ إلَخْ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَاجِبٌ تَكْرَارٌ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَرِيضَةٌ] أَيْ لِئَلَّا يَفُوتَ الْحَجُّ بِفَوَاتِهِ، وَأَمَّا الْوُقُوفُ بِهِ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ فَوَاجِبٌ يَنْجَبِرُ بِالدَّمِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ الْحَجِّ بِفَوَاتِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ] أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ النُّزُولُ بِقَدْرِ حَطِّ الرِّحَالِ وَيَلْزَمُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ يُلْزِمُ الدَّمَ، وَلَوْ بِتَرْكِ حَصَاةٍ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْحِلَاقُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ الرَّاجِحُ الْوُجُوبُ لِلْحَلْقِ أَوْ بَدَلُهُ مِنْ التَّقْصِيرِ لِلُزُومِ الدَّمِ لِمَنْ تَرَكَهُ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ. وَقَوْلُهُ: دُونَ الْمَرْأَةِ أَيْ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْوَاجِبُ فِي حَقِّهَا التَّقْصِيرُ. [قَوْلُهُ: وَالْغُسْلُ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ] أَيْ وَلَا دَمَ فِي تَرْكِهِ. [قَوْلُهُ: لِلنَّظَافَةِ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ، وَلَوْ حَائِضًا وَنُفَسَاءَ. [قَوْلُهُ: وَالرُّكُوعُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ] أَيْ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَالْفَرْضُ مُجْزٍ فِي تَحْصِيلِ سُنَّةِ الْإِحْرَامِ. [قَوْلُهُ: وَغُسْلُ عَرَفَةَ سُنَّةٌ] ضَعِيفٌ الرَّاجِحُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اغْتِسَالَاتِ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ غُسْلُ الْإِحْرَامِ هُوَ السُّنَّةُ وَمَا عَدَاهُ مَنْدُوبٌ عَلَى الرَّاجِحِ. [قَوْلُهُ: اثْنَانِ] أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ [قَوْلُهُ: بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ] وَفِي رِوَايَةٍ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا [قَوْلُهُ: وَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ إلَخْ] أَيْ؛ لِأَنَّ السَّبْعَ، أَوْ الْخَمْسَ وَالْعِشْرِينَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، وَمَعْنَى الْجُزْءِ وَالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ لِجَوَازِ كَوْنِ الْجُزْءِ أَكْبَرَ مِنْ الدَّرَجَةِ، وَالْأَفْضَلُ فِي النَّوَافِلِ الِانْفِرَادُ إلَّا التَّرَاوِيحَ. [قَوْلُهُ: مَسْجِدُ إيلِيَاءَ] أَيْ وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَيَلِي تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَ مَسْجِدُ قُبَاءَ وَلَا تَفَاضُلَ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ مِنْ حَيْثُ الْبُقْعَةِ، فَالصَّلَاةُ فِي نَحْوِ الْأَزْهَرِ كَالصَّلَاةِ فِي

(بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) لَمْ يَرِدْ بِهِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الشُّيُوخِ مَا هُوَ ظَاهِرُهُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ بِمَاذَا يُفَضَّلُ أَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ مَكَّةُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ وَاسْتَثْنَوْا مِنْ الْخِلَافِ قَبْرَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ بِإِجْمَاعٍ، وَمَعْنَى التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي إحْدَاهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي الْأُخْرَى. ع وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ وَسِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْمَسَاجِدِ) وَاخْتُلِفَ هَلْ الصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ أَوْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَهْلُ) أَيْ عُلَمَاءُ (الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ) قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمِائَةِ صَلَاةٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَصَحَّحَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» . (وَهَذَا) التَّفْضِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ (فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَ) فِعْلُهَا (فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ) عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَفِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي الْبُيُوتِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ التَّنَفُّلِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِلْغُرَبَاءِ فَإِنَّ تَنَفُّلَهُمْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ. وَعِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرُ هَذِهِ الْبِقَاعِ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. [قَوْلُهُ: بِذَلِكَ] الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ [قَوْلُهُ: التَّفْضِيلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمُتَقَدِّمَ تَفْضِيلُ الْمَسْجِدَيْنِ عَلَى غَيْرِهِمَا فَيَكُونُ هُوَ الْمُشَارُ لَهُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَخْ. وَالْجَوَابُ يَمْنَعُ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ بَلْ هُوَ مَا قُرِّرَ فِي الْأَذْهَانِ مِنْ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ. [قَوْلُهُ: بِمَاذَا] مُتَعَلِّقٌ بِ يَفْضُلُ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي جَوَابِ بِمَاذَا يَفْضُلُ إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بَيَانَ إلَخْ] فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ الْمَتْنِ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قُلْتُ: الْخِلَافُ الْجَارِي بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ هُوَ الْجَارِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا الْكَعْبَةَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَدِينَةِ بِاتِّفَاقٍ [قَوْلُهُ: قَبْرَ سَيِّدِنَا] أَيْ مَا لَاصَقَ جَسَدَهُ الشَّرِيفَ لَا كُلَّ الْقَبْرِ. [قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُخْتَلَفْ إلَخْ] مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ، أَيْ مَعْنَى آخِرِهِ لَا كُلَّهُ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ إلَخْ] قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ بِأَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: فِيمَا سِوَاهُ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي السِّوَى بَيْتُ الْمَقْدِسِ. [قَوْلُهُ: فَأَهْلُ الْمَدِينَةِ] بِالْفَاءِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيعِ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالنَّظَرِ لِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَلِذَلِكَ تَرَى الشَّارِحَ ذَكَرَ فِي الْحَلِّ مَا يَتَرَتَّبُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَاخْتُلِفَ هَلْ. . . إلَخْ وَنُسْخَةُ تت وَالتَّحْقِيقُ بِالْوَاوِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: قِيلَ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ] أَيْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ بِسَبْعِمِائَةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّضْعِيفَ. [قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا فَهُوَ قَائِلٌ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. [قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ] وَمُقَابِلُهُ مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْبُيُوتِ. [قَوْلُهُ: مِنْ صَلَاتِكُمْ] أَيْ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إلَخْ، أَوْ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهَا فِي الْإِثْبَاتِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْمَكْتُوبَةَ] وَأُلْحِقَ بِهَا الرَّغِيبَةُ وَالسُّنَّةُ كَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَفِي غَيْرِ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ فَيُنْدَبُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ إلَخْ] مِثْلَهُ لِابْنِ غَازِي وَمِنْ هَذَا يُسْتَفَادُ أَنَّ فِعْلَ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَفْضَلُ لِلْغُرَبَاءِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيبِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَالْمُجَاوِرُ بِهَا

مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيْهِ. (وَالتَّنَفُّلُ بِالرُّكُوعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ سُكَّانِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ (أَحَبُّ إلَيْنَا) أَيْ إلَى الْمَالِكِيَّةِ (مِنْ الطَّوَافِ) لِئَلَّا يُزَاحِمُوا الْغُرَبَاءَ (وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ) وَهُمْ أَهْلُ الْمَوْسِمِ (أَحَبُّ) إلَيْنَا مِنْ الرُّكُوعِ (لِ) قِلَّةِ (وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ) وَهَذَا آخِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَاذَا يَجِبُ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ (وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (غَضُّ الْبَصَرِ) أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ (عَنْ النَّظَرِ إلَى جَمِيعِ الْمَحَارِمِ) أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ كَالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ وَالْأَمْرَدِ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] (وَلَيْسَ فِي النَّظْرَةِ الْأُولَى) إلَى الْمَحَارِمُ (بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ) أَيْ قَصْدٍ (حَرَجٌ) أَيْ إثْمٌ (وَ) كَذَلِكَ (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الْمُتَجَالَّةِ) الَّتِي لَا أَرَبَ فِيهَا لِلرِّجَالِ وَلَا يُتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا (وَ) كَذَا (لَا) حَرَجَ (فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ) وَتَأَمُّلِ صِفَتِهَا (لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) فِي نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُ الشَّاهِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِهَا حَيْثُ كَانَ يُعْرَفُ كَمَا فِي عج [قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْمُجَاوِرُونَ] أَيْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ بَعْدَ الْمَوْسِمِ كَمَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ وَيُوَافِقُهُ مَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ الْمُرَادُ بِالْمُجَاوِرِينَ الَّذِينَ طَالَتْ مُدَّتُهُمْ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ. [قَوْلُهُ: لِقِلَّةِ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُمْ] ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ إنَّمَا يَكُونُ حَوْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا الرُّكُوعُ فَيَتَيَسَّرُ، وَلَوْ لِلْخَارِجِ مِنْ مَكَّةَ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ بِالطَّوَافِ فِي الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ كَانَتْ الصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَفْضَلَ مِنْ الطَّوَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْغُرَبَاءِ وَأَهْلِ مَكَّةَ، إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَفْضَلِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَفْضُولِ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِمُسَاوَاةِ النَّافِلَةِ لِلْفَرِيضَةِ فِي الْفَضِيلَةِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا آخِرُ] أَيْ قَوْلُهُ وَالطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ. [قَوْلُهُ: مَاذَا يَجِبُ] أَيْ جَوَابُ مَاذَا يَجِبُ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْجَوَارِحِ] أَيْ الْجَوَارِحِ السَّبْعَةِ، وَيُقَالُ لَهَا الْكَوَاسِبُ وَالْوُجُوبُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّخْصِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْجَوَارِحِ وَهِيَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَاللِّسَانُ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ عَلَى عَدَدِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفَرَائِضِ] أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُخَاطَبُ بِالْفَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُجَنِّبَهُ مُخَالَطَةَ مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُكَلَّفِ مُخَالَطَتُهُ لِئَلَّا يَتَطَبَّعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونَ ذَرِيعَةً لِلْفَسَادِ [قَوْلُهُ: غَضُّ الْبَصَرِ] قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَبِيرَةٌ وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ الْجَوَارِحِ آفَةً عَلَى الْقَلْبِ، وَأَسْرَعُ الْأُمُورِ فِي خَرَابِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا اهـ. [قَوْلُهُ: أَيْ كَسْرُ الْعَيْنِ] أَيْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَصَرِ الْجَارِحَةُ الْمَعْلُومَةُ لَا الْإِدْرَاكُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ] أَيْ يَحْرُمُ اسْتِمْتَاعُهُنَّ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ] رَاجِعٌ لِلْأَمْرَدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يَجِبُ غَضُّهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِقَارِ أَوْ فِي كِتَابِ إنْسَانٍ لِخَبَرِ: «مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَأَنَّمَا نَظَرَ فِي فَرْجِ أُمِّهِ» . [قَوْلُهُ: مِنْ أَبْصَارِهِمْ إلَخْ] اُخْتُلِفَ فِي مِنْ فَقِيلَ لِلتَّبْعِيضِ: قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهُوَ أَظْهَرُ مَا فِيهَا وَالْمُرَادُ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا يَحْرُمُ وَالِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى مَا يَحِلُّ، وَجَوَّزَ أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ وَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَجَوَّزَ الْأَخْفَشُ كَوْنَهَا زَائِدَةً وَأَبَاهُ سِيبَوَيْهِ يَعْنِي: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُزَادُ عِنْدَهُ فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ لِتَأْكِيدِ الْعُمُومِ قَالَهُ تت. وَانْظُرْ كَيْفَ تُجْعَلُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْغَضَّ اسْمٌ لِلْكَسْرِ وَالْبَصَرَ اسْمٌ لِلْعَيْنِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ التَّبْعِيضَ بِاعْتِبَارِ مَنْظُورِهَا لَا بِاعْتِبَارِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ قَصْدٍ] أَيْ لِلنَّظَرِ عَنْ طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ] بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ لَا حَاجَةَ لِلرِّجَالِ [قَوْلُهُ: وَلَا يُلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا] أَيْ وَأَمَّا لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا مَنْ يَلْتَذُّ بِهَا فَيُنَزَّلُ عَلَى النَّظَرِ لِلشَّابَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ سَاقِطَةٍ لَهَا لَاقِطَةٌ. [قَوْلُهُ: لِعُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ إلَخْ] الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلشَّابَّةِ أَيْ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ بِغَيْرِ قَصْدِ التَّلَذُّذِ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَيْسَ هُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: أَوْ بَيْعٍ] كَانَتْ بَائِعَةً أَوْ مُشْتَرِيَةً، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهِ أَيْ كَإِجَارَةٍ أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ. [قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الشَّاهِدِ الطَّبِيبُ] هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَا تُعْرَفُ لِلشَّاهِدِ لَا يَشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا، فَإِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ يُخْشَى الِافْتِتَانُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا وَأَمْكَنَ مَعْرِفَةُ عَيْنِهَا

الطَّبِيبُ وَالْجَرَايِحِيُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ الْعُذْرِ مِنْ شَهَادَةٍ فَيَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ الْعِلَّةِ إذَا كَانَ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَوْرَةِ لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي النَّظَرِ إلَى الشَّابَّةِ (لِلْخَاطِبِ) لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَقَطْ لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَاطِبِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا. (وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضَ عَيْنٍ (صَوْنُ اللِّسَانِ) أَيْ حِفْظُهُ (عَنْ الْكَذِبِ) وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» . وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْجُمْلَةِ. (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوَصْفِهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَإِلَّا نَظَرَ إلَى أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ وَضَيَاعِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيُرْتَكَبُ، فَإِنْ تَسَاوَيَا اُنْظُرْ مَا الْحُكْمُ عج. [قَوْلُهُ: مِنْ شَهَادَةٍ] بَيَانٌ لِلْعُذْرِ [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ هَذَا إذَا كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إلَّا بِرُؤْيَتِهِ بِنَفْسِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ الطَّبِيبُ لَا يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ النِّسَاءِ وَيَصِفْنَهُ لَهُ فَلَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ بِجَوَازِ رُؤْيَةِ الرَّجُلِ فَرْجَ الْمَرْأَةِ. وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ يَبْقُرُ الثَّوْبَ قُبَالَةَ الْعِلَّةِ وَيَنْظُرُ إلَيْهَا] أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقُرْ الثَّوْبَ لَرُبَّمَا تَعَدَّى نَظَرُهُ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ. [قَوْلُهُ: لِلْخَاطِبِ لِنَفْسِهِ] أَيْ إذَا كَانَ قَصْدُهُ مُجَرَّدَ عِلْمِ صِفَتِهَا فَقَطْ [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ] أَيْ وَيُكْرَهُ مَعَ الِاسْتِغْفَالِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مِثْلِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةُ قَصْدِ اللَّذَّةِ، وَإِنَّمَا نُدِبَ النَّظَرُ إلَى خُصُوصِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَبِرُؤْيَةِ الْكَفَّيْنِ عَلَى خِصْبِ الْبَدَنِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ مِنْ أَمْرِهِ] أَيْ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ: فَانْظُرْ إلَيْهَا» . . . " الْحَدِيثُ. أَيْ أَرَدْت التَّزْوِيجَ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ اتِّفَاقًا] ظَاهِرُهُ الْحُرْمَةُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِوَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِدُونِ لَذَّةٍ وَقَصْدِهَا. [قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] أَيْ أَعْنِي فَرْضَ عَيْنٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِخْبَارُ] أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ، وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ فِي وُقُوعِهِ. قَالَ عج: الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَنَّ كَذِبَ الْخَبَرِ هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ طَابَقَ الِاعْتِقَادَ أَمْ لَا، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلِاعْتِقَادِ، وَقِيلَ: هُوَ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ وَالِاعْتِقَادِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِمَا طَابَقَ اعْتِقَادَهُ وَكَانَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ قَالَهُ عج. وَمَصْدُوقُ الشَّيْءِ زَيْدٌ مَثَلًا أَيْ بِأَنْ تَقُولَ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَلَمْ يَكُنْ قَائِمًا فَقَدْ أَخْبَرْتُ عَنْ زَيْدٍ حَالَةَ كَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَيْ زَيْدٌ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ، أَيْ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي مِثَالِنَا عَدَمُ الْقِيَامِ وَقْتَ أَخْبَرْت بِالْقِيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّيْءِ الْقِيَامَ مَثَلًا أَيْ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ الْقِيَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُخْبِرَ بِثُبُوتِهِ وَاَلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ انْتِفَاؤُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ إلَخْ] فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَأَكْذِبُ عَلَى امْرَأَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَإِنْ قُلْت لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ يُجَامِعُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى الْعُمُومِ يُؤْذِنُ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ قَدْ يَتَّصِفُ بِالْخَيْرِيَّةِ بِالنِّيَّةِ كَأَنْ يَقْصِدَ بِالْأَكْلِ التَّقَوِّي عَلَى عِبَادَةِ الْمَوْلَى، وَالْمَكْرُوهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ فِيهِ النَّفْيُ الْعَامُّ إلَّا أَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ مُؤْذِنٌ عُرْفًا بِثُبُوتِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الشَّرُّ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، أَحَدُهَا: الْوُجُوبُ

اللِّسَانِ عَنْ شَهَادَةِ (الزُّورِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ. فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ» . (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ (الْفَحْشَاءِ) أَيْ الْفَاحِشَةِ وَهِيَ كُلُّ مُحَرَّمٍ. (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ (الْغِيبَةِ) وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ لِلْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ أَنْ لَوْ سَمِعَهُ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَا كَانَ لِإِنْقَاذِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ، أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ حَتَّى لَوْ حَلَفَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ تت وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ النَّاصِرِ وَحَرَامٌ وَهُوَ قِسْمَانِ قِسْمٌ تُكَفِّرُهُ التَّوْبَةُ كَالْإِخْبَارِ عَنْ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. الثَّانِي: أَنْ يَقْتَطِعَ بِهِ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَتَجِبُ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَيُطْلَبُ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ الْمُسَامَحَةُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ حَقِّهِ، وَمَنْدُوبٌ كَإِخْبَارِ الْكُفَّارِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَظْفَرُونَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَمُبَاحٌ كَالْكَذِبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَرْغِيبًا فِي الصُّلْحِ وَزَوَالِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ: مَنْدُوبٌ وَصَدَّرَ بِهِ تت وَمَكْرُوهٌ كَالْكَذِبِ لِلزَّوْجَةِ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مُبَاحٌ لِتَطْيِيبِ خَاطِرِهَا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. قَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: وَمِنْ الْكَذِبِ أَنْ يُثْنِيَ الْإِنْسَانُ عَلَى آخَرَ فِي كِتَابٍ وَفِي غَيْرِهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: انْزِلْ عِنْدَنَا وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْهُ إذْ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَسْلَمُ عِرْضُهُ. [قَوْلُهُ: الزُّورِ] وَهِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ وَإِنْ وَافَقَ الْوَاقِعَ وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْكَذِبِ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الزُّورَ يَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ زُورِ الصَّدْرِ وَهُوَ اعْوِجَاجُهُ لَا مِنْ تَزْوِيرِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ تَحْسِينُهُ. [قَوْلُهُ: «أُنَبِّئُكُمْ» ] بِالتَّشْدِيدِ وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ أُخْبِرُكُمْ [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَيْ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا تَأْكِيدًا لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ عَلَى إحْضَارِ فَهْمِهِ. [قَوْلُهُ: «قَالُوا بَلَى» ] أَيْ أَخْبِرْنَا [قَوْلُهُ: «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» ] أَيْ هِيَ الْإِشْرَاكُ إلَخْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْقِسَامِ الْكَبَائِرِ فِي عِظَمِهَا إلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا أَكْبَرُ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ بِأَنْ يَفْعَلَ الْوَلَدُ مَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاءُ رُتْبَتِهَا فِي نَفْسِهَا كَمَا إذَا قُلْت: زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَفْضَلُ مِنْ بَكْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فِي الْفَضِيلَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مُتَفَاوِتَيْنِ فِيهَا فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ أَكْبَرُ الذُّنُوبِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَوْلُهُ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ أَيْ تَأْكِيدًا لِلْحُرْمَةِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ» ] وَفَصَلَ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَالِاسْتِفْتَاحِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الزُّورِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَإِضَافَةُ الْقَوْلِ إلَى الزُّورِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأْكِيدِ فَإِنَّنَا لَوْ حَمَلْنَا الْقَوْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْكَذْبَةُ الْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَمَرَاتِبُ الْكَذِبِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ [قَوْلُهُ: «فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا» ] قَالَ أَنَسٌ: «فَمَا زَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُكَرِّرُهَا» [قَوْلُهُ: حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ] أَيْ شَفَقَةً عَلَيْهِ وَكَرَاهِيَةً لِمَا يُزْعِجُهُ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ كُلُّ مُحَرَّمٍ] أَيْ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ كَمَا يُفِيدُهُ تت، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْفَاحِشَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا خُصُوصُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ هُوَ فَرْدٌ مِنْهَا وَهُوَ الْقَوْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَوْنُ اللِّسَانِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ] أَيْ يَقُولُ فِي غَيْرِهِ فِي غَيْبَتِهِ مَا يَكْرَهُ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِ فَخَرَجَ مَا إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَكْرَهُ أَنْ يُذْكَرَ بِطَاعَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مَدْحٌ وَالْمَدْحُ لَيْسَ شَأْنُهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا بَحَثَهُ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا مَدَحَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَيْسَ فِيهِ فَيَحْرُمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَذِبٌ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غِيبَةٌ قَالَهُ عج. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي بَدَنِهِ أَوْ دِينِهِ، أَوْ خُلُقِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ وَلَدِهِ، أَوْ وَالِدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، أَوْ خَادِمِهِ، أَوْ حِرْفَتِهِ، أَوْ لَوْنِهِ، أَوْ مَمْلُوكِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ ذَكَرْته بِلَفْظِك، أَوْ كِتَابِك، أَوْ أَشَرْت إلَيْهِ بِيَدِك، أَوْ رَأْسِك أَوْ قَلْبِك، وَالْمُرَادُ عَقْدُ الْقَلْبِ وَحُكْمُهُ عَلَى الْغَيْرِ بِالسُّوءِ وَأَمَّا الْخَاطِرُ الْقَلْبِيُّ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ عِنْدَنَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ غِيبَةَ الْعَالِمِ وَحَامِلِ

{وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ تَأْتِي وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا. (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ النَّمِيمَةِ) وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْهَمَّازُونَ وَاللَّمَّازُونَ وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» . (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ (عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ) وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، وَمِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ، وَغِيبَةَ غَيْرِهِمَا صَغِيرَةٌ وَقَوْلُهُ فِي غِيبَتِهِ وَأَمَّا فِي حُضُورِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ غِيبَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا] لَمْ يَذْكُرْ السُّنَّةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» [قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَمِعُ لَهَا كَقَائِلِهَا] أَيْ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَنْهَى الْفَاعِلَ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ، فَإِذَا كَانَ يَتَمَدَّحُ بِمَا شَأْنُهُ أَنْ يُكْرَهَ كَسَارِقٍ، أَوْ مُحَارِبٍ فَهُوَ غَيْرُ حَرَامٍ. خَاتِمَةٌ.: الْغِيبَةُ لَهَا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ حَيْثُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا وَالْأُخْرَى مِنْ حَيْثُ أَذِيَّةِ الْمُغْتَابِ، فَالْأُولَى يَنْفَعُ فِيهَا التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مَعَ التَّوْبَةِ مِنْ طَلَبِ عَفْوِ الْمُغْتَابِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَلَوْ بِالْبَرَاءَةِ الْمَجْهُولِ مُتَعَلِّقُهَا عِنْدَنَا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ إلَخْ] أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: فُلَانٌ يَقُولُ فِيك كَذَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّمَا تُطْلَقُ فِي الْغَالِبِ عَلَى هَذَا وَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِذَلِكَ بَلْ حَدُّهَا كَشْفُ مَا يَكْرَهُ كَشْفَهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ، أَوْ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَشْفُ بِالْقَوْلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ أَوْ الرَّمْزِ، أَوْ الْإِيحَاءِ، أَوْ نَحْوِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ مِنْ الْأَقْوَالِ، أَوْ الْأَعْمَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْبًا، أَوْ غَيْرَهُ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السَّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ [قَوْلُهُ: لِمَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ إلَخْ] هُوَ لَقَبٌ لِلْحَافِظِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيِّ. [قَوْلُهُ: «الْهَمَّازُونَ» ] الْهَمْزُ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ، وَالتَّهَمُّزُ تَعْيِيبُهُ بِغِيَابِهِ وَقِيلَ بِعَكْسِهِ [قَوْلُهُ: «وَالْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ» ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ [قَوْلُهُ: الْبَاغُونَ] أَيْ الطَّالِبُونَ [قَوْلُهُ: لِلْبُرَآءِ] جَمْعُ بَرِيءٍ عَلَى وَزْنِ فُعَلَاءَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ} [الممتحنة: 4] وَقَوْلُهُ: الْعَنَتَ هُوَ وَالْبُرَآءُ مَفْعُولَانِ لِلْبَاغِينَ، أَيْ الطَّالِبُونَ الْعَنَتَ لِلْبُرَآءِ إلَخْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْعَنَتُ الْمَشَقَّةُ وَالْفَسَادُ وَالْهَلَاكُ وَالْإِثْمُ وَالْغَلَطُ وَالْخَطَأُ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ وَأُطْلِقَ الْعَنَتُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كُلَّهَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْعَيْبُ بَدَلَ الْعَنَتِ. [قَوْلُهُ: «يَحْشُرُهُمْ اللَّهُ فِي وُجُوهِ الْكِلَابِ» ] أَيْ فِي صُورَةِ الْكِلَابِ. قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَقَدْ بَحَثَ عَنْ فَاعِلِهَا فَلَمْ يُوجَدْ قَطُّ إلَّا وَلَدُ زِنًا. تَنْبِيهٌ: اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَسَكَتَ عَنْ الْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَنَقُولُ: قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] ، ثُمَّ ذَكَرَ السُّنَّةَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اهـ، تَأَمَّلْهُ. [قَوْلُهُ: عَنْ الْبَاطِلِ كُلِّهِ] أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: صَوْنُ اللِّسَانِ وَجَمْعُ بَاطِلٍ بَوَاطِلُ، وَبَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بُطُولًا وَبُطْلًا وَبُطْلَانًا بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَيْ فَسَدَ، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْحَقِّ] أَيْ فَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُحْصَى إلَخْ] ضَمَّنَهُ مَعْنَى أَبْعَدَ أَيْ شَدِيدَ الْبُعْدِ مِنْ الْإِحْصَاءِ أَيْ الضَّبْطِ كَانَ مِنْ الْأَقْوَالِ كَالسَّبِّ وَاللَّعْنِ وَالْقَذْفِ، أَوْ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْغَصْبِ وَالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْغِشِّ وَاللَّهْوِ وَتَأْخِيرِ

كَثْرَةُ الْمُزَاحِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَيْنِ صَحِيحَيْنِ اسْتِدْلَالًا لِمَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ: (قَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» قِيلَ: أَوْ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَالْمَعْنَى فَلْيَقُلْ خَيْرًا وَلْيَصْمُتْ عَنْ الشَّرِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَلْيَقُلْ خَيْرًا يُثَابُ عَلَيْهِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (وَ) الْآخَرُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالتِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» الَّذِي لَا يَعْنِيهِ كُلُّ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ لِدِينِهِ وَلَا لِآخِرَتِهِ، وَاَلَّذِي يَعْنِيهِ مَا يَخَافُ فِيهِ فَوَاتَ الْأَجْرِ. (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ أَرْبَى الرِّبَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَادَةِ عَنْ وَقْتِهَا اخْتِيَارًا، أَوْ الْأَخْلَاقِ كَالْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ كَثْرَةُ الْمِزَاحِ] أَيْ وَمِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: كَثْرَةُ الْمِزَاحِ] عَلَّلَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى رَفْعِ الْهَيْبَةِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا تُمَازِحُ الشَّرِيفَ فَيَحْتَقِرَك وَلَا الدَّنِيءَ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْك إلَى أَنْ قَالَ: وَيُسْتَعَانُ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْوَةِ وَمُجَانَبَةِ النَّاسِ انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُنْتِجُ الْوُجُوبَ الْمُدَّعَى لَهُ وَأَفَادَ أَنَّ قِلَّةَ الْمِزَاحِ لَيْسَتْ مِنْ الْبَاطِلِ وَلِذَا وَقَعَتْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تَنْبِيهٌ: الْمِزَاحُ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَصْدَرُ مَازَحْته مِنْ بَابِ قَاتَلَ، وَبِضَمِّ الْمِيمِ اسْمٌ مِنْ مَزَحَ مَزْحًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَمَزَاحًا بِالْفَتْحِ. [قَوْلُهُ: اسْتِدْلَالًا لِمَا تَقَدَّمَ] أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَمِنْ الْفَرَائِضِ صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُمَا لَا يُنْتِجَانِ خُصُوصَ الْمُدَّعِي وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ. [قَوْلُهُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ» ] أَيْ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ. [قَوْلُهُ: قِيلَ إلَخْ] حَاصِلُ مَا فِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَوْلِ الْخَيْرِ، أَوْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلِذَلِكَ أُوِّلَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: قِيلَ أَوْ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَاوِ] أَيْ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا بِالْأَمْرَيْنِ فِعْلِ الْخَيْرِ وَالسُّكُوتِ عَنْ الشَّرِّ. وَقَوْلُهُ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ فِعْلِ الْخَيْرِ أَوْ الصَّمْتِ عَنْ الشَّرِّ لَا الصَّمْتِ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرِ كَمَا هُوَ مَبْنَى الْإِشْكَالِ. [قَوْلُهُ: مِنْ حُسْنِ إلَخْ] إنَّمَا قَالَ: مِنْ حُسْنِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ مَا لَا يَعْنِي لَيْسَ هُوَ الْإِسْلَامُ وَلَا جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ أَوْصَافِ الْإِسْلَامِ الْحَسَنَةِ، وَآثَرَ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ اخْتِيَارِيَّةٌ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ الرَّاجِعَةِ لِلْإِيمَانِ فَهِيَ اضْطِرَارِيَّةٌ مَانِعَةٌ لِمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي النُّفُوسِ، وَالْيَاءُ مِنْ لَا يَعْنِيهِ وَمِنْ يَعْنِيهِ مَفْتُوحَةٌ. [قَوْلُهُ: كُلُّ مَا لَا تَعُودُ إلَخْ] دَخَلَ فِيهِ مَا يُفْعَلُ لِمُجَرَّدِ التَّلَذُّذِ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي. [قَوْلُهُ: وَلَا لِآخِرَتِهِ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلَا لِآخِرَتِهِ، أَوْ دُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا يَعْنِي مَا وَصَلَ لِآخِرَتِهِ، أَوْ دُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَا لِآخِرَتِهِ بِحَسَبِ الِانْتِهَاءِ فَيَكُونُ عَيْنُ مَا زَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَلَا يَكُونُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: مَا يُخَافُ فِيهِ] أَيْ فِي تَرْكِهِ فَوَاتُ الثَّوَابِ، أَيْ مَا يُعْتَقَدُ فِي تَرْكِهِ فَوَاتُ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ] قَالَ تت: وَمِنْ دِمَائِهِمْ جِرَاحَاتُهُمْ، وَكَذَا دِمَاءُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهِدِ. [قَوْلُهُ: وَأَمْوَالَهُمْ] وَكَذَا أَمْوَالُ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَالِ كُلُّ مَا يُمْلَكُ شَرْعًا، وَلَوْ قَلَّ. [قَوْلُهُ: وَأَعْرَاضَهُمْ] جَمْعُ عِرْضٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ مَفْهُومَ الْمُسْلِمِينَ مُعَطَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْمَالِ بِخِلَافِ الْأَعْرَاضِ، أَيْ فَلَا شَيْءَ

عِنْدَ اللَّهِ اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ» . وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إلَّا بِحَقِّهَا) رَاجِعٌ لِلْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَحَقُّ الْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرَضًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَحَقُّ الْأَعْرَاضِ مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «وَلَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إيمَانِهِ» بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَوْ يَزْنِي بَعْدَ إحْصَانِهِ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ) وَهُوَ الْحِرَابَةُ (أَوْ يَمْرُقَ) أَيْ يَخْرُجَ (مِنْ الدِّينِ) مُرُوقَ السَّهْمِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» . . (وَلْتَكُفَّ يَدَك) الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَلَيْك (عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك) تَنَاوُلُهُ (مِنْ مَالٍ) كَالسَّرِقَةِ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (جَسَدٍ) غَيْرِ جَسَدِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ فَرْجِ بَهِيمَةٍ (أَوْ) مُبَاشَرَةِ (دَمٍ) قَتْلًا أَوْ جَرْحًا أَوْ كِتَابَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ أَوْ النُّطْقُ بِهِ. (وَلَا تَسْعَ بِقَدَمَيْك فِيمَا لَا يَحِلُّ لَك) الْمَشْيُ إلَيْهِ كَالزِّنَا (وَلَا تُبَاشِرُ بِفَرْجِك أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِك مَا لَا يَحِلُّ لَك) كَالزِّنَا (قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] إلَى قَوْلِهِ {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] . (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى {الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [الأنعام: 151] عَلَى الْجَوَارِحِ (وَمَا بَطَنَ) فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَعْرَاضِ الْكُفَّارِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ وَهْبٍ لَا يَحِلُّ عِرْضُ الْكَافِرِ قَالَ: وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وَهُوَ مِنْ النَّاسِ اهـ. وَالنَّفْسُ أَمْيَلُ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ. [قَوْلُهُ: «إنَّ أَرْبَى الرِّبَا» إلَخْ] أَيْ إنَّ أَشَدَّ الرِّبَا وَأَعْظَمَهُ، وَأَرَادَ بِالرِّبَا الْأَمْرَ الْمُجَاوِزَ لِلْحَدِّ. [قَوْلُهُ: اسْتِحْلَالُ عِرْضِ الْمُسْلِمِ] أَيْ اعْتِقَادُ حِلِّيَتِهِ هَذَا مَدْلُولُهُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّكَلُّمُ فِي عِرْضِهِ، لَكِنْ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي عِرْضِهِ كَانَ كَأَنَّهُ مُسْتَحِلٌّ لَهُ فَلِذَا أُطْلِقَ الِاسْتِحْلَالُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ الْإِعْرَاضِ إلَخْ] أَيْ فَلَمَّا تَجَاهَرَ بِذَلِكَ صَارَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ، وَالْعِرْضُ قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ: عِرْضُ الرَّجُلِ قِيلَ نَفْسُهُ وَقِيلَ حَسَبُهُ. [قَوْلُهُ: وَحَقُّ اسْتِبَاحَةِ الدِّمَاءِ] السِّينُ وَالتَّاءُ لَيْسَتَا لِلطَّلَبِ بَلْ زَائِدَتَانِ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: أَوْ فَسَادٍ إلَخْ] كَذَا الرِّوَايَةُ بِالْجَرِّ وَالْمَعْنَى، أَوْ كَانَ ذَا فَسَادٍ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحِرَابَةُ] تَفْسِيرٌ لِلْفَسَادِ وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَخْرُجُ] تَفْسِيرٌ لِيَمْرُقَ، وَعَدَلَ عَنْ يَخْرُجُ الْوَاضِحُ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْتَقِدَ اعْتِقَادَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ] أَيْ فَالْمُرَادُ هُنَا الْخُرُوجُ مِنْ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَى اعْتِقَادِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَيْ أَهْلِ الْمَيْلِ الْمَذْمُومِ ذَمًّا قَوِيًّا وَهُمْ مُعْتَقِدُونَ الْكُفْرَ، كَاعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً، أَوْ لَا يَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَا يَكْفُرُونَ بَلْ يُؤَدَّبُونَ. قَالَ تت: وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ. [قَوْلُهُ: يَمْرُقُونَ] فِي الْمِصْبَاحِ: مَرَقَ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ مُرُوقًا مِنْ بَابِ قَعَدَ نَفَذَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ اهـ. وَالرَّمِيَّةُ مَا يُرْمَى مِنْ الْحَيَوَانِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى وَالْجَمْعُ رَمِيَّاتٌ وَرَمَايَا مِثْلُ عَطِيَّةٍ وَعَطِيَّاتٍ، وَأَصْلُهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِيهِ أَيْضًا. [قَوْلُهُ: الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ إلَخْ] ذَكَرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا لِلْكَفِّ. [قَوْلُهُ: لَا يَحِلُّ لَك تَنَاوُلُهُ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحِلَّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَنَاوُلُ الشَّيْءِ لَا نَفْسِ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَدْخُولَ مِنْ بِأَنْ يَقُولَ مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ لِيَكُونَ قَوْلُهُ، أَوْ مُبَاشَرَةُ جَسَدٍ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ. [قَوْلُهُ: كَالسَّرِقَةِ] تَفْسِيرٌ لِتَنَاوُلِ الْمَالِ، أَوْ لِلْمَالِ إنْ أُرِيدَ بِهَا الْمَسْرُوقُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا يُلْتَذُّ بِهِ] أَيْ مِنْ جَسَدِ مَا يُلْتَذُّ بِهِ كَانَ الَّذِي يُلْتَذُّ بِهِ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: أَوْ فَرْجَ بَهِيمَةٍ] مَعْطُوفٌ عَلَى جَسَدٍ تَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: قَتْلًا أَوْ جَرْحًا] أَيْ كَانَتْ مُبَاشَرَةُ الدَّمِ قَتْلًا إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابَةً] مَعْطُوفٌ عَلَى تَنَاوُلِ مَالٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَلْتَكُفَّ يَدَكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَك مِنْ تَنَاوُلِ مَالٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لَك الْمَشْيُ إلَيْهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ السَّعْيُ، وَعَدَلَ عَنْهُ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِتَكْرَارِ عَيْنِ اللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: كَالزِّنَا] تَفْسِيرٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْفَرْجِ، وَأُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ اللِّوَاطُ وَالِاسْتِمْنَاءُ بِالْيَدِ. [قَوْلُهُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]] أَيْ الْمُتَجَاوِزُونَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: الْفَوَاحِشَ] قَالَ تت: وَهِيَ كُلُّ مُسْتَقْبَحٍ مِنْ قَوْلٍ

الضَّمَائِرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} [الأعراف: 33] قِيلَ: الْإِثْمُ الْخَمْرُ. (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَنْ يُقْرَبَ النِّسَاءَ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ أَوْ) فِي دَمِ (نِفَاسِهِنَّ) بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا وَبِمَا تَحْتَهُ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ قَوْلَانِ مَشْهُورُهُمَا الْمَنْعُ (وَحَرَّمَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مِنْ النِّسَاءِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا إيَّاهُ) فِي بَابِ النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ النِّسَاءِ سَبْعًا بِالْقَرَابَةِ وَسَبْعًا بِالرَّضَاعِ وَالصِّهْرِ إلَخْ. (وَأَمَرَ) اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ (بِأَكْلِ الطَّيِّبِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ (وَهُوَ) أَيْ الطَّيِّبُ (الْحَلَالُ) وَالْحَلَالُ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا حَقٌّ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ، فَإِذَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَك بِأَكْلِ الطَّيِّبِ (فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ فِعْلٍ. [قَوْلُهُ: فِي الضَّمَائِرِ] أَيْ الْقُلُوبِ جَمْعُ ضَمِيرٍ بِمَعْنَى الْقَلْبِ فَيَدْخُلُ فِيمَا بَطَنَ الْغِيبَةَ بِالْقَلْبِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ الْإِثْمُ الْخَمْرُ] أَيْ وَقِيلَ كُلُّ مُحَرَّمٍ. [قَوْلُهُ: فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ] أَيْ زَمَنِ خُرُوجِهِ وَكَذَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الدَّمِ وَيُرَادُ بِالنِّفَاسِ تَنَفُّسُ الرَّحِمِ فَيَحْرُمُ جِمَاعُ الْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ الْوَلَدَ جَافًّا قَبْلَ الْغُسْلِ. [قَوْلُهُ: بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ] لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا يَقُولُهُ إذْ لَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِ النَّظَرِ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ، وَأَمَّا النَّظَرُ فَلَا حَرَجَ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ] قَالَ الْمُفَسِّرُ: فَعَلَى التَّشْدِيدِ يَغْتَسِلْنَ أَصْلُهُ يَتَطَهَّرْنَ أُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي الطَّاءِ، وَعَلَى التَّخْفِيفِ يَنْقَطِعُ دَمُهُنَّ اهـ. أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَلِذَا قَالَ تت: وَالْمَنْعُ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ بِالْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] [قَوْلُهُ: وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ] أَيْ عَلَى مَنْعِ قُرْبَانِ النِّسَاءِ فِي دَمِ حَيْضِهِنَّ، أَوْ نِفَاسِهِنَّ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ: تَعَبُّدٌ وَقِيلَ: خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ فَيُخَافُ عَلَيْهِ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرَعُ، وَقِيلَ: خِيفَةَ مَا يُصِيبُ الْوَاطِئَ مِنْ الْأَذَى ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ إلَخْ] يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: وَبِمَا تَحْتَهُ إلَخْ أَنَّهُ أَرَادَ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ أَيْ وَكَانَ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَأَرَادَ بِمَا تَحْتَهُ أَيْ مَا عَدَا الْفَرْجَ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، أَيْ مِنْ حَيْثُ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ وَلَوْلَا حِكَايَتُهُ الْخِلَافَ لَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْمُرَادُ بِمَا تَحْتَهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ التَّمَتُّعَ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، أَوْ نَزَلَ عَنْ الرُّكْبَةِ، أَوْ بِهِمَا فَلَا حَرَجَ وَلَوْ بِالْوَطْءِ بِغَيْرِ حَائِلٍ. تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ لَا يَخُصُّ الْمُسْلِمَةَ بَلْ الْكَافِرَةُ كَذَلِكَ فَيَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ قَبْلِ غُسْلِهَا وَيُجْبِرُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَمِثْلُهَا الْمَجْنُونَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْغُسْلِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَأَمَّا الَّذِي يُحِلُّ الْوَطْءَ فَلَا. [قَوْلُهُ: الْمُؤْمِنِينَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فَالتَّخْصِيصُ بِالْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُمْ الِامْتِثَالُ. [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ هُنَا الِانْتِفَاعُ] أَيْ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَا يَحِلُّ لَك إلَخْ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْكُلَ إلَّا طَيِّبًا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَتُهُ بَقِيَ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ الرِّزْقَ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ كَانَ حَرَامًا، أَوْ حَلَالًا، فَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِإِضَافَةِ الطَّيِّبَاتِ الْمَأْمُورِ بِأَكْلِهَا لِمَا اُنْتُفِعَ بِهِ بِالْفِعْلِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُرَادُ بِقَوْلِهِ: مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيْ مَا كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَكُونَ رِزْقًا لَكُمْ لَا أَنَّهُ رِزْقٌ لَكُمْ بِالْفِعْلِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ إلَخْ] أَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ مَخْلُوقٍ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الْخَالِقِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَيْ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ تَعْرِيفِ الْحَلَالِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: مَا جُهِلَ أَصْلُهُ] هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ، وَقِيلَ: مَا عُلِمَ أَصْلُهُ وَأَصْلُ أَصْلِهِ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: لَا يَنْبَغِي الْيَوْمَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ

إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ فِي بَطْنِهِ حَرَامٌ، وَعَنْهُ أَيْضًا مَنْ أَكَلَ لُقْمَةً حَرَامًا لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ عَمَلَهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَلْبَسَ إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَرْكَبَ) شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ (إلَّا طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا فَرُكُوبُ الدَّابَّةِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ بِمَالٍ حَرَامٍ حَرَامٌ (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَسْكُنَ إلَّا طَيِّبًا) فَلَا يَجُوزُ لَك سُكْنَى مَا اُشْتُرِيَ بِمَالٍ حَرَامٍ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى ضَابِطِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَتَسْتَعْمِلُ سَائِرَ مَا تَنْتَفِعُ بِهِ طَيِّبًا) أَيْ حَلَالًا (وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ) أَيْ الْحَلَالِ أُمُورٌ (مُشْتَبِهَاتٌ مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهَا كَانَ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ) بِكَسْرِ الشِّينِ لَا غَيْرَ (أَنْ يَقَعَ فِيهِ) كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (أَكْلَ) أَيْ أَخْذَ (الْمَالِ بِالْبَاطِلِ) وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ شَرْعًا (وَمِنْ) وُجُوهِ (الْبَاطِلِ الْغَصْبُ) وَهُوَ اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ. (وَ) مِنْهُ (التَّعَدِّي) فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ (وَ) مِنْهُ (الْخِيَانَةُ) وَهُوَ أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ فِي أَمَانَتِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي أَهْلِهِ أَوْ فِي مَالِهِ. (وَ) مِنْهُ (الرِّبَا) وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْأَجَلِ. (وَ) مِنْهُ (السُّحْتُ) أَيْ الْحَرَامُ قِيلَ هُوَ الرِّشْوَةُ أَوْ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ شَيْءٍ فَإِنَّ الْأُصُولَ قَدْ فَسَدَتْ وَاسْتَحْكَمَ فَسَادُهَا بَلْ أَخْذُ الشَّيْءِ عَلَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ أَوْلَى لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَيَتَعَيَّنُ لَهُ تَحْرِيمُهُ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُرْمَتِهِ، أَوْ شُبْهَتِهِ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَلَا شُبْهَةً انْتَهَى. [قَوْلُهُ: لَمْ يَقْبَلْ] الْقَبُولُ أَخَصُّ مِنْ الْإِجْزَاءِ، فَإِنَّ الْقَبُولَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْأَجْرِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِجْزَاءُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ عَنْ الذِّمَّةِ، فَصَلَاةُ هَذَا مَثَلًا مُجْزِئَةٌ لِسُقُوطِ التَّكْلِيفِ لَكِنْ لَا أَجْرَ لَهُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ صَبَاحًا] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى فِي عُرُوقِهِ وَأَعْصَابِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَفَادَهُ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ التِّرْمِذِيِّ [قَوْلُهُ: مُشْتَبِهَاتٌ] أَيْ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهِيَ مَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حِلِّهَا وَحُرْمَتِهَا وَقِيلَ: مَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ. [قَوْلُهُ: الْحِمَى] الْمَحَلُّ الْمَحْمِيُّ لِغَيْرِهِ أَيْ الَّذِي يَحْمِيهِ صَاحِبُ الشَّوْكَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ الرَّعْيِ فِيهِ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُتَشَابِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى اسْتِعْمَالِ مُحَقَّقِ الْحِلِّ. [قَوْلُهُ: مَنْ تَرَكَهَا سَلِمَ] أَيْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَتُهُ، أَيْ وَفَاعِلُ الْمُتَشَابِهِ لَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَا تَطَرَّقَ لِفِعْلِهِ مِنْ فِعْلِ الْحَلَالِ الْمَحْضِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَتَطَرَّقَ لِفِعْلِ الْحَرَامِ الْمَحْضِ. [قَوْلُهُ: يُوشِكُ] أَيْ يَقْرُبُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ يُسْرِعُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سَطْوَةِ صَاحِبِ الْحِمَى، فَشَبَّهَ أَصْلَ الشُّبْهَةِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَى أَخْذِ الْحَرَامِ وَمَنْ تَرَكَ أَخْذَهَا أَمِنَ غَلَبَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَخَذَ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَكْلِ بَلْ الْأَخْذُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْأَخْذِ بِالْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا يُكْتَسَبُ إنَّمَا يُرَادُ لِلْأَكْلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْمَالِ] أَيْ الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ اخْتِيَارًا احْتِرَازًا عَنْ نَحْوِ السَّمَكِ وَثِمَارِ الْجِبَالِ وَعَنْ حَالِ الضَّرُورَةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ وُجُوهِ الْبَاطِلِ] أَيْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ. [قَوْلُهُ: اسْتِيلَاءُ يَدٍ عَادِيَةٍ] أَيْ قَاصِدَةٍ مِلْكَ الذَّاتِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ مَعَهُ الْغَوْثُ. فَتَخْرُجُ الْحِرَابَةُ فَلَيْسَتْ غَصْبًا شَرْعًا، وَكَذَا قَصْدُ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ فَإِنَّ قَصْدَ أَخْذِ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ تَعَدٍّ لَا غَصْبٌ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ التَّعَدِّي إلَخْ] أَيْ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَيْ وَمِنْ وُجُوهِهِ. [قَوْلُهُ: التَّعَدِّي فِي الْعَارِيَّةِ وَالْكِرَاءِ] كَأَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَسَافَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهِمَا، أَوْ يَزِيدَ فِي الْحَمْلِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْخِيَانَةُ] أَيْ الْبَاطِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَنْ يَخُونَ الرَّجُلُ] أَيْ مَثَلًا إذْ مِثْلُهُ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: فِي أَمَانَتِهِ] أَيْ فِيمَا ائْتُمِنَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسٍ، أَوْ غَيْرِهَا، فَقَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي نَفْسِهِ] أَيْ كَأَنْ يَقْتُلَهُ، أَوْ يَفْعَلَ فِيهِ فَاحِشَةً. [قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَهْلِهِ] كَأَنْ يَزْنِيَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الْغَيْرُ كَافِرًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ] أَيْ كَأَنْ يَبِيعَهُ رِبَوِيًّا بِمِثْلِيٍّ مُتَفَاضِلًا فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنًا وَمُثَمَّنًا، وَكَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دِينَارَانِ ثَمَنُ سِلْعَةٍ إلَى أَجَلٍ فَيُؤَخِّرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ بِزِيَادَةِ دِينَارٍ مَثَلًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي هَذَا تَأْخِيرًا لِلْأَجَلِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ إمَّا رِبَا فَضْلٍ، أَوْ نَسَاءٍ،

الشَّاهِدُ عَلَى شَهَادَتِهِ وَالْقَاضِي عَلَى حُكْمِهِ، وَثَمَنُ الْجَاهِ وَالسُّؤَالِ لِلتَّكْثِيرِ وَنَحْوِهِ. (وَ) مِنْهُ (الْقِمَارُ) وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ. (وَ) مِنْهُ (الْغَرَرُ) الْكَثِيرُ دُونَ الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ (وَ) مِنْهُ (الْغِشُّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ خَلْطُ الْجِنْسِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ الدَّنِيءِ. (وَ) مِنْهُ (الْخَدِيعَةُ) بِالْكَلَامِ أَوْ بِالْفِعْلِ (وَ) مِنْهُ (الْخِلَابَةُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفُسِّرَتْ بِالْخَدِيعَةِ. (وَحَرَّمَ اللَّهُ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَكْلُ الْمَيْتَةِ) مَا عَدَا مَيْتَةَ الْبَحْرِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْلَ (الدَّمِ وَ) حَرَّمَ (لَحْمَ الْخِنْزِيرِ) أَيْ أَكْلَهُ أَوْ كُلَّ شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، أَوْ الْأَجَلِ أَيْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ سَائِغٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَرَامُ] هَذَا تَفْسِيرٌ لُغَوِيٌّ فَقَطْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: السُّحْتُ بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي تَخْفِيفًا كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ وَلَا أَكْلُهُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ شَامِلٌ لِلْمَغْصُوبِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: وَمِنْهُ السُّحْتُ أَيْ وَمِنْهُ أَخْذُ السُّحْتِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي أَوْجُهِ الْبَاطِلِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْله: قِيلَ هُوَ الرِّشْوَةُ] لَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ أَيْ وَقِيلَ: هُوَ الرِّشْوَةُ، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسُّحْتِ كُلَّ مَالٍ حَرَامٍ بَلْ هُوَ الرِّشْوَةُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فَلَا يَكُونُ إشَارَةً لِتَفْسِيرٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ: الرِّشْوَةُ كَذَا فِيمَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ النُّسَخِ بِالْأَلِفِ وَاَلَّذِي فِي غَيْرِهِ بِالْهَاءِ وَكَذَا فِي الْمِصْبَاحِ بِالْهَاءِ. [قَوْلُهُ: وَثَمَنُ الْجَاهِ] هُوَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ شَفَاعَةٍ سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الشَّافِعُ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ أَمْ لَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ كَبِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنْ مَوْضِعِ الْخَوْفِ إلَى مَوْضِعِ الْأَمْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ غَيْرَهُ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: وَالسُّؤَالُ لِلتَّكْثِيرِ] أَيْ يَسْأَلُ مِنْ النَّاسِ لِأَجْلِ تَكْثِيرِ مَالِهِ لَا لِاحْتِيَاجٍ وَنَحْوِهِ أَيْ كَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَهُوَ مَا تَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى فَرْجِهَا مِمَّنْ يَزْنِي بِهَا. [قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْقِمَارُ إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ، وَقَمَرْتُهُ قَمْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ غَلَبْته انْتَهَى. أَيْ: إذْ فِي لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِهِ مُغَالَبَةٌ فَقَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ أَيْ كَالنَّرْدِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَإِنْ بِدُونِ شَيْءٍ. [قَوْلُهُ: الْغَرَرُ الْكَثِيرُ] أَيْ كَشِرَاءِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبِيَاعَاتِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ أَيْ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ غَرَرٍ يَسِيرٍ أَيْ كَالْحُبُوبِ الْمُبَاعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ نَحْوِ طِينٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَرَرِ الْمُغْتَفَرِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ لَا تَشْمَلُ شُرْبَ الْمَاءِ مِنْ السِّقَاءِ وَدُخُولَ الْحَمَّامِ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ خَلْطُ. . . إلَخْ] أَيْ وَمِنْ الْغِشِّ تَلْطِيخُ الثَّوْبِ بِالنَّشَا وَسَقْيُ الْحَيَوَانِ بِالْمَاءِ عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهِ بَعْدَ إطْعَامِهِ شَيْئًا مِنْ الْمِلْحِ. [قَوْلُهُ: الْخَدِيعَةُ بِالْكَلَامِ. . . إلَخْ] أَيْ لِيُتَوَصَّلَ إلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَأَنْ يَقُولَ مَنْ يَتَعَاطَى الْبَيْعَ لِرَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِ: نَهَارٌ مُبَارَكٌ حَصَلَ أُنْسُكُمْ، قَصْدُهُ التَّوَصُّلُ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِالْفِعْلِ] أَيْ كَأَنْ يَأْتِيَ لَهُ بِالْمَأْكُولِ يَأْكُلُهُ. وَقَوْلُهُ: وَفُسِّرَتْ بِالْخَدِيعَةِ أَيْ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُرَادِفِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ كَفَرَ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مَعْلُومَةَ الدِّينِ ضَرُورَةً، وَيَجِبُ التَّوْبَةُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ وَيَجِبُ رَدُّهُ أَوْ عِوَضُهُ لِرَبِّهِ، أَوْ وَارِثِهِ حَيْثُ عُرِفَ وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ. [قَوْلُهُ: مَا عَدَا مَيْتَةَ الْبَحْرِ] أَيْ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّ مَيْتَتَهُ تُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُهُ] ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ وَضَمِيرُهُ عَائِدٌ عَلَى لَحْمِ الْخِنْزِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْخِنْزِيرِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: هَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ حَرَامٌ كُلُّهُ إجْمَاعًا أَيْ خِنْزِيرِ الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ. تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقِيلَ تَعَبُّدٌ وَقِيلَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، فَالْمَيْتَةُ يُخَافُ عَلَى آكِلِهَا؛ لِأَنَّهَا سُمٌّ، وَالدَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْغَيْرَةَ.

مِنْهُ. (وَ) حَرَّمَ أَكْلُ (مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) أَيْ مَا ذُبِحَ وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ الْأَصْوَاتُ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلُ أَنْ يَذْكُرُوا عَلَيْهِ اسْمَ الْمَسِيحِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْلَ (مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) كَالْأَصْنَامِ، وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: فِي الضَّحَايَا وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُعَارَضَةٌ. ع: أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ. (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْلَ (مَا) أَيْ الَّذِي (أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ تَرَدٍّ) أَيْ سُقُوطٌ مِنْ عُلُوٍّ إلَى سُفْلٍ مِثْلُ أَنْ يَسْقُطَ (مِنْ جَبَلٍ) وَيُذَكَّى فَلَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ مَاتَ مِنْ الذَّكَاةِ أَوْ السُّقُوطِ (أَوْ) أَيْ وَكَذَلِكَ حَرَّمَ مَا أَعَانَ عَلَى مَوْتِهِ (وَقْذَةٌ) أَيْ رَمْيَةٌ (بِعَصًا أَوْ غَيْرِهَا) كَالْحَجَرِ (وَ) حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْمُنْخَنِقَةَ) أَيْ أَكْلَهَا وَهِيَ مَا تُخْنَقُ (بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِثْلُ أَنْ تُخْنَقَ بَيْنَ عُودَيْنِ، وَالدَّلِيلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ الْآيَةُ وَتَحْرِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ. (إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى) أَكْلِ (ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهَا (كَ) الْمُضْطَرِّ لِأَكْلِ (الْمَيْتَةِ وَذَلِكَ) أَيْ تَحْرِيمُ أَكْلِ الْمُتَرَدِّيَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا (إذَا صَارَتْ بِذَلِكَ) الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ التَّرَدِّي أَوْ الْوَقْذُ أَوْ الْخَنْقُ (إلَى حَالٍ لَا حَيَاةَ بَعْدَهُ) عَادَةً فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ (فَلَا زَكَاةَ) تُؤَثِّرُ (فِيهَا) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا أَمْ لَا (وَلَا بَأْسَ لِلْمُضْطَرِّ) الَّذِي بَلَغَ الْجُوعُ مِنْهُ مَبْلَغًا يَخَافُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ (أَنْ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ) مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى إبَاحَتِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ أَنَّ تَرْكَ الْأَكْلِ أَفْضَلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَرُفِعَتْ عَلَيْهِ إلَخْ] تَفْسِيرٌ لِلْإِهْلَالِ، [قَوْلُهُ: مُعَارَضَةٌ] وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ ذَبَائِحُهُمْ لِقَصْدِ عِيسَى مَثَلًا أَيْ فَيَكُونُ مُفِيدًا لِحِلِّ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: بِأَنَّ مَا قَالَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ] أَيْ فَذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يُهِلَّ عَلَيْهَا رَأْسًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ شَيْءٍ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ عَطْفُ قَوْلِهِ: أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ. [قَوْلُهُ: وَيَبْقَى مَا فِي الضَّحَايَا عَلَى إطْلَاقِهِ] حَاصِلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ مُطْلَقًا أُهِلَّ عَلَيْهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ لَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَبْحَ الْكِتَابِيِّ لَا يَحِلُّ إذَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَذَبْحَ الْمَجُوسِيِّ لَا يَحِلُّ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. . . إلَخْ] وَسَكَتَ عَنْ النَّطِيحَةِ وَهِيَ الْمَنْطُوحَةُ وَأَكِيلَةِ السَّبُعِ وَهِيَ الَّتِي يَضْرِبُهَا السَّبُعُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَرَدِّيَةِ كَذَا ذُكِرَ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، أَيْ وَالْمَذْهَبُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهَا تَحْقِيقًا، أَوْ شَكًّا لَمْ تُفِدْ الذَّكَاةُ فِيهَا. وَأَمَّا إذَا لَمْ تُنْفَذْ مَقَاتِلُهَا فَالذَّكَاةُ مُفِيدَةٌ فِيهَا وَإِنْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهَا. [قَوْلُهُ: الَّذِي بَلَغَ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَحَصَلَ لَهُ الْهَلَاكُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ، أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ إلَى حَالَةٍ يُشْرِفُ فِيهَا عَلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْأَكْلَ حِينَئِذٍ لَا يُفِيدُهُ، أَيْ وَيَشْرَبُ مِنْ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ سِوَى مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ وَالْخَمْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفِيدُ بَلْ رُبَّمَا زَادَتْ الْعَطَشَ إلَّا لِإِسَاغَةِ غُصَّةٍ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُسِيغُهَا غَيْرُهُ، وَيُصَدَّقُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْغُصَّةِ إنْ كَانَ مَأْمُونًا إلَّا لِقَرِينَةِ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا. [قَوْلُهُ: مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مَا عَدَا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ. [قَوْلُهُ: فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ] أَيْ فَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِخِلَافِ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173]] دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ بَاغٍ] أَيْ لِلَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَوْلُهُ: {وَلَا عَادٍ} أَيْ وَلَا مُعْتَدٍ بِأَكْلِهَا بِأَنْ يَجِدَ غَيْرَهَا أَيْ فَيَكُونَ قَوْلُهُ غَيْرَ بَاغٍ. . . إلَخْ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْبَعَ وَيَتَزَوَّدَ، وَلَوْ كَانَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ. [قَوْلُهُ: عَدَمُ جَوَازِ أَكْلِ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ] وَمُقَابِلُهُ الْجَوَازُ أَيْ وَقَدْ صُحِّحَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَيْتَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي الْحُرْمَةِ وَهَلْ هِيَ تَعَبُّدٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ

{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] (وَ) إذَا أَكَلَ لَا بَأْسَ أَنْ (يَشْبَعَ) مِنْهَا عَلَى مَا بِهِ الْفَتْوَى قَالَهُ ج. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ خَاصَّةً وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ (وَ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا هَلْ لَهُ أَنْ (يَتَزَوَّدَ) مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ (فَ) إنَّهُ (إنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا طَرَحَهَا) . (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا) أَيْ الْمَيْتَةِ (إذَا دُبِغَ) فِي الْيَابِسَاتِ وَالْمَاءِ وَحْدَهُ فَقَطْ، أَمَّا إذَا لَمْ يُدْبَغْ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ أَصْلًا (وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُبَاعُ) عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ وَبَيْعِهَا وَيُنْتَفَعُ بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا وَمَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ) وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَجِبُ غَسْلُهُ (وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا وَلَا بِقَرْنِهَا وَأَظْلَافِهَا) أَيْ أَخْفَافِهَا (وَأَنْيَابِهَا وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ) حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ. تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ إلَى هُنَا تَقَدَّمَ فِي الضَّحَايَا وَهُوَ سَاقِطٌ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ. . (وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ) لَحْمِهِ وَشَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَجِلْدِهِ (حَرَامٌ) أَيْ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ. ع: مَنْ أَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ مُسْتَحِلًّا لَهُ قُتِلَ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَمَنْ أَكَلَهُ مُعْتَقِدًا التَّحْرِيمَ عُوقِبَ وَاخْتُلِفَ هَلْ تَحْرِيمُهُ تَعَبُّدٌ أَوْ مُعَلَّلٌ بِقَسَاوَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَذِيَّةِ لِمَا قِيلَ إذَا مَاتَتْ صَارَتْ سُمًّا، وَتُقَدَّمُ الْمَيْتَةُ عَلَى صَيْدِ الْمُحْرِمِ وَالْخِنْزِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ وَاجِبٌ] وَأُجِيبَ بِأَنْ لَا بَأْسَ بِمَعْنَى الْإِذْنِ أَيْ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ الْإِبَاحَةُ، فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا بِهِ الْفَتْوَى] أَيْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ. [قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مَالِكٍ] مُقَابِلٌ لِمَا بِهِ الْفَتْوَى وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: وَيَتَزَوَّدَ] أَيْ إلَى مَحَلٍّ يَظُنُّ فِيهِ وُجُودَ مَا يُغْنِي عَنْهَا مِنْ الْمُبَاحِ وَلَوْ بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ. [قَوْلُهُ: فَقَالَ مَالِكٌ لَهُ ذَلِكَ] وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَإِذَا تَزَوَّدَ مِنْ خِنْزِيرٍ لَمْ يَجِدْ سِوَاهُ، ثُمَّ وَجَدَ مَيْتَةً تُقَدَّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ طَرَحَهُ وَأَخَذَ الْمَيْتَةَ. [قَوْلُهُ: طَرَحَهَا] أَيْ وُجُوبًا. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ إلَخْ] إلَّا مِنْ خِنْزِيرٍ لِدَنَاءَتِهِ وَآدَمِيٍّ لِشَرَفِهِ قَالَهُ الْحَطَّابُ. [قَوْلُهُ: إذَا دُبِغَ] أَيْ بِمَا أَزَالَ الرِّيحَ وَالدُّسُومَةَ وَالرُّطُوبَةَ وَحَفِظَهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ. [قَوْلُهُ: فِي الْيَابِسَاتِ إلَخْ] أَيْ وَأَمَّا فِي الْمَائِعَاتِ غَيْرِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ قُوَّةُ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَاجِعٌ لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ كَمَا يُفِيدُهُ ابْنُ نَاجِي، وَالْمُقَابِلُ فِي الطَّرَفِ الثَّانِي قَوْلَانِ قِيلَ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا دُبِغَ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ. . . إلَخْ] هِيَ كُلُّ مَا لَهُ جَرَاءَةٌ أَيْ شِدَّةٌ عَلَى الِافْتِرَاسِ وَالْعَدَاءِ. [قَوْلُهُ: إذَا ذُكِّيَتْ] أَيْ وَلَوْ بِقَصْدِ أَخْذِ لَحْمِهَا فَقَطْ. [قَوْلُهُ: وَبَيْعُهَا] وَأَوْلَى غَيْرُ الْبَيْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ بِوَضْعِ الْمَائِعِ غَيْرِ الْمَاءِ فِيهِ لِطَهَارَتِهِ بِالذَّكَاةِ. [قَوْلُهُ: بِصُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعْرِهَا] أَيْ، وَلَوْ مَيْتَةَ خِنْزِيرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا أَيْضًا لِلطَّهَارَةِ بِالْجَزِّ لَكِنْ يَجِبُ الْبَيَانُ عِنْدَ الْبَيْعِ. [قَوْلُهُ: وَمَا يُنْزَعُ مِنْهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ] أَيْ إنْ جُزَّ أَيْضًا وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهَا رَاجِعٌ لِلْمَيْتَةِ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا مَيْتَةً بِالْفِعْلِ، أَيْ مَيْتَةً بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. [قَوْلُهُ: وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ يُغْسَلَ] أَيْ يُنْدَبُ أَيْ فِي حَالَةِ الشَّكِّ، وَأَمَّا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ فَيَجِبُ. [قَوْلُهُ: بِرِيشِهَا] أَيْ قَصَبَةِ رِيشِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ الزَّغَبَ كَالشَّعْرِ فِي طَهَارَتِهِ بِالْجَزِّ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِقَرْنِهَا] أَيْ مُطْلَقًا طَرَفُهَا وَأَصْلُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْيَابِهَا] قَالَ تت: وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْأَنْيَابِ بَلْ سَائِرُ أَسْنَانِهَا وَكَأَنَّهُ خَصَّ النَّابَ لِقَوْلِهِ: وَكُرِهَ إلَخْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ أَيْ قَوْلِهِ: وَلَا يُنْتَفَعُ بِرِيشِهَا إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ] أَيْ غَيْرِ الْمُذَكَّى. [قَوْلُهُ: حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ] مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، أَيْ وَعَارَضَ التَّحْرِيمَ أَنَّهُ صَارَ زِينَةً يُتَزَيَّنُ بِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُذَكًّى فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ. [قَوْلُهُ: وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّحْرِيمِ] وَرُجِّحَ. [قَوْلُهُ: وَالِانْتِفَاعُ بِهِ] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ أَكَلَهُ مُعْتَقِدًا لِلتَّحْرِيمِ] أَيْ وَكَذَا شَاكًّا فِي التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً. [قَوْلُهُ: عُوقِبَ] أُطْلِقَ الْعِقَابُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ لِاجْتِهَادِ

الْقَلْبِ وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ قَوْلَانِ (وَقَدْ أُرْخِصَ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَحَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ) وَتَعَالَى (شُرْبَ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] (وَشَرَابُ الْعَرَبِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ (يَوْمئِذٍ) أَيْ يَوْمَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (فَضِيخُ التَّمْرِ) بِفَاءٍ وَضَادٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ، وَهُوَ تَمْرٌ يُهْرَسُ وَيُجْعَلُ فِي الْأَوَانِي وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ مَاءٌ وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ ثُمَّ يَشْرَبُونَهُ (وَبَيَّنَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ مِنْ) جَمِيعِ (الْأَشْرِبَةِ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكُلُّ مَا خَامَرَ) أَيْ سَتَرَ (الْعَقْلَ فَأَسْكَرَهُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَهُوَ خَمْرٌ) لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» . (وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاكِمِ. [قَوْلُهُ: وَذَهَابِ الْغَيْرَةِ] بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ لَوْ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ لَا يَغْضَبُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: غَارَ الزَّوْجُ عَلَى امْرَأَتِهِ غَضِبَ مِنْ فِعْلِهَا، وَالْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تَغَارُ مِنْ بَابِ تَعِبَ غَيْرًا وَغَيْرَةً بِالْفَتْحِ وَغَارًا اهـ. [قَوْلُهُ: بِشَعْرِهِ] أَيْ بَعْدَ جُزْءٍ لِطَهَارَتِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ إلَخْ] أَيْ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ طَهَارَتِهِ حَيًّا، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ طَاهِرًا لَا فِي الْحَيَاةِ وَلَا بَعْدَهَا كَمَا أَفَادَهُ تت. قَوْلُهُ: شُرْبَ الْخَمْرِ. . . إلَخْ] أَيْ طَوْعًا بِلَا عُذْرٍ، وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْمُعْتَمَدُ الْحُرْمَةُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ قِيلَ: وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّخَمُّرِ وَهِيَ التَّغْطِيَةُ؛ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَهِيَ نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا وَلَا بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: قَلِيلِهَا. . . إلَخْ] أَتَى بِذَلِكَ رَدًّا لِمَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَحْرُمُ كَثِيرُهَا. قَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْأَحْكَامِ: وَسَمِعْت بَعْضَ شُيُوخِنَا يَقُولُ حَتَّى لَوْ أَخَذَ مِنْهُ بِرَأْسِ إبْرَةٍ عَلَى لِسَانِهِ لَحُدَّ اهـ. [قَوْلُهُ: الصَّحَابَةُ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا قَبْلُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمْ] أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَتَى بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّمَا الْخَمْرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ كَمَا أَفَادَهُ تت [قَوْلُهُ: التَّمْرِ] أَيْ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ يُهْرَسُ أَيْ أَنَّ فَضِيخَ التَّمْرِ تَمْرٌ يُهْرَسُ كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْأَقْفَهْسِيُّ فَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ فِي الْمُصَنَّفِ مُضَافٌ أَيْ شَرَابُ فَضِيخِ التَّمْرِ، أَيْ شَرَابُ التَّمْرِ الْفَضِيخِ أَيْ الْمَفْضُوخِ أَيْ الْمَهْرُوسِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنْ الْبُسْرِ وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ وَمَا نَجِدُ خُمُورَ الْأَعْنَابِ إلَّا الْقَلِيلَ، وَعَامَّةُ خُمُورِهِمْ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَهُنَاكَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ فَانْظُرْهَا فَإِذَا عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَضِيخُ التَّمْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ. [قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ حَتَّى يَتَخَمَّرَ] أَيْ يَصِيرُ خَمْرًا مُسْكِرًا. [قَوْلُهُ: مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ] أَيْ مَا سَتَرَ الْعَقْلَ كَثِيرُهُ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْرِبَةِ قَيْدٌ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الَّذِي يَسْتُرُ الْعَقْلَ وَلَيْسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَلَيْسَ قَلِيلُهُ بِحَرَامٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ أَيْ مُغَيِّبٌ لِلْعَقْلِ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْحَشِيشَةُ لَيْسَتْ مُسْكِرَةً وَإِنَّمَا هِيَ مُفْسِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافًا لِلْمَنُوفِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَيُرَادِفُ الْمُفْسِدَ الْمُخَدِّرُ وَبَقِيَ ثَالِثٌ، وَهِيَ الْمُرَقَّدُ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَثِيرُهُ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْرِبَةِ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مُسْكِرٌ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ. [قَوْلُهُ: فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ] أَيْ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا خَامَرَ إلَخْ] لَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ الْخَمْرِ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ قَالَ وَكُلُّ مَا خَامَرَ. . . إلَخْ، أَيْ سَتَرَ الْعَقْلَ وَقَوْلُهُ فَأَسْكَرَهُ أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ سَاتِرٍ لِلْعَقْلِ بَلْ أَرَادَ سَتْرًا تَسَبَّبَ عَنْهُ إسْكَارٌ، أَيْ نَشْوَةٌ وَفَرَحٌ وَقَوْلُهُ مِنْ شَرَابٍ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ بَلْ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ خَمْرٌ. . . إلَخْ، هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ كُلَّ مَا أَسْكَرَ، وَلَوْ مِنْ قَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَعَسَلٍ وَغَيْرِهَا فَهُوَ خَمْرٌ وَقِيلَ عَصِيرُ الْعِنَبِ اُنْظُرْ تت، [قَوْلُهُ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ] هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ الْحَدِيثِ.

وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا» وَهُوَ اللَّهُ «حَرَّمَ بَيْعَهَا» . وَنَهَى) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْمُوَطَّأِ (عَنْ الْخَلِيطَيْنِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَذَلِكَ) النَّهْيُ الْمَذْكُورُ لَهُ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا (أَنْ يُخْلَطَا عِنْدَ الِانْتِبَاذِ) بِأَنْ يُفْضَخَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ مَثَلًا وَيُخْلَطَا فِي إنَاءٍ يُصَبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ (وَ) الثَّانِيَةُ أَنْ يُنْبَذَ هَذَا عَلَى حِدَةٍ وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ يُخْلَطُ (عِنْدَ الشُّرْبِ وَنَهَى عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيهِ أَيْضًا (عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَبِالْمَدِّ الْقَرْعُ (وَ) عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي (الْمُزَفَّتِ) بِسُكُونِ الزَّايِ، وَيُرْوَى بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ قِلَالٌ أَوْ ظُرُوفٌ تُزَفَّتُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ يُسْرِعُ إلَيْهِمَا. (وَنَهَى عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَامُ) فِي الصَّحِيحِ (عَنْ) أَكْلِ (كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) ظَاهِرُهُ كَانَ مِمَّا يَعْدُو كَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ أَوْ لَا كَالضَّبِّ. عَبْدُ الْوَهَّابِ هَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ. (وَ) نَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: قَالَ ك: إنْ أَرَادَ أَيْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ فِي بَابِ التَّحْرِيمِ وَالْحُكْمِ كَالْخَمْرِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُسَمَّى خَمْرًا فِي اللُّغَةِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ اهـ. وَالثَّانِي ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ يَأْتِي مَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا. [قَوْله: حَرَّمَ بَيْعَهَا. . . إلَخْ] رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَهْدَى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا قَالَ: لَا فَسَأَلَهُ إنْسَانٌ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَفَتَحَ الْمَزَادَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهِمَا» . [قَوْلُهُ: وَنَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ] أَيْ شُرْبِ الْخَلِيطَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ طَالَ زَمَنُ الِانْتِبَاذِ، بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُسْكِرَ، أَيْ لَا إنْ قَصُرَ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِعَدَمِ الْإِسْكَارِ وَإِلَّا جَازَ كَمَا يَجُوزُ شُرْبُ كُلٍّ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ، وَلَا إنْ جَزَمَ بِالْإِسْكَارِ وَإِلَّا حَرُمَ وَهَذَا بِخِلَافِ خَلْطِ اللَّبَنِ بِالْعَسَلِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقْطَعُ بِعَدَمِ إسْكَارِهِ: [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَشْرِبَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَّا الْأُولَى فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَالْمُخَلِّصُ أَنْ يُقَالَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ مَآلًا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَحَالًا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ: [قَوْلُهُ: عِنْدَ الِانْتِبَاذِ] أَيْ وَضْعِهِمَا فِي الْإِنَاءِ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يُفْضَخَ أَيْ يُهْرَسَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ: [قَوْلُهُ: أَنْ يُنْبَذَ هَذَا عَلَى حِدَةٍ] أَيْ يُوضَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي إنَاءٍ عَلَى حِدَةٍ وَيُصَبَّ عَلَيْهِمَا الْمَاءُ، ثُمَّ يُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ. . . إلَخْ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَالنَّهْيُ فِي هَاتَيْنِ أَعْنِي الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ، وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا: [قَوْلُهُ: أَوْ ظُرُوفٌ] عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ فَالْمُرَادُ ظُرُوفٌ غَيْرُ قِلَالٍ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكْرَ. . . إلَخْ] أَيْ فَمَحَلُّ نَهْيِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ الْإِسْكَارَ لَا إنْ قَطَعَ بِهِ أَوْ بِعَدَمِهِ بِأَنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَإِلَّا حَرُمَ فِي الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي الثَّانِي وَبَقِيَ اثْنَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَهُمَا الِانْتِبَاذُ فِي النَّقِيرِ وَهُوَ جِذْعُ النَّخْلِ يُنْقَرُ وَيُجْعَلُ ظَرْفًا كَالْقَصْعَةِ وَالِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَهُوَ مَا طُلِيَ مِنْ الْفَخَّارِ بِالزُّجَاجِ كَالْأَصْحُنِ الْخُضْرِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّهْيَ فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَلَوْ كَانَ الْمَنْبُوذُ شَيْئًا وَاحِدًا وَأَمَّا تَنْبِيذُ شَيْئَيْنِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، وَلَوْ فِي نَحْوِ الصِّينِيِّ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحِ] أَيْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ» انْتَهَى. [قَوْلُهُ: مِنْ السِّبَاعِ] جَمْعُ سَبُعٍ كُلُّ مَا لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الِافْتِرَاسِ فَخُلَاصَةُ الْحَالِ كَمَا أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ أَنَّ السَّبُعَ يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا لَهُ نَابٌ يَعْدُو بِهِ وَيَفْتَرِسُ كَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ. وَأَمَّا الثَّعْلَبُ فَلَيْسَ بِسَبُعٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَابٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْدُو بِهِ وَلَا يَفْتَرِسُ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَاصِرٌ عَلَى الَّذِي يَعْدُو وَلَا يَشْمَلُ الضَّبَّ فَالْمُعْتَمَدُ إبَاحَتُهُ. [قَوْلُهُ: كَالْأَسَدِ] أَيْ وَكَالْهِرِّ وَالْفِيلِ وَالذِّئْبِ وَالنِّمْسِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ: [قَوْلُهُ: وَالْكَلْبِ] أَيْ الْكَلْبِ الْإِنْسِيِّ أَيْ فَأَكْلُهُ مَكْرُوهٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ، أَوْ إبَاحَتِهِ وَالْقِرْدُ

فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا) فِي مَنْعِ الْأَكْلِ (لُحُومُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَلَا ذَكَاةَ) أَيْ لَا تَعْمَلُ (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي النَّابِ وَمَا بَعْدَهُ (إلَّا فِي الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ) مَا دَامَتْ مُتَوَحِّشَةً، أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ وَصَارَتْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فَلَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ. (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ (بِأَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ) كَالْبَازِي. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: (وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا) أَنَّ السِّبَاعَ غَيْرُ ذِي الْمِخْلَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ السِّبَاعُ هُمْ ذَوُو الْمِخْلَبِ وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُهُ بِأَنْ يُقَالَ: تَقْدِيرُهُ وَهِيَ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْهَا وَالْمِخْلَبُ الظُّفْرُ الَّذِي يَعْقِرُ بِهِ. (وَمِنْ الْفَرَائِضِ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَا فَاسِقَيْنِ) بِالْجَوَارِحِ أَوْ بِالِاعْتِقَادِ (وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ) وَالْبِرُّ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا) بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا وَأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا. وَبِالْجَسَدِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَلْيُعَاشِرْهُمَا) أَيْ يُصَاحِبُهُمَا (بِالْمَعْرُوفِ) فَلْيُطِعْهُمَا فِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِفِعْلِهِ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ وَفِي كُلِّ مَا أَمَرَاهُ بِتَرْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ وَالْفَأْرُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ إنْ أَكَلَ النَّجَاسَةَ وَإِلَّا فَمُبَاحٌ وَبِنْتُ عُرْسٍ يَحْرُمُ أَكْلُهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى. [قَوْلُهُ: الْأَهْلِيَّةِ] احْتِرَازًا عَنْ الْوَحْشِيَّةِ وَسَيَأْتِي. [قَوْلُهُ: وَدَخَلَ مَدْخَلَهَا] أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَهَا فِي الْحُرْمَةِ، أَيْ وَدَخَلَ دُخُولَ أَكْلِهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلُ لُحُومٍ، أَيْ شَارَكَ أَكْلُهَا فِي الْحُرْمَةِ أَكْلَ لُحُومٍ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: لِتَرْكَبُوهَا] وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْعَامَ قَالَ: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] وَلَمَّا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا ذَلِكَ ع فَالْإِبِلُ مِنْ الْأَنْعَامِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَتُرْكَبُ وَالْبَقَرُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَتُؤْكَلُ وَاخْتُلِفَ فِي رُكُوبِهَا: [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ ذِي الْبَابِ وَمَا بَعْدَهُ. . . إلَخْ] فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ طَهَارَتِهِ وَكَرَاهَةِ أَكْلِهِ لَا تَحْرِيمِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِيهِ أَصْلًا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اسْتَأْنَسَتْ. . . إلَخْ] فَلَوْ تَوَحَّشَ بَعْدَ التَّأَنُّسِ أُكِلَ نَظَرًا لِأَصْلِهِ. [قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِهِ مُنْقَطِعٌ] أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُمُرَ الْوَحْشِيَّةَ لَمْ تَدْخُلْ فِيمَا تَقَدَّمَ:. [قَوْلُهُ: كَالْبَازِي] أَيْ وَالْعُقَابِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ. . . إلَخْ] أَيْ وَضَمِيرُ مِنْهَا لَيْسَ رَاجِعًا لِلسِّبَاعِ بَلْ رَاجِعٌ لِلطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ أَنَّ الطَّيْرَ جَمَاعَةٌ وَتَأْنِيثُهَا أَكْثَرُ مِنْ التَّذْكِيرِ، وَلَا يُقَالُ لِلْوَاحِدِ طَيْرٌ بَلْ طَائِرٌ اهـ. [قَوْلُهُ: مِنْهَا] أَيْ الطَّيْرِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَتَرْجِيحُ الضَّمِيرِ لِلسِّبَاعِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَاسِدٌ فَتَدَبَّرْ. تَنْبِيهٌ.: يُسْتَثْنَى مِنْ الطَّيْرِ الْوَطْوَاطُ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ وَرَجِيعُهُ نَجِسٌ، وَيُبَاحُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ الَّتِي لَا تَفْتَرِسُ كَالْأَرْنَبِ وَالْقُنْفُذِ وَالضَّرْبُوبُ كَالْقُنْفُذِ فِي الشَّوْكِ إلَّا أَنَّهُ يَقْرُبُ مِنْ الشَّاةِ فِي الْخِلْقَةِ وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا وَسَائِرِ خَشَاشِ الْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالْمَشْهُورُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْبِرِّ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَفْضِيلِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ فِي الْبِرِّ. [قَوْلُهُ: بِالْجَوَارِحِ] أَيْ بِعَمَلِ الْجَوَارِحِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِالِاعْتِقَادِ أَيْ، أَوْ فَاسِقَيْنِ بِالِاعْتِقَادِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالْمُرَادُ عَمَلٌ وَاعْتِقَادٌ نُهِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ] أَيْ فَيَقُودُ الْأَعْمَى مِنْهُمَا لِلْكَنِيسَةِ وَيَحْمِلُهُمَا لَهَا وَيُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِهِ فِي أَعْيَادِهِمَا وَلَا يُعْطِيهِمَا مَا يُنْفِقَانِ فِي الْكَنِيسَةِ، أَوْ يَدْفَعَانِهِ لِلْقِسِّيسِ. [قَوْلُهُ: لَيِّنًا] أَيْ لَطِيفًا دَالًّا عَلَى الْمَحَبَّةِ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ] الْأَوْلَى تَأْخِيرُ قَوْلِهِ بِأَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِهِمَا، وَيَقُولُ مُصَوِّرًا لِلْقَوْلِ اللَّيِّنِ هَكَذَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُمَا مَا يَنْفَعُهُمَا فِي أَمْرِ دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا خَالِيًا. قَوْلُهُ: وَإِنْ شِئْت قُلْت: أَوْ صَوْتَهُ عَنْ رَفْعِهِ فَوْقَ قَوْلِهِمَا أَوْ صَوْتِهِمَا. [قَوْلُهُ: فِي أَمْرِ دِينِهِمَا] أَيْ أَمْرٍ هُوَ دِينُهُمَا أَيْ بِأَنْ يُعَلِّمَهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات وَمِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَامَلَاتِ إنْ احْتَاجَا إلَيْهَا. [قَوْلُهُ: وَبِالْجَسَدِ. . . إلَخْ] أَيْ فَقَوْلُهُ: وَيُعَاشِرُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا لَيِّنًا. [قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ] أَيْ بِكُلِّ

وَاجِبًا فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ (وَ) كَذَا (لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا (وَ) يَجِبُ (عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ) أَنْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ (لِأَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ إجْمَاعًا، وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ. (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ) وَهِيَ الْأُلْفَةُ وَالِاجْتِمَاعُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الِافْتِرَاقِ، فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ وَلِيمَةً مَثَلًا وَدَعَا الْمُسْلِمَ فَلَا يُجِيبُهُ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا عُرِفَ مِنْ الشَّرْعِ الْإِذْنُ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ. [قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ] أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي فِعْلِهِ ضَرَرٌ فَتَسْقُطُ طَاعَتُهُمَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ وَاجِبٌ مَفْهُومٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْقَصْدُ تَأْكِيدُ الْوُجُوبِ، ثُمَّ نَقُولُ مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَلَا فِي فِعْلِ خِلَافِ الْأَوْلَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطِيعُهُمَا فِي فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَيُطِيعُهُمَا فِي تَرْكِ الْمَسْنُونَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ السُّنَّةُ رَاتِبَةً، وَيَأْمُرَانِهِ بِتَرْكِهَا عَلَى الدَّوَامِ كَالْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ خِلَافَهُ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا] صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا، أَوْ مَسْنُونًا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ الْإِمَامُ لَوْ صَامَ تَطَوُّعًا وَعَزَمَا عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيُطِعْهُمَا وَلَا يُطِعْ غَيْرَهُمَا بَلْ إنْ حَلَفَ حَنَّثَهُ فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُطِعْهُمَا فِيهِ] أَيْ بَلْ تَحْرُمُ إطَاعَتُهُمَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يُطِعْهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ] وَكَذَا لَا يَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِيمَا كَانَ فِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَاهُ بِتَرْكِ مَعِيشَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ. تَنْبِيهٌ: مِنْ بِرِّهِمَا أَنَّهُ لَا يُحَاذِيهِمَا فِي الْمَشْيِ فَضْلًا عَنْ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ نَحْوِ ظَلَامٍ، وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمَا لَا يَجْلِسُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يَسْتَقْبِحُ مِنْهُمَا نَحْوَ الْبَوْلِ عِنْدَ كِبَرِهِمَا. قَالَ تت: وَهَلْ الْجَدَّانِ كَالْأَبَوَيْنِ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، انْتَهَى وَارْتَضَى بَعْضُهُمْ الثَّانِيَ وَأَنَّهُمْ لَا يَبْلُغُونَ مَبْلَغَ الْآبَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاهَدَاك. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَلِيلٌ لِلطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُطِيعُهُمَا فِي مَعْصِيَةٍ، ثُمَّ أَقُولُ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا صَرِيحُهَا نَفْيُ الْإِطَاعَةِ فِي الْكُفْرِ لَا فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْكُفْرِ، نَعَمْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَمَا قَالَ. . . إلَخْ عَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا} [الإسراء: 23] . . . إلَخْ} . [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ. . . إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَمَا فِي الِاسْتِغْفَارِ لِلسَّلَفِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ] أَيْ فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلطَّلَبِ. قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: ظَاهِرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] انْتَهَى. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا} [الإسراء: 24] . . . إلَخْ} ] أَيْ أَنْعِمْ عَلَيْهِمَا وَغُفْرَانُ الذَّنْبِ مِنْ جُمْلَةِ النِّعَمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ دُخُولَ الْجَنَّةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمَا] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِغْفَارِهِ لَهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ قَوْلَانِ] أَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِاسْتِغْفَارِ فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيُعَلَّلُ بِاحْتِمَالِ الْإِسْلَامِ. تَتِمَّةٌ: يُسْتَحَبُّ التَّصَدُّقُ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَيَنْتَفِعَانِ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعَانِ بِالدُّعَاءِ، وَرَجَّحَ أَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَعَتْ عَلَى قَبْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا وَتَلْزَمُ. وَقَيَّدَ بَعْضٌ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ أَوَّلَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِلَّا انْتَفَعَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِلَا خِلَافٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَؤُهُ إلَى فُلَانٍ، أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَالِاجْتِمَاعُ] لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاجْتِمَاعَ بِالْأَبْدَانِ فَقَطْ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْأُلْفَةُ أَيْ إظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لَهُمْ وَعَدَمُ مَا يُوجِبُ الْمُنَافَرَةَ مِنْ حَسَدٍ وَغَيْرِهِ، فَالْمُرَادُ بِالِافْتِرَاقِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا صَنَعَ الْكَافِرُ. . . إلَخْ] هَذَا مَفْهُومُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَرَادَ بِهِ

الْمُوَالَاةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ (النَّصِيحَةُ لَهُمْ) أَيْ لِلْمُؤْمِنِينَ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ إلَى مَصَالِحِهِمْ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ» . (وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ) أَيْ كَمَالَهُ (حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) كَذَلِكَ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُؤْمِنِ (أَنْ يَصِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالذِّمِّيَّ. [قَوْلُهُ: فَلَا يُجِيبُهُ] أَيْ الْكَافِرَ الذِّمِّيَّ وَلَا يُصَاحِبُهُ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَيَقْصِدُهُ بِالسُّوءِ وَيُقَاتِلُهُ عَلَى الْإِيمَانِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ فَقَالَ: الْأَصْوَبُ، أَوْ الْوَاجِبُ عَدَمُ إجَابَتِهِ؛ لِأَنَّ فِي إجَابَتِهِ إعْزَازًا لَهُ، وَالْمَطْلُوبُ إذْلَالُهُ اهـ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الدَّاعِي لَهُ مُسْلِمًا. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُجِيبُهُ] يَحْتَمِلُ جَوَازًا فَيُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَا بَأْسَ بِإِجَابَةِ النَّصْرَانِيِّ فِي خِتَانِ ابْنِهِ. ابْنُ رُشْدٍ: أَيْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ وَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ وَجْهٌ مِنْ نَحْوِ جِوَارٍ، أَوْ قَرَابَةٍ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. [قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ النَّصِيحَةُ. . . إلَخْ] وَهَلْ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ طُلِبَتْ مِنْك، أَوْ لَا، أَوْ كِفَايَةٍ قَوْلَانِ، الْأَوَّلُ لِلْغَزَالِيِّ وَالثَّانِي لِابْنِ الْعَرَبِيِّ، وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِرِفْقٍ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْقَبُولِ. [قَوْلُهُ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ] أَيْ مُعْظَمُ الدِّينِ النَّصِيحَةُ كَمَا قَالَ الْحَجُّ عَرَفَةَ كَذَا قَالَ تت، وَإِذَا حَقَّقْت النَّظَرَ تَجِدُ الدِّينَ مَحْصُورًا فِيمَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ الْمُعْظَمِ، فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: قَالَ لِلَّهِ. . . إلَخْ] النَّصِيحَةُ لِلَّهِ أَنْ تَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ، وَتُنَزِّهَهُ عَنْ سَائِرِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَلِكِتَابِهِ] أَيْ بِأَنْ يَتَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَمْتَثِلَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَيَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. [قَوْلُهُ: وَلِرَسُولِهِ] أَيْ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيُحْيِيَ سُنَّتَهُ بِتَعْلِيمِهَا لِلنَّاسِ. [قَوْلُهُ: وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. . . إلَخْ] بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَقَوَانِينِهِمْ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبَلِّغَهُمْ أُمُورَ الْعَامَّةِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ] أَيْ يُرْشِدَ الْعَامَّةَ أَيْ وَيُعَامِلَهُمْ بِالصِّدْقِ فَلَا يَغُشَّهُمْ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصِيحَةُ لَهُمْ وَاجِبَةٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَمْ لَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَيَتَبَادَرُ مِنْ الشَّارِحِ أَنَّ قَوْلَهُ بِأَنْ يُرْشِدَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ كَمَالَهُ] أَتَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ لَاقْتَضَى أَنَّ التَّارِكَ لِذَلِكَ يَكُونُ كَافِرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ الْقَصْدُ الْكَمَالَ فَلِمَ عَبَّرَ بِذَلِكَ دُونَ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْمُوهِمِ؟ قُلْت: الْحَثُّ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا انْتَفَى عَنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا. [قَوْلُهُ: حَتَّى يُحِبَّ. . . إلَخْ] ذِكْرُ الْمَحَبَّةِ مُبَالَغَةٌ؛ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ وَمُسْتَلْزِمَةٌ لِبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِيمَانَ أَيْ كَمَالَهُ لَهُ أَرْكَانٌ أُخَرُ فَكَيْفَ يَحْصُلُ بِالْمَحَبَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ وَأَرَادَ الِاخْتِيَارِيَّ إذْ الطَّبِيعِيُّ لَا اخْتِيَارَ فِيهِ. [قَوْله: لِأَخِيهِ] احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ أَفَادَهُ تت، أَيْ وَلَمْ يَحْتَرِزْ بِهِ عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُحِبُّ لِلْكَافِرِ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَسَائِرَ الْكِمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَأَرَادَ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ أَيْ مِنْ الْخَيْرِ أَيْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ فِي أَوْصَافِ الْخَيْرِ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ شَيْئًا وَهَذَا سَهْلٌ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ يَعْتَقِدُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: ظَاهِرًا] أَيْ مِنْ حَيْثُ ظُهُورُ آثَارِهَا وَإِلَّا فَالْمَحَبَّةُ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ لَا غَيْرُ. [قَوْلُهُ: وَبَاطِنًا] فَلَا يَحْقِدُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْسُدُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، أَيْ وَيُبْغِضُ لَهُ مَا يُبْغِضُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ ضِدِّهِ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُغْضَ ضِدِّهِ. [قَوْلُهُ: مَا يُحِبُّ] أَيْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ؛ لِأَنَّ الْعَيْنِيَّةَ لَا تَصِحُّ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّحِيحَيْنِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِي الْإِتْيَانِ بِصِيغَةِ رُوِيَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ

رَحِمَهُ) وَهُوَ كُلُّ قَرَابَةٍ بِنَسَبٍ مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. (وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ) أَيْ يَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ (إذَا لَقِيَهُ وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يَعُودَهُ إذَا مَرِضَ) مَخَافَةَ أَنْ يَضِيعَ، وَيَحْصُلُ كَمَالُ أَجْرِ الزَّائِرِ بِشَرْطِ أَنْ يُقِلَّ عَنْهُ السُّؤَالَ وَأَنْ يُظْهِرَ لَهُ الشَّفَقَةَ وَيُقِلَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ وَأَنْ لَا يُقْنِطَهُ وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى يَدِهِ أَوْ جَبْهَتِهِ لِيَعْرِفَ مَا بِهِ وَأَنْ لَا يَنْظُرَ فِي عَوْرَةِ الْبَيْتِ (وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يُشَمِّتَهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّمْرِيضِ فَالصَّوَابُ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهِيَ قَالَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ كُلُّ قَرَابَةٍ. . . إلَخْ] هَذَا ضَابِطٌ لَا تَعْرِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ بِلَفْظِ كُلٍّ. [قَوْلُهُ: قَرَابَةٍ] أَيْ ذِي قَرَابَةٍ. [قَوْلُهُ: بِنَسَبٍ. . . إلَخْ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ بَيْنَهُمَا نَسَبٌ أَيْ قَرَابَةٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، أَيْ فَالْوَاضِحُ الْقَرَابَةُ فَلَا يُنَاسِبُ مِنْ الشَّارِحِ جَعْلُ النَّسَبِ الْخَفِيِّ مُصَوِّرًا لِلْوَاضِحِ، بَلْ الْأَوْلَى الْعَكْسُ وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تَثْبُتُ بَدَلَ قَوْلِهِ بِنَسَبٍ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِنْ جِهَةِ الْأُبُوَّةِ. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ جِهَةٍ هِيَ الْأُبُوَّةُ. . . إلَخْ مُرُورًا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّحِمَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ وَارِثًا أَمْ لَا يَحْرُمُ نِكَاحُهُ، أَوْ لَا كَمَا قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ، إلَّا أَنَّهَا إنْ كَثُرَتْ فَالْأَقْرَبُ وَمُقَابِلُهُ مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ وَالْمُوَاصَلَةُ مَطْلُوبَةٌ مُطْلَقًا وَصَلُوك، أَوْ قَطَعُوك فَلَيْسَ الْمُوَاصِلُ مَنْ وَصَلَ وَإِنَّمَا الْمُوَاصِلُ مَنْ يَصِلُ مَنْ قَطَعَ، وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ وَبَذْلِ الْمَالِ لِلْمُحْتَاجِ وَالْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ وَبِالصَّفْحِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ وَالْمَعُونَةِ لَهُمْ، أَيْ فَالصِّلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ الْقَرَابَةِ، وَأَرَادَ قَرَابَةَ الْمُؤْمِنِينَ لَا الْكَافِرِينَ إلَّا بِرَّ وَالِدَيْهِ وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ إنَّمَا تَكُونُ فِيمَنْ قَرُبَ مَحَلُّ رَحِمِهِ وَإِلَّا فَزِيَارَتُهُ بِالْكَتْبِ إلَيْهِ، أَوْ إرْسَالِ رَسُولِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ رَحِمُهُ يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُحِبُّ أَنْ يَصِلَهُ وَيَتَضَرَّرُ بِحُضُورِهِ. [قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ] لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] . [قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ] أَيْ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ فَرْضُ عَيْنٍ مَنْ تَرَكَهَا فَهُوَ عَاصٍ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ] أَيْ وَمِنْ الثَّابِتِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْوَاجِبَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ كَالسَّلَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْهِجْرَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَبْدَأُهُ بِالسَّلَامِ] وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَفِي قَلْبِهِ غِلٌّ، أَوْ حَسَدٌ، بَلْ يَكُونُ الْبَاطِنُ مُوَافِقًا لِلظَّاهِرِ. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَضِيعَ] مُفَادُهُ أَنَّ الْعِيَادَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَهِيَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ وَيُطَالَبُ بِهَا ابْتِدَاءً الْقَرِيبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَصَحْبُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَهْلُ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ تَرَكُوا جَمِيعًا عَصَوْا وَالْعَائِدُ إمَّا رَجُلٌ، أَوْ امْرَأَةُ مَحْرَمٍ وَتَكُونُ فِي خَلَاءِ الْوَقْتِ الَّذِي يَشْتَغِلُ فِيهِ بِعِبَادَةٍ أَوْ تَكُونُ نَحْوُ زَوْجَتِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَرْتَاحُ مَعَهَا، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَنْ لَمْ يَشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيُعَادُ كُلُّ مَرِيضٍ وَلَوْ أَرْمَدَ وَصَاحِبَ ضِرْسٍ وَصَاحِبَ دُمَّلٍ وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَبَرِ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يُقِلَّ] أَيْ بِشَرْطٍ هُوَ أَنْ يُقِلَّ عَنْهُ السُّؤَالَ أَيْ عَنْ حَالِهِ فَإِنْ أَكْثَرَ السُّؤَالَ فَرُبَّمَا كُرِهَ، أَوْ حَرُمَ، وَأَرَادَ بِالشَّرْطِ جِنْسَهُ الْمُتَحَقِّقَ فِي أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ لِإِضَافَتِهِ لِمَجْمُوعِ مَا بَعْدَهُ الَّذِي هُوَ شُرُوطٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَيْ إضَافَةُ الْبَيَانِ وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ بِشُرُوطٍ أَنْ يُقِلَّ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يُظْهِرَ لَهُ الشَّفَقَةَ] وَعَدَمَهَا إمَّا بِعَدَمِ ظُهُورِ شَيْءٍ، أَوْ ظُهُورِ ضِدِّهَا، فَالْأَوَّلُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَيُقِلَّ الْجُلُوسَ عِنْدَهُ] أَيْ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِذَا أَكْثَرَ الْجُلُوسَ بِدُونِ طَلَبٍ فَإِمَّا كُرِهَ، أَوْ حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يُقْنِطَهُ] يُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ النُّونِ مِنْ أَقْنَطَهُ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْ قَنَّطَهُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ لَا يَجْعَلُهُ آيِسًا مِنْ الشِّفَاءِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ وَإِذَا قَنَّطَهُ فَرُبَّمَا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ] وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ يَضَعَ يَدَهُ] إلَّا أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَضَعْ فَخِلَافُ الْأَوْلَى فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: لِيَعْرِفَ مَا بِهِ] أَيْ فَتَعْظُمَ رِقَّةُ قَلْبِهِ فَيَدْعُوَ لَهُ بِقَلْبٍ، أَوْ

وَالْمُهْمَلَةِ، أَيْ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ (إذَا عَطَسَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْمَدُ، وَسَيَنُصُّ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ إذَا سَمِعَهُ يَحْمَدُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ (وَ) مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ (أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ وَأَنْ يَحْفَظَهُ إذَا غَابَ فِي السِّرِّ) بِأَنْ لَا يَغْتَابَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَ) يَحْفَظَهُ فِي (الْعَلَانِيَةِ) بِأَنْ لَا يَشْتُمَهُ مَثَلًا. (وَلَا) يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ (يَهْجُرَ أَخَاهُ) الْمُؤْمِنَ (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) بِأَيَّامِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» . مَفْهُومُهُ أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثَةِ جَائِزٌ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ) إنْ نَوَى بِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّ الْآخَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْعَثَهُ عَلَى تَحْصِيلِ دَوَاءٍ، أَوْ طَبِيبٍ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَنْظُرَ فِي عَوْرَةِ الْبَيْتِ] بِأَنْ لَا يَنْظُرَ مَثَلًا مَا عَلَى الرَّفِّ مِنْ الْأَمْتِعَةِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا الَّتِي شَأْنُ النَّاسِ إخْفَاؤُهَا خَوْفًا مِنْ حَسَدٍ وَنَحْوِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ شَأْنُهُمْ حُبَّ إظْهَارِ ذَلِكَ، وَيُزَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَهُ بِخُشُوعٍ وَأَنْ يُبَشِّرَهُ بِالْمَثُوبَاتِ لِلْمَرِيضِ، وَسَكَتَ عَنْ آدَابِ الْمَرِيضِ وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي التَّحْقِيقِ حَيْثُ قَالَ: وَلِلْمَرِيضِ أَيْضًا آدَابٌ يَحُوزُ بِهَا كَمَالَ أَجْرِ الْمَرِيضِ مِنْهَا أَنْ لَا يُضَيِّعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يُكْثِرَ الرَّجَاءَ وَلَا يُكْثِرَ التَّشَكِّي إلَّا لِمَنْ يَرْغَبُ فِي صَلَاحِ دُعَائِهِ، وَيَقْصِدُ الدُّعَاءَ بِذَلِكَ وَلَا يَقْنَطُ فِي مَرَضِهِ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ فِي كَلَامِهِ وَأَنْ لَا يَتَوَكَّلَ عَلَى صَاحِبِ الدَّوَاءِ إذَا دَاوَى وَقَبِلَ الدَّوَاءَ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَقُولُ لَهُ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّشْمِيتَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ أَيْ أَنْعَمَ عَلَيْك بِجَعْلِك عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ، أَوْ بِإِبْعَادِهِ عَنْك الشَّمَاتَةَ بِرَدِّك إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَعَلَى قِرَاءَتِهِ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَنَاسَبَ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَاطِسَ حِينَ عُطَاسِهِ تَتَغَيَّرُ صُورَتُهُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. [قَوْلُهُ: إذَا عَطَسَ] مِنْ بَابَيْ ذَهَبَ وَنَصَرَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ، وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي عُطَاسِهِ كَمَا قَالَ عج. [قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ يَحْمَدُ] الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يَحْمَدْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ. [قَوْلُهُ: إذَا سَمِعَهُ يَحْمَدُ] أَيْ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ لِسَمَاعِهِ تَشْمِيتَ غَيْرِهِ لَهُ، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَنْبِيهِهِ عَلَى الْحَمْدِ إذَا تَرَكَهُ لِيُشَمِّتَهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ تَنْبِيهُهُ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى فِعْلٍ مَطْلُوبٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مَاذَا يَقُولُ مَنْ عَطَسَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ. . . إلَخْ] ضَعِيفٌ بَلْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ وَاجِبُ كِفَايَةٍ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ] أَيْ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدَّفْنِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَغْتَابَهُ] أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّرِّ غِيبَتُهُ، وَأَرَادَ بِالْعَلَانِيَةِ حُضُورَهُ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ] أَيْ وَلَا يَتَعَدَّى عَلَى أَمَانَةٍ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ حَلَالٍ، أَوْ حُرْمَةٍ. [قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَشْتُمَهُ مَثَلًا] أَيْ وَلَا يَأْخُذَ مَالَهُ عَلَانِيَةً. [قَوْلُهُ: يَهْجُرَ أَخَاهُ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُلَفَّقَةً، [قَوْلُهُ: بِأَيَّامِهَا. . . إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَقْصُودُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ زِيَادَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا إذْ لَوْ أُبْقِيَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَاقْتَضَى حُرْمَتَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْهَجْرِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: بِأَيَّامِهَا أَيْ بِمَجْمُوعِ أَيَّامِهَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. . . إلَخْ] زَادَ فِي رِوَايَةٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، فَمَنْ زَادَ عَلَى التَّحْدِيدِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ. وَأَمَّا لِحَقِّ اللَّهِ بِأَنْ كَانَ لِتَلَبُّسِهِ بِمَعْصِيَةٍ، أَوْ لَا كَهِجْرَانِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ عِنْدَ ارْتِكَابِهَا مَا لَا يَنْبَغِي، وَهَجْرِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالشَّيْخِ لِتِلْمِيذِهِ حَتَّى يُقْلِعَ الْمَهْجُورَ عَمَّا لِأَجْلِهِ الْهَجْرُ فَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ، وَلَوْ زَادَ عَلَى شَهْرٍ. [قَوْلُهُ: أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثَةِ جَائِزٌ] الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ] ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ الْهِجْرَانُ مُطْلَقًا لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْإِنْسَانِ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ غَضَبٍ. [قَوْلُهُ: وَالسَّلَامُ يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ] أَيْ إذَا كَانَ لِسَبَبٍ كَشَتْمٍ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِغَيْرِهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْهِجْرَانِ إلَّا بِالْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اُنْظُرْ عج. [قَوْلُهُ: إنْ نَوَى بِهِ ذَلِكَ] فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَا يَخْرُجُ وَهُوَ نِفَاقٌ، وَيُفْهِمُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْ هَجَرَهُ

فَقَدْ خَرَجَا مِنْ الْهِجْرَانِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فَقَدْ خَرَجَ الْمُسَلِّمُ فَقَطْ (وَ) إذَا سَلَّمَ فَ (لَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ (لَهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بَعْدَهُ إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ (وَالْهِجْرَانُ الْجَائِزُ) شَيْئَانِ الْأَوَّلُ (هِجْرَانُ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (الْبِدْعَةِ) الْمُحَرَّمَةِ كَالْقَدَرِيَّةِ ك: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ مِثْلُ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ عِنْدِي نَظَرٌ، وَالثَّانِي: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ مُتَجَاهِرٍ) أَيْ مُعْلِنٍ (بِالْكَبَائِرِ) بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ (لَا يَصِلُ إلَى عُقُوبَتِهِ) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ، أَمَّا إذَا خَافَ مِنْهُ إذَا تَرَكَ مُخَالَطَتَهُ فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهِجْرَانًا مُحَرَّمًا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِثْمِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْرُكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنْ يَنْبَغِيَ بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْكَلَامِ وَهَذَا صَادِقٌ بِجَوَازِ التَّرْكِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ عَدَمِ التَّرْكِ أَيْ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَوَّلَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ بِزِيَادَةِ لَا بَعْدَ أَنْ وَأَنَّ مَعْنَى لَا يَنْبَغِي يُسْتَحَبُّ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ وَإِذَا سَلَّمَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ عَدَمُ التَّرْكِ، أَيْ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِرْسَالُ عَلَى كَلَامِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَرَكَ وَإِنْ صَدَقَ بِجَوَازِ التَّرْكِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِحْبَابُ الْكَلَامِ بِحَيْثُ صَارَ مَدْلُولًا لِلَّفْظِ عُرْفًا. تَنْبِيهٌ. إذَا تَرَكَ كَلَامَهُ بَعْدَ السَّلَامِ زِيَادَةً عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَانَ هِجْرَانًا ثَانِيًا يَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ إثْمِهِ. [قَوْلُهُ: إسَاءَةَ الظَّنِّ بِهِ] أَيْ وُجُودَ الظَّنِّ السَّيِّئِ بِهِ وَهُوَ ظَنُّ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْهِجْرَانِ. [قَوْلُهُ: الْجَائِزُ] أَيْ الْمَأْذُونُ فِيهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ. [قَوْلُهُ: الْبِدْعَةِ] قَالَ ك: الْبِدْعَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يُعْهَدُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. [قَوْلُهُ: الْمُحَرَّمَةِ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ إلَى مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَى أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْخَمْسَةِ وَاجِبَةٍ كَتَدْوِينِ أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ كَالْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَهْمُ الْكِتَابِ وَضَبْطُ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ بِحِفْظِهَا وَكِتَابَتِهَا، وَمَنْدُوبَةٍ كَإِحْدَاثِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ، وَمُحَرَّمَةٍ كَالِاعْتِزَالِ وَوَضْعِ الْمُكُوسِ، وَمَكْرُوهَةٍ كَتَطْوِيلِ الثِّيَابِ، وَمُبَاحَةٍ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ. [قَوْلُهُ: كَالْقَدَرِيَّةِ] هُمْ اثْنَا عَشْرَ فِرْقَةً: خَمْدِيَّةٌ ثَنَوِيَّةٌ كَيْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ شَرِيكِيَّةٌ وَهْمِيَّةٌ رُوَيْدِيَّةٌ نَاكِشِيَّةٌ مُتَبَرِّيَةٌ قَاسِطِيَّةٌ نِظَامِيَّةٌ مَنْزِلِيَّةٌ، مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَدَرِيَّةُ كُلُّهُمْ فَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرًا وَهُوَ عِنْدَ الْخَلْقِ إيمَانٌ، وَلَا يَرَوْنَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَرْضًا. وَيَقُولُونَ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مِنْ الْإِنْسَانِ لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَظُنُّونَ أَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ فِي الرُّؤْيَا لَا فِي الْيَقِظَةِ. وَيَقُولُونَ: نَحْنُ لَا نَعْلَمُ أَمُؤْمِنُونَ عِنْدَ اللَّهِ أَمْ كَافِرُونَ، وَتَخْتَلِفُ فِي أَشْيَاءَ مُبَيَّنَةٍ فِي مَحَلِّهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى جَلْبِهَا، وَأُدْخِلَتْ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَالْقَدَرِيَّةِ الْفِرَقُ الرَّافِضِيَّةُ وَهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ. [قَوْلُهُ: وَفِي هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ الْمَكْرُوهَةِ] أَيْ إبَاحَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِذْنُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا وَاجِبَةٌ. [قَوْلُهُ: مِثْلِ تَطْوِيلِ الثِّيَابِ] أُدْخِلَ تَحْتَ مِثْلِ تَوْسِيعِهَا وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَثْمَانِهَا وَتَزْيِينِ الْخَيْلِ وَالدَّوَابِّ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ. [قَوْلُهُ: عِنْدِي] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: نَظَرٌ أَيْ وَفِي إبَاحَةِ هِجْرَانِ ذِي الْبِدْعَةِ وَعَدَمُ الْإِبَاحَةِ بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ تَرَدُّدٌ عِنْدِي، أَيْ وَلَا أَعْرِفُ الْحَالَ عِنْدَ غَيْرِي، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ الشِّقَّ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَانَ يَحْرُمُ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُرْتَكَبُ الْمُحَرَّمُ لِأَجْلِ مَكْرُوهٍ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: الْحُرْمَةُ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ فِي هِجْرَانِ غَيْرِ الْمُرْتَكِبِ مَا لَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: بِالْكَبَائِرِ] أَيْ بِالْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي فَرْدٍ أَيْ كَشُرْبِ خَمْرٍ وَسَرِقَةٍ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى عُقُوبَتِهِ] أَيْ إذَا كَانَ لَا يَتْرُكُهَا إلَّا بِالْعُقُوبَةِ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] أَيْ أَوْ نَحْوِهِ كَالْحَدِّ وَبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَالظَّاهِرُ إنْ قَدَرَ عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ أَدَبٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَيَبْلُغُ بِالْعُقُوبَةِ الْحَدَّ وَيُجَاوِزُهُ إنْ رَآهُ زَاجِرًا عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ: لَا يَتَجَاوَزُ عَشْرَةَ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: فَلَهُ أَنْ يُدَارِيَهُ] أَيْ

الْمُدَارَاةَ صَدَقَةٌ (وَ) الْآخَرُ شَيْئَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لِأَنَّهُ إمَّا أَنَّهُ (لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ) أَيْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا (أَوْ) لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ (لَا يَقْبَلُهَا وَلَا غِيبَةَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ وَالْمُجَاهِرِ (فِي ذِكْرِ حَالِهِمَا) بِالْفِسْقِ بِالِاعْتِقَادِ وَبِالْجَارِحَةِ فَقَطْ إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا (وَلَا) تَجُوزُ غِيبَتُهُمَا فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ إلَّا (فِيمَا يُشَاوَرُ فِيهِ) أَيْ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْمُشَاوَرَةُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ (لِ) أَجْلِ (نِكَاحٍ أَوْ) لِأَجْلِ (مُخَالَطَةٍ) كَالشَّرِكَةِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ لِيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ أَمْ لَا (وَ) كَذَا (لَا) غِيبَةَ (فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ كَالْإِمَامَةِ لِلصَّلَاةِ. (وَمِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَك) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعَلَيْهِ أَنْ يُدَارِيَهُ وَرُبَّمَا وَجَبَتْ. قَالَ عِيَاضٌ: الْمُدَارَاةُ إعْطَاءُ الْمَالِ لِيَسْلَمَ الدِّينُ وَالدُّنْيَا، وَالْمُدَاهَنَةُ إعْطَاءُ الدِّينِ لِيَسْلَمَ مَالُهُ وَدَمُهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُدَارَاةُ هِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُ لِاكْتِفَاءِ الشَّرِّ وَحِفْظِ الْوَقْتِ، وَالْمُدَاهَنَةُ إظْهَارُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنْ الدُّنْيَا قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ عَلَى مَوْعِظَتِهِ] أَيْ لِشِدَّةِ تَجَبُّرِهِ. [قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا] أَيْ لِعَدَمِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَجْرِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ بِعُقُوبَتِهِ بِيَدِهِ إنْ كَانَ حَاكِمًا، أَوْ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ يَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ، أَوْ بِمُجَرَّدِ وَعْظِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ زَجْرُهُ وَإِبْعَادُهُ عَنْ فِعْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ بِهَجْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي ذِكْرِ. . . إلَخْ] أَيْ بِسَبَبِ ذِكْرِ حَالِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ فِي الْمُبْتَدِعِ: فُلَانٌ اعْتِقَادُهُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ السُّنَّةِ، أَوْ فُلَانٌ مُعْتَزِلِيٌّ، وَفِي حَقِّ الْمُتَجَاهِرِ فُلَانٌ مُصِرٌّ عَلَى الْكَبَائِرِ. وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا. وَقَالَ بَعْضٌ: وَلَكِنْ لَا تَحِلُّ غِيبَةُ هَذَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُبْتَدِعُ مُتَجَاهِرًا بِبِدْعَتِهِ كَمَا أَنَّ الْفَاسِقَ مُتَجَاهِرٌ بِكَبَائِرِهِ فَيَجُوزُ ذِكْرُ كُلٍّ بِمَا يَتَجَاهَرُ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: بِالْفِسْقِ] الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ تَصْوِيرِ الْحَالِ. وَقَوْلُهُ: بِالِاعْتِقَادِ أَيْ بِمَحَلِّ الِاعْتِقَادِ لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ وَالْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ. [قَوْلُهُ: إذَا سُئِلَ عَنْ حَالِهِمَا] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ، أَوْ قَصَدَ بِذِكْرِ حَالِهِمَا تَحْذِيرَ النَّاسِ مِنْهُمَا مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ النَّاسُ فِيهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّقَانِيِّ كَظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ غِيبَةِ هَذَيْنِ بِمَا تَجَاهَرَا بِهِ سَوَاءٌ سُئِلَ عَنْهُمَا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ نِكَاحٍ] أَيْ بِأَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِنْتَ فُلَانٍ وَلَا أَعْرِفُ فَيَجُوزُ لَهُ ذِكْرُ حَالِهِ بِقَصْدِ النَّصِيحَةِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَوَازُ هُنَا مَعَ النَّدْبِ عِنْدَ عَدَمِ السُّؤَالِ عَلَى كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَالْقَرَافِيِّ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّصِيحَةَ وَاجِبَةٌ حَيْثُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ الْمَنْصُوحُ شَرَعَ فِي فِعْلِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ أَمْ لَا عَلَى الصَّوَابِ، لَكِنْ شَرَطَ الْقَرَافِيُّ فِي الْجَوَازِ أَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ عَلَى ذِكْرِ الْوَصْفِ الْمُخِلِّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ لِعَيْبٍ آخَرَ. [قَوْلُهُ: كَالشَّرِكَةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ مُجَاوَرَتُهُ وَمُرَافَقَتُهُ فِي سَفَرٍ، أَوْ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فِي تَجْرِيحِ شَاهِدٍ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: سَوَاءٌ طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقِيلَ: إذَا طُلِبَ مِنْهُ انْتَهَى أَيْ تَجْرِيحُهُ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ حَاكِمٍ وَعِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ، وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ التَّجْرِيحُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَحْوِ التَّجْرِيحِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ نَحْوِ الشَّاهِدِ أَيْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَدِّمُوهُ لِلصَّلَاةِ فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِجِرَاحَتِهِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ جِرَاحَةَ الرَّاوِي مَخَافَةَ أَنْ يَتَقَوَّلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ مَكَارِمِ] أَيْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَعْفُوَ. . . إلَخْ] إنْ تَرَكَ الْإِنْسَانُ مَا وَجَبَ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَافٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الْعَفْوُ. [قَوْلُهُ: عَمَّنْ ظَلَمَك] أَيْ تَعَدَّى عَلَيْك بِشَتْمٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ أَخْذِ مَالٍ. [قَوْلُهُ: وَتُعْطِيَ. . . إلَخْ] أَيْ مَنْ حَرَمَك شَيْئًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ غَيْرِهِ غَيْرِ مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا وَجَبَ لَك عَلَيْهِ فَهُوَ قَوْلُهُ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك أَيْ تُعْطِيهِ سَوَاءٌ طَلَبَهُ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ. [قَوْلُهُ: وَتَصِلَ. . . إلَخْ] أَيْ تَصِلَ مَوَدَّةَ مَنْ قَطَعَكَ بَعْضُهُمْ هَذَا أَعَمُّ فِي الرَّحِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَحِمٌ اهـ.

{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي وَأُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنِي وَأَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي» . (وَجِمَاعُ) أَيْ جُمْلَةُ (آدَابِ الْخَيْرِ وَأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ) أَيْ تَتَخَرَّجُ (عَنْ أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ) مَرْفُوعَةٍ أَحَدُهَا (قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: الْحَدِيثُ صَرِيحٌ كَمَا صُنِّفَ فِي نَدْبِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ، وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِلصَّفْحِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَظْلُومُ يَتَوَقَّعُ مَفْسَدَةً مِنْ الظَّالِمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَفْوِ. [قَوْلُهُ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ] الْغَيْظُ هُوَ تَوَقُّدُ حَرَارَةِ الْقَلْبِ مِنْ الْغَضَبِ، وَكَظْمُهُ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْهُ بِالصَّبْرِ وَلَا يُظْهِرَ لَهُ أَثَرًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» . [قَوْلُهُ: وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ] أَيْ إذَا جَنَى عَلَيْهِمْ أَحَدٌ لَمْ يُؤَاخِذُوهُ، رُوِيَ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا. [قَوْلُهُ: أَمَرَنِي رَبِّي. . . إلَخْ] أَمْرَ نَدْبٍ وَتَأَكُّدُهُ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَخْفَى هَذَا مَا ظَهَرَ. [قَوْلُهُ: جُمْلَةُ آدَابِ الْخَيْرِ] أَيْ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ أَيْ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَسُمِّيَتْ بِالْآدَابِ جَمْعُ أَدَبٍ؛ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ التَّأْدِيبُ، وَالْمُرَادُ بِأَزِمَّتِهِ جَمْعُ زِمَامٍ الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يُقَادُ بِهِ الْبَعِيرُ أُطْلِقَ هُنَا عَلَى الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ لِلْخَيْرِ عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَقُودُ إلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذُكِرَ تَجِدُ الْأَزِمَّةَ عَيْنَ الْآدَابِ فَيَكُونُ الْعَطْفُ مُرَادِفًا. قَالَ عج: وَيَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ آدَابَ الْخَيْرِ كُلَّهَا تَجْتَمِعُ فِيمَنْ عَمِلَ بِمَضْمُونِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ لَا تُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى إلَّا بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ. [قَوْلُهُ: أَحَادِيثَ] جَمْعُ حَدِيثٍ وَهُوَ مَا أُضِيفَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا، أَوْ فِعْلًا، أَوْ تَقْرِيرًا، أَوْ صِفَةً. وَقَوْلُهُ: مَرْفُوعَةٍ أَيْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصَّحَابِيِّ، أَوْ التَّابِعِيِّ وَالْوَصْفُ كَاشِفٌ عَلَى مَا فَسَّرْنَا بِهِ أَحَادِيثَ. [قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ. . . إلَخْ] أَيْ إيمَانًا كَامِلًا مُنْجِيًا مِنْ عَذَابِهِ. وَقَوْلُهُ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَهُوَ مِنْ النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ، إلَى آخِرِ مَا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وُصِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا لَيْلَ بَعْدَهُ. وَلَا يُقَالُ يَوْمٌ إلَّا مَا يَعْقُبُهُ لَيْلٌ أَيْ بِوُجُودِهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ فَلْيَفْعَلْ مَا يَأْتِي: فَإِنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ حَمْلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ عِنْدَ فَقْدِ الصَّارِفِ، وَاكْتَفَى بِهِمَا عَنْ الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ وَالْكُتُبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُهُ، فَإِنَّ إيمَانَ الْيَهُودِيَّةِ إيمَانٌ بِأَنَّ النَّارَ لَا تَمَسُّهُمْ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مَنْ كَانَ هُودًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِيمَانُ النَّصَارَى بِهِ بِأَنَّ الْحَشْرَ لَيْسَ إلَّا عَلَى الْأَرْوَاحِ لَيْسَ إيمَانًا بِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَالْإِيمَانُ بِهِ كَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَفِي ذِكْرِهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لِإِيقَاظِ النَّفْسِ وَتَحَرُّكِ الْهِمَمِ لِلْمُبَادَرَةِ إلَى امْتِثَالِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَهُوَ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ بَلْ يُكْرِمُ جَارَهُ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَلْيُحْسِنْ إلَى جَارِهِ، أَيْ بِكَفِّ الْأَذَى وَتَحَمُّلِ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَالْبِشْرِ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَارُ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، ثُمَّ الْأَمْرُ بِالْإِكْرَامِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ، وَقَدْ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا. [قَوْلُهُ: وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] الْإِيمَانُ بِهِ تَصْدِيقُ مَا فِيهِ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْأَهْوَالِ. وَقَوْلُهُ: فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ: بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَالْإِتْحَافِ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَلَا يَحْصُلُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِالْقِيَامِ بِكِفَايَتِهِ، فَلَوْ أَطْعَمَهُ بَعْضَ كِفَايَتِهِ وَتَرَكَهُ جَائِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُكْرِمًا لِانْتِفَاءِ جُزْءِ الْإِكْرَامِ، وَإِذَا انْتَفَى جُزْؤُهُ انْتَفَى كُلُّهُ، وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يَضَعَ لَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يُرْكِبَهُ إذَا انْقَلَبَ إلَى مَنْزِلِهِ إنْ كَانَ بَعِيدًا، وَمِنْ إكْرَامِهِ أَنْ يَجْلِسَ تَحْتَهُ فِي كِتَابِ الْمُنْتَخَبِ مِنْ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ الضَّيْفِ فَلْيُلْقِمْهُ بِيَدِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ بِهِ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا» ". وَالضَّيْفُ مَنْ

فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ» أَيْ فَلْيَقُلْ خَيْرًا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ (وَ) ثَانِيهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَهُوَ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا أُخْرَوِيَّةٌ (وَ) ثَالِثُهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْبُخَارِيِّ (لِ) لِمُرَجَّلٍ (الَّذِي اخْتَصَرَ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ) حِينَ «قَالَ لَهُ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا فَقَالَ: لَا تَغْضَبْ» أَيْ لَا تَعْمَلْ مُوجِبَاتِ الْغَضَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ النَّهْيَ عَنْ الْغَضَبِ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ اُسْتُغْضِبَ وَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالَ إلَيْك نَازِلًا بِك. [قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ خَيْرًا. . . إلَخْ] اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الطَّرَفِ مِنْ الْأَطْرَافِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ أَسَاسَ كُلِّ خَيْرٍ، وَنَجَاةً مِنْ كُلِّ ضَيْرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِيمَا يُرِيدُ التَّكَلُّمَ بِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَجُرُّ إلَيْهَا أَتَى بِهِ. [قَوْلُهُ: أَوْ لِيَصْمُتْ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُمِعَ فِيهِ الْكَسْرُ. [قَوْلُهُ: أَوْ يَسْكُتُ عَنْ شَرٍّ. . . إلَخْ] الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَسْكُتُ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا تَعُودُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا لَا تَعُودُ. . . إلَخْ يَصْدُقُ بِالْحَرَامِ، وَلَوْ كَبِيرَةً، وَلَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِحُسْنِ يَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ وَيَقْصُرُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ، أَيْ وَإِذَا كَانَ مَا لَا يَعْنِيهِ مَا ذُكِرَ كَانَ مَا يَعْنِيهِ مَا تَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ لِدُنْيَاهُ، أَوْ لِآخِرَتِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ. قَالَ عج: وَلَعَلَّهُ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ، أَوْ لِدُنْيَاهُ الْمُوصِلَةِ لِآخِرَتِهِ عَنْ دُنْيَا تُطْغِيهِ وَتُفْسِدُ آخِرَتَهُ انْتَهَى. وَيَعْنِيهِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ عَنَاهُ الْأَمْرُ إذَا تَعَلَّقَتْ عِنَايَتُهُ بِهِ. [قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ الَّذِي اخْتَصَرَ. . . إلَخْ] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَبَا الدَّرْدَاءِ أَوْ حَارِثَةَ بْنَ قُدَامَةَ، أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ السَّائِلَ مُتَعَدِّدٌ. [قَوْلُهُ: اخْتَصَرَ. . . إلَخْ] قَالَ تت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْغَضَبَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتَصَرَ هَذَا الْكَلَامَ. [قَوْلُهُ: حِينَ] تَنَازَعَ فِيهِ قَوْلُهُ اخْتَصَرَ. [قَوْلُهُ: فَرَدَّدَ] أَيْ فَرَجَّعَ تَرْجِيعًا مِرَارًا أَيْ حَيْثُ يَقُولُ لَهُ: أَوْصِنِي يَعْتَقِدُ أَنَّ عَدَمَ الْغَضَبِ لَيْسَ أَمْرًا يُعْتَدُّ بِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْمَرَّاتِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ. قَالَ: فَأَعَادَهَا لَهُ حَيْثُ قَالَ لَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا لَا تَغْضَبْ. وَقَوْلُهُ: فَقَالَ لَا تَغْضَبْ مُفِيدًا لَهُ أَنَّ عَدَمَ الْغَضَبِ خُصُوصًا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُعْتَدُّ بِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ مِنْ الْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَعَلَى عَدَمِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَالثَّمَرَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ مَا لَا يُحْصَى؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْغَضَبَ مِنْ النَّارِ وَعَجَنَهُ بِطِينَةِ الْإِنْسَانِ فَمَهْمَا نُوزِعَ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ اشْتَعَلَتْ نَارُ الْغَضَبِ فِيهِ وَفَارَتْ فَوَرَانًا يَغْلِي مِنْهُ دَمُ الْقَلْبِ وَيَنْتَشِرُ فِي الْعُرُوقِ فَيَرْتَفِعُ إلَى أَعَالِي الْبَدَنِ ارْتِفَاعَ الْمَاءِ فِي الْقِدْرِ، ثُمَّ يَنْصَبُّ فِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ حَتَّى يَحْمَرَّا مِنْهُ إذْ الْبَشَرَةُ لِصَفَائِهَا كَالزُّجَاجَةِ تَحْكِي مَا وَرَاءَهَا هَذَا إذَا غَضِبَ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَاسْتَشْعَرَ الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ فَوْقَهُ وَأَيِسَ مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ انْقَبَضَ الدَّمُ إلَى جَوْفِ الْقَلْبِ وَكَمَنَ فِيهِ وَصَارَ حُزْنًا فَاصْفَرَّ اللَّوْنُ، أَوْ مِنْ مُسَاوِيهِ الَّذِي يَشُكُّ فِي الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَتَرَدَّدُ الدَّمُ بَيْنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ فَيَصِيرُ لَوْنُهُ بَيْنَ صُفْرَةٍ وَحُمْرَةٍ. [قَوْلُهُ: مُوجَبَاتِ] بِفَتْحِ الْجِيمِ عَلَى مَا أَفَادَهُ ابْنُ حِبَّانَ أَيْ مُسَبَّبَاتِ حَيْثُ قَالَ: أَرَادَ لَا تَعْمَلُ بَعْدَ الْغَضَبِ شَيْئًا مِمَّا يَنْشَأُ عَنْهُ لَا أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ شَيْءٍ جُبِلَ عَلَيْهِ، وَبِكَسْرِهَا عَلَى مَا لِلْخَطَّابِيِّ أَيْ اجْتَنِبْ أَسْبَابَ الْغَضَبِ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَا يَجْلِبُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْغَضَبِ مَطْبُوعٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَلَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْ جِبِلَّتِهِ. قَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّمَا نَهَاهُ عَنْ الْغَضَبِ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَاتِهِ، أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَقَدْ يَجِبُ كَالْقِيَامِ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجُوزُ، وَقَدْ يُنْدَبُ «كَغَضَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُخْطِئِ كَغَضَبِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ مُعَاذٌ أَنَّهُ يُطَوِّلُ فِي الصَّلَاةِ» . [قَوْلُهُ: مِنْ اُسْتُغْضِبَ] أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الْغَضَبُ، أَيْ فُعِلَ مَعَهُ مَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْغَضَبُ وَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ أَيْ فَهُوَ كَالْحِمَارِ مِنْ حَيْثُ الْبَلَادَةِ وَعَدَمِ الذَّكَاءِ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَغَضِبَ. وَأَفَادَ بِهَذَا صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ

حِمَارٌ، وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ وَلَمْ يَرْضَ فَهُوَ شَيْطَانٌ (وَ) رَابِعُهَا (قَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ. «الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . أَيْ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَاتِ، وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ التَّامَّ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَانِ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. (وَلَا يَحِلُّ لَك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ (أَنْ تَتَعَمَّدَ سَمَاعَ الْبَاطِلِ كُلِّهِ) قَوْلًا كَالْغِيبَةِ أَوْ فِعْلًا كَآلَاتِ الْمَلَاهِي. (وَلَا) يَحِلُّ لَك (أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ صَوْتِ) كَلَامِ (امْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَك) وَكَذَا لَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَتَلَذَّذَ بِصَوْتِ الْأَمْرَدِ الَّذِي فِيهِ لِينٌ، وَإِنَّمَا قَالَ تَتَلَذَّذُ وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تَسْمَعَ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ كَلَامِ الْمُتَجَالَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا جَائِزٌ. (وَلَا) يَحِلُّ لَك (سَمَاعُ شَيْءٍ مِنْ آلَاتِ الْمَلَاهِي) كَالْعُودِ إلَّا الدُّفَّ فِي النِّكَاحِ. (وَ) كَذَا لَا يَحِلُّ لَك سَمَاعُ (الْغِنَاءِ) بِالْمَدِّ وَهُوَ مَدُّ مَا يُقْصَرُ وَقَصْرُ مَا يُمَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَمَا يُرَدُّ مِنْ النَّهْيِ فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ مُوجِبِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ اُسْتُرْضِيَ] أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الرِّضَا فِعْلُ مَا يَتَرَتَّبُ الرِّضَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ شَيْطَانٌ] أَيْ كَالشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَنْخَدِعُ عِنْدَ مُوجَبَاتِ الْخِدَاعِ لِلُؤْمِهِ وَاسْتِحْكَامِ عَدَاوَتِهِ لِلْإِنْسَانِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ. . . إلَخْ] أَيْ فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إمَّا رِوَايَةً بِالْمَعْنَى وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَكَلَّمَ بِهِمَا مَعًا. [قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ الطَّاعَاتِ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَسَبِ ذَاتِهَا أَوْ بِحَسَبِ مَا شَأْنُهُ أَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيْ كَرِفْعَةِ الْمَرَاتِبِ فِي الْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَعْنَى لَا يُؤْمِنُ. . . إلَخْ] أَيْ وَمَعْنَى الْمُؤْمِنِ فِي الْمُصَنَّفِ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ. [قَوْلُهُ: فَأَصْلُ الْإِيمَانِ] فَالْإِيمَانُ الْأَصْلُ لِقَوْلِهِ: الْإِيمَانَ التَّامَّ. [قَوْلُهُ: يَحْصُلُ وَإِنْ. . . إلَخْ] لِلْمُبَالَغَةِ لَا لِلْحَالِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الْإِيمَانُ التَّامُّ أَيْ الْكَامِلُ وُجِدَ الْإِيمَانُ الْأَصْلُ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَتَعَمَّدَ] قَالَ تت: وَمَفْهُومُ التَّعَمُّدِ جَوَازُهُ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّدِ كَالنَّظْرَةِ الْأُولَى. [قَوْلُهُ: كُلِّهِ] أَيْ بِتَمَامِهِ أَيْ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُسْمَعَ، وَالْمُرَادُ سَمَاعُ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْبَاطِلَ يَكُونُ مُتَعَلِّقَ غَيْرِهِ كَالْبَصَرِ. [قَوْلُهُ: كَالْغِيبَةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ النَّمِيمَةُ وَالْقَذْفُ [قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلًا كَآلَاتِ] أَيْ كَصَوْتِ آلَاتِ الْمَلَاهِي إذْ الْمَسْمُوعُ هُوَ صَوْتُهَا لَا هِيَ، وَصَوْتُهَا فِعْلٌ لَهَا حَقِيقَةٌ، وَفِعْلٌ لِلشَّخْصِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَسَبِّبٌ عَنْ فِعْلِهِ وَحَيْثُ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: أَوْ فِعْلًا أَيْ بِأَوْ أَفَادَ أَنَّ التَّقْدِيرَ كَانَ الْبَاطِلُ لَا بِقَيْدِ كُلِّهِ قَوْلًا. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: الْمَلَاهِي] أَيْ آلَاتٍ هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْقَامُوسِ لَهَا لَهْوًا لَعِبَ إلَى أَنْ قَالَ وَالْمَلَاهِي آلَتُهُ. تَتِمَّةٌ. هَلْ يَلْزَمُ سَامِعَ ذَلِكَ سَدُّ أُذُنَيْهِ، أَوْ تَعَاطِي أَسْبَابِ عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، أَوْ لَا يَلْزَمُهُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ، وَظَاهِرُ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي التَّحْقِيقِ عَدَمُ تَحْرِيمِ سَمَاعِهِ كَمَا أَفَادَهُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَتَلَذَّذَ بِسَمَاعِ. . . إلَخْ] أَيْ، وَلَوْ بِالْقَرَائِنِ أَيْ تَقْصِدُ التَّلَذُّذَ. [قَوْلُهُ: لَا تَحِلُّ لَك] أَيْ لَا يَحِلُّ لَك مُنَاكَحَتُهَا أَيْ فَيَجُوزُ التَّلَذُّذُ بِكَلَامِ مَنْ تَحِلُّ مِنْ زَوْجَةٍ، أَوْ أَمَةٍ، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ مِمَّا لَا يَصْدُرُ إلَّا مِمَّا ذُكِرَ. [قَوْلُهُ: الَّذِي فِيهِ لِينٌ] أَيْ الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ التَّلَذُّذِ. [قَوْلُهُ: وَمَا فِي مَعْنَاهَا] أَيْ مِنْ الشَّابَّةِ الَّتِي لَيْسَ فِي صَوْتِهَا لِينٌ، أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي صَوْتِهَا لِينٌ فَلَا يَجُوزُ السَّمَاعُ لِكَوْنِهِ يَتَلَذَّذُ، وَرُبَّمَا أَفْهَمَ أَنَّ مَا فِي صَوْتِهَا لِينٌ لَا يَجُوزُ سَمَاعُهُ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَتَلَذَّذُ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ابْنِ عُمَرَ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا سَمَاعُ كَلَامِهَا مِنْ غَيْرِ تَلَذُّذٍ فَجَائِزٌ اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَمَاعَ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ تَلَذُّذٌ وَلَا وُجُودُهَا لَا مَنْعَ فِيهِ بَلْ يَجُوزُ، وَكَلَامُ الْأَقْفَهْسِيِّ يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ سَمَاعِ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ التَّلَذُّذِ. [قَوْلُهُ: سَمَاعُ شَيْءٍ] أَيْ صَوْتُ شَيْءٍ [قَوْلُهُ: كَالْعُودِ] أَيْ وَالطُّنْبُورِ [قَوْلُهُ: إلَّا الدُّفَّ فِي النِّكَاحِ] أَيْ الْمَعْرُوفُ بِالطَّارِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهُ وَسَمَاعُهُ فِي النِّكَاحِ، وَلَوْ لِرَجُلٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ وَصَرَاصِيرُ كَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] أَيْ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ، وَأَمَّا الْمَدُّ مَعَ الْفَتْحِ فَمَعْنَاهُ النَّفْعُ وَبِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ فَهُوَ الْيَسَارُ مُقَابِلُ الْفَقْرِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَدُّ مَا يُقْصَرُ] أَيْ مَدُّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُقْصَرَ، أَوْ مَا طُلِبَ أَنْ يُقْصَرَ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ هُوَ نَفْسُ مَدِّ الْحَرْفِ الْمَوْصُوفِ بِمَا ذُكِرَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ

لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ مِنْ كَلَامٍ طَيِّبٍ مَفْهُومِ الْمَعْنَى مُحَرِّكًا لِلْقَلْبِ طَلَبًا لِلْإِطْرَابِ سَوَاءٌ كَانَ بِآلَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَ) كَذَلِكَ (لَا يَحِلُّ لَك قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَلَا سَمَاعُهُ بِاللُّحُونِ) أَيْ الْأَصْوَاتِ (الْمُرَجَّعَةِ) أَيْ الْمُطْرِبَةِ (كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ) بِالْمَدِّ أَيْ الْمُشَبَّهَةِ بِالْغِنَاءِ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَرِهَ مَالِكٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِالْأَلْحَانِ بَعْضُ الشُّيُوخِ. اُنْظُرْ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلُ (وَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ فَ (لْيُجَلَّ) أَيْ يُعَظَّمْ وَيُنَزَّهْ (كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّهُ الصَّوْتُ الَّذِي يُطْرَبُ بِهِ [قَوْلُهُ: لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ] أَيْ لِزِيَادَةِ التَّحْسِينِ، أَوْ غَالِبًا، لَا أَنَّ التَّحْسِينَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ لُزُومًا فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامٍ طَيِّبٍ] بَيَانُ كَمَا أَيْ مِنْ جُزْءِ كَلَامٍ طَيِّبٍ. وَهُوَ الْحَرْفُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْقَصْرُ، أَوْ الْمَدُّ [قَوْلُهُ: مَفْهُومِ الْمَعْنَى] أَيْ شَأْنُهُ أَنْ يُفْهَمَ، فَلَوْ أَنَّهُ أَتَى بِأَلْفَاظٍ غَرِيبَةٍ احْتَوَتْ عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَا يُقَالُ لَهَا غِنَاءٌ هَذَا مُقْتَضَاهُ. وَقَوْلُهُ: مُحَرِّكٍ لِلْقَلْبِ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ طَيِّبٍ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بِلِصْقِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَأَرَادَ بِالْقَلْبِ النَّفْسَ لَا الشَّكْلَ الصَّنَوْبَرِيَّ [قَوْلُهُ: طَلَبًا لِلْإِطْرَابِ] عِلَّةٌ لِلتَّحْسِينِ وَالْإِطْرَابُ مَصْدَرُ أَطْرَبَ أَيْ أَطْرَبَ السَّامِعَ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ] ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ يُكْرَهُ. وَأَمَّا بِآلَةٍ فَيَحْرُمُ، وَلَوْ فِي عُرْسٍ خِلَافًا لِعِبَارَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا فِيهَا كَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْ الْأَشْيَاخِ. وَرَأَيْنَا مِنْ النُّقُولِ مَا يُفِيدُهُ وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّ الْغِنَاءَ حَرَامٌ مُطْلَقًا بِآلَةٍ وَغَيْرِهَا، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ فِي النِّكَاحِ وَكَذَا الْآلَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْغِنَاءِ تَحْرُمُ مُطْلَقًا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا الدُّفَّ وَحْدَهُ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ آلَةٍ يُكْرَهُ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَا يُكْرَهُ وَإِلَّا حَرُمَ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْآلَةَ تَحْرُمُ مُطْلَقًا. [قَوْلُهُ: وَلَا سَمَاعُهُ] هَذَا يُفْهَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حِلِّ الْقِرَاءَةِ عَدَمُ حِلِّ السَّمَاعِ [قَوْلُهُ: بِاللُّحُونِ] اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ اللُّحُونِ وَالْأَلْحَانِ جَمْعُ لَحْنٍ لَا جَمْعُ تَلْحِينٍ خِلَافًا لِلشَّيْخِ سَالِمٍ، وَتَبِعَهُ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ الْأَصْوَاتِ] ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي هُوَ مُفْرَدٌ كُلٌّ مِنْ اللُّحُونِ، وَالْأَلْحَانُ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الصَّوْتِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْمُرَجَّعَةِ وَصْفًا مُخَصِّصًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الصَّوْتُ الْمُطْرِبُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْمُرَجَّعَةِ وَصْفًا مُؤَكِّدًا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُطْرِبَةِ] مِنْ أَطْرَبَ [قَوْلُهُ: كَتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: التَّرْجِيعُ التَّرْدِيدُ فِي الصَّوْتِ وَإِعَادَةُ حَرْفٍ وَاحِدٍ تَحْسِينًا لِلصَّوْتِ وَتَتْمِيمًا لِلْغِنَاءِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْمُشَبَّهَةِ] تَفْسِيرٌ لِحَاصِلِ قَوْلِهِ الْمُرَجَّعَةِ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: بِالْأَلْحَانِ] تَقَدَّمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَلْحَانِ وَاللُّحُونِ جَمْعُ لَحْنٍ [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ هَلْ هُوَ عَلَى بَابِهِ] أَيْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَكَمَ بِعَدَمِ الْحِلِّ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمَنْعُ فَيُوَافِقُ الْمُصَنِّفَ. وَقَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ الْأَوَّلُ أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي سِلْكِ الْمَكْرُوهَاتِ أَيْ التَّنْزِيهِيَّةِ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْمُوَافَقَةُ، وَلَوْ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْكَرَاهَةِ إمَّا بِحَمْلٍ لَا يَحِلُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَتُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ وَإِلَّا حَرُمَتْ أَيْ أَنَّ حُكْمَ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُصَنِّفِ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ، أَوْ يُحْمَلُ الْمُصَنَّفُ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ، وَحُكْمُ الْمُدَوَّنَةِ بِالْكَرَاهَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ كَالْمُخْتَصَرِ. وَأَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ فَتَحْرُمُ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بَلْ قَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ اسْتَحْسَنَهُ، وَسَمَاعُهُ يَزِيدُ غِبْطَةً بِالْقِرَاءَةِ وَإِيمَانًا وَيُكْسِبُ الْقُلُوبَ خَشْيَةً. [قَوْلُهُ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ] أَيْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا، أَوْ أُرِيدَ بِهَا الْمَنْعُ [قَوْلُهُ: فَلْيُجْلِ] أَيْ نَدْبًا أَكِيدًا نَظَرًا لِمَجْمُوعِ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ [قَوْلُهُ: وَيُنَزِّهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: أَنْ يُتْلَى] بَدَلٌ مِنْ كِتَابٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نَفْيٍ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا نَفْيٌ فِي الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ فَلَا يُتْلَى كِتَابُ اللَّهِ مُلْتَبِسًا بِحَالَةٍ مِنْ

يُتْلَى) أَيْ يُقْرَأَ (إلَّا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ تَعْظِيمٍ (وَبِمَا يُوقَنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيُقَرِّبُ مِنْهُ) قُرْبَ قَبُولٍ لَا قُرْبَ مَسَافَةٍ (مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ) أَيْ لِمَا يَتْلُوهُ فَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ نَهْيٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَنْهِيُّ، أَوْ بِآيَةِ أَمْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ الْمَأْمُورُ. قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَا فِقْهَ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَا تَدَبُّرَ فِيهَا. (وَمِنْ الْفَرَائِضِ) فَرْضِ عَيْنٍ (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) وَهُوَ مَا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ (عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالَاتِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُلْتَبِسًا بِسَكِينَةٍ [قَوْلُهُ: أَيْ يُقْرَأُ. . . إلَخْ] لَمَّا كَانَتْ التِّلَاوَةُ لَا تَأْتِي إلَّا فِي مُتَعَدِّدٍ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّك تَقُولُ: قَرَأْت اسْمَهُ وَلَا تَقُولُ تَلَوْت اسْمَهُ، أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ فَيَكُونُ مُفِيدًا أَنَّ السَّكِينَةَ وَمَا مَعَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ اللَّهِ، بَلْ، وَلَوْ بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِحَرْفٍ. [قَوْلُهُ: بِسَكِينَةٍ] أَيْ طُمَأْنِينَةٍ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت وَقَوْلُهُ: أَيْ تَعْظِيمٍ كَذَا فِيهِمَا أَيْضًا زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ بِمَعْنَى الْهُدُوءِ وَالسُّكُونِ انْتَهَى. فَيُفِيدُ أَنَّهُمَا عَلَى الْحَلِّ الْأَوَّلِ مُتَغَايِرَانِ، وَأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ غَيْرُ التَّعْظِيمِ فَمَرْجِعُ الطُّمَأْنِينَةِ إلَى سُكُونِ الْجَوَارِحِ بِحَيْثُ لَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا، وَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا يُلْهِي، وَمَرْجِعُ التَّعْظِيمِ إلَى كَوْنِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ الرِّيحُ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَتَكَامَلَ خُرُوجُهُ، وَإِذَا تَثَاءَبَ يُمْسِكُ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَبِمَا يُوقَنُ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ بِسَكِينَةٍ وَمَا فِيهِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظِنَّةِ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهَا بِأَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ جَالِسًا كَجُلُوسِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ أُسْتَاذِهِ، أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا يُوقَنُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ لَا حَقِيقَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَيُقَرِّبُ. . . إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى يَرْضَى أَيْ يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْضَى بِهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ أَيْ يَقْرُبُ الْمَوْلَى مِنْ الْقَارِئِ بِسَبَبِهِ، فَمِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ الَّتِي لِلسَّبَبِيَّةِ، أَوْ أَنَّ الْعَائِدَ مَحْذُوفٌ فَضَمِيرُ مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى الْقَارِئِ، أَيْ بِمَا يُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَقْرُبُ مِنْ الْقَارِئِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعْطُوفٌ عَلَى يُوقَنُ وَالتَّقْدِيرُ وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ. وَبِمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ أَيْ يُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ أَيْ بِوَجْهٍ وَحَالَةٍ تُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَيُقَرِّبُ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَبِمَا يُوقَنُ. . . إلَخْ مِنْ أَفْرَادِ الْوَقَارِ الْمُفَسَّرِ بِالتَّعْظِيمِ [قَوْلُهُ: مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ] أَيْ مَعَ تَحْصِيلِ إدْرَاكِهِ لِذَلِكَ [قَوْلُهُ: لِمَا يَتْلُوهُ. . . إلَخْ] رَجَعَ الضَّمِيرُ لِلْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِمَا يُتْلَى الْمَأْخُوذُ مِنْ التِّلَاوَةِ الَّتِي هِيَ الْبَدَلُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَكَانَ الْحَدِيثُ جَارِيًا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَإِذَا مَرَّ. . . إلَخْ] هَذَا مِنْ ثَمَرَاتِ قَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ لَا أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: إنَّهُ الْمَنْهِيُّ] أَيْ لَا غَيْرُهُ مُبَالَغَةً، أَوْ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْهِيِّ، وَأَرَادَ بِآيَةِ النَّهْيِ، وَلَوْ حُكْمًا فَيَشْمَلُ الْقَصَصَ الْوَارِدَةَ فِي شَأْنِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، فَيُلَاحَظُ أَنَّهُ مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ مَضَوْا إلَّا نَظَرًا لِكَوْنِنَا نَنْتَهِي عَنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي أَوْجَبَتْ لَهُمْ الْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. [قَوْلُهُ: قَالَ عَلِيٌّ. . . إلَخْ] أَتَى بِهِ دَلِيلًا لِقَوْلِهِ مَعَ إحْضَارِ الْفَهْمِ. [قَوْلُهُ: لَا فِقْهَ فِيهَا] أَيْ لَا مَعْرِفَةَ أَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةُ الْجُهَّالِ فَحِينَئِذٍ فَالْمَنْفِيُّ أَصْلُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ بَاطِلَةٌ، أَوْ لَا فَهْمَ فِيهَا أَيْ لَا إدْرَاكَ أَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فِيهَا، وَحَاصِلُهُ لَا خُشُوعَ فِيهَا فَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ صَحِيحَةٌ وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْخُشُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ غَيْرُ شَرْطٍ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ خُصُوصُ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي. [قَوْلُهُ: لَا تَدَبُّرَ فِيهَا] أَيْ لَا تَأَمُّلَ لِلْمَعَانِي فِيهَا، وَأَصْلُ التَّدَبُّرِ كَمَا قَالَ بَعْضٌ النَّظَرُ فِي أَدْبَارِ الْأُمُورِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَأَمُّلٍ وَالْمَنْفِيُّ كَمَالُ الْخَيْرِ. [قَوْلُهُ: فَرْضِ عَيْنٍ] مُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الْأَرْضِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ وَلَا يَظْهَرُ بَلْ إذَا تَعَدَّدَ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَغَيْرِ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ هَذَا فِي الْأَمْرِ بِالْيَدِ، أَوْ اللِّسَانِ. وَأَمَّا بِالْقَلْبِ فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْقَلْبِ شَرْطَانِ فِي الْجَوَازِ وَشَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ، فَاَللَّذَانِ لِلْجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالنَّاهِي عَالِمَيْنِ بِذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنْعَكِسَ الْأَمْرُ فَيَأْمُرَ بِمُنْكَرٍ وَيَنْهَى عَنْ مَعْرُوفٍ، وَأَنْ لَا يَخَافَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ كَنَهْيِهِ عَنْ قَذْفٍ فَيُؤَدِّيَ لِلْقَتْلِ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ أَنْ يَعْلَمَ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِفَادَةُ وَإِلَّا سَقَطَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الْجَوَازُ أَوْ النَّدْبُ. [قَوْلُهُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ] قَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُ، وَأَيْضًا أَمَرَ إبْلِيسَ بِالسُّجُودِ أَوَّلًا

أَيْ حُكْمُهُ (فِي الْأَرْضِ) كَالسُّلْطَانِ وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ وَقَوْلُهُ: (وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ إلَى ذَلِكَ) تَكْرَارٌ (فَإِنْ لَمْ) يَكُنْ مِمَّنْ (يَقْدِرُ) عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ (فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) بِلِسَانِهِ (فَبِقَلْبِهِ) . (وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ) يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنِ الْمُكَلَّفِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا (أَنْ يُرِيدَ) أَيْ يَقْصِدَ (بِكُلِّ قَوْلٍ وَعَمَلٍ مِنْ الْبِرِّ) مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ (وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَمَنْ أَرَادَ بِذَلِكَ) الْقَوْلِ أَوْ الْعَمَلِ (غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ) الْكَرِيمِ (لَمْ يُقْبَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَهَى آدَمَ بَعْدَهُ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، وَأَرَادَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. . . إلَخْ قَوْلًا وَفِعْلًا بِمَعْنَى التَّغْيِيرِ، فَفِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ، وَاحْتَجْنَا لِذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَمَرَ اللَّهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ لُزُومًا لِيَشْمَلَ نَحْوَ الْقِيَاسِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى شُمُولُهُ لِلْمَنْدُوبِ وَكَذَا تَفْسِيرُ الْمُنْكَرِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَنْدُوبِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْفُرُوضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يَظْهَرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كَوْنِهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا قَوْلَانِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمَا أَرْجَحِيَّةُ النَّدْبِ كَنَدْبِ النَّهْيِ فِي الْمَكْرُوهِ [قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ] الْوَاوُ بِمَعْنَى، أَوْ، ثُمَّ تُجْعَلُ مَانِعَةَ خُلُوٍّ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. . . إلَخْ] وَهَلْ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُحْدَثٌ لَمْ تَعْرِفْهُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ لِأَنَّ الْقُلُوبَ تُنْكِرُهُ قَوْلَانِ تت. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا نَهَى. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْيَدِ بِقَرِينَةِ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ [قَوْلُهُ: بُسِطَتْ] بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ بَسَطَ اللَّهُ يَدَهُ، وَأَرَادَ بِالْبَسْطِ لَازِمَهُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ مَجَازًا. وَقَوْلُهُ: أَيْ حُكْمُهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَدُهُ، وَأَرَادَ بِالْحُكْمِ تَصَرُّفَهُ وَتَفْسِيرُ الْيَدِ بِالْحُكْمِ مِنْ بَابِ التَّوْرِيَةِ وَهِيَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ الَّذِي لَهُ مَعْنًى قَرِيبٌ وَمَعْنًى بَعِيدٌ، وَيُرَادُ الْبَعِيدُ مَجَازًا كَمَا هُنَا، وَعَلَاقَتُهُ الْمَحَلِّيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ التَّصَرُّفِ. [قَوْلُهُ: إلَى ذَلِكَ] أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قَوْلًا وَفِعْلًا. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] ؛ لِأَنَّ مَنْ تَصِلُ يَدُهُ لِذَلِكَ هُوَ عَيْنُ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِتَكْرَارٍ وَإِنَّ هَذَا شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ الْأَبُ عَلَى أَبْنَائِهِ وَالسَّيِّدُ عَلَى عَبِيدِهِ وَالزَّوْجُ عَلَى زَوْجَتِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ] قَدَّرَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَكُنْ دَفْعًا لِمَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ، وَحَاصِلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ [قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ بِيَدِهِ] الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِفَةَ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَنَهْيِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَأْمُورُ، أَوْ الْمَنْهِيُّ بِذَلِكَ، فَإِنْ امْتَثَلَ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا هَدَّدَهُ بِالضَّرْبِ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ شَهَرَ لَهُ السِّلَاحَ إنْ وَجَبَ قَتْلُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْ مَرْتَبَةٍ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَصُورَةُ تَغْيِيرِ الْقَلْبِ إذَا رَأَى مُنْكَرًا يَقُولُ فِي نَفْسِهِ لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ لَغَيَّرْته، وَإِذَا رَأَى مَعْرُوفًا ضَاعَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كُنْت أَقْدِرُ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَأَمَرْت، وَيُحِبُّ الْفَاعِلَ لِلْمَعْرُوفِ وَيَكْرَهُ الْفَاعِلَ لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ وَيُظْهِرُ ذَلِكَ بِجَوَارِحِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ عج: وَفِي كَلَامِ تت وَالشَّاذِلِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِالْقَلْبِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَصُورَةُ تَغْيِيرِهِ. . . إلَخْ. تَنْبِيهٌ: قِيلَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ مُتَلَازِمَانِ. [قَوْلُهُ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ] أَيْ فَرْضُ عَيْنٍ [قَوْلُهُ: يَعْنِي جِنْسَ الْمُؤْمِنَ] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعِنَايَةِ دَفْعًا لِمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ مِنْ قُصُورِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الذَّكَرِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَةَ. [قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفَ] أَيْ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ [قَوْلُهُ: مِنْ الْبِرِّ] أَيْ كَائِنٌ ذَلِكَ الْقَوْلُ، أَوْ الْعَمَلُ مِنْ الْبِرِّ، وَأَرَادَ بِالْعَمَلِ عَمَلَ الْجَوَارِحِ مَا عَدَا اللِّسَانَ وَمَا عَدَا الْقَلْبَ، أَمَّا عَمَلُ اللِّسَانِ فَهُوَ الْقَوْلُ، وَأَمَّا عَمَلُ الْقَلْبِ فَهُوَ خَفِيٌّ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَقْصِدَ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ] بَيَانٌ لِلْبِرِّ أَيْ أَنَّ الْبِرَّ شَيْءٌ هُوَ وَاجِبٌ، أَوْ مَنْدُوبٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْبِرَّ هُوَ الطَّاعَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً، أَوْ مَنْدُوبَةً [قَوْلُهُ: وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ] أَيْ ذَاتَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَيْ لَا النَّاسَ الَّذِينَ قَصَدَهُمْ بِقَوْلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ فَدَخَلَ فِي وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ مَرْتَبَتَانِ الْكَامِلَةُ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَالنَّاقِصَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا بِأَنْ يَقْصِدَ دُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْبُعْدَ عَنْ دُخُولِ النَّارِ.

عَمَلُهُ) وَلَا قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءُ) وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى (الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ» الْحَدِيثَ. (وَالتَّوْبَةُ) لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ شَرْعًا إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ شَرْعًا (فَرِيضَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ) ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ وَغَفَرَ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَلَهَا شُرُوطُ كَمَالٍ تَأْتِي وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَهِيَ النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ. وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ) زَائِدٍ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ (وَالْإِصْرَارُ الْمُقَامُ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْإِقَامَةِ (عَلَى الذَّنْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يُقْبَلْ] أَيْ لَا ثَوَابَ لَهُ أَيْ فَالْمَنْفِيُّ هُوَ الْقَبُولُ بِمَعْنَى الثَّوَابِ أَيْ وَالْعِبَادَةُ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الطَّلَبُ كَمَا أَفَادَهُ عِيَاضٌ وَالْأَبِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَا قَوْلُهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. [قَوْلُهُ: يُرِيدُ بِعَمَلِهِ] أَيْ مِمَّا كَانَ قُرْبَةً. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ اللَّهِ بِأَنْ أَرَادَ النَّاسَ فَلَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْقُرْبَةِ كَالتَّجَمُّلِ بِاللِّبَاسِ. [قَوْلُهُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ] هُوَ الرِّيَاءُ الْخَالِصُ وَهُوَ إيقَاعُ الْقُرْبَةِ بِقَصْدِ النَّاسِ فَقَطْ، وَرِيَاءُ الشِّرْكِ وَهُوَ الْعَمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَالنَّاسِ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلِ. وَيُقَالُ لَهُمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ. [قَوْلُهُ: إنَّ أَخْوَفَ] أَيْ إنَّ أَخْوَفَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أَخَافُهَا عَلَيْكُمْ أَيْ أَشَدَّ إخَافَةً. [قَوْلُهُ: لُغَةً الرُّجُوعُ مِنْ أَفْعَالٍ. . . إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا لُغَةً فَهُوَ مُطْلَقُ الرُّجُوعِ أَفَادَهُ تت. وَالتَّحْقِيقُ وَقَوْلُهُ: أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كُفْرٍ وَمَعْصِيَةٍ وَبِدْعَةٍ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: وَالتَّوْبَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ تَوْبَةٌ مِنْ الْكُفْرِ إلَى الْإِيمَانِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى الطَّاعَةِ، وَتَوْبَةٌ مِنْ الْبِدْعَةِ إلَى السُّنَّةِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا أَقْسَامٌ التَّوْبَةُ الْوَاجِبَةُ الَّتِي عَرَّفَهَا الشَّارِحُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ قَدْ تَكُونُ مُسْتَحَبَّةً وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالشُّبُهَاتِ وَهِيَ تَوْبَةُ الزُّهَّادِ، وَكَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ الْغَفْلَةِ إلَى الْيَقِظَةِ وَهِيَ تَوْبَةُ الْمُحِبِّينَ [قَوْلُهُ: إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يَزْنِي مَثَلًا، ثُمَّ أَنَّهُ تَرَكَ الزِّنَا عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ نَادِمًا عَلَى مَا فَعَلَهُ فَهَذِهِ تَوْبَةُ رُجُوعٍ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا إلَى فِعْلٍ مَمْدُوحٍ شَرْعًا الَّذِي هُوَ الْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَعَلَ وَقَوْلُ أَفْعَالٍ أَرَادَ الْجِنْسَ، أَوْ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأَفْرَادِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ أَفْعَالٌ قَلْبِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ. وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْجَوَارِحِيَّةُ فَلَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فِي كُلِّ تَوْبَةٍ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا] هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ شَارِحُ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْمَعْرُوفَ وُجُوبُ التَّوْبَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ، وَحَكَى الْقَرَافِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَكَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ ضَعِيفٌ. وَخُلَاصَةُ الْحَالِ أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْخِلَافِ، وَالصَّغِيرَةَ تُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ قَالَهُ عج إلَّا أَنَّ الذَّنْبَ إنْ كَانَ مَعْلُومًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ تَفْصِيلًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إجْمَالًا، وَتَوْبَةُ الْكَافِرِ إسْلَامُهُ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ قَطْعًا إلَّا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوْ يُغَرْغِرَ، وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ الْعَاصِي مَقْبُولَةٌ قَطْعًا وَقِيلَ ظَنًّا وَتُقْبَلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْغَرْغَرَةِ، وَلَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ فِيهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا لِصِبَاهُ، أَوْ جُنُونِهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ إسْلَامُهُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ عج. [قَوْلُهُ: وَهِيَ النَّدَمُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ الْأَوَّلَ يَتَضَمَّنُ الشَّرْطَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَإِذَا تَأَمَّلْت تَجِدُهَا أَرْكَانًا لَهَا لَا تَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُهَا، إلَّا بِهَا فَجَعْلُهَا شُرُوطًا تَسَامُحٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ [قَوْلُهُ: وَالْإِقْلَاعُ عَنْ الذَّنْبِ] أَيْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِالذَّنْبِ يُقْلِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ حَالًا، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَخْصٍ تَابَ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فِي حَالِ تَعَاطِيهِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ] أَيْ فِي الزَّمَنِ الْحَالِ. [قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إلَّا بِرَفْعِ الْإِصْرَارِ] أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِقْلَاعَ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَالِ وَالنِّيَّةَ أَنْ لَا يَعُودَ اللَّذَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَاهِيَّتُه إلَّا بِهِمَا، أَيْ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ تَتَحَقَّقُ بِدُونِهِمَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ وَالتَّوْبَةَ

وَاعْتِقَادِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَمِنْ التَّوْبَةِ رَدُّ الْمَظَالِمِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا يَعُودَ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَحَدُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَشُرُوطُ الْكَمَالِ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلْيَسْتَغْفِرْ رَبَّهُ وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ لَدَيْهِ) أَيْ عَلَيْهِ (وَيَشْكُرُ فَضْلَهُ عَلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ وَتَرْكِ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ أَوْ قَوْلُهُ) أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَنَدِمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ» . الْحَلِيمِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ التَّوْبَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ النَّدَمِ لِتَتِمَّ التَّوْبَةُ، وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ. وَأَمَّا الْخَوْفُ فَهُوَ تَأَلُّمُ الْقَلْبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا خَالِيَةً عَنْ إصْرَارٍ فَيُفِيدُ أَنَّ لَهَا وُجُودًا وَتَحَقُّقًا بِدُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْمِيمِ] وَأَمَّا بِفَتْحِ الْمِيمِ فَهُوَ مَحَلُّ الْإِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ: وَاعْتِقَادُ. . . إلَخْ قَالَ تت: يَحْتَمِلُ أَنَّ الْوَاوَ عَلَى بَابِهَا فَهُمَا شَيْئَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا بِمَعْنَى، أَوْ فَيَكُونُ الْإِصْرَارُ حَاصِلًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ زَائِدٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَوْرًا وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوْبَةَ فَرِيضَةٌ فِي حَالِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ احْتِرَازًا مِنْ تَوْبَةٍ مُجَامِعَةٍ لِإِصْرَارٍ أَيْ مِنْ حَيْثُ نِيَّتِهَا التَّوْبَةُ يُقْصَدُ حُصُولُهَا فِي الْغَدِ بِأَرْكَانِهَا الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِقَامَةِ عَلَى الذَّنْبِ قَبْلَ الْغَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى التَّرَاخِي. [قَوْلُهُ: رَدُّ الْمَظَالِمِ] إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِمْ إنْ كَانَتْ أَمْوَالًا، وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، أَوْ يَرُدَّهَا لِوَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَا وَجَدَ وَارِثَهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَظْلُومِ، وَإِذَا كَانَتْ أَعْرَاضًا كَقَذْفٍ، أَوْ غِيبَةٍ اسْتَحَلَّ الْمَقْذُوفَ، أَوْ الْمُغْتَابَ إنْ وَجَدَهُ، فَإِنْ وَجَدَهُ مَاتَ فَيُكْثِرَ مِنْ الْحَسَنَاتِ لِيُعْطِيَ مِنْهَا الْمَظْلُومَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ مَنْ لَهُ عَلَيَّ حَقٌّ فَاغْفِرْ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ] شُرُوعٌ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَا شَرَطَ صِحَّةً إلَّا الْأَخِيرُ هَذَا مُرَادُهُ. [قَوْلُهُ: فَوَاجِبَانِ فِي التَّوْبَةِ] أَيْ وَاجِبَانِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي حَالِ التَّوْبَةِ أَنْ يَرُدَّ الْمَظَالِمَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: وَلَيْسَا بِشَرْطَيْنِ فِي صِحَّتِهَا] مُسَلَّمٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُسَلَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقْلَاعَ فِي الْحَالِ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الشَّارِحَ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحَارِمِ أَيْ مَا عَدَا الْمَتُوبَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصِحُّ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الذُّنُوبِ، وَلَكِنْ لَا دَاعِيَ لِذَلِكَ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ. [قَوْلُهُ: وَلْيَسْتَغْفِرْ] أَيْ نَدْبًا أَيْ يَطْلُبُ مِنْ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْتُرَ مَا سَلَفَ مِنْهُ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ مَا يَحِلُّ عَقْدُ الْإِصْرَارِ وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجِنَانِ بِأَنْ يُوَافِقَ مَا فِي قَلْبِهِ لِسَانَهُ لَا مُجَرَّدُ التَّشَدُّقِ بِاللِّسَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحْوِجٌ لِلِاسْتِغْفَارِ وَصَغِيرَةٌ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ] أَيْ نَدْبًا بِأَنْ يَطْمَعَ فِي حُصُولِهَا مَعَ أَخْذِهِ فِي أَسْبَابِ الْحُصُولِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. [قَوْلُهُ: وَيَخَافُ عَذَابَهُ] أَيْ وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَخَافَ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَا يُقْطَعُ بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: وَيَتَذَكَّرُ نِعْمَتَهُ] أَيْ وَهِيَ تَوْفِيقُهُ لِلتَّوْبَةِ وَإِقْدَارُهُ عَلَى الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النِّعْمَةِ يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، أَيْ وَلْيَتَذَكَّرْ إنْعَامَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: فَضْلَهُ عَلَيْهِ] أَيْ إحْسَانَهُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِالْأَعْمَالِ بِفَرَائِضِهِ أَيْ فَالشُّكْرُ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ. وَقَوْلُهُ: مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ، أَوْ قَوْلُهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ فَمَكْرُوهُ الْفِعْلِ الصَّلَوَاتُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَمَكْرُوهُ الْقَوْلِ كَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَعْنِي وَالْمُحَرَّمُ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ ظَاهِرَانِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْتِغْفَارُ] أَيْ أَمَّا كَوْنُ الِاسْتِغْفَارِ شَرْطَ كَمَالٍ. . . إلَخْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُطْلَبُ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ نَعَمْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مَطْلُوبٌ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّجَاءُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى سُنَنِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ ذَكَرَهُ مِنْ حَيْثُ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الرَّجَاءُ فَمِنْ حَيْثُ مَعْنَاهُ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرَّجَاءَ إذَا كَانَ هَذَا تَعْرِيفَهُ يَكُونُ فِي قَوْلِهِ: وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ تَجْرِيدٌ. [قَوْلُهُ: فِي رَحْمَةِ اللَّهِ] أَيْ فِي إنْعَامِ

بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا التَّذَكُّرُ فَهُوَ التَّفْكِيرُ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ. وَأَمَّا الشُّكْرُ فَهُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ وَيَكُونُ بِالْقَلْبِ خُضُوعًا وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَبِالْجَوَارِحِ طَاعَةً وَانْقِيَادًا (وَيَتَقَرَّبُ) التَّائِبُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ) فِعْلُهُ وَإِنْ قَلَّ (مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ) كَالصَّلَاةِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ: «وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثُ. (وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ) التَّائِبُ (مِنْ فَرَائِضِهِ) الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا (فَلْيَفْعَلْهُ الْآنَ) وُجُوبًا عَلَى الْفَوْرِ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ قَضَى مَا اسْتَطَاعَ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ [قَوْلُهُ: وَلَا يَصِحُّ] أَيْ هَذَا الطَّمَعُ أَيْ لَا يَحْسُنُ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَعَ حُسْنِ الطَّاعَةِ] أَيْ وَالطَّاعَةُ الْحَسَنَةُ وَالْوَصْفُ كَاشِفٌ أَيْ وَأَمَّا الطَّمَعُ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِ طَاعَةٍ فَلَيْسَ بِحَسَنٍ بَلْ مَذْمُومٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ الْعِبَارَةِ أَنَّ الرَّجَاءَ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعَ طَاعَةٍ أَمْ لَا وَلَكِنَّ هَذَا الطَّمَعَ، أَوْ الرَّجَاءَ لَا يَحْسُنُ إلَّا مَعَ الطَّاعَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الرَّجَاءُ هُوَ الطَّمَعُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ بِقَيْدِ أَنْ يَكُونَ آخِذًا فِي الْأَسْبَابِ أَيْ بِقَيْدِ الطَّاعَةِ قَالَ تت: وَلَا يَكُونُ الرَّجَاءُ إلَّا مَعَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَهُوَ تَمَنٍّ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَوْفُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مَكْرُوهٍ] أَيْ وَمِنْ مَا صَدَقَاتِ ذَلِكَ الْمَكْرُوهِ عَذَابُ الرَّبِّ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ التَّفَكُّرُ. . . إلَخْ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّجْرِيدِ [قَوْلُهُ: حَيْثُ وَفَّقَهُ لِلتَّوْبَةِ] أَيْ؛ لِيَكُونَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الشُّكْرِ، وَالْوَاضِحُ أَنْ يَقُولَ: التَّفَكُّرُ فِي نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَهِيَ التَّوْفِيقُ لِلتَّوْبَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ نِعْمَتَهُ غَيْرُ التَّوْفِيقِ لِلتَّوْبَةِ، أَوْ عَيْنُ التَّوْبَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّعْمَةِ الْإِنْعَامُ، أَوْ الْمُنْعَمُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشُّكْرُ] فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: بِذِكْرِ إحْسَانِهِ] مُتَعَلِّقٌ بِالثَّنَاءِ أَيْ الثَّنَاءِ بِذِكْرِ إحْسَانِهِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ ذِكْرِ وَتُجْعَلُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ بَيَانًا لِمُتَعَلِّقِ الشُّكْرِ لَا لِلتَّعْدِيَةِ حَتَّى يَكُونَ قَاصِرًا عَلَى الْفِعْلِ اللِّسَانِيِّ مَعَ أَنَّ مَوْرِدَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ عَامٌّ فِي فِعْلِ اللِّسَانِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ خَاصٌّ وَهُوَ الْإِنْعَامُ وَمَوْرِدُهُ عَامٌّ. وَأَمَّا الشُّكْرُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَهُوَ صَرْفُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ. وَقَوْلُهُ: وَيَكُونُ. . . إلَخْ رَاجِعًا لِلثَّنَاءِ أَيْ أَنَّ الثَّنَاءَ فِي حَالِ كَوْنِهِ بِالْقَلْبِ يُسَمَّى خُضُوعًا كَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَرِيمٌ مَثَلًا اعْتِقَادًا جَازِمًا، أَوْ رَاجِحًا، وَلَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِاللِّسَانِ يُقَالُ لَهُ: ثَنَاءٌ وَاعْتِرَافٌ، وَفِي حَالِ كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْجَوَارِحِ طَاعَةٌ، ثُمَّ إنَّ فِي عِبَارَتِهِ تَنَافِيًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَوَّلَهَا يَقْضِي أَنَّ الثَّنَاءَ الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اتِّصَافِ الْمَحْمُودِ بِالصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ اعْتِقَادًا بِالْجِنَانِ، أَوْ قَوْلًا بِاللِّسَانِ أَوْ فِعْلًا بِالْجَوَارِحِ، وَلَيْسَ قَاصِرًا عَلَى ذِكْرِ اللِّسَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَصَرَهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدُ وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً يَقْتَضِي قَصْرَهُ عَلَى اللِّسَانِ وَالْأَوَّلُ هُوَ التَّحْقِيقُ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ لَا يُسَمَّى طَاعَةً كَمَا أَنَّ مَا قَامَ بِالْجَوَارِحِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَمَا قَامَ بِاللِّسَانِ لَا يُسَمَّى خُضُوعًا وَلَا طَاعَةً وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ مَا بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ طَاعَةً بَلْ مِنْ أَفْرَادِ الطَّاعَةِ قَطْعًا، وَيُسْتَفَادُ مِنْ الصِّحَاحِ إطْلَاقُ الْخُضُوعِ عَلَى مَا بِالْجَوَارِحِ، وَعَطْفُ الِاعْتِرَافِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَعَطْفُ الِانْقِيَادِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ] أَيْ بِشَيْءٍ تَيَسَّرَ لَهُ. وَقَوْلُهُ: فِعْلُهُ الْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ فِعْلٌ هُوَ مَا بِمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَهُوَ الْمَوْصُوفُ بِالتَّيَسُّرِ وَالتَّقَرُّبِ بِهِ، فَإِذَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَجْعَلَ مَا عَلَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ الْمُضَافُ لِضَمِيرِهَا عَلَى الْمَصْدَرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ الْمُتَيَسِّرِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَرَّبَ بِهِ هُوَ نَفْسُ الْمُتَيَسِّرِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ] إضَافَةُ النَّوَافِلِ إلَى الْخَيْرِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ إلَى كُلِّيِّهِ؛ لِأَنَّ الْخَيْرَ يَنْقَسِمُ إلَى نَوَافِلَ وَفَرَائِضَ. [قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ] أُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ الصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ [قَوْلُهُ: عَنْ اللَّهِ] أَيْ نَاقِلًا عَنْ اللَّهِ [قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ. . . إلَخْ] تَمَامُ الْحَدِيثِ: «فَإِنْ أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» [قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ضَيَّعَ التَّائِبُ] أَيْ قَبْلَ تَوْبَتِهِ [قَوْلُهُ: الَّتِي أَوْجَبَهَا] أَيْ فَضَمِيرُ فَرَائِضِهِ عَلَى التَّائِبِ. وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِضَافَتُهَا لَهُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِ اللَّهِ أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْفَوْرِ] مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِهِ الْآنَ أَيْ فَيَفْعَلُهُ، وَلَوْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ حَيْثُ تَحَقَّقَ تَرْكَهَا وَإِلَّا تَوَقَّى

شُغْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُرْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ مَثَلًا تَحَرَّى وَاحْتَاطَ لِدِينِهِ بِلَا وَسْوَسَةٍ (وَ) إذَا فَعَلَ التَّائِبُ مَا ضَيَّعَهُ مِنْ الْفَرَائِضِ (فَلْيَرْغَبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي تَقَبُّلِهِ) مِنْهُ وَيَخَافُ (وَيَتُوبُ إلَيْهِ) مِمَّا صَدَرَ مِنْهُ (مِنْ تَضْيِيعِهِ) لِلْفَرَائِضِ (وَلْيَلْجَأْ) أَيْ يَتَضَرَّعُ (إلَى اللَّهِ) تَعَالَى (فِيمَا عَسُرَ عَلَيْهِ مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ) إلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُيَسِّرُ وَالْمُسَهِّلُ بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ، وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ مَلِّكْنَا أَنْفُسَنَا وَلَا تُسَلِّطُهَا عَلَيْنَا (وَ) يَتَضَرَّعُ إلَيْهِ فِيهِ (مُحَاوَلَةِ أَمْرِهِ) أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ رُشْدُهُ وَلَا غَيُّهُ. لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُظْهِرَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِ (مُوقِنًا) أَيْ مُصَدِّقًا (أَنَّهُ الْمَالِكُ لِصَلَاحِ شَأْنِهِ) أَيْ حَالِهِ (وَ) الْمَالِكُ (لِتَوْفِيقِهِ وَتَسْدِيدِهِ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ (لَا يُفَارِقُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ (عَلَى مَا فِيهِ) أَيْ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ هُوَ فِيهَا (مِنْ حَسَنٍ) وَهُوَ الطَّاعَةُ (أَوْ قَبِيحٍ) وَهُوَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222] " وَالتَّوَّابُ هُوَ الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ (وَلَا يَيْأَسُ) أَيْ لَا يَقْنَطُ الْعَبْدُ (مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) تَعَالَى عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْقَاتَ النَّهْيِ. [قَوْلُهُ: مَعَ شُغْلِهِ] أَيْ فَلَا يُوَسَّعُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ إلَّا زَمَنَ اشْتِغَالِهِ فِي نَوْمِهِ، أَوْ ضَرُورِيَّاتِهِ، أَوْ حُضُورِ عِلْمٍ مُتَعَيِّنٍ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّوَافِلُ قَبْلَ قَضَاءِ الْفَرْضِ سِوَى الْمُؤَكَّدِ كَالْوِتْرِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أُدْخِلَ تَحْتَ مَثَلًا الزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ. [قَوْلُهُ: وَيَتُوبُ إلَيْهِ. . . إلَخْ] أَيْ لِمَا نَصُّوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَرَائِضِ عَنْ أَوْقَاتِهَا مِنْ الْكَبَائِرِ [قَوْلُهُ: لِلْفَرَائِضِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ، وَيُحْتَمَلُ إضَافَتُهُ لِلْمَفْعُولِ فَإِنْ قُلْت: إنَّ هَذَا لَا حَاجَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ فِي التَّائِبِ قُلْت: يُحْمَلُ أَوَّلُ الْكَلَامِ عَلَى إنْسَانٍ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فَتَسَبَّبَ عَنْهَا تَرْكُ الْفَرَائِضِ فَتَابَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَاصِي، فَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّائِبَ مِنْ الْمَعَاصِي الْمَذْكُورَةِ يَفْعَلُ مَا ضَيَّعَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَيَتُوبُ مِنْ ذَلِكَ التَّضْيِيعِ. [قَوْلُهُ: مِنْ قِيَادِ نَفْسِهِ] الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: قَادَ الرَّجُلُ الْفَرَسَ قَوْدًا مِنْ بَابِ قَالَ وَقِيَادًا وَقِيَادَةً انْتَهَى. أَيْ كُلُّ مَا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يَقُودُ نَفْسَهُ لِلطَّاعَةِ أَيْ يُمِيلُهَا إلَيْهَا فَيَلْجَأُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُذَلِّلَهَا وَيَجْعَلَ الطَّاعَةَ سَهْلَةً عَلَيْهَا فَشَبَّهَ الْمُصَنِّفُ النَّفْسَ مِنْ حَيْثُ الْإِبَايَةِ بِفَرَسٍ أَبِيَّةٍ عَنْ مَقْصُودِ رَاكِبِهَا عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ بِالْكِنَايَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمُسَهِّلُ] مُرَادِفٌ [قَوْلُهُ: بِيَدِهِ التَّوْفِيقُ وَالتَّسْهِيلُ] كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ التَّيْسِيرُ وَالتَّسْهِيلُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَانَ نُكْتَةُ الْعُدُولِ الْإِشَارَةَ إلَى أَنَّ التَّيْسِيرَ هُوَ التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالتَّسْهِيلُ فَقَدْ جَاءَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يُسْأَلُ عَنْ نُكْتَتِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِيمَا يُشْكِلُ] حَاصِلُ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُحَاوَلَةَ مَصْدَرُ حَاوَلَهُ أَيْ رَامَهُ وَطَلَبَهُ إلَّا أَنَّهَا هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَالتَّقْدِيرُ فِي أَمْرِهِ الْمُحَاوَلِ أَيْ الْمَطْلُوبِ الْوُقُوفُ عَلَى صِفَتِهِ هَلْ هِيَ الرُّشْدُ، أَوْ الْغَيُّ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُشْكِلًا فَيَكُونَ تَفْسِيرُ الشَّارِحِ تَفْسِيرًا بِاللَّازِمِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ. [قَوْلُهُ: مُوقِنًا. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَالتَّضَرُّعُ مِنْ غَيْرِ يَقِينٍ كَلَا شَيْءَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَالِكُ. . . إلَخْ] لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: لِتَوْفِيقِهِ. . . إلَخْ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَوْ الْعَكْسُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى الطَّاعَةِ] أَيْ أَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الطَّاعَةِ هَذَا مَعْنَاهُ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ وَالتَّسْدِيدَ وَصْفُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِوَصْفِ الْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِقَامَةُ، وَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ سَبَبِ الِاسْتِقَامَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا ذُكِرَ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ مَا يُقَالُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ فَكَيْفَ يُشَارُ لَهُ بِإِشَارَةِ الْمُفْرَدِ. [قَوْلُهُ: هُوَ فِيهَا] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَائِدَ عَلَى مَا ضَمِيرٌ فِيهِ وَمَا وَاقِعَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَصَدْرُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَمَّا كَانَ يَسْتَقِلُّ بِالْوَصْلِ لَمْ يَبْقَ عَلَى إرَادَةِ الْمَحْذُوفِ دَلِيلٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ] أَيْ الْمُتَجَدِّدُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّائِبِ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ اللَّجَأِ وَالْيَقِينِ. وَقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ عِلَّةً لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَلَا يَمْنَعُهُ الذَّنْبُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ فَيَتُوبَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: 222]] صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ تَقْتَضِي مَحَبَّةَ الرَّجَاءِ الْعَائِدِ لِلتَّوْبَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَقْنَطُ] قَنِطَ يَقْنَطُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَتَعِبَ فَهُوَ قَانِطٌ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَالْمُرَادُ بِالْقُنُوطِ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] (وَالْفِكْرَةُ) أَيْ التَّفَكُّرُ (فِي أَمْرِ اللَّهِ) تَعَالَى أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ (مِفْتَاحُ الْعِبَادَةِ وَاسْتَعِنْ) عَلَى نَفْسِك (بِذِكْرِ الْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَادِمِ اللَّذَّاتِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا تَفَكَّرَ فِي الْمَوْتِ قَصُرَ أَمَلُهُ وَكَثُرَ عَمَلُهُ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ كَثُرَ أَمَلُهُ وَقَلَّ عَمَلُهُ» . (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا (بِالْفِكْرَةِ فِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَشَدُّ مِمَّا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ كَحَزْقَةِ الْقَبْرِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالْفِكْرَةِ (فِي نِعْمَةِ رَبِّك عَلَيْك) ؛ لِأَنَّك إذَا تَفَكَّرْت فِي نِعَمِهِ عَلَيْك اسْتَحْيَيْت أَنْ تُبَارِزَهُ بِالْمَعَاصِي وَهُوَ يُنْعِمُ عَلَيْك (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالْفِكْرَةِ (فِي إمْهَالِهِ لَك) وَأَنْتَ تَعْصِيهِ (وَ) فِي (أَخْذِهِ لِغَيْرِك) مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ (بِذَنْبِهِ) فِي الْحَالِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ (فِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ (سَالِفِ ذَنْبِك) وَخَفْ الْأَخْذَ بِهِ (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ فِي (عَاقِبَةِ أَمْرِك) إذْ لَا تَدْرِي بِمَاذَا يَخْتِمُ اللَّهُ لَك (وَ) اسْتَعِنْ عَلَيْهَا أَيْضًا بِالتَّفَكُّرِ فِي (مُبَادَرَةِ) أَيْ مُسَارَعَةِ (مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ مِنْ أَجَلِك) هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَيُقِلُّ الْأَمَلَ وَالْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا، وَلِأَنَّهُ إذَا تَفَكَّرَ فِي الْمَوْتِ أَتَاهُ وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ لَهُ وَإِلَّا أَتَاهُ بَغْتَةً فَيَنْدَمُ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ، فَيَا لَطِيفُ اُلْطُفْ بِنَا فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ لَنَا إلَّا بِك وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِبْعَادُ الْعَفْوِ عَنْ الذُّنُوبِ لِاسْتِعْظَامِهَا لَا إنْكَارُ سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ] أَيْ فِي حَالِ كَوْنِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: السُّوءِ] هُوَ الْمَعْصِيَةُ [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِيَاسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُ كُفْرٌ لَا كَبِيرَةٌ، فَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ الْمُرَادُ بِكُفْرَانِهَا تَرْكُ شُكْرِهَا فَلَا يُوجَدُ شُكْرٌ عَلَيْهَا إلَّا بِالْقَلْبِ وَلَا بِاللِّسَانِ إذْ لَوْ وُجِدَ بِالْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ تَرْكِ الشُّكْرِ بِهَا كُفْرًا وَرَوْحُ اللَّهِ رَحْمَتُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ التَّفَكُّرُ. . . إلَخْ] أَيْ النَّظَرُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِكْرَةَ اسْمٌ لِلتَّفَكُّرِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَخْلُوقَاتِهِ] أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ ضِدُّ النَّهْيِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ فِعْلُهُ أَيْ مَفْعُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَفَكِّرَ إذَا تَفَكَّرَ وَنَظَرَ فِي مَصْنُوعَاتِ خَالِقِهِ عَلِمَ وُجُوبَ وُجُودِهِ وَكَمَالَ قُدْرَتِهِ وَحَقِيقَةَ رُبُوبِيَّتِهِ فَيَجِدُّ فِي عِبَادَتِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنْ لَا يَتَفَكَّرَ فِي ذَاتِهِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى إدْرَاكِهَا وَدَخَلَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ نَفْسُ الشَّخْصِ فَيُسْتَدَلُّ بِالنَّظَرِ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ وُجُودِ صَانِعِهِ. [قَوْلُهُ: هَاذِمِ اللَّذَّاتِ] بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ قَاطِعِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ مِنْ هَدَمَ الْبِنَاءَ وَالْمُرَادُ الْمَوْتُ وَهُوَ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ إمَّا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُزَهِّدُ فِيهَا، أَوْ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ مَا يُبْقِي مِنْ لَذَائِذِ الدُّنْيَا شَيْئًا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ شَارِحُ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: أَمَلُهُ] يُقَالُ أَمَلْته أَمَلًا تَرَقَّبْته كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ فَالْمَعْنَى قَصُرَ تَرَقُّبُهُ لِلْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ] مِنْ بَابِ قَعَدَ [قَوْلُهُ: كَحَزْقَةِ الْقَبْرِ] أَيْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَضْلَاعُ لَا ضَمَّةُ الْقَبْرِ الَّتِي هِيَ كَضَمَّةِ الْوَالِدَةِ الشَّفُوقَةِ لِوَلَدِهَا، وَأُدْخِلَ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ: كَحَزْقَةِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ وَالْحَشْرُ وَالنَّشْرُ وَالْحِسَابُ وَالْعِقَابُ وَالنَّارُ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي كَوْنِ كُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ أَشَدَّ مِنْ الْمَوْتِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: أَنْ تُبَارِزَهُ بِالْمَعَاصِي] أَيْ تُقَابِلَهُ بِالْمَعَاصِي [قَوْلُهُ: فِي إمْهَالِهِ لَك] أَيْ تَأْخِيرِهِ لَك تَارِكًا عُقُوبَتَك [قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ] مِثْلُ قَوْمِ نُوحٍ وَصَالِحٍ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ إذَا رَأَيْت رَبَّك يُوَالِي عَلَيْك نِعَمَهُ فَاحْذَرْهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ. [قَوْلُهُ: إذْ لَا تَدْرِي] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: يَنْبَغِي لَك يَا أَخِي أَنْ لَا تُخَيِّرَ نَفْسَك عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّك لَا تَدْرِي مَا الْخَاتِمَةُ فَيَحْمِلُك ذَلِكَ عَلَى هَضْمِ النَّفْسِ وَتَرْكِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَمَحَبَّةِ الْغَيْرِ وَعَلَى عَدَمِ الْعَظَمَةِ عَلَى الْإِخْوَانِ [قَوْلُهُ: مِنْ أَجَلِك] بَيَانٌ لِمَا أَيْ مُسَارَعَةُ أَجَلِك الَّذِي عَسَى الْأَجَلُ أَيْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَرُبَ فَافْتَعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هَلْ هُوَ يَوْمٌ أَيْ هَلْ هُوَ نِهَايَةُ يَوْمٍ يَأْتِي، أَوْ نِهَايَةُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ مُسَارَعَةٍ بَدَلَ اشْتِمَالٍ أَيْ تَفَكَّرْ هَلْ هُوَ أَيْ الْأَجَلُ نِهَايَةُ يَوْمٍ، أَوْ أَقَلُّ، وَلَمْ يَقُلْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْرِضِ مَا يُقْصَرُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ] أَيْ التَّفَكُّرَ فِي الْمُبَادَرَةِ يَسْهُلُ [قَوْلُهُ: بَغْتَةً] أَيْ إتْيَانُ بَغْتَةٍ.

[باب في بيان الفطرة]

[44 - بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ (الْفِطْرَةِ) أَيْ الْخِصَالُ الَّتِي يَكْمُلُ الْمَرْءُ بِهَا حَتَّى يَكُونَ عَلَى أَفْضَلِ الصِّفَاتِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْخِتَانِ وَ) حُكْمِ (حَلْقِ الشَّعْرِ) صَرَّحَ بِهَذَيْنِ وَإِنْ كَانَا دَاخِلَيْنِ فِي الْفِطْرَةِ دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِمَا (وَ) فِي بَيَانِ مَا يَجُوزُ مِنْ (اللِّبَاسِ) وَمَا لَا يَجُوزُ (وَ) فِي بَيَانِ (سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَ) فِي بَيَانِ (مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ أَوْ نَهَى عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ كَالصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ، وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ) أَوَّلُهَا (قَصُّ الشَّارِبِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قُصُّوا الشَّارِبَ» فَسَّرَهُ مَالِكٌ بِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ (وَهُوَ الْإِطَارُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا (وَهُوَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ الْفِطْرَةِ] بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْخِصَالِ] أَيْ بَعْضِ الْخِصَالِ الَّتِي يَكْمُلُ بِهَا الْمَرْءُ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِابْنِ عُمَرَ. وَفَسَّرَهَا الْفَاكِهَانِيُّ بِالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: الْمَرْءُ] بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمُّهَا لُغَةٌ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَ لُغَةً قَاصِرًا عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا امْرَأَةٌ بِالتَّاءِ، أَيْ الَّتِي يُحْكَمُ بِكَمَالِ الْمَرْءِ بِسَبَبِهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى أَفْضَلِ الصِّفَاتِ أَيْ أَفْضَلِ الْهَيْئَاتِ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ حُكْمِ الْخِتَانِ] أَيْ وَالْخِفَاضِ أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ. [قَوْلُهُ: صَرَّحَ بِهَذَيْنِ] أَيْ الْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ، وَقَيَّدَ بِالْحُكْمِ فِي هَذَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِهِ فِي الْفِطْرَةِ الشَّامِلَةِ لِهَذَيْنِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ إلَّا فِي هَذَيْنِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ حَلْقَ غَيْرِ الْعَانَةِ لَيْسَ مِنْ الْفِطْرَةِ، وَهُوَ إنَّمَا صَرَّحَ بِالْحُكْمِ فِيهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلْقِ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَلْقِ حَلْقُ الشَّعْرِ غَيْرِ الْعَانَةِ وَلَا يَحْتَاجُ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ كَوْنِهِ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ. [قَوْلُهُ: دَلَالَةً عَلَى تَأَكُّدِهِمَا] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ خُصُوصُ الْعَانَةِ لِأَنَّ حَلْقَ غَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ جَائِزٌ فَلِذَلِكَ احْتَاجَ لِلِاعْتِذَارِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْحُكْمِ إلَّا فِي غَيْرِ الْعَانَةِ، وَأَفَادَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّ حَلْقَ الْعَانَةِ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّأْكِيدِ إلَّا فِي الْخِتَانِ فَانْظُرْهُ. وَعَلَّلَ تت فِي الْخِتَانِ بِالرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ بِالْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: مِنْ اللِّبَاسِ] اللِّبَاسُ مَا يُلْبَسُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمِصْبَاحِ فَحِينَئِذٍ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ فِيمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ مِنْ اللِّبَاسِ. . . إلَخْ [قَوْلُهُ: وَفِي بَيَانِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ] أَيْ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ بِهِ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَيُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ [قَوْلُهُ: أَيْ مِمَّا ذُكِرَ] أَيْ فَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ. [قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْبَابِ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَقَارُبُ الْمَعْنَى بَلْ مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ عَقِبَهُ وَأَنَّ الْبَابَ جَمَعَهُمَا. [قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِمَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ] لَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخِصَالَ بِتَمَامِهَا، وَهَذَا يُفِيدُ خِلَافَهُ فَيُقَدَّرُ فِي التَّرْجَمَةِ مُضَافٌ كَمَا بَيَّنَّا لِيَلْتَئِمَ الْكَلَامُ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفِطْرَةِ خَمْسٌ] التَّعْبِيرُ بِمِنْ يُفِيدُ أَنَّ الْخِصَالَ أَكْثَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ الْفِطْرَةُ عَشَرَةٌ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ فَاَلَّتِي فِي الرَّأْسِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ، وَقِيلَ الْخَامِسُ إعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالْخَمْسَةُ الَّتِي فِي الْجَسَدِ نَتْفُ الْجَنَاحَيْنِ وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْخِتَانُ وَالِاسْتِنْجَاءُ [قَوْلُهُ: قَصُّ الشَّارِبِ] هِيَ قُصَّةٌ خَفِيفَةٌ فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ لِلْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: فَسَّرَهُ] أَيْ فَسَّرَ الشَّارِبَ الْمَطْلُوبَ قَصُّهُ لَا الشَّارِبَ مُطْلَقًا.

الْإِطَارُ (طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرُ عَلَى الشَّفَةِ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ فِي قَصِّهِ (لَا إحْفَاؤُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ اسْتِئْصَالُهُ (وَ) ثَانِيهَا (قَصُّ الْأَظْفَارِ) لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ الْجُمُعَةِ لِلْجُمُعَةِ وَلَا حَدَّ فِي الْبُدَاءَةِ فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ (وَ) ثَالِثُهَا (نَتْفُ الْجَنَاحَيْنِ) أَيْ الْإِبْطَيْنِ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّتْفِ فَلَهُ حَلْقُهُ بِالْحَدِيدِ وَتَنْوِيرُهُ بِالنُّورَةِ (وَ) رَابِعُهَا (حَلْقُ الْعَانَةِ) سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا تَنْتِفُهَا الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ: إنْ كَانَ مُسْتَنِدًا لِقَوْلِ يَحْيَى فِي الْمُوَطَّأِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْإِطَارُ وَلَا يَجُزُّهُ فَيَمْتَثِلُ بِنَفْسِهِ، زَادَ بَعْضُهُمْ فِي النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ وَيُؤَدَّبُ مَنْ جَزَّ شَارِبَهُ وَيُبَالَغُ فِي عُقُوبَتِهِ لِأَنَّ حَلْقَهُ مُثْلَةٌ وَهُوَ فِعْلُ النَّصَارَى اهـ. فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ الْإِطَارُ يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِطَرَفِ الشَّفَةِ كَمَا يُفِيدُهُ الْبَاجِيُّ فَقَدْ قَالَ: الْإِطَارُ مَا احْمَرَّ مِنْ طَرَفِ الشَّفَةِ وَهُوَ جَوَانِبُ الْفَمِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِطَارُ] أَيْ وَالشَّارِبُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ الْإِطَارُ بِوَزْنِ كِتَابٍ. [قَوْلُهُ: الشَّعْرِ] أَيْ النَّابِتِ عَلَى الشَّفَةِ، وَقَوْلُهُ: الْمُسْتَدِيرُ صِفَةٌ لِطَرَفِ الشَّعْرِ وَالِاسْتِدَارَةُ بِالشَّيْءِ الْإِحَاطَةُ بِهِ، فَالْمَعْنَى الْمُحِيطُ بِالشَّفَةِ هَذَا مَعْنَاهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا النَّازِلُ عَلَى طَرَفِ الشَّفَةِ وَهُوَ مَا احْمَرَّ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: هَذَا هُوَ السُّنَّةُ] أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ قَصُّ الطَّرَفِ هُوَ السُّنَّةُ [قَوْلُهُ: لَا إحْفَاؤُهُ] أَيْ لَا إحْفَاؤُهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي قَصِّهِ هَذَا مَدْلُولُهُ، فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَصَّ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْإِحْفَاءَ وَأَخْذَ الطَّرَفِ، وَلَكِنَّ الْمَطْلُوبَ إنَّمَا هُوَ الْقَصُّ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِطَارَ وَالشَّارِبَ بِمَعْنًى أَيْ طَرَفُ الشَّعْرِ الْمُسْتَدِيرُ كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِقَوْلِ بَعْضٍ إنَّ الشَّارِبَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الشَّعْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. تَنْبِيهٌ: أَخَذَ مَالِكٌ بِخَبَرِ «قُصُّوا الشَّارِبَ» وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِمَا السُّنَّةُ جُزْءٌ بِخَبَرِ: «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى» قَالَ تت: وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِأَنْ يَقُصَّ مِنْ أَعْلَاهُ وَيَحْلِقَ مِنْ طَرَفِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ إبْرَاهِيمُ وَهَلْ السَّبَّالَتَانِ كَذَلِكَ أَيْ يَقُصُّهُمَا أَوْ لَا بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ فَتَلَهُمَا وَلَمْ يَقُصَّهُمَا، وَفَعَلَهُ مَالِكٌ قَوْلَانِ، وَفِي الْقَصِّ فَوَائِدُ؛ تَسْهِيلُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَزِيَادَةُ الْفَصَاحَةِ وَزَوَالُ الْأَدْرَانِ وَتَحْسِينُ الْهَيْئَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ اسْتِئْصَالُهُ] أَيْ زَوَالُهُ مِنْ أَصْلِهِ [قَوْلُهُ: وَثَانِيهَا قَصُّ الْأَظْفَارِ] هُوَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مَا عَدَا الْمُحْرِمَ وَالْمَيِّتَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي. . . إلَخْ] أَيْ لَيْسَ لِلْقَصِّ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِطْرَةِ حَدٌّ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَرَى إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى مِثْلِهَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ، وَظَاهِرُهُ كَظَاهِرِ تت حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى مِثْلِهِ خُصُوصُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَمَا يَعْتَقِدُهُ الْعَوَامُّ عِنْدَنَا مِنْ التَّحَرُّجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ قَصُّهَا بِالْأَسْنَانِ وَهُوَ مِمَّا يُورِثُ الْفَقْرَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: وَلَا حَدَّ فِي الْبُدَاءَةِ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَا فِي غَيْرِهَا، فَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ لَا حَدَّ مَنْدُوبٌ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ فَإِنَّ الْمَازِرِيَّ أَنْكَرَ عَلَى الْغَزَالِيِّ قَوْلَهُ: يَبْدَأُ بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ مَا يَلِيهَا، ثُمَّ يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى عَلَى صِفَةٍ دَائِرَةٍ فَإِذَا أَتَمَّهَا خَتَمَ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى قَائِلًا إنَّ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ لَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ [قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبْطَيْنِ] تَفْسِيرٌ لِلْجَنَاحَيْنِ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ نَتْفُ شَعْرِ الْإِبْطَيْنِ وَيُنْدَبُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَالْبُدَاءَةُ بِالْأَيْمَنِ. [قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِذَلِكَ] أَيْ بِالْجَنَاحَيْنِ مُرِيدًا الْإِبْطَيْنِ [قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ] أَيْ الْمُصَرِّحَةِ لِأَنَّ الْجَنَاحَ إنَّمَا هُوَ لِلطَّائِرِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ [قَوْلُهُ: وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّتْفِ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَدْبِ النَّتْفِ فَغَيْرُهُ مِنْ الْحَلْقِ وَالنُّورَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا يُفِيدُهُ التَّحْقِيقُ [قَوْلُهُ: فَلَهُ حَلْقُهُ بِالْحَدِيدِ] أَيْ فَيُؤْذَنُ لَهُ فِي حَلْقِهِ بِالْحَدِيدِ، أَيْ لِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سُنَّةٌ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ تَتَحَقَّقُ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ النَّتْفِ

ذَلِكَ يَضُرُّ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرْخِي الْمَحَلُّ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ، وَيَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالنُّورَةِ (وَلَا بَأْسَ بِحَلَاقِ غَيْرِهَا) أَيْ الْعَانَةِ (مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ فَحَلْقُ ذَلِكَ مِنْهُنَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بِهِنَّ مُثْلَةٌ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَسَدِ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ لِأَنَّ حَلْقَهُمَا بِدْعَةٌ (وَ) خَامِسُهَا (الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ) وَهُوَ زَوَالُ الْغُرْلَةِ مِنْ الذَّكَرِ (سُنَّةٌ) زَادَ فِي الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ أَيْ مُؤَكَّدَةٌ، صَرَّحَ بِحُكْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: (وَالْخِفَاضُ فِي النِّسَاءِ) وَهُوَ قَطْعُ النَّاتِئِ فِي أَعْلَى فَرْجِ الْأُنْثَى كَأَنَّهُ عُرْفُ الدِّيكِ (مَكْرُمَةٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ كَرَامَةٌ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. (وَأَمَرَ النَّبِيُّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَطَّأِ (أَنْ تُعْفَى) أَيْ تُوَفَّرُ (اللِّحْيَةُ) وَقَوْلُهُ: (وَتُوَفَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الْإِمْكَانِ فَغَيْرُهُ عِنْدَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَظَاهِرُهُ كَغَيْرِهِ اسْتِوَاءُ الْحَلْقِ وَالنُّورَةِ وَهِيَ بِضَمِّ النُّونِ مَعْرُوفَةٌ [قَوْلُهُ: حَلْقُ الْعَانَةِ] هِيَ مَا فَوْقَ الْعَسِيبِ وَالْفَرْجِ وَمَا بَيْنَ الدُّبُرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ [قَوْلُهُ: وَلَا تَنْتِفُهَا الْمَرْأَةُ] أَيْ وَلَا الرَّجُلُ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَالْعِلَّةُ رُبَّمَا أَنْتَجَتْ التَّحْرِيمَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَهْلُ مِصْرَ يَنْتِفُونَ شَعْرَ الْعَانَةِ وَهُوَ مِنْ التَّنْمِيصِ وَيُرْخِي الْمَحَلَّ وَيُؤْذِيهِ وَيُبْطِلُ كَثِيرًا مِنْ مَنَافِعِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَسْتَرْخِي الْمَحَلُّ] أَيْ بِهِ [قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ إزَالَتُهَا] أَيْ الْعَانَةِ مُطْلَقًا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى فَالْحَلْقُ أَحْسَنُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى الْحَلْقُ وَبَعْدَهُ الْإِزَالَةُ بِالنُّورَةِ وَالنَّتْفُ يُكْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْحَلْقُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِلْفَرْجِ وَلِأَنَّ نَزْعَهُ بِالنُّورَةِ يُشْبِهُ الزَّعْرَاءَ الَّتِي لَمْ يَنْبُتْ لَهَا شَعْرٌ وَذَلِكَ عَيْبٌ كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ تَنَوَّرَ قَلِيلًا. [قَوْلُهُ: مِنْ شَعْرِ الْجَسَدِ] كَشَعْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا حَتَّى شَعْرِ حَلْقَةِ الدُّبُرِ [قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ] الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ، وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَيْ أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ صَرَّحَ بِالْإِبَاحَةِ وَقِيلَ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ مُبَاحٌ [قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّسَاءُ. . . إلَخْ] أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إزَالَةُ مَا فِي إزَالَتِهِ جَمَالٌ وَلَوْ شَعْرَ اللِّحْيَةِ إنْ نَبَتَ لَهَا لِحْيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إبْقَاءُ مَا فِي إبْقَائِهِ جَمَالٌ فَيُحَرَّمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِهَا [قَوْلُهُ: وَاحْتَرَزَ بِالْجَسَدِ] عِبَارَتُهُ تُفِيدُ أَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ مِنْ الْجَسَدِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهُ وَهُوَ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ لِابْنِ نَاجِي فَالْأَحْسَنُ قَوْلُ ق: وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَلْقَهُمَا بِدْعَةٌ] أَيْ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ فِي اللِّحْيَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَلْقُ لِحْيَتِهَا وَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ فِي الرَّأْسِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَيْضًا لَا الْمَرْأَةِ، فَإِنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمَا ذَكَرْته مِنْ الْكَرَاهَةِ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَحَاصِلُ مَا يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَوْلَيْنِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رُجِّحَ. وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ: الْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ الْحَلْقِ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْمُتَعَمِّمِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ لَمْ يُبْقِهِ لِهَوَى نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ أَوْ يُحَرَّمُ وَقَالَ بَعْضٌ مَا مَعْنَاهُ إنَّ عَدَمَ حَلْقِ الرَّأْسِ الْيَوْمَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ إبْقَاءُ الشَّعْرِ شِعَارَ مَنْ يَدَّعِي الْوِلَايَةَ فَإِبْقَاؤُهُ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ. [قَوْلُهُ: الْخِتَانُ لِلرِّجَالِ] أَرَادَ بِالرِّجَالِ الذُّكُورَ كَانُوا بَالِغِينَ أَوْ غَيْرَ بَالِغِينَ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، إلَّا أَنَّ الْبَالِغَ يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ لِحُرْمَةِ نَظَرِ عَوْرَةِ الْكَبِيرِ، وَسُنَّةِ الْخِتَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهِ وَكَذَا الْخُنْثَى يُؤْمَرُ بِخَتْنِ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ زَوَالُ الْغُرْلَةِ] بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَهِيَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ غِشَاءُ الْحَشَفَةِ. تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ خِتَانُ الصَّبِيِّ إذَا أُمِرَ بِالصَّلَاةِ مِنْ سَبْعٍ إلَى عَشَرَةٍ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُخْتَنَ فِي السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِ لِأَنَّهُ عَادَةُ الْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَتَأَمَّلْ حَاصِلَ مَا يُفِيدُهُ الْمَقَامُ. [قَوْلُهُ: زَادَ فِي الضَّحَايَا وَاجِبَةٌ] أَيْ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ فَيُزَادُ هُنَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَجُوزُ إمَامَةُ تَارِكِهِ اخْتِيَارًا وَلَا شَهَادَتُهُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا فَقِيلَ يَجْزِيهِ وَقِيلَ: يُجْرِي الْمُوسَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يُقْطَعُ قُطِعَ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَالْخِفَاضُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يُنْدَبُ فِيهِ السَّتْرُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْفَاعِلَةِ وَالْمَفْعُولِ لَهَا وَلِذَلِكَ لَا يُصْنَعُ

وَلَا تُقَصُّ) تَأْكِيدٌ وَقَوْلُهُ: (قَالَ مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ) بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ الْأَخْذُ (مِنْ طُولِهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا) وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ (وَ) مَا قَالَهُ مَالِكٌ (قَالَهُ) قَبْلَهُ (غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ (مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. (وَيُكْرَهُ صِبَاغُ الشَّعْرِ) الْأَبْيَضِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الشُّقْرَةِ (بِالسَّوَادِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ) فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَالْجِهَادِ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ. وَأَمَّا فِي الْجِهَادِ لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ الشَّبَابَ فَيُؤْجَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْخِفَاضِ طَعَامٌ بِخِلَافِ الْخِتَانِ فَيَجُوزُ أَنْ يُشْهَرَ وَيُدْعَى إلَيْهِ النَّاسُ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ] أَيْ لَا سُنَّةً كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَنُكْتَةُ الْعُدُولِ عَنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ إلَى اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ اتِّبَاعُ لَفْظِ الْحَدِيثِ. [قَوْله: لِأَمْرِهِ] أَيْ لِقَوْلِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ فَتَدَبَّرْ. . [قَوْلُهُ: فِي الْمُوَطَّأِ] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى» وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْقَصِّ مُثْلَةٌ، وَلِلنَّدَبِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مُثْلَةٌ وَلَمْ تَطُلْ كَثِيرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَهُوَ مِنْ إقَامَةِ الْمُسَبَّبِ مَقَامَ السَّبَبِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِعْفَاءِ التَّرْكُ وَتَرْكُ الْقَصِّ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْبِيرَهَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ. [قَوْلُهُ: تُعْفَى] مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ. [قَوْلُهُ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -] سَيَأْتِي يَقُولُ فِي الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ تُعُورِفَتْ لَفْظَةُ الرِّضَا فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْأَكَابِرِ وَمَالِكٌ مِنْهُمْ فَالْمُنَاسِبُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرِّضَا بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ أَوْ إرَادَتِهِ أَمَّا الرَّحْمَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا وَاضِحٌ. وَأَمَّا الرِّضَا فَلِمَا ذَكَرَهُ الْغُنَيْمِيُّ مِمَّا ذَكَرْته. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَمَّا قَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ. . . إلَخْ. فَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَقِبَ الْحَدِيثِ كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ [قَوْلُهُ: مِنْ طُولِهَا] وَكَذَا يُنْدَبُ الْأَخْذُ مِنْ عَوَارِضِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي. [قَوْلُهُ: إذَا طَالَتْ كَثِيرًا] أَيْ لَا إنْ لَمْ تَطُلْ أَوْ طَالَتْ قَلِيلًا، وَفَسَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْكَثْرَةَ بِأَنْ خَرَجَتْ عَنْ الْمُعْتَادِ لِغَالِبِ النَّاسِ، أَيْ فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُصَّ الزَّائِدَ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يَقْبُحُ بِهِ الْمَنْظَرُ فَإِنْ قُلْت: وَمَا حُكْمُ الْقَصِّ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ؟ قُلْت: صَرَّحَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْقَصُّ إنْ لَمْ تَكُنْ طَالَتْ كَالْحَلْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْحُرْمَةِ كَمَا أَفَدْنَاك سَابِقًا إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِالْقَصِّ مُثْلَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ أَوْ الطُّولِ الْقَلِيلِ وَتَجَاوَزَ فِي الْقَصِّ. وَأَمَّا إذَا طَالَتْ قَلِيلًا وَكَانَ الْقَصُّ لَا يَحْصُلُ بِهِ مُثْلَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَحُرِّرَ. [قَوْلُهُ: وَالْمَعْرُوفُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ مِنْهَا] أَيْ أَنَّهَا إذَا طَالَتْ كَثِيرًا وَقُلْنَا: لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا فَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلَيْنِ الْمَعْرُوفُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْأَخْذِ أَيْ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا تَحْسُنُ بِهِ الْهَيْئَةُ، وَمُقَابِلُ الْمَعْرُوفِ مَا قَالَهُ الْبَاجِيُّ: إنَّهُ يَقُصُّ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ كَانَا يَأْخُذَانِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْمُقَابِلَ لَا يَقْضِي بِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُفَادُ شَارِحِنَا فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِكَثْرَةِ الطُّولِ كَثْرَةٌ يَكُونُ بِهَا تَشْوِيهٌ وَشُهْرَةٌ فَذَلِكَ الْمُسْتَثْنَى هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إذَا طَالَتْ كَثِيرًا فَلَا مَعْنَى لِلْإِتْيَانِ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ تَفْسِيرَ الطُّولِ الْكَثِيرِ. [قَوْلُهُ: لِنَحْوِ الشُّهْرَةِ] أَيْ جِهَةِ الشُّهْرَةِ أَيْ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ، أَيْ الِاشْتِهَارِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ فِي جِهَةِ الشُّهْرَةِ يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَهِرَ فَالْمَقْصُودُ ذَلِكَ اللَّازِمُ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا بِحَيْثُ تَشْتَهِرُ. [قَوْلُهُ: وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ. . . إلَخْ] تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَوْ دَلِيلٌ لَهُ كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: أَيْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ] لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَصْدُقُ بِاثْنَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً لَا مَا يَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّقْوِيَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِمُوَافَقَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا هُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْقَصْدِ الْقُوَّةَ فِي الْجُمْلَةِ، وَيَحْتَمِلُ وَهُمْ الْأَكْثَرُ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْقُوَّةِ الْكَامِلَةَ، وَالْمُقَابِلُ لِقَوْلِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا وَلَوْ طَالَتْ بِحَيْثُ صَارَتْ لَحَدِّ الشُّهْرَةِ أَيْ يُكْرَهُ الْأَخْذُ جُمْلَةً إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِحَمْلٍ لَا بَأْسَ لِمَا غَيْرُهُ خَيْرٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ أَكْثَرَ مِنْ

عَلَيْهِ (وَ) أَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ فَ (لَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ) بِالْمَدِّ (وَبِالْكَتْمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ وَرَقُ السَّلَمِ وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ، وَكَلَامُهُ مُحْتَمِلٌ لِلنَّدَبِ وَالْإِبَاحَةِ وَهِيَ أَقْرَبُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّوَادَ صَرْفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لِأَنَّ مَالِكًا مِنْهُمْ وَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ بِمُخَالَفَةِ مَنْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ يَكُونُ نَقْضًا لِإِجْمَاعِهِمْ فَتَدَبَّرْ. تَتِمَّةٌ: نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَنَكِ حَتَّى قَالَ: إنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ حَلْقَهُ مِنْ الزِّينَةِ فَتَكُونُ إزَالَتُهُ مِنْ الْفِطْرَةِ وَيُجْمَعُ بِحَمْلِ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى بَقَائِهِ تَضَرُّرُ الشَّخْصِ وَلَا تَشْوِيهُ خِلْقَتِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُ عَلَى بَقَائِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَرَفَةَ جَوَازَ إزَالَةِ شَعْرِ الْخَدِّ وَنُدِبَ قَصُّ شَعْرِ الْأَنْفِ لَا نَتْفُهُ لِأَنَّ بَقَاءَهُ أَمَانٌ مِنْ الْجُذَامِ وَنَتْفُهُ يُورِثُ الْأَكْلَةَ، وَيَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ الْعَنْفَقَةِ كَمَا يَحْرُمُ إزَالَةُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ وَإِزَالَةُ الشَّيْبِ مَكْرُوهَةٌ كَمَا يُكْرَهُ تَخْفِيفُ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ بِالْمُوسَى تَحْسِينًا وَتَزْيِينًا. . [قَوْلُهُ: مِنْ الشُّقْرَةِ] أَيْ وَمَا فِي مَعْنَى الشُّقْرَةِ الْأَبْيَضِ مِنْ ذِي الشُّقْرَةِ أَوْ وَمَا فِي مَعْنَى الْبَيَاضِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَبْيَضَ مِنْ نَفْسِ الشُّقْرَةِ وَالشُّقْرَةُ مِنْ الْأَلْوَانِ كَمَا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ حُمْرَةٌ تَعْلُو بَيَاضًا فِي الْإِنْسَانِ وَحُمْرَةٌ صَافِيَةٌ فِي الْخَيْلِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ] لَمَّا كَانَتْ الْكَرَاهَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّنْزِيهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ هُنَا، وَتُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ دَفَعَ هَذَا الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ تت إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّهَا مَتَى أُطْلِقَتْ لَا تَنْصَرِفُ إلَّا لِلتَّنْزِيهِ. [قَوْلُهُ: أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَيَحْرُمُ] أَيْ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَوَّدَ لِحْيَتَهُ لِلَوْنِهَا الْأَبْيَضِ، وَكَذَا مُرِيدُ نِكَاحِ امْرَأَةٍ فَيَصْبُغُ شَعْرَ لِحْيَتِهِ الْأَبْيَضَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ زَرُّوقٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلتَّغْرِيرِ حَرُمَ وَإِنْ كَانَ لِلْجِهَادِ نُدِبَ وَإِنْ كَانَ لِلتَّشَابُبِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَقَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ] أَيْ لِيُوقِعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ أَيْ بِحَيْثُ يَعْتَقِدُ أَوْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِدَ الْمُقَابِلَ لَهُ شَابٌّ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّرَفَ الْمَرْجُوحَ. [قَوْلُهُ: فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ] أَيْ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا لِكَوْنِهِ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يَكُنْ لِإِيهَامِ الْعَدُوِّ فَلَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَيْ وَيَكُونُ مَكْرُوهًا إلَّا لِمُقْتَضٍ لِلتَّحْرِيمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَيْرَ الْجِهَادِ مِنْ كُلِّ قِتَالٍ جَائِزٍ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَوْ أَرَادَ بِالْجِهَادِ مَا يَشْمَلُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَبْغُهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ] أَيْ صَبْغُ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ بِغَيْرِ السَّوَادِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرُ السَّوَادِ يَصْدُقُ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْخُضْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْجَائِزُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا كَانَ بِالْحِنَّاءِ وَبِالْكَتَمِ مِمَّا يُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ أَشَارَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ. . . إلَخْ هَذَا مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَتُهُ، وَكَلَامُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ يَقْضِي بِحَصْرِ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ مَعَ تَفْصِيلٍ يَتَعَيَّنُ حِفْظُهُ وَنَصُّهُ. وَأَمَّا الْخِضَابُ فَلِلتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ مُسْتَحَبٌّ وَلِلتَّصَابِي مَكْرُوهٌ وَلِلْعَادَةِ مُبَاحٌ وَلِلتَّغْرِيرِ فِي نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ نَحْوِهِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ السَّوَادُ لِأَنَّهُ تَشَابُبٌ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالتَّشَبُّهِ بِالصَّالِحِينَ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لَا لِإِيهَامِ النَّاسِ أَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَّا كُرِهَ. وَلِذَا نَقَلَ الْمِعْيَارُ عَنْ النَّوَوِيِّ مُرْتَضِيًا لَهُ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَبْيِيضَهَا بِكِبْرِيتٍ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ اسْتِعْجَالًا لِلشَّيْخُوخَةِ لِأَجْلِ الرِّيَاسَةِ وَالتَّعْظِيمِ. وَأَمَّا لَا لِذَلِكَ بَلْ لِإِظْهَارِ الضَّعْفِ مَثَلًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَالْحَاصِلُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ زَرُّوقٍ وَالتَّحْقِيقُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ قَاصِرَةٌ عَلَى السَّوَادِ إلَّا لِغَرَضِ الْجِهَادِ فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ: فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْحِنَّاءِ مَفْهُومًا فَتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: بِالْحِنَّاءِ. . . إلَخْ] قَالَ تت: وَجَوَازُهُ لِلرِّجَالِ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ دُونَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ اهـ. بَلْ قَالَ الْحَطَّابُ: يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ تَرْكُ الْحِنَّاءِ قَالَ عج: وَحَدُّهُ لِلسِّوَارَيْنِ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا اهـ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا حَنَّتْ عَلَى آدَمَ حِينَ سَقَطَتْ عَنْهُ ثِيَابُ الْجَنَّةِ. وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ فَكَانَ كُلَّمَا أَتَى إلَى شَجَرَةٍ لِيَسْتَتِرَ بِهَا هَرَبَتْ مِنْهُ إلَّا الْحِنَّاءَ وَالْكَتَمَ اهـ. [قَوْلُهُ: وَرَقُ السَّلَمِ] السَّلَمُ شَجَرٌ الْوَاحِدَةُ سَلَمَةٌ مِثْلُ قَصَبٍ وَقَصَبَةٍ قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ يُصَفِّرُ الشَّعْرَ وَالْحِنَّاءُ تُحَمِّرُهُ] اُنْظُرْ هَلْ يُعْطَى حُكْمَهُمَا كُلُّ شَيْءٍ

لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ مَعَ ذَهَابِ الْأَوَّلِ وَالتَّحْمِيرُ وَنَحْوُهُ تَغْيِيرٌ لَا صَبْغٌ لِبَقَاءِ صِفَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْتَبِسُ الشَّيْبُ عَلَى أَحَدٍ بِاحْمِرَارِهِ وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ. (وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الصَّحِيحَيْنِ نَهْيَ تَحْرِيمٍ الذَّكَرَ (عَنْ لِبَاسِ) أَيْ لُبْسِ (الْحَرِيرِ وَ) عَنْ (تَخَتُّمِ الذَّهَبِ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ: الذَّكَرَ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لِبَاسٌ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ وَالِاتِّكَاءَ عَلَيْهِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ لَمَّا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» (وَ) نَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) فِي الْقَبَسِ، «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ شَبَهٍ يَعْنِي مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُصَفِّرُ أَوْ يُحَمِّرُ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْبَيَانِ: اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِالصُّفْرَةِ وَالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. . . إلَخْ. أَوْ ذَلِكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَحْسَنُ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ» . [قَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ] أَقُولُ: لَمْ يُفْهَمْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْفَاكِهَانِيُّ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْجَوَاهِرِ. وَقَوْلُهُ: وَهِيَ أَقْرَبُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ نَاجِي، وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْإِبَاحَةِ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ، وَفِي الْبَيَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجَوَازُ بِمَعْنَى خِلَافِ الْأَوْلَى. أَقُولُ: وَيَشْهَدُ لِلْقَوْلِ بِالنَّدْبِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْخُلَفَاءَ كُلَّهُمْ صَبَغُوا إلَّا عَلِيًّا وَقِيلَ: حَتَّى عَلِيًّا لِأَنَّهُ رُئِيَ وَلِحْيَتُهُ حَمْرَاءُ مَرَّةً فَهُوَ مِمَّا يُغَيِّرُ فِي قَوْلِ ابْنِ نَاجِي الْأَقْرَبُ الْإِبَاحَةُ [قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ. . . إلَخْ] عِبَارَتُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الصَّبْغُ بِالسَّوَادِ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِيهِ. . . إلَخْ فَهَذَا يُفِيدُ حَصْرَ الْكَرَاهَةِ فِي السَّوَادِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ فَيَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ غَيْرَ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. [قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ] لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ السَّوَادِ شَامِلٌ لِكُلِّ الْأَلْوَانِ وَلَوْ الْخُضْرَةَ وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْخُضْرَةِ سَوَادٌ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ سَوَادُ الْعِرَاقِ [قَوْلُهُ: صَرْفُ لَوْنٍ] أَيْ ذُو صَرْفِ لَوْنٍ لِأَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ نَفْسَ الصَّرْفِ [قَوْلُهُ: بِاحْمِرَارِهِ] أَيْ مَثَلًا [قَوْلُهُ: وَيَلْتَبِسُ بِاسْوِدَادِهِ] الْمُوهِمِ كَوْنَهُ شَابًّا خُلَاصَتُهُ أَنَّ كَرَاهَةَ تَغْيِيرِهِ الشَّعْرَ إنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إيهَامِ التَّشَابُبِ أَيْ مَنْ رَآهُ يَقَعُ فِي وَهْمِهِ أَنَّهُ شَابٌّ، فَإِنْ قُلْت: كَمَا يَقَعُ فِي وَهْمِ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ شَابٌّ كَذَلِكَ يَقَعُ فِيمَنْ يُغَيِّرُ بِمَا يُبَيِّضُ أَنَّهُ شَيْخٌ، فَلِمَ كُرِهَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي بِالْقَيْدِ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَى إيهَامِ الشُّبُوبِيَّةِ يَكْثُرُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: أَيْ لُبْسِ] فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِاللِّبَاسِ مَا يُلْبَسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمِصْبَاحُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ. [قَوْلُهُ: الذَّكَرَ] مَفْهُومُهُ الْجَوَازُ لِلْإِنَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَوْ نَعْلًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَا كَسَرِيرٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ الصَّغِيرُ لُبْسُهُ لِلْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ مَكْرُوهٌ فَقَطْ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ وَأَمَّا لُبْسُهُ الْفِضَّةَ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: كَانَ لِعُذْرٍ] أَيْ كَحَكَّةٍ أَوْ جِهَادٍ. . . إلَخْ. بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرِيرِ وَهَذَا الظَّاهِرُ هُوَ الْمَشْهُورُ [قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اللُّبْسِ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَوْ فَرَشَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، أَيْ وَلَوْ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِزَوْجَتِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي إجَازَتِهِ تَبَعًا لَهَا وَكَانَتْ مُصَاحِبَةً لَهُ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْخِيَاطَةُ بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ رَايَةً فِي الْحَرْبِ، وَكَذَا يَحْرُمُ مَا بُطِّنَ بِحَرِيرٍ أَوْ حُشِيَ بِهِ مِثْلُ الصُّوفِ أَوْ رُقِّمَ بِهِ إذَا كَانَ الْحَرِيرُ فِيهِ كَثِيرًا، وَيَحْرُمُ السِّجَافُ حَيْثُ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَفِي قَدْرِ عَرْضِ الْأُصْبُعِ أَوْ الْأَرْبَعِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحَرِيرِ وَجَعْلُهُ سِتَارَةً مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَيْهِ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: وَالدِّيبَاجِ] قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ: مَا غَلُظَ مِنْ ثِيَابِ الْحَرِيرِ وَعَطَفَهُ عَلَى الْحَرِيرِ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْهُ لِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ صَارَ جِنْسًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْحُرْمَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. [قَوْلُهُ: فِي اللُّبْسِ] كِتَابٌ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ شَرَحَ بِهِ الْمُوَطَّأَ يُقَالُ لَهُ كِتَابُ الْقَبَسِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ، وَالْقَبَسُ بِفَتْحَتَيْنِ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ يَقْتَبِسُهَا الشَّخْصُ، فَكَأَنَّهُ سَمَّى كِتَابَهُ بِذَلِكَ إشَارَةً إلَى شِدَّةِ تَعَلُّقِ هَذَا الشَّرْحِ بِهَذَا الْكِتَابِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْهُ كَتَمَكُّنِ شُعْلَةِ النَّارِ مِمَّنْ

النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ فَقَالَ لَهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ. وَجَاءَ إلَيْهِ آخَرُ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» ج: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» أَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ (وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي حِلْيَةِ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَى كَوْنِهِ صَارَ وَاضِحًا بِهِ كَمَا يَتَّضِحُ مَنْ يَكُونُ بِظَلَامٍ بِشُعْلَةِ النَّارِ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ، وَأَتَى بِذَلِكَ دَلِيلًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَنَهَى. . . إلَخْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ دَلِيلٌ ضِمْنِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ وَلَمْ يَأْتِ بِحَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ صَرِيحٍ فِي النَّهْيِ مَعْزُوٍّ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَنِينَ بِتَخْرِيجِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ إلَى آخِرِ مَا قَالَ. وَقَوْلُهُ: جَاءَ رَجُلٌ لَمْ يُعَيِّنْ اسْمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ [قَوْلُهُ: يَعْنِي مِنْ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ] تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ شَبَهٍ بِفَتْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ يُشْبِهُ الذَّهَبَ فِي لَوْنِهِ وَهُوَ نُحَاسٌ أَحْمَرُ يُضَافُ إلَيْهِ أَشْيَاءُ وَيُسْبَكُ مَعَهَا فَيُكْسَبُ لَوْنَ الذَّهَبِ. [قَوْلُهُ: إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ] الْأَصْنَامُ جَمْعُ صَنَمٍ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: الصَّنَمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْجَمْعُ أَصْنَامٌ اهـ. فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ: أَشُمُّ مِنْك رِيحَ الصَّنَمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ ذَلِكَ الْخَاتَمَ مِنْ جِنْسِ مَا قَدْ يُتَّخَذُ مِنْهُ الصَّنَمُ فَاجْتَنِبْهُ لِأَنَّ الْمُتَحَلِّيَ بِهِ كَالشَّبِيهِ بِعَابِدِ الصَّنَمِ [قَوْلُهُ: حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ] أَيْ مَا يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ وَهُمْ الْكُفَّارُ فَإِنَّ سَلَاسِلَهُمْ وَأَغْلَالَهُمْ فِي النَّارِ مِنْ الْحَدِيدِ كَذَا ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ شَارِحُ الْحَدِيثِ. أَقُولُ: وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِمْ يَتَخَتَّمُونَ بِخَوَاتِمَ مِنْ حَدِيدٍ تَحْقِيرًا لَهُمْ كَمَا أَنَّ جَعْلَهُ زِينَةً كَذَلِكَ وَهَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: اطْرَحْ عَنْك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ فَلَا يَتَحَلَّى بِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَنْ دَخَلَهَا بِالْفِعْلِ وَأَنْتَ لَمْ تَدْخُلْهَا بِالْفِعْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ زِينَةٌ لِمَنْ حَلَّ بِهَا وَقَطَعَ الْعَقَبَاتِ وَفَازَ بِالدَّرَجَاتِ وَكَانَ جَزَاءً لَهُ عَنْ اتِّبَاعِهِ شَرْحَ سَيِّدِ السَّادَاتِ إلَى أَنْ حَلَّ بِهِ كَأْسُ الْمَنِيَّاتِ، وَأَنْتَ لَمْ تَكُنْ الْآنَ مِنْ أُولَئِكَ. ثُمَّ أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ مَكْرُوهٌ وَبِالذَّهَبِ حَرَامٌ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ يُلَوِّحُ لِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِالْأَمْرِ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ إلَّا فِي خَاتَمِ الذَّهَبِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا تَرَى فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ] أَيْ كَوْنُ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ مَنْهِيًّا عَنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، أَيْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهَا فِي بَابِ الْإِحْدَادِ لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَلَا قُرْطًا وَلَا خَاتَمَ حَدِيدٍ، مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لِغَيْرِ إحْدَادٍ مِنْ النِّسَاءِ جَائِزٌ. وَقَوْلُهُ: وَيَدُلُّ لِظَاهِرِهَا أَيْ لِظَاهِرِهَا الَّذِي هُوَ الْجَوَازُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كُنَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ كَكَرَاهَةِ التَّخَتُّمِ بِالنُّحَاسِ إلَّا لِمَنْ بِهِ ضَرَرُ الصَّفْرَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ النُّحَاسِ وَإِلَّا لِخَوْفِ الْجِنِّ بِالنِّسْبَةِ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ نَافِعٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا] أَيْ الْتَمِسْ أَيُّهَا الطَّالِبُ لِلتَّزْوِيجِ شَيْئًا تَجْعَلُهُ صَدَاقًا وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَمَسُ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَاسْمُ كَانَ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: الْتَمِسْ شَيْئًا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ قَلَّ، وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَعُ لِلْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ بِأَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ إذْ خَاتَمُ الْحَدِيدِ نِهَايَةٌ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ: إنَّهُ يَجُوزُ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُسْتَحَبُّ رُبُعُ دِينَارٍ، وَالرَّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِيهِ فَإِنْ وَقَعَ بِدُونِهِ أُمِرَ بِالتَّكْمِيلِ فَإِنْ أَبَى فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ دَخَلَ لَزِمَهُ تَكْمِيلُهُ وَلَا يُفْسَخُ وَوَجَّهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَشْهُورَ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرِقَةِ بِجَامِعِ اسْتِحْلَالِ الْعُضْوِ الْمُحْتَرَمِ [قَوْلُهُ: أَجَابَ الْجُمْهُورُ] الْقَائِلُونَ بِالنَّهْيِ لَا بِالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: الْمُبَالَغَةَ] أَيْ الْمُبَالَغَةَ فِي الْتِمَاسِ شَيْءٍ لِلتَّزْوِيجِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُلْتَمَسَ خَاتَمُ حَدِيدٍ مِمَّا شَأْنُهُ النَّهْيُ عَنْ لُبْسِهِ أَيْ فَلَمْ يُرِدْ إفَادَةَ جَوَازِ لُبْسِهِ، بَلْ إنَّمَا أَرَادَ التَّأَكُّدَ فِي الِالْتِمَاسِ وَأَنَّهُ لَا يُعْقَدُ نِكَاحٌ إلَّا بِصَدَاقٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ لَزِمَ عَلَيْهِ ارْتِكَابُ مَحْذُورٍ، وَأُجِيبَ بِجَوَابٍ

وَالْمُصْحَفِ) أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ تَكُونَ فِي شَيْءٍ جَائِزٍ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ كَالْجِلْدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» . وَأَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ فَحَكَى بَعْضُهُمْ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الِالْتِمَاسِ وَالِاتِّخَاذِ جَوَازُ اللُّبْسِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ تَحْصِيلَهُ لِتَنْتَفِعَ بِقِيمَتِهِ الْمَرْأَةُ. [قَوْلُهُ: أَمَّا حِلْيَةُ الْخَاتَمِ] فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: خَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَخَاتَامٌ كَسَابَاطٍ، وَخَيْتَامٌ كَبَيْطَارٍ وَجَمْعُهُ خَوَاتِيمُ [قَوْلُهُ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ] عِبَارَتُهُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إذْ هُوَ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْفَصَّ يَكُونُ فِي عُودٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ مَا عَدَا الْحَدِيدَ وَالنُّحَاسَ وَالرَّصَاصَ. [قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ فِي حِلْيَتِهِ لِلْبَيَانِ أَيْ لَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ فِي شَيْءٍ يَتَحَلَّى بِهِ أَيْ يَتَزَيَّنُ بِهِ الَّذِي هُوَ الْخَاتَمُ، فَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا بَأْسَ بِحِلْيَةٍ، وَتِلْكَ الْحِلْيَةُ هِيَ الْخَاتَمُ مِنْ الْفِضَّةِ أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَاتَمِ مِنْ الْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: مِنْ فِضَّةٍ] أَيْ فَيَجُوزُ اتِّخَاذُهُ بَلْ يُنْدَبُ بِشَرْطِ قَصْدِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ عَجَبًا وَأَنْ يَكُونَ وَاحِدًا لَا مُتَعَدِّدًا وَلَوْ كَانَ وَزْنُ الْجَمِيعِ دِرْهَمَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ دِرْهَمَيْنِ فَأَقَلَّ لَا أَزْيَدَ. [قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ] أَيْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا أَيْ صَانِعُهُ حَبَشِيٌّ أَوْ مَصْنُوعٌ كَمَا يَصْنَعُهُ الْحَبَشَةُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي رِوَايَةِ أَنَّ فَصَّهُ مِنْهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: فَكَانَ فِي يَدِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى فَهُوَ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ يَخْتِمُ بِهِ الْأَحْكَامَ وَالرَّسَائِلَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلَانٍ أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ جَعَلَهُ أَمِينًا عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: قَوْلُهُ فِي يَدِهِ أَيْ فِي إصْبَعِهِ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ: التَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَلُبْسُ مَلَابِسِهِمْ وَأَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَجُمِعَ بِأَنَّهُمْ لَبِسُوهُ أَحْيَانًا لِلْمُتَبَرِّكِ وَكَانَ مَقَرُّهُ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ وَثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ بِدُونِ تَرَاخٍ فَهِيَ بِمَعْنَى الْفَاءِ، وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ. وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: فَكَانَ فِي يَدِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْحَقِيقَةُ مَعَ اتِّخَاذِ قِطْعَةِ فِضَّةٍ يُنْقَشُ عَلَيْهَا لِيُخْتَمَ بِهَا إلَّا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَظْهَرَ الْجَوَازَ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُصْطَفَى لَا يُورَثُ وَإِلَّا لَأَخَذَ وَرَثَتُهُ الْخَاتَمَ وَلِهَذَا أَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الْخَاتَمَ وَالْقَدَحَ وَالسِّلَاحَ وَنَحْوَهَا مِنْ آثَارِهِ، فَجَعَلَ الْقَدَحَ عِنْدَ أَنَسٍ يُخْرِجُهُ لِمُرِيدِ تَبَرُّكٍ، وَجَعَلَ الْخَاتَمَ عِنْدَ مُعَيْقِيبٍ لِلْحَاجَةِ الَّتِي اتَّخَذَهُ النَّبِيُّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. [قَوْلُهُ: حَتَّى وَقَعَ] أَيْ سَقَطَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَكَثَ الْخَاتَمُ فِي يَدِهِ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ خِلَافَتِهِ فَسَقَطَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غُلَامِهِ مُعَيْقِيبٍ، وَالْأُولَى مَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَبَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ، وَيَحْتَمِلُ كَمَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ: أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَهُ مِنْ مُعَيْقِيبٍ لِيَخْتِمَ بِهِ شَيْئًا اسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ، ثُمَّ دَفَعَهُ فِي حَالِ تَفَكُّرِهِ إلَى مُعَيْقِيبٍ فَاشْتَغَلَ بِأَخْذِهِ فَسَقَطَ فَنُسِبَ سُقُوطُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا [قَوْلُهُ: أَرِيسٍ] كَجَلِيسٍ بِصَرْفٍ وَعَدَمِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءَ. قَالَ بَعْضٌ: بُسْتَانٌ مَعْرُوفٌ بِبِئْرِ أَرِيسٍ فِيهِ بِئْرٌ وَقَعَ فِيهِ الْخَاتَمُ، فَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ. وَقَالَ السَّمْهُودِيُّ: بِئْرُ أَرِيسٍ نِسْبَةٌ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ اسْمُهُ أَرِيسٌ وَهُوَ الْفَلَاحُ بِلُغَةِ أَهْلِ الشَّامِ اهـ. وَقَدْ بَالَغَ عُثْمَانُ فِي التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ وَنَزَحَ الْبِئْرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ مَا فِيهِ فَلَمْ يُوجَدْ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مَنُوطٌ بِذَلِكَ الْخَاتَمِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: فَكَانَ فِي خَاتَمِ الْمُصْطَفَى مِنْ الْأَسْرَارِ كَمَا كَانَ فِي خَاتَمِ سُلَيْمَانَ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا فَقَدَ خَاتَمَهُ ذَهَبَ مُلْكُهُ وَعُثْمَانُ لَمَّا فَقَدَ الْخَاتَمَ انْتَقَضَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ، وَكَانَ مَبْدَأُ الْفِتْنَةِ الَّتِي أَفَضَتْ إلَى قَتْلِهِ وَاتَّصَلَتْ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ هَمْزَةِ الْبِئْرِ. [قَوْلُهُ: نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ] أَيْ مُتَعَلِّقُ نَقْشِهِ مُحَمَّدٌ أَوْ نَقْشُهُ

إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ، وَكَذَلِكَ حُكِيَ الِاتِّفَاقُ عَلَى تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ تَعْظِيمًا لَهُ (وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ التَّحْلِيَةِ بِالْفِضَّةِ (فِي لِجَامٍ وَلَا سَرْجٍ وَلَا سِكِّينٍ وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ (وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ) دُونَ الرِّجَالِ (بِالذَّهَبِ) وَقَوْلُهُ: (وَنَهَى عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ) تَكْرَارٌ (وَالِاخْتِيَارُ) عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (مِمَّا) أَيْ مِنْ الَّذِي (رُوِيَ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي التَّخَتُّمِ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ بِالْيَمِينِ فَهُوَ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ وَيَجْعَلُهُ فِي يَسَارِهِ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ» ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ: «كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذِهِ، وَأَشَارَ إلَى خِنْصَرِهِ مِنْ يَدِهِ الْيُسْرَى» . (وَاخْتُلِفَ فِي لُبْسِ الْخَزِّ) بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْشُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَنْقُوشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرُهُ الْأَوَّلُ، وَرَسُولُ سَطْرُهُ الثَّانِي، وَاَللَّهِ سَطْرُهُ الثَّالِثُ. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقُ حَتَّى أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى السَّطْرِ الثَّلَاثَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا وَكَذَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ رَجَبٍ. [قَوْلُهُ: أَمَّا تَحْلِيَةُ السَّيْفِ بِالْفِضَّةِ] وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ الْحِلْيَةُ بِهِ كَقَبْضَتِهِ أَوْ انْفَصَلَتْ عَنْهُ كَغِمْدِهِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي سَيْفِ الرَّجُلِ وَأَمَّا سَيْفُ الْمَرْأَةِ فَيَحْرُمُ تَحْلِيَتُهُ وَلَوْ جَاهَدَتْ، وَمَفْهُومُ السَّيْفِ أَنَّ بَقِيَّةَ آلَاتِ الْحَرْبِ يَحْرُمُ تَحْلِيَتُهَا لِأَنَّ السَّيْفَ أَعْظَمُ آلَاتِ الْحَرْبِ. [قَوْلُهُ لِأَنَّ فِيهِ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ] أَيْ تَخْوِيفًا لَهُ أَيْ فَمَحَلُّ الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُجَاهِدُ بِهِ لَا غَيْرُ وَإِلَّا حَرُمَ. [قَوْلُهُ: تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ] وَالْمُصْحَفُ مُثَلَّثُ الْمِيمِ مِنْ أُصْحِفَ بِالضَّمِّ أَيْ جُعِلَتْ فِيهِ الصُّحُفُ، وَكَذَا يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ فَلَا يُكْتَبُ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَا يُجْعَلُ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْشَارُ وَالْأَحْزَابُ وَالْأَخْمَاسُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، كَمَا يُكْرَهُ بِالْحُمْرَةِ أَفَادَهُ بَعْضُ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: مِنْ التَّحْلِيَةِ] الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ التَّحْلِيَةِ أَيْ فَيَقُولُ: وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ [قَوْلُهُ: اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ] أَيْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ حِلْيَةَ الْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يُعْفَى عَنْهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. [قَوْلُهُ: وَيَتَخَتَّمُ النِّسَاءُ بِالذَّهَبِ] وَأَوْلَى بِالْفِضَّةِ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: يَتَخَتَّمُ بَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ الْمَلْبُوسَاتِ مِنْ النُّقُودِ وَلَوْ نَعْلًا وَقَبْقَابًا، وَمَا أُلْحِقَ بِاللِّبَاسِ كَالْأَزْرَارِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَلْبُوسِ كَمُكْحُلَةٍ أَوْ مِرْوَدٍ أَوْ كُرْسِيٍّ فَلَا يَجُوزُ بِهَا. [قَوْلُهُ: وَنُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ] لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَمِثْلُ الْحَدِيدِ النُّحَاسُ وَالرَّصَاصُ، وَأَمَّا الْجِلْدُ وَالْعَقِيقُ وَالْقَزْدِيرُ وَالْخَشَبُ فَجَائِزٌ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ النِّسَاءِ وَمَا تَقَدَّمَ فِي خُصُوصِ الرِّجَالِ. [قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارُ] أَيْ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَالِكٍ عِبَارَةُ التَّحْقِيقِ أَحْسَنُ وَنَصُّهُ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ مَالِكٌ [قَوْلُهُ فِي التَّخَتُّمِ] أَيْ فِي الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَيْ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَتَّمَ فِي الْيَمِينِ وَفِي الْيَسَارِ» [قَوْلُهُ: التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ] أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ جَعْلُهُ فِي الْخِنْصَرِ وَكَانَ مَالِكٌ يَلْبَسُهُ فِي يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَنَاوُلَ الشَّيْءِ] أَيْ الصَّادِقِ بِالْخَاتَمِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ بَيِّنٍ وَإِنَّمَا هَكَذَا جَاءَ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ قَالَ فِي الْقَبَسِ: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَفِي يَسَارِهِ وَاسْتَقَرَّ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ، فَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ مَكْرُوهٌ وَيَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ فِي الْخِنْصَرِ وَيَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ لِأَنَّ بِذَلِكَ أَتَتْ السُّنَّةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ حَسَنٌ، فَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ خَلَعَهُ كَمَا يَخْلَعُهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخَلَاءِ اهـ. وَلِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الْيَسَارِ أَبْعَدُ عَنْ الْإِعْجَابِ. [قَوْلُهُ: اتَّخَذَ خَاتَمًا. . . إلَخْ] وَسَبَبُ اتِّخَاذِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَاتَمَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْأَعَاجِمِ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إلَّا مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى لُبْسِ الْخَاتَمِ إلَى أَنْ مَاتَ. [قَوْلُهُ: فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ] أَيْ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ [قَوْلُهُ: كَانُوا يَتَخَتَّمُونَ فِي يَسَارِهِمْ] أَيْ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[قَوْلُهُ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلَحْمَتُهُ صُوفٌ مَثَلًا عَلَى أَقْوَالٍ أَشَارَ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ: (فَأُجِيزَ وَكُرِهَ) صَحَّحَ فِي الْقَبَسِ الْأَوَّلَ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حُلَّةِ عُطَارِدَ وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ: إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ» . (وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ) اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ (إلَّا الْخَطَّ الرَّقِيقَ) وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ (وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ) عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ (مِنْ الرَّقِيقِ مَا) أَيْ الَّذِي (يَصِفُهُنَّ إذَا خَرَجْنَ) مِنْ بُيُوتِهِنَّ، أَمَّا إذَا لَبِسْنَهُ فِي بُيُوتِهِنَّ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ. . . إلَخْ] أَيْ أَنَسٌ. [قَوْلُهُ: عَلَى أَقْوَالٍ] أَيْ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الشَّارِحُ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَزِّ فَيَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَشُوبَةِ بِالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَيَمْتَنِعُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَقَدْ قَرَّرَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَحْوَهُ قَائِلًا إنَّ مَا كَانَ لُحْمَتُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَسَدَاهُ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ يَحْرُمُ مُعْتَمِدًا مَا لِلْخَرَشِيِّ فِي كَبِيرَةٍ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَيْ أَوْ قُطْنٌ أَوْ كَتَّانٌ وَمَا سَدَاه مِنْ صُوفٍ مَثَلًا وَلُحْمَتُهُ حَرِيرٌ كَذَلِكَ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ مِنْ الْحَرِيرِ وَبَعْضُهُ الْآخَرُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ هَلْ يُتَّفَقُ عَلَى حُرْمَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوَّلًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّ الْخَزَّ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرُهُ حَرِيرًا إذْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَحَدُ هَذَيْنِ فِيهِ حَرِيرًا وَهُوَ أَكْثَرُ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الثَّانِيَ] وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ فَهُوَ الرَّاجِحُ [قَوْلُهُ: فِي حُلَّةٍ] بِضَمِّ الْحَاءِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَكَانُوا يَأْتَزِرُونَ بِبُرْدٍ وَيَرْتَدُونَ بِآخَرَ وَيُسَمَّيَانِ حُلَّةً وَالْجَمْعُ حُلَلٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ. [قَوْلُهُ: عُطَارِدٍ] بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ. ابْنُ حَاجِبٍ التَّمِيمِيُّ: وَفَدَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَصْلُ الْقِصَّةِ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عُطَارِدًا يُقِيمُ حُلَّةً بِالسُّوقِ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك. وَفِي رِوَايَةٍ فَلَبِسْتهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفْدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ أَيْ لَا حَظَّ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَيْرِ» وَهَذَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَإِلَّا فَالْمُؤْمِنُ الْعَاصِي لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ فَلَهُ خَلَاقٌ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى إبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ يُخَالِطُهَا الْحَرِيرُ] فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ حَرِيرًا خَالِصًا فَلَيْسَ فِيهِ شَاهِدٌ حِينَئِذٍ لِلْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ] يُتَصَوَّرُ فِي نَحْوِ الْحُبْكَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِيمَا يُجْعَلُ عَلَى رُءُوسِ النِّسَاءِ مِنْ حَبْرَةٍ وَنَحْوِهَا كَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِيهِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ] مَوْضُوعُ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ أُصْبُعٍ إلَى أَرْبَعٍ بِدُخُولِ الْغَايَةِ [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُصْبُعٍ] الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأُصْبُعُ الْمُتَوَسِّطُ أَفَادَهُ عج [قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ بِاتِّفَاقٍ] وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا [قَوْلُهُ: وَلَا يَلْبَسُ النِّسَاءُ. . . إلَخْ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ تَحْرِيمَ لُبْسِ مَا يَصِفُ خَاصٌّ بِالنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَهُوَ كَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَحَكَى فِي الْقَبَسِ أَنَّ لُبْسَ الرَّقِيقِ مِنْ الثِّيَابِ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ وَيُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَعَ الزَّوْجِ اهـ. [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِي التَّحْقِيقِ وَهَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ. [قَوْلُهُ: يَصِفُهُنَّ] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: أَيْ الَّذِينَ يُوصَفْنَ فِيهِ فَإِسْنَادُ الْوَصْفِ لِلثِّيَابِ اسْتِعَارَةٌ أَيْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ أَعَالِي الْجَسَدِ كَالثَّدْيَيْنِ وَالرِّدْفِ، وَإِذَا الْتَصَقَ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إلَّا اللَّحْمُ وَغَابَ عَنْ الْعَيْنَيْنِ لِوَقْتِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَحُكْمُ مَا يَشِفُّ حُكْمُ مَا يَصِفُ. ق: وَمِثْلُهُ أَيْ وَمِثْلُ مَا يَصِفُ الثَّوْبُ الَّذِي يَشِفُّ لَا يَخْرُجْنَ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي إذَا قُوبِلَ الْجَسَدُ مِنْهُ يَتَحَقَّقُ النَّظَرُ اهـ. وَقَوْلُهُ: اسْتِعَارَةٌ أَيْ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا تَبْدُو مِنْهُ الْعَوْرَةُ أَيْ يَظْهَرُ جِرْمُهَا إذَا كَانَتْ بَارِزَةً كَالثَّدْيَيْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ بَارِزَةً فَلَا يَظْهَرُ جِرْمُهَا مَا لَمْ يَلْتَصِقْ فَيَظْهَرُ جِرْمُهَا، وَأَرَادَ بِاَلَّذِي يَشِفُّ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْجِرْمُ وَلَوْ لَمْ يَبْرُزْ وَلَوْ لَمْ يَلْتَصِقْ فَلَمْ يُرِدْ بِاَلَّذِي يَصِفُ مَا يُحَدِّدُ الْعَوْرَةَ فَقَطْ مِنْ كِبَرٍ أَوْ صِغَرٍ كَمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ فَلَا يُخَالِفُ حِينَئِذٍ مَا فِي عج. وَنَصُّهُ بَعْدَ يَصِفُهُنَّ أَيْ مَا تَظْهَرُ مِنْهُ الْبَشَرَةُ لَا مَا يَظْهَرُ مِنْهُ جِرْمُ الْعَوْرَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ هَذَا مَكْرُوهٌ، أَقُولُ:

أَزْوَاجِهِنَّ فَيَجُوزُ. (وَلَا يَجُرُّ الرَّجُلُ إزَارَهُ بَطَرًا) أَيْ كِبْرًا (وَلَا ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا مَمْدُودًا بِمَعْنَى الْبَطَرِ، وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ كَذَلِكَ إذَا قَصَدَتْ الْخُيَلَاءَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ (وَ) إذَا لَمْ يَجُزْ لِلرَّجُلِ فِعْلُ ذَلِكَ فَ (لِيَكُنْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَيْثُ عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ النِّسَاءُ إذْ يَظْهَرُ حُرْمَةُ لُبْسِ الْقَمِيصِ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ لَوْنُ الْعَوْرَةِ مُنْفَرِدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْقَبَسِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الَّذِي لَا يَشِفُّ [قَوْلُهُ: إذَا خَرَجْنَ. . . إلَخْ] ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْبَسُ أَيْ وَلَا يَلْبَسُ إذَا خَرَجْنَ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ إذْ الْمُرَادُ لَا يُلْبَسُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ لِلْأَجْنَبِيِّ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ. [قَوْلُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ] أَيْ أَوْ مَعَ سَادَاتِهِنَّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُرُّ. . . إلَخْ] أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ [قَوْلُهُ: بَطَرًا] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ بَطَرًا أَيْ ذَا بَطَرٍ أَوْ جَرَّ بَطَرٍ أَوْ حَالَ كَوْنِ الرَّجُلِ ذَا بَطَرٍ. وَقَوْلُهُ: أَيْ كِبْرًا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ، وَيُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ كِبْرًا أَوْ لَعَلَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الرَّجُلِ، وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْكِبْرِ فَلَيْسَ الْكِبْرُ تَفْسِيرًا لَهُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْبَطَرِ دَهَشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا [قَوْلُهُ: وَلَا ثَوْبَهُ] مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ: إزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ أَوْ سَرَاوِيلُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُسَمَّى ثَوْبًا، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت فَهَلَّا اكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ الْعَامِّ عَنْ الْخَاصِّ الْمُتَقَدِّمِ؟ قُلْت: اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ خَصَّ الْإِزَارَ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِانْدِرَاجِهِ فِي الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْخُيَلَاءِ] أَيْ حَالَ كَوْنِ الْجَرِّ نَاشِئًا مِنْ الْخُيَلَاءِ. [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا] قَدَّمَ الضَّمَّ لِأَكْثَرِيَّتِهِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْبَطَرِ] وَالْبَطَرُ هُوَ الْكِبْرُ أَيْ فَقَدْ تَفَنَّنَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْبِيرِ [قَوْلُهُ: وَالرَّجُلُ فِي كَلَامِهِ لَا مَفْهُومَ لَهُ] وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» . ثُمَّ أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجُرَّ ثَوْبَهُ أَوْ إزَارَهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا. وَتَقْيِيدُهُمْ جَوَازَهُ لِلْمَرْأَةِ بِقَصْدِ السَّتْرِ يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقَصْدِ الْمَذْكُورِ أَقُولُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا يُفِيدُهُ عج بِأَنَّ قَوْلَهُ بَطَرًا أَوْ مَظِنَّةَ بَطَرٍ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ تَتِمَّةٌ [قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا لَمْ تَقْصِدْهُ. . . إلَخْ] أَيْ بِأَنْ قَصَدَتْ السَّتْرَ [قَوْلُهُ: يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُرْخِيَهُ ذِرَاعًا] أَيْ إذَا اُحْتِيجَ لَهُ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَدِيثُ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ. . . إلَخْ] نَصَّهَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهَا قَالَتْ حِينَ ذَكَرَ الْإِزَارَ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُرْخِيهِ شِبْرًا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» اهـ. وَقَوْلُهُ: فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ كَيْفَ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ إذْ بِهِ يَحْصُلُ أَمْنُ الِانْكِشَافِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ لَهَا حَالَةَ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ قَدْرُ شِبْرٍ، وَحَالَةَ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ. قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: هَلْ ابْتِدَاءُ الذِّرَاعِ مِنْ الْحَدِّ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ الرِّجَالُ وَهُوَ مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَوْ مِنْ الْحَدِّ الْمُسْتَحَبِّ لِلرِّجَالِ وَهُوَ أَنْصَافُ السَّاقَيْنِ أَوْ حَدُّهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّالِثُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيَّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ تَجُرُّ الْمَرْأَةُ مِنْ ذَيْلِهَا؟ قَالَ: شِبْرًا قَالَتْ: إذًا يَنْكَشِفُ عَنْهَا قَالَ: فَذِرَاعًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» فَظَاهِرُهُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَجُرَّ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ ذِرَاعًا أَيْ لِأَنَّ الْجَرَّ السَّحْبُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ لِمَا فِي ابْنِ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: «رَخَّصَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذِّرَاعَ الْمَأْذُونَ شِبْرَانِ اهـ. أَيْ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ تُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كُلَّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا اهـ. لَفْظُ شَارِحِ الْمُوَطَّأِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا خُفَّ لَهَا وَلَا جَوْرَبَ وَإِلَّا فَلَا تَزِيدُ قَالَهُ

الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِزَارِ وَالثَّوْبِ (إلَى الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ أَنْظَفُ لِثَوْبِهِ) وَإِزَارِهِ (وَأَتْقَى لِرَبِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي الْعُجْبَ وَالْكِبْرَ. (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ) بِالْمَدِّ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (وَهِيَ) أَيْ صِفَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ أَنْ تَكُونَ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) أَيْ إزَارٌ (يَرْفَعُ ذَلِكَ) أَيْ طَرَفُ مَا يَشْتَمِلُ بِهِ (مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الْيُسْرَى (وَيَسْدُلُ) الْجِهَةَ (الْأُخْرَى) وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعج. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ يَلْبَسْنَ خِفَافًا وَلَا جَوَارِبَ بَلْ النَّعْلَ أَوْ يَمْشِينَ حَافِيَاتٍ. قَالَ: وَيَقْتَصِرْنَ فِي إرْخَاءِ الذَّيْلِ عَلَى السَّتْرِ. [قَوْلُهُ: فِعْلُ ذَلِكَ] أَيْ الْجَرِّ خُيَلَاءَ [قَوْلُهُ: فَلَيْسَ الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِزَارِ] قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ كَيْفَ أَتَى فَاللَّامُ الْأَمْرِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَتَى بِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْحَظْرِ وَمَعْنَاهُ الْإِبَاحَةُ كَذَا ذَكَرَهُ عج. ثُمَّ أَقُولُ: وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لَا مُبَاحٌ وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ أَقُولُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ فِيهِ النَّظَافَةُ وَالتَّقْوَى فَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَرَامًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَنْظِيفٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَقْوًى فَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اُنْظُرْ كَيْفَ اسْتَعْمَلَ أَفْعَلَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْوَصْفِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا جَرَّهُ فَهُوَ ضِدُّ التَّنْظِيفِ، وَإِذَا جَرَّهُ أَيْضًا فَقَدْ عَصَاهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ فَتَأَمَّلْ. وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ لِخَبَرِ: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ يَجُرُّ ثَوْبَهُ بَطَرًا» . اهـ. وَإِزْرَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ الْحَالَةُ وَهَيْئَةُ الِاتِّزَارِ يَعْنِي الْحَالَةَ الْمُرْضِيَةَ، ثُمَّ إنَّ الْحَطَّابَ ذَكَرَ تَفْصِيلًا فَقَالَ مَا نَصُّهُ: الْمُسْتَحَبُّ فِي الثِّيَابِ أَنْ تَكُونَ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَإِلَى طَرَفِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ، وَالْمُبَاحُ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ لِلْكَعْبِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ حَرَامٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِقَصْدِ الْكِبْرِ، وَيَجُوزُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ لِأَجْلِ السَّتْرِ اهـ. قَالَ عج: قُلْت وَفِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي تُخْرِجُ صَاحِبَهَا لِلْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ حَرَامٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُ كَلَامُ الْحَطَّابِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ فَمُفَادُ الْحَطَّابِ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عج مُفَادُ الذَّخِيرَةِ الْحُرْمَةُ وَقَدْ تَرْجَمَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَالْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ مُتَعَارِضٌ مَعَ آخِرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ. وَقَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ «وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ» أَيْ فَفِي قُرْبِ النَّارِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ أَنْظَفُ] أَيْ لِعَدَمِ وُصُولِهِ لِلْأَرْضِ. [قَوْلُهُ: وَأَتْقَى لِرَبِّهِ] أَيْ أَبْعَدُ لِمَقْتِ رَبِّهِ لِانْتِفَاءِ مَا يُوجِبُ غَضَبَهُ لِقُرْبِ تِلْكَ الْحَالَةِ مِنْ التَّوَاضُعِ [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَنْفِي الْعُجْبَ وَالْكِبْرَ] الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مُلَاحَظَةُ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ الْكَمَالِ مَعَ نِسْيَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ، وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْكِبْرُ فَهُوَ ذَلِكَ مَعَ احْتِقَارِ غَيْرِهِ كَذَا أَفَادَهُ الْقُرْطُبِيُّ فَإِذًا الْكِبْرُ أَخُصُّ مِنْ الْعُجْبِ وَهُوَ الْفَرْدُ الْأَشَدُّ حُرْمَةً. [قَوْلُهُ: عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ] حَقِيقَةُ الصَّمَّاءِ الِاشْتِمَالُ أَيْ الِالْتِحَافُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَكِنْ بِحَيْثُ يَكُونُ سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ الِاشْتِمَالُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ إلَّا أَنَّهُ يَرْفَعُهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعُهُ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَشَارِحُنَا فَسَّرَ الْآخَرَ بِالْيُسْرَى وتت فَسَّرَهَا بِالْيُمْنَى، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمَلَةٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ فَقَدْ فُسِّرَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِجَعْلِ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ، وَفَسَّرَهَا اللُّغَوِيُّونَ بِأَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا يَلْتَفُّ فِيهِ وَلَا يَجْعَلَ لِيَدَيْهِ مَخْرَجًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ يَدَيْهِ بَدَتْ عَوْرَتُهُ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ: أَنْ يَرُدَّ الْكِسَاءَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى وَعَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَرُدَّهُ ثَانِيَةً مِنْ خَلْفِهِ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى وَعَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ فَيُغَطِّيَهُمَا جَمِيعًا، فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ اشْتِمَالٍ هُوَ الصَّمَّاءُ. وَقَوْلُهُ: أَنْ تَكُونَ أَيْ صِفَةُ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ أَيْ الصِّفَةُ الَّتِي هِيَ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، أَيْ ذُو أَنْ تَكُونَ أَيْ حَقِيقَةُ ذَاتِ كَوْنٍ. . . إلَخْ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلصَّمَّاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَا مُطْلَقًا [قَوْلُهُ: أَيْ إزَارٍ] لَا خُصُوصِيَّةَ فَالْمُرَادُ مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ ذَلِكَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَكُونَ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، أَيْ ذُو أَنْ تَكُونَ وَذُو رَفْعٍ مِنْك لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَيْ طَرَفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ لَمْ يَتَقَدَّمْ صَرِيحًا بَلْ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّ ذُو أَنْ تَكُونَ مَعْنَاهُ حَقِيقَةُ ذَاتٍ. . . إلَخْ وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِشَيْءٍ يَشْتَمِلُ لَهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَهُ طَرَفًا

الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَقَوْلُهُ: (وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ اشْتِمَالِك) أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ (ثَوْبٌ) تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَاخْتُلِفَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ الِاشْتِمَالِ الْمَذْكُورِ (عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ) أَيْ إزَارٌ عَلَى قَوْلَيْنِ لَمَالِكٍ بِالْمَنْعِ اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَالْإِبَاحَةُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ. (وَيُؤْمَرُ) الْمُكَلَّفُ (بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وُجُوبًا إجْمَاعًا، وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْمَشْهُورِ (وَإِزَارَةُ) الرَّجُلُ (الْمُؤْمِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ (إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْضُهُمْ رَجَّعَهُ لِلْمُشْتَمَلِ بِهِ الَّذِي هُوَ الثَّوْبُ. [قَوْلُهُ: وَيَسْدُلُ] بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْجِهَةَ الْأُخْرَى] الْجِهَاتُ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ، فَالْعِبَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَيَسْدُلُ ذَا الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ الْيُمْنَى وَذُوهَا وَهُوَ الطَّرَفُ الْآخَرُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مِنْ التَّكَلُّفِ. فَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ: وَهِيَ عَلَى غَيْرِ ثَوْبٍ أَيْ سَاتِرٍ لِعَوْرَتِهِ جُمْلَةً حَالِيَّةً. وَقَوْلُهُ: يَرْفَعُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ وَيُنْهَى عَنْ الِاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالصَّمَّاءُ رَفْعُك الطَّرَفَ. . . إلَخْ أَيْ ذُو رَفْعِك أَيْ الَّذِي هُوَ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ. [قَوْلُهُ: إذَا أَرَادَ. . . إلَخْ] يَقْتَضِي أَنَّهُ غَطَّاهَا ابْتِدَاءً. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ ذَلِكَ يَرْفَعُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْيُسْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يُغَطِّهَا ابْتِدَاءً فَتَنَاقَضَا وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِأَنَّ الصَّمَّاءَ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا يُغَطِّي يَدَهُ ابْتِدَاءً، ثُمَّ إذَا بَدَا لَهُ أَمْرٌ يَرْفَعُ طَرَفَهَا مِنْ نَاحِيَةِ شِمَالِهِ لَا يَمِينِهِ أَيْ يَرْفَعُ شِمَالَهُ مِنْ تَحْتِ الْإِزَارِ. فَقَوْلُهُ: أَوْ لَا يَرْفَعُ ذَلِكَ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ نَاحِيَةِ يَسَارِهِ إذَا بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا يُنَافِي آخِرَهُ، أَيْ فَيَكُونُ ذَاهِبًا فِي تَفْسِيرِهَا إلَى طَرِيقِ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْحُرْمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ. وَأَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَالْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الرَّفْعَ مُتَوَهَّمٌ. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ السَّاتِرِ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْعَلَّامَةِ خَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ مَعَ السَّاتِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى أَكْتَافِهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَشْفَ الْبَعْضِ بِمَنْزِلَةِ كَشْفِ الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَحْتَ مَا تَشْتَمِلُ بِهِ] أَيْ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ [قَوْلُهُ: أَيْ إزَارٍ] مَثَلًا لِيَدْخُلَ نَحْوُ السِّرْوَالِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْقَوْلَيْنِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ [قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ] أَيْ فَفِي الْمُوَطَّأِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» ، وَعِلَّةٌ أُخْرَى زَادَهَا فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَلِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ فَيَفْعَلَهُ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْعَالِمَ يَفْعَلُهُ وَعَلَيْهِ إزَارٌ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ] أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ. [قَوْلُهُ: وَيُؤْمَرُ الْمُكَلَّفُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ] قَالَ عج: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرٌ اهـ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مُرَاهِقًا، وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّهُ كَكَبِيرٍ وَفِي كَلَامِ بَعْضٍ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ نَظَرُ عَوْرَتِهِ فَهَلْ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّتْرُ كَالْكَبِيرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهِ وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلْيُحَرَّرْ. [قَوْلُهُ: عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ] احْتِرَازًا عَنْ حَالَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سَتْرُهَا وَلَوْ بِخَلْوَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: وَهَلْ الْحَيَوَانُ غَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْآدَمِيِّ فِي ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ أَوْ يَجُوزُ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اهـ وَفِيهِ قُصُورٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ جَوَازَ الْغُسْلِ فِي الْفَضَاءِ ابْنُ رُشْدٍ لِقَصْرِ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ [قَوْلُهُ: وَفِي الْخَلْوَةِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِيُؤْمَرُ الشَّامِلُ لِلْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا، وَفِي نَظَرِ الْإِنْسَانِ لِعَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُلِيَ بِالزِّنَا. [قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ] هَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَاسْتَصْوَبَ الْكَسْرَ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ] مِثْلُهُ لتت أَيْ لَا الْمَرَّةُ حَتَّى يَكُونَ بِالْفَتْحِ.

وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا» . (وَالْفَخِذُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْبَةِ، وَالْوَرِكُ (عَوْرَةٌ) عِنْدَ مَنْ يَسْتَحِي مِنْهُ (وَلَيْسَ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا) «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِينَ أَجْرَى فَرَسَهُ» . (وَلَا يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْحَمَّامَ) بِالتَّشْدِيدِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَلَا يَنْتَصِبُ الرَّجُلُ عُرْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَإِذَا اغْتَسَلَ فَلْيَنْضَمَّ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ أَحَدٌ لُبْسَ السَّرَاوِيلِ إلَّا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا فَيَكْفِيهِ مِئْزَرٌ. [قَوْلُهُ: إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ] وَيُبَاحُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْكَعْبَيْنِ. [قَوْلُهُ: إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ] يَعْنِي الْحَالَةَ الْمُرْضِيَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِ الْحَسَنَةَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: أَنْصَافِ] وَجَمَعَ أَنْصَافَ كَرَاهَةَ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ كَقَوْلِهِ: مِثْلُ رُءُوسِ الْكَبْشَيْنِ وَذَلِكَ عَلَامَةُ التَّوَاضُعِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَلَمَةَ كَانَ عُثْمَانُ يَأْتَزِرُ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ. وَقَالَ: كَانَتْ إزْرَةُ صَاحِبِي يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: لَا جُنَاحَ] أَيْ لَا حَرَجَ. [قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ] فَيَجُوزُ إسْبَالُهُ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ حَالَتَانِ. [قَوْلُهُ: وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ] مَا مَوْصُولٌ، وَبَعْضُ صِلَتِهِ مَحْذُوفٌ وَهُوَ كَانَ وَأَسْفَلَ خَبَرُهُ فَهُوَ مَنْصُوبٌ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ مَا هُوَ أَسْفَلُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِأَسْفَلَ. [قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ] أَيْ الْكَعْبَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَفِي النَّارِ] دَخَلَتْ الْفَاءُ فِي الْخَبَرِ لِتَضَمُّنِ مَا مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ قَدَمِ صَاحِبِ الْإِزَارِ الْمُسْبَلِ فَهُوَ فِي النَّارِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنَالُهُ الْإِزَارُ مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ فَكَنَّى بِالثَّوْبِ عَنْ بَدَنِ لَابِسِهِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي دُونَ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْقَدَمِ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ عُقُوبَةً لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ مَا جَاوَرَهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَا يُفِيدُ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ مِنْ وَادِي إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، أَوْ يَكُونُ مِنْ الْوَعِيدِ لِمَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى الْمَعْصِيَةَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ] أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ. [قَوْلُهُ: بَطَرًا] بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ أَوْ كَسْرِهَا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ رِوَايَتَانِ. [قَوْلُهُ: وَالْفَخِذُ] مُؤَنَّثَةٌ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْفَاءِ وَكَسْرُ الْخَاءِ، وَسُكُونُهَا مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ، وَكَسْرِهَا، وَكَسْرُهُمَا. [قَوْلُهُ: عِنْدَ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ كَشْفُهُ مَعَ مَنْ ذُكِرَ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ ذُكِرَ نَظَرُهُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ مُخَفَّفَةٌ يَجُوزُ كَشْفُهَا مَعَ الْخَوَاصِّ وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَيْرِهِمْ، أَيْ يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْمَدْخَلِ كَرِهَ النَّظَرَ إلَيْهِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى كَوْنُهُ كَالْعَوْرَةِ نَفْسِهَا خَفَّ أَمْرُهُ فَغَايَةُ مَا يُقَالُ: يُكْرَهُ مَعَ غَيْرِ الْخَاصَّةِ وَالْحُرْمَةُ بَعِيدَةٌ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّظَرَ لِفَخِذِ الْأَمَةِ حَرَامٌ بِلَا نِزَاعٍ. [قَوْلُهُ: كَشَفَ فَخِذَهُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ. . . إلَخْ] فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا فَخِذَيْهِ وَسَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَسَوَّى ثِيَابَهُ فَدَخَلَ، وَتَحَدَّثَ مَعَهُ فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تُبَالِهِ، وَدَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تُبَالِهِ أَيْ لَمْ تَهْتَمَّ لِدُخُولِهِمَا وَتَسْتُرْ فَخِذَيْك، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْت وَسَوَّيْت ثِيَابَك فَقَالَ: أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَالِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُ مَزِيَّةٌ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ فُهِمَ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ، وَوَجْهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ تَسْوِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْهُ لَمْ تَكُنْ لِأَجْلِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ الْخَوَاصِّ بَلْ حَيَاءً مِنْهُ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَسْتَحِي مِنْهُ. [قَوْلُهُ: وَانْكَشَفَ فَخِذُهُ أَيْضًا حِين أَجْرَى فَرَسَهُ] قَدْ يُقَالُ: هَذَا غَلَبَةٌ لَا اخْتِيَارٌ حَتَّى يَدُلَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُغَطِّهِ حِينَ انْكَشَفَ مَعَ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ لَهُ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِذَلِكَ

عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ عَنْ الْعَرَبِ. وَقَالَ ك وَغَيْرُهُ: هُوَ مُذَكَّرٌ اتِّفَاقًا (إلَّا بِمِئْزَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَمْزِ وَتَرْكُهُ مَا يُؤْتَزَرُ بِهِ (وَلَا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ إلَّا مِنْ عِلَّةٍ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا: الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا بِإِزَارٍ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ» . (وَلَا يَتَلَاصَقُ رَجُلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي لِحَافٍ) أَوْ ثَوْبٍ (وَاحِدٍ) غَيْرَ مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَمْ لَا، لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِدَلِيلٍ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَةِ وَالصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ يَحْرُمُ كَشْفُ الْفَخِذِ وَلَوْ مَعَ الْخَاصَّةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَدْخُلُ. . . إلَخْ] أَيْ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْخُلَ. . . إلَخْ. قَالَ تت: وَالنَّهْيُ يَشْمَلُ الْوُجُوبَ إنْ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا وَالِاسْتِحْبَابَ إنْ كَانَ خَالِيًا انْتَهَى أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْمِئْزَرِ. [قَوْلُهُ: الْحَمَّامَ] مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ. [قَوْلُهُ: إلَّا بِمِئْزَرٍ] أَيْ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الْعَوْرَةِ كَمَا قَالَهُ عج، وَظَاهِرُهُ جَوَازُ دُخُولِهِ بِالْمِئْزَرِ وَلَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَجَوَازُ الدُّخُولِ بِالْمِئْزَرِ لَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ تَرْكُ دُخُولِهِ أَحْسَنُ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دُخُولَ الْحَمَّامِ إذَا كَانَ خَالِيًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَإِنْ دَخَلَ مَعَ مَنْ يَسْتَتِرُ جَازَ وَتَرْكُهُ حَسَنٌ أَيْ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى حِينَئِذٍ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ، أَمَّا مَعَ مَنْ لَا يَسْتَتِرُ فَلَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ وَالنَّظَرَ إلَيْهَا حَرَامٌ. ابْنُ رُشْدٍ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ جُرْحَةً فِيهِ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ. [قَوْلُهُ: وَالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ] وَالْهَمْزُ هُوَ الْأَصْلُ فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَدْخُلُهُ الْمَرْأَةُ] أَيْ بِمِئْزَرٍ أَيْ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ. [قَوْلُهُ: وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ. . . إلَخْ] ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ الْمُقْتَضِي كَوْنَ دُخُولِهِنَّ حَرَامًا بِمِئْزَرٍ وَغَيْرِهِ، إلَّا أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ اخْتَارَ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّهِنَّ دُونَ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ بِمِئْزَرٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ] أَيْ فَلَا تَدْخُلُهَا لِحَيْضٍ أَوْ جَنَابَةٍ كَمَا قَالَ عج، أَيْ مَا لَمْ يَحْصُلْ مُوجِبٌ لَهُمَا لِدُخُولِ الْحَمَّامِ فَتَكُونَانِ كَالْمَرِيضَةِ وَالنُّفَسَاءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا الِاحْتِيَاجُ لِدُخُولِ الْحَمَّامِ. [قَوْلُهُ: وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَيْ فَحُكْمُ هَذَا التَّلَاصُقِ الْحُرْمَةُ فِيمَا بَيْنَ الْبَالِغِينَ، أَيْ يَحْرُمُ التَّلَاصُقُ غَيْرَ مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ، وَكُرِهَ إنْ كَانَ بِغَيْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ بِالْعَوْرَةِ مَعَ حَائِلٍ كَثِيفٍ أَيْ بِغَيْرِ قَصْدِ الْتِذَاذٍ فِيهِمَا وَإِلَّا حَرُمَ. وَأَمَّا تَلَاصُقُ غَيْرِ الْبَالِغِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْعَشْرَ فَلَا حَرَجَ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلِيِّ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعَشْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَبَعْدَ بُلُوغِهَا كُرِهَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَأَمَّا تَلَاصُقُ بَالِغٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ حَائِلٍ فَحَرَامٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ وَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَالْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِوَلِيِّهِ، وَأَمَّا بِحَائِلٍ فَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ إلَّا لِقَصْدِ لَذَّةٍ فَحَرَامٌ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ عج. قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي قَوْلِهِ يُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ تَلَاصُقُ عَوْرَةِ الصَّبِيِّ ابْنِ عَشْرٍ فَفَوْقُ بِعَوْرَةِ الْبَالِغِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ، وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي تَلَاصُقِ الْمَرْأَتَيْنِ. وَأَمَّا رَجُلٌ وَأُنْثَى فَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ تَلَاصُقِهِمَا تَحْتَ لِحَافٍ وَلَوْ بِغَيْرِ عَوْرَةٍ، وَلَوْ مِنْ فَوْقِ حَائِلٍ حَيْثُ كَانَا بَالِغَيْنِ أَوْ الرَّجُلُ أَوْ الْأُنْثَى مَعَ مُنَاهَزَةِ الذَّكَرِ لِأَنَّ الْمُنَاهِزَ كَكَبِيرٍ هَكَذَا يَظْهَرُ اهـ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ. . . إلَخْ] خَبَرٌ مَقْصُودٌ بِهِ نَهْيُ التَّحْرِيمِ، وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَكَذَا عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُفْضِ. . . إلَخْ] مِنْ أَفْضَى أَيْ لَا يَصِلُ إلَيْهِ بِأَنْ يَلْتَصِقَا، وَأَرَادَ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَبِالنَّهْيِ مَا يَشْمَلُ نَهْيَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُ اضْطِجَاعِ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْكِسَاءِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ وَسَطُ الْكِسَاءِ حَائِلًا بَيْنَهُمَا، وَهَلْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي ثَوْبٍ دُونَ الْآخَرِ يَنْتَفِي التَّلَاصُقُ تَقْرِيرَانِ. [قَوْلُهُ:

وَاحِدٍ» . (وَلَا تَخْرُجُ امْرَأَةٌ) غَيْرَ مُتَجَالَّةٍ (إلَّا مُسْتَتِرَةً فِيمَا لَا بُدَّ) أَيْ لَا غِنَى (لَهَا مِنْهُ مِنْ شُهُودِ مَوْتِ أَبَوَيْهَا أَوْ ذِي قَرَابَتِهَا) كَالْأَخِ (أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا) الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ كَجِنَازَةِ مَنْ ذُكِرَ وَحُضُورِ عُرْسِهِ وَلِخُرُوجِهَا شُرُوطٌ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ طَرَفَيْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَضْطَرَّ لِلْخُرُوجِ فِي غَيْرِهِمَا، وَأَنْ تَلْبَسَ أَدْنَى ثِيَابِهَا وَأَنْ تَمْشِيَ فِي حَافَتَيْ الطَّرِيقِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا رِيحٌ طَيِّبٌ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ (وَلَا تَحْضُرُ) الْمَرْأَةُ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا أُبِيحَ لَهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ (مَا فِيهِ نَوْحٌ) أَيْ صَوْتُ (نَائِحَةٍ أَوْ لَهْوٌ مِنْ مِزْمَارٍ أَوْ عُودٍ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمَلَاهِي الْمُلْهِيَةِ) وَهَذَا النَّهْيُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحُرْمَةِ لَا يَجُوزُ حُضُورُ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا فِعْلُهُ (إلَّا الدُّفُّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ (فِي النِّكَاحِ) خَاصَّةً لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا لِذِي هَيْئَةٍ (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْكَبَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ طَبْلٌ صَغِيرٌ يُجَلَّدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ مُتَجَالَّةٍ] أَيْ وَلَا يُخْشَى مِنْ خُرُوجِهَا الْفِتْنَةُ أَيْ مِنْ شَابَّةٍ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّنْ لَمْ يَنْقَطِعْ أَرَبُ الرِّجَالِ مِنْهَا، أَيْ وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِحَوَائِجِهَا كَمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَلِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى الِافْتِتَانُ بِهَا لِنَجَابَتِهَا فَهَذِهِ لَا تَخْرُجُ أَصْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: مِنْ شُهُودِ. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ حُضُورِهَا مَوْتَ أَبَوَيْهَا أَوْ أَحَدِهِمَا. [قَوْلُهُ: كَالْأَخِ] أَيْ وَالِابْنِ وَالزَّوْجِ، وَيُكْرَهُ لَهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْكَافَ مُدْخِلَةً لِجَمِيعِ الْأَقَارِبِ وَيُفِيدُ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ] عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: شُهُودِ وَالْإِشَارَةُ عَائِدَةٌ عَلَى مَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ وَمِثْلُ خُرُوجِهَا لِشُهُودِ مَوْتِ مَنْ ذُكِرَ خُرُوجُهَا لِنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ، لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ بِصَدَدِ إفَادَةِ مَا يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: مِمَّا يُبَاحُ إلَّا بِالنَّظَرِ لِنَفْسِ الْأَمْرِ. [قَوْلُهُ: كَجِنَازَةِ مَنْ ذُكِرَ وَحُضُورِ عُرْسِهِ] وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ حُضُورَ مَوَاسِمِهِ وَأَعْيَادِهِ وَزِيَارَتِهِ وَحَاجَتِهَا الَّتِي لَا تَجِدُ مَنْ يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ تَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُقْضَى عَلَى زَوْجِهَا بِالْخُرُوجِ لَهَا وَلَوْ شَرَطَ لَهَا فِي صُلْبِ عَقْدِهَا. [قَوْلُهُ: شُرُوطٌ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ شُرُوطَ الْكَمَالِ كَمَا تَبَيَّنَ. [قَوْلُهُ: طَرَفَيْ النَّهَارِ] مَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَمَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَهَذَا مِنْ شُرُوطِ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: مَا لَمْ تُضْطَرَّ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: مَا لَمْ تُضْطَرَّ لِلْخُرُوجِ فِي غَيْرِهِمَا اضْطِرَارًا فَادِحًا، فَإِذَا اُضْطُرَّتْ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهَا الْخُرُوجُ فِي الطَّرَفَيْنِ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَلْبَسَ أَدْنَى ثِيَابِهَا] أَيْ دَنِيءَ ثِيَابِهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ بَعْضٍ: وَأَنْ تَخْرُجَ فِي خَشِنِ ثِيَابِهَا أَوْ أَنَّ قَصْدَهُ شَرْطُ الْكَمَالِ وَأَمَّا شَرْطُ الْجَوَازِ فَيَتَحَقَّقُ بِالدَّنِيءِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ تَمْشِيَ فِي حَافَّتَيْ الطَّرِيقِ] أَيْ لَا فِي وَسَطِهَا هَذَا شَرْطُ الْكَمَالِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَكُونَ. . . إلَخْ] هَذَا شَرْطُ الْجَوَازِ، وَيُزَادُ أَنْ لَا يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَا يُخْشَى مَفْسَدَتُهُ، وَأَنْ تَخْرُجَ فِي غَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَقْصُودَةِ بِالْخُرُوجِ فِيهَا وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ فِيمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا] بِأَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا أَوْ يَظْهَرَ وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا لِمَنْ لَا يَلْتَذُّ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ لَهْوٌ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: نَوْحٌ أَيْ وَلَا تَحْضُرُ امْرَأَةٌ أَيْ وَلَا رَجُلٌ. [قَوْلُهُ: أَوْ عُودٍ] هُوَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيُحَرِّكُهُ لَهُ صَوْتٌ عَجِيبٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَلَاهِي] وَهِيَ كُلُّ مَا يَشْغَلُ النَّفْسَ عَمَّا يَعْنِيهَا مِمَّا تَسْتَلِذُّهُ النَّفْسُ مِنْ الْغِنَاءِ، وَشَبَهِهِ مِنْ الْأَوْتَارِ وَالرَّبَابِ وَالطُّنْبُورِ. [قَوْلُهُ: الْمُلْهِيَةِ] وَصْفٌ كَاشِفٌ. [قَوْلُهُ: لِلْحُرْمَةِ] إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ فِي قَوْلِهِ: مَا فِيهِ نَوْحُ نَائِحَةٍ مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاعَدَةِ وَالرِّضَا بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ حُضُورُ مَوْتِ أَبَوَيْهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَنْتَهِي الْحُضُورُ إلَى التَّحْرِيمِ. [قَوْلُهُ: يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ] بَلْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِصَرَاصِرَ فَيَحْرُمُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] أَيْ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ جَوَازِ ضَرْبِهِ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ كَالْخِتَانِ وَالْوِلَادَةِ وَمُقَابِلُهُ جَوَازُهُ فِي كُلِّ فَرَحٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَقُدُومِ غَائِبٍ وَالْأَعْيَادِ وَالْخِتَانِ وَخَتْمِ الْقُرْآنِ، وَهَلْ الْمُرَادُ الْجَوَازُ الَّذِي لَا أَجْرَ فِي فِعْلِهِ وَلَا فِي تَرْكِهِ أَوْ الَّذِي فِعْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، أَوْ الَّذِي تَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهِ أَقْوَالٌ قَالَهُ تت

مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ. (وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) شَابَّةٍ (لَيْسَتْ بِذِي مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ قَائِلًا: «فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا» (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرَاهَا) بِمَعْنَى يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مَا لَيْسَتْ مَحْرَمًا مِنْهُ (لِ) أَجْلِ (عُذْرٍ مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا) أَوْ لَهَا (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَنَظَرِ الطَّبِيبِ (أَوْ إذَا خَطَبَهَا) لِنَفْسِهِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَجَالَّةِ (وَأَمَّا الْمُتَجَالَّةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا أَرَبَ لِلرِّجَالِ فِيهَا لِكِبَرِ سِنِّهَا (فَ) يُبَاحُ (لَهُ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيِّ (أَنْ يَرَى وَجْهَهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ وَمَا قَالَهُ تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا لِذِي هَيْئَةٍ] ضَعِيفٌ «فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَضَرَ ضَرْبَ الدُّفِّ» فَحُضُورُهُ ضَرْبَ الدُّفِّ يُؤْذِنُ بِجَوَازِهِ، وَإِذَا جَازَ لِذِي الْهَيْئَةِ السَّمَاعُ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّرْبِ مِنْهُ بِمَعْنًى لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهًا وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا جَازَ فِعْلُهُ جَازَ سَمَاعُهُ وَمَا حَرُمَ فِعْلُهُ حَرُمَ سَمَاعُهُ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحَتَيْنِ] وَأَمَّا بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فَهُوَ الْمُقَابِلُ لِلصِّغَرِ، وَأَمَّا بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْبَاءِ فَهُوَ الطَّعْنُ فِي السِّنِّ. [قَوْلُهُ: يُجَلَّدُ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ. . . إلَخْ] مِثْلُهُ لِصَاحِبِ الْمِصْبَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَالْكَبَرُ بِفَتْحَتَيْنِ الطَّبْلُ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ وَجَمْعُهُ كِبَارٌ مِثْلُ جَبَلٍ وَجِبَالٍ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ اهـ. إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْت فِي بَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مِنْ أَنَّ الْغِرْبَالَ هُوَ الْمُدَوَّرُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَالْكَبَرُ هُوَ الطَّبْلُ الْكَبِيرُ الْمُدَوَّرُ الْمُجَلَّدُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ وتت، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْقَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ يُمْنَعُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَبَادَرٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ] قَالَ تت: وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَيَسْتَوْجِبَانِ الْعُقُوبَةَ، وَلَوْ ادَّعَيَا الزَّوْجِيَّةَ إلَّا أَنْ يُثْبِتَاهَا أَوْ يَكُونَا طَارِئَيْنِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ شَابٌّ وَامْرَأَةٌ شَابَّةٌ لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ وَلَا مِلْكَ لَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُمَا جَائِزَةٌ وَمِنْ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُمَا أَيْضًا جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا شَابٌّ فَيُمْنَعَ لِأَنَّ مَعَهُمَا شَيْطَانَيْنِ، وَمَعَ الْمَرْأَةِ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا قَوْلَهُ: رَجُلٌ بِقَوْلِنَا شَابٌّ فَإِنَّ خَلْوَةَ الشَّيْخِ الْهَرِمِ بِالْمَرْأَةِ شَابَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَجَالَّةً جَائِزَةٌ. وَقَيَّدْنَا قَوْلَهُ بِالْمَرْأَةِ بِقَوْلِنَا شَابَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ خَلْوَةِ الرَّجُلِ وَلَوْ كَانَ شَابًّا بِالْمُتَجَالَّةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ. وَقَوْلُنَا: لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ بِنَسَبٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ رَضَاعٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ. وَقَوْلُنَا: لَا مِلْكَ لَهَا عَلَيْهِ احْتِرَازًا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَرَى مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو مَحْرَمِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] ك: إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْظَرٌ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا وَجْهَهَا، وَلَهَا أَنْ تَرَاهُ كُلَّهُ إذَا كَانَ وَغْدًا يُؤْمَنُ مِنْهُ التَّلَذُّذُ بِخِلَافِ الشَّابِّ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ ذَلِكَ مِنْهُ اهـ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ: لَا نَصَّ فِي خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِخَادِمِ زَوْجَتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ، فَإِذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ جَازَ، هَذَا حِلُّ مَا قَصَدَهُ شَارِحُنَا لِأَنَّ كَلَامَهُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا إلَّا أَنَّنَا نَزِيدُ شَيْئًا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقَامُ فَنَقُولُ: يَجُوزُ لِعَبْدِ الْمَرْأَةِ الَّذِي لَيْسَ بِشِرْكٍ وَمُكَاتَبِهَا الْوَغْدَيْنِ النَّظَرُ لِشَعْرِهَا وَبَقِيَّةِ أَطْرَافِهَا الَّتِي يَنْظُرُهَا مَحْرَمُهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْمَشْهُورَةِ بِالدِّينِ. وَأَمَّا عَبْدُ زَوْجِهَا فَيَجُوزُ إنْ كَانَ خَصِيًّا وَقَبِيحَ مَنْظَرٍ ثُمَّ نَقُولُ: وَبَعْضُ الشُّرَّاحِ عَمَّمَ فَقَالَ: وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالشَّيْخِ وَالشَّابِّ. وَقَوْلُهُ: شَابَّةٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْمُتَجَالَّةِ خُصُوصًا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا فِي السِّنِّ لِأَنَّ الشَّيْخَ يَمِيلُ لِلشَّيْخَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا] ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَى كَوْنِهِ ثَالِثَهُمَا أَنَّهُ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِهَا وَتَقْوَيْ شَهْوَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ رَاقَبَهُ وَخَشِيَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: مِنْ شَهَادَةٍ عَلَيْهَا. . . إلَخْ] أَيْ حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ لِرُؤْيَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَالطَّبِيبِ وَالْخَاطِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِخَلْوَةٍ بِالْمَرْأَةِ وَإِلَّا حَرَّمْت هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُ هَذَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقًا حَيْثُ أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ. [قَوْلُهُ: لَا أَرَبَ] أَيْ لَا حَاجَةَ. [قَوْلُهُ: وَنُهِيَ النِّسَاءُ. . . إلَخْ] لَا مَفْهُومَ لِلنِّسَاءِ وَإِنَّمَا خَصَّ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ اللَّاتِي

(النِّسَاءُ) نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ وَعَنْ الْوَشْمِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» . (وَمَنْ لَبِسَ) بِمَعْنَى أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَغْلِبُ مِنْهُنَّ ذَلِكَ عِنْدَ قِصَرِ أَوْ عَدَمِ شُعُورِهِنَّ مَثَلًا. [قَوْلُهُ: عَنْ وَصْلِ الشَّعْرِ] قَالَ تت: فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَصْلِ أَنَّهَا لَوْ جَعَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا فِي الْوِقَايَةِ وَلَمْ تَصِلْهُ جَازَ. [قَوْلُهُ: وَعَنْ الْوَشْمِ] أَيْ فِي الْوَجْهِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ النَّقْشُ بِالْإِبْرَةِ مَثَلًا حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ وَيُخْشَى الْجُرْحُ بِالْكُحْلِ أَوْ الْهِبَابِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَسْوَدُ لِيُخَضِّرَ الْمَحَلَّ، وَالنَّهْيُ لِلْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ أَشَدُّ وَهُوَ كَبِيرَةٌ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ. نَعَمْ قَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَيَّنَ بِهِ لِزَوْجِهَا وَقَدْ جَاءَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُعَارَضَةَ لِإِمْكَانِ حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الزِّينَةُ كَالْمُعْتَدَّةِ كَمَا فِي النَّامِصَةِ وَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ بِإِزَالَتِهِ وَلَوْ وَقَعَ مُحَرَّمًا، وَمَحَلُّ حُرْمَتِهِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ طَرِيقًا لِلدَّوَاءِ وَإِلَّا جَازَ. [قَوْلُهُ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ] أَيْ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرٍ آخَرَ لِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا كَانَ الْمَوْصُولُ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا، بَلْ قَالَ مَالِكٌ وَالطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ: الْوَصْلُ مَمْنُوعٌ بِكُلِّ شَيْءٍ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ خِرَقٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ وَلَا بَأْسَ بِوَصْلِهِ بِصُوفٍ أَوْ خِرَقٍ أَوْ غَيْرِهَا. الْقَاضِي: فَأَمَّا الرَّبْطُ بِالْخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنًى مَقْصُودٍ لِلْوَصْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ انْتَهَى. أَيْ الَّتِي تَطْلُبُ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا ذَلِكَ وَيُفْعَلَ بِهَا، كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ. [قَوْلُهُ: وَالْوَاشِمَةَ] أَيْ الَّتِي تَغْرِزُ الْإِبْرَةَ فِي الْجَسَدِ ثُمَّ يُذَرُّ عَلَيْهِ كُحْلٌ أَوْ نَحْوُهُ فَيَخْضَرُّ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُسْتَوْشِمَة أَيْ الَّتِي تَطْلُبُ فِعْلَهُ وَيُفْعَلُ بِهَا. [قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَمِّصَاتِ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالنُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ بَعْدَ الْأَلِفِ فَوْقِيَّةً جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَنْتِفُ شَعْرَ الْحَاجِبِ حَتَّى يَصِيرَ دَقِيقًا حَسَنًا، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْ اسْتِعْمَالِ مَا هُوَ زِينَةٌ لَهَا كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالْمَفْقُودِ زَوْجُهَا فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ جَوَازِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ الْحَاجِبِ وَالْوَجْهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ فَالنَّامِصَةُ هِيَ الَّتِي تَنْتِفُ الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ كَذَا قَالَ أَبُو دَاوُد، وَالْمُتَنَمِّصَةُ هِيَ الْمَعْمُولُ لَهَا ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَفْسِيرِ النَّامِصَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد وَقَدْ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُصَنِّفِ: وَفَسَّرَهَا عِيَاضٌ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّهَا الَّتِي تَنْتِفُ الشَّعْرَ مِنْ الْوَجْهِ، وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي جَوَازَ نَتْفِ شَعْرِ مَا عَدَا الْحَاجِبَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ، وَتَفْسِيرُ عِيَاضٍ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَالْمُتَفَلِّجَات] . . . إلَخْ جَمْعُ مُتَفَلِّجَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَبْرُدُ أَسْنَانَهَا لِيَتَبَاعَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ أَوْ يَكُونُ فِي أَسْنَانِهَا طُولٌ فَتُزِيلُهُ بِالْمِبْرَدِ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لَهَا دُونَ الْأَخِيرَيْنِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْجَمْعِ فِيهِمَا الْقَاصِرَيْنِ عَلَى الْفَاعِلَةِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا تَبَعًا لِشَارِحِهِ تَفَنُّنٌ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ هَذَا مَا ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [قَوْلُهُ: لِلْحُسْنِ] اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ. وَتَنَازَعَ فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ وَالْأَظْهَرُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخِيرَةِ: قَالَ شَارِحُ الْحَدِيثِ: مَفْهُومُهُ أَنَّ الْمَفْعُولَ لِطَلَبِ الْحُسْنِ هُوَ الْحَرَامُ فَلَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعِلَاجٍ أَوْ عَيْبٍ فِي السِّنِّ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ اهـ. [قَوْلُهُ: الْمُغَيِّرَاتِ] بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِمَنْ فَعَلَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ وَهُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِوُجُوبِ اللَّعْنِ الْمُسْتَدَلِّ بِهِ عَلَى الْحُرْمَةِ، إلَّا أَنَّ الشِّهَابَ الْقَرَافِيُّ قَالَ: لَمْ أَرَ لِلْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَدْلِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ لِتَكْثِيرِ الصَّدَاقِ، وَيُشْكِلُ ذَلِكَ إذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ وَبِالْوَشْمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَدْلِيسٌ، وَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ لَمْ أَفْهَمْ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّغْيِيرَ لِلْجَمَالِ غَيْرُ مُنْكَرٍ فِي الشَّرْعِ كَالْخِتَانِ وَقَصِّ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ وَصَبْغِ الْحِنَّاءِ وَصَبْغِ الشَّعْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى أَرَادَ. . . إلَخْ] أَيْ لَا أَنَّ الْمُرَادَ بَعْدَ اللُّبْسِ بِالْفِعْلِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ:

(خُفًّا أَوْ نَعْلًا بَدَأَ بِيَمِينِهِ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَإِذَا) أَرَادَ (نَزْعَهُمَا بَدَأَ بِشِمَالِهِ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ (وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ قَائِمًا وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ. (وَتُكْرَهُ التَّمَاثِيلُ) أَيْ عَمَلُهَا وَهِيَ الصُّورُ الَّتِي تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ الْحَيَوَانِ أَوْ الْأَشْجَارِ (فِي الْأَسِرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ سَرِيرٍ وَهُوَ مَعْلُومٌ (وَ) فِي (الْقِبَابِ) جَمْعُ قُبَّةٍ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الثِّيَابِ عَلَى الْهَوْدَجِ مَثَلًا. (وَ) فِي (الْجُدَرَانِ) بِضَمِّ الْجِيمِ جَمْعُ جُدُرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْحَائِطُ. (وَ) فِي (الْخَاتَمِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا (وَلُبْسِ الرَّقْمِ) أَيْ التَّصْوِيرُ (فِي الثَّوْبِ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ التَّمَاثِيلِ الْمَكْرُوهَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْتَهَنُ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الرَّقْمُ فِي الثَّوْبِ وَفِي نُسْخَةٍ وَغَيْرِهِ (أَحْسَنُ) مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَدَأَ بِيَمِينِهِ] لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ كَاللُّبْسِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَرْجِيلِ الشَّعْرِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يُنْدَبُ فِيهِ التَّيَامُنُ، وَمَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ فَالتَّيَاسُرُ مِثْلُ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَالِامْتِخَاطِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَخَلْعِ السَّرَاوِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِعَالِ نَائِمًا] أَيْ كَمَا يَجُوزُ جَالِسًا فَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَمَا أَفَادَهُ الْفَاكِهَانِيُّ. [قَوْلُهُ: لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ] أَيْ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا خَلَعَ بَدَأَ بِشِمَالِهِ وَلَا يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلْيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا جَمِيعًا» فَإِذَا انْقَطَعَ قِبَالُ نَعْلِهِ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إبَاحَةِ وُقُوفِهِ فِي نَعْلٍ حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبُغُ إلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ، وَمَنَعَا مَعًا الْمَشْيَ فِيهَا حَتَّى يُصْلِحَ الْأُخْرَى فِي وَقْتِ الْإِصْلَاحِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ أَقْطَعَ الرِّجْلِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، وَكُرِهَ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ. [قَوْلُهُ: التَّمَاثِيلُ] جَمْعُ تِمْثَالٍ بِكَسْرِ التَّاءِ لَيْسَ إلَّا أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ الْأَشْجَارِ. . . إلَخْ] فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْأَشْجَارُ وَلَوْ لَهَا ظِلٌّ جَائِزَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَصْدَهُ التَّمْثِيلُ لِلصُّورِ مِنْ حَيْثُ هِيَ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مَعْلُومٌ] مِنْ أَنَّهُ الَّذِي يُطَّلَعُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَفِي الْقِبَابِ] بِكَسْرِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ: جَمْعُ قُبَّةٍ بِضَمِّ الْقَافِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْهَوْدَجِ] مَرْكَبُ النِّسَاءِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] أَدْخَلَ تَحْتَهُ السَّرِيرَ وَالْخَيْمَةَ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التِّمْثَالُ مَنْقُوشًا فِي تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ صُورَةً مُسْتَقِلَّةً لَهَا ظِلٌّ كَصُورَةِ سَبُعٍ فَهُوَ حَرَامٌ إذَا كَانَتْ كَامِلَةً صُنِعَتْ مِنْ الَّذِي تَطُولُ إقَامَتُهُ كَحَجَرٍ أَمْ لَا كَعَجِينٍ، وَأَمَّا النَّاقِصَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى. تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُحَرَّمِ تَصْوِيرُ لُعْبَةٍ عَلَى هَيْئَةِ بِنْتٍ صَغِيرَةٍ لِتَلْعَبَ بِهَا الْبَنَاتُ الصِّغَارُ فَيَجُوزُ اسْتِصْنَاعُهَا وَصِنَاعَتُهَا وَبَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا لِأَنَّ بِهِنَّ التَّدَرُّبَ عَلَى حَمْلِ الْأَطْفَالِ وَحَرُمَ لِلْكِبَارِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُمْتَهَنُ] مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَرَاهَةِ فِي الْأَسِرَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَوْضِعٍ يُمْتَهَنُ. [قَوْلُهُ: وَفِي نُسْخَةٍ وَغَيْرِهِ] بَدَلُ وَتَرْكُهُ أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ وَغَيْرُ الرَّقْمِ أَحْسَنُ مِنْ الرَّقْمِ الثَّانِي وَغَيْرُ الثَّوْبِ الْمَرْقُومِ وَهُوَ مَا لَا رَقْمَ فِيهِ أَحْسَنُ مِمَّا فِيهِ الرَّقْمُ. [قَوْلُهُ: أَحْسَنُ] أَيْ فَفِعْلُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: مُرَاعَاةً لِمَنْ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ] أَيْ وَلَوْ فِي الثَّوْبِ أَيْ فَفِي تَرْكِهِ سَلَامَةٌ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّمْثَالَ إنْ كَانَ لِغَيْرِ حَيَوَانٍ كَالشَّجَرِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِحَيَوَانٍ فَمَا لَهُ ظِلٌّ وَيُقِيمُ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُقِمْ كَالْعَجِينِ خِلَافًا لِأَصْبُغَ، وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمْتَهَنٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ مُمْتَهَنًا فَخِلَافُ الْأَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصُّورِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا نَاقِصُ عُضْوٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَيُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَحْرُمُ فِعْلُهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَمَا يُكْرَهُ يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ يُبَاحُ. .

[باب في بيان آداب الطعام والشراب]

[45 - بَابٌ فِي بَيَانِ آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] (بَابٌ) (فِي) بَيَانِ آدَابِ (الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) أَيْ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: سَوَابِقُ، وَمُقَارِنَةٌ، وَلَوَاحِقُ. فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَكَلْت أَوْ شَرِبْت) أَيْ إذَا أَرَدْتهمَا (فَوَاجِبٌ عَلَيْك) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ وُجُوبَ السُّنَنِ (أَنْ تَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ) جَهْرًا وَلَا تَزِيدَ: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ زِيَادَةَ ذَلِكَ وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُهُ: (وَتَتَنَاوَلُ) أَيْ تَأْخُذُ مَا تَأْكُلُهُ أَوْ تَشْرَبُهُ (بِيَمِينِك) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَمِنْ الثَّالِثِ قَوْلُهُ: (فَإِذَا فَرَغْت) مِنْ الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ (فَلْتَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ) سِرًّا، وَقَدْ وَرَدَ كُلُّ هَذَا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُ أَيْضًا قَوْلُهُ: (وَحَسَنٌ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ آدَابِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] قَوْلُهُ: أَيْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ] أَيْ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الطَّعَامَ عَلَى الْأَكْلِ، وَالشَّرَابِ عَلَى الشُّرْبِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ. أَقُولُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فَيَكُونَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ آدَابِ أَكْلِ الطَّعَامِ وَآدَابِ شُرْبِ الشَّرَابِ، عَلَى أَنَّ الشَّرَابَ قَدْ جَاءَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الشُّرْبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرَابَ يَأْتِي بِمَعْنَى الْمَشْرُوبِ وَيَأْتِي بِمَعْنَى الشُّرْبِ مَصْدَرًا يُقَالُ: شَرِبَ شُرْبًا وَشَرَابًا بِمَعْنًى. [قَوْلُهُ: فَمِنْ الْأَوَّلِ] وَسَنُنَبِّهُ عَلَى الْبَاقِي مِنْ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِهِ كَمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ] لَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: وُجُوبَ السُّنَنِ] أَيْ سُنَّةِ عَيْنٍ، وَإِذَا نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ أَتَى بِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا فَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ. [قَوْلُهُ: جَهْرًا] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا جَهْرًا لِيُنَبِّهَ الْغَافِلَ عَنْهَا وَيَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَزِيدُ الرَّحْمَنِ. . . إلَخْ] عَلَّلَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمَضْغَ عَذَابٌ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الرَّحْمَةِ كَالذَّبْحِ لَا يُقَالُ هَذَا لَا رُوحَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَاكِهَانِيِّ هُنَا تَرْجِيحُهُ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي الذَّبَائِحِ تَرْجِيحُ الزِّيَادَةِ فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَظَاهِرُ عج تَرْجِيحُ كَلَامِهِ هُنَا. [قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ زِيَادَةَ ذَلِكَ] هَذَا الْبَعْضُ أَبُو مَهْدِيٍّ شَيْخُ ابْنِ نَاجِي فَقَدْ اخْتَارَ أَرْجَحِيَّةَ الزِّيَادَةِ. تَنْبِيهٌ: وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ: «وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا» وَإِنْ كَانَ لَبَنًا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَزِدْنَا خَيْرًا مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَأْخُذُ. . . إلَخْ] أَيْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي أَكْلِهِ فَقِيلَ: حَقِيقَةٌ وَقِيلَ مَجَازٌ عَنْ الشَّمِّ وَفِيهِ شَيْءٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ: أَنَّهُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ. [قَوْلُهُ: جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي. [قَوْلُهُ: سِرًّا] أَيْ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا لِئَلَّا يَحْصُلَ الْحَيَاءُ وَالْخَجَلُ لِمَنْ لَمْ يَشْبَعْ إذَا سَمِعَ حَمْدَ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ

مُسْتَحَبٌّ (أَنْ تَلْعَقَ يَدَك) وَفِي رِوَايَةٍ أَصَابِعَك وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى (قَبْلَ مَسْحِهَا) لِمَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا» . (وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ) كَذَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ (إذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك) مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك وَلَا بَنِيك طَعَامًا (أَكَلْت مِمَّا يَلِيك) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ (وَ) مِنْ آدَابِهِ أَيْضًا أَنَّك (لَا تَأْخُذُ لُقْمَةً حَتَّى تُفْرِغَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَقْفَهْسِيُّ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ أَنْ يُعَقِّبَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ عج: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ قَوْلَهُمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الْأَكْلِ مُرَادُهُمْ بِهِ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ. [قَوْلُهُ: وَحَسَنٌ] خَبَرٌ مُقَدَّمٌ. وَقَوْلُهُ: أَنْ تَلْعَقَ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَيْ اللَّعْقُ أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى] الْيَدُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْكَفِّ تُطْلَقُ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: «كَانَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ» ] بَيَّنَهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، فَقَالَ: الْإِبْهَامُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى وَيَلْعَقُ يَدَهُ الْوُسْطَى ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ الْإِبْهَامَ. قَالَ عِيَاضٌ: وَهُوَ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَسُنَنِهِ، وَالْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ شَرَهٌ وَسُوءُ أَدَبٍ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِخِفَّةِ الطَّعَامِ وَعَدَمِ تَلْفِيفِهِ بِالثَّلَاثِ فَيَدْعَمَهُ بِالرَّابِعَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعَمُهُ بِالرَّابِعَةِ» ، بَلْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بِخَمْسٍ، وَجُمِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ تَلْعَقَ يَدَك أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بِجَمِيعِ أَصَابِعِهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ التِّلْمِسَانِيِّ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صِفَةِ اللَّعْقِ حَدٌّ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً كَمَا قَالَهُ ق يَبْدَأُ فِي لَعْقِ أَصَابِعِهِ مِنْ الْخِنْصَرِ ثُمَّ الْإِبْهَامِ ثُمَّ الْبِنْصِرِ ثُمَّ السَّبَّابَةِ ثُمَّ الْوُسْطَى. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا] أَيْ بِمِنْدِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي طَعَامِهِ غَمَرٌ نَحْوُ اللَّبَنِ وَالزَّيْتِ وَاللَّحْمِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ اللَّعْقَ أَوَّلًا ثُمَّ الْمَسْحَ ثُمَّ الْغَسْلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. قَالَ زَرُّوقٌ: وَحَكَى لِي بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الزَّنَاتِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ السُّنَّةُ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ. . . إلَخْ] وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لِلنَّفَسِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ، وَكَذَلِكَ إذَا أَكْثَرَ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا مَعًا لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لِلنَّفَسِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِهِ. ق: وَقَالُوا: الشِّبَعُ مِنْ الْحَلَالِ يُقَسِّي الْقَلْبَ، وَيُقِلُّ الْحِفْظَ، وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ، وَيُكَسِّلُ الْأَعْضَاءَ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَيَكْسِرُ الشَّهْوَةَ وَيُقَوِّي جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَيُفْسِدُ الْجِسْمَ. فَمَا بَالُك بِالْحَرَامِ وَصِفَةُ تَوَصُّلِهِ إلَى الثُّلُثِ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارًا يُشْبِعُهُ فَيَقْتَصِرَ عَلَى ثُلُثِهِ، فَإِنْ كَانَ يُشْبِعُهُ ثَلَاثَةُ أَقْرَاصٍ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِاللُّقَمِ، فَإِذَا كَانَ يُشْبِعُهُ ثَلَاثُونَ اقْتَصَرَ عَلَى عَشَرَةٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْدِمُ وَلَا يَدْرُسُ فِي الْعِلْمِ، وَأَمَّا الْخَدِيمُ فِي طَلَبِ مَعَاشِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الشِّبَعُ وَكَذَلِكَ دَارِسُ الْعِلْمِ أَيْ الشِّبَعُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَقِيمُ بِهِ حَالُهُ. قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: الشِّبَعُ إلَى حَدِّ التُّخَمَةِ وَإِفْسَادِ الْمَعِدَةِ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ حَرَامٌ، وَبِمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَذْهَبُ إلَى الثِّقَلِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَعَلَيْهِمَا اُخْتُلِفَ فِي الْجُشَأَةِ هَلْ يَقُولُ عِنْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَحْسَنُ فَيَحْمَدُ اللَّهَ اعْتِبَارًا بِالنِّعْمَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِسُوءِ أَدَبِهِ فِي أَكْلِهِ وَمَا لَا يَحُسُّ مَعَهُ بِثِقَلٍ مِمَّا لَا يُخِلُّ بِقُوَاهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ، فَإِنْ قُلْت: مَا عَيْنُ الْحُكْمِ فِي الثُّلُثِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ؟ قُلْت: يُسْتَفَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ الْإِبَاحَةُ، فَعَدُّهُ مِنْ الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الزِّيَادَةِ فَالزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةٌ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ تت أَنَّ فِي الشِّبَعِ قَوْلَيْنِ بِالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالتَّعْلِيلُ الْمُتَقَدِّمُ يُقَوِّي الثَّانِيَ بَلْ يُفِيدُ قُوَّةَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشِّبَعِ، وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ لَنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الْعِبَادَةِ الْوَاجِبَةِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَفِعْلُ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُسْتَحَبٌّ وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ أَوْ اخْتِلَالٌ فِي الْبَدَنِ حَرَامٌ، وَاَلَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ مَكْرُوهٌ وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُبَاحٌ. [قَوْلُهُ: إذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: شَرِيكًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ انْتَهَى لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الشَّرَهِ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْلِ وَحْدَهُ وَإِطْلَاقُ الشَّافِعِيَّةِ يُفِيدُ نَدْبَ الْأَكْلِ مِمَّا يَلِي الْآكِلَ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ انْتَهَى. [قَوْلُهُ: مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك وَلَا بَنِيكَ. . . إلَخْ] قَالَ ق: وَأَمَّا مَعَ أَهْلِهِ وَبَنِيهِ فَلْيَأْكُلْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَأَدَّبَ.

الْأُخْرَى) لِئَلَّا تُنْسَبَ إلَى الشَّرَهِ. (وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَنَّك (لَا تَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك) لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَلْتُبِنْ الْقَدَحَ عَنْ فِيك ثُمَّ تُعَاوِدُهُ إنْ شِئْت) لِجَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِمَا فِي النَّسَائِيّ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَأَرَادَ بِالْأَهْلِ زَوْجَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَقِيقَهُ وَخَدَمَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: طَعَامًا] أَيْ وَاحِدًا كَالثَّرِيدِ وَاللَّحْمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَصْنَافًا مُخْتَلِفَةً كَأَنْوَاعِ الْفَاكِهَةِ فِي طَبَقٍ مِمَّا تَخْتَلِفُ أَغْرَاضُ الْآكِلِينَ فِيهِ أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَرَقٍ وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ غَيْرِهِ. وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَقَوْلُنَا طَعَامًا احْتِرَازًا مِنْ التَّمْرِ فَإِنَّهُ سَيَنُصُّ عَلَى حُكْمِهِ انْتَهَى. أَيْ التَّمْرِ وَشَبَهِهِ أَيْ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ غَيْرِهِ، فَظَاهِرُهُ وَلَوْ نَوْعًا وَاحِدًا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا بَأْسَ فِي التَّمْرِ. . . إلَخْ. إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَصْنَافِ. أَقُولُ: وَيُقَوِّي مَا قَالَهُ الْأَقْفَهْسِيُّ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ عِكْرَاشًا أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَرِيدًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أُتِيَ بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» . [قَوْلُهُ: أَكَلْت مِمَّا يَلِيك] أَيْ نَدْبًا فَقَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَيْ بِقَوْلِهِ: «كُلْ مِمَّا يَلِيك» أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ شَارِحُ الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ «لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَكَلْت يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كُلْ مِمَّا يَلِيك» قَالَ شَارِحُهُ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّتُنَا عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ انْتَهَى. وَمَذْهَبُنَا لَا يُخَالِفُهُ. [قَوْلُهُ: أَنَّك لَا تَأْخُذُ لُقْمَةً] أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ فَأَخْذُ اللُّقْمَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْأُخْرَى بِالْبَلْعِ مَنْدُوبٌ. [قَوْلُهُ: لِئَلَّا تُنْسَبَ إلَى الشَّرَهِ] أَيْ الْحِرْصِ عَلَى الْأَكْلِ، وَلِئَلَّا تَشْرَقَ فَيَحْصُلَ لَك الْخَجَلُ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي الْإِطْلَاقُ لِئَلَّا يَتَّخِذَهُ عَادَةً فَيَفْعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَأْكُلَ كَمَا يَأْكُلُونَ مِنْ تَصْغِيرِ اللُّقْمَةِ وَالتَّرَسُّلِ فِي الْأَكْلِ وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ عَادَتَهُ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَ عِنْدَ الْأَكْلِ مَا يُسْتَقْذَرُ مِنْ نَحْوِ الْبُصَاقِ أَوْ رَدِّ بَعْضِ اللُّقْمَةِ فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وَضْعِهَا فِي الْفَمِ، أَوْ أَنَّهُ بَعْدَ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ يُلْقِي مَا بَقِيَ فِي آثَارِ أَصَابِعِهِ مِنْ الطَّعَامِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ قَبِيحٌ، وَمِنْ آدَابِهِ الْإِكْثَارُ مِنْ حِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ مِمَّا يُرِيحُ الْآكِلَ وَيُقَوِّي نَهْمَتَهُ وَيُنْبِئُ عَنْ سَمَاحَتِك، وَأَنْ لَا تَنْظُرَ إلَى غَيْرِك حَالَ أَكْلِهِ، وَأَنْ لَا تَقُومَ قَبْلَ قِيَامِهِ. وَالظَّاهِرُ إلَّا لِمُوجِبٍ يَقْتَضِي الْقِيَامَ يُعْرَفُ عِنْدَ وُقُوعِهِ، أَوْ يَكُونُ الْغَيْرُ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِي مِنْ قِيَامِك، وَأَنْ لَا تَقُولَ لِمَنْ يَأْكُلُ مَعَك فِي حَالِ أَكْلِهِ: كُلْ، فَإِنَّك تُخْجِلُهُ بِخِلَافِ لَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: يُكْرَهُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّعَامِ وَإِنَّمَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «كُلْ كُلْ كُلْ» ثَلَاثًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ فَإِذَا حَلَفَ فَقِيلَ يَبَرُّ بِثَلَاثِ لُقَمٍ، وَقِيلَ يَبَرُّ بِثَلَاثٍ إذَا كَانَ أَثْنَاءَ الْأَكْلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَبَرُّ بِهَا بَلْ لَا يَبَرُّ إلَّا بِالشِّبَعِ وَيُعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الشُّرْبِ أَنَّك لَا تَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ شُرْبِك لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا قَالَ تت أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ» ، أَيْ وَأَمَرَ مُرِيدَ التَّنَفُّسِ بِإِبَانَةِ الْقَدَحِ عَنْ فِيهِ وَقْتَ تَنَفُّسِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقِيلَ: مَخَافَةَ أَنْ تَبْقَى فَضْلَةٌ فَيَتَقَذَّرَهَا غَيْرُك. وَقِيلَ: مَخَافَةَ الْأَذِيَّةِ لِأَنَّ رِيقَ الْإِنْسَانِ سُمٌّ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ لَا الْكَرَاهَةِ. قُلْت: ذَلِكَ تَعْلِيلٌ بِالْمَظِنَّةِ إذْ لَوْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ لَمَا شُكَّ فِي الْحُرْمَةِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلْتُبِنْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ نَدْبًا إنْ شِئْت أَيْ التَّنَفُّسَ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ أَيْ إنْ شِئْت التَّنَفُّسَ أَثْنَاءَ الشُّرْبِ فَيُنْدَبُ أَنْ تُبِينَ الْقَدَحَ وَلَا تَتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، فَأُخِذَ الْجَوَازُ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ شِئْت أَيْ تُبْعِدُ الْقَدَحَ عِنْدَ إرَادَةِ التَّنَفُّسِ حَتَّى تَتَنَفَّسَ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُكْرَهُ لِمَا فِي النَّسَائِيّ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ

فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» . (وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا) وَهُوَ بَلْعُهُ بِصَوْتٍ كَصَوْتِ الْبَهِيمَةِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ (وَلْتَمُصَّهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مُضَارِعُ مَصِصَ بِالْكَسْرِ (مَصًّا) وَهُوَ بَلْعُ الْمَاءِ بِرِفْقٍ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ. (وَ) مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَيْضًا أَنْ (تَلُوكَ) أَيْ تَمْضُغَ (طَعَامَك وَتُنَعِّمَهُ مَضْغًا) أَيْ تُبَالِغَ فِي مَضْغِهِ أَيْ دَقِّهِ (قَبْلَ بَلْعِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي اللَّذَّةِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَفِي تَرْكِ ذَلِكَ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ، وَتَتَأَذَّى الْمَعِدَةُ مِنْهُ (وَ) مِنْ آدَابِهِ أَنَّك (تُنَظِّفُ فَاك بَعْدَ) الْفَرَاغِ مِنْ (طَعَامِك) بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ لِدَفْعِ مَا يُتَّقَى مِنْ تَغْيِيرِ طَعْمِ الْفَمِ (وَ) مِنْ الْآدَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخِلَافِ الْأَوْلَى وَإِلَّا فَلَا يَدُلُّ لِلْكَرَاهَةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ سَحْنُونَ مُوَافَقَتُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُهُ، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يُبِينُهُ، وَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَشْرَبُ ثُمَّ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَتَنَفَّسْ] أَيْ خَارِجَ الْإِنَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ النَّفَسُ الْأَوَّلُ فِي الشُّرْبِ خَفِيفًا وَالثَّانِي أَطْوَلَ وَالثَّالِثُ إلَى رِيِّهِ، وَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى أَصْلٍ. وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ أَيْ التَّنَفُّسَ ثَلَاثًا خَارِجَ الْإِنَاءِ. وَقَوْلُهُ: أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا أَفْعَلُ أَيْ أَقْوَى فِي عَدَمِ الثِّقَلِ عَلَى الْمَعِدَةِ، وَأَقْوَى فِي الِانْحِدَارِ عَنْهَا بِطِيبِ لَذَّةٍ وَنَفْعٍ فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَمَا يَتَرَاءَى مِنْ قِرَاءَتِهِ بِالْأَلِفِ خَطَأٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: عَبَّ الرَّجُلُ الْمَاءَ عَبًّا مِنْ بَابِ قَتَلَ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَنَفُّسٍ، وَعَبَّ الْحَمَامُ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ كَمَا تَشْرَبُ الدَّوَابُّ. وَأَمَّا بَاقِي الطَّيْرِ فَإِنَّهُ تَحْسُوهُ جُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ اهـ. فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَقَوْلُ شَارِحِنَا وَهُوَ بَلْعُهُ بِصَوْتٍ نَاظِرٌ لِجَعْلِهِ مِنْ عَبَّ الْحَمَامُ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ لَا مِنْ بَابِ عَبَّ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا سَنُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلْيَمُصَّهُ مَصًّا تَأْكِيدًا لِعِلْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا تَعُبَّ الْمَاءَ عَبًّا، وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الْأَوَّلِ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ: إنْ شِئْت فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ. . . إلَخْ] حَاصِلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْمَصِّ وَنَهَى عَنْ الْعَبِّ، أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَنَهْيَ كَرَاهَةٍ فَوَقَعَ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ كَمَا اقْتَضَاهُ حَلُّ الشَّارِحِ، فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ الْمَاءَ مَصًّا وَلَا يَعُبَّ عَبًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» اهـ. وَالْكُبَادُ كَغُرَابٍ وَجَعُ الْكَبِدِ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَبِّ لِأَنَّ فِيهِ إذَايَةً لِلْجَسَدِ إذْ لَعَلَّهُ يَشْرَبُ بَعْضُ الْعُرُوقِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ يَأْخُذُ بَعْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَبَعْضُهَا أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، وَإِذَا مَصَّهُ أَخَذَ كُلُّ عِرْقٍ حَقَّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَطَرَ الرَّقِيقَ الْمُدَمَّنَ أَنْفَعُ لِلْأَرْضِ مِنْ الْوَابِلِ لِأَنَّهُ إذَا نَزَلَ بِقُوَّةٍ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا إلَّا يَسِيرٌ. تَنْبِيهٌ: وَمِثْلُ الْمَاءِ اللَّبَنُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كُلِّ مَائِعٍ وَهَذَا مِنْ الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَيْضًا] أَيْ الْمُقَارِنَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَلُوكَ] مِنْ لَاكَ اللُّقْمَةَ مِنْ بَابِ قَالَ. [قَوْلُهُ: أَيْ تَمْضُغَ] مِنْ بَابِ قَتَلَ وَنَفَعَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ [قَوْلُهُ: وَتُنَعِّمَهُ] بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ تُبَالِغَ مِنْ مَضْغِهِ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَضْغًا مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَأَنَّهُ ضَمَّنَ تُنَعِّمَ مَعْنَى تُبَالِغَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ تُنَعِّمَهُ تَنْعِيمَ مَضْغٍ أَيْ تَنْعِيمًا مَنْسُوبًا لِلْمَضْغِ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَبْلَغُ] أَيْ أَعْظَمُ فِي اللَّذَّةِ أَيْ فِي حَالِ الِابْتِلَاعِ. وَقَوْلُهُ: أَسْهَلُ أَيْ أَشَدُّ سُهُولَةً أَيْ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ. [قَوْلُهُ: فِي تَرْكِ ذَلِكَ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ] أَيْ فِي تَرْكِ التَّنْعِيمِ إذَايَةٌ فِي بَلْعِهِ نَاظِرٌ لِلْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ: وَتَتَأَذَّى الْمَعِدَةُ مِنْهُ نَاظِرٌ لِلثَّانِي إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي قَضِيَّةَ التَّفْضِيلِ فِي أَبْلَغُ وَأَسْهَلُ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ اللَّذَّةُ وَالسُّهُولَةُ عَلَى الْمَعِدَةِ لَوَافَقَ وَلَمْ يُخَالِفْ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَابِ] أَيْ اللَّاحِقَةِ. [قَوْلُهُ: بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْمَضْمَضَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْأَدَبَ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ السِّوَاكَ يُحْتَاجُ مَعَهُ لِلْمَضْمَضَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَسْلَ مَطْلُوبٌ سَوَاءٌ أَرَادَ الصَّلَاةَ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ أَفَادَهُ التَّحْقِيقُ. [قَوْلُهُ: لِدَفْعِ مَا يَتَّقِي. . . إلَخْ] هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي نَدْبَ

أَنَّك (إنْ غَسَلْت يَدَك) بَعْدَ الْمَسْحِ الْوَاقِعِ بَعْدَ اللَّعْقِ (مِنْ الْغَمَرِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْوَدَكُ (وَ) مِنْ (اللَّبَنِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (فَحَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ لَمْ يَغْسِلْهُ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» . وَأَمَّا مَا لَا دَسَمَ فِيهِ فَلَا يَغْسِلُ مِنْهُ (وَ) مِنْهَا أَنَّك (تُخَلِّلُ) أَيْ تُزِيلُ (مَا تَعَلَّقَ بِأَسْنَانِك) أَيْ تَدَاخَلَ بَيْنَهَا (مِنْ الطَّعَامِ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ. (وَنَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ) هَذَا النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ يَمِينٌ (وَ) مِنْ آدَابِ الشُّرْبِ إذَا كُنْت بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ أَنَّك (تُنَاوِلُ إذَا شَرِبْت مَنْ عَلَى يَمِينِك) أَوَّلًا، ثُمَّ مَنْ عَلَى يَسَارِك لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّنَظُّفِ، وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ لَا دَسَمَ لَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ فَاهُ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ دَسَمًا» يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ لَا يُنْدَبُ تَنْظِيفُهُ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ الْآدَابِ] أَيْ اللَّاحِقَةِ. [قَوْلُهُ: بِفَتْحٍ. . . إلَخْ] احْتِرَازٌ عَنْ مَضْمُومِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ الرَّجُلُ الْجَاهِلُ، وَعَنْ مَكْسُورِ الْغَيْنِ فَهُوَ الْحِقْدُ، وَعَنْ مَفْتُوحِ الْغَيْنِ سَاكِنِ الْمِيمِ فَهُوَ السَّتْرُ، نَحْوُ غَمَرَ الْمَاءُ الْأَرْضَ غَمْرًا سَتَرَهَا. [قَوْلُهُ: الْوَدَكُ. . . إلَخْ] قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْوَدَكُ بِفَتْحَتَيْنِ دَسَمُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَعَطْفُ اللَّبَنِ عَلَى مَا قَبْلَهُ مُغَايِرٌ. [قَوْلُهُ: وَأَصَابَهُ شَيْءٌ] أَيْ خَبَلٌ أَوْ مَسٌّ مِنْ الْجِنِّ أَوْ بَرَصٌ كَمَا وَرَدَ بَلْ وَخَيْرُ مَا فَسَّرْته بِالْوَارِدِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ: فَأَصَابَهُ إيذَاءٌ مِنْ الْهَوَامِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَوَامَّ وَذَوَاتَ السَّمُومِ رُبَّمَا تَقْصِدُ رَائِحَةَ الطَّعَامِ فَتُؤْذِيهِ وَهَذَا لَا يُنَاسِبُ الْمَرْوِيَّ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا لَا دَسَمَ فِيهِ] أَيْ كَالْعَدَسِ وَالتَّمْرِ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ مِنْهُ، فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَكَلَ مَا لَا دَسَمَ فِيهِ يَمْسَحُ كَفَّهُ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ. [قَوْلُهُ: لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ. . . إلَخْ] لِمَا خَرَّجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مَرْفُوعًا: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ» وَلَيْسَ شَيْءٌ أَضَرَّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَلَك أَنْ تَأْكُلَ مَا يَخْرُجُ مِنْ التَّخْلِيلِ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَجَسًا. ق: هَكَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ بِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُتَغَيِّرَ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ تت وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ أَيْضًا: وَيَجُوزُ التَّخْلِيلُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ السِّوَاكُ وَلَا يَكُونُ بِمَا لَا يَجُوزُ بِهِ السِّوَاكُ. [قَوْلُهُ: وَنَهَى الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْأَكْلِ. . . إلَخْ] فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا وَتَتَنَاوَلُ بِيَمِينِك فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْمُنَاوَلَةِ بِالْيَمِينِ فَقَدْ نَهَى عَنْ الْمُنَاوَلَةِ بِالشِّمَالِ، وَإِنَّمَا زَادَ هُنَا نَهَى الرَّسُولُ أَيْ لِيُفِيدَ أَنَّهُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ لَا خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: فِي حَقِّ مَنْ لَهُ يَمِينٌ] فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يَمِينٌ فَبِشِمَالِهِ. [قَوْلُهُ: إذَا شَرِبْت. . . إلَخْ] مِثْلُهُ الطَّعَامُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إذَا أَذِنَ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يُعْطِيَ لِمَنْ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ، وَيُعْطِي السَّاقِي بَدْءًا لِلْفَاضِلِ ثُمَّ لِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَأْتِي عَلَى آخِرِهِمْ، وَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ بَدَأَ بِيَمِينِ مَنْ عَلَى يَمِينِ السَّاقِي. [قَوْلُهُ: مَنْ عَلَى يَمِينِك] وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا بَلْ وَلَوْ كَافِرًا، فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ صَائِمًا كَانَ لِمَنْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ وَهَكَذَا وَلَيْسَ لِمَنْ عَلَى يَمِينِهِ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ. [قَوْلُهُ: أُتِيَ] بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهُوَ فِي دَارِ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: بِلَبَنٍ أَيْ حُلِبَ مِنْ شَاةٍ دَاجِنٍ. وَقَوْلُهُ: شِيبَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خُلِطَ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءٍ أَيْ مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ. وَقَوْلُهُ: عَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ لَمْ يُسَمَّ، وَزَعْمُ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ خَطَأٌ وَاضِحٌ كَمَا بَيَّنُوهُ. وَقَوْلُهُ: الْأَيْمَنَ ضُبِطَ بِالنَّصْبِ. عَلَى تَقْدِيرِ: أَعْطِ الْأَيْمَنَ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: الْأَيْمَنُ أَحَقُّ. قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَرُجِّحَ الرَّفْعُ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: «الْأَيْمَنُونَ الْأَيْمَنُونَ» . قَالَ أَنَسٌ: فَهِيَ سُنَّةٌ أَيْ تَقْدِمَةُ الْأَيْمَنِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَسْقَى قَالَ: ابْدَءُوا بِالْكُبَرَاءِ. أَوْ قَالَ: بِالْأَكَابِرِ» . فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ أَحَدٌ بَلْ كَانُوا كُلُّهُمْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ: وَفِيهِ أَنَّ خَلْطَ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ لِلشُّرْبِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَغِشٌّ، وَأَنَّ الْمَجْلِسَ عَنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سَوَاءٌ إذْ لَوْ

بِمَاءٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ وَعَنْ يَسَارِهِ الصِّدِّيقُ فَشَرِبَ، ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، وَقَالَ: الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ» . وَمِنْ الْآدَابِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَيُنْهَى) بِمَعْنَى وَنُهِيَ (عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ) رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبِرَازُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِي الْأَوَّلَيْنِ لِمَا يُتَّقَى مِنْ الْقَذَرِ، وَفِي الثَّالِثِ لِحُرْمَتِهِ (وَ) كَذَلِكَ نُهِيَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ (عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» . وَأَلْحَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَائِرَ الِاسْتِعْمَالَاتِ (وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا) لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَائِمًا» ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَشْرَبُ قَائِمًا وَقَاعِدًا» وَفَعَلَهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَكَرِهَهُ قَوْمٌ لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِيهَا نَظَرٌ. (وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَكَلَ الْكُرَّاثَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الْفَضْلُ لِلْيَمِينِ لَمَا آثَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَقِيلَ: كَانَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ، فَلِذَا جَلَسَ عَلَى يَمِينِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ سَبَقَ أَبَا بَكْرٍ فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ مَجْلِسِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَحَلِّهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ أَفْضَلَ مِنْهُ، هَذَا مَا قَالَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَمِينِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا الْأَعْرَابِيُّ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَالْأَيْمَنَ " أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَدُّدِ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ. [قَوْلُهُ: وَنُهِيَ عَنْ النَّفْخِ] أَيْ نَهْيَ كَرَاهَةٍ. [قَوْلُهُ: فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ] ق: ظَاهِرُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ فِي الْأَوَانِي أَوْ فِي يَدِهِ. وَقَالَ الزَّنَاتِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الْأَوَانِي. [قَوْلُهُ: وَالْكِتَابِ] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْكِتَابِ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ كِتَابًا كَتَبَهُ لِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ. . . إلَخْ] أَتَى بِهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِ (د) دَفْعًا لِاعْتِرَاضِ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ النَّفْخِ فِي الثَّلَاثَةِ انْفَرَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وك عَنْ الْبَزَّارِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ» وَقَدْ نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَالْفَاكِهَانِيُّ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ. [قَوْلُهُ: لِمَا يُتَّقَى مِنْ الْقَذَرِ] وَهُوَ رِيقُهُ أَيْ وَهُوَ إهَانَةٌ لِلطَّعَامِ، وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ النَّفْخُ وَإِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ بَارِدًا أَوْ حَارًّا، سَوَاءٌ مَا قَلَّ وَمَا جَلَّ أَوْ هُوَ يُؤْذِي غَيْرَهُ لِكَوْنِهِ سُمًّا، وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَهُمَا قَوْلَانِ تَحْتَمِلُهُمَا عِبَارَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَفِي الثَّالِثِ لِحُرْمَتِهِ] أَيْ شَرَفِهِ. وَقِيلَ: خَوْفَ مَحْوِهِ أَوْ خَوْفَ التَّفَاؤُلِ بِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ إذَا كَانَ مُرْسَلًا لِلْغَيْرِ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ قَصَدَ تَجْفِيفَهُ، وَالْمَطْلُوبُ التَّتْرِيبُ بَدَلَ النَّفْخِ «فَقَدْ كَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَيْنِ وَتَرَّبَ أَحَدَهُمَا وَتَرَكَ الْآخَرَ» ، فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْمُتَرَّبِ دُونَ غَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ] بَلْ الْأَكْلِ وَسَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَ مَنْعُ الشُّرْبِ بِمَنْعِ الِاقْتِنَاءِ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلشُّرْبِ فِيهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْجَوَازُ، وَيَجُوزُ الشُّرْبُ فِي أَوَانِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ، وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ كَالْيَوَاقِيتِ وَالْجَوَاهِرِ قَوْلَانِ بِالْمَنْعِ وَالْجَوَازِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ صَلَاةٌ وَمَعَهُ آلَةُ اسْتِسْقَاءٍ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَهُمْ] أَيْ لِلْكُفَّارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَقَوْلُهُ: فِي الدُّنْيَا أَيْ يَسْتَعْمِلُونَهَا مُخَالَفَةً لِلْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ: وَلَكُمْ أَيْ مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ تَسْتَعْمِلُونَهَا فِي الْآخِرَةِ مُكَافَأَةً لَكُمْ عَلَى تَرْكِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُمْنَعُهَا أُولَئِكَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ بِاسْتِعْمَالِهَا كَذَا قَرَّرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَهَلْ حُرْمَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَعَيْنِهِمَا أَوْ لِلسَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَوْلَانِ، وَفُهِمَ مِنْ حُرْمَتِهِمَا حُرْمَةُ الِاسْتِئْجَارِ لِفِعْلِهِمَا وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى صِيغَتِهِمَا وَعَدَمُ الْغُرْمِ عَلَى كَاسِرِ ذَلِكَ كَآلَاتِ الْمَلَاهِي. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ] أَيْ وَكَذَا الْأَكْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي جَوَازِهِ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: وَفَعَلَهُ] أَيْ الشُّرْبَ قَائِمًا. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ] أَيْ جَمَاعَةٌ هُمْ الْفُقَهَاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَكْثَرَهُمْ لَا كُلَّهُمْ وَأَرَادَ لَا بِقَيْدِ الْمَذْهَبِ. [قَوْلُهُ: لِأَحَادِيثَ] فَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدُكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» . [قَوْلُهُ: فِيهَا نَظَرٌ] أَيْ بَحْثٌ أَيْ لَمْ تُسَلَّمْ صِحَّتُهَا. وَلَا حُسْنُهَا، فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ الْعُمْرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ النَّهْيَ عَنْهُ عَلَى حَالِ

بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا (أَوْ الثُّومَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ بِالْفَاءِ عِوَضًا عَنْهَا (أَوْ الْبَصَلَ) بِفَتْحِ الصَّادِ (نِيئًا) بِكَسْرِ النُّونِ وَالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَيُرْوَى بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ (أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْجِنْسِ يَعْنِي كُلَّ مَسْجِدٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَ ج: أَنَّ دُخُولَهُ مَكْرُوهٌ لَا مُحَرَّمٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. (وَ) مِنْ الْآدَابِ أَنَّهُ (يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا) لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «لَا آكُلُ مُتَّكِئًا» وَصِفَةُ الْإِتْكَاءِ أَنْ يَمِيلَ عَلَى مِرْفَقِهِ الْأَيْسَرِ، وَجَاءَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَضَعُ إحْدَى فَخِذَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَإِحْدَى سَاقَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ وَيَأْكُلُ وَيَقُولُ: أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» . (وَ) مِنْ الْآدَابِ أَنَّهُ (يُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْأَكْلُ مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ) لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَشْيِ. [قَوْلُهُ: أَوْ الثُّومَ أَوْ الْبَصَلَ] وَأُلْحِقَ بِهِمَا الْفُجْلُ وَمَنْ بِفَمِهِ بَخَرٌ أَوْ بِجَسَدِهِ جُرْحٌ مُنْتِنٌ. [قَوْلُهُ: نِيئًا] وَأَمَّا مَنْ أَكَلَ الْمَطْبُوخَ بِالْخَلِّ وَالْمُخَلَّلَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا. [قَوْلُهُ: بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ] وَحَكَى قُطْرُبٌ تَخْفِيفَهَا. [قَوْلُهُ: يَعْنِي كُلَّ مَسْجِدٍ] أَيْ فَأَلْ لِلْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَلَا يُنَافِي التَّعْبِيرَ بِكُلٍّ الَّتِي هِيَ صِيغَةُ الِاسْتِغْرَاقِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدَ خُطْبَةٍ أَمْ لَا، وَكَذَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجَنَائِزَ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ أَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ وَكَذَا حَلَقُ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَالْوَلَائِمِ وَنَحْوِهَا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ] أَيْ لِقَوْلِهِ وَلَا يَنْبَغِي. [قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ] أَيْ مِنْ مَالِكٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ارْتِضَاؤُهُ إلَّا أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ رَجَّحَ الْحُرْمَةَ، وَحَمَلَ ابْنُ عُمَرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» . وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ السُّوقِ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ نَقْصُ مُرُوءَةٍ. [قَوْلُهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا] أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَهِيَ مَتَى أُطْلِقَتْ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِلتَّنْزِيهِ. [قَوْلُهُ: لَا آكُلُ] إمَّا إخْبَارٌ بِعَدَمِ الْأَكْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ الْمُرَادُ لَا يَجُوزُ لِي أَنْ آكُلَ مُتَّكِئًا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَمِيلَ عَلَى مَرْفِقِهِ الْأَيْسَرِ] أَيْ بِأَنْ يَبْسُطَ الْفَخِذَ الْيُسْرَى وَيَرْكَنَ فِيهَا الْمَرْفِقَ الْيُسْرَى، وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهَا، وَالْفَخِذُ الْيُمْنَى قَائِمَةٌ وَفِي الِاتِّكَاءِ قَوْلَانِ آخَرَانِ، أَحَدُهُمَا: التَّرَبُّعُ وَهُوَ لِلْخَطَّابِيِّ، ثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ لِشِقٍّ، وَالِاتِّكَاءُ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَا يُنْهَى عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ كَابًّا رَأْسَهُ عَلَى الطَّعَامِ. [قَوْلُهُ: وَجَاءَ أَنَّهُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ] أَيْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَفْعَلَ كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ جُلُوسَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ كَجُلُوسِ الْمُسْتَوْفِزِ. وَقَالَ: «إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ «أُهْدِيَ لَهُ شَاةٌ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ قَالَ: إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا» فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقَعُ مِنْهُ كُلٌّ مِنْهُمَا. وَلِبَعْضِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ مَا نَصُّهُ: أَحْسَنُ الْجِلْسَاتِ لِلْأَكْلِ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْوَرِكَيْنِ وَنَصْبُ الرُّكْبَتَيْنِ يَعْنِي الَّذِي هُوَ الْمُسْتَوْفِزُ، ثُمَّ الْجُثِيُّ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُورُ الْقَدَمَيْنِ ثُمَّ نَصْبُ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَالْقُعُودُ عَلَى الْيُسْرَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَلِصَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الطَّعَامِ عَلَى ثَلَاثِ هَيْئَاتٍ. الْأُولَى: أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى وَيَضَعَ الْيُسْرَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقِيمَهُمَا مَعًا. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجْلِسَ كَجُلُوسِهِ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الثَّالِثَةُ فِي كَلَامِهِ وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ وَقَوْلِ شَارِحِ خَلِيلٍ فِي صِفَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلًّا حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ الْآخَرُ. [قَوْلُهُ: كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَيْسَتْ كَالْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ] أَيْ لِأَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ الرِّقُّ وَالْخُضُوعُ وَالِانْكِسَارُ لِرُؤْيَتِهِ أَنَّ السِّيَادَةَ لِغَيْرِهِ لَا لَهُ. [قَوْلُهُ: وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ] أَيْ مِنْ الْأَكْلِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا بِأُصْبُعَيْنِ الَّذِي هُوَ أَكْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ، فَفِي الْإِحْيَاءِ الْأَكْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ الْأَكْلُ بِأُصْبُعٍ مِنْ الْمَقْتِ وَبِأُصْبُعَيْنِ مِنْ الْكِبْرِ وَبِثَلَاثٍ مِنْ السُّنَّةِ وَبِأَرْبَعٍ وَخَمْسٍ مِنْ الشَّرَهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «الْأَكْلُ بِأُصْبُعٍ أَكْلُ

تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهَا» . وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّفْحَةِ وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا» . فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْخِ الْكَرَاهَةَ بِالثَّرِيدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ (وَنَهَى عَنْ الْقِرَانِ) أَيْ الِازْدِوَاجُ (فِي التَّمْرِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ» ، وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ شُعْبَةَ لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَيْ الِاسْتِئْذَانَ إلَّا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ (وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ) النَّهْيَ عَنْ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ إنَّمَا هُوَ (مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ) ع: هَذَا تَفْسِيرٌ لِعُمُومِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَالَ ق: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ عَلَّلْنَا بِسُوءِ الْأَدَبِ، وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِبْدَادِ وَكَانَ الْقَوْمُ شُرَكَاءَ بِشِرَاءٍ أَوْ مُطْعِمِينَ كَانَ النَّهْيُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ. وَقَوْلُهُ: فِي التَّمْرِ يُرِيدُ وَكَذَلِكَ سَائِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْطَانِ وَبِأُصْبُعَيْنِ أَكْلُ الْجَبَابِرَة وَبِالثَّلَاثِ أَكْلُ الْأَنْبِيَاءِ» . [قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ. . . إلَخْ] الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: تِلْكَ الْبَرَكَةُ أَجْزَاءٌ مِنْ نَوْعِ الطَّعَامِ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ نُزُولِ الرَّحَمَاتِ. فَتَقُومُ بِالْأَعْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَوْ تَجُوزُ بِاللَّفْظِ عَنْ حُصُولِهَا فِيهِ وَالسِّرُّ فِيهِ الْإِشَارَةُ إلَى تَحْقِيقِ هَذَا الزَّائِدِ وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَعَيَّنٌ أَوْ أَنَّ مَنْ يُمْنِي عَنْ أَيْ أَنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَنْ أَعْلَاهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ: كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَنْ وَسَطِهَا وَتَحِلُّ فِي جَوَانِبِهَا» . وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْأَعْلَى مَا دَامَ بَاقِيًا تَنْزِلُ الْبَرَكَةُ فَإِذَا أُزِيلَ ذَلِكَ الْأَعْلَى يَنْقَطِعُ نُزُولُ الْبَرَكَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ هُنَاكَ شَيْءٌ حِسِّيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْلَى، وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ سُرْعَةِ إيجَادِ الشِّبَعِ فِي الْأَكْلِ مَا دَامَ الْأَعْلَى بَاقِيًا فَلَا يَحْتَاجُ الْآكِلُ فِي شِبَعِهِ إلَى كَثْرَةِ مَا يُدْخِلُهُ جَوْفَهُ مِنْ الطَّعَامِ. [قَوْلُهُ: فَبَانَ بِهَذَا] أَيْ بِقَوْلِهِ: فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّرِيدَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ ثَرَدْت الْخُبْزَ ثَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُفَتُّ مِنْ الْخُبْزِ ثُمَّ يُبَلُّ بِالْمَرَقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ وَشَرْحُ الشَّمَائِلِ بَلْ حَتَّى الرَّغِيفِ كَمَا قَالَهُ ق. لَا يَبْتَدِئُ أَكْلَهُ مِنْ وَسَطِهِ وَيَقْسِمُهُ بِالْيَدِ أَجْزَاءً يَجْعَلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَاشِيَةً إنْ أَمْكَنَهُ وَيُكْثِرُ أَجْزَاءَهُ إنْ كَانَ أَكَلَهُ جَمَاعَةٌ وَلَا يَقْسِمُهُ بِالْخِنْجَرِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَالسُّنَّةُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ وَالسُّنَّةُ فِي أَكْلِهِ النَّهْشُ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْإِدَامِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَقَالَ: «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» . انْتَهَى. [قَوْلُهُ: أَيْ الِازْدِوَاجِ] أَيْ بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ الْأَدَبُ أَكْلُ كُلِّ تَمْرَةٍ وَحْدَهَا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَقْرُنَ] مِنْ بَابِ قَتَلَ وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ، أَيْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الشَّخْصَ عَنْ الْقِرَانِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ] أَيْ الْجِنْسَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآكِلُ مَعَهُ وَاحِدًا فَقَطْ، وَالْمُرَادُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ وَيَأْذَنُوا أَيْ أَوْ يَأْذَنُوا ابْتِدَاءً. [قَوْلُهُ: لَا أَرَى هَذِهِ الْكَلِمَةَ] أَيْ الِاسْتِئْذَانَ لَعَلَّ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ مِمَّنْ أُخِذَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَأَرَادَ بِالْكَلِمَةِ الْجُمْلَةَ وَقَوْلُهُ أَيْ الِاسْتِئْذَانَ أَيْ دَالَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ] ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَامٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَقِيلَ إنَّ ذَلِكَ. . . إلَخْ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ شَهَّرَ غَيْرَ الْقَوِيِّ وَضَعَّفَ مَا كَانَ غَايَةً فِي الْقُوَّةِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْعُمُومِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعُمُومَ الْأَوَّلَ لَا يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ يُخَصُّ إذَا كَانَ مَعَ الْأَصْحَابِ الشُّرَكَاءُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَهُ تَفْسِيرًا غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ، وَالْحَاصِلُ لَهُ عَلَى ارْتِكَابِهِ إنَّمَا هُوَ لِجَرَيَانِ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمَشْهُورِ [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ] أَيْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ النَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَعَلَى الثَّانِي لِلْحُرْمَةِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِبْدَادِ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الِاسْتِبْدَادَ لَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ بَلْ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: وَكَانَ الْقَوْمُ] أَيْ الْآكِلُونَ. [قَوْلُهُ: بِشِرَاءٍ] لَا مَفْهُومَ لِلشِّرَاءِ بَلْ مِثْلُهُ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُطْعَمِينَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَعْطُوفٌ

الْأَطْعِمَةِ وَالْفَوَاكِهِ (وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ) أَيْ بِقِرَانِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ إذَا أَكَلْته (مَعَ أَهْلِك) ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تَسْتَبِدَّ بِشَيْءٍ دُونَهُمْ (أَوْ) أَكَلْته (مَعَ قَوْمٍ تَكُونُ أَنْتَ أَطْعَمْتهمْ) وَهَذَا عَلَى التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِبْدَادِ، وَأَمَّا عَلَى التَّعْلِيلِ بِسُوءِ الْأَدَبِ فَإِنَّهَا مَوْجُودَةٌ هُنَا، وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ أَكَلُوهُ وَإِنَّمَا مَلَكُوا مِنْهُ مَا أَكَلُوا خَاصَّةً (وَلَا بَأْسَ فِي التَّمْرِ وَشِبْهِهِ) كَالزَّبِيبِ (أَنْ تَجُولَ) أَيْ تُرْسِلَ (بِيَدِك فِي الْإِنَاءِ) الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَأْكُولُ يَمِينًا وَشِمَالًا (لِتَأْكُلَ مَا) أَيْ الَّذِي (تُرِيدُ مِنْهُ) وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ. (وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ) أَكْلِ (الطَّعَامِ مِنْ السُّنَّةِ) بَلْ مَكْرُوهٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ. يَنْفِي اللَّمَمَ» (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا) أَيْ الْيَدِ (أَذًى) أَيْ نَجَسٌ فَيَجِبُ غَسْلُهَا إكْرَامًا لِلطَّعَامِ. وَفِي قَوْلِهِ: (وَلْيَغْسِلْ يَدَهُ وَفَاهُ بَعْدَ الطَّعَامِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى قَوْلِهِ بِشِرَاءٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَكَانَ الْقَوْمُ شُرَكَاءَ إمَّا بِالشِّرَاءِ أَيْ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِ الْغَيْرِ أَطْعَمَهُمْ، وَهَذَا إذَا اسْتَوَوْا فِي الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَتْ الْأَنْصِبَاءُ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْرَ حِصَّتِهِ مَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْ صَاحِبِ الزَّائِدِ إرَادَةُ الْمُسَاوَاةِ وَإِلَّا عَمِلَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُنَا: أَوْ بِسَبَبٍ. . . إلَخْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّعَامَ الْمُقَدَّمَ لِلضُّيُوفِ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَمُقَابِلُهُمَا لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ، وَعَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ الضُّيُوفِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِهِ بِالدُّخُولِ أَوْ التَّقْدِيمِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ سَائِرٌ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَا مَفْهُومَ لِلتَّمْرِ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْحَدِيثَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ التَّمْرَ لِأَنَّهُ غَالِبُ اسْتِعْمَالِهِمْ. [قَوْلُهُ: مَعَ أَهْلِك] أَيْ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِك اللَّازِمِ لَك نَفَقَتُهُمْ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَك وَلَا يَلْزَمُك التَّأَدُّبُ مَعَهُمْ وَإِنْ لَزِمَهُمْ لَك. [قَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْضًا. . . إلَخْ] وَأَمَّا عَلَى تَمَلُّكِهِمْ بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالدُّخُولِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَأْكُولُ] أَيْ بَيْنَك وَبَيْنَ غَيْرِك لِتَأْكُلَ مِنْهُ مَا الَّذِي تُرِيدُ. قَالَ تت: لِاخْتِلَافِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ بِالِانْتِهَاءِ وَغَيْرِهِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْأَطْعِمَةُ الْمُخْتَلِفَةُ كَعَدْسٍ وَلَحْمٍ وَأُرْزٍ فَتَأْكُلُ مِمَّا تُرِيدُهُ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَقِبَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَإِذَا أَكَلْت مَعَ غَيْرِك أَكَلْت مِمَّا يَلِيك. [قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ «عِكْرَاشًا أَكَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ» إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. [قَوْلُهُ: قَبْلَ أَكْلٍ. . . إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَبْلِيَّةَ لَيْسَتْ مُضَافَةً لِلطَّعَامِ لِوُجُودِ الطَّعَامِ بَلْ لِأَكْلِهِ. [قَوْلُهُ: بَلْ مَكْرُوهٌ] أَيْ إذَا كَانَتَا نَظِيفَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ] رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ. [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ] أَيْ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ عَلَى خِلَافِ حَدِيثِ الْمُصْطَفَى الصَّحِيحِ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُوجِبٍ، وَذَلِكَ لِكَوْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ الدَّالِ عَلَى نَسْخِهِ [قَوْلُهُ: قَبْلَ الطَّعَامِ] بِفَتْحِ الطَّاءِ هُوَ لُغَةً كَالْمَطْعَمِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُسَاغُ، وَعُرْفًا اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُؤْكَلُ كَالشَّرَابِ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُشْرَبُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الطَّعَامُ الْبُرُّ خَاصَّةً، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَا قُصِدَ لِلطُّعْمِ اقْتِيَاتًا أَوْ تَأَدُّمًا أَوْ تَفَكُّهًا، وَأَمَّا مَا قُصِدَ لِتَدَاوٍ فَسَمَّوْهُ تَارَةً طَعَامًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُطْعَمُ أَيْ يُؤْكَلُ، وَتَارَةً غَيْرَ طَعَامٍ نَظَرًا لِلْعُرْفِ. قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ: وَأَرَادَ بِالْقَبْلِيَّةِ عِنْدَ إرَادَتِهِ بِحَيْثُ يُنْسَبُ لَهُ عُرْفًا [قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ] أَيْ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ. [قَوْلُهُ: يَنْفِي اللَّمَمَ] طَرَفٌ مِنْ جُنُونٍ يَلُمُّ الْإِنْسَانَ مِنْ بَابِ تَعِبَ. [قَوْلُهُ: أَيْ نَجِسٌ. . . إلَخْ] الْأَوْلَى قَذِرٌ وَلَوْ طَاهِرًا فَإِنَّهُ يُطْلَبُ غَسْلُهُ وُجُوبًا إنْ كَانَ نَجِسًا وَنَدْبًا إنْ كَانَ طَاهِرًا، وَقَدْ يَجِبُ إذَا كَانَ عَدَمُ الْغَسْلِ يُؤْذِي غَيْرَهُ كَمَنْ يَمْتَخِطُ بِيَمِينِهِ، وَأَرَادَ الْأَكْلَ بِهَا رُطَبًا أَوْ يَابِسًا حَارًّا أَوْ بَارِدًا لِامْتِهَانِ الطَّعَامِ عِنْدَ تَنَاوُلِهِ بِالْيَدِ الْقَذِرَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ.

الْغَمَرِ) تَكْرَارٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْيَدِ مَعَ قَوْلِهِ: وَإِنْ غَسَلْت يَدَك مِنْ الْغَمَرِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَحَسَنٌ وَقَوْلِهِ وَلْيَغْسِلْ فَإِنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ (وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ مِنْ اللَّبَنِ) عِيَاضٌ: هُوَ سُنَّةٌ لِلْقَائِمِ لِلصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ لِغَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِبَ لَبَنًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا» . (وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ) كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ (أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ) دَقِيقِ (الْقَطَانِيِّ) كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ (وَكَذَلِكَ) كُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ (بِالنُّخَالَةِ) وَهِيَ مَا يُتَخَلَّصُ بِالْغِرْبَالِ مِنْ قُشُورِ الْحِنْطَةِ (وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي غَسْلِ الْيَدِ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ بِالْجَوَازِ وَالْكَرَاهَةِ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى مَا تَرْجَمَ لَهُ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّم عَلَى مَسَائِل تَبَرُّع بِهَا فَقَالَ: (وَلْتَجِبْ) قِيلَ وُجُوبًا وَقِيلَ اسْتِحْبَابًا (إذَا دُعِيت إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ) أَيْ النِّكَاحِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا (إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَهْوٌ مَشْهُورٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ مِثْلُ آلَاتِ الطَّرَبِ الْمَمْنُوعَةِ (وَلَا مُنْكَرٌ بَيِّنٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ مِثْلُ اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَفَرْشِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ مِنْ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبًا. [قَوْلُهُ: وَلْيُمَضْمِضْ فَاهُ] ظَاهِرُهُ مُطْلَقُ اللَّبَنِ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: الْحَلِيبُ لِأَنَّ لَهُ دَسَمًا وَيُقَوِّيهِ الْحَدِيثُ الْآتِي عَلَى الْأَثَرِ. [قَوْلُهُ: عِيَاضٌ هُوَ سُنَّةٌ لِلْقَائِمِ لِلصَّلَاةِ] ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُطْلَقًا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ النَّدْبُ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: دَسَمًا] الدَّسَمُ الْوَدَكُ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْوَدَكِ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَجْعَلْ هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: وَتُنَظِّفُ فَاك بَعْدَ طَعَامِك فَإِنَّ الطَّعَامَ يَشْمَلُ اللَّبَنَ وَغَيْرَهُ، وَقَدْ فَسَّرَ تَنْظِيفَهُ فِيمَا مَرَّ بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ. [قَوْلُهُ: وَكُرِهَ غَسْلُ الْيَدِ. . . إلَخْ] غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ أَنْ يُجَفِّفَ يَدَهُ بِالطَّعَامِ أَوْ يَجْعَلَ الطَّعَامَ فِي الْمَاءِ وَيُدَلِّكَ يَدَهُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ دَقِيقِ الْقَطَانِيِّ] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّهُ مِنْهُ، وَأَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ دَقِيقَهَا لَا يُؤْكَلُ إلَّا فِي الْمَسْغَبَةِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ خِفَّتُهَا. [قَوْلُهُ: وَهِيَ مَا يُتَخَلَّصُ] أَيْ وَأَرَادَ نُخَالَةَ الْقَمْحِ لِأَنَّ فِيهَا شَبَهًا مِنْ الطَّعَامِ، وَقَدْ تُؤْكَلُ فِي سَنِيِّ الْمَجَاعَةِ، وَأَمَّا نُخَالَةُ الشَّعِيرِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْغَسْلِ بِهَا. [قَوْلُهُ: بِالْجَوَازِ] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجُلْبَانِ وَالْفُولِ وَمَا أَشْبَهَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَتَدَلَّكَ بِهِ فِي الْحَمَّامِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَثِيرًا مَا كَانُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ بِأَقْدَامِهِمْ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْسَاخِ. وَقَوْلُهُ: وَالْكَرَاهَةُ أَيْ لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ، وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ لَا فَرْقَ بَيْنَ زَمَنِ الرَّخَاءِ وَزَمَنِ الْغَلَاءِ. [قَوْلُهُ: وَلْتُجِبْ] بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ وُجُوبًا] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. [قَوْلُهُ: إذَا دُعِيتَ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ مَشْرُوطٌ بِالدَّعْوَةِ وَبِتَعَيُّنِ الْمَدْعُوِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَتَعَيُّنُهُ يَحْصُلُ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْعُرْسِ تَحْضُرُ عِنْدَنَا وَقْتَ كَذَا، وَبِقَوْلِهِ لِشَخْصٍ اُدْعُ لِي فُلَانًا بِعَيْنِهِ أَوْ أَرْسِلْ لَهُ وَرَقَةً فِيهَا اسْمُهُ، أَوْ قَالَ لِشَخْصٍ اُدْعُ لِي أَهْلَ الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ وَهُمْ مَحْصُورُونَ لَا إنْ قَالَ: اُدْعُ لِي مَنْ لَقِيت. وَحُكْمُ الْوَلِيمَةِ النَّدْبُ عَلَى الزَّوْجِ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَبْحٌ وَنُدِبَ كَوْنُهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ النِّكَاحُ] تَفْسِيرٌ لِلْعُرْسِ. قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ: وَلِيمَةُ الْعُرْسِ شَرْطٌ فَلَا يَتَأَكَّدُ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهَا بَلْ يُكْرَهُ إجَابَةُ وَلِيمَةِ غَيْرِ الْعُرْسِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ لِأَهْلِ الْفَضْلِ إتْيَانَ طَعَامِ غَيْرِ الْعُرْسِ، وَأَرَى إنْ كَانَ الدَّاعِي صَدِيقًا أَوْ جَارًا أَوْ قَرِيبًا كَانَ طَعَامُهُ كَالْعُرْسِ وَبَحَثَ عج بِأَنْ يَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَفْيُ كَرَاهَةِ الْحُضُورِ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى عَدَمِ إجَابَةِ نَحْوِ الْقَرِيبِ عَدَاوَةٌ وَمُقَاطَعَةٌ وَإِلَّا وَجَبَتْ. وَقَالَ ق: لَا يُقَالُ لِغَيْرِ الْعُرْسِ وَلِيمَةٌ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِي. . . إلَخْ] أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ فَلْيَأْتِهَا» . وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَقَدْ وَرَدَ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» [قَوْلُهُ: أَيْ مَمْنُوعٌ] تَفْسِيرٌ لِلَّهْوِ الْمَشْهُورِ لَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِمَشْهُورٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ مَشْهُورٌ بِظَاهِرٍ بِحَيْثُ يُخَالِطُهُ الْمَدْعُوُّ وَهُوَ مِمَّا يَحْرُمُ حُضُورُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَمْنُوعٌ]

الْحَرِيرِ (وَ) إنْ حَضَرْت وَكُنْت غَيْرَ صَائِمٍ فَ (أَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ) وَإِذَا كُنْت صَائِمًا فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ (وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي التَّخَلُّفِ) عَنْ الْإِجَابَةِ لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ (لِكَثْرَةِ زِحَامِ النَّاسِ فِيهَا) ؛ لِأَنَّ فِي حُضُورِهَا حِينَئِذٍ مَشَقَّةً لَا سِيَّمَا عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَفْسِيرٌ لِلْمُنْكَرِ الْبَيِّنِ لَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْبَيِّنِ أَوْ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ بِحَيْثُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. [قَوْلُهُ: وَفَرْشُ الْحَرِيرِ] كَانَ الْجُلُوسُ يَحْصُلُ مِنْك أَوْ مِنْ غَيْرِك بِحَضْرَتِك، وَمِثْلُ ذَلِكَ الِاتِّكَاءُ عَلَى وَسَائِدَ مِنْهُ وَلَوْ وُضِعَ حَائِلٌ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ صُورَةً مُحَرَّمَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُنْكَرٌ بَلْ كَانَ لَعِبٌ مُبَاحٌ مِنْ ضَرْبِ غِرْبَالٍ وَغِنَاءٍ خَفِيفٍ فَلَا يُبَاحُ التَّخَلُّفُ لِأَجْلِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْعُوُّ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ. [قَوْلُهُ: وَأَنْتَ فِي الْأَكْلِ بِالْخِيَارِ] أَيْ إنْ شِئْت أَكَلْت وَإِنْ شِئْت لَمْ تَأْكُلْ، نَعَمْ يُنْدَبُ الْأَكْلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَكْلِ اللُّقْمَةِ قَدْرَ الْخِيَارَةِ كَمَا فَهِمَ ذَلِكَ بَعْضُ الْقَاصِرِينَ نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ [قَوْلُهُ: فَلَا تَأْكُلْ] أَيْ يَحْرُمُ الْأَكْلُ [قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ] وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ أَفْطَرَ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَمْدِ الْحَرَامِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حُضُورُ وَلِيمَةٍ إلَّا بِإِذْنٍ، [قَوْله: لِكَثْرَةِ زِحَامٍ] وَكَذَا يُبَاحُ التَّخَلُّفُ إذَا حَضَرَ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ الْمَدْعُوُّ أَوْ خَصَّ الْفَاعِلُ بِهَا الْأَغْنِيَاءَ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ إذَا جَلَسَ جَمَاعَةٌ لِلْأَكْلِ تَقِفُ جَمَاعَةٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ يَنْظُرُونَ لَهُمْ أَوْ كَانَ الْبَابُ مَغْلُوقًا بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِإِذْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَلْقُ لِخَوْفٍ مِنْ طُفَيْلِيٍّ أَوْ كَانَتْ الْوَلِيمَةُ لِكَافِرٍ.

[باب في بيان حكم السلام]

[46 - بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ السَّلَامِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (السَّلَامِ) وَصِفَتِهِ (وَ) بَيَانِ حُكْمِ (الِاسْتِئْذَانِ) وَصِفَتِهِ (وَ) صِفَةِ (التَّنَاجِي وَ) بَيَانِ ذِكْرِ (الْقِرَانِ وَ) فِي (الدُّعَاءِ وَذِكْرِ اللَّهِ) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَالْقَوْلِ فِي السَّفَرِ) أَيْ مَا يَقُولُهُ إذَا أَرَادَ سَفَرًا، وَعَكَسَ فِي الْبَابِ بَعْضَ مَا تَرْجَمَ لَهُ وَبَدَأَ بِحُكْمِ رَدِّ السَّلَامِ فَقَالَ: (وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ) وُجُوبَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةٌ) كِفَايَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (مُرَغَّبٌ فِيهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] الْآيَةُ (وَالسَّلَامُ) أَيْ وَصِفَةُ الِابْتِدَاءِ بِهِ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ) أَوْ غَيْرُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي بَيَانِ حُكْمِ السَّلَامِ] قَوْلُهُ: وَصِفَتُهُ] الْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ شَامِلًا لِلْحُكْمِ وَالصِّفَةِ لَا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمُصَنِّفَ قَاصِرًا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي [قَوْلُهُ: وَصِفَتُهُ] أَرَادَ بِهَا الْحَقِيقَةَ [قَوْلُهُ: وَصِفَةُ التَّنَاجِي] الْأَوْلَى وَحُكْمُ التَّنَاجِي. [قَوْلُهُ: وَبَيَانُ ذِكْرِ الْقُرْآنِ] لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ ذِكْرٍ أَيْ فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ مِنْ طَلَبٍ أَوْ تَرْكٍ أَوْ قَدْرٍ. [قَوْلُهُ: وَفِي الدُّعَاءِ] أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ كَوْنِهِ كَذَا وَكَذَا وَفِي مَوْضِعِ كَذَا [قَوْلُهُ: وَذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] أَيْ وَفِي حُكْمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى [قَوْلُهُ: وَعَكَسَ فِي الْبَابِ] أَيْ فَقَدَّمَ الذِّكْرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ، وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَهَذَا الصُّنْعُ جَائِزٌ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] الْآيَةُ. [قَوْلُهُ: وُجُوبَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَعَلَى كُلٍّ لَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ الْمُسَلِّمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَقَدَّمَ حُكْمَ الرَّدِّ وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ التَّصْدِيرَ بِحُكْمِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ اهْتِمَامًا بِشَأْنِ الْوَاجِبِ. [قَوْلُهُ: وَالِابْتِدَاءُ بِهِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ فَرْضٌ: [قَوْلُهُ: مُرَغَّبٌ فِيهَا] أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَقَدْ جَاءَ أَنَّ مَنْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، فَإِذَا قَالَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً، وَإِذَا قَالَ: وَبَرَكَاتُهُ كَتَبَ لَهُ ثَلَاثِينَ حَسَنَةً، وَقِيلَ: إنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ السُّنَّةَ مُرَغَّبٌ فِيهَا. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى. . . إلَخْ] دَلِيلٌ لِلْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، اعْلَمْ أَنَّ التَّحِيَّةَ فِي دِينِنَا بِالسَّلَامِ فِي الدَّارَيْنِ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: حَيَّاك اللَّهُ فَأُبْدِلَ بِهِ، وَقَوْلُهُ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا " قُولُوا: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إذَا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا قَالَ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ قُولُوا: وَبَرَكَاتُهُ، وَقَوْلُهُ: " أَوْ رُدُّوهَا " أَجِيبُوهَا بِمِثْلِهَا كَأَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَرُدُّ مِثْلَهَا وَلَا يَزِيدُ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: قَوْله تَعَالَى] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يُفِيدُ خُصُوصَ السُّنَّةِ فَضْلًا عَنْ التَّرْغِيبِ [قَوْلُهُ: فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ] فَابْدَءُوا بِالسَّلَامِ عَلَى أَهْلِهَا الَّذِينَ هُمْ مِنْكُمْ دِينًا وَقَرَابَةً أَوْ بُيُوتًا فَارِغَةً، فَقُولُوا: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ بِهَذَا الِاسْتِدْلَال فَقَوْلُهُ الْآيَةُ لَا حَاجَةَ لَهُ. [قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرُهُ] أَيْ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي التَّصَرُّفِ [قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ الْجَمْعِ] فَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك لَمْ يَكُنْ مُسَلِّمًا،

الْوَاحِدَ كَالْجَمَاعَةِ لِوُجُودِ الْحَفَظَةِ مَعَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي السَّلَامِ (وَيَقُولُ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) بِوَاوِ التَّشْرِيكِ وَتَقْدِيمِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (أَوْ يَقُولُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِتَقْدِيمِ السَّلَامِ مُنَكَّرًا بِغَيْرِ وَاوٍ وَتَأْخِيرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ (كَمَا قِيلَ لَهُ) فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهَذَا لِأَنَّ السَّلَامَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَرَّفًا كَمَا قَدَّمْنَا، وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ وَيَقُولُ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ (وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ إلَى الْبَرَكَةِ) كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، قَالَ فِيهِ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ سَلَفًا وَخَلَفًا، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلْيَلْزَمُكَ إذَا سَلَّمَ عَلَيْك إنْسَانٌ وَانْتَهَى فِي سَلَامِهِ إلَى الْبَرَكَةِ (أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّك) عَلَيْهِ (وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَا تَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (فِي رَدِّك) عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْك (سَلَامُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ] ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ كَالْجَمَاعَةِ] أَيْ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ كَالْجَمَاعَةِ مِنْ حَيْثُ وُجُودِ الْحَفَظَةِ مَعَهُ، لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يَكُونُوا مُسَلَّمًا عَلَيْهِمْ لَا قَصْدًا وَلَا تَبَعًا، وَإِنَّمَا الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَاحِدُ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ جَمَاعَةٌ لِوُجُودِ الْحَفَظَةِ [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ] أَيْ فَلَوْ قَالَ: سَلَامٌ عَلَيْك فَلَا يَكْفِي هَذَا ظَاهِرُهُ، أَيْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَحِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْيَانِ بِمِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. [قَوْلُهُ: وَيَقُولُ الرَّادُّ. . . إلَخْ] كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الرَّدِّ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَتَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ التَّلْقِينُ حَيْثُ قَالَ: إنْ زَادَ لَفْظُ الرَّدِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوْ نَقَصَ جَازَ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعُونَةِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ] مُسْمِعًا لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْأَصَمِّ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ. [قَوْلُهُ: بِوَاوِ التَّشْرِيكِ] أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ السَّلَامُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَيَصِيرُ الرَّادُّ مُسَلَّمًا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِغَيْرِ وَاوٍ لَا يَكُون مُجِيبًا وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَاَلَّذِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَسْقُطُ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا أَوْلَى لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعَهَا جُمْلَتَانِ. وَقَالَ الشَّيْخُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْك السَّلَامُ بِحَذْفِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا سَلَامٌ عَلَيْك بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَحَذْفِ مِيمِ عَلَيْكُمْ وَتَقْدِيمِ لَفْظِ السَّلَامِ فَلَا يَكْفِي وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِيمَا يَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الذَّخِيرَةِ] أَتَى بِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ لِلْمُصَنِّفِ مُخَالِفًا [قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ لَهُ] ظَاهِرُهُ تُسَاوِيهِمَا وَالْأَحْسَنُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَقُولَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ وَالرَّدُّ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ وَلَا يُجْزِئُ السَّلَامُ فَقَطْ بَدْءًا وَرَدًّا كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَتُتْبَعُ كَالصَّلَاةِ. [قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ] أَيْ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّدِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ، أَيْ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ، أَيْ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ زَادَ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا أَيْ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ مَنْ هَذَا أَيْ الَّذِي زَادَ عَلَى التَّحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا: هَذَا الْيَمَانِيُّ الَّذِي يَغْشَاك فَعَرَّفُوهُ إيَّاهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ أَيْ فَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: غُلُوٌّ] أَيْ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: وَبِدْعَةٌ أَيْ أَمْرٌ مُحْدَثٌ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَكْرُوهًا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ غُلُوٌّ وَبِدْعَةٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نِهَايَةَ كَلَامِ الْمُوَطَّأِ ثُمَّ أَقُولُ: رَاجَعْت شَرْحَ الْمُوَطَّأِ فَلَمْ أَجِدْ ذَلِكَ أَيْ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. . . إلَخْ غَيْرٍ فَلَعَلَّهَا رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرَ مَا رَأَيْت إلَّا أَنَّ فِيهِ شَيْئًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُلُوَّ وَالْبِدْعَةَ لَا يُنْتِجَانِ خُصُوصَ الْكَرَاهَةِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَقُلْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ] التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي

عَلَيْك) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ (وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ) عَلَى وَاحِدٍ فَأَكْثَرَ (أَجْزَأَ عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْكِفَايَةِ (وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ أَجْزَأَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ (وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ) لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِذَلِكَ (وَالْمُصَافَحَةُ حَسَنَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -:: «تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِلُّ عَنْكُمْ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبُ الشَّحْنَاءُ» وَهِيَ وَضْعُ أَحَدِ الْمُتَلَاقِيَيْنِ بَطْنَ كَفِّهِ عَلَى بَطْنِ كَفِّ الْآخَرِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ السَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ، وَفِي شَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ قَوْلَانِ وَلَا يُقَبِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ نَفْسِهِ وَلَا يَدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَا يُصَافِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلَوْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْمُبْتَدِعَ (وَكَرِهَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْمُعَانَقَةَ) وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ عُنُقَهُ عَلَى عُنُقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّدِّ، وَأَمَّا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ تت أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَدَمِ إجْزَائِهِ أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ. [قَوْلُهُ: وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ] أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ صَبِيًّا وَيَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ كَالْكَبِيرِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْجَمَاعَةِ] وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ مِنْ غَيْرِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يُجْزِئُ [قَوْلُهُ: أَجْزَأَ] يُفِيدُ أَنَّ الْكَمَالَ أَنْ يَبْدَءُوا كُلُّهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَلَا سِيَّمَا الْجَاهِلُ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ مَنْ بَقِيَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّدِّ أَفَادَ ذَلِكَ الشَّارِحُ [قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ] قَالَ عج: وَيَكْفِي رَدُّ الصَّبِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ بَالِغِينَ تَوَقَّفَ فِيهِ الشَّيْخُ وَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِرَدٍّ عَنْ الْبَالِغِينَ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ عَلَى الْبَالِغِ لِأَنَّ الرَّدَّ فَرْضٌ عَلَى الْبَالِغِينَ وَغَيْرُ فَرْضٍ عَلَى الصَّبِيِّ، تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ هَلْ يُؤْجَرُ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ لَمْ يَرُدَّ فَقِيلَ: لَا يُؤْجَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقِيلَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الْأَجْرِ دُونَ أَجْرِ مَنْ ابْتَدَأَ أَوْ رَدَّ. [قَوْلُهُ: وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ. . . إلَخْ] لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانَ وَالشَّأْنُ حُصُولُ خَوْفِ الْمَاشِي مِنْ الرَّاكِبِ طُلِبَ مِنْ الرَّاكِبِ السَّلَامُ، وَكَذَا يُسَلِّمُ رَاكِبُ الْفَرَسِ عَلَى رَاكِبِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ وَرَاكِبُ الْبَغْلِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، وَأَمَّا رَاكِبُ الْجَمَلِ وَالْفَرَسِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يُؤْمَرُ رَاكِبُ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى الْبَطْشِ مِنْ رَاكِبِ الْجَمَلِ اُنْظُرْ شَرْحَ الشَّيْخِ. [قَوْلُهُ: أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ] وَمُقَابِلُهُ مَا لَمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ مِنْ كَرَاهَتِهَا. [قَوْلُهُ: تَصَافَحُوا] مُفَاعَلَةٌ مِنْ الصَّفْحِ [قَوْلُهُ: يَذْهَبْ] بِكَسْرِ الْبَاءِ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ حُرِّكَ بِالْكَسْرِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَبِالرَّفْعِ أَيْ فَبِهِ يَذْهَبُ [قَوْلُهُ: الْغِلُّ] بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْحِقْدُ وَالضَّغَانَةُ. [قَوْلُهُ: وَتَهَادَوْا] بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ، وَقَوْلُهُ: تَحَابُّوا قَالَ الْحَافِظُ تَبَعًا لِلْحَاكِمِ: إنْ كَانَ بِالتَّشْدِيدِ فَمِنْ الْمَحَبَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِالتَّخْفِيفِ فَمِنْ الْمُحَابَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْإِسْلَامِ دَلَّتْ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحَثَّ عَلَيْهَا خُلَفَاؤُهُمْ الْأَوْلِيَاءُ تُؤَلِّفُ الْقُلُوبَ وَتُنَقِّي سَوَادَ الصُّدُورِ، وَوَرَدَ قَبُولُ الْهِبَةِ سُنَّةٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ مَا فِيهِ مِنْهُ [قَوْلُهُ: وَتُذْهِبُ الشَّحْنَاءَ] بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَنُونٍ وَالْمَدِّ الْعَدَاوَةُ؛ لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ جَالِبَةٌ لِلرِّضَا وَالْمَوَدَّةِ فَتُذْهِبُ الْعَدَاوَةَ. [قَوْلُهُ: إلَى الْفَرَاغِ] وَيُكْرَهُ اخْتِطَافُ الْيَدِ بِأَثَرِ التَّلَاقِي قَبْلَ فَرَاغِ السَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ. [قَوْلُهُ: وَفِي شَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ عَلَى يَدِ الْآخَرِ قَوْلَانِ] أَيْ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَدُّدِ وَالتَّرْكِ كَمَا يُفِيدُهُ تت [قَوْلُهُ: وَلَا يُقَبِّلُ] أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ أَيْ لِمَا يَأْتِي عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْيَدِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُصَافِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ] أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَافِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلَوْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً أَيْ لِأَنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا هُوَ رُؤْيَةُ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ] أَيْ لِأَنَّ الشَّارِعَ طَلَبَ هَجْرَهُمَا وَمُجَانَبَتَهُمَا، وَفِي الْمُصَافَحَةِ وَصْلٌ

صَاحِبِهِ (وَأَجَازَهَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ. ج: وَإِتْيَانُ الشَّيْخِ بِقَوْلِ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَأَنَّ فِيهِ الْإِشَارَةَ إلَى قُوَّتِهِ عِنْدَهُ كَإِتْيَانِ سَحْنُونَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ. الْقَرَافِيُّ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ الْمُعَانَقَةَ «لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهَا إلَّا مَعَ جَعْفَرٍ» وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ عَنْهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِوَدَاعٍ مِنْ فَرْطِ أَلَمِ الشَّوْقِ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ، وَالْمُصَافَحَةُ فِيهَا الْعَمَلُ، انْتَهَى. وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ الْمُصَافَحَةُ. قَالَ غَالِبُ التَّمَّارُ: قَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا، فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ عَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ (وَكَرِهَ مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَقْبِيلَ الْيَدِ) أَيْ يَدِ الْغَيْرِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْغَيْرُ عَالِمًا أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ أَبًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ زَوْجًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ وَيَدْعُو إلَى الْكِبْرِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ (وَأَنْكَرَ) مَالِكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنَافٍ لِمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ] أَرَادَ بِأَهْلِ الْعِلْمِ. الْمُجْتَهِدِينَ وَالْفَضْلُ لُغَةً الزِّيَادَةُ، فَإِذَا قِيلَ: فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الزِّيَادَةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا فِي النَّاسِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ، وَأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. [قَوْلُهُ: بِقَوْلِ الْغَيْرِ] أَيْ غَيْرِ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ] لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ التَّحْقِيقِ أَنَّ دَلِيلَ الْجَوَازِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ سُفْيَانُ وَمُعَانَقَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ وَلَا يَقُولُ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِتِلْكَ الْإِحَاطَةِ الْمُوهِمَةِ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَخْ لَيْسَ دَلِيلًا بِالْكَرَاهَةِ [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ] أَيْ وَعَمَلُ الصَّحْبِ حُجَّةٌ تُقَدَّمُ عَلَى الْحَدِيثِ لِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَمْ يَرُدَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَطَّ الْعِلَّةِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَصْحَبْهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ إلَخْ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ تَعْلِيلًا بِخُصُوصِهِ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ] تَعْلِيلٌ ثَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ، وَأَقُولُ: كَيْفَ يَلِيقُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا وَقَدْ فَعَلَهَا أَشْرَفُ الْخَلَائِقِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُعَانَقَةَ مِنْ مِثْلِ الْمُصْطَفَى لَا تَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْهَا بَلْ لَوْ بَذَلَ جَعْفَرٌ فِي تَحْصِيلِهَا خَزَائِنَ مِنْ الْأَمْوَالِ لَكَانَ الرَّابِحَ. [قَوْلُهُ: مَنْ فَرَطٍ] أَيْ شِدَّةِ أَلَمٍ هُوَ الشَّوْقُ، فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَوْ قُدُومٍ مِنْ غَيْبَةٍ فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُرَادٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ الْأَهْلِ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلَّا لِوَدَاعٍ أَيْ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ عِنْدَ قَصْدِ سَفَرٍ أَوْ قُدُومٍ مِنْهُ، وَقَضِيَّةُ عَطْفِهِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِمَا قُلْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَادَةً ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ شِدَّةَ أَلَمِ الشَّوْقِ لَا تَكُونُ عَادَةً إلَّا مَعَ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ مِنْ شِدَّةِ قَرَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَهْلِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَخُصَّ الْأَهْلَ بِالزَّوْجَةِ وَتَجْعَلَ الْأَوَّلَ قَاصِرًا عَلَى غَيْرِهَا مِمَّا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ، أَوْ تَجْعَلَ الْأَهْلَ شَامِلًا لِلزَّوْجَةِ وَقَرِيبِ الْقَرَابَةِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحْصُلَ شِدَّةُ الشَّوْقِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ تَجْعَلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَتُهُ ظَاهِرَةٌ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّصَالِ الَّذِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُفَادَ النَّقْلِ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْأَهْلِ وَنَحْوِهِمْ فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَيْ عَادَةً لَا أَنَّ الْمُرَادَ تُفْعَلُ شَرْعًا الْمُفِيدُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ أَوْ غَيْرِهِمْ. [قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ] أَشَارَ بِالتَّأَمُّلِ إلَى مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ وَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ قَدْ صَحِبَهَا عَمَلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَيُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ لَمْ يَصْحَبْهَا عَمَلٌ فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: يَدُ الْغَيْرِ] أَيْ وَأَمَّا يَدُ النَّفْسِ فَالشَّأْنُ أَنَّ النَّفْسَ لَا تَلْتَفِتُ لَهُ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ النَّفْسَ نَظَرَتْ لِذَلِكَ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا، [قَوْلُهُ: عَالِمًا] دَخَلَ الْوَلِيُّ فِي الْعَالِمِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ] أَيْ نُصُوصُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ] أَيْ الدَّاعِي إلَى الْكِبْرِ [قَوْلُهُ: وَيَدْعُو إلَى الْكِبْرِ] وَإِنْ كَانَ الْمَنْظُورُ فِيهِ لِلْعُمُومِ إلَّا أَنَّهُ مَنْظُورٌ لَهُ فِي التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَا أَنَّ فِعْلَ الْأَعَاجِمِ كُلَّهُ مَذْمُومٌ وَيَدُلُّك عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ عَبْدِ الْوَهَّابِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَأَخْلَاقِهِمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ مَعَ كُبَرَائِهِمْ

- رَحِمَهُ اللَّهُ - (مَا رُوِيَ فِيهِ) أَيْ فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ. د: إنْ كَانَ إنْكَارُهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ فَلِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إنَّمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ يَدِ الظَّلَمَةِ وَالْجَبَابِرَةِ، وَأَمَّا يَدُ الْأَبِ وَالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ فَجَائِزٌ (وَلَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) وَسَائِرَ الْكُفَّارِ (بِالسَّلَامِ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ ذَلِكَ (فَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) نِسْيَانًا أَوْ ظَنًّا أَنَّهُ مُسْلِمٌ (فَلَا يَسْتَقِيلُهُ) أَيْ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ الْإِقَالَةَ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّمَا سَلَّمْت عَلَيْك ظَنًّا مِنِّي أَنَّك مُسْلِمٌ، وَلَوْ عَلِمْت أَنَّك كَافِرٌ مَا سَلَّمْت عَلَيْك فَرُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْته عَلَيْك، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ (وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ (الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَلْيَقُلْ) لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (عَلَيْك) بِغَيْرِ وَاوٍ (وَمَنْ قَالَ) فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ (عَلَيْك السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ) الْقَرَافِيُّ: يَنْبَغِي فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ بِغَيْرِ وَاوٍ كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ، فَإِنْ تَحَقَّقَتْ أَنَّهُمْ قَالُوا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْرُوفٌ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فَوَجَبَ كَرَاهَتُهُ. [قَوْلُهُ: وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ أَيْ وَرُؤْيَةُ الشَّخْصِ نَفْسَهُ أَمْرًا عَظِيمًا، وَأَنْ يَكُونَ مُضَافًا لِلْفَاعِلِ أَيْ وَرُؤْيَةُ النَّفْسِ أَنَّهَا شَيْءٌ عَظِيمٌ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي تَقْبِيلٍ] مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقِيسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» وَهُوَ صَحِيحٌ، وَمِنْهَا «تَقْبِيلُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ يَدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا وَأَمَّا لَوْ قَبَّلَ يَدَكَ نَصْرَانِيٌّ مَثَلًا فَلَا. [قَوْلُهُ: الْيَدُ] يُرِيدُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ قَالَهُ ج، [قَوْلُهُ: د: إنْ كَانَ إلَخْ] قَصْدُهُ تَقْوِيَةَ إنْكَارِ مَالِكٍ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إنْكَارُهُ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ] أَيْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مَرْوِيًّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمُسَلَّمٌ لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، أَقُولُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلْمُجْتَهِدِ فَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى الْكِبْرِ، ثُمَّ أَقُولُ: هَذَا التَّرَدُّدُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا رُوِيَ فِيهِ لَا يَقْبَلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَدَبَّرْ. [قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ إلَخْ] مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ خَلَفِ بْنِ بَطَّالٍ أَبُو الْحَسَنِ الْبِكْرِيُّ يُعْرَفُ بِابْنِ اللَّحَّامِ، أَصْلُهُمْ مِنْ قُرْطُبَةَ وَأَخْرَجَتْهُمْ الْفِتْنَةُ إلَى بَلَنْسِيَةَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ عُنِيَ بِالْحَدِيثِ الْعِنَايَةَ التَّامَّةَ، وَأَلَّفَ شَرْحَ الْبُخَارِيِّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ. [قَوْلُهُ: الظَّلَمَةُ] جَمْعُ ظَالِمٍ وَالْجَبَابِرَةُ جَمْعُ جَبَّارٍ كَمَا يُفِيدُهُ الْأَسَاسُ أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ الْجَهَلَةِ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُ الْجَبْرِ أَيْ الْقَهْرِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: فَجَائِزٌ أَرَادَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُنَافِي نَدْبَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْبِرِّ لِلْوَالِدِ وَرَجَاءِ الْبَرَكَةِ مِنْ الصَّالِحِ، وَقَدْ قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ: وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ يَجُوزُ التَّوَاضُعُ مِنْهُ وَيُطْلَبُ إبْرَارُهُ اهـ. . [قَوْلُهُ: وَلَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ] وَمِثْلُهُمْ سَائِرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ [قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْكُفَّارِ] أَيْ بَاقِي الْكُفَّارِ. [قَوْلُهُ: لِمَا صَحَّ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ] أَيْ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَبْتَدِئُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ» ، [قَوْلُهُ: نِسْيَانًا] أَيْ لِلنَّهْيِ أَوْ جَاهِلًا لِلْحُكْمِ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَقِيلُهُ] لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ [قَوْلُهُ: فَرُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي] أَيْ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَقِيلُهُ أَيْ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تُمْكِنُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ لَهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ] أَيْ نَدْبًا لَا وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ: فَلْيَقُلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ كَمَا أَفَادَهُ عج. [قَوْلُهُ: عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ] لِمَا فِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُّ عَلَيْكُمْ» فَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ لِيَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ اللِّئَامُ وَاللَّعْنَةُ، وَالسَّامُّ الْمَوْتُ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الَّذِي نَطَقَ بِالسَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ قَالَهُ عج، قَوْلُهُ: فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَنْ قَالَ كَذَا فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ فَلَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ [قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَلْيَقُلْ عَلَيْك بِغَيْرِ

السَّامُّ عَلَيْك وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ فَإِنْ شِئْت قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثٍ فِي مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ: «وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ ذَلِكَ قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّك إنْ قُلْت بِغَيْرِ الْوَاوِ وَكَانَ هُوَ قَدْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك كُنْت نَفَيْت السَّلَامَ عَنْ نَفْسِك وَرَدَدْته عَلَيْهِ» اهـ. وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ السَّلَامِ (وَ) أَمَّا (الِاسْتِئْذَانُ) وَهُوَ طَلَبُ الْإِذْنِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فَ (وَاجِبٌ) وُجُوبَ الْفَرَائِضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَالْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وُجُوبُهُ فَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (فَلَا تَدْخُلْ بَيْتًا) غَيْرَ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ مُغْلَقًا كَانَ أَوْ مَفْتُوحًا. (فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْأَحَدُ مَحْرَمًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاوٍ، وَلِذَا قَالَ تت بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَلْيَقُلْ عَلَيْك مَا نَصُّهُ لِخَبَرِ الْمُوَطَّأِ «فَقُلْ عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ» . [قَوْلُهُ: فَإِنْ تَحَقَّقَتْ إلَخْ] حَاصِلُ هَذَا أَنَّهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ قَوْلِهِمْ السَّامُ عَلَيْك يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ وَتَرْكِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ يَنْبَغِي الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ وَهُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُنَافٍ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إلَخْ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ تَرْكُ الْوَاوِ، وَتَحَقَّقَ قَوْلُهُ السَّامُّ أَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ الْإِتْيَانُ بِالسَّامِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ هُنَا فَإِنْ شِئْت بِمُعَيَّنٍ لَا يَجِبُ تَرْكُ الْوَاوِ فَلَا يُنَافِي نَدْبَ التَّرْكِ أَيْ وَأَمَّا عِنْدَ الشَّكِّ فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ، وَأَوْلَى عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ] جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى عَلَيْكُمْ فِي كَلَامِهِمْ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ الدُّعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَطْفُ فَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا بِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ كَمَا تَقَرَّرَ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ فَلَا يَتِمُّ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَكُونُ حِينَئِذٍ دَاعِيًا عَلَى نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ] فَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: السَّامُّ عَلَيْكُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَعَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: السَّامُّ عَلَيْكُمْ وَلَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ يَا إخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ: عَلَيْكِ بِالْحِلْمِ وَإِيَّاكِ وَالْجَهْلَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا سَمِعْت مَا قَالُوا؟ فَقَالَ: أَمَا سَمِعْت مَا رَدَدْت عَلَيْهِمْ فَاسْتُجِيبَ لَنَا فِيهِمْ وَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُمْ فِينَا» [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ إلَخْ] الْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ رِوَايَاتِ الْمُوَطَّأِ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ التِّنِّيسِيِّ بِالْوَاوِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مُسْلِمٍ بِحَذْفِهَا وَإِثْبَاتِهَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَهِيَ لِلْعَطْفِ غَيْرَ أَنَّا نُجَابُ فِيهِمْ وَلَا يُجَابُونَ فِينَا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرِوَايَةُ الْحَذْفِ أَحْسَنُ مَعْنًى وَالْإِثْبَاتُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى] وَالسُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ قَالَ: اسْتَأْذِنْهَا قَالَ: إنِّي خَادِمُهَا قَالَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً» . [قَوْلُهُ: فَمَنْ تَرَكَهُ. . . إلَخْ] وَمَنْ جَحَدَهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] أَيْ كَالْحَمَّامِ وَالْفُنْدُقِ وَبَيْتِ الْعَالِمِ وَالْقَاضِي وَالطَّبِيبِ، أَيْ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ وَالْحَمَّامُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ مَطْرُوقٍ فَلَا يَحْتَاجُ لِلْإِذْنِ حَيْثُ أَتَى فِي وَقْتِ الدُّخُولِ. [قَوْلُهُ: حَتَّى تَسْتَأْذِنَ] أَيْ الْحُرُّ الْبَالِغُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالْعَبِيدُ عَلَى السَّادَاتِ وَالصِّبْيَانُ عَلَى الْآبَاءِ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُونَ أَيْ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ " مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَمَا عَدَاهَا لَا حَرَجَ فِي الدُّخُولِ بِلَا إذْنٍ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا إلَخْ] قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ السَّمَاعِ ثُمَّ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّمَاعُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَإِلَّا انْصَرَفَ وَيَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ نَقْرُ الْبَابِ ثَلَاثًا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مَغْلُوقًا وَكَذَا التَّنَحْنُحُ وَالِاسْتِئْذَانُ بِنَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ فِي اسْتِعْمَالِ اسْمِهِ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ فَقِيلَ لَهُ:

عَوْرَتِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ تَقُول: أَأَدْخُلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تُسَلِّمُ (فَإِنْ أُذِنَ لَك) فَأَدْخُلْ (وَإِلَّا رَجَعْت) وَقَوْلُهُ: (وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى) تَقَدَّمَ فِي بَابٍ مُجْمَلٍ وَلَيْسَ لِذِكْرِهِ هُنَا مُنَاسَبَةٌ لَا بِمَا قَبْلَهُ وَلَا بِمَا بَعْدَهُ (وَلَا يَتَنَاجَى) أَيْ يَتَسَارَّ (اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ) فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ (وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ) ثَلَاثَةٌ فَمَا فَوْقُ (إذَا أَبْقَوْا وَاحِدًا مِنْهُمْ) لَا يَتَنَاجَوْنَ دُونَهُ مَفْهُومُهُ لَوْ أَبْقَوْا اثْنَيْنِ مَثَلًا لَجَازَ. ع: وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَقَدْ قِيلَ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ) أَيْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ مَثَلًا دُونَ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ دُونَهُ (إلَّا بِإِذْنِهِ) فَإِنَّ الْحَقَّ لَهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ سَقَطَ. ع: هُوَ الْمَشْهُورُ (وَذِكْرُ الْهِجْرَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابٍ قَبْلَ هَذَا) وَهُوَ بَابٌ جَامِعٌ. ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا عَكَسَ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) الْجَلِيلُ الْقَدْرُ الَّذِي قَالَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ الْخَلْقِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» . (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) يَعْنِي إذَا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ أَدَاءِ. الْفَرَائِضِ. الْبَاجِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ هَذَا فَلْيُسَمِّ نَفْسَهُ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ وَلَا يَقُولُ: أَنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَرِهَهَا لِمَنْ أَجَابَهُ بِهَا حَتَّى خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا أَنَا. [قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ] أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ مَنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لَا يُطَالَبُ وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ لَا يُطَالَبُ وُجُوبًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُطَالَبُ نَدْبًا بِالتَّنْبِيهِ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ خَوْفَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ السَّلَفُ، وَيَكْفِي فِي الْإِذْنِ حَيْثُ يُطْلَبُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا إذْنُ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ حَيْثُ يُوثَقُ بِإِذْنِهِ لِضَرُورَةِ النَّاسِ. [قَوْلُهُ: ثُمَّ يُسَلِّمُ] هَكَذَا اخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ الْبَدْءَ بِالِاسْتِئْذَانِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَيُقَدِّمُ السَّلَامَ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْمَى هَلْ يُخَاطَبُ بِهِ أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ] فِي الِاسْتِذْكَارِ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَقَرَّ فِيهَا» ، ق: وَجَاءَ أَيْضًا «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَادَ مَرِيضًا أَبْعَدَهُ اللَّهُ مِنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . [قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِذِكْرِهِ هُنَا مُنَاسَبَةٌ] قَالَ الشَّيْخُ فِي شَرْحِهِ: وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهَا فِي الِاسْتِئْذَانِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ الدُّخُولِ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَعُودُهُ. . [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَاجَى. . . إلَخْ] لَمَّا كَانَ بَيْنَ التَّنَاجِي وَالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مُنَاسَبَةٌ وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّهْيِ، ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّنَاجِي عَقِبَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي هُوَ التَّسَارُرُ بِالْكَلَامِ لِيُخْفِيَ ذَلِكَ عَنْ الْغَيْرِ، كَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَالنَّهْيُ نَهْيُ حُرْمَةٍ إنْ خَشِيَ الْمُتَنَاجِيَانِ أَنَّ صَاحِبَهُمَا يَظُنُّ أَنَّهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فِي غَدْرِهِ كَانَ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ، وَنَهْيُ كَرَاهَةٍ إنْ أَمِنَّا مِنْ ظَنِّهِ ذَلِكَ كَانَ فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي مَعْنَى التَّنَاجِي الْكَلِمُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ مَنْ يَعْرِفُ بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ سِوَى الْعَرَبِيَّةِ. [قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٌ فَمَا فَوْقُ] يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ لَيْسَ بِجَمَاعَةٍ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُمَا جَمَاعَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ. [قَوْلُهُ: ع وَهُوَ الْمَشْهُورُ] وَمُقَابِلُهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْقَبَسِ مِنْ أَنَّ تَنَاجِيَ الْجَمَاعَةِ دُونَ الْجَمَاعَةِ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ إلَخْ أَيْ وَقَدْ قَالُوا. [قَوْلُهُ: مَثَلًا] لَا حَاجَةَ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْلَى وَلَفْظَةُ مَثَلًا يُؤْتَى بِهَا فِي مَقَامٍ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ الْحَصْرُ وَهَذَا لَا يُتَوَهَّمُ. [قَوْلُهُ: ع هُوَ الْمَشْهُورُ] أَيْ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمْ. [قَوْلُهُ: الْهِجْرَةُ] أَيْ الْهِجْرَانُ، وَقَوْلُهُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَيْ فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ تَأْخِيرَهُ لِمَا بَيْنَ الْهِجْرَانِ وَالتَّنَاجِي مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي النَّهْيِ. . [قَوْلُهُ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ] عُمْرُهُ ثَلَاثُونَ سَنَةً، وَقِيلَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. [قَوْلُهُ: أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ] أَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ عَلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ لِأَنَّ أُولَئِكَ كَمُلَتْ فِيهِمْ الصِّفَاتُ كُلُّهَا وَاعْتَدَلَتْ فَلَمْ يَتَرَجَّحْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ كَمُلَتْ فِيهِ صِفَةُ الْعِلْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَتَمَيَّزَ فِيهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَكْمُلْ فِيهِ، وَلَوْ سَلَّمْنَا زِيَادَتَهُ فِيهِ عَلَى أُولَئِكَ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ تَفْضِيلًا لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَتَمَيَّزُ بِمَزِيَّةٍ بَلْ بِمَزَايَا لَمْ تُوجَدْ فِي الْفَاضِلِ لِأَنَّهُ قَدْ خَلَفَ تِلْكَ الْمَزَايَا مَزَايَا أُخَرُ أَجَلُّ مِنْهَا

بِاللِّسَانِ وَأَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ بِالْقَلْبِ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَيَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَالَهُ (وَ) مَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ (أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ) فَلْيُمْتَثَلْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَيُنْتَهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ (وَمِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (بِك) أَيْ بِقُدْرَتِك (نُصْبِحُ وَبِ) قُدْرَتِ (كَ نُمْسِي وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَتَقُولُ) زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إنْ كُنْت (فِي الصَّبَاحِ وَإِلَيْك النُّشُورُ) أَيْ انْتِشَارُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَ) إنْ كُنْت (فِي الْمَسَاءِ) قُلْت: بَدَلَ مَا زِدْته (وَإِلَيْك الْمَصِيرُ) وَهَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ بِلَفْظِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِك أَمْسَيْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَإِلَيْك النُّشُورُ» . «وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِك أَمْسَيْنَا وَبِك أَصْبَحْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَإِلَيْك الْمَصِيرُ» . (وَرُوِيَ) أَنَّهُ يَقُولُ: (مَعَ ذَلِكَ) الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الصَّبَاحِ: (" اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ عِبَادِك عِنْدَك حَظًّا وَنَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ نُورٍ) أَيْ هُدًى (تَهْدِي بِهِ أَوْ رَحْمَةٍ) بِمَعْنَى نِعْمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَعْظَمُ وَالْكَثْرَةُ بِثَلَاثِمِائَةِ كُلِّ يَوْمٍ. [قَوْلُهُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ] وَالذَّكِيُّ الْكَامِلُ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا. [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ مَا قَالَهُ عُمَرُ. [قَوْلُهُ: ذِكْرُ اللَّهِ] أَيْ ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ أَمْرِهِ أَيْ فَيَقِفُ عِنْدَ الْحُدُودِ إنْ رَأَى وَاجِبًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَفَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى مَحْظُورًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَاجْتَنَبَهُ، وَمَعْنَى ذَكَرَ اللَّهَ أَيْ ذَكَرَ ثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ أَوْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَاتٌ مُتَّصِفَةٌ بِصِفَةِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَمْتَثِلُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذِكْرُ اللَّهِ ضَرْبَانِ ذِكْرٌ بِالْقَلْبِ وَذِكْرٌ بِاللِّسَانِ، وَذِكْرُ الْقَلْبِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَرْفَعُ الْأَذْكَارِ وَأَجَلُّهَا الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَآيَاتِهِ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ، وَالثَّانِي ذِكْرُهُ بِالْقَلْبِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَمْتَثِلُ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ وَيَقِفُ عَمَّا أُشْكِلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ذِكْرُ اللِّسَانِ مُجَرَّدًا فَهُوَ أَضْعَفُ الْأَذْكَارِ وَلَكِنْ فِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. [قَوْلُهُ: كُلَّمَا أَصْبَحَ] أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ وَكُلَّمَا أَمْسَى أَيْ دَخَلَ فِي الْمَسَاءِ، وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى هُنَا تَامَّانِ وَفِي الْإِتْيَانِ بِكُلَّمَا الْإِشَارَةُ إلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ. [قَوْلُهُ: بِكَ] قَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِلِاخْتِصَاصِ. [قَوْلُهُ: نُصْبِحُ إلَخْ] بِضَمِّ النُّونِ فِيهِمَا أَيْ بِك نَدْخُلُ فِي الصَّبَاحِ وَنَدْخُلُ فِي الْمَسَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ انْتِشَارُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ] أَيْ خُرُوجُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُنَاسِبًا لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لِلنُّشُورِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ إحْيَاءُ الْمَوْتَى، وَالْمَعْنَى: وَنُشُورُهُمْ إلَيْك أَيْ مَشْيُهُمْ إلَى جَزَائِك. [قَوْلُهُ: وَإِلَيْك الْمَصِيرُ] أَيْ وَإِلَيْك الرُّجُوعُ بِالْمَوْتِ، وَلَمَّا كَانَ الْإِيقَاظُ يُشْبِهُ حَالَةَ حَيَاةِ الْمَوْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَالَةَ نَوْمِهِمْ تُشْبِهُ حَالَةَ مَوْتِهِمْ نَاسَبَ عِنْدَهُمَا تَذَكُّرُ مَا يُشْبِهُهُمَا الْحَامِلُ عَلَى الزُّهْدِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَالرَّغْبَةِ فِي دَارِ الْقَرَارِ، وَلَيْسَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَالدُّعَاءُ أَوْ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، لَكِنَّ الْأَحْسَنَ فِعْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَاءِ الْأَحْسَنُ فِعْلُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبِهِ بِيَسِيرٍ أَوْ بَعْدَهُ إلَى النَّوْمِ. [قَوْلُهُ: أَصْحَابُ السُّنَنِ] أَيْ الْأَرْبَعَةُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى زَرُّوقٍ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجِهِ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَالَةِ الصَّبَاحِ قَدَّمَ الصَّبَاحَ عَلَى الْمَسَاءِ، وَفِي حَالَةِ الْمَسَاءِ قَدَّمَ الْمَسَاءَ عَلَى الصَّبَاحِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَدَّمَ الصَّبَاحَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ ظُهُورَ أَثَرِ الْقُدْرَةِ فِيهِ أَظْهَرُ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَعْظَمِ] أَيْ أَشْرَفِ [قَوْلُهُ: حَظًّا وَنَصِيبًا] هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ السَّعْدُ قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: فِي كُلِّ خَيْرٍ] هُوَ النَّفْعُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: تَقْسِمُهُ] أَيْ تُهَيِّئُهُ وَتُحْضِرُهُ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَإِنَّمَا حَمَلْنَا الْقِسْمَةَ عَلَى التَّهْيِئَةِ وَالْحُضُورِ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ فِي الْأَزَلِ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. [قَوْلُهُ: مِنْ نُورٍ] أَيْ هُدًى وَهُوَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ كَذَا فِيهِ أَيْضًا، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ قَوْلُهُ مِنْ نُورٍ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ أَثَرِ نُورٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ خَلْقَ الْقُدْرَةِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ قِسْمَةٌ إنَّمَا الْقِسْمَةُ تَتَعَلَّقُ

(تَنْشُرُهَا) أَيْ تُظْهِرُهَا (أَوْ رِزْقٍ) حَلَالٍ (تَبْسُطُهُ) أَيْ تُكْثِرُهُ (أَوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ) أَيْ تُزِيلُهُ (أَوْ ذَنْبٍ) نَهَيْت أَنْتَ أَوْ رَسُولُك عَنْهُ (تَغْفِرُهُ) أَيْ تَسْتُرُهُ (أَوْ شِدَّةٍ) وَهِيَ مَا تُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْكُرَبِ وَالْأَحْزَانِ وَالْأَنْكَادِ وَضِيقِ الْعَيْشِ (تَرْفَعُهَا) أَيْ تُزِيلُهَا (أَوْ فِتْنَةٍ) وَهِيَ كُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنْ اللَّهِ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ (تَصْرِفُهَا أَوْ مُعَافَاةٍ) أَيْ سَلَامَاتٌ (تَمُنُّ) أَيْ تَتَفَضَّلُ (بِهَا بِرَحْمَتِك) أَيْ بِإِرَادَتِك (إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَرُوِيَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَصَرَّحَ بِهِ ق، وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ لِتَغْيِيرِهِ الْأُسْلُوبَ «وَمِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ سِرًّا وَإِنْ جَهَرَ فَلَا حَرَجَ: اللَّهُمَّ بِاسْمِك» أَيْ بِك أَيْ بِقُدْرَتِك «وَضَعْت جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت» أَيْ قَبَضْت «نَفْسِي» قَبْضَ وَفَاةٍ «فَاغْفِرْ لَهَا» أَيْ فَاسْتُرْهَا «وَإِنْ أَرْسَلْتهَا» أَيْ رَدَدْتهَا إلَى جَسَدِهَا «فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك» إذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا «وَأَلْجَأْت» أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُتَعَلِّقَةِ، ثُمَّ إنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ تُفَسَّرَ الْقُدْرَةُ بِسَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ لَا بِالْعَرْضِ الْمُقَارَنِ بِقَوْلِهِ تَهْدِي بِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ الْعَرْضُ الْمُقَارَنُ مَا صَحَّ، وَقَوْلُهُ: تَهْدِي بِهِ أَيْ تُوصِلُ بِهِ إلَى الْخَيْرِ، وَأَرَادَ بِهِ الطَّاعَاتِ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ الشَّامِلِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى نِعْمَةٍ] أَيْ مُنْعِمٌ بِهِ لَا بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ كَجَاهٍ يُصْرَفُ فِي طَاعَةِ الْمَوْلَى وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: حَلَالٌ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُو بِالرِّزْقِ الْحَرَامِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّ الْغِنَى أَفْضَلُ مِنْ الْفَقْرِ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: أَوْ ضُرٍّ] هُوَ كُلُّ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْأَمْرَاضِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ ضُرٍّ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى نُورٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْخَيْرِ إلَّا مِنْ حَيْثُ زَوَالِهَا أَيْ فَزَوَالُهَا هُوَ الْخَيْرُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الشَّفَقَةِ لِأُمَّتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْكَرْبِ] هُوَ أَشَقُّ الْأُمُورِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَحْزَانُ جَمْعُ حُزْنٍ غَمٌّ لِمَا مَضَى، وَقَوْلُهُ: وَالْأَنْكَادُ جَمْعُ نَكَدٍ وَهُوَ تَعَسُّرُ الشَّيْءِ عَلَى الْإِنْسَانِ، فَضِيقُ الْعَيْشِ مِنْ أَفْرَادِهِ. [قَوْلُهُ: تَصْرِفُهَا] أَيْ تَصْرِفُ الْأَشْغَالَ بِهَا أَيْ تُزِيلُهُ لَا أَنَّهُ يُزِيلُهَا بِحَيْثُ يَمُوتُ وَلَدُهُ وَيَذْهَبُ مَالُهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِإِرَادَتِك] قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَفَسَّرْنَا الرَّحْمَةَ بِالْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا تُطْلَقُ عَلَى النِّعْمَةِ وَالنِّعْمَةُ تُطْلَقُ مُرَادًا بِهَا الْإِنْعَامُ وَالْمُنْعَمُ بِهِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَذَا الْأَوَّلُ فَلْيُتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: لِتَغْيِيرِهِ الْأُسْلُوبَ] أَيْ الطَّرِيقَةُ لِأَنَّهُ قَالَ وَرُوِيَ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ] قَدَّرَ الْإِرَادَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَصِحُّ إبْقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ [قَوْلُهُ: إنَّهُ كَانَ يَضَعُ] مُسَامَحَةً وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الدُّعَاءِ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ] وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ فِي الْجِهَةِ الْيُسْرَى، فَإِذَا نَامَ عَلَى الْأَيْمَنِ يَكُونُ الْقَلْبُ مُعَلَّقًا فَيَسْتَيْقِظَ قَرِيبًا بِخِلَافِ النَّوْمِ عَلَى الْأَيْسَرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ فَيَسْتَرِيحُ فَيَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ. [قَوْلُهُ: فَلَا حَرَجَ] أَيْ فَلَا حُرْمَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. [قَوْلُهُ: أَيْ بِقُدْرَتِك] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفَ مُضَافَيْنِ، أَيْ بِصِفَةِ مَدْلُولِ اسْمِك أَيْ الْأَعْظَمِ أَيْ الَّذِي هُوَ اللَّهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ أَيْ الَّتِي هِيَ الْقُدْرَةُ فَالْمُرَادُ صِفَةٌ خَاصَّةٌ. [قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَعُودُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ كَذَا قَالَ بَعْضٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرُّوحَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِبَقَاءِ الْجَسَدِ، حَيًّا فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَلَوْ خَرَجَتْ لَمْ يَبْقَ الْجِسْمُ حَيًّا. قَالَ الشَّيْخُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ لَيْسَ حَقِيقِيًّا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ زَوَالُ إدْرَاكِهَا مَعَ بَقَائِهَا فِي الْجَسَدِ، قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي حَالِ النَّوْمِ حَقِيقِيٌّ إلَّا أَنَّهُ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ مَعْنَوِيٌّ يَقُومُ مَقَامَ وُجُودِ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ. [قَوْلُهُ: بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ] أَيْ بِتَوْفِيقٍ وَدَفْعِ مَكَارِهَ دُنْيَوِيَّةٍ [قَوْلُهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا] التَّدْبِيرُ هُوَ النَّظَرُ فِي عَوَاقِبِ

أَسْنَدْت «ظَهْرِي إلَيْك» مَعْنًى لَا حِسًّا لِتُقَوِّيَنِي وَتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي وَتَدْفَعَ عَنِّي مَا يَضُرُّنِي «وَفَوَّضْت» أَيْ وَكَّلْت «أَمْرِي إلَيْك» تَفْعَلُ بِي مَا تُرِيدُ «وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك رَهْبَةً» أَيْ خَوْفًا «مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك» أَيْ طَمَعًا فِي رَحْمَتِك «لَا مَنْجَى» أَيْ لَا مَهْرَبَ «وَلَا مَلْجَأَ» أَيْ لَا مَرْجِعَ «مِنْك إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك» أَيْ أَطْلُبُ مِنْك مَغْفِرَتَك وَهِيَ سَتْرُ الذُّنُوبِ «وَأَتُوبُ» أَيْ أَرْجِعُ «إلَيْك» مِنْ أَفْعَالٍ مَذْمُومَةٍ إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ «آمَنْت» أَيْ صَدَّقْت «بِكِتَابِك» أَيْ الْقُرْآنُ «الَّذِي أَنْزَلْته» عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَ» آمَنْت أَيْ صَدَّقْت «بِرَسُولِك» وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ وَنَبِيِّك «الَّذِي أَرْسَلْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت» مِنْ الذُّنُوبِ «وَمَا أَخَّرْت» مِنْ التَّوْبَةِ «وَمَا أَسْرَرْت» أَيْ الَّذِي عَمِلْته سِرًّا «وَمَا أَعْلَنْت» جَهْرًا «أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ» مَعْبُودٌ «إلَّا أَنْتَ» يَا «رَبِّ قِنِي عَذَابَك» أَيْ نَجِّنِي مِنْهُ «يَوْمَ تَبْعَثُ» أَيْ تَنْشُرُ «عِبَادَك» (وَمِمَّا رُوِيَ) فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ (عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ: «اللَّهُمَّ إنِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُمُورِ. [قَوْلُهُ: مَعْنًى] أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَعْنَوِيًّا أَوْ إسْنَادَ مَعْنًى وَلَا حَاجَةَ بِذَلِكَ إذْ يُجْعَلُ قَوْلُهُ وَأَسْنَدْت ظَهْرِي كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَفَوَّضْت إلَخْ] تَكْرَارٌ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَهَا فَوَّضَهَا، وَإِذَا فَوَّضَهَا أَسْلَمَهَا وَالتَّكْرَارُ فِي الدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَأَسْنَدْت ظَهْرِي إلَيْك أَيْ وَجَّهْت نَفْسِي إلَيْك إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: إذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا مَعَ قَوْلِهِ تَفْعَلُ بِي مَا تُرِيدُ مَا يُوجِبُ تَنَاقُضًا فِي الدُّعَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ الْتَفَتَ فِي قَوْلِهِ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك إلَى كَوْنِ الْمَوْلَى يَفْعَلُ بِهِ مَا بِهِ صَلَاحُهُ، وَالْتَفَتَ فِي هَذَا إلَى كَوْنِ الْمَوْلَى يَفْعَلُ بِهِ مَا يُرِيدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ صَلَاحُهُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْجَسَدِ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَكَلْت] بِتَخْفِيفِ الْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ [قَوْلُهُ: رَهْبَةً] مُؤَوَّلَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ رَاهِبًا وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ أَوْ فِي حَالِ كَوْنِي ذَا رَهْبَةٍ، وَذَا خَوْفٍ يَتَعَلَّقُ بِالْعَوَامِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدَّمَ الْخَوْفَ عَلَى الرَّهْبَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْخَوْفِ فِي الصِّحَّةِ. [قَوْلُهُ: رِفْدُك] أَيْ عَطَائُكَ. [قَوْلُهُ: لَا مَنْجَى] أَيْ لَا مَهْرَبَ بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ. [قَوْلُهُ: وَلَا مَلْجَأَ] بِالْهَمْزِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا مَرْجِعَ مِنْك] حَاصِلُهُ الْمَهْرَبُ، وَالْمَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالتَّقْدِيرُ لَا هُرُوبَ وَلَا رُجُوعَ مِنْك إلَّا إلَيْك، وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّنَا لَوْ هَرَبْنَا مِنْك وَرَجَعْنَا مِنْ عِنْدِك بِحَيْثُ نَظَرْنَا إلَى غَيْرِكَ نَرْجِعُ إلَيْك لِأَنَّنَا لَمْ نَجِدْ مِنْهُ إغَاثَةً. [قَوْلُهُ: وَهِيَ سِتْرُ الذُّنُوبِ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَأَتُوبُ] أَيْ فِي الْحَالِ [قَوْلُهُ: إلَى أَفْعَالٍ مَحْمُودَةٍ] إمَّا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا، فَالْأَوَّلُ كَمَنْ كَانَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ فَتَابَ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ رَجَعَ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ وَهُوَ التَّرْكُ إلَى فِعْلٍ مَحْمُودٍ وَهُوَ الْفِعْلُ، وَالثَّانِي كَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ الزِّنَا وَتَابَ مِنْهُ فَقَدْ رَجَعَ مِنْ فِعْلٍ مَذْمُومٍ وَهُوَ الزِّنَا إلَى فِعْلٍ مَحْمُودٍ وَهُوَ التَّرْكُ، وَنُمْسِكُ عَنَانَ الْقَلَمِ وَقَوْلُهُ: وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَيْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: نَبِيِّك، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ وَرَسُولِك وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: وَنَبِيِّك وَرَسُولِك احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ مَنَعَ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ وَالْأَدْعِيَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ التَّوْبَةِ] وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ التَّوْبَةِ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي ذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ فَرَاجِعْهُ [قَوْلُهُ: جَهْرًا] أَيْ مَا عَمِلْته جَهْرًا أَحَالَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْغَيْرُ. [قَوْلُهُ: مَعْبُودٌ. . . إلَخْ] فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إلَهَ مَعْنَاهُ مَعْبُودٌ أَيْ بِحَقٍّ، وَكَانَ الْأَوْلَى زِيَادَتَهُ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا مَعْبُودَ أَيْ مَوْجُودَ إلَّا اللَّهُ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَنْشُرَ عِبَادَك] أَيْ تُحْيِيَ عِبَادَك. [قَوْلُهُ: عِنْدَ الْخُرُوجِ] أَيْ فَيُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَنْزِلِ] لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا خَرَجَ مِنْ فُنْدُقِهِ، قَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِيمَا أَشْبَهَهُ الْمَسْجِدُ، وَظَاهِرُهُ كَانَ الْخُرُوجُ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ لِلسَّفَرِ أَشَدُّ طَلَبًا، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُهُ كُلَّمَا خَرَجَ وَلَوْ تَكَرَّرَ خُرُوجُهُ لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ الدُّعَاءِ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ

أَعُوذُ» أَيْ أَتَحَصَّنُ «بِك أَنْ أَضِلَّ» أَيْ أَنْفَكَّ عَنْ الْحَقِّ «أَوْ أُضَلَّ» أَيْ يُضِلَّنِي غَيْرِي عَنْهُ «أَوْ أَزِلَّ» أَيْ أَزِيغَ عَنْ الْحَقِّ «أَوْ أُزَلَّ» أَيْ يُزِيغَنِي غَيْرِي عَنْهُ «أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ» أَيْ سَلِّمْنِي أَنْ أَظْلِمَ أَحَدًا أَوْ يَظْلِمَنِي أَحَدٌ «أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» أَيْ سَلِّمْنِي أَنْ أَسَفَهُ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يُسْفِهَ عَلَيَّ أَحَدٌ (وَرُوِيَ) «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» «فِي دُبُرِ» بِضَمِّ الدَّالِ بِمَعْنَى عَقِبِ «كُلِّ صَلَاةٍ» مَكْتُوبَةٍ «أَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ» تَعَالَى «ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُكَبِّرَ اللَّه ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» كَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِتَقْدِيمِ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّهْلِيلِ: يُحْيِي وَيُمِيتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الذِّكْرِ فِي بَابِ صِفَةِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُرَاجَعْ. (وَ) مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الذِّكْرِ (عِنْدَ) الْخُرُوجِ مِنْ (الْخَلَاءِ) بِالْمَدِّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُعَدُّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنَّك (تَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ) أَيْ الطَّعَامِ الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ عِنْدَ أَكْلِهِ (وَأَخْرَجَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ) أَيْ مَا أَتَأَذَّى بِهِ (وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ) أَيْ مَا أَنْتَفِعُ بِهِ. د: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَظُنُّهُ فِي الْمَرَاسِيلِ. ك: وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي مِنْ الْبَلَاءِ» . وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّيْخُ دُعَاءَ الدُّخُولِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك ـــــــــــــــــــــــــــــQاحْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ قَالَ الْمَلَكُ: كُفِيتَ وَهُدِيت وَوُقِيت فَتُفَرَّقُ عَنْهُ الشَّيَاطِينُ وَيَقُولُونَ مَا تَصْنَعُونَ بِرَجُلٍ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَةً وَنُدِبَ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ عِنْدَ خُرُوجِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ أَضِلَّ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَنْفَكَّ عَنْ الْحَقِّ، أَيْ بِنَفْسِي لِلْعَطْفِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ: أَوْ أُضَلَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَزِلَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَأُزَلُّ بِضَمِّهَا. قَالَ عج: وَالزَّلَلُ مَا يَقَعُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْإِضْلَالُ التَّمَادِي عَلَى ذَلِكَ، وَقِيلَ الزَّلَلُ مَا يَقَعُ فِيهِ الْإِنْسَانُ بِالْأَقْوَالِ وَالْإِضْلَالُ بِالْأَفْعَالِ. [قَوْلُهُ: أَوْ أَظْلِمَ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ أُظْلَمَ بِضَمِّهَا وَقَوْلُهُ أَوْ أَجْهَلَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ يُجْهَلَ بِضَمِّ الْيَاءِ. [قَوْلُهُ: أَيْ سَلِّمْنِي. . . إلَخْ] قَضِيَّةُ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْجَهْلُ أَخَصَّ مِنْ الظُّلْمِ، وَقِيلَ: الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَمْدًا وَالْجَهْلُ وَضْعُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. . [قَوْلُهُ: بِضَمِّ الدَّالِ] أَيْ وَالْبَاءُ. [قَوْلُهُ: مَكْتُوبَةٌ] أَيْ مَفْرُوضَةٌ، تَنْبِيهٌ: هَذَا مِنْ بَابِ الذِّكْرِ لَا مِنْ بَابِ الدُّعَاءِ الَّذِي كَلَامُهُ فِيهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ] فَإِذَا حَصَلَ لِلْإِنْسَانِ الشَّكُّ فِي الْعَدَدِ فَيَحْتَاطُ وَيُكْمِلُ وَتَكْرَهُ الزِّيَادَةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَدَدِ. [قَوْلُهُ: وَيُكَبِّرَ اللَّهَ. . . إلَخْ] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ بِثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَمِثْلِهَا تَحْمِيدَاتٍ، وَبِأَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ. . . إلَخْ] لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ اعْتِرَاضًا وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ. . [قَوْلُهُ: الْخَلَاءُ] بِالْمَدِّ سُمِّيَ بِالْخَلَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ خَالِيًا عَنْ النَّاسِ [قَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْلِهِ] أَيْ لَذَّتِهِ عِنْدَ أَكْلِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَيْ مَا أَتَأَذَّى بِهِ] وَهُوَ الْغَائِطُ أَيْ فَعَبَّرَ عَنْ الْغَائِطِ بِالْمَشَقَّةِ لِأَنَّهَا تَنْشَأُ عَنْ بَقَائِهِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَبْقَى الْعِبَارَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْمَعْنَى أَذْهِبْ عَنِّي مَشَقَّةَ بَقَائِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ مَا أَنْتَفِعُ بِهِ] لِأَنَّ الْعُرُوقَ تَتَغَذَّى مِنْ ذَلِكَ فَتَقْوَى أَعْضَاؤُهُ عَلَى الطَّاعَاتِ، فَظَهَرَ أَنَّ فِي إطْلَاقِ الْقُوَّةِ عَلَى مَا يَجْرِي فِي الْعُرُوقِ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ. [قَوْلُهُ: أَظُنُّهُ فِي الْمَرَاسِيلِ] إمَّا مَرَاسِيلُ أَبِي دَاوُد أَوْ مُطْلَقُ مَرَاسِيلَ جَمْعُ مُرْسَلٍ وَهُوَ مَرْفُوعُ التَّابِعِيِّ، وَاعْتَرَضَ عج قَوْلَ زَرُّوقٍ فَقَالَ: وَانْظُرْ قَوْلَ د: أَظُنُّهُ فِي الْمَرَاسِيلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. [قَوْلُهُ: الْأَذَى] وَهُوَ الْفَضْلَةُ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْبَلَاءِ أَيْ الْمَرَضُ الَّذِي يَنْشَأُ بِبَقَائِهَا فِي الْجِسْمِ. [قَوْلُهُ: إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ] أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْخُبُثِ] الْخُبُثُ بِضَمِّ

مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» . (وَتَتَعَوَّذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَخَافُهُ) مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَحَيَوَانٍ (وَعِنْدَمَا تَحِلُّ بِمَوْضِعٍ أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ أَوْ تَنَامُ فِيهِ تَقُولُ: أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) أَيْ الْقُرْآنِ (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ التَّعَوُّذِ أَنْ تَقُولَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ) أَيْ ذَاتِهِ الْكَرِيمَةُ (وَبِكَلِمَاتِهِ) أَيْ اللَّهِ (التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُحَاوِزُهُنَّ) أَيْ لَا يَبْلُغُ مَنْ تَحَصَّنَ بِهِنَّ (بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ) أَيْ مَكْرُوهُ بَرٍّ وَلَا مَكْرُوهُ فَاجِرٍ (وَ) أَعُوذُ (بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى) وُصِفَتْ بِذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحَسَنَةِ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَشْرِيفٍ (كُلُّهَا) تَأْكِيدٌ وَأُخِذَ مِنْ قَوْلِهِ: (مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ) أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ (وَ) أَعُوذُ بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ) كَالصَّوَاعِقِ فَتُصِيبُ أَهْلَ الْأَرْضِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا) أَيْ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْبَلَاءِ وَهُوَ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ) أَيْ خَلَقَ (فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) مِمَّا لَهُ شَرٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَفِي تت: الْخُبْثُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا. [قَوْلُهُ: وَيَتَعَوَّذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ] يُحْتَمَلُ عِنْدَ الْخَلَاءِ وَيُحْتَمَلُ فِي كُلِّ مَكَان. [قَوْلُهُ: أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ] مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: تَقُولُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ] أَيْ ثَلَاثًا كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّك إنْ قُلْت ذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَلَوْ لَدَغَتْك عَقْرَبٌ أَوْ غَيْرُهَا لَمْ تَضُرَّ لَدْغَتُهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا قَالَهَا مُسَافِرٌ عِنْدَ نُزُولِهِ لَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» ، وَمَعْنَى التَّامَّاتِ الْبَالِغَةُ الْغَايَةَ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُعْجِزُ الْبَشَرِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا أَنْزَلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمَعْنَى التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يَعْتَرِيهَا نَقْصٌ وَلَا بَاطِلٌ، وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ الْقُرْآنِ بِالْكَلِمَاتِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سِرًّا عَظِيمًا. [قَوْلُهُ: مِنْ التَّعَوُّذِ] أَيْ صِفَتِهِ الْوَارِدَةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَبْلُغُ. . . إلَخْ] وَعِبَارَةٌ أُخْرَى لَا يَتَعَدَّاهُنَّ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. [قَوْلُهُ: بَرٌّ] الْبَرُّ الْمُحْسِنُ الْمُطْمِعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْفَاجِرُ ضِدُّهُ قَالَهُ عج، أَيْ وَوُقُوعُ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْبَرِّ مُمْكِنٌ. [قَوْلُهُ: لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَعَانِي الْحَسَنَةِ] أَيْ لِمَا اسْتَلْزَمَتْهُ مِنْ مَعَانِي حَسَنَةٍ لَا أَنَّهَا مَعَانِيهَا الْمَدْلُولَةَ لَهَا، مَثَلًا: وَهَّابٌ مَعْنَاهُ كَثِيرُ الْهِبَةِ وَهَذَا مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى هُوَ كَثْرَةُ حَمْدِ الْحَامِدِينَ وَتَعْظِيمِ الْمُعَلِّمِينَ. [قَوْلُهُ: أَكْثَرُ مِنْ التِّسْعَةِ] قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: لِلَّهِ أَلْفُ اسْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ فِي التَّوْرَاةِ وَثَلَاثُمِائَةٍ فِي الزَّبُورِ وَثَلَاثُمِائَةٍ فِي الْإِنْجِيلِ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي الْقُرْآنِ وَوَاحِدٌ فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ قَالَهُ عج. [قَوْلُهُ: أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ] مَعْنَاهَا الْإِيجَادُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ، وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا كُلَّهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اتِّحَادِ مَعْنَاهَا. [قَوْلُهُ: كَالصَّوَاعِقِ] جَمْعُ صَاعِقَةٍ وَهِيَ الرَّعْدُ الَّذِي مَعَهُ نَارٌ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ مِنْ السَّمَاءِ أَيْ مِنْ جِهَةِ السَّمَاءِ لِيَشْمَلَ مَا نَزَلَ مِنْ تَحْتِهَا كَمَا ذُكِرَ، وَأَدْخَلْت الْكَافُ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ الْعَذَابِ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَيُصِيبُهُمْ. [قَوْلُهُ: فِي السَّمَاءِ] أَرَادَ بِهَا حَقِيقَتَهَا [قَوْلُهُ: وَهُوَ سَيِّئُ الْأَعْمَالِ] أَيْ السَّيِّئُ مِنْ الْأَعْمَالِ أَيْ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ مُطْلَقًا سَيِّئَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ يُعْرَجُ بِهَا إلَى الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ الْبَلَاءِ إنَّمَا هُوَ السَّيِّئُ، فَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرْفَعُ إلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ» وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ» قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: لِاحْتِمَالِ عَرْضِ الْأَعْمَالِ عَلَيْهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ فَتُعْرَضُ عَرْضًا بَعْدَ عَرْضٍ، وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ يَسْتَأْثِرُ بِهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ. [قَوْلُهُ: وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ. . . إلَخْ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ وَنُسْخَةُ التَّحْقِيقِ، وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ. . . إلَخْ فَلَا الْتِفَاتَ وَيَأْتِي عَلَى كَلَامِ شَارِحِنَا الْتِفَاتٌ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ غَيْبَةٍ بَدَلَ كَافٍ الْخِطَابِ حَيْثُ قَالَ: «وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ» ، إنْ قَرَأْته بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ. [قَوْلُهُ: أَيْ خَلَقَ فِي الْأَرْضِ] أَيْ خَلَقَ عَلَى وَجْهِهَا، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَيْ مِمَّا خُلِقَ فِي بَطْنِهَا، وَقَوْلُهُ: وَأَذِيَّةٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ

وَإِذَايَةٌ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ (وَمِنْ فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) أَيْ الْفِتْنَةُ الْوَاقِعَةُ فِيهِمَا (وَ) أَعُوذُ بِك (مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) الطَّارِقُ مَا يَأْتِي بَغْتَةً (وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ) أَيْ التَّعَوُّذِ (أَيْضًا وَ) أَعُوذُ بِاَللَّهِ (مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا كُلُّ مَا اتَّصَفَ بِالدَّبِيبِ وَهُوَ الْمَشْيُ (إنَّ رَبِّي) أَيْ سَيِّدِي وَخَالِقِي (آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) وَهُوَ مُقَدِّمُ الرَّأْسِ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ (إنَّ رَبِّي) أَيْ أَمْرَهُ (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) مَعْنَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا نَقْصَ فِيهِ وَلَا قُصُورَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ هَلْ هَذَا التَّعَوُّذُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَمْ لَا، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْأَصْلِ مَا قِيلَ فِيهِ (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ) مَثَلًا (أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ حِرْزًا لِمَنْزِلِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: أَيْ الْفِتَنُ الْوَاقِعَةُ. . . إلَخْ] أَيْ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَظْرُوفِ إلَى الظَّرْفِ أَيْ الْمِحَنُ وَالِابْتِلَاءَاتُ. [قَوْلُهُ: مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ. . . إلَخْ] أَيْ حَوَادِثُهُ الَّتِي تَأْتِي لَيْلًا. [قَوْلُهُ: إلَّا طَارِقًا] اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ، وَقَوْلُهُ: الطَّارِقُ مَا يَأْتِي بَغْتَةً أَيْ لَيْلًا هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَارِحِ الْمُوَطَّأِ، وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ تُؤْذِنُ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَتَرْجِيحُ الْعُمُومِ أَيْ أَنَّ الطَّارِقَ مَا يَأْتِي بَغْتَةً مُطْلَقًا، وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ الطَّارِقَ مَا يَأْتِي بَغْتَةً فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَتُهُ لِكَوْنِهِ الْفَرْدَ الْأَشَقَّ وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِمَا أَفَادَهُ ق مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ هُنَا الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ وَالِاشْتِغَالُ عَنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ، [قَوْلُهُ: يَطْرُقُ] بِضَمِّ الرَّاءِ. [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا هُنَا] إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ذَاتُ الْحَوَافِرِ أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: أَيْ سَيِّدِي وَخَالِقِي. . . إلَخْ] إشَارَةٌ إلَى قَوْلَيْنِ فِي مَعْنَى الرَّبِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ الْمُصْلِحُ وَقِيلَ الْمَعْبُودُ وَقِيلَ الْمَالِكُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ مُقَدِّمُ الرَّأْسِ. . . إلَخْ] اعْلَمْ أَنَّ النَّاصِيَةَ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْبَتُ الشَّعْرِ فِي مُقَدَّمِ الرَّأْسِ، وَيُسَمَّى الشَّعْرُ النَّابِتُ هُنَاكَ نَاصِيَةً بِاسْمِ مَنْبَتِهِ. [قَوْلُهُ: وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ] أَيْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لَا حَقِيقَةُ الِاسْتِعَارَةِ، وَبَيَانُ كَوْنِهِ مَجَازًا مُرْسَلًا أَنَّ الْقَهْرَ وَالْغَلَبَةَ يُلْزِمَانِ الْأَخْذَ بِالنَّاصِيَةِ وَلَمْ يُجْعَلْ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِاسْتِحَالَتِهِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ النُّقُولِ أَنَّ الْقَهْرَ مُرَادِفٌ لِلْغَلَبَةِ [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ] أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ التَّصَرُّفُ، وَاسْتُعِيرَ الصِّرَاطُ لِلْحَالَةِ أَيْ أَنَّ تَصَرُّفَ رَبِّي عَلَى وَجْهٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا قُصُورٌ، وَالْعَطْفُ فِيهِ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَوْ الْمُسَاوِي وَالْخَطْبُ سَهْلٌ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّيْخُ هَلْ هَذَا] أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ مِنْ التَّعَوُّذِ أَنْ يَقُولَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْأَصْلِ مَا قِيلَ فِيهِ] بَيَّنَهُ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ: تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ هَلْ هَذَا التَّعَوُّذُ حَدِيثٌ أَوْ لَا. وَقَالَ ع: إنَّهُ حَدِيثٌ عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَتَبِعَهُ عِفْرِيتٌ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ إلَى آخِرِهِ، قُلْت: لَيْسَ كُلُّهُ حَدِيثُ الْعِفْرِيتِ بَلْ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا مَرْفُوعٌ وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ أُدْخِلَ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ وَزَادَ فِيهِ بَعْضَ أَلْفَاظٍ يُعْلَمُ ذَلِكَ بِسَوْقِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ فِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: «أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ يَطْلُبُهُ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ كُلَّمَا الْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: أَفَلَا أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ إذَا قُلْتهنَّ طَفِئَتْ شُعْلَتُهُ وَخَرَّ لِفِيهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلَى فَقَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: قُلْ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَشَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ» . [قَوْلُهُ: مَنْزِلُهُ مَثَلًا] أَيْ أَوْ حَانُوتُهُ أَوْ بُسْتَانُهُ. [قَوْلُهُ: مَا شَاءَ] أَيْ مَا شَاءَهُ يَكُونُ. [قَوْلُهُ: بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ] أَيْ سُنَّةٌ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ يَقُولُ] أَيْ نَدْبًا. [قَوْلُهُ: وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ] هُمْ الْمُؤْمِنُونَ إنْسًا وَجِنًّا وَمَلَكًا. [قَوْلُهُ: جَنَّتَك] أَيْ بُسْتَانُك. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ] وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْرٍ أَمْ لَا، وَاسْتَحَقَّ كَتْبَ الْوَثِيقَةِ إنْ خَفَّ انْتَهَى، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا يَمْنَعُ مُصَلِّيًا وَلَا يُقَذِّرُهُ، وَأَمَّا مَا يُقَذِّرُهُ

خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ فِيهِ) فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ حَرُمَ وَإِلَّا كُرِهَ (وَ) كَذَا (لَا يَأْكُلُ فِيهِ إلَّا مِثْلَ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ) مِمَّا لَا يُلَوِّثُ (كَالسَّوِيقِ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْقَمْحُ أَوْ الشَّعِيرِ الْمَقْلِيُّ إذَا طُحِنَ (وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ السَّوِيقِ مِمَّا لَا يُلَوِّثُ، وَأَمَّا مَا يُلَوِّثُ أَوْ كَانَ لَهُ دَسَمٌ فَيُمْنَعُ (وَ) كَذَا (لَا يَقُصُّ فِيهِ شَارِبَهُ وَلَا يُقَلِّمُ) فِيهِ (أَظَافِرَهُ) ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَاخٌ ثُمَّ بَالَغَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (وَإِنْ قَصَّ أَوْ قَلَّمَ أَخَذَهُ) أَيْ مَا قَصَّهُ مِنْ شَارِبِهِ وَمَا قَلَّمَهُ مِنْ أَظْفَارِهِ (فِي ثَوْبِهِ) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَلَا يَقْتُلُ فِيهِ قَمْلَةً وَلَا بُرْغُوثًا) صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبُرْغُوثِ. وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَتْلُهَا فِيهِ أَشَدَّ مِنْ الْبُرْغُوثِ لِأَنَّهَا مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ (وَأَرْخَصَ فِي مَبِيتِ الْغُرَبَاءِ فِي مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ) لِلضَّرُورَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ ذَلِكَ فِي مَسَاجِدِ الْحَاضِرَةِ لِوُجُودِ الْفَنَادِقِ فِيهَا إذَا وَجَدَ مَا يُعْطِي، أَمَّا إنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُعْطِي بَاتَ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ (وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْحَمَّامِ إلَّا الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ وَلَا يُكْثِرُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُيُوتِ الْمَكْرُوهَةِ (وَيَقْرَأُ الرَّاكِبُ وَالْمُضْطَجِعُ) لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ ذِكْرٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [النساء: 103] الْآيَةُ (وَ) كَذَا يَقْرَأُ (الْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَاشِي إلَى السُّوقِ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاشِيَ لِلسُّوقِ فِي قِرَاءَتِهِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِهَانَةِ لِلْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ فِي الطُّرُقَاتِ، وَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَحِجَامَةٍ أَوْ فَصَادَةٍ أَوْ إصْلَاحِ النِّعَالَاتِ الْقَدِيمَةِ أَوْ يُضَيِّقُ عَلَى مُصَلٍّ فَيَحْرُمُ. [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا] أَيْ كَالتِّجَارَةِ أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] . . . إلَخْ وَإِطْلَاقُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ لَهُ تَعَالَى. [قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا نَجَاسَةٌ حَرُمَ] وَمِثْلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ بِهِمَا مَا يُقَذِّرُ وَلَوْ طَاهِرًا وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا كُرِهَ أَيْ إنْ كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ أَيْ وَلَمْ يَكُنْ بِهِمَا مَا يَقْذُرُ، وَفِي الْوُضُوءِ فِيهِ قَوْلَانِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْجَوَازِ وَرَحَابِهِ كَهُوَ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَأْكُلُ. . . إلَخْ] أَيْ وَيُكْرَهُ نَحْوُ الْفُولِ مِمَّا يَعْفِشُ وَلَا يُقَذِّرُ وَإِلَّا حَرُمَ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُلَوِّثُ أَيْ وَلَا يَعْفِشُ، [قَوْلَةُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ وَقِيلَ بِالصَّادِ. [قَوْلُهُ: إذَا طُحِنَ] زَادَ فِي التَّحْقِيقِ سَوَاءٌ كَانَ مَلْتُوتًا بِسَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا يُلَوِّثُ] أَيْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَسَمٌ أَيْ كَالْبِطِّيخِ. [قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَهُ دَسَمٌ] أَيْ وَشَأْنُهُ أَنْ يُلَوِّثَ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَقُصُّ. . . إلَخْ] أَيْ يُكْرَهُ وَكَذَا حَلْقُ الرَّأْسِ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَ فِي ثَوْبِهِ] أَيْ بِحَيْثُ لَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ مِنْ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ. [قَوْلُهُ: صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ] وَكَرَاهَةِ قَتْلِ الْقَمْلِ حَيْثُ لَمْ يُطْرَحْ قِشْرُهَا فِيهِ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ مَيْتَتَهَا نَجِسَةٌ كَمَا أَنَّ كَرَاهَةَ قَتْلِ الْبُرْغُوثِ مَعَ طَرْحِ قِشْرِهِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَقْذُرُهُ وَإِلَّا حَرُمَ، وَأَمَّا الطَّرْحُ فَيَجُوزُ طَرْحُ الْبُرْغُوثِ، وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَقِيلَ: بِالْحُرْمَةِ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَاخْتَارَهُ عج. [قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي] يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ يَنْبَغِي الْحُرْمَةَ، وَيُحْتَمَلُ قُوَّةُ الْكَرَاهَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ] أَيْ يُكْرَهُ. [قَوْلُهُ: بَاتَ فِيهَا لِلضَّرُورَةِ] لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ فَكَيْفَ الْمَكْرُوهُ هُنَا، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ دَابَّةِ الْغَرِيبِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَحَلًّا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ وَخَافَ مِنْ اللُّصُوصِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ أَنْ يُدْخِلَهَا الْمَسْجِدَ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ آنِيَةً لِلْبَوْلِ فِيهِ إذَا كَانَ يَخَافُ سَبُعًا أَوْ سَبْقَ بَوْلٍ فِيهِ. . [قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْحَمَّامِ] أَيْ يُكْرَهُ وَمِثْلُهُ مَوْضِعُ الْقَذَرِ. [قَوْلُهُ: إلَّا الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ] أَيْ لِتَعَوُّذٍ وَنَحْوِهِ كَذَا قَيَّدَ زَرُّوقٌ وَذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ مَكْرُوهَةٌ. [قَوْلُهُ: الْآيَاتِ] جَمْعُ قِلَّةٍ فَقَوْلُهُ الْيَسِيرَةَ تَأْكِيدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا يُكْثِرُ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مِنْ الْبُيُوتِ الْمَكْرُوهَةِ] أَيْ الْمَبْغُوضَةُ كَمَا يُفِيدُهُ الْمِصْبَاحُ فَأَطْلَقَهَا وَأَرَادَ مَلْزُومَهَا مِنْ الِاسْتِقْذَارِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهَا مِنْ الْبُيُوتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَالْبَاعِثُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَمَّامَ لَيْسَ مَبْغُوضًا بَلْ مَحْبُوبًا يَوَدُّهُ الْإِنْسَانُ كُلَّ يَوْمٍ فَإِذَنْ فَالْمَقْصُودُ دَاخِلُهُ فِي مَحَلِّ زَوَالِ الْوَسَخِ [قَوْلُهُ: مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ] أَيْ أَوْ إلَى حَائِطِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَاشِي إلَى السُّوقِ] أَيْ سُوقِ الْحَاضِرَةِ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا سُوقِ الْبَادِيَةِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ أَيْضًا بِقِلَّةِ التَّدَبُّرِ كَانَتْ سِرًّا أَوْ جَهْرًا. [قَوْلُهُ: بِقِرَاءَتِهِ فِي الطُّرُقَاتِ] أَيْ الَّتِي شَأْنُهَا كَثْرَةُ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْسَاخِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ فِي السَّفَرِ الطُّرُقَاتِ

كَذَلِكَ الْمَاشِي مِنْ قَرْيَةٍ إلَى قَرْيَةٍ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ مُعِينَةٌ لَهُ عَلَى طَرِيقِهِ وَيَتَحَرَّزُ بِهَا (وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْمَاشِي إلَى السُّوقِ (لِلْمُتَعَلِّمِ وَاسِعٌ) أَيْ جَائِزٌ (وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي سَبْعٍ) أَيْ سَبْعِ لَيَالٍ (فَذَلِكَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَ أَكْثَرِ السَّلَفِ (وَ) لَكِنَّ (التَّفَهُّمَ مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ) مِنْ سَرْدِ حُرُوفِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد: 24] ج: أَفْتَى بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ غَيْرَ مَا مَرَّةٍ بِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِلَا فَهْمٍ لَا ثَوَابَ لَهُ أَلْبَتَّةَ زَاعِمًا أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ: هُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَكُنْت لَا أَرْتَضِي مِنْهُ هَذِهِ الْفَتْوَى وَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ إنْ صَحَّ إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي فَهْمِ الْقُرْآنِ أَحْسَنُ انْتَهَى. (وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» . (وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقُولَ) مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (عِنْدَ رُكُوبِهِ) أَيْ عِنْدَ وَضْعِ رِجْلِهِ فِي غَرْزِ الرِّكَابِ «بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ» أَيْ الْحَافِظُ «فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» أَيْ الْوَكِيلُ بِمَعْنَى الرَّازِقِ لَهُمْ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ» أَيْ أَتَحَصَّنُ «بِك مِنْ وَعْثَاءِ» بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَشَقَّةِ «السَّفَرِ وَ» أَعُوذُ بِك مِنْ «كَآبَةِ» بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْهَمْزِ وَالْمَدِّ «الْمُنْقَلَبِ» بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ، أَيْ أَعُوذُ بِك أَنْ أَنْقَلِبَ إلَى مَا يَقْتَضِي كَآبَةً أَيْ سُوءُ حَالٍ مِنْ فَوَاتِ مَا أُرِيدُ أَوْ وُقُوعِ مَا أَحْذَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا. [قَوْلُهُ: وَيَتَحَرَّزُ بِهَا] أَيْ يَتَحَصَّنُ بِهَا مِنْ الْمُؤْذِي الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِ الْمُسَافِرِ. [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ] ضَعِيفٌ [قَوْلُهُ: أَيْ سَبْعُ لَيَالٍ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْأَيَّامَ لَا خُصُوصَ اللَّيْلِ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَ أَكْثَرِ السَّلَفِ] أَيْ وَهُوَ نِهَايَةُ مَا انْتَهَى إلَيْهِ أَمْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفَتْ طُرُقُهُمْ فِي التَّجْزِئَةِ وَأَحْسَنُهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ ثَلَاثُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى سُورَةِ الْعُقُودِ، وَفِي الثَّانِي خَمْسُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى يُونُسَ، وَفِي الثَّالِثِ سَبْعُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَفِي الرَّابِعِ تِسْعُ سُورٍ فَيَقِفُ عَلَى الشُّعَرَاءِ، وَفِي الْخَامِسِ إحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً فَيَقِفُ عَلَى الصَّافَّاتِ، وَفِي السَّادِسِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً فَيَقِفُ عَلَى الْحُجُرَاتِ، وَفِي السَّابِعِ يَخْتِمُ اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ أَكْثَرُ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ السَّلَفِ كَانُوا يَخْتِمُونَ كُلَّ يَوْمٍ وَذَلِكَ بِحَسَبِ قُوَّةِ حَالِهِمْ أَوْ هُوَ كَرَامَةٌ لَهُمْ كَمَا حُكِيَ عَنْ مُوسَى صَاحِبِ الشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْتِمُ بَيْنَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ خَتْمَةٍ. [قَوْلُهُ: مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ] وَلَوْ زَادَتْ مُدَّتُهَا عَلَى سَبْعِ لَيَالٍ كَمَا فِي تت. [قَوْلُهُ: مَنْ سَرَدَ حُرُوفَهُ] أَيْ بِلَا تَفَهُّمٍ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمُقَابِلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ السَّرْدَ أَفْضَلُ مِنْ الْفَهْمِ مَعَ قِلَّةِ الْقُرْآنِ. [قَوْلُهُ: غَيْرَ مَا مَرَّةٍ] أَيْ غَيْرُ مَرَّةٍ أَيْ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فَمَا زَائِدَةٌ. [قَوْلُهُ: يَحْمِلُ أَسْفَارًا] أَيْ كُتُبًا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا [قَوْلُهُ: وَكُنْت لَا أَرْتَضِي] أَيْ فَالْمُعْتَمَدُ حُصُولَ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْقَارِئِ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ الْمُتَعَبِّدُ بِتِلَاوَتِهِ. [قَوْلُهُ: لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ] وَهَذَا مَعَ مَعْرِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَانِيَهُ وَفَهْمِ مَا فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ، مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ [قَوْلُهُ: لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ] أَيْ لَمْ يَفْهَمْ مَعَانِيَهُ أَيْ لَمْ يُحِطْ بِمَعْنَاهُ بِتَمَامِهِ. [قَوْلُهُ: وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ] أَتَى بِهِ كَأَنَّهُ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ. [قَوْلُهُ: لِلْمُسَافِرِ] أَيْ مُرِيدِ السَّفَرِ [قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ] أَيْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُلْتَزِمِ صِحَّتُهَا [قَوْلُهُ غَرْزُ الرِّكَابِ] الْغَرْزُ رِكَابٌ مِنْ جِلْدٍ تُوضَعُ فِيهِ الرِّجْلُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ، وَفَسَّرَهُ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ بِمُطْلَقِ الرِّكَابِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ مَنْقُوطَةٍ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ: لَا حَاجَةَ لِتِلْكَ الْإِضَافَةِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْئِيِّ لِلْكُلِّيِّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَضْعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ سَوَاءٌ كَانَ غَرْزًا أَمْ لَا. [قَوْلُهُ: أَيْ الْحَافِظِ فِي السَّفَرِ. . . إلَخْ] أَيْ بِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ وَتَسْهِيلِ أُمُورِهِ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ حَالِهِ. [قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الرَّازِقِ] الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي تت أَيْ الْوَكِيلِ فِي حِفْظِهِمْ بَعْدَ سَفَرِي عَنْهُمْ أَيْ الْقَائِمِ بِأُمُورِهِمْ. [قَوْلُهُ: أَنْ أَنْقَلِبَ] لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنْقَلَبَ يَأْتِي مَصْدَرًا وَاسْمَ مَكَان وَهُوَ هُنَا مَصْدَرٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ

«وَ» أَعُوذُ بِك مِنْ «سُوءِ الْمَنْظَرِ» أَيْ مَا يُسِيءُ النَّظَرُ إلَيْهِ ( «فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» . ك: هَذَا حَدِيثٌ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ وَجَاءَ لَفْظُهُ مُخْتَلِفًا. (وَيَقُولُ الرَّاكِبُ إذَا اسْتَوَى) أَيْ اسْتَقَرَّ (عَلَى) ظَهْرِ (الدَّابَّةِ) وَكَذَا الْمَاشِي عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمَشْيِ: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ» أَيْ مُطِيقِينَ قَادِرِينَ «وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ» أَيْ رَاجِعُونَ (وَتُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا لِلْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَإِذْلَالًا لِلدِّينِ (وَ) كَذَلِكَ تُكْرَهُ التِّجَارَةُ (إلَى بَلَدِ السُّودَانِ) الْكُفَّارِ مِنْهُمْ لِلْعِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (وَالسَّلَام) فِي الْمُوَطَّأِ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " الْحَدِيثُ، قَالَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْحَلُّ، وَقَضِيَّةُ حَلِّهِ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ إلَى الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا بِوَاسِطَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّجُوعَ الَّذِي هُوَ مَعْنًى مُنْقَلِبٌ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكَآبَةَ أَيْ سُوءَ الْحَالِ، وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكَآبَةَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْكَآبَةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، أَيْ أَعُوذُ بِك مِنْ سُوءِ حَالٍ مَنْسُوبٍ لِلرُّجُوعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكَآبَةَ بِالْحُزْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ فَوَاتِ مَالٍ] بَيَانٌ لِمَا. [قَوْلُهُ: مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ] الْمَنْظَرُ بِفَتْحِ الظَّاءِ مَا نَظَرْت إلَيْهِ فَأَعْجَبَك أَوْ أَسَاءَك كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، أَيْ الْمَنْظَرُ السَّيِّئُ أَيْ الْمَنْظَرُ الَّذِي يَسُوءُك أَيْ يُحْزِنُك، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُطَابِقُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ أَيْ مَا يَسُوءُنِي إذَا نَظَرْت إلَيْهِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَهْلِ] مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْظَرِ أَيْ السُّوءُ الْكَائِنُ. . . إلَخْ بِحَيْثُ يَلْحَقُ الْأَهْلَ وَالْمَالَ أُمُورُ مَشَقَّةٍ. [قَوْلُهُ: هَذَا حَدِيثٌ خَرَّجَهُ] كَذَا فِي ك وَلَمْ يُبَيِّنْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَلْفَاظَ الْمُخْتَلِفَةَ وَلَا دَاعِيَ لِجَلْبِهَا إذْ الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَاعِثُ لَهُ عَلَى هَذَا إفَادَةُ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا ضَعِيفٌ، وَأَنَّك إذَا رَأَيْت فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ مَا يُخَالِفُهُ لَا تَعْتَرِضُهُ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ. [قَوْلُهُ: يَقُولُ الرَّاكِبُ] أَيْ وَيَقُولُ رَاكِبُ السَّفِينَةِ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [قَوْلُهُ: سَخَّرَ لَنَا هَذَا] أَيْ ذَلِّلْ، هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرَاكِبِ الدَّابَّةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاشِي فَيَقْصِدُ سُبْحَانَ الَّذِي أَقَدْرَنَا عَلَى هَذَا [قَوْلُهُ: مُقْرِنِينَ] تَفْسِيرٌ لِمُطِيقِينَ. [قَوْلُهُ: أَيْ رَاجِعُونَ] بِالْمَوْتِ وَحِكْمَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ بِرُكُوبِهِ مَظِنَّةَ الْمَوْتِ بِطَرْحِهَا إيَّاهُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْرِيرًا] أَيْ إذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فِي بَابِ الصَّوْمِ [قَوْلُهُ: الْكُفَّارُ مِنْهُمْ] أَيْ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ السُّودَانَ لَيْسُوا مِثْلَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ فِي شِدَّةِ الْحَمِيَّةِ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُ السَّفَرِ لَهُمْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ، وَاسْتَظْهَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِلَادُ السُّودَانِ وَلَوْ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ مِنْ أَجْلِ الْعَطَشِ وَالْخَوْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: السَّفَرُ] يَدْخُلُ فِيهِ الرَّاكِبُ وَالْمَاشِي [قَوْلُهُ: قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ] جُزْءٌ مِنْ الْعَذَابِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَذَابِ، أَيْ الْأَلَمِ النَّاشِئِ عَنْ الْمَشَقَّةِ؛ لِمَا يَحْصُلُ فِي الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ مِنْ تَرْكِ الْمَأْلُوفِ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخَوْفِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَلِفِرَاقِ الْأَحْبَابِ وَفِي تَحْقِيقِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَذَابِ فَقِيلَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَقِيلَ عَذَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا مُمْتَزِجَةٌ بِالْآخِرَةِ، فَكُلُّ سُرُورٍ أَوْ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّ هَمٍّ وَحُزْنٍ وَعَذَابٍ إنَّمَا هُوَ مِنْ النَّارِ. [قَوْلُهُ: نَوْمُهُ. . . إلَخْ] بِنَصْبِ الثَّلَاثَةِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ مِنْ نَوْمِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيَمْنَعَ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ كَأَعْطَى وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ اسْتِئْنَافًا كَالْجَوَابِ لِمَنْ قَالَ: لِمَ كَانَ كَذَلِكَ فَقَالَ: يَمْنَعُ وَجْهَ ذَلِكَ الِاشْتِمَالُ عَلَى الْمَشَقَّةِ، وَقَدْ جَاءَ التَّعْلِيلُ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ وَلَفْظُهُ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» لِأَنَّ الرَّجُلَ يَشْتَغِلُ فِيهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُ الْكَمَالِ لَا الْأَصْلِ. [قَوْلُهُ: الْحَدِيثُ] تَمَامُهُ «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ» اهـ، وَنَهْمَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَضُبِطَ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ حَاجَتُهُ وَقَوْلُهُ: مِنْ وَجْهِهِ أَيْ مِنْ مَقْصِدِهِ، وَقَوْلُهُ: فَلْيُعَجِّلْ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُشَدَّدَةً أَيْ فَلْيُعَجِّلْ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ

عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» لَقُلْت: الْعَذَابُ قِطْعَةٌ مِنْ السَّفَرِ (وَلَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ (أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ) الشَّابَّةُ (مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا سَفَرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةً فَقَالَ: (إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ مَالِكٍ) فَإِنَّ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ (فِي رُفْقَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (مَأْمُونَةٍ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ رُفْقَةً مَأْمُونَةً لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ بَالَغَ عَلَى سَفَرِهَا مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ فَقَالَ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ فَذَلِكَ لَهَا) وَقَيَّدْنَا بِالشَّابَّةِ احْتِرَازًا مِنْ الْمُتَجَالَّةِ فَإِنَّهَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ قَبْلُ: «لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ» ، وَاحْتَرَزَ بِالْفَرِيضَةِ مِنْ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ وَسَائِرِ الْأَسْفَارِ وَبِمَأْمُونَةٍ مِنْ غَيْرِهَا. وَفِي قَوْلِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ تَبَرُّؤٌ مِنْهُ وَمَيْلٌ إلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَحُجُّ إلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا لَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ، وَكَذَا إذَا اسْتَرَقَّتْ وَقَدَرَتْ عَلَى الْهُرُوبِ. الْقَرَافِيُّ: وَكَذَا كُلُّ فَرْضٍ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي السَّفَرِ الْمُسَامَحَةُ فِي الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ وَالْحَرَجِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي الْعَذَابِ كَيْفَ يُطَالِبُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ اهـ. [قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ عَائِشَةَ هَذَا مُبَالَغَةٌ. [قَوْلُهُ: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ] يَوْمِ الْقِيَامَةِ هَذَا الْوَصْفُ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ، بِأَنَّهَا إذَا سَافَرَتْ بِلَا مَحْرَمٍ خَالَفَتْ شَرْطَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْمُقْتَضِي الْوُقُوفَ عِنْدَمَا نُهِيَتْ عَنْهُ، أَوْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ إخْرَاجَ الْكَافِرَةِ كِتَابِيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَمَسُّكًا بِالْمَفْهُومِ. [قَوْلُهُ: مَسِيرَةَ] مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى السَّيْرِ كَمَعِيشَةٍ بِمَعْنَى الْعَيْشِ وَلَيْسَتْ التَّاءُ فِيهِ لِلْمَرَّةِ. [قَوْلُهُ: مَحْرَمٍ] بِفَتْحِ الْمِيمِ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهْرٍ إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ تَنْزِيهًا سَفَرَهَا مَعَ ابْنِ زَوْجِهَا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَحَدَاثَةِ الْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى النَّفْرَةِ عَنْ امْرَأَةِ الْأَبِ لَيْسَ كَالدَّاعِي إلَى النَّفْرَةِ عَنْ سَائِرِ الْمَحَارِمِ، زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوْ زَوْجٌ وَفِي مَعْنَاهُ السَّيِّدُ وَلَوْ لَمْ يُرِدْ ذِكْرَ الزَّوْجِ لَقِيسَ عَلَى الْمُحْرِمِ قِيَاسًا جَلِيًّا. [قَوْلُهُ: ذِي مَحْرَمٍ] أَيْ ذِي حَرَامٍ مِنْهَا. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ] شَمِلَ النَّذْرَ وَالْقَضَاءَ وَالْحِنْثَ. [قَوْلُهُ: خَاصَّةً] سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ. [قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ] قِيلَ يُكْتَفَى بِنِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ أَوْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ كَالْمَرْأَةِ. [قَوْلُهُ: فَذَلِكَ لَهَا] مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ فَذَلِكَ لَهَا [قَوْلُهُ: احْتِرَازًا مِنْ الْمُتَجَالَّةِ] أَيْ الَّتِي لَا تُشْتَهَى تُسَافِرُ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا حَرَامٌ وَمَا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ مِنْ جَسَدِهَا غَالِبًا عَوْرَةٌ فَالْمَظِنَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهَا، وَالْعُمُومُ صَالِحٌ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْهُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَرْأَةُ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كَبِيرَةً، وَقَدْ قَالُوا: لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ مَنْ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ وَغَيْرِهَا لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَحَيَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ قَوْلِهِ. . . إلَخْ] إلَّا أَنَّك عَلِمْت أَنَّهُ تَابِعٌ لِلصَّحِيحَيْنِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَحُمِلَتْ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْخَوَاطِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّقٌ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ فَقَدْ رُوِيَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَرُوِيَ لَيْلَةٍ، وَرُوِيَ يَوْمَيْنِ، وَرُوِيَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَرُوِيَ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ بَرِيدٌ. [قَوْلُهُ: تَبَرُّؤٌ مِنْهُ] يُجَابُ بِأَنَّهُ قَصَرَهَا عَلَى مَالِكٍ لِكَوْنِهَا مَنْسُوبَةً لَهُ لَا لِلتَّبَرِّي وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ] أَيْ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ فَرْضٍ] مِنْ ذَلِكَ الرُّجُوعِ إلَى الْمَنْزِلِ لِإِتْمَامِ الْعِدَّةِ إذَا خَرَجَتْ ضَرُورَةً فَمَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا. .

[باب في التعالج]

[47 - بَابٌ فِي التَّعَالُجِ] (بَابٌ فِي) بَيَانِ حُكْمِ (التَّعَالُجِ) وَهُوَ مُحَاوَلَةُ الْمَرِيضِ الدَّاءَ بِدَوَائِهِ وَبَيَانُ مَا يَجُوزُ التَّعَالُجُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ (وَ) فِي بَيَانِ (ذِكْرِ الرُّقَى) أَيْ فِي حُكْمِ الرُّقَى وَبَيَانِ مَا يَرْقِي بِهِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الطِّيَرَةِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ الْعَمَلُ عَلَى سَمَاعِ مَا يُكْرَهُ أَوْ رُؤْيَتِهِ وَفِي بَيَانِ مَا يَتَطَيَّرُ مِنْهُ (وَ) بَيَانِ مَا يَحِلُّ تَعَلُّمُهُ مِنْ عِلْمِ (النُّجُومِ وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْخِصَاءِ) وَبَيَانِ مَا يَجُوزُ أَنْ يُخْصَى وَمَا يُكْرَهُ، وَالْخِصَاءُ إزَالَةُ الْمَذَاكِيرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُبْطِلُ بَقَاءَ نَسْلِهِمَا (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (الْوَسْمِ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْعَلَامَةُ بِالْكَيِّ فِي الْحَيَوَانِ كُلِّهِ، وَبَيَانِ الْمَحَلِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ (وَ) فِي ذِكْرِ (الْكِلَابِ) أَيْ فِي بَيَانُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا وَمَا لَا يُتَّخَذَ (وَ) فِي بَيَانِ (الرِّفْقِ بِالْمَمْلُوكِ) يَعْنِي مِنْ الْآدَمِيِّينَ إذْ لَا يُسَمَّى بِذَلِكَ عُرْفًا غَيْرَهُ، وَبَدَأَ بِغَيْرِ مَا صَدَّرَ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ: (لَا بَأْسَ بِالِاسْتِرْقَاءِ مِنْ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا) كَاللَّدْغَةِ وَالْوَجَعِ وَالْعَيْنُ سُمٌّ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ إذَا تَعَجَّبَ مِنْ شَيْءٍ وَنَطَقَ بِهِ وَلَمْ يُبَارِكْ فِيمَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي التَّعَالُجِ] قَوْلُهُ: الدَّاءَ] مَفْعُولُ مُحَاوَلَةَ وَقَوْلُهُ: بِدَوَائِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُحَاوَلَةٍ أَيْ يُحَاوَلُ الدَّاءَ بِالدَّوَاءِ أَيْ بِدَوَاءِ ذَلِكَ الدَّاءِ. [قَوْلُهُ: الرُّقَى] جَمْعُ رُقْيَةٍ. [قَوْلُهُ: الطِّيَرَةِ] مَأْخُوذٌ مِنْ الطَّيَرَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُتَطَايَرُ بِمَا يُتَشَاءَمُ بِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا خَرَجَ أَحَدُهُمْ لِحَاجَةٍ فَإِنْ رَأَى الطَّيْرَ طَارَ عَنْ يَمِينِهِ هَنِئَ بِهِ وَاسْتَمَرَّ، وَإِنْ طَارَ عَنْ يَسَارِهِ تَشَاءَمَ بِهِ وَرَجَعَ، وَرُبَّمَا هَيَّجَ الطَّيْرَ لِيَطِيرَ فَيَعْتَمِدُوا ذَلِكَ وَيَصِحُّ مَعَهُمْ فِي الْغَالِبِ لِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ لَهُمْ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ بَقَايَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ مَرْفُوعًا: «إذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» ، شَارِحُ الْمُوَطَّأِ. [قَوْلُهُ: الْخِصَاءِ] هُوَ بِالْمَدِّ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْمَذَاكِيرِ] الْمَذَاكِيرُ جَمْعُ ذَكَرٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَعَلَى الْقِيَاسِ ذِكَرَةٌ عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ. [قَوْلُهُ: أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ] أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ إزَالَةِ الْمَذَاكِيرِ أَيْ كَإِزَالَةِ الْأُنْثَيَيْنِ، فَقَدْ قَالَ فِي التَّنْبِيهِ: خَصَيْت الْفَحْلَ إذَا سَلَلْت أُنْثَيَيْهِ أَوْ قَطَعْتهمَا أَوْ قَطَعْت ذَكَرَهُ. [قَوْلُهُ: الَّذِي يَكُونُ فِيهِ] أَيْ الْوَسْمُ [قَوْلُهُ: كَاللَّدْغَةِ] بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ لَدْغُ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ. [قَوْلُهُ: سُمٌّ] أَيْ ذُو سُمٍّ [قَوْلُهُ: جَعَلَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ الْعَائِنِ] أَيْ يَصِلُ مِنْهَا مَعَ الْهَوَاءِ يُصِيبُ بِهِ الْمَنْظُورَ فَيَمْرَضُ أَوْ يَمُوتُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحَائِضُ تَضَعُ يَدَهَا فِي إنَاءِ اللَّبَنِ فَيَفْسُدُ، وَلَوْ وَضَعَتْهَا بَعْدَ طُهْرِهَا لَمْ يَفْسُدْ، وَالصَّحِيحُ يَنْظُرُ فِي عَيْنِ الْأَرْمَدِ يَرْمُدُ وَيَتَثَاءَبُ شَخْصٌ بِحَضْرَةِ آخَرَ فَيَتَثَاءَبُ أَشَارَ لَهُ تت. وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: إذَا نَظَرَ الْمِعْيَانُ لِشَيْءٍ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوبٍ بِحَسَدٍ يَحْصُلُ لِلْمَنْظُورِ ضَرَرٌ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنَيْهِ مُتَّصِلَةٌ إلَى الْمَعْيُونِ كَإِصَابَةِ السُّمِّ مِنْ نَظَرِ الْأَفْعَى أَمْ لَا، هُوَ أَمْرٌ يُحْتَمَلُ لَا يُقْطَعُ بِإِثْبَاتِهِ وَلَا بِنَفْيِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ إلَيْهِ وَإِعْجَابِهِ بِهِ إذَا شَاءَ مَا شَاءَ مِنْ أَلَمٍ أَوْ هَلَكَةٍ وَقَدْ يَصْرِفُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِالرُّقْيَةِ اهـ. [قَوْلُهُ: وَنَطَقَ بِهِ] بَلْ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ كَمَا أَفَادَهُ تت وَغَيْرُهُ. [قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَارِكْ] أَيْ وَأَمَّا لَوْ بَارَكَ عِنْدَ نَظَرِهِ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَائِنِ: هَلَّا بَارَكْت» فَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أَعْجَبَهُ شَيْءٌ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ أَنْ يُبَارِكَ لِيَأْمَنَ مِنْ الْمَحْذُورِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ

وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] وَفِي الْمُوَطَّأِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بِالِاسْتِرْقَاءِ» . الْبَاجِيُّ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يُعَلِّقَ. عَلَى النُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ الشَّيْءَ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا خُرِزَ عَلَيْهِ أَدِيمٌ (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ (بِالتَّعَوُّذِ) ق: هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] وَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فِي يَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا مَا بَلَغَ مِنْ جَسَدِهِ» (وَ) كَذَا لَا بَأْسَ بِ (التَّعَالُجِ) أَيْ بِمُعَالَجَةِ الْمَرِيضِ الدَّاءُ بِالدَّوَاءِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» وَأَفْضَلُ مَا يَتَعَالَجُ بِهِ الْحِمْيَةُ وَهِيَ تَرْكُ الطَّعَامِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْحِمْيَةَ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ التَّعَالُجِ لَأَغْنَى عَنْ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهُ (وَ) هِيَ (شُرْبُ الدَّوَاءِ) بِفَتْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي عج. [قَوْلُهُ: أَمَرَ بِالِاسْتِرْقَاءِ] أَيْ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ «دُخِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِحَاضِنَتِهِمَا: مَالِي أَرَاهُمَا ضَارِعَيْنِ فَقَالَتْ حَاضِنَتُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِمَا الْعَيْنَ وَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ نَسْتَرْقِيَ لَهُمَا إلَّا أَنَّا لَا نَدْرِي مَا يُوَافِقُك مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْتَرْقُوا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ سَبَقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: ضَارِعَيْنِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ نَحِيلَيْ الْجِسْمِ، وَقَوْلُهُ: اسْتَرْقُوا بِسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ مِنْ الرُّقْيَةِ وَهِيَ الْعُوذَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَا يُرْقَى بِهِ مِنْ الدُّعَاءِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ، أَيْ اُطْلُبُوا لَهُمَا مَنْ يَرْقِيهِمَا فَإِنْ قُلْت أَمْرُهُ بِالِاسْتِرْقَاءِ يُنَافِي مَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرِقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ الْمُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ضَرَرِ الْمَرَضِ، وَالْمَطْلُوبُ فِعْلُهُ فِي حَقِّ الضَّعِيفِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِرْقَاءُ مُنَافِيًا لِلتَّوَكُّلِ. [قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]] أَيْ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. [قَوْلُهُ: {الشَّيْطَانِ} [النحل: 98]] مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ أَوْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ [قَوْلُهُ: {الرَّجِيمِ} [النحل: 98]] أَيْ الْمَرْجُومُ أَيْ الْمَطْرُودُ. [قَوْلُهُ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا} [آل عمران: 36]] أَيْ مَرْيَمَ وَقَوْلُهُ: وَذُرِّيَّتَهَا أَيْ أَوْلَادَهَا، أَيْ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ. [قَوْلُهُ: إذَا اشْتَكَى] أَيْ مَرِضَ [قَوْلُهُ: بِالْمُعَوِّذَاتِ] بِكَسْرِ الْوَاوِ الْإِخْلَاصُ وَالْفَلَقُ وَالنَّاسُ، فَأَطْلَقَ عَلَى الْإِخْلَاصِ مُعَوِّذَةً تَغْلِيبًا وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ الْمَوْلَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ إذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ» ، وَكَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُعْتَمَدُ: أَنَّهُ تَغْلِيبٌ لَا لِأَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي يُتَعَوَّذُ بِهَا مِنْ السُّورَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: وَيَنْفِثُ] بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيْ يُخْرِجُ الرِّيحَ مِنْ فَمِهِ فِي يَدِهِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ رِيقِهِ وَيَمْسَحُ جَسَدَهُ. وَقَالَ الْحَافِظُ: أَيْ يَتْفُلُ بِلَا رِيقٍ أَوْ مَعَ رِيقٍ خَفِيفٍ. قَالَ عِيَاضٌ: وَفَائِدَةُ النَّفْثِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ أَوْ الْهَوَاءِ الَّذِي مَسَّهُ الذِّكْرُ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا يُكْتَبُ مِنْ الذِّكْرِ وَفِيهِ تَفَاؤُلٌ بِزَوَالِ الْأَلَمِ وَانْفِصَالِهِ كَانْفِصَالِ ذَلِكَ النَّفَسِ، وَخَصَّ الْمُعَوِّذَاتِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعَوُّذِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَفِي الْإِخْلَاصِ كَمَالُ التَّوْحِيدِ، وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ مَا يَعُمُّ الْأَشْبَاحَ وَالْأَرْوَاحَ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ شَارِحُ الْحَدِيثِ. [قَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِهِمَا مَا بَلَغَ مِنْ جَسَدِهِ] أَيْ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ، فَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا أَمْكَنَهُ مِنْ جَسَدِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا بِاللِّبَاسِ، هَذَا مَا ظَهَرَ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي مُسْلِمٍ إلَّا قَوْلَهُ: كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ فِي يَدَيْهِ إلَى آخِرِهَا. [قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالتَّعَالُجِ] أَيْ يَجُوزُ التَّعَالُجُ بَلْ صَرَّحَ ق بِاسْتِحْبَابِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِمُعَالَجَةٍ] وَلَا يُعَالِجُ الْمَرِيضَ إلَّا الْعَالِمُ بِالطِّبِّ لِئَلَّا يَضُرَّهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْفَعُهُ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالطِّبِّ وَمَاتَ الْعَلِيلُ مِنْ عِلَاجِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: الْحَمِيَّةُ] هِيَ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الْأَكْلِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَيَنْدُبُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَصِرَ

الدَّالِ وَكَسْرِهَا مَعَ الْمَدِّ فِيهِمَا (وَالْفَصْدِ) وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الَّذِي يُؤْذِي الْجَسَدَ (وَالْكَيِّ) وَهُوَ الْحَرْقُ بِالنَّارِ (وَالْحِجَامَةُ حَسَنَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَيَّامِ السَّنَةِ. ابْنُ رُشْدٍ: وَلِصِحَّةِ إيمَانِ مَالِكٍ بِالْقَدَرِ كَانَ لَا يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ بَلْ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ فِيهِمَا (وَالْكُحْلُ) بِالْإِثْمِدِ لَيْلًا (لِ) أَجْلِ (التَّدَاوِي لِلرَّجُلِ) غَيْرِ الْمُحْرِمِ (جَائِزٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَكْتَحِلُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَالْآخَرُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا» أَيْ فِي كُلِّ عَيْنٍ، وَوَجَّهَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ: (وَهُوَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ) وَالتَّشَبُّهُ بِهِنَّ حَرَامٌ كَالْعَكْسِ إجْمَاعًا إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَلَا يَتَعَالَجُ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّعَالُجُ (بِالْخَمْرِ) فِي بَاطِنِ الْجِسْمِ وَظَاهِرِهِ (وَلَا بِالنَّجَاسَةِ) غَيْرِهِ (وَلَا بِمَا فِيهِ مَيْتَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَلَى أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَقَلُّ وَمَا جَاوَزَ ذَلِكَ إسْرَافٌ وَمُدَاوَمَةٌ لِلشِّبَعِ وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُتَرَفِّهِينَ. [قَوْلُهُ: وَكَسْرِهَا] هَذِهِ اللُّغَةُ حَكَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْجَوْهَرِيُّ. قَالَ الْقَاضِي: وَهِيَ شَاذَّةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ. [قَوْلُهُ: هُوَ الْحَرْقُ بِالنَّارِ] اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَالْكَرَاهَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْحِجَامَةُ حَسَنَةٌ] أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا. وَقَالَ ك: قَالَ الشَّيْخُ فِي الِاسْتِرْقَاءِ: لَا بَأْسَ وَفِي الْحِجَامَةِ حَسَنَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِرْقَاءَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْحِجَامَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا عَلِمْت [قَوْلُهُ: بِالْقَدَرِ] قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بَلْ يَتَعَمَّدُ ذَلِكَ فِيهِمَا] أَيْ وَمَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ الْحِجَامَةِ فِيهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا قَالَ عج وَلَكِنْ قَالَ د: وَيَتَّقِي الْأَيَّامَ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا لِقُوَّةِ إيمَانٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ ضَلَالِ جَاهِلٍ كَمَا فَعَلَ مَالِكٌ، أَيْ فَقَدْ حُكِيَ «أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ احْتَجَمَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ فَرَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَنَامِهِ فَشَكَا إلَيْهِ مَا بِهِ فَقَالَ: أَمَا سَمِعْت مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ مَرَضٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» ، قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنْ لَمْ يَصِحَّ قَالَ: أَمَا يَكْفِيك؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْغَزَالِيُّ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِمِثْلِ هَذَا وَلَا يُنْظَرَ إلَى الصِّحَّةِ إلَّا فِي بَابِ الْأَحْكَامِ وَنَحْوِهَا نَعَمْ وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا تَوَقُّفَ. [قَوْلُهُ: بِالْإِثْمِدِ] قَالَ عج: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكُحْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ الْإِثْمِدِ وَمَا يُشْبِهُهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالشَّتْمِ وَنَحْوِهِ فَجَائِزٌ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ إذْ الشَّتْمُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ مِنْ زِينَتِهِنَّ. [قَوْلُهُ: جَائِزٌ] مِثْلُهُ فِي تت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ كَمَا فِي عج، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكُحْلَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ جَائِزٌ خَبَرُهُ. [قَوْلُهُ: وَالْآخَرُ. . . إلَخْ] قَالَ تت: وَعَلَيْهِ فَقِيلَ لِلْيُمْنَى اثْنَانِ وَلِلْيُسْرَى وَاحِدٌ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. [قَوْلُهُ: مُكْحُلَةٌ. . . إلَخْ] بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَهِيَ مِنْ النَّوَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى الضَّمِّ وَقِيَاسُهَا الْكَسْرُ إذْ هِيَ اسْمُ آلَةٍ. [قَوْلُهُ: عِنْدَ النَّوْمِ] حِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَبْقَى فِي الْعَيْنِ وَأَمْكَنُ فِي السَّرَيَانِ إلَى طَبَقَاتِهَا، [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا. . . إلَخْ] أَيْ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ فِي الْيَمِينِ وَثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ فِي الْيَسَارِ، وَحِكْمَةُ التَّثْلِيثِ تَوَسُّطُهُ بَيْنَ الْإِقْلَالِ وَالْإِكْثَارِ. [قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. . . إلَخْ] قُلْت: كَيْفَ هَذَا مَعَ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ. [قَوْلُهُ: وَالتَّشَبُّهُ بِهِنَّ حَرَامٌ] أَيْ فَيَحْرُمُ الِاكْتِحَالُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. . [قَوْلُهُ: وَلَا بِالنَّجَاسَةِ غَيْرَهُ] أَيْ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ عَنْهُ بِهَذَا لِأَنَّ ابْنَ لُبَابَةَ وَابْنَ الْحَدَّادِ قَالَا بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِعِلَّةٍ غَيْرِ خُبْثِهِ. وَقَالَ تت بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ وَظَاهِرُهُ ذَاتِيَّةٌ أَوْ عَارِضَةٌ، وَقَالَ عج: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ طِلَاءٌ وَهُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فَقَدْ يُقَالُ بِكَرَاهَةِ التَّدَاوِي بِالنَّجِسِ ظَاهِرًا وَقَدْ يُقَالُ بِحُرْمَتِهِ وَإِنْ قِيلَ بِكَرَاهَةِ التَّضَمُّخِ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ مُخَالَفَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَدَاوَى بِنَجِسٍ لَا شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى» اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي يَتَدَاوَى بِهَا وَحْدَهَا أَوْ مُصَاحِبَةً لِغَيْرِهَا. [قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا فِيهِ] أَيْ وَلَا بِشَيْءٍ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ وَلَعَلَّهُ أَتَى بِهِ لِكَوْنِ نَجَاسَتِهَا عَرَضِيَّةً فَرُبَّمَا

وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . وَقَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» . وَعُمُومُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ بِالْخَمْرِ غُصَّةً أَوْ عَطَشًا عَلَى قَوْلٍ وَقَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِوَاءِ) تَكْرَارٌ (وَالرُّقَى) جَمْعُ رُقْيَةٍ تَكُونُ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ (بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَآخَرُ الرُّقْيَةُ بِالْفَاتِحَةِ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (وَ) الْآخَرُ (بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ) وَهُوَ الْعَرَبِيُّ الْمَفْهُومُ، رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» أَيْ لَا يَتْرُكُ وَلَا يَرْتَقِي بِالْمُبْهَمَاتِ، لَمَّا سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْأَسْمَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَقَالَ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّهَا كُفْرٌ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاذَةِ) وَهِيَ التَّمَائِمُ وَالتَّمَائِمُ الْحُرُوزُ الَّتِي (تُعَلَّقُ) فِي الْعُنُقِ (وَفِيهَا الْقُرْآنُ) وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْبَهَائِمُ بَعْدَ جَعْلِهَا فِيمَا يُكِنُّهَا (وَإِذَا وَقَعَ الْوَبَا) بِالْهَمْزِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَالْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الطَّاعُونُ (بِأَرْضٍ) أَيْ فِي أَرْضِ قَوْمٍ (فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ) مَنْ هُوَ خَارِجٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَوَهَّمُ جَوَازُ التَّدَاوِي بِمَا هِيَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا بِشَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] هَذَا أَعَمُّ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي فِي الْحَكَّةِ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ خِلَافًا لِبَعْضٍ. [قَوْلُهُ: الْخَبَائِثُ. . . إلَخْ] أَيْ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ. [قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ عَطَشٍ لَا لِلْغُصَّةِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ بِهَا الْعَطَشَ. [قَوْلُهُ: وَآخِرُ الرُّقْيَةِ بِالْفَاتِحَةِ] أَيْ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا دُعَاءٌ أَيْ فَلَا يَرْقِي إلَّا بِمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَرْقِيَ بِهِ فَقَوْلُهُ بِكِتَابِ اللَّهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ بَلْ بِمَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ فَخَرَجَ نَحْوَ آيَةِ الدَّيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [قَوْلُهُ: الْعَرَبِيُّ] أَيْ لَا الْعَجَمِيُّ، وَقَوْلُهُ: الْمَفْهُومُ أَيْ مَعْنَاهُ، وَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ كَمَا يُفِيدُهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ، أَيْ الْمَفْهُومُ مَعْنَاهُ الْمُحْتَوِي عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِهِ. [قَوْلُهُ: كَانَ يُعَوِّذُ] بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُحَصِّنُ بَعْضَ أَهْلِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِ وَقَوْلُهُ: يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيْ عَلَى مَوْضِعِ الْوَجَعِ تَفَاؤُلًا بِزَوَالِ الْوَجَعِ كَمَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. [قَوْلُهُ: أَنْتَ الشَّافِي] بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَا شِفَاءَ بِالْمَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ حَاصِلٌ لَنَا أَوْ لِلْمَرِيضِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا شِفَاؤُكَ بَدَلٌ مِنْ مَوْضِعِ لَا شِفَاءَ، وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: الْكَلَامُ فِي إعْرَابِهِ كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِنَا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَرْتَقِي] كَذَا فِيمَا رَأَيْته مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَالْمُنَاسِبُ وَلَا يَرْقِي؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: رَقِيته أَرْقِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى رَقْيًا عَوَّذْته بِاَللَّهِ. وَقَوْلُهُ: بِالْمُبْهَمَاتِ أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَسْمَاءُ الْمُعْجَمَةُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شُرُوطٍ كَمَا أَفَادَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَنْ تَكُونَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَبِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةَ الرُّقْيَةِ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ وَعَقْدِ الْخَيْطِ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ خَاتَمَ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ. [قَوْلُهُ: مَا يُدْرِيك لَعَلَّهَا كُفْرٌ] أَيْ وَأَيُّ شَيْءٍ يُعْلِمُك بِمَا يَتَرَجَّاهُ مَنْ يَقُولُ لَعَلَّهَا كُفْرٌ أَيْ أَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ وَحَيْثُ إنَّ مُتَرَجِّيًا يَتَرَجَّى ذَلِكَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُهُ فَالْأَحْوَطُ الْكَفُّ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ، وَالْأَصْلُ الْمَنْعُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُبِيحُ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا جُهِلَ مَعْنَاهُ لَا تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ وَلَوْ جَرَّبَ وَصَحَّ وَكَانَ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ: إنْ تَكَرَّرَ النَّفْعُ بِهِ تَجُوزُ الرُّقْيَةُ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مُتَحَقِّقِ النَّفْعِ بِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُعْمَلُ لِحَلِّ الْمَرْبُوطِ وَتَسْكِينِ عَقْلِ الْمَصْرُوعِ. [قَوْلُهُ: بِالْمُعَاذَةِ] بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ. [قَوْلُهُ: وَهِيَ التَّمَائِمُ] فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ مُفْرَدُ التَّمَائِمِ أَيْ الَّذِي هُوَ تَمِيمَةٌ، [قَوْلُهُ: وَفِيهَا الْقُرْآنُ] أَيْ أَوْ الْكَلَامُ الطَّيِّبُ [قَوْلُهُ: بَعْدَ جَعْلِهَا فِيمَا يُكِنُّهَا] أَيْ يَسْتُرُهَا وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا كَمَا أَفَادَهُ عج. . [قَوْلُهُ: وَأَشْهَرُ] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ عِلَّةٍ عَلَى مَعْلُولٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شَيْئًا آخَرَ فَلْيُحَرَّرْ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الطَّاعُونُ] وَقِيلَ: كُلُّ مَا يَكْثُرُ مِنْهُ الْمَوْتُ كَالسُّعَالِ وَالرِّيحِ لَا خُصُوصَ الطَّاعُونِ، وَالطَّاعُونُ بَثْرَةٌ مِنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ وَقُرُوحٍ

تِلْكَ الْأَرْضِ (وَمَنْ كَانَ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (فِرَارًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَبَاءِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ لِشُغْلٍ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطِّيَرَةِ فَقَالَ: (وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِي الْمُوَطَّأِ (فِي) شَأْنِ (الشُّؤْمِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِلَا هَمْزٍ وَقَدْ تُهْمَزُ سَاكِنَةً «إنْ كَانَ» لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ «فَفِي» ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ «الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» شُؤْمُ الْمَسْكَنِ سُوءُ الْجِيرَانِ، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ قِلَّةُ نَسْلِهَا وَقِيلَ سُوءُ خُلُقِهَا، وَشُؤْمُ الْفَرَسِ تَكَرُّرُ الْغَزْوِ عَلَيْهِ. «وَكَانَ» النَّبِيُّ «عَلَيْهِ» الصَّلَاةُ وَ «السَّلَامُ يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ» كَمُرَّةَ وَحَنْظَلَةَ وَحَرْبٍ كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ (وَ) كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَكَذَا قَالَ الْفَأْلُ بِالْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ فُؤُولٌ، وَفِي الصَّحِيحِ «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» مِثَالُهُ إذَا خَرَجَ لِسَفَرٍ أَوْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَحْصُلُ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ مَعَ لَهَبٍ وَاسْوِدَادٍ حَوْلَهَا مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ يَحْدُثُ مِنْهَا وَرَمٌ فِي الْغَالِبِ وَقَيْءٌ وَخَفَقَانٌ فِي الْقَلْبِ يَحْدُثُ غَالِبًا فِي الْمَوَاضِعِ الرِّخْوَةِ كَتَحْتِ الْإِبْطِ. [قَوْلُهُ: وَالنَّهْيُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ] أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ ك: وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْقُدُومِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ أَهْلُ الْمَوْضِعِ، فَيَقُولُ: لَوْلَا قُدُومِي مَا أَصَابَنِي، وَمَنْ كَانَ قَوِيًّا فِي دِينِهِ لَا يَخَافُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَهُ هَذَا، وَنَهَى عَنْ الْخُرُوجِ مَخَافَةَ أَنْ يَتَوَالَى النَّاسُ عَلَى الْفِرَارِ فَيَضِيعُ مِنْ هُنَالِكَ مِنْ الْمَرْضَى أَوْ لِئَلَّا يَنْجُوَ فَيَتَزَلْزَلَ يَقِينُهُ هَذَا فِي أَرْضِ الْوَبَاءِ. وَأَمَّا فِي أَرْضِ الْوَخْمِ فَيُنْدَبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُزُولِيُّ خِلَافًا لَمَالِكٍ، وَالْوَخْمُ هُوَ سَبَبُ الْمَرَضِ كَالرِّيحِ الْمُتَغَيِّرِ الْمُقْتَضِي لِلْمَرَضِ، وَقَوْلُهُ: وَإِذَا وَقَعَ الْوَبَاءُ. . . إلَخْ عَامٌّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا، وَتَخْصِيصُ تت لَهُ بِمَنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ مَمْنُوعٌ قَالَهُ عج [قَوْلُهُ: ثُمَّ انْتَقَلَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الطِّيَرَةِ] قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ مَا هُوَ دَاخِلٌ عَلَيْهِ مِنْ الشُّؤْمِ. [قَوْلُهُ: فِي شَأْنِ الشُّؤْمِ] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ وُصُولُ الْمَكْرُوهِ إلَى الشَّخْصِ بِسَبَبٍ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ اهـ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي غَرِيبِ الرِّسَالَةِ بِالْمَكْرُوهِ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَهُ حُكْمٌ ثَابِتٌ] أَيْ وُجُودٌ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأَرَادَ بِالْحُكْمِ الْمَحْكُومَ بِهِ وَقَوْلُهُ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الثَّلَاثَةِ فَلَا وُجُودَ لَهُ أَصْلًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَجْهُ تَخْصِيصِ الثَّلَاثِ بِالذِّكْرِ مَعَ جَرْيِ هَذَا فِي كُلِّ مُتَطَيَّرٍ بِهِ مُلَازَمَتُهَا لِلْإِنْسَانِ وَأَنَّهَا أَكْثَرُ مَا يُتَشَاءَمُ بِهِ، قَالَ: وَمُقْتَضَى سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ مُتَحَقِّقًا لِوُجُودِ الشُّؤْمِ فِي الثَّلَاثِ لَمَّا تَكَلَّمَ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَيْ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهَا فَالْحَصْرُ فِيهَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْخِلْقَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمُلَازَمَتِهَا ثُمَّ أَعْلَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِيهَا الشُّؤْمَ، فَقَالَ: «الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ» هَكَذَا قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ إنَّ الشُّؤْمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالدَّارِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عَادَةً قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَا يُعْقَلُ كَوْنُ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْفِيهِ ثُمَّ يُعْلِمُ بِهِ فَيَقَعُ الْجَزْمُ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ غَيْرُهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَعْضَ الدُّورِ سَبَبًا فِي هَلَاكِ سَاكِنِهَا عَادِيًا وَكَذَا الْفَرَسُ وَالْمَرْأَةُ فَالْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهَذَا الرَّبْطِ الْعَادِي فَنَفَاهُ ثُمَّ أَعْلَمَ بِهِ فَأَثْبَتَهُ، أَيْ فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْتَقِدُ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَصَلَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مِنْ هَلَاكِهِ عِنْدَ سُكْنَاهَا أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِكَوْنِ الدَّارِ سَبَبًا عَادِيًّا. [قَوْلُهُ: شُؤْمُ الْمَسْكَنِ. . . إلَخْ] أَيْ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا وَهَكَذَا، وَالْكَرَاهَةُ إمَّا شَرْعِيَّةٌ أَوْ عَادِيَّةٌ الشَّرْعِيَّةُ تَرْكُ الْغَزْوِ عَلَيْهَا وَالْعَادِيَّةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْأَمْثِلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْغَزْوِ عَلَيْهَا مَا يَشْمَلُ قِتَالَ الْمُحَارَبِينَ وَالْبُغَاةِ، أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ، [قَوْلُهُ: كَمُرَّةَ] بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدِّ الرَّاءِ صَحَابِيٌّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَكَذَا حَرْبٌ. [قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمُوَطَّأِ] لَيْسَ فِيمَا رَأَيْت مِنْ الْمُوَطَّأِ حَنْظَلَةُ بَلْ إنَّمَا فِيهَا مُرَّةُ وَحَرْبٌ لَا حَنْظَلَةُ، وَنَصَّهَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلَقْحَةٍ تُحْلَبُ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مُرَّةُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ: مَنْ

يَقْصِدْ سَمَاعَ الْفَأْلِ فَسَمِعَ يَا غَانِمُ أَوْ يَا سَالِمُ أَمَّا إذَا قَصَدَ سَمَاعَ الْفَأْلِ لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَزْلَامِ، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ رُقْيَةِ الْعَيْنِ بِقَوْلِهِ: (وَالْغَسْلُ لِلْعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَعْنِي مَا يَلِي فَرْجَهُ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْعِبَارَةِ وَلَطِيفِ الْإِشَارَةِ، وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ك: عَنْ مَالِكٍ أَنَّ دَاخِلَ الْإِزَارِ مَا يَلِي الْجَسَدَ وَيَجْمَعُ ذَلِكَ (فِي قَدَحٍ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى الْمَعِينِ) ابْنُ الْعَرَبِيِّ صَوَابُهُ الْعَائِنُ (وَلَا يَنْظُرُ فِي) عِلْمِ (النُّجُومِ) ع: وَهَلْ الْمَنْعُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ أَوْ مَنْعُ كَرَاهَةٍ (إلَّا) فِي شَيْئَيْنِ فَإِنَّ النَّظَرَ فِيهِ لَهُمَا مُسْتَحَبٌّ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ: حَرْبٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ: يَعِيشُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِبْ» انْتَهَى وَاللِّقْحَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتُفْتَحُ نَاقَةٌ ذَاتُ لَبَنٍ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّيَرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ طَلَبِ الْفَأْلِ الْحَسَنِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ وَيُحِبُّ حَسَنَ الْأَسْمَاءِ كَعَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ مُحَمَّدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ الْأَزْلَامِ] وَهِيَ أَقْدَاحٌ يَكُونُ فِي أَحَدِهَا افْعَلْ وَفِي الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ، وَالثَّالِثُ: لَا شَيْءَ فِيهِ فَإِذَا خَرَجَ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ مَضَى، وَإِذَا خَرَجَ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلُ رَجَعَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَعَادَ الِاسْتِقْسَامَ، وَالْقَدَحُ السَّهْمُ، وَفِي مَعْنَى هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ اسْتِخْرَاجُ الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ لَهُ مَا لَا يُرِيدُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى التَّشَاؤُمِ بِالْقُرْآنِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ أَرَادَ أَمْرًا وَسَمِعَ مَا يَسُوءُ لَا يَرْجِعُ عَنْ أَمْرِهِ، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْخَيْرِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَأْتِي بِالشَّرِّ إلَّا أَنْتَ فَلَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَرْفَعُ الشَّرَّ إلَّا أَنْتَ. [قَوْلُهُ: وَالْغَسْلُ لِلْعَيْنِ] أَيْ وَصِفَةُ الرُّقْيَةِ بِالْعَيْنِ إذَا عُرِفَ الْعَائِنُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ هُنَاكَ غَسْلًا مَعْهُودًا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ بَلْ أَرَادَ صِفَةَ الرُّقْيَةِ بِالْعَيْنِ الَّتِي هِيَ فِي الْوَاقِعِ غَسْلٌ لَا فِي الذِّهْنِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ] أَيْ وُجُوبًا وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعْيُونِ الْهَلَاكُ وَلَمْ يُمْكِنْ الْخَلَاصُ إلَّا بِهِ، وَقِيلَ: يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَيَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بَدَلَ هَذَا وَظَاهِرُ كَفَّيْهِ. [قَوْلُهُ: يَعْنِي مَا يَلِي فَرْجَهُ] أَيْ مِنْ الْإِزَارِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْعِبَارَةِ أَيْ مِنْ الْعِبَارَةِ الْحَسَنَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يُعَبِّرْ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُسْتَحَى مِنْهُ وَهُوَ الْفَرْجُ، وَقَوْلُهُ: وَلَطِيفُ الْإِشَارَةِ أَيْ الْإِشَارَةُ اللَّطِيفَةُ أَيْ فَذَلِكَ اللَّفْظُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَلِي الْفَرْجَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي لَطَافَتْهَا مِنْ حَيْثُ قُرْبِ فَهْمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِلَفْظٍ قَرِيبٍ فَصِيحٍ، وَهَذَا مِمَّا يُتَعَبَّدُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ سِرَّ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مَا يَلِي الْجَسَدَ] أَيْ مِنْ الْمِئْزَرِ وَهُوَ كَقَوْلِ عِيَاضٍ الْمُرَادُ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْ الْمِئْزَرِ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حَقْوَهُ الْأَيْمَنَ. [قَوْلُهُ: وَمِرْفَقَيْهِ] وَلَا يَغْسِلُ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ وَمَنْ لَا إزَارَ لَهُ فَلْيَغْسِلْ مَوْضِعَ طَرَفِ الْإِزَارِ مِنْ أَسْفَلِهِ. [قَوْلُهُ: صَوَابُهُ الْعَائِنُ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الصَّبَّ عَلَى الْمُعَانِ أَيْ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ لَا الْعَائِنِ، وَصِفَةُ صَبِّ الْقَدَحِ عَلَى الْمُعَانِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ وَيُقْلَبَ الْقَدَحَ أَيْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ عَلَى الْأَرْضِ فَقَدْ قَالَ عج: ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدَحُ فَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمُعِينِ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ، ثُمَّ يُلْقِي الْقَدَحَ وَرَاءَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ. تَنْبِيهٌ: مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مِعْيَانٌ وَأَنَّهُ كُلَّمَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ يُصِيبُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ الْقَاضِي عَلَى حَالِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْجُنَ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَيَكُونُ سِجْنُهُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا مَنْ عُرِفَ أَنْ يَقْتُلَ بِالْحَالِ. [قَوْلُهُ: وَهَلْ الْمَنْعُ مَنْعُ تَحْرِيمٍ] تَرَدَّدَ مِنْهُ إلَّا أَنَّنَا سَنُبَيِّنُ قَرِيبًا أَنَّ النَّهْيَ تَارَةً يَكُونُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ وَتَارَةً يَكُونُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ. [قَوْلُهُ: إلَّا فِي شَيْئَيْنِ] كَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَعَلَ الْقِسْمَ الثَّالِثَ مُسْتَحَبًّا كَالْأَوَّلَيْنِ وَجَعَلَهُ.

أَحَدُهُمَا (مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى) مَعْرِفَةِ سَمْتِ (الْقِبْلَةِ وَ) ثَانِيهِمَا: مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ (أَجْزَاءِ اللَّيْلِ) مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، وَيَبْقَى قِسْمٌ ثَالِثٌ جَائِزٌ ذَكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ النَّظَرُ فِيمَا يُهْتَدَى بِهِ فِي السَّيْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُنَجِّمُونَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ فِي الْعَالَمِ فَشَيْءٌ لَا يُسَاوِي اسْتِمَاعَهُ، فَقَوْلُ الشَّيْخِ (وَيَتْرُكُ مَا سِوَى ذَلِكَ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ نَقُولُ يُرِيدُ إلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ (وَلَا يَتَّخِذُ كَلْبًا فِي الدُّورِ فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي دُورِ الْبَادِيَةِ) عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةِ صُورٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ فِيهَا أَنْ يُتَّخَذَ (لِ) أَجْلِ حِرَاسَةِ (زَرْعٍ) مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ (أَوْ) لِأَجْلِ حِرَاسَةِ (مَاشِيَةٍ) وَهِيَ الْغَنَمُ (يَصْحَبُهَا فِي الصَّحْرَاءِ ثُمَّ يَرُوحُ) أَيْ يَرْجِعُ يَبِيتُ (مَعَهَا) حَيْثُ بَاتَتْ لِضَعْفِهَا إذْ لَا تَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهَا، وَغَيْرُ الْغَنَمِ إنْ احْتَاجَ إلَى الْكِلَابِ فَهُوَ مِثْلُهَا. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الصَّحْرَاءِ مِمَّا لَوْ كَانَتْ فِي الدُّورِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ حِينَئِذٍ (أَوْ لِ) أَجْلِ (صَيْدٍ يَصْطَادُهُ لِعَيْشِهِ) أَيْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ يَصْطَادُ (لَا) لِعَيْشِهِ بَلْ (لِلَّهْوِ) فَلَا يَجُوزُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ اتِّخَاذَهُ لِحِرَاسَةِ الْبُيُوتِ وَالْأَمْتِعَةِ، وَيُذْكَرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ وَقَعَ حَائِطُ دَارِهِ وَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الشِّيعَةِ فَاِتَّخَذَ كَلْبًا لِذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبْدُ الْوَهَّابِ جَائِزًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ النَّظَرَ فِي الشَّيْئَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إمَّا فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَعْرِفَةِ سَمْتِ الْقِبْلَةِ] أَيْ مَعْرِفَةِ طَرِيقِ الْقِبْلَةِ أَيْ جِهَتِهَا بِأَنْ تَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِك الْقُطْبَ ثُمَّ تَجْعَلَهُ عَلَى يَسَارِك فَمَا اسْتَقْبَلْت فَهُوَ نَاحِيَةُ الْقِبْلَةِ. [قَوْلُهُ: مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ] وَفَائِدَتُهُ لِوَقْتِ أَذَانِ الصُّبْحِ وَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ. [قَوْلُهُ: فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ] أَيْ ظُلُمَاتِ اللَّيْلِ لَهُمَا أَضَافَهَا إلَيْهِمَا بِمُلَابَسَتِهَا لَهُمَا أَوْ مُشْتَبِهَاتِ الطَّرِيقِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ] الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَحَاصِلُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ النَّظَرَ فِيهَا الْمُوصِلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَإِلَى جِهَةِ الْمَسِيرِ إلَى أَمْرٍ يُنْدَبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَا كَانَ مُوجِبًا لِنُقْصَانِ الْأَهِلَّةِ أَوْ حُصُولِ الْكُسُوفِ فَمَكْرُوهٌ، وَيُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ عِلْمَ الْغَيْبِ وَمُعْتَقِدُ تَأْثِيرِهَا يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ إنْ كَانَ مُسْتَسِرًّا وَإِلَّا قُتِلَ بَعْدَهَا، وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْفَعَّالُ عِنْدَهَا وَلَا يَتَخَلَّفُ فَيُؤَدَّبُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ مُبْتَدِعٌ، وَمَنْ جَوَّزَ التَّخَلُّفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُوَحِّدُنَا ج إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: فَشَيْءٌ لَا يُسَاوِي صَادِقٌ بِالْمَكْرُوهِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. [قَوْلُهُ: مِنْ الْأَحْكَامِ] الْأَحْكَامُ عِنْدَهُمْ الْأَحْوَالُ الْغَيْبِيَّةُ الْمُسْتَنْتَجَةُ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ الْكَوَاكِبُ مِنْ جِهَةِ حَرَكَاتِهَا وَمَكَانِهَا وَزَمَانِهَا، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَعَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ. [قَوْلُهُ: وَيَتْرُكُ] تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَا يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ [قَوْلُهُ: عَلَى جِهَةِ الْمَنْعِ] أَيْ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَقُورًا فَيَحْرُمُ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ] أَيْ يُؤْذَنُ فِي اتِّخَاذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا قَالَ زَرُّوقٌ: إنَّ حُكْمَ الصَّيْدِ إنْ كَانَ لِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فَوَاجِبٌ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ مَنْدُوبَةٌ انْتَهَى، أَقُولُ: هُوَ ظَاهِرٌ إنْ تَوَقَّفَ قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ عَلَى الصَّيْدِ. [قَوْلُهُ: لِأَجْلِ حِرَاسَةِ زَرْعٍ] وَنَحْوُ الزَّرْعِ سَائِرُ الثِّمَارِ. [قَوْلُهُ: فِي الصَّحْرَاءِ] بِالْمَدِّ الْبَرِيَّةُ وَهِيَ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ وَالْجَمْعُ صَحَارَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَصَحْرَاوَاتٌ، ثُمَّ اُخْتُلِفَ هَلْ يَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ بِزَمَنِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَيُطْلَبُ إخْرَاجُهُ مِنْ حَوْزِهِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ الْجَوَازُ قَوْلَانِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ] أَيْ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا فِي الدُّورِ مِنْهُ، [قَوْلُهُ: وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ اتِّخَاذَهُ] وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِيهِ، [قَوْلُهُ: بَلْ لِلَّهْوِ] أَيْ اللَّعِبُ. [قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ] أَيْ يُكْرَهُ، وَأَمَّا إذَا اصْطَادَهُ لِلتَّفَكُّهِ أَوْ لِزِيَادَةِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. [قَوْلُهُ: وَيُذْكَرُ أَنَّ] تَأْيِيدٌ لِلْقَوْلِ بِالْجَوَازِ [قَوْلُهُ: مِنْ الشِّيعَةِ] فِرْقَةٌ مِنْ الْفِرَقِ الْخَارِجِينَ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنْ قُلْت: مَا يَعْتَقِدُونَ؟ قُلْت: يَعْتَقِدُونَ وَيَقُولُونَ: كُلُّ

فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَدْرَكَ مَالِكٌ زَمَانَنَا لَاتَّخَذَ أَسَدًا ضَارِيًا (وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ) بِالْمَدِّ (الْغَنَمِ) الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ (لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا) وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: غَنَمٌ فَإِنَّ الْخِصَاءَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا (وَنُهِيَ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ) ق: يَعْنِي نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، قِيلَ: نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا خِصَاءُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَجَائِزٌ وَخِصَاءُ الْآدَمِيِّ حَرَامٌ إجْمَاعًا (وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْعَلَامَةُ بِالنَّارِ أَوْ بِالشَّرْطِ (فِي الْوَجْهِ) لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِصَبْغِ حِنَّاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَجَازَ (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْمَوْسِمِ (فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْوَجْهِ. عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَأَرْخَصَ فِي السِّمَةِ فِي الْأُذُنِ» (وَيَتَرَفَّقُ بِالْمَمْلُوكِ) فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ (وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَطَّأِ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ» . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ عَلِيًّا أَكْثَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَهُوَ كَافِرٌ. [قَوْلُهُ: ضَارِيًا] أَيْ مُجْتَرِئًا أَيْ لَهُ جَرَاءَةٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِخِصَاءِ. . . إلَخْ] أَيْ فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ. [قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِ لُحُومِهَا] لِأَنَّهُ يُطَيِّبُهُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ كَانَ الْخِصَاءُ بِقَطْعِ الْخُصْيَتَيْنِ أَوْ سَلِّهِمَا مَعَ بَقَاءِ الْجِلْدِ. [قَوْلُهُ: قِيلَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ] أَيْ النَّهْيُ عَنْ خِصَاءِ الْخَيْلِ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ الْقُوَّةَ وَيُذْهِبُ النَّسْلَ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ وَمُقَابِلٌ، قِيلَ: مَا حَكَاهُ صَاحِبُ التَّلْقِينِ مِنْ الْكَرَاهَةِ فَقَدْ قَالَ وَيُكْرَهُ خِصَاءُ الْخَيْلِ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُفِيدُ أَنَّهُ الرَّاجِحُ إلَّا أَنْ يَكْلُبَ الْفَرَسُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ] وَالْكَرَاهَةُ عَلَى بَابِهَا كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ [قَوْلُهُ: بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ] وَأَمَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَهُوَ الْأَثَرُ كَائِنًا مَا كَانَ لِوَسْمٍ كَانَ أَوْ لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَعْلَمُ، وَلِذَلِكَ رَوَى الْمُصَنِّفُ بِالْوَجْهَيْنِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ وَالْأُولَى أَصَحُّ مَعْنًى كَمَا فِي التَّحْقِيقِ. [قَوْلُهُ: فِي الْوَجْهِ] أَيْ وَجْهِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَقَدْ أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَنْ وَسَمَ حِمَارًا فِي وَجْهِهِ بِالْكَيِّ. [قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الْوَجْهِ] أَيْ كَالْجَمَلِ وَالْفَرَسِ وَالْبَقَرَةِ تَوَسُّمُهَا فِي رَقَبَتِهَا أَوْ جَنْبِهَا أَوْ الْغَنَمِ فِي أُذُنَيْهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا، وَيَعْرِفَهَا مَالِكُهَا بِوَسْمِ اسْمِهِ عَلَيْهَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَيَحْرُمُ الْوَسْمُ فِي وَجْهِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تت. [قَوْلُهُ: وَأَرْخَصَ فِي السِّمَةِ] أَيْ الْعَلَامَةِ فِي الْأُذُنِ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَحْتَاجُ لَهَا لِلتَّمْيِيزِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ السِّمَةُ يُقَوِّي قِرَاءَةَ الْمُصَنِّفِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. [قَوْلُهُ: فِي أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَحَمْلِهِ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ وَحَمْلُهُ بِالْحَاءِ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَعِلْمُهُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَعَمُّ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُكَلِّفَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِمَا وَلَا مَا لَا تَتَحَمَّلُهُ أَبْدَانُهُمَا مِنْ الْخِدْمَةِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمَا مِمَّا لَا يَقْدِرَانِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ دَأْبُ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ، وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْحَنُ مَعَ الْخَادِمِ كَذَا قَالَ ك فَإِذَا كَلَّفَ مَمْلُوكَهُ مَا لَا يُطِيقُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ] قَالَ شَارِحُ الْمُوَطَّأِ: لِلْمَمْلُوكِ اللَّامُ لِلتَّمْلِيكِ أَيْ طَعَامُ الْمَمْلُوكِ وَكِسْوَتُهُ حَقٌّ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَقَدَّمَ الْخَبَرَ لِأَنَّهُ أَهَمُّ إذْ الْمُقَامُ بِصَدَدِ تَمْلِيكِهِ مَا ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْرُوفِ أَيْ بِلَا إسْرَافٍ وَلَا تَقْتِيرٍ عَلَى اللَّائِقِ بِأَمْثَالِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ: أَيْ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ أَيْ الْمَمْلُوكِ قَالَ الْحَافِظُ: مُقْتَضَاهُ الرَّدُّ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا فَالْوَاجِبُ مُطْلَقُ الْمُوَاسَاةِ لَا الْمُوَاسَاةُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَمَنْ أَخَذَ بِالْأَكْمَلِ فَعَلَ الْأَفْضَلَ مِنْ عَدَمِ اسْتِئْثَارِهِ عَلَى عِيَالِهِ، وَإِنْ جَازَ كَذَا قَالَ شَارِحُهَا: وَقَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ أَيْ الدَّوَامَ عَلَيْهِ أَيْ لَا يُكَلَّفُ إلَّا جِنْسَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَالنَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ لِلْمَمَالِيكِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَأَلْحَقَ بِهِمْ مِنْ مَعْنَاهُمْ مِنْ أَجِيرٍ وَنَحْوِهِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. .

[باب في الرؤيا]

[48 - بَابٌ فِي الرُّؤْيَا] (بَابٌ فِي الرُّؤْيَا) أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فِي مَنَامِهِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَبَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَا (وَ) فِي (التَّثَاؤُبِ) أَيْ بَيَانُ مَا يَفْعَلُهُ مَنْ تَثَاءَبَ (وَالْعُطَاسُ) أَيْ بَيَانُ مَا يَقُولُ مَنْ عَطَسَ وَمَنْ سَمِعَهُ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ) وَبَيَانِ تَفْسِيرِهَا (وَ) اللَّعِبِ بِ (غَيْرِهَا) وَهُوَ الشِّطْرَنْجُ، وَحُكْمِ الْجُلُوسِ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا وَحُكْمُ السَّلَامِ عَلَيْهِ (وَ) فِي بَيَانِ حُكْمِ (السَّبْقِ فِي الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَ) السَّبْقِ (بِالرَّمْيِ) بِالسِّهَامِ (وَ) بَيَانِ حُكْمِ (غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَقَتْلِ الْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَبَيَانِ أَفْضَلِ الْعُلُومِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ» الْمُرَادُ بِهِ الْمُمْتَثِلُ لِلْأَوَامِرِ الْمُجْتَنِبُ لِلنَّوَاهِي «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» مَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُوحِيَ إلَيْهِ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. عَشْرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيهِ الْمَلَكُ وَذَلِكَ نِصْفُ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الرُّؤْيَا] [قَوْلُهُ: الرُّؤْيَا] بِالْقَصْرِ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ: خَوَاطِرُ وَاعْتِقَادَاتٌ، وَقِيلَ: هِيَ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا وَأُذُنَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ: الرُّؤْيَا مِثَالٌ يُلْقِيهِ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ فِي مَنَامِهِ بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِهِ [قَوْلُهُ: أَيْ فِي بَيَانِ كَوْنِ مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ] فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُفَادَهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ [قَوْلُهُ: وَفِي التَّثَاؤُبِ] بِمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ أَوْ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَهُوَ فَتْرَةٌ تَعْتَرِي الشَّخْصَ فَيَفْتَحُ عِنْدَهَا فَمَهُ وَهُوَ بِالْهَمْزِ وَتَثَاوَبَ بِالْوَاوِ عَامِّيٌّ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمِصْبَاحِ. [قَوْلُهُ: وَالْعُطَاسُ] مَصْدَرُ عَطَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالطَّاءِ يَعْطُسُ وَيَعْطِسُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَكَسْرِهَا إذَا أَتَتْهُ الْعَطْسَةُ. [قَوْلُهُ: الْحَسَنَةُ] أَيْ الصَّادِقَةُ أَوْ الْمُبَشِّرَةُ احْتِمَالَانِ لِلْبَاجِيِّ أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرَهَا الْحَلْمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ تَهْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَخْلِيطِهِ، وَأَمَّا الْحُلُمُ بِضَمِّ الْحَاءِ فَهُوَ بُلُوغُ السِّنِّ هَذَا مَا أَفَادَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَشَارِحُ الْمُوَطَّأِ قَدْ ضَبَطَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ» بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِضَمِّهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ] وَكَذَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَاحْتَرَزَ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ غَيْرِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا تَكُونُ مِنْ سَبْعِينَ أَوْ أَكْثَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَكُونُ رُؤْيَا الْفَاسِقِ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الرَّجُلُ الصَّالِحُ الْمُؤْمِنُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ تَكُونَ مِنْ الرُّؤْيَا الصَّالِحِ اهـ. [قَوْلُهُ: جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ] أَيْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ إنْ أُطْلِقَتْ فَآثَارُهَا بَاقِيَةٌ وَعِلْمُهَا بَاقٍ عَلَى أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ الْجُزْءِ إثْبَاتُ الْكُلِّ. [قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ] أَيْ وَعِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهَا إلَّا مَلَكٌ أَوْ نَبِيٌّ، وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الَّذِي أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَهُ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ فِيهَا اطِّلَاعًا عَلَى الْغَيْبِ مِنْ وَجْهٍ مَا. وَأَمَّا تَفْصِيلُ النِّسْبَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ

وَنِصْفُ سَنَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ» كَذَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» . (وَمَنْ تَثَاءَبَ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ إذَا فَتَحَ فَاهُ (فَلْيَضَعْ يَدَهُ) الْيُمْنَى ظَاهِرَهَا أَوْ بَاطِنَهَا (عَلَى فِيهِ) أَوْ ظَاهِرَ الْيُسْرَى اسْتِحْبَابًا عَلَى فِيهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُ التَّثَاؤُبُ نَفَثَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ (وَمَنْ عَطَسَ) خَارِجَ الصَّلَاةِ (فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ) اسْتِحْبَابًا وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا، وَقِيلَ: يَزِيدُ: رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ (وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ) أَوْ سَمِعَ مَنْ سَمِعَهُ (يَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQالرُّؤْيَا نَوْعٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ نَوْعًا مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عَلَى ضُرُوبٍ [قَوْلُهُ: وَنِصْفُ سَنَةٍ] قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَبْقَى سَبْعِينَ جُزْءًا لَا مَعْنَى لَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ، فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ جُزْءًا وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ أَثَرًا وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ خَبَرًا فَكَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَيَّامِ الصِّيَامِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ مِنْ عِلْمِهَا إلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا. [قَوْلُهُ: فَلْيَتْفُلْ] بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ، اُخْتُلِفَ فِي التَّفْلِ وَالنَّفْثِ فَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَلَا يَكُونَانِ إلَّا بِرِيقٍ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي التَّفْلِ رِيقٌ يَسِيرٌ وَلَا يَكُونُ فِي النَّفْثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَرْدُ الشَّيْطَانِ وَإِظْهَارُ احْتِقَارِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ، فَالْمَعْنَى فَلْيَتْفُلْ طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا. [قَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ] لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْأَقْذَارِ، وَقِيلَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَلَا تَنَافِي. [قَوْلُهُ: ثَلَاثًا] أَيْ لِلتَّأْكِيدِ. [قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَسْتَعِذْ. . . إلَخْ] ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ» . . . إلَخْ فَعَلَيْهِ لَيْسَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ التَّفَلِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ رِوَايَاتٍ ثَلَاثًا وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تِلْكَ الرِّوَايَةَ، نَعَمْ الرِّوَايَةُ الْأَخِيرَةُ فِيهَا مُوَافَقَةٌ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَنَصِّهَا وَفِي رِوَايَةٍ: «وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَصَرَّفَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَوَقَعَ الْخَلَلُ. [قَوْلُهُ: وَلْيَتَحَوَّلْ] حِكْمَةُ التَّحَوُّلِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُ الْمَكْرُوهَ بِالْحَسَنِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ لِمَنَامِهِ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ يَعُودُ لَهُ الشَّيْطَانُ. تَنْبِيهٌ: الِاحْتِيَاطُ لِمَنْ رَأَى مَا يُحِبُّ كَتْمُ مَا رَآهُ إلَّا عَنْ حَبِيبٍ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا بِخِلَافِ مَنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ الصَّلَاةُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا يَرَاهُ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. [قَوْلُهُ: بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ] وَلَا يُقَالُ تَثَاوُبٌ بِالْوَاوِ كَذَا فِي كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ. [قَوْلُهُ: إذَا فَتَحَ فَاهُ. . . إلَخْ] أَيْ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَمِنْ الشَّيْطَانِ، [قَوْلُهُ: أَوْ ظَاهِرُ الْيُسْرَى] وَلَا يَضَعُ بَاطِنَ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ شَرْطًا كَمَا قَالَ تت بَلْ الْمَقْصُودُ سَدُّ الْفَمِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ. [قَوْلُهُ: نَفَثَ ثَلَاثًا] تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ النَّفْثِ [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ] وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَيَشْرَعُ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ نَفْثٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفُثُ فِي حَالِ التَّثَاؤُبِ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَتَثَاءَبْ نَبِيٌّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ عَطَسَ] بِفَتَحَاتٍ فِي الْمَاضِي وَبِفَتْحِ أَوْ ضَمِّ الْعَيْنِ فِي الْمُضَارِعِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اسْتِحْبَابًا] أَيْ مُسْمِعًا لِمَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ كَيْ يُشَمِّتَهُ. [قَوْلُهُ: حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ] أَيْ فِي قَلْبِهِ، وَعَنْ سَحْنُونَ وَلَا فِي نَفْسِهِ كَذَا ذَكَرَ هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّحْقِيقِ أَيْ لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَهَمُّ بِالِاشْتِغَالِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ بَعْضِ الشُّرَّاحِ. [قَوْلُهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ] أَيْ مَالِكِ

يَرْحَمُك اللَّهُ) إنْ كَانَ مُسْلِمًا وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ع، وَنَقَلَ ج عَنْ الْبَيَانِ أَنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ الْعَاطِسُ عَلَى الثَّلَاثِ قَالَ لَهُ: إنَّك مَضْنُوكٌ» وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْمَدْ الْعَاطِسُ لَا يُشَمَّتُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ قَالَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ: (يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ) لَهُ (يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) وَالثَّانِي أَفْضَلُ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ (وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) بِقِمَارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَالَمِينَ، وَقَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيْ فِي كُلِّ حَالٍ أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا مِنْ حَالَةٍ إلَّا وَهُنَاكَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ فِي الْمُصِيبَةِ، وَقَوْلُهُ: حَمْدًا كَثِيرًا مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ لَا بِالْحَمْدِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَرَّرُوا وَوَجْهُهُ مَعْلُومٌ فَلْيُرَاجَعْ. [قَوْلُهُ: كَثِيرًا] أَيْ شَيْئًا كَثِيرًا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ مِنْ الْمَحْمُودِ بِهِ، وَقَوْلُهُ: طَيِّبًا أَيْ مِنْ حَيْثُ خُلُوصِهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ، وَقَوْلُهُ: مُبَارَكًا فِيهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ عَوْدِهِ لِصَلَاحِ الْحَالِ أَوْ بِالثَّوَابِ الْأُخْرَوِيِّ عَلَى طَرِيقِ التَّرَجِّي مِنْ هَذَا الْبَابِ الْأَكْرَمِ. تَنْبِيهٌ: فِي عِبَارَتِهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ قَائِلَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ زِيَادَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَزِيَادَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِابْنِ عُمَرَ وَحَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ لِغَيْرِهِمَا. [قَوْلُهُ: مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ] أَيْ بِخُصُوصِ لَفْظِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ مَنْ فِي صَلَاةٍ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ قَالَ يَرْحَمُك اللَّهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا. [قَوْلُهُ: أَوْ سَمِعَ مَنْ سَمِعَهُ] أَيْ أَوْ سَمِعَ شَخْصًا سَمِعَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْعَاطِسُ هُوَ الْحَامِدُ إلَّا أَنَّ الْمُشَمِّتَ تَارَةً يَسْمَعُ الْحَامِدَ وَتَارَةً لَا يَسْمَعُهُ بَلْ يَسْمَعُ شَخْصًا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ، أَيْ وَمِثْلُ سَمَاعِ الْعَاطِسِ سَمَاعُ تَشْمِيتِ النَّاسِ لَهُ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ حَمْدَ الْعَاطِسِ فَلَا يُشَمِّتْهُ إلَّا أَنْ يَرَى تَشْمِيتَ النَّاسِ لَهُ فَيُشَمِّتَهُ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَاطِسِ، أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى الْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَلَا يُشَمِّتُهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ كَمَا تَقُولُ الْعَوَامُّ. [قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مُسْلِمًا] رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مَحْرَمًا أَوْ أَجْنَبِيَّةً مُتَجَالَّةً أَوْ غَيْرَهَا حَيْثُ لَا تَمِيلُ إلَيْهَا النُّفُوسُ، وَأَمَّا الَّتِي يُخْشَى الِافْتِتَانُ بِهَا فَلَا يُشَمِّتُهَا كَمَا لَا تَرُدُّ سَلَامًا، وَاحْتَرَزَ بِالْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ: هَدَاك اللَّهُ لَا يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُرْحَمُ إلَّا الْمُؤْمِنُ. [قَوْلُهُ: عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عُمَرَ] أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ. [قَوْلُهُ: وَيَبْلُغُ بِالتَّشْمِيتِ] بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْك الشَّمَاتَةَ وَجَنَّبَك مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْك، وَبِالْمُهْمَلَةِ جَعَلَك اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. [قَوْلُهُ: مَضْنُوكٌ] بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ مَزْكُومٌ وَالضُّنَاكُ بِالضَّمِّ الزُّكَامُ، يُقَالُ: أَضْنَكَهُ اللَّهُ وَأَزْكَمَهُ. قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَالْقِيَاسُ مُضْنَكٌ وَمُزْكَمٌ لَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى ضَنَكَ وَزَكَمَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ لِأَنَّ الزُّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَأَشَارَ إلَى الْحَثِّ عَلَى تَدَارُكِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا يُهْمِلُهَا فَيَعْظُمُ أَثَرُهَا وَكَلَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُ حِكْمَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوقٌ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ إنَّك لَمَزْكُومٌ الِاعْتِذَارُ لَهُ بِذَلِكَ أَيْ عَنْ عَدَمِ تَشْمِيتِهِ. وَقَالَ عج: يَسْقُطُ طَلَبُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَيَقُولُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ إنَّك لَمَضْنُوكٌ وَلَا يَسْقُطُ طَلَبُ الْحَمْدِ عَنْ الْعَاطِسِ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ هَذَا حَيْثُ تَوَالَى الْعُطَاسُ، [قَوْلُهُ: وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ] أَيْ وَيَنْدُبُ أَنْ يَرُدَّ الْعَاطِسَ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: بِالْكُمِّ] قِيلَ: الْبَالُ الْحَالُ وَقِيلَ الْقَلْبُ. [قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَفْضَلُ] وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْلَى إذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ مُوَاقَعَةِ الذُّنُوبِ، وَصَاحِبُ الذُّنُوبِ يَحْتَاجُ لِلْمَغْفِرَةِ قَالَ: وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ اعْتَرَضَ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْمُسْلِمِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَمُنِعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الدُّعَاءَ بِالْهِدَايَةِ لِلْإِيمَانِ الْمُتَلَبِّسِ بِهِ بَلْ مَعْرِفَةُ تَفَاصِيلِ أَجْزَائِهِ وَإِعَانَتُهُ عَلَى أَعْمَالِهِ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ.

وَلَا بِغَيْرِهِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . ع: وَالنَّرْدُ قِطَعٌ تَكُونُ مِنْ الْعَاجِ أَوْ مِنْ الْبَقْسِ مُلَوَّنَةٌ يُلْعَبُ بِهَا لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ فِي الْأَوْجُهِ. (وَ) كَذَا (لَا) يَجُوزُ اللَّعِبُ (بِالشَّطْرَنْجِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ: بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ وَأَشَرُّ (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى وَيُبَاحُ (أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) أَيْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ اللُّعْبَتَيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ اللَّعِبِ. وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِمَعْصِيَةٍ. الْقَرَافِيُّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: النَّرْدُ وَالشَّطْرَنْجُ مِنْ الْمَيْسِرِ. ابْنُ رُشْدٍ: مَتَى لَعِبَ عَلَى الْقِمَارِ حَرُمَ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ. الْبَاجِيُّ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْقِمَارِ فِيهَا تَرْكُ الشَّهَادَةِ، وَعَلَى غَيْرِ قِمَارٍ لَا تَسْقُطُ الشَّهَادَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا أَدْمَنَ، وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو مِنْ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكَسِّرُهَا وَيَضْرِبُ اللَّاعِبَ بِهَا مِنْ أَهْلِهِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُسْأَلَ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ أَهْدِنَا. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا] أَيْ الْمَغْفِرَةُ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ ذَنْبٍ وَالْهِدَايَةُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الذُّنُوبِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُشَمِّتِ، تَنْبِيهٌ: إنَّمَا كَانَ الْمُشَمِّتُ يَقُولُ: يَرْحَمُك اللَّهُ بِالْإِفْرَادِ وَالْعَاطِسُ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ أَيْضًا فَلِذَلِكَ طُلِبَ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ الْمُشَمِّتِ جَمْعٌ قَالَهُ عِجْ [قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ] أَيْ يَحْرُمُ، [قَوْلُهُ: بِقِمَارٍ وَلَا بِغَيْرِهِ] أَرَادَ لَا بِعِوَضٍ وَلَا بِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ. . . إلَخْ] بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ. [قَوْلُهُ: فَقَدْ عَصَى اللَّهَ. . . إلَخْ] لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَيَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَيَشْغَلُ الْقَلْبَ فَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِهِ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ، بَلْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ وَنُوزِعَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالنَّرْدُ هُوَ الطَّاوِلَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي مِصْرَ قِيلَ: إنَّ الْأَوَائِلَ لَمَّا نَظَرُوا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَجَدُوهَا عَلَى أُسْلُوبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَجْرِي بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ فَوَضَعُوا لَهُ النَّرْدَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِهِ، وَالثَّانِي مَا يَجْرِي بِحُكْمِ السَّعْيِ وَالتَّحَيُّلِ فَوَضَعُوا لَهُ الشِّطْرَنْجَ لِتَشْعُرَ النَّفْسُ بِذَلِكَ وَتَنْهَضَ الْخَوَاطِرُ إلَى عَمَلِ مِثْلِهِ مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ، وَيُقَالُ: إنَّ وَاضِعَ النَّرْدِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ أَصْحَابِ الْجَبْرِ وَوَاضِعَ الشِّطْرَنْجِ وَضَعَهُ عَلَى رَأْيِ الْقَدَرِيَّةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعَاجِ] أَيْ الَّذِي هُوَ عَظْمُ الْفِيلِ، وَمُرَادُهُ أَيْ أَوْ غَيْرُهُمَا. [قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا كَيْسٌ] الْكَيْسُ الْفَطِنَةُ أَيْ لَيْسَ فِيهَا فَطَانَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ، [قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ لَعِبِهَا] أَيْ بِحَيْثُ إذَا ظَهَرَ شَيْءٌ إنَّمَا يَكُونُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لَا بِالِاخْتِيَارِ أَيْ فَرَمْيُهَا قَبْلَ اللَّعِبِ يُحَصِّلُ فِكْرَةً فِيهَا بِحَيْثُ لَا تَجْرِي عَلَى حُكْمِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَلِذَا قَالَ، وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ. [قَوْلُهُ: تُشْبِهُ اللَّعِبَ بِالْكَعْبِ] أَيْ اللَّعِبَ بِكِعَابِ الضَّأْنِ فَهُوَ لُعْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْمَغَارِبَةِ تَذْهَبُ فِيهَا الْأَمْوَالُ غَيْرَ النَّرْدِ. [قَوْلُهُ: فِي الْأَوْجُهِ] أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ أَوْجُهٌ تَقَعُ الْقِطْعَةُ عَلَيْهَا فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُنْ كَذَا، وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ يَكُونُ كَذَا هَذَا مَا أَرَادَ اللَّهُ بِفَهْمِهِ وَانْظُرْهُ. [قَوْلُهُ: أَلْهَى مِنْ النَّرْدِ] أَيْ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى فِكْرٍ وَتَقْدِيرٍ وَحِسَابِ التَّنَقُّلَاتِ قَبْلَ التَّنَقُّلِ بِخِلَافِ النَّرْدِ يَلْعَبُ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَحْسِبُهُ، فَلِذَا قَالَ: وَإِنَّمَا تُرْمَى فِي حَالِ اللَّعِبِ أَيْ بِحَيْثُ لَا تَجْرِي إلَّا عَلَى حُكْمِ الِاتِّفَاقِ. [قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي حَالِ اللَّعِبِ. . . إلَخْ] أَيْ وَكَذَا سَائِرُ الْمَعَاصِي لَا يُسَلَّمُ عَلَى أَهْلِهَا فِي حَالِ عِصْيَانِهِمْ [قَوْلُهُ: مَتَى لَعِبَ] أَيْ الشَّطْرَنْجَ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَيْسِرٌ] أَيْ كَالْمَيْسِرِ وَالْمَيْسِرُ مِثْلُ مَسْجِدٍ قِمَارُ الْعَرَبِ بِالْأَزْلَامِ، يُقَالُ: قَامَرْته قِمَارًا مِنْ بَابِ قَاتَلَ فَقَمَرْتُهُ قَمْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ غَلَبْته بِالْقِمَارِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الْقِمَارِ] أَيْ بِأَجْرٍ [قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَدَمْنَ] وَالْإِدْمَانُ أَكْثَرُ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ. [قَوْلُهُ: وَالْمُدْمِنُ لَا يَخْلُو. . . إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: تَسْقُطُ عِنْدَ الْإِدْمَانِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ حَرَامٌ فَإِدْمَانُهُ يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَإِنْ لَمْ يُلَاحَظْ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ]

بَقَاءَهَا دَاعٍ لِلَّعِبِ بِهَا. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إذَا وَجَدَ الْوَصِيُّ فِي التَّرِكَةِ شَطْرَنْجًا فَلَا يَبِيعُهَا حَتَّى يَنْحِتَهَا فَيَبِيعَهَا حَطَبًا إنْ أَمِنَ مِنْ السُّلْطَانِ، فَإِنْ خَافَ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا بِإِذْنِهِ انْتَهَى. (وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (الْجُلُوسُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا) مَخَافَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ (وَ) كَذَا يُكْرَهُ (النَّظَرُ إلَيْهِمْ) (مَخَافَةَ أَنْ يَشْغَلَ خَاطِرَهُ بِذَلِكَ وَأَنْ يَمِيلَ إلَيْهِمْ) (وَلَا بَأْسَ) بِمَعْنَى الْجَوَازِ (بِالسَّبْقِ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَصْدَرُ، وَبِفَتْحِهَا اسْمُ الْخَطَرِ بِعَيْنِهِ (بِالْخَيْلِ وَبِالْإِبِلِ وَبِالسِّهَامِ بِالرَّمْيِ) بِجُعْلٍ وَبِغَيْرِ جُعْلٍ وَلَا يَجُوزُ السَّبْقُ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِغَيْرِ جُعْلٍ، وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّبْقِ إعْلَامُ الْغَايَةِ وَتَبْيِينُ الْمَوْقِفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْمَكَانِ سُنَّةٌ فِي ذَلِكَ فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ أَعْيَانِ الْخَيْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَرْيِهَا وَلَا مَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مُحْتَلِمٌ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْمُسَابَقَةِ بِجُعْلٍ ثَلَاثَ صُورٍ فَقَالَ: (وَإِنْ أَخْرَجَا شَيْئًا جَعَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا) عَلَى أَنَّهُ (يَأْخُذُ ذَلِكَ الْمُحَلِّلَ إنْ سَبَقَ) هُوَ أَيْ الْمُحَلِّلُ (وَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُحَلِّلِ مِنْ جَاعِلِ الْجُعَلِ (لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحَلِّلُ (شَيْءٌ) وَيَأْخُذُ السَّابِقُ الْجَمِيعَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَنْعُ. (وَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إنَّمَا يَجُوزُ) السَّبْقُ إلَّا (أَنْ يُخْرِجَ الرَّجُلُ) مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ (سَبَقًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQهِيَ صِيغَةُ ذَمٍّ وَشَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرَامِ فَلَعَلَّهُ اسْتَعْمَلَهَا فِي اللَّوْمِ هُنَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجِبُ تَرْكُهُ وَأَنَّهُ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَدَمْنَ يَكُونُ التَّرْكُ وَاجِبًا لِأَنَّ مَعَهُ سُقُوطَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْقِمَارِ وَالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ الْعِبَادَةِ. [قَوْلُهُ: إنْ أَمِنَ مِنْ السُّلْطَانِ] أَيْ إمَّا لِكَوْنِهِ يَرَى جَوَازَهَا أَوْ لِغَرَضٍ لَهُ فِيهَا. تَنْبِيهٌ: وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اللَّعِبِ بِالطَّابِ وَالْمَنْقَلَةِ وَذَكَرَ بَهْرَامٌ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ الْحُرْمَةَ فِي الطَّابِ وَجَعَلَ مِثْلَهُ النَّرْدَ، وَأَمَّا الْمِنْقَلَةُ فَاسْتَظْهَرَ بَعْضَ الْكَرَاهَةِ فِيهَا وَكُلُّ هَذَا حَيْثُ لَا قِمَارَ وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ. [قَوْلُهُ: الْجُلُوسُ إلَى] أَيْ عِنْدَ وَقَوْلُهُ بِهَا أَيْ بِتِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْمَلَاهِي. [قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِمْ] أَيْ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَا يُوجِبُ التَّكَلُّمَ فِيهِ وَالْوَاجِبُ حِفْظُ الْعِرْضِ. [قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ النَّظَرُ] أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ [قَوْلُهُ: النَّظَرُ إلَيْهِمْ] أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي يَلْعَبُ وَجَمَعَهُ فِي إلَيْهِمْ الْعَائِدِ عَلَى مَنْ مُرَاعَاةً لِلَفْظِهَا فِي الْأَوَّلِ وَلِمَعْنَاهَا فِي الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ مُرَاعَاةَ اللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: اسْمُ الْخَطَرِ بِعَيْنِهِ] أَيْ اسْمُ الشَّيْءِ الْمَجْعُولِ بَيْنَهُمَا، وَالْجَمْعُ أَخْطَارٌ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ. [قَوْلُهُ: بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ] أَيْ بِالْخَيْلِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا الْإِبِلُ أَيْ أَوْ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ. [قَوْلُهُ: بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ] أَيْ كَالْحَمِيرِ وَالطَّيْرِ وَالسُّفُنِ وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ إذَا وَقَعَتْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ. [قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةِ السَّبْقِ] أَيْ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ، [قَوْلُهُ: وَتَبْيِينُ الْمَوْقِفِ] أَيْ الْمَبْدَأِ. [قَوْلُهُ: سُنَّةٌ] أَيْ طَرِيقَةٌ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ وَالْمَبْدَأِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَرْيِهَا] أَيْ بَلْ يُشْتَرَطُ جَهْلُ كُلٍّ سَبْقَ فَرَسِهِ [قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ يَرْكَبُ عَلَيْهَا] أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ مِنْ كَوْنِهِ جَسِيمًا أَوْ لَطِيفًا. [قَوْلُهُ: وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا إلَّا مُحْتَلِمٌ] أَيْ فَيُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْمُسَابَقَةِ مَعَ الْجُعْلِ وَهِيَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ كَالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ تَعْيِينُ عَدَدِ الْإِصَابَةِ وَنَوْعِهَا مِنْ خَزْقٍ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّهْمِ فَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ، وَلَا تَعْيِينُ الْوَتَرِ وَلَا مَوْضِعُ الْإِصَابَةِ. [قَوْلُهُ: جُعْلًا] فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ أَخْرَجَ، وَجَوَابُ إنَّ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ جَازَ عَقْدُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ جُعْلًا شَرْطًا فِي الْجَوَابِ أَيْ جَازَ الْعَقْدُ إنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلًا أَيْ مِنْ حَيْثُ احْتِمَالُ سَبْقِهِ. [قَوْلُهُ: الْمُسَيِّبُ] بِفَتْحِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ. [قَوْلُهُ: وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ] مِنْهُمْ ابْنُ الْمَوَّازِ. [قَوْلُهُ: وَالْمَشْهُورُ. . . إلَخْ] أَيْ فَلِلْإِمَامِ فِيهَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْمَنْعُ. [قَوْلُهُ: كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ

بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ جُعْلًا عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَيْهِ (فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ) وَهُوَ الْآخَرُ مِنْ الْمُتَسَابِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يُخْرِجْ جُعْلًا (أَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ الْغَيْرُ الْجُعْلَ (وَإِنْ سَبَقَ) هُوَ أَيْ الرَّجُلُ خَارِجَ الْجُعْلِ (كَانَ لِلَّذِي يَلِيهِ مِنْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) ثَمَّ (غَيْرُ جَاعِلِ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ الْجُعْلُ (وَآخَرُ) وَهُوَ مَنْ يُسَابِقُهُ فَقَطْ (فَ) إنَّهُ (إذَا سَبَقَ جَاعِلُ السَّبْقِ أَكَلَهُ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُسَابَقَةَ ك: هَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَخْرَجَ السَّبْقِ لَا يَجُوزُ سَبْقُهُ أَبَدًا، فَهَذَا إذَا سَبَقَ يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَمْ لَا اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ فِي الْأَصْلِ. (وَجَاءَ) عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْحَيَّاتِ بِالْمَدِينَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (أَنْ تُؤْذَنَ) أَيْ تُعْلَمَ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) الِاسْتِئْذَانَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرُ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ (فَهُوَ حَسَنٌ) أَيْ مُسْتَحَبٌّ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ أَنْ تَقُولَ: إنْ كُنْت تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْتَ مُسْلِمٌ فَلَا تَظْهَرْ لَنَا خِلَافَ الْيَوْمِ وَلَا تُؤْذِنَا، فَإِنْ ظَهَرْت لَنَا قَتَلْنَاك. وَمَحَلُّ الِاسْتِئْذَانِ فِي غَيْرِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرِ لِمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْحَدِيثِ: «وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ مَا عَلَى ظَهْرِهِ خَطَّانِ أَحَدُهُمَا أَخْضَرُ وَالْآخَرُ أَزْرَقُ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ» وَقِيلَ أَزْرَقُ. (وَلَا تُؤْذَنُ) الْحَيَّاتُ (فِي الصَّحْرَاءِ) وَنَحْوِهَا كَالطُّرُقَاتِ (وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ (وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالْبَرَاغِيثِ) وَغَيْرِهِمَا كَالْبَقِّ وَالْبَعُوضِ (بِالنَّارِ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ مَا لَمْ يَضُرَّ لِكَثْرَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَسَابِقِينَ] لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْجُعْلَ يَكُونُ لِمَنْ سَبَقَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَإِلَى ذَلِكَ الْمَخْرَجِ فِي السَّبْقِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ حَضَرَ. [قَوْلُهُ: إنَّ مَخْرَجَ السَّبَقِ] بِفَتْحِ الْبَاءِ [قَوْلُهُ: لَا يَحُوزُ] بِالْحَاءِ أَيْ لَا يَأْخُذُ سَبَقَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ. [قَوْلُهُ: اُنْظُرْ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ] بَقِيَّةُ كَلَامِهِ وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَرَسَانِ لَا أَكْثَرَ فَيُخْرِجُ أَحَدَهُمَا سَبْقًا فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الصَّحِيحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا أَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنَّ السَّبْقَ لِمَنْ سَبَقَ مِنْ مَخْرَجِهِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ طُعْمَةً لِمَنْ حَضَرَ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِلسَّابِقِ. . [قَوْلُهُ: الْحَيَّاتُ] جَمْعُ حَيَّةٍ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا دَخَلَتْهَا الْهَاءُ لِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ مِنْ جِنْسٍ كَبَطَّةٍ عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ رَأَيْت حَيًّا عَلَى حَيَّةٍ أَيْ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى. [قَوْلُهُ: بِالْمَدِينَةِ] أَيْ بُيُوتِهَا أَوْ أَزِقَّتِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى طَلَبِ الِاسْتِئْذَانِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» الْقَرَافِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ لَا تُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِهَا] أَيْ مِنْ الْعُمْرَانِ. [قَوْلُهُ: أَنْ تَقُولَ. . . إلَخْ] وَقِيلَ تَقُولُ: أُنْشِدُكُنَّ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ سُلَيْمَانُ أَنْ لَا تُؤْذِيَنَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: إنْ كُنْت] أَيْ أَيُّهَا الشَّخْصُ. [قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذِي. . . إلَخْ] وَأَمَّا هُمَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْذَانُهُمَا وَيُقْتَلَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا قَالَ عج [قَوْلُهُ: الطُّفْيَتَيْنِ] بِطَاءٍ وَفَاءٍ وَيَاءٍ وَتَاءٍ الطَّاءُ مَضْمُومَةٌ تَثْنِيَةُ طُفْيَةٍ وَوَجْهُ اسْتِثْنَاءِ هَذَيْنِ أَنَّهُمَا يَخْطَفَانِ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْأَبْصَارَ وَيَطْرَحَانِ مَا فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ. قَالَ الْأَبِيُّ: إمَّا لِلْفَزَعِ، أَوْ لِخَاصِّيَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ تَكُونُ الْخَاصِّيَّةُ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ نَرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: الْوَاوُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ لَا بَيْنَ الذَّاتَيْنِ، فَالْمَعْنَى اُقْتُلُوا الْحَيَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْأَبْتَرِيَّةِ وَكَوْنِهَا ذَاتَ طُفْيَتَيْنِ وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ وَبِقَتْلِ مَا اتَّصَفَ بِهِمَا مَعًا لِأَنَّ الصِّفَتَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيهِمَا وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْذَنُ الْحَيَّاتُ فِي الصَّحْرَاءِ] أَيْ وَنَحْوِهَا كَالْأَوْدِيَةِ وَكُلِّ مَوْضِعٍ لَا عِمَارَةَ فِيهِ أَيْ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا إذْ الْإِذْنُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا إنَّمَا هُوَ فِي الْعُمْرَانِ. [قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا] يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ حَيَّاتِ الصَّحْرَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِيمَا ظَهَرَ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ] أَيْ تَنْزِيهًا، [قَوْلُهُ: بِالنَّارِ] أَيْ لَا بِالشَّمْسِ أَوْ بِالْقَصْعِ وَالْفَرْكِ، [قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ التَّعْذِيبِ] لَا يُقَالُ قَضِيَّةُ ذَلِكَ حُرْمَةُ حَرْقِهَا لَا كَرَاهَتُهُ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِيهَا الْإِيذَاءُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ مَكْرُوهٌ وَبِغَيْرِهَا جَائِزٌ،

فَيَجُوزُ لِأَنَّ فِي تَتَبُّعِهَا بِغَيْرِ النَّارِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً (وَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَتْلِ النَّمْلِ إذَا آذَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَرْكِهَا) ج: وَأَتَى الشَّيْخُ بِالْمَشِيئَةِ كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَقِفْ فِيهِ لَمَالِكٍ عَلَى شَيْءٍ (وَلَوْ لَمْ تُقْتَلْ) النَّمْلُ (كَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِهَا وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ) حَيْثُ وُجِدَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِقَتْلِهِ، وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ جَمْعُ ضِفْدَعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِهَا (وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ: «إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ غِبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» غِبِّيَّةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ مَعَ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ الْكِبْرُ وَالتَّجَبُّرُ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التَّكَبُّرِ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْكِبْرِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ الْفَخْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إذَايَةٌ بِالْفِعْلِ. [قَوْلُهُ: وَالْبَعُوضُ] عَطْفُ مُرَادِفٍ عَلَى الْبَقِّ. [قَوْلُهُ: بِقَتْلِ النَّمْلِ] وَلَوْ بِالنَّارِ. [قَوْلُهُ: إذَا آذَتْ] ظَاهِرُهُ كَانَتْ الْأَذِيَّةُ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْمَالِ، فَفِي الْجَوَاهِرِ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَدِ إلَّا الْمُؤْذِيَ مِمَّا ذُكِرَ فَيَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَذِيَّتِهِ، وَلَا بَأْسَ لِلْجَوَازِ الْمُسْتَوِي وَالشَّرْطَانِ فِي الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي إلَّا أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فِي الْمَفْهُومِ، فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ يَحْرُمُ وَمَفْهُومُ الثَّانِي يُكْرَهُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ بَعْدُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ لَمْ يَقُلْ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَأَتَى الشَّيْخُ بِالْمَشِيئَةِ. . . إلَخْ] أَيْ إنَّمَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ مَعَ الْجَوَازِ لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا لِمَا قِيلَ إنَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ وَتُقَدِّسُهُ. [قَوْلُهُ: أَحَبُّ إلَيْنَا] أَيْ كَانَ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْقَتْلِ أَحَبَّ إلَيْنَا مِنْ الْقَتْلِ، أَيْ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى تَرْكِهَا بِأَنْ أَمْكَنَهُ التَّبَعُّدُ وَقَدْ آذَتْ يُكْرَهُ قَتْلُهَا وَلَوْ بِالنَّارِ. قَالَ عج: فَأَحَبُّ بِمَعْنَى مُسْتَحَبٍّ وَلَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَتْلَ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ تُؤْذِ مُنِعَ قَتْلُهَا وَلَا يُرَاعِي هُنَا الْقُدْرَةَ عَلَى تَرْكِهَا وَلَا عَدَمِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَهَا حَالَ عَدَمِ الْأَذَاةِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ بِغَيْرِ النَّارِ وَحَالَ الْأَذَاةِ جَائِزٌ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ إنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَلَوْ بِالنَّارِ، وَجَوَازًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ أَذِيَّتِهَا وَقْتَهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِالنَّارِ، لَكِنْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ النَّمْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْ قَتْلِهِ فَقِيلَ: مُطْلَقُ النَّمْلِ وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الطَّوِيلُ الْأَرْجُلِ لِعَدَمِ أَذِيَّتِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَشَأْنُهُ الْإِيذَاءُ. [قَوْلُهُ: وَيُقْتَلُ الْوَزَغُ] بِفَتْحِ الزَّايِ، الْوَاحِدَةُ وَزَغَةٌ مُحَرَّكَةُ الزَّايِ أَيْضًا وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَوْزَاغٍ وَلَفْظُ الْمُصَنِّفِ لَفْظُ الْخَبَرِ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ. [قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ] وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَذِيَّةٌ وَلَا كَثْرَةٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حَثَّ وَرَغَّبَ فِي قَتْلِ الْوَزَغَةِ حَيْثُ قَالَ: «مَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» وَقِيلَ خَمْسُونَ: «وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّالِثَةِ فَلَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ» وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ دَلِيلُ التَّهَاوُنِ وَإِنَّمَا خَصَّ الشَّارِعُ عَلَى قَتْلِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ يَهُودِيَّةً مَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِكَوْنِهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ الَّتِي حَرَقَتْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ السَّمُومِ حَتَّى قِيلَ إنَّهَا أَكْثَرُ سُمًّا مِنْ الْحَيَّةِ. [قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ] مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ تُؤْذِ وَإِلَّا جَازَ قَتْلُهَا حَيْثُ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَرْكِهَا وَإِلَّا نُدِبَ عَدَمُ قَتْلِهَا. [قَوْلُهُ: نَهَى عَنْ قَتْلِهَا] أَيْ؛ لِمَا قِيلَ إنَّهَا أَكْثَرُ الْحَيَوَانَاتِ تَسْبِيحًا حَتَّى قِيلَ إنَّ صَوْتَهَا جَمِيعُهُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّهَا أَطْفَأَتْ مِنْ نَارِ إبْرَاهِيمَ ثُلُثَيْهَا وَلَهُ أَكْلُهَا بِالذَّكَاةِ إنْ كَانَتْ بَرِّيَّةً. [قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ] أَيْ مُعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ. [قَوْلُهُ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ] أَيْ لِأَنَّكُمْ مَا بَيْنَ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ أَيْ مُمْتَثِلٌ لِلْمَأْمُورَاتِ مُجْتَنِبٌ لِلْمَنْهِيَّاتِ فَيَكُونُ مُرْتَفِعًا عِنْدَ اللَّهِ بِتَقْوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَسِيبًا وَقَوْلُهُ: أَوْ فَاجِرٍ أَيْ كَافِرٌ شِقِّي بِعَدَمِ تَقْوَاهُ وَلَوْ كَانَ نَسِيبًا فَالتَّفَاضُلُ بِالْآبَاءِ لَا يُكْسِبُ شَيْئًا. [قَوْلُهُ: الْكِبْرُ وَالتَّجَبُّرُ] ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْكِبْرَ وَالتَّجَبُّرَ أَيْ الَّذِي هُوَ التَّكَبُّرُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنًى لِكُلٍّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ أَيْ وَإِنْ كَانَ بِالْعَيْنِ مَأْخُوذًا مِنْ الْعِبْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ، وَيُسْتَعَارُ لِمَا يُكَلَّفُ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الْعِظَامِ

بِالْآبَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا مِنْ التُّرَابِ الَّذِي يُوطَأُ بِالْأَقْدَامِ فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ وَلَا مَزِيَّةَ لِلْفَرْعِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَنْ خَصَّهُ اللَّهُ بِالتَّقْوَى وَاصْطَفَاهُ بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ. ثُمَّ أَتَى بِحَدِيثٍ تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ فَقَالَ: «وَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي رَجُلٍ تَعَلَّمَ أَنْسَابَ النَّاسِ» مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَبَنُو فُلَانٍ يَجْتَمِعُونَ مَعَ بَنِي فُلَانٍ «عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ» فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ «وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ» لَا يُقَالُ لِمَنْ جَهِلَهُ جَاهِلٌ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ. ثُمَّ شَرَعَ يُبَيِّنُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ النَّسَبِ وَمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَقَالَ: (وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (تَعَلَّمُوا) وُجُوبًا (مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا كُلُّ مَنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ لَا مَنْ يَحْرُمُ نِكَاحُهُ فَقَطْ (وَقَالَ) إمَامُنَا (مَالِكٌ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَكْرَهُ) قِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ) فِيمَا (قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنْ الْآبَاءِ) مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ أَجْدَادَهُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكُفَّارَ. وَقَوْلُهُ: «وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّ مَا رَأَى» تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ع: أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَلَا يَنْبَغِي) بِمَعْنَى وَيَحْرُمُ (أَنْ يُفَسِّرَ الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا) ق: يَعْنِي الرَّائِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَهُ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ، وَبِالْغَيْنِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْغَبَاوَةِ وَهِيَ التَّنَاهِي فِي الْجَهَالَةِ، وَوَجْهُ الْأَخْذِ أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ وَنَشَأَ مِنْ الْجَهْلِ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَخْذِ. [قَوْلُهُ: التَّكَبُّرُ] أَرَادَ بِهِ الِاتِّصَافَ أَيْ الِاتِّصَافَ بِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكَبُّرَ إظْهَارُ الْعَظَمَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَرُؤْيَةُ الْغَيْرِ أَنَّهُ حَقِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ بِالتَّلَبُّسِ بَدَلَ التَّكَبُّرِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْكِبْرِ] بَيَانٌ لِخِصَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، [قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ] كَالْعُجْبِ. [قَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ] أَيْ وَيَفْتَخِرُ [قَوْلُهُ: بِكَرَامَةٍ مِنْ عِنْدِهِ] أَيْ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ التَّفَاخُرِ لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالتَّنَافُرِ وَالتَّحَاقُدِ. [قَوْلُهُ: فِي رَجُلٍ] أَيْ فِي شَأْنِ رَجُلٍ [قَوْلُهُ: عِلْمٌ لَا يَنْفَعُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ] أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: وَجَهَالَةٌ لَا تَضُرُّ] أَيْ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ الذَّمُّ وَالْإِثْمُ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بَلْ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَعْنِي. [قَوْلُهُ: لَا يُقَالُ. . . إلَخْ] أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَحْقِيرٌ فِي ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: تَعَلَّمُوا] أَيْ لِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فَوَسِيلَتُهُ كَذَلِكَ قَالَهُ ج، وَقَالَ عج: وَانْظُرْ هَلْ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَنْسَابِهِ إلَى مُنْتَهَى أَجْدَادِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ يَتَقَيَّدُ بِثَلَاثَةِ أَجْدَادٍ وَنَحْوِهَا اهـ. [قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ] وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلِذَلِكَ عَطَّلَ تت بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهِ مِنْ إعْزَازِ الشِّرْكِ وَالِافْتِخَارِ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْفَخْرَ بِالدِّينِ لَا بِالْكُفْرِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَرْفَعَ فِي النِّسْبَةِ. . . إلَخْ] هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ وَاحِدٌ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَعَلَّمُ مِنْ نَسَبِهِ شَيْئًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى جَدٍّ كَافِرٍ أَمْسَكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَّا جَدٌّ، وَلِذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَبٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْهُ شَيْئًا، تَنْبِيهٌ: فَضْلُ الْعَالِمِ يَفُوقُ فَضْلَ النَّسَبِ فَالْعَالِمُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّرِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِسَالَةٍ لَهُ. [قَوْلُهُ: فِي النِّسْبَةِ] أَيْ الِانْتِسَابُ [قَوْلُهُ: فِي] بِمَعْنَى اللَّامِ [قَوْلُهُ: مِنْ الْآبَاءِ] بَيَانٌ لِمَا. [قَوْلُهُ: مِثْلُ أَنْ يَعُدَّ] ، كَذَا فِي التَّحْقِيقِ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ كَمَا هُنَا وَإِذَا كَانَ الْحَالُ فَقَوْلُهُ: حَتَّى. . . إلَخْ مَا بَعْدَهَا دَاخِلٌ لَا أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَى [قَوْلُهُ: الصَّالِحَةُ] أَيْ الْحَسَنَةُ. [قَوْلُهُ: فَلْيَتْفُلْ] أَيْ أَوْ يَنْفُثْ أَوْ يَبْزُقْ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ. [قَوْلُهُ: تَكْرَارٌ] أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَرَّرَهُ إشَارَةً لِلْجَمْعِ بَيْنَ

وَغَيْرَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِهَا يُفَسِّرُهَا وَهُوَ الْعَالِمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَصَلَاحٌ وَفِرَاسَةٌ (وَلَا يَعْبُرُهَا) أَيْ الرُّؤْيَا الْمُعَبِّرُ (عَلَى الْخَيْرِ وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ) وَهَذَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ وَغَرَرٌ بِالرَّائِي فَيَنْبَغِي إنْ ظَهَرَ لَهُ خَيْرٌ ذَكَرَهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَكْرُوهٌ يَقُولُ خَيْرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ يَصْمُتُ (وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ) إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَمُّ أَحَدٍ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنْشِدْ وَمَعَك رُوحُ الْقُدُسِ» . (وَمَا خَفَّ مِنْ) إنْشَادِ (الشِّعْرِ) وَنَظْمِهِ (فَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ (وَ) لَا (مِنْ الشُّغْلِ بِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى، ثُمَّ بَيَّنَ مَا هُوَ أَوْلَى بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَقَالَ: (وَأَوْلَى) بِمَعْنَى وَأَوْجَبُ (الْعُلُومِ وَأَفْضَلُهَا وَأَقْرَبُهَا) أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا (إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِلْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَسْقَطَ ذِكْرَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَذَكَرَهُ فِيمَا سَبَقَ. [قَوْلُهُ: وَلَا تَقْفُ] أَيْ لَا تَتْبَعْ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ [قَوْلُهُ: وَهُوَ الْعَالِمُ. . . إلَخْ] أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعْبِيرُهَا بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ كَمَا يَقَعُ الْآنَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَأَوْصَافِ الرَّائِينَ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ بِأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ أَذَّنَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لَهُ: تَسْرِقُ وَتُقْطَعُ يَدُك وَسَأَلَهُ آخَرُ وَقَالَ لَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَهُ: تَحُجُّ فَوَجَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا فَسَّرَهُ لَهُ بِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْت هَذَا سُمَيَّتُهُ حَسَنَةٌ وَالْآخَرُ سُمَيَّتُهُ قَبِيحَةٌ وَلَا تَخْرُجُ الرُّؤْيَةُ عَنْ مَعْنَاهَا وَلَوْ فُسِّرَتْ بِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا تَخْرُجُ عَلَى مَا عُبِّرَتْ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَسَّرَهَا بِمَعْنَاهَا أَوْ بِغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: بِالْكِتَابِ] أَيْ بِمَدْلُولِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالسُّنَّةِ [قَوْلُهُ: وَكَلَامِ الْعَرَبِ] أَيْ بِمَعَانِي كَلَامِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ. . . إلَخْ] لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ بِمَعْرِفَتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ثَبَتَ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ " وَصَلَاحِ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ. [قَوْلُهُ: وَفِرَاسَةٌ] ضَبَطَهَا جَمْعٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَضَبَطَهَا بَعْضُ مُحَقِّقِي الْعَجَمِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَفُسِّرَتْ بِتَفَاسِيرَ فَقِيلَ سَوَاطِعُ أَنْوَارٍ تَلْمَعُ فِي الْقَلْبِ يُدْرِكُ بِهَا الْمَعَانِيَ، وَقِيلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ وَقِيلَ: ظِلٌّ صَائِبٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ] لَا بَأْسَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ قَالَهُ تت، أَيْ ذِكْرُ الْإِنْسَانِ شِعْرَ غَيْرِهِ وَأَمَّا إنْشَاؤُهُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا الشِّعْرُ بِالْعُلَمَاءِ يُزْرِي ... لَكُنْت الْيَوْمَ أَشْعَرَ مِنْ لَبِيدِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إنْشَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ تت. [قَوْلُهُ: لِحَسَّانَ] هُوَ ابْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ عُمَرَ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً نِصْفُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَنِصْفُهَا فِي الْإِسْلَامِ وَكَذَا عَاشَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ. [قَوْلُهُ: أَنْشِدْ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَنْشِدْ الشِّعْرَ إنْشَادًا، [قَوْلُهُ: وَمَعَك. . . إلَخْ] أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمُدُّهُ بِأَبْلَغِ جَوَابٍ وَإِلْهَامِهِ لِإِصَابَةِ الصَّوَابِ وَإِنْطَاقِهِ بِمَا هُوَ أَلْيَقُ بِالْمَقَامِ. [قَوْلُهُ: رُوحُ الْقُدْسِ] بِضَمِّ الدَّالِ وَسُكُونِهَا جِبْرِيلُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ بِمَا فِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ فَهُوَ كَالْمُبْدِئِ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مُبْدِئَةٌ لِحَيَاةِ الْجَسَدِ وَأُضِيفَ إلَى الْقُدْسِ لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ عَنْ الْعُيُوبِ. [قَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ] عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ إنْشَادَ الشِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ شِعْرِ الْغَيْرِ، وَقَوْلُهُ: وَنَظْمِهِ أَيْ إنْشَاءِ شِعْرٍ مِنْ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: فَهُوَ أَحْسَنُ] أَيْ مِنْ كَثْرَتِهِ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ لِقَوْلِهِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْهُ أَيْ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ الشُّغْلِ بِهِ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ بَطَالَةٌ] أَيْ بَطَالَةٌ مِمَّا كَانَ أَوْلَى وَاشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْأَوْلَى زَادَ فِي التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ بَلْ بِالْمَكْرُوهِ أَيْ لِقِلَّةِ سَلَامَةِ فَاعِلِهِ مِنْ التَّجَاوُزِ لِأَنَّ غَالِبَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُبَالَغَاتٍ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الشَّوَاهِدِ وَالْأَمْثَالِ لِأَجْلِ التَّأْلِيفِ وَالتَّدْرِيسِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَحْفَظَ النَّاسِ لِلشَّوَاهِدِ وَالْمُثُلِ [قَوْلُهُ: وَأَوْجَبُ الْعُلُومِ] أَيْ الْأَشَدُّ تَأَكُّدًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْضَلُهَا أَيْ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالِ لِيُنَاسِبَ الطَّرَفَيْنِ: الْأَوَّلَ وَهَذَا الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ وَأَقْرَبُهَا وَهَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ تَرْجِعُ لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا] ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَقْرَبُ وَأَنَّ

دِينِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ (وَ) عِلْمُ (شَرَائِعِهِ) وَهُوَ عِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (مِمَّا أَمَرَ) اللَّهُ (بِهِ) مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (وَنَهَى عَنْهُ) مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ. وَقَوْلُهُ: (وَدَعَا إلَيْهِ وَحَضَّ عَلَيْهِ) تَكْرَارٌ (فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ. وَقَوْلُهُ: (وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي فَهْمِ دِينِ اللَّهِ وَعِلْمِ شَرَائِعِهِ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالْفَهْمُ فِيهِ) وَقَوْلُهُ: (وَالتَّهَمُّمُ) أَيْ الِاهْتِمَامُ (بِرِعَايَتِهِ) أَيْ بِحِفْظِهِ (وَالْعَمَلُ بِهِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى قَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ. ثُمَّ عَقَّبَ أَفْضَلَ الْعُلُومِ بِبَيَانِ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ: (وَالْعِلْمُ) أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ (أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ) لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مَعَاجِيمِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَاضَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا فَيُفِيدُ أَنَّ مَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مَعَ أَنَّ مُفَادَ مَا قَبْلَهُ التَّقَرُّبُ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ عِلْمُ الْعَقَائِدِ] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: عِلْمُ دِينِهِ أَيْ فَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ التَّوْحِيدِ، وَأَرَادَ بِالدِّينِ أَحْكَامًا خَاصَّةً وَهِيَ الْعَقَائِدُ أَيْ النِّسَبُ الْمُعْتَقَدَةُ أَيْ الْمُتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْفَنِّ. [قَوْلُهُ: وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ] أَرَادَ بِالْعِلْمِ الْمُضَافِ فَنَّ الْفِقْهِ، وَأَرَادَ بِالشَّرَائِعِ النِّسَبَ التَّامَّةَ الْجُزْئِيَّةَ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ الَّذِي هُوَ النِّسَبُ الْكُلِّيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْمَعَانِي. [قَوْلُهُ: عِلْمُ الْحَلَالِ] أَيْ الْعِلْمُ الْمَنْسُوبُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبَيَّنُ فِيهِ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَامَلَاتِ أَوْ هَذَا وَاجِبٌ وَهَذَا مَنْدُوبٌ وَهَكَذَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ. [قَوْلُهُ: مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ] رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَعِلْمُ شَرَائِعِهِ أَيْ عِلْمُ شَرَائِعِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ أَيْ مِنْ مُفِيدِ وَصْفِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ بِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَبِوَصْفِ النَّدْبِ، وَالْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ لَيْسَتْ نَفْسَ عِلْمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدُ. [قَوْلُهُ: وَالْمَكْرُوهَاتُ] أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ وَالْمُبَاحَاتُ [قَوْلُهُ: وَحَضَّ عَلَيْهِ] أَيْ حَثَّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: تَكْرَارٌ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَمُفَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَحَضَّ عَلَيْهِ عَيْنُ قَوْلِهِ وَدَعَا إلَيْهِ فَهُمَا رَاجِعَانِ لِلْمَأْمُورِ. [قَوْلُهُ: وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ] أَيْ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ السُّنَّةِ. [قَوْلُهُ: أَيْ فِي فَهْمِ] الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي عِلْمِ دِينِ اللَّهِ. . . إلَخْ لِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عِلْمٌ بِمَعْنَى مَعْلُومٍ لَا بِمَعْنَى الْفَهْمِ، وَقَوْلُهُ: وَهُوَ. . . إلَخْ أَيْ الْحَالُ أَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ. . . إلَخْ، [قَوْلُهُ: الِاهْتِمَامُ] تَفْسِيرٌ لِلشَّيْءِ بِمُرَادِفِهِ الْأَوْضَحِ مِنْهُ. [قَوْلُهُ: أَيْ يَحْفَظُهُ] لَا يَخْفَى أَنَّ الرِّعَايَةَ الْمُفَسَّرَةَ بِالْحِفْظِ تَجْمَعُ فَهْمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ فَفِي الْكَلَامِ إطْنَابٌ. [قَوْلُهُ: مَعْطُوفَانِ. . . إلَخْ] الْمَعْطُوفُ الْأَوَّلُ هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ: وَالْفِقْهُ وَالْفَهْمُ، وَالْمَعْطُوفُ الثَّانِي هُوَ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ وَالتَّهَمُّمُ وَالْعَمَلُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّسَامُحِ لِأَنَّ أَوْجَبَ الْعُلُومِ وَأَفْضَلَهَا وَأَقْرَبَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْعِلْمِ يُفِيدُ أَنَّ الْفَهْمَ وَالِاهْتِمَامَ وَالْعَمَلَ مِنْ جُمْلَةِ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ الْمَعْلُومَاتُ أَيْ الْقَوَاعِدُ وَالضَّوَابِطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ الْأَوَّلَ وَبَعْضَ الثَّانِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالطَّرَفَيْنِ أَعْنِي عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ. وَقَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّرَفِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ عِلْمُ الشَّرَائِعِ وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ وَأَقْرَبِيَّتِهِمْ وَأَحَبِّيَتَهُمَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ فَهْمِهِمَا وَحِفْظِهِمَا وَالْعَمَلِ بِهِمَا الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ تَعْلِيمُهُمَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَعْطُوفَانِ مِنْ عَطْفِ التَّفْسِيرِ. [قَوْلُهُ: أَفْضَلَ وَأَقْرَبَ] الْمُنَاسِبُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ: أَوْجَبَ وَأَفْضَلَ وَأَقْرَبَ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعَى أُمُورٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمَلُ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْمُدَّعِي مِنْ التَّعَالِيلِ لَا خُصُوصَ الطَّرَفِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ. [قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَرَةَ الْعِلْمِ الْعَمَلُ] مُفَادُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِغَالُ وَمِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ ثُمَّ إنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّفْضِيلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِلَا عَمَلٍ فِيهِ فَضْلٌ وَقُرْبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ اعْتِقَادُ حُرْمَةِ الْأُمُورِ وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا. [قَوْلُهُ: أَيْ الِاشْتِغَالُ بِهِ] أَيْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَرَادَ بِهِ عِلْمَ الدِّينِ وَعِلْمَ الشَّرَائِعِ. [قَوْلُهُ: أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ

الْفِقْهُ وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ» قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ (وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ) قُرْبُ رِضًا وَمَحَبَّةٍ (إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً) أَيْ خَوْفًا (وَ) أَكْثَرُهُمْ (فِيمَا عِنْدَهُ رَغْبَةً) أَيْ رَجَاءً (وَالْعِلْمُ) الْمُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (دَلِيلٌ إلَى الْخَيْرَاتِ وَقَائِدٌ إلَيْهَا) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهُ] أَيْ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَيْ مَا يُتَعَبَّدُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَحَجٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: الْفِقْهُ أَيْ التَّفَهُّمُ فِي عِلْمِ دِينِهِ وَعِلْمِ شَرَائِعِهِ ثُمَّ بَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْت الْمُنَاوِيَّ ذَكَرَ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ مَا نَصُّهُ. قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: الْفِقْهُ الْفَهْمُ وَانْكِشَافُ الْغِطَاءِ فَإِذَا عَبَدَ اللَّهَ بِمَا أَمَرَ وَنَهَى بَعْدَ أَنْ فَهِمَهُ انْكَشَفَ لَهُ الْغِطَاءُ عَنْ تَدْبِيرِهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى فَهِيَ الْعِبَادَةُ الْخَالِصَةُ الْمَحْضَةُ، وَقَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الدِّينِ الْوَرَعُ. . . إلَخْ أَيْ وَأَفْضَلُ التَّدَيُّنِ الْوَرَعُ الَّذِي هُوَ كَمَا قِيلَ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ شُبْهَةٍ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ مِنْ كُلِّ طَرْفَةٍ، وَالْوَرَعُ يَكُونُ فِي خَوَاطِرِ الْقُلُوبِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخَلِّي عَنْ الشُّبُهَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمُحْتَمَلَاتِ وَعَبَّرَ فِي الْفِقْهِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ كَالْعِبَادَةِ وَفِي الْوَرَعِ بِالدِّينِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى الْيَقِينِ الْقَلْبِيِّ الَّذِي بِهِ يُدَانُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. [قَوْلُهُ: قَالَ مَالِكٌ] لَمْ يَقُلْ وَقَالَ مَالِكٌ. . . إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ لِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ تَأَدُّبًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِيهَامِ الْعَطْفِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَلِيلٌ لِلْمُدَّعِي مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ هُوَ الْأَوَّلُ. [قَوْلُهُ: الْمُذَاكَرَةُ] مُفَاعَلَةٌ تَقْتَضِي مُتَعَدِّدًا أَيْ تَذَكُّرُ الْفِقْهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ نَمَاءِ الْعِلْمِ وَزِيَادَتِهِ وَشِدَّةِ التَّوَثُّقِ، وَهُوَ يَشْمَلُ إفَادَتَهُ لِلْمُتَعَلِّمِينَ وَتَفَهُّمَهُ مِنْ الْمُتَسَاوِينَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَكْمَلُ وَإِلَّا فَتَذَكُّرُ الْإِنْسَانِ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ أَيْضًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَرَادَ بِهَا مَا عَدَا السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ وَالرَّوَاتِبَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَى لِطَالِبِ الْعِلْمِ فِعْلُ الرَّوَاتِبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُذَاكَرَةُ أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ النَّافِلَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَأَرَادَ بِهِ أَيْضًا مَا يَشْمَلُ آلَاتِهِ الْمُتَوَقِّفِ هُوَ عَلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْبِرِّ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ وَمَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْجِهَادِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَبَصْقَةٍ فِي بَحْرٍ» وَرُوِيَ أَيْضًا: «لَبَابٌ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا» وَأَيْضًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا جَاءَ الْمَوْتُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَاتَ وَهُوَ شَهِيدٌ» ، [قَوْلُهُ: فِي الْفِقْهِ] أَرَادَ بِهِ عِلْمَ الْفِقْهِ [قَوْلُهُ: قُرْبُ رِضًا وَمَحَبَّةٍ] هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا إمَّا إرَادَةُ الْإِنْعَامِ أَوْ الْإِنْعَامُ فَهُمَا إمَّا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِمَّا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ هِيَ الْمَيْلُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ، وَأَرَادَ مَيْلًا يَلْزَمُهُ مَا ذُكِرَ لَا مُطْلَقَ الْمَيْلِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، [قَوْلُهُ: وَأَوْلَاهُمْ بِهِ] أَيْ بِمَعُونَتِهِ وَنَصْرِهِ. [قَوْلُهُ: أَيْ خَوْفًا] مُفَادُهُ أَنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ مُتَرَادِفَانِ، وَقِيلَ: الْخَوْفُ هَرَبُ الْقَلْبِ مِنْ حُلُولِ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِهِ، وَالْخَشْيَةُ أَخَصُّ مِنْ الْخَوْفِ فَهِيَ لِلْعُلَمَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ أَيْ فَخَشْيَةُ اللَّهِ هِيَ خَوْفُ عِقَابِهِ مَعَ تَعْظِيمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ فِي فِعْلِهِ بِخِلَافِ مُطْلَقِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَهْدِيدِ الظَّالِمِ لَهُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً» قَالَ الْعِزُّ: فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ حَالَةٌ تَنْشَأُ عَنْ مُلَاحَظَةِ شِدَّةِ النِّقْمَةِ الْمُمْكِنِ وُقُوعُهَا، وَقَدْ دَلَّتْ الْقَوَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُعَذَّبٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَيْفَ أَشَدُّ الْخَوْفِ قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الذُّهُولَ جَائِزٌ عَلَيْهِ فَإِذَا ذَهَلَ عَنْ مُوجِبَاتِ نَفْيِ الْعِقَابِ حَدَثَ لَهُ الْخَوْفُ لَكِنْ يَرِدُ أَنْ يُقَالَ اجْتِمَاعُ أَكْثَرِيَّةِ الْخَوْفِ وَأَكْثَرِيَّةِ الرَّجَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ مِنْ شِدَّةِ التَّحَرُّزِ مَا لَا يَلْزَمُ الثَّانِيَ، وَالتَّنَافِي فِي اللَّوَازِمِ يُوجِبُ التَّنَافِيَ فِي الْمَلْزُومَاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُعْتَبَرُ الْحُصُولُ فِي وَقْتَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الْخَوْفُ فِي وَقْتٍ يَشْتَدُّ تَحَرُّزُهُ بِحَيْثُ يُلْجِئُهُ إلَى تَرْكِ الْمُبَاحِ فَضْلًا عَنْ الْمُشْتَبَهِ، وَإِذَا قَامَ بِهِ الرَّجَاءُ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَتَقَوَّى لَا تَقُومُ بِهِ شِدَّةُ التَّحَرُّزِ فَلَرُبَّمَا قَدِمَ عَلَى الْمُتَشَابِهِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَقُولُ بِالْجَوَازِ. [قَوْلُهُ: الْمُقَرِّبُ. . . إلَخْ] لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ الْمُقَرِّبُ إذْ الْعِلْمُ حَقِيقَةً مَا أَوْرَثَ خَشْيَةً وَعَمَلًا قَالَهُ عج نَقْلًا عَنْ سَيِّدِي

فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا، إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحَيَّتَانِ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْمَدَ بَابَا، [قَوْلُهُ: وَقَائِدٌ إلَيْهَا] عَطْفٌ مُرَادِفٌ. [قَوْلُهُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا] أَيْ طَرِيقًا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً، وَنَكَّرَهَا لِيَتَنَاوَلَ أَنْوَاعَ الطَّرِيقِ الْمُوصِلَةِ إلَى تَحْصِيلِ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: يَلْتَمِسُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ أَيْ يَطْلُبُ فَاسْتَعَارَ لَهُ اللَّمْسَ. [قَوْلُهُ: فِيهِ] أَيْ فِي غَايَتِهِ أَوْ بِسَبَبِهِ وَإِرَادَةُ الْحَقِيقَةِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ لِبُعْدِهِ. [قَوْلُهُ: عِلْمًا] نَكَّرَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ عِلْمٍ وَآلَتَهُ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا جَلَّ وَقَلَّ وَتَقْيِيدُهُ بِقَصْدِ وَجْهِ اللَّهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِاشْتِرَاطِهِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ لَكِنْ قَدْ يُعْتَذَرُ لِقَائِلِهِ هُنَا بِأَنَّ تَطَرُّقَ الرِّيَاءِ بِالْعِلْمِ أَكْثَرُ فَاحْتِيجَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْإِخْلَاصِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: يَلْتَمِسُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْجَزَاءِ الْمَوْعُودِ بِهِ حُصُولُهُ فَيَحْصُلُ إذَا بَذَلَ الْجَهْدَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا لِنَحْوِ بَلَادَةٍ. [قَوْلُهُ: لَهُ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ نُسَخِهِ وَنُسَخِ تَحْقِيقِ الْمَبَانِي وتت، وَفِي الْجَامِعِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَيْ بِسَبَبِ السُّلُوكِ الْمَفْهُومِ مِنْ سَلَكَ أَوْ عَائِدٌ عَلَى مَنْ، وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ طَرِيقًا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِتَعَبٍ وَنَصَبٍ، وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا فَمَنْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ فِي طَلَبِهِ سَهُلَتْ لَهُ سُبُلُ الْجَنَّةِ سِيَّمَا إنْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُجَازِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَسْلُكَ بِهِ طَرِيقًا لَا صُعُوبَةَ فِيهِ وَلَا هَوْلَ إلَى أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ سَالِمًا [قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ] يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ وَيَحْتَمِلُ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ. [قَوْلُهُ: لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا] جَمْعُ جَنَاحٍ وَهُوَ لِلطَّائِرِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمِنْ الْمَجَازِ: خَفَضَ لَهُ جَنَاحَهُ. [قَوْلُهُ: لِطَالِبِ الْعِلْمِ] الشَّرْعِيِّ أَيْ أَوْ آلَتِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا لِنَعْمَلَ بِهِ وَتَعْلِيمُهُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا لِوَجْهِ اللَّهِ. [قَوْلُهُ: رِضًا بِمَا يَصْنَعُ] وَفِي رِوَايَةٍ بِمَا يَطْلُبُ، وَوَضْعُ أَجْنِحَتِهَا عِبَارَةٌ عَنْ حُضُورِهَا مَجْلِسَهُ أَوْ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِهِ أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بُلُوغِ مَقَاصِدِهِ أَوْ قِيَامِهِمْ فِي كَيْدِ أَعْدَائِهِ وَكِفَايَتِهِ شَرَّهُمْ أَوْ عَنْ تَوَاضُعِهَا وَدُعَائِهَا لَهُ أَوْ وَضْعِ الْأَجْنِحَةِ لِتَكُونَ مَوْطِئًا لَهُ إذَا مَشَى أَوْ إظْلَالِهِمْ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعَالِمَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ، [قَوْلُهُ: لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ] أَيْ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ غُفْرَانَ ذَنْبِهِ إنْ كَانَ لَهُ ذَنْبٌ أَوْ إنْعَامًا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ، فَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. [قَوْلُهُ: مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ فِي الْأَرْضِ] أَيْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: حَتَّى الْحِيتَانُ بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، وَبَالَغَ عَلَى الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالْبَحْرِ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ رُبَّمَا يَقَعُ فِي الْوَهْمِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّنْ يَسْتَغْفِرُ فَأَفَادَ أَنَّهُ حَتَّى الْحِيتَانُ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْجَمَادَاتِ لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَغْفِرِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مَنْ كَانَ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ وَكَانَ كَافِرًا أَوْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلِاسْتِغْفَارِ. [قَوْلُهُ: وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ] أَرَادَ بِالْعَالِمِ مَنْ صَرَفَ زَمَانَهُ لِلتَّعْلِيمِ وَالْإِفْتَاءِ وَالتَّصْنِيفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَبِالْعَابِدِ مَنْ انْقَطَعَ بِالْعِبَادَةِ تَارِكًا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا وَلَا يُرَادُ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُفَضَّلَ عَارٍ عَنْ الْعَمَلِ وَالْعَابِدَ عَنْ الْعِلْمِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ وَعَمَلَ هَذَا غَالِبٌ عَلَى عَمَلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْفَضْلِ كَثْرَةُ ثَوَابِ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِلْعَبْدِ فِي الْآخِرَةِ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَلَذَّاتِهَا وَمَأْكَلِهَا وَمَشْرَبِهَا وَنَعِيمِهَا الْجُسْمَانِيِّ أَوْ مَا يُمْنَحُ مِنْ مَقَامَاتِ الْقُرْبِ وَلَذَّةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ وَلَذَّةِ الْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الْحَاصِلَةِ عِنْدَ كَشْفِ الْغِطَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: فِيهِ أَنَّ نُورَ الْعِلْمِ يَزِيدُ عَلَى نُورِ الْعِبَادَةِ كَمَا مَثَّلَ بِالْقَمَرِ بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ الْكَوَاكِبِ. [قَوْلُهُ: وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ] هَذَا حَدِيثٌ آخَرُ أَيْ عُلَمَاءَ الشَّرْعِ. [قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ] بِنَاءً عَلَى تَرَادُفِ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ أَوْ إطْلَاقًا لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ وَرَثَةَ هَذَا الْجِنْسِ إلْحَاقًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا بِمَنْ كَانَ رَسُولًا. [قَوْلُهُ: دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا] أَيْ وَلَا غَيْرَهُمَا، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَشِدَّةِ التَّعَلُّقِ بِادِّخَارِهِمَا غَالِبًا. [قَوْلُهُ: الْعِلْمُ] أَيْ جِنْسُ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ الشَّامِلِ لِأُصُولِ الدِّينِ وَالْفُرُوعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ

بِحَظٍّ وَافِرٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَاللَّجَأُ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْجِيمِ أَيْ الِاسْتِنَادُ وَالرُّجُوعُ (إلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ الْقُرْآنِ (وَ) إلَى (سُنَّةِ نَبِيِّهِ) مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَتَقْرِيرَاتُهُ (وَ) إلَى (اتِّبَاعِ سَبِيلِ) أَيْ طَرِيقِ (الْمُؤْمِنِينَ) الْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِجْمَاعُ (وَ) اتِّبَاعِ (خَيْرِ الْقُرُونِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وَقَوْلُهُ: (نَجَاةٌ) خَبَرُ اللَّجَأِ ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: (فَفِي الْمَفْزَعِ) أَيْ اللَّجَأِ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (الْعِصْمَةُ) أَيْ الْحِفْظُ وَالِامْتِنَاعُ وَقَوْلُهُ: (وَفِي اتِّبَاعِ) سَبِيلِ (السَّلَفِ الصَّالِحِ) الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ، وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ (النَّجَاةُ) أَيْ الْخَلَاصُ تَكْرَارٌ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَهُمْ الْقُدْوَةُ) مُثَلَّثُ الْقَافِ (فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ) التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ ". ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا وَأَخَذْنَاهُ عَنْهُ قَدْ جَاءُوا بِهِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ عُلَمَاءُ كُلِّ أَمَةٍ وَرَثَةُ نَبِيِّهَا، [قَوْلُهُ: فَمَنْ أَخَذَهُ] أَيْ تَنَاوَلَهُ. [قَوْلُهُ: أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ] أَيْ بِنَصِيبٍ تَامٍّ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا وَرِثَهُ خَوَاصُّهُ فَهُوَ أَعْظَمُ وِرَاثَةً، وَفِي التَّعْبِيرِ بِأَخَذَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَعْيٍ فِي تَحْصِيلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُنَالُ عَادَةً بِدُونِهِ وَأَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى حُصُولِهِ بِدُونِهِ طَمَعٌ مَذْمُومٌ. [قَوْلُهُ: وَالرُّجُوعُ] عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا] أَيْ وَأَمَّا فِي غَيْرِ مَا هُنَا فَيُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ أَوْصَافَهُ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهَا] أَيْ بِالطَّرِيقِ، وَقَوْلُهُ: هُنَا يُفِيدُ أَنَّ طَرِيقَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنًى غَيْرُ الْإِجْمَاعِ كَأَنْ يُرَادَ طَرِيقَتُهُمْ مِنْ التَّقْوَى وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ. [قَوْلُهُ: مِنْ خَيْرِ أُمَّةٍ] ، مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أَيْ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ [قَوْلُهُ: نَجَاةٌ] أَيْ خَلَاصٌ مِنْ الْهَلَاكِ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَعْلَمُ أَحْكَامَهَا، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَيَكْفِيهِ اتِّبَاعُ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ [قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ ثَمَرَةَ الرُّجُوعِ. . . إلَخْ] لَا يَخْفَى أَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ النَّجَاةُ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا لِأَنَّ الْمَعْنَى بِسَبَبِ نَجَاةٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّةَ كَوْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَبَ النَّجَاةِ بِقَوْلِهِ: فَفِي. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: أَيْ اللَّجَأُ] أَيْ فَأَرَادَ بِالْمَفْزَعِ الْفَزَعَ [قَوْلُهُ: أَيْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ] أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكِتَابِ. . . إلَخْ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ: وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ [قَوْلُهُ: وَالِامْتِنَاعُ] أَيْ مِنْ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ [قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَهْلُ الْقُرُونِ] أَيْ لَا خُصُوصَ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا تَكْرَارَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ تَكْرَارٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ] لَا مُطْلَقِ الْأَهْلِ لَكِنَّ هَذَا فِيمَنْ عَدَا الْأَوَّلَ، وَقَوْلُهُ: وَمَنْ اتَّصَفَ بِأَوْصَافِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ] أَيْ اتَّصَفَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَجَعَلَهُ فِي التَّحْقِيقِ تَكْرَارًا بِقَيْدِ أَنْ يُرَادَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ خُصُوصُ الصَّحْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، ثُمَّ حَكَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَنْ ك ثُمَّ قَالَ ك: وَإِنَّمَا كَانُوا قُدْوَةً فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ الْعِلْمَ الْكَامِلَ وَالْوَرَعَ الْفَاضِلَ وَالنَّظَرَ السَّدِيدَ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الْإِصَابَةُ وَلَوْلَا هَذِهِ الشُّرُوطُ مَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ. [قَوْلُهُ: كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ. . . إلَخْ] عَلَى تَسْلِيمِ التَّكْرَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا الشَّامِلِ لِأَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهِمْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُمْ الْقُدْوَةُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ إلَّا الصَّحْبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِنْبَاطِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ، وَأَمَّا عَلَى قَصْرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى الصَّحْبِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّكْرَارُ يَكُونُ قَوْلُهُ: وَهُمْ الْقُدْوَةُ. . . إلَخْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّ الصَّحَابِيَّ فَقَطْ يُقَلَّدُ فِيمَا يَسْتَنْبِطُهُ أَوْ يَتَأَوَّلُهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: مُثَلَّثُ الْقَافِ] إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ أَيْ الْمُتَّبَعُونَ. [قَوْلُهُ: لَا صَلَاةَ. . . إلَخْ] فَظَاهِرُهُ لَا صَلَاةَ صَحِيحَةً، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ الْأَصْلِيِّ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا يَصِحُّ قَطْعًا فَيُلْتَفَتُ إلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ، وَهُوَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَيَكُونُ نَفْيُ الصِّحَّةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ الظَّاهِرُ فَتَقْدِيرُهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً تَأْوِيلٌ لِأَنَّهُ صَرَفَ النَّظَرَ عَنْ ظَاهِرِهِ

[خاتمة الكتاب]

وَالِاسْتِخْرَاجُ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ حَدِّ الْخَمْرِ عَلَى الْقَذْفِ (وَإِذَا اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُجْتَهِدُونَ (فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ) أَيْ النَّوَازِلُ (لَمْ يَخْرُجْ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةُ لِأَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ. ثُمَّ خَتَمَ كِتَابَهُ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ: (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ وَفَّقَنَا (لِ) تَأْلِيفِ (هَذَا) الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [قَوْلُهُ: فِي الْفُرُوعِ] احْتِرَازًا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ فَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا جَمْعُ فَرْعٍ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ كَالنِّيَّةِ أَوْ غَيْرِ قَلْبِيٍّ كَالْوُضُوءِ. [قَوْلُهُ: وَالْحَوَادِثِ] أَيْ وَفِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ أَيْ النَّوَازِلِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، [قَوْلُهُ: جَمَاعَتُهُمْ] إضَافَةُ جَمَاعَةٍ لِلضَّمِيرِ لِلْبَيَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ الصَّحَابَةُ] لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فَإِذَا كَانَ لِلْمُجْتَهِدِ قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ لِأَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا انْقَرَضَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَلَيْسَ لِلتَّابِعَيْنِ إحْدَاثُ ثَالِثٍ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ جَازَ لِلتَّابِعَيْنِ إحْدَاثُ ثَالِثٍ دُونَ تَابِعِ التَّابِعِينَ، وَهَكَذَا لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ مِنْ الصَّحْبِ فَمَنْ دُونَهُ يُقَلِّدُهُ الْعَامِّيُّ لَا الْمُجْتَهِدُ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ مَعْرِفَةِ مَذَاهِبِهِمْ بِشُرُوطِهَا وَإِلَّا فَمَعْرِفَةُ مَذَاهِبِهِمْ الْآنَ مُتَعَذَّرَةٌ فَالْوَاجِبُ الْآنَ تَقْلِيدُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنْهُمْ. [خَاتِمَة الْكتاب] [قَوْلُهُ: ثُمَّ خَتَمَ كِتَابَهُ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ] أَيْ وَمَا لَحِقَهُ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَأَرَادَ بِحَمْدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَيْ فِي الْجَنَّةِ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَالِاقْتِبَاسُ أَنْ يُضَمِّنَ الْكَلَامَ نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ أَيْ لَا عَلَى طَرِيقَةِ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ، يَعْنِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنْهُ كَمَا يُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا أَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ اقْتِبَاسًا. ثُمَّ إنَّ الِاقْتِبَاسَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمُقْتَبِسِ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ كَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ فِي صُوفِيٍّ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ حَتَّى أَنْشَدَ فَأَغْرَبَ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ: إنْ كُنْت أَزْمَعْت عَلَى هَجْرِنَا ... مِنْ غَيْرِ مَا جُرْمٍ فَصَبْرٌ جَمِيلُ وَإِنْ تَبَدَّلْت بِنَا غَيْرَنَا ... فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعَمَ الْوَكِيلُ ثَانِيهِمَا مَا نُقِلَ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ كَقَوْلِ ابْنِ الرُّومِيِّ: لَئِنْ أَخْطَأْت فِي مَدْحِيِّك ... مَا أَخْطَأْت فِي مَنْعِي لَقَدْ أَنْزَلْت حَاجَاتِي ... بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ هَذَا مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] لَكِنَّ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ وَادٍ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا نَبَاتَ، وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرُّومِيِّ إلَى جَنَابٍ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ، وَكَقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى هَذَا الْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ، وَمَعْنَاهُ هُنَا مَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. . . إلَخْ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهِ إمَّا لِكَوْنِهِمَا خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ إنْشَائِيَّتَيْنِ مَعْنًى خَبَرِيَّتَيْنِ لَفْظًا وَبَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ مِنْ حَيْثُ صِلَةِ الْمَوْصُولِ مَعَ وُجُودِ الْجَامِعِ بَيْنَ الصِّلَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَضْمُونَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَصْفٌ مَحْمُودٌ عَلَيْهِ فَبَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ التَّوَسُّطُ بَيْنَ كَمَالِ الِانْقِطَاعِ وَكَمَالِ الِاتِّصَالِ، فَلِذَلِكَ أَتَى بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ

وَالْإِقْدَارِ عَلَيْهِ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ وَفَّى بِمَا شَرَطَهُ فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ فَقَالَ: (قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَدْ آتَيْنَا عَلَى مَا) أَيْ بِمَا (شَرَطْنَا) فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا (أَنْ نَأْتِيَ بِهِ فِي كِتَابِنَا هَذَا) مِنْ الْمَسَائِلِ (مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ رَغِبَ فِي تَعْلِيمِ ذَلِكَ مِنْ الصِّغَارِ وَمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مِنْ الْكِبَارِ وَفِيهِ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاسْتِئْنَافِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالثَّانِيَةُ إنْشَائِيَّةً مَعْنًى فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا كَمَالُ الِانْقِطَاعِ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَيَحْتَمِلُ الْمَقَامُ غَيْرَ ذَلِكَ وَابْتَدَأَ كِتَابَهُ بِالْحَمْدِ وَخَتَمَهُ بِهِ لِأَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَهُ بِالْحَمْدِ وَخَتَمَهُ بِهِ حَيْثُ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام: 1] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: 75] كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ تَأَسِّيًا بِأَحَدِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ وَهُوَ التَّوْرَاةُ فَإِنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ بِأَوَّلِ الْأَنْعَامِ وَخُتِمَتْ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَمْدَ الْمُقَيَّدَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُطْلَقِ وَقِيلَ الْمُطْلَقُ أَفْضَلُ. [قَوْلُهُ: أَيْ وَفَّقَنَا] تَفْسِيرٌ لِهَدَانَا، لَا يَخْفَى أَنَّ الْهِدَايَةَ تَارَةً تُفَسَّرُ بِالدَّلَالَةِ مُطْلَقًا وَتَارَةً بِالدَّلَالَةِ الْمُوصِلَةِ وَتَارَةً بِخَلْقِ الِاهْتِدَاءِ، فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْهِدَايَةِ هُنَا الدَّلَالَةُ الْمُوصِلَةُ أَيْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى هَذَا التَّأْلِيفِ دَلَالَةً وَصَّلَتْنَا لَهُ، وَيُرَادُ بِهَا خَلْقُ الِاهْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ التَّوْفِيقُ بِجَعْلِ الِاهْتِدَاءِ الْقُدْرَةَ عَلَى الطَّاعَةِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ خَلْقُ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ إلَّا أَنَّنَا نَرْتَكِبُ التَّجْرِيدَ أَيْ تَجْرِيدَ الْكَلِمَةِ عَنْ بَعْضِ مَعْنَاهَا أَيْ حَذْفُهُ فَتَدَبَّرْ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فِينَا قُدْرَةً عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا أَوْ يَجْعَلُ الِاهْتِدَاءَ الطَّاعَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْفِيقَ خَلْقُ الطَّاعَةِ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَيَرْتَكِبُ التَّجْرِيدَ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَنَا لِهَذَا التَّأْلِيفِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ أَيْ خَلَقَنَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِنَا هَذَا. [قَوْلُهُ: وَالْإِقْدَارُ عَلَيْهِ] أَيْ جَعَلَ الْمَوْلَى لَنَا قُدْرَةً عَلَيْهِ فَإِذَنْ عَطْفُهُ عَلَى تَأْلِيفٍ مُضِرٌّ لِأَنَّهُ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ الَّذِي وَفَّقَنَا لِلْإِقْدَارِ عَلَيْهِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ فَيُجَابُ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَفَّقَنَا لِسَبَبِ الْإِقْدَارِ عَلَى تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعُلُومِ، وَبِقَوْلِهِ: الْكِتَابُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ الْكِتَابُ ثُمَّ إنْ جُعِلَ عِبَارَةً عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ بِأَنْ تَقُولَ: شُبِّهَتْ الْأَلْفَاظُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِهَا وَشِدَّةِ تَمَيُّزِهَا بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ كَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ، وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ فَإِنْ قُلْت تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي جَعَلَهَا مُشَارًا إلَيْهَا ذِهْنِيَّةٌ أَوْ خَارِجِيَّةٌ؟ قُلْت: ذِهْنِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ أَعْرَاضٌ تَنْقَضِي بِمُجَرَّدِ النُّطْقِ بِهَا عَلَى مَا ذَكَرُوا. [قَوْلُهُ: وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ] أَيْ لِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ إلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ صِلَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَحْذُوفَةٌ وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا [قَوْلُهُ: بِمَا شَرَطَهُ] أَيْ حَيْثُ قَالَ: فَأَجَبْته أَيْ وَعْدٌ بِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالشَّرْطِ إشَارَةً إلَى قُوَّةِ ذَلِكَ الْوَعْدِ أَوْ الْتَزَمَهُ أَيْ بِمَا الْتَزَمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ. [قَوْلُهُ: فِي دِيبَاجَةِ كِتَابِهِ] أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ مُسْتَعَارٌ أَيْ مَنْقُولٌ مِنْ دِيبَاجَةِ الْوَجْهِ بِمَعْنَى وَجْنَتِهِ وَلِلْإِنْسَانِ دِيبَاجَتَانِ. [قَوْلُهُ: أَيْ بِمَا شَرَطْنَا] إشَارَةً إلَى أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عَلَى آخِرِ مَا شَرَطْنَا [قَوْلُهُ: أَنْ نَأْتِيَ بِهِ] أَيْ قَدْ وَفَّيْنَا بِشَيْءٍ شَرَطْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِنَا أَنْ نَأْتِيَ بِهِ. [قَوْلُهُ: هَذَا] أَيْ وَهُوَ الرِّسَالَةُ لَا غَيْرُهَا مِنْ كُتُبِهِ كَالنَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ لَهُ كُتُبًا كَثِيرَةً وَالْكِتَابُ هُوَ الْمُجْتَمِعُ عَلَى أَحْكَامٍ. [قَوْلُهُ: مِنْ الْمَسَائِلِ] بَيَانٌ لِمَا وَالْمَسَائِلُ جَمْعُ مَسْأَلَةٍ تُطْلَقُ عَلَى النِّسْبَةِ الْخَبَرِيَّةِ وَعَلَى الْقَضِيَّةِ، وَقَدْ وَضَّحْنَا مَا يَلِيقُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِيَكُونَ بَيَانًا لَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَيَانٌ لِمَا، أَيْ فَيَبْقَى الْبَيَانُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيُبَيَّنُ ذَلِكَ الْمُبَيِّنَ بِأَنَّهُ الْمَسَائِلُ. [قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ] إشَارَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] [قَوْلُهُ: فِي تَعْلِيمٍ] مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ، وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ مَفْعُولٌ لِتَعْلِيمٍ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ أَشْخَاصٌ رَغِبْت فِي كَوْنِ شَيْخِهِمْ يُعَلِّمُهُمْ ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الصِّغَارِ بَيَانٌ لِمَنْ وَأَرَادَ بِالصِّغَارِ مَنْ كَانَ مُبْتَدِئًا فِي.

كِتَابِنَا (مَا يُؤَدِّي) أَيْ يُبَلِّغُ (الْجَاهِلَ إلَى عِلْمِ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِهِ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعَقِيدَةِ. (وَيَعْمَلُ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ) كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ (وَيُفْهِمُ كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُنُونِهِ) أَيْ فُرُوعِهِ (وَ) فِيهِ أَيْضًا (مِنْ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ وَالْآدَابِ) كَمَا عَلِمْت ذَلِكَ كُلُّهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْهُ (أَنْ يَنْفَعَنَا وَإِيَّاكَ بِمَا عَلَّمَنَا وَيُعِينَنَا وَإِيَّاكَ عَلَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ فِيمَا كَلَّفَنَا وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ وَلَوْ كَبِيرًا فِي السِّنِّ [قَوْلُهُ: وَمَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ] مَعْطُوفٌ عَلَى رَغِبَ أَيْ لِنَحْوِ مُرَاجَعَةٍ أَوْ تَعْلِيمٍ لِلْغَيْرِ وَالتَّعْبِيرُ بِالرَّغْبَةِ فِي الصِّغَارِ وَالِاحْتِيَاجِ فِي الْكِبَارِ ظَاهِرٌ، وَأَرَادَ بِالْكِبَارِ جَمْعُ كَبِيرٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُبْتَدِئًا فِي الْعِلْمِ. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ تَعْلِيلٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ أَيْ إنَّمَا قُلْت يُنْتَفَعُ. . . إلَخْ لِأَنَّ فِيهِ أَوَّلَهُ وَلِلرَّغْبَةِ وَالِاحْتِيَاجِ. [قَوْلُهُ: مَا] أَيْ شَيْءٌ أَوْ الَّذِي. [قَوْلُهُ: أَيْ يُبَلِّغُ الْجَاهِلَ] أَيْ يُوَصِّلُهُ هَذَا نَاظِرٌ لِلْمُبْتَدِئِ وَغَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُبْتَدِئَ جَاهِلٌ أَيْ خَالٍ عَنْ الْعِلْمِ فَيَرْغَبُ فِي تَعَلُّمِهِ، وَيَحْتَاجُ الْكَبِيرُ إلَيْهَا لِيُعَلِّمَ ذَلِكَ الْجَاهِلَ. [قَوْلُهُ: مِنْ دِينِهِ] بَيَانٌ لِمَا بِحَمْلِ الدِّينِ عَلَى خُصُوصِ النِّسَبِ الْمُعْتَقَدَةِ لِيَكُونَ الْمَعْطُوفَ مُغَايِرًا [قَوْلُهُ: وَهُوَ] أَيْ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ دِينِهِ مَا ذُكِرَ فِي الْعَقِيدَةِ أَيْ مِنْ النِّسَبِ الْمُعْتَقَدَةِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ لِأَنَّ الْعَقِيدَةَ اسْمٌ لِلْبَابِ الْأَوَّلِ الْمُتَعَلِّقِ بِأُصُولِ الدِّينِ، [قَوْلُهُ: مِنْ فَرَائِضِهِ] أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَيُفْهَمُ] عُطِفَ عَلَى يُؤَدِّي بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ. تَنْبِيهٌ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ فِيهِ الْمُؤَدِّي لِمَا ذُكِرَ عِبَارَاتُهُ الَّتِي هُوَ جُزْءٌ مِنْهُ. 1 - [قَوْلُهُ: مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ] أَرَادَ بِهِ قَوَاعِدَ الْفِقْهِ الْكُلِّيَّةِ وَأَرَادَ بِفُرُوعِهِ جُزْئِيَّاتِهَا. [قَوْلُهُ: وَفِيهِ أَيْضًا] لَا حَاجَةَ لِفِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ السُّنَنِ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ [قَوْلُهُ: مِنْ السُّنَنِ. . . إلَخْ] وَهِيَ مَعْلُومَةٌ. [قَوْلُهُ: وَالرَّغَائِبُ. . . إلَخْ] أَرَادَ الْجِنْسَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا رَغِيبَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَنَا وَهِيَ الْفَجْرُ أَوْ أَرَادَ بِهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ الشَّارِعُ وَأَكَّدَهُ مِمَّا عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَبًّا. [قَوْلُهُ: وَالْآدَابُ] جَمْعُ أَدَبٍ وَهُوَ مَا يَتَحَلَّى بِهِ الشَّخْصُ مِنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِمَّا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَإِيضَاحُهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ فِي الْآدَابِ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا هُوَ سُنَّةٌ وَمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَعَطْفُهُ عَلَى السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ إمَّا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ بِقَصْرِ السُّنَنِ وَالرَّغَائِبِ عَلَى مَا عَبَّرَ فِيهِ بِعُنْوَانِ السُّنَّةِ وَالتَّرْغِيبِ وَالْآدَابِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. [قَوْلُهُ: كَمَا عَلِمْت ذَلِكَ كُلَّهُ] كَأَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَمَا قُلْته لَك صَحِيحٌ لِعِلْمِك كُلَّ ذَلِكَ عِلْمًا نَاشِئًا عَنْ الْحَاسَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَلِلَّهِ. . . إلَخْ لَمَّا كَانَ احْتِوَاءُ الْكِتَابِ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ نِعَمِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَمَّةِ نَاسَبَ أَنْ يُحْمَدَ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا فَقَالَ: وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بِتَقْدِيمِ الْمَجْرُورِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ. [قَوْلُهُ: عَزَّ] أَيْ قَوِيَ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّخَلِّي وَالتَّحَلِّي أَيْ التَّخَلِّي عَمَّا لَا يَلِيقُ وَالتَّحَلِّي بِمَا يَلِيقُ، وَقَوْلُهُ: وَجَلَّ أَيْ عَظُمَ بِمَا ذُكِرَ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ اللَّازِمِ أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قُوَّتِهِ بِمَا ذُكِرَ عِظَمُهُ أَوْ عَزَّ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّخَلِّي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجَلَّ بِوَصْفِهِ بِصِفَاتِ التَّحَلِّي بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ التَّخْلِيَةِ عَلَى التَّحْلِيَةِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَنْفَعَنَا] الْمَقَامُ مَقَامُ خُضُوعٍ وَذُلٍّ، فَالْمُنَاسِبُ يَنْفَعُنِي وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهَا مِمَّا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَتَلَامِذَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَإِيَّاكَ] أَيْ يَا مُرِيدَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ وَمَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَرْعًا أَوْ يَا مُحْرِزَ السَّائِلِ فِي تَأْلِيفِهِ. [قَوْلُهُ: بِحَقِّهِ] أَيْ بِالْحُكْمِ الْوَاجِبِ لَهُ فِيمَا كَلَّفَنَا اللَّهُ بِهِ أَيْ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا بِأَنْ نُؤَدِّيَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِحَيْثُ لَا نَأْتِي بِهِ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ تَرْكٌ لِذَلِكَ. [قَوْلُهُ: وَلَا حَوْلَ] الْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَإِنَّمَا وَجَّهْت سُؤَالِي لَهُ لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إلَّا بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: نَبِيُّهُ آثَرَهُ عَلَى رَسُولِهِ مَعَ أَنَّ الرِّسَالَةَ أَشْرَفُ إشَارَةً إلَى كَمَالِ النُّبُوَّةِ فِيهِ وَأَنَّهُ وَصْفٌ كَامِلٌ بِالنَّظَرِ لَهُ يُنَوِّهُ بِذِكْرِهِ وَيَرْفَعُ فَأَوْلَى غَيْرُهُ مِنْ رَسُولِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِرَسُولِهِ لَمْ يُسْتَفَدْ ذَلِكَ،

مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) قَالَ مُؤَلِّفُ هَذَا الشَّرْحِ الْمُبَارَكِ عَلِيٌّ أَبُو الْحَسَنِ الْمَالِكِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ: وَأَنَا أَخْتِمُ هَذَا الشَّرْحَ وَهُوَ رَابِعُ شَرْحٍ لِي عَلَى الرِّسَالَةِ بِمَا خَتَمَ بِهِ ابْنُ شَاسٍ الْجَوَاهِرَ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: اعْلَمْ أَنَّ جِمَاعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ فِي تَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاعْتِزَالِ شُرُورِ النَّاسِ، وَمِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ وَقَدْ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُرَى إلَّا سَاعِيًا فِي تَحْصِيلِ حَسَنَةٍ لِمَعَادِهِ أَوْ دِرْهَمٍ لِمَعَاشِهِ، فَكَيْفَ بِهِ مَعَ ذَلِكَ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا عَالِمًا بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَحِقُّ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ وَيَحْتَرِسَ مِنْ نَفْسِهِ وَيَقِفَ عَلَى مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَسَلَّمَ] مَعْطُوفٌ عَلَى صَلَّى جُمْلَتَانِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى. [قَوْلُهُ: تَسْلِيمًا] مَصْدَرُ سَلَّمَ وَأَكَّدَهُ وَلَمْ يُؤَكِّدْ الصَّلَاةَ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَهُ فَلْيُرَاجَعْ، وَقَوْلُهُ: كَثِيرًا أَيْ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَكَأَنَّهُ يَقُولُ يَا رَبِّ حَيِّهِ تَحِيَّةً كَثِيرَةً وَهَذَا وَصْفٌ مُفِيدٌ لِعَظَمَةِ السَّلَامِ مِنْ حَيْثُ الْكَمِّيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْكَثْرَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ مِنْ حَيْثُ جَعْلِ التَّنْوِينَ لِلتَّعْظِيمِ. [قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُ. . . إلَخْ] مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَلَا نُعِيدُهُ. [قَوْلُهُ: وَأَنَا أَخْتِمُ. . . إلَخْ] مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ فَنِّ التَّصَوُّفِ الَّذِي بِهِ صَلَاحُ الْبَاطِنِ فَيَكُونُ هَذَا التَّأْلِيفُ جَامِعًا لِفُنُونٍ ثَلَاثَةٍ فَنُّ أُصُولِ الدِّينِ وَفَنُّ الْفِقْهِ وَفَنُّ التَّصَوُّفِ. [قَوْلُهُ: وَهُوَ رَابِعُ شَرْحٍ لِي عَلَى الرِّسَالَةِ] غَايَةُ الْأَمَانِي وَهُوَ أَكْبَرُهَا ثُمَّ تَحْقِيقُ الْمَبَانِي ثُمَّ الْفَيْضُ الرَّحْمَانِيُّ ثُمَّ هَذَا الشَّرْحُ الَّذِي هُوَ كِفَايَةُ الطَّالِبِ وَلَهُ شَرْحَانِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْعَقِيدَةِ فَهَذِهِ سِتَّةٌ أَرْبَعَةٌ عَلَى الْكِتَابِ بِتَمَامِهِ وَقَدْ عَلِمْتهَا وَاثْنَانِ عَلَى الْعَقِيدَةِ أَفَادَهُ صَاحِبُ مَقَالِيدِ الْأَسَانِيدِ. [قَوْلُهُ: ابْنُ شَاسٍ. . . إلَخْ] هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَجْمِ بْنِ شَاسٍ كَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ عَالِمًا بِقَوَاعِدِهِ لَهُ كِتَابُ الْجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ فِي مَذْهَبِ عَالِمِ الْمَدِينَةِ وَضَعَهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْوَجِيزِ لِلْإِمَامِ أَبِي حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، وَكَانَ مُدَرِّسًا بِمِصْرَ بِالْمَدْرَسَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْجَامِعِ الْعَتِيقِ، وَتَوَجَّهَ إلَى ثَغْرِ دِمْيَاطَ لَمَّا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ الْمَخْذُولُ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ تُوُفِّيَ هُنَاكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ أَوْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ عَشْرٍ وَسِتِّمِائَةٍ وَصَنَّفَ غَيْرَ الْجَوَاهِرِ وَمَالَ إلَى النَّظَرِ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا، وَكَانَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْوَرَعِ وَبَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ الْحَجِّ امْتَنَعَ مِنْ الْفُتْيَا إلَى حِينِ وَفَاتِهِ وَهُوَ مِنْ بَيْتِ إمَارَةٍ أَفَادَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ بْنُ فَرْحُونٍ. [قَوْلُهُ: جِمَاعُ الْخَيْرِ] بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ وَجَمْعُ الْخَيْرِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. [قَوْلُهُ: فِي تَقْوَى اللَّهِ] أَيْ امْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَتَرْكِ مَنْهِيَّاتِهِ، [قَوْلُهُ: وَاعْتِزَالُ شُرُورِ النَّاسِ] أَيْ وَالْبُعْدُ مِنْ شُرُورِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ الْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ فَيَسْلَمُ مِنْ شَرِّهِمْ بِحَيْثُ تَكُونُ تِلْكَ السَّلَامَةُ قَائِدَةً لَا عِلَّةً غَائِيَّةً. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: الْبَلَاءُ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ فِي ثَلَاثَةٍ خَوْفُ الْخَلْقِ وَهَمُّ الرِّزْقِ وَالرِّضَا عَنْ النَّفْسِ، وَالْعَافِيَةُ وَالْخَيْرَاتُ مَجْمُوعَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ الثِّقَةُ بِاَللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالرِّضَا عَنْ اللَّهِ بِكُلِّ حَالٍ وَاتِّقَاءُ شُرُورِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ حُسْنِ. . . إلَخْ] تَقَدَّمَ مَا فِيهِ، [قَوْلُهُ: وَقَدْ قِيلَ] لَيْسَ قَصْدُهُ التَّضْعِيفَ بَلْ حِكَايَةُ مَا صَدَرَ مِنْ قَائِلِهِ. [قَوْلُهُ: لَا يَنْبَغِي] أَيْ يَجِبُ أَوْ يَنْدُبُ بِاعْتِبَارِ مَا يَلِيقُ بِكُلٍّ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ. [قَوْلُهُ: أَنْ يُرَى] أَيْ يَرَاهُ الْغَيْرُ أَوْ يَرَى نَفْسَهُ فَهُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ الْفَاعِلِ، وَالثَّانِي أَوْلَى وَهِيَ إمَّا بَصَرِيَّةٌ أَوْ عِلْمِيَّةٌ فَسَاعِيًا حَالٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي. [قَوْلُهُ: فِي تَحْصِيلِ حَسَنَةٍ] يَسْتَعِدُّ بِهَا لِمَعَادِهِ أَيْ لِعَوْدِهِ أَيْ رُجُوعُهُ إلَى اللَّهِ فِي دَارِ الْجَزَاءِ. [قَوْلُهُ: أَوْ دِرْهَمٍ] أَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ فَتُجُوِّزَ الْجَمْعُ، [قَوْلُهُ: لِمَعَاشِهِ] أَيْ لِعَيْشِهِ أَيْ مَا يَقْتَاتُهُ وَيَقُومُ بِهِ حَالُهُ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] أَيْ حَلَالَاتِ. [قَوْلُهُ: فَكَيْفَ بِهِ] أَيْ بِالْعَاقِلِ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ اسْتِعْظَامَ هَذَا الْأَمْرِ أَيْ عَدَّهُ عَظِيمًا إذَا صَدَرَ مِنْ عُلُوٍّ قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ رُؤْيَتِهِ سَاعِيًا فِي تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا عَالِمًا، وَالْوَصْفُ بِالْعِلْمِ هُوَ الرُّوحُ أَيْ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الِاسْتِفْهَامُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، فَقَوْلُهُ: مُؤْمِنًا تَوْطِئَةً إذْ الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَاقِلِ أَيْ كَامِلِ الْعَقْلِ أَوْ أَنَّ غَيْرَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ. [قَوْلُهُ: عَلَى الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ] هُوَ مَعَ مَا قَبْلَهُ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ

وَيُقِلَّ الرِّوَايَةَ جَهْدَهُ وَيُنْصِفَ جُلَسَاءَهُ وَيُلِينَ لَهُمْ جَانِبَهُ وَيُثْبِتَ سَائِلَهُ وَيُلْزِمَ نَفْسَهُ الصَّبْرَ وَيَتَوَقَّى الضَّجَرَ وَيَصْفَحَ عَنْ زَلَّةِ جَلِيسِهِ وَلَا يُؤَاخِذَهُ بِعَثْرَتِهِ، وَمَنْ جَالَسَ عَالِمًا فَلْيَنْظُرْ إلَيْهِ بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ وَلْيَنْصِتْ لَهُ عِنْدَ الْمَقَالِ فَإِنْ رَاجَعَهُ رَاجَعَهُ تَفَهُّمًا لَا تَعَنُّتًا وَلَا يُعَارِضُهُ فِي جَوَابِ سَائِلٍ يَسْأَلُهُ، فَإِنَّهُ يُلْبِسُ بِذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ وَيُزْرِي بِالْمَسْئُولِ وَلَا يَنْتَظِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَرَادَ بِالطَّاعَةِ وَاجِبَةً وَمَنْدُوبَةً فَإِذَنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعِقَابٍ وَلَوْمٍ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى فَإِذَا قُصِرَتْ الطَّاعَةُ عَلَى الْوَاجِبَةِ اقْتِصَارًا عَلَى الْحَالَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ تَمَّ كَلَامُهُ. [قَوْلُهُ: وَيَحِقُّ] أَيْ وَيَجِبُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ. [قَوْلُهُ: أَنْ يَتَوَاضَعَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي عِلْمِهِ] أَيْ فِي حَالِ إفَادَتِهِ عِلْمَهُ أَوْ فِي حَالِ اتِّصَافِهِ بِعِلْمِهِ، أَيْ فَلَا يَتَكَبَّرُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ فَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ الشُّكْرُ بِقَدْرِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهِ بَلْ رُكْنُهُ الْأَعْظَمُ التَّوَاضُعُ، فَقَدْ سَمِعْت مِنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى كَانَ فِي سِيَاسَتِهِ مَعَ الْحَوَارِيِّينَ فَأَمَرَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ أَنْ يَأْتُوا لَهُ بِمَاءِ وُضُوءٍ فَوَضَّأَ جَمِيعَهُمْ وَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ وَجَمَعَ الْمَاءَ الْفَاضِلَ مِنْ ذَلِكَ فَشَرِبَهُ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لِمَ فَعَلْت هَذَا؟ فَقَالَ: أَرَدْت أَنْ أُعَلِّمَكُمْ التَّوَاضُعَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: عُلَمَاءُ الْآخِرَةِ يُعْرَفُونَ بِسِيمَاهُمْ مِنْ السَّكِينَةِ وَالذُّلِّ وَالتَّوَاضُعِ، أَمَّا التَّمَشْدُقُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي الضَّحِكِ وَالْحِدَّةُ فِي الْحَرَكَةِ وَالنُّطْقِ فَمِنْ آثَارِ الْبَطَرِ وَالْغَفْلَةِ وَذَلِكَ دَأْبُ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا. [قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِسُ مِنْ نَفْسِهِ] أَيْ وَيَتَحَفَّظُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهَا بِمُخَالَفَتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ بِخَيْرٍ أَبَدًا إلَّا وَلَهَا فِيهِ دَسِيسَةٌ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَمَرَتْهُ نَفْسُهُ بِالْجِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثَوَابٍ خُصُوصًا إذَا قُتِلَ فِي مَعْرَكَةٍ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُطْلِعَهُ عَلَى دَسِيسَةِ نَفْسِهِ فَأُلْهِمَ أَنَّهَا تُرِيدُ أَنْ تُقْتَلَ فِي الْمَعْرَكَةِ لِتَسْتَرِيحَ بِالْقَتْلِ مِنْ قَتْلِكَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ بِمُخَالَفَتِهَا، [قَوْلُهُ: وَيَقِفُ عَلَى مَا أُشْكِلَ. . . إلَخْ] كَذَا فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ أَيْ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمْ يَدْرِ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ فَيَقِفُ عِنْدَهُ كِنَايَةً عَنْ اجْتِنَابِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَوْ يَجُرُّهُ إلَى مُحَرَّمٍ لِخَبَرِ: " الْحَلَالُ بَيِّنٌ. . . إلَخْ. [قَوْلُهُ: وَيُقِلُّ الرِّوَايَةَ] أَيْ وَيُقِلُّ مِنْ رِوَايَتِهِ الْحَدِيثَ أَوْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ لِغَيْرِهِ، أَيْ لَا يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَظِنَّةُ الْخَطَأِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ بِخِلَافِ الْقِلَّةِ فَيَقْوَى مَعَهَا التَّحَرِّي وَالضَّبْطُ فَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْخَطَأِ. [قَوْلُهُ: جُهْدَهُ] بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَبِالْفَتْحِ فِي غَيْرِهَا الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ، وَقِيلَ الْمَضْمُومُ الطَّاقَةُ وَالْمَفْتُوحُ الْمَشَقَّةُ. [قَوْلُهُ: وَيُنْصِفُ. . . إلَخْ] مِنْ أَنْصَفَ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ أَيْ يُنْصِفُ جِنْسَ جُلَسَائِهِ أَيْ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ. [قَوْلُهُ: وَيُلَيِّنُ لَهُمْ جَانِبَهُ] يُقْرَأُ بِأَوْجُهٍ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ لَانَ أَوْ أَلَانَ أَوْ لَيَّنَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِ قِيَامِهِ مَعَ حَظِّ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: وَيُثَبِّتُ سَائِلَهُ] مِنْ أَثْبَتَ أَوْ ثَبَّتَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ بِإِعْطَائِهِ جَوَابًا كَاشِفًا عَنْ مَسْئُولِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي حِيرَةٍ وَلَا تَرَدُّدٍ، أَوْ إرْشَادِهِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى فِي السُّؤَالِ كَذَا وَكَذَا وَجَوَابُهُ كَذَا وَكَذَا. [قَوْلُهُ: وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الصَّبْرَ] فَلَا يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَقُومُ مَعَ حَضِّهَا وَيَحْبِسُهَا عَلَى مَا تَكْرَهُ، وَلَا يَخْفَى الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَيَلِينُ لَهُمْ جَانِبَهُ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَقْرِيرِهِ. [قَوْلُهُ: وَيَتَوَقَّى الضَّجَرَ] أَيْ يَتَبَاعَدُ عَنْ الضَّجَرِ أَيْ الْقَلَقِ وَالِاهْتِمَامِ وَهُوَ مِنْ وَادِي مَا قَبْلَهُ، [قَوْلُهُ: وَيَصْفَحُ] أَيْ يَعْرِضُ وَيَتَغَافَلُ. [قَوْلُهُ: عَنْ زَلَّةٍ] بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ مَا يَقَعُ مِنْهُ مِنْ الْخَطَأِ، [قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَاخِذُهُ بِعَثْرَتِهِ] أَيْ الَّتِي هِيَ زَلَّتُهُ فَالْإِظْهَارُ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ إشَارَةٌ إلَى تَرَادُفِهِمَا. [قَوْلُهُ: وَمَنْ جَالَسَ عَالِمًا] أَيْ مَثَلًا أَوْ صَاحَبَهُ فَيَصْدُقُ بِالْجُلُوسِ وَغَيْرِهِ. [قَوْلُهُ: فَلْيَنْظُرْ] الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ [قَوْلُهُ: بِعَيْنِ الْإِجْلَالِ] أَيْ التَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] فَمَنْ مَدَحَهُ اللَّهُ أَوْ أَعَزَّهُ فَيُعَزُّ وَيُكْرَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ مَا أَوْرَثَ خَشْيَةً فَلَا عَالِمَ إلَّا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَشْيَةِ وَالْخَوْفِ. [قَوْلُهُ: وَلْيُنْصِتْ لَهُ عِنْدَ الْمَقَالِ] مِنْ أَنْصَتَ أَوْ مِنْ نَصَتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ يَسْكُتُ عِنْدَ قَوْلِهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ رَاجَعَهُ] أَيْ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهُ وَالْمُفَاعَلَةُ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا. [قَوْلُهُ: رَاجَعَهُ تَفَهُّمًا] أَيْ مُرَاجَعَةَ تَفَهُّمٍ أَوْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَفَهِّمًا أَيْ مُرِيدًا الْفَهْمَ أَوْ طَالِبًا لَهُ أَوْ لِأَجْلِ التَّفَهُّمِ، وَقَوْلُهُ: لَا تَعَنُّتًا عَلَى نَسَقِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ

بِالْعَالِمِ فِتْنَةً وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَثْرَةٌ، وَبِقَدْرِ إجْلَالِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِمَا يَسْتَفِيدُ مِنْ عِلْمِهِ، وَمَنْ نَاظَرَهُ فِي عِلْمٍ فَبِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَتَرْكِ الِاسْتِعْلَاءِ فَحُسْنُ التَّأَنِّي وَجَمِيلُ الْأَدَبِ مُعِينَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ. وَمَا أَوْلَى بِالْعِلْمِ صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ وَعَيْبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا وَإِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُرُوءَةِ وَالْأَدَبِ وَصِيَانَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ التَّعَنُّتُ إدْخَالُ الْأَذَى عَلَيْهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُعَارِضُهُ فِي جَوَابِ سَائِلٍ يَسْأَلُهُ] أَيْ لَا يُقَابِلُهُ فِي جَوَابٍ حَصَلَ مِنْهُ لِسَائِلِهِ بِحَيْثُ يَقُولُ لَهُ: الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ كَذَا لَا مَا أَجَبْت بِهِ أَوْ لَا يُبَادِرُ بِالْجَوَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ احْتِرَامِ الشَّيْخِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الشَّيْخِ خَطَأً، وَيُرْشِدُهُ لِلصَّوَابِ بِأَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ لِلشَّيْخِ غَيْرَ قَاصِدٍ الِاسْتِعْلَاءَ فَإِنَّهُ لَا لَوْمَ فِيهِ. [قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُلْبِسُ بِذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ] مِنْ بَابِ ضَرَبَ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: لَبَّسْت الْأَمْرَ عَلَى زَيْدٍ لَبْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي التَّنْزِيلِ وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وَالتَّشْدِيدُ مُبَالَغَةٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُفَسِّرُ لِلْآيَةِ: شَبَّهْنَا وَخَلَطْنَا أَيْ خَلَطَ عَلَى السَّائِلِ بِمُعَارَضَتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ الصَّوَابُ أَجَوَابُ الشَّيْخِ أَوْ جَوَابُ هَذَا الْمُعَارِضِ أَوْ مَنْ هُوَ الْأَوْلَى بِالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُعَارَضَةِ. [قَوْلُهُ: وَيُزْرِي بِالْمَسْئُولِ] مِنْ أَزَرَى بِالشَّيْءِ تَهَاوَنَ بِهِ فَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ أَفَادَهُ الْمِصْبَاحُ. 1 - [قَوْلُهُ: وَلَا يَنْتَظِرُ بِالْعَالِمِ فِتْنَةً] أَيْ مِحْنَةً وَابْتِلَاءً بِحَيْثُ تَلْتَفِتُ نَفْسُهُ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْهُ زَلَّةٌ فَتَضْمَحِلَّ مَرْتَبَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ شَرَفٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ. [قَوْلُهُ: وَلَا تُؤْخَذُ عَلَيْهِ عَثْرَةٌ] أَيْ زَلَّةٌ أَيْ إذَا وَقَعَ مِنْهُ أَمْرٌ جَاءَ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ بِحَيْثُ تَنْقُصُ مَرْتَبَتُهُ وَلَا يُقَامُ بِوَاجِبِ حَقِّهِ، وَلْيَسْتَعِنْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ الْبَشَرِ الَّذِي لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ عِصْمَةٌ. [قَوْلُهُ: وَبِقَدْرِ إجْلَالِ الطَّالِبِ] أَيْ بِقَدْرِ تَعْظِيمِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَنْتَفِعُ الطَّالِبُ بِمَا حَصَّلَهُ مِنْ عِلْمِهِ، أَيْ وَبِقَدْرِ تَحْقِيرِ الطَّالِبِ لِلْعَالِمِ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِعِلْمِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ مُصْلِحُ الدِّينِ أَفَنْدِي فِي كِتَابِ الْحَيَاةِ مَا نَصُّهُ: وَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَوَاضَعَ لِشَيْخِهِ وَيَتَأَدَّبَ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سِنًّا وَأَقَلَّ شُهْرَةً وَنَسَبًا وَسِلَاحًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَبِتَوَاضُعِهِ يَدْرِي الْعِلْمَ إلَى آخِرِ مَا قَالَ. [قَوْلُهُ: وَمَنْ نَاظَرَهُ. . . إلَخْ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى حَالِ الطَّالِبِ مَعَ شَيْخِهِ طَفِقَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَالِ الطَّلَبَةِ مَعَ بَعْضِهِمْ أَوْ الشُّيُوخِ مَعَ بَعْضِهِمْ أَيْ مَنْ نَاظَرَ عَالِمًا أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ مَا ذَكَرْنَا، وَالْمُنَاظَرَةُ الْمُجَادَلَةُ بِأَنْ يَخْتَلِفَا فِي أَمْرٍ وَيُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْصُرَ مَقَالَتَهُ بِشَيْءٍ يُقِيمُهُ. [قَوْلُهُ: فَبِالسَّكِينَةِ] أَيْ فَلْيَكُنْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَعْنًى مُلْتَبِسًا بِالسَّكِينَةِ أَوْ مَعَ السَّكِينَةِ أَيْ الطُّمَأْنِينَةِ. . . إلَخْ، وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمِصْبَاحِ تُفِيدُ تَرَادُفَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِالتَّغَايُرِ بِأَنْ تَقُولَ: السَّكِينَةُ تَرْجِعُ إلَى عَدَمِ اضْطِرَابِ الْجَوَارِحِ، وَالْوَقَارُ يَرْجِعُ إلَى احْتِرَامِ الْمُنَاظِرِ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الِاسْتِعْلَاءِ] أَيْ إظْهَارُ الْعُلُوِّ وَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى بِالسَّكِينَةِ وَهُوَ لَازِمٌ لِمَا قَبْلَهُ. [قَوْلُهُ: فَحَسَنٌ] بِالْفَاءِ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّارِحِ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَبِالسَّكِينَةِ أَخٌ أَيْ لِأَنَّ حُسْنَ التَّأَنِّي الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْعَجَلَةِ أَيْ لِأَنَّ التَّأَنِّي الْحَسَنَ هُوَ وَصْفٌ مُخَصِّصٌ لِأَنَّ عَدَمَ الْعَجَلَةِ قَدْ يُذَمُّ وَيَظْهَرُ كَوْنُهُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ: فَبِالسَّكِينَةِ عَلَى مَا قَرَرْنَا سَابِقًا، وَقَوْلُهُ: وَجَمِيلُ الْأَدَبِ أَيْ وَالْأَدَبُ الْجَمِيلُ أَيْ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْوَقَارِ عَلَى مَا قُلْنَا. [قَوْلُهُ: مُعِينَانِ عَلَى الْعِلْمِ] أَيْ فَمَنْ نَاظَرَ عَالِمًا وَتَحَلَّى بِمَا ذُكِرَ يُرْجَى أَنْ يُعْطَى الصَّوَابَ مِنْ الْعِلْمِ وَتَثْبُتَ لَهُ الْغَلَبَةُ عَلَى مُنَاظِرِهِ. [قَوْلُهُ: وَنِعْمَ وَزِيرُ الْعِلْمِ الْحِلْمُ] أَيْ أَنَّ الْعِلْمَ كَالْمَلِكِ وَالْحِلْمَ كَالْوَزِيرِ لَهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ نِظَامَ الْمَلِكِ بِالْوَزِيرِ وَلِذَلِكَ قِيلَ إنَّ الْوَزِيرَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْوِزْرِ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ عَنْ الْمَلِكِ ثِقَلَ التَّدْبِيرِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ: مَا شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ عَالِمٍ مَعَهُ حِلْمٌ إنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِعِلْمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ بِحِلْمٍ، يَقُولُ الشَّيْطَانُ: إنَّ سُكُوتَهُ عَلَيَّ أَشَدُّ مِنْ كَلَامِهِ. [قَوْلُهُ: وَمَا أَوْلَى بِالْعَالِمِ] " مَا " تَعَجُّبِيَّةٌ أَيْ وَمَا أَحَقُّ بِالْعَالِمِ صِيَانَةُ نَفْسِهِ أَيْ أَنَّ صِيَانَةَ نَفْسِهِ عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُتَعَجَّبُ مِنْ حَقِّيَّتِهَا أَيْ حِفْظِ نَفْسِهِ. [قَوْلُهُ: عَنْ كُلِّ دَنَاءَةٍ] أَيْ خُبْثِ فِعْلٍ فَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا] أَيْ إثْمًا أَيْ مَعْصِيَةً. [قَوْلُهُ: بِالْمُرُوءَةِ] بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: الْمُرُوءَةُ الِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ مَا

الدِّينِ وَنَزَاهَةِ الْأَنْفُسِ لَذَوُو الْعِلْمِ، وَحَقِيقٌ عَلَى الْعَالِمِ أَنْ لَا يَخْطُوَ خُطْوَةً لَا يَبْتَغِي بِهَا ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجْلِسَ مَجْلِسًا يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ، فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ فَلْيَقُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِوَاجِبِ حَقِّهِ فِي إرْشَادِ مَنْ اسْتَحْضَرَهُ وَوَعْظِهِ وَلَا يُجَالِسُهُ بِمُوَافَقَتِهِ فِيمَا يُخَالِفُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَرْضَاتِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ، وَلَا أَحْسَبُهُ وَإِنْ قَامَ بِذَلِكَ يَنْجُو وَلَا يَسْلَمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمِنْ إجْلَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إجْلَالُ الْعَالِمِ الْعَامِلِ وَإِجْلَالُ الْإِمَامِ الْمُقْسِطِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَى أَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا. [قَوْلُهُ: وَالْأَدَبُ] يَرْجِعُ إلَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا عِلْمَ إلَّا مَعَ التُّقَى وَلَا عَقْلَ إلَّا مَعَ الْأَدَبِ. [قَوْلُهُ: وَصِيَانَةُ الدِّينِ] أَيْ وَحِفْظُ الدِّينِ عَمَّا يُخِلُّ بِهِ. [قَوْلُهُ: وَنَزَاهَةُ] أَيْ وَتَبَاعُدُ الْأَنْفُسِ عَنْ الرَّذَائِلِ وَلَمَّا كَانَ فِي إجَابَتِهِ لِكُلِّ مَنْ دَعَاهُ دَنَاءَةٌ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُجِيبَ كُلَّ مَنْ دَعَاهُ. [قَوْلُهُ: لَذَوُو الْعِلْمِ] أَيْ أَصْحَابِ الْعِلْمِ وَهُوَ خَبَرُ إنَّ أَوْلَى. . . إلَخْ أَيْ لِأَنَّهُمْ وَرَثَةُ أُولِي الْعِلْمِ التَّامِّ الَّذِي هُمْ الْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِأَكْمَلِ الصِّفَاتِ، فَلْيَكُنْ الْوَارِثُ كَذَلِكَ لِوِرَاثَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَا ذُكِرَ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِمَا ذُكِرَ انْتَفَتْ عَنْهُ الْوِرَاثَةُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ مُسْتَلْزِمٌ لِنَفْيِ الْمَلْزُومِ. [قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَخْطُوَ خَطْوَةً] بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَاحِدُ الْخَطَوَاتِ مِثْلُ شَهْوَةٍ وَشَهَوَاتٍ، وَأَمَّا بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ مَا بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَاحِدُ الْخُطُوَاتِ بِضَمِّ الْخَاءِ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرُفَاتٍ،. [قَوْلُهُ: لَا يَبْتَغِي بِهَا ثَوَابَ] أَيْ إثَابَةَ اللَّهِ عَلَى خُطْوَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ خُطْوَتُهُ مُحَرَّمَةً وَلَا مَكْرُوهَةً وَلَا مُبَاحَةً بَلْ مَنْدُوبَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ الْإِثَابَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مُقَابَلَتِهِمَا، وَالْمُرَادُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ خُطْوَتُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ مِمَّا كَانَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي مَرْتَبَةَ الْكُمَّلِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ بِخُطُوَاتِهِمْ ثَوَابًا لَا دُنْيَوِيًّا وَلَا أُخْرَوِيًّا. [قَوْلُهُ: عَاقِبَةَ وِزْرِهِ] الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ عَاقِبَةٌ هِيَ وِزْرُهُ أَيْ إثْمُهُ. [قَوْلُهُ: فَإِنْ اُبْتُلِيَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ] أَيْ فِي الَّذِي يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ جَعَلَ الْجُلُوسَ فِيهِ بَلِيَّةً وَمُصِيبَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ عَاقِبَتَهُ الْإِثْمُ. [قَوْلُهُ: بِوَاجِبِ حَقِّهِ] أَيْ بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ أَيْ حَقِّ الْجُلُوسِ أَوْ حَقِّ الْمَجْلِسِ. [قَوْلُهُ: فِي إرْشَادِ] أَيْ مِنْ إرْشَادِ بَيَانٌ لِحَقِّهِ الْوَاجِبِ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يُرْشِدُهُ أَيْ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَقْوَمِ أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ مَقْصُودًا ذَلِكَ الْخَاصُّ مُبَالَغَةً فِي الْإِرْشَادِ وَكَأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْعَامِّ. [قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَحْضَرَهُ] أَيْ طَلَبَ حُضُورَهُ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ حُضُورَهُ صَارَ لَهُ مِنَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُ بِهِ بَاعِثٌ عَلَى إرْشَادِهِ، وَقَوْلُهُ: وَوَعْظِهِ مَعْطُوفٌ عَلَى إرْشَادِهِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يُجَالِسُهُ] مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيَقُمْ أَيْ وَلَا يَسْتَمِرَّ جَالِسًا مَعَهُ مَعَ مُوَافَقَتِهِ فِي أَمْرٍ يَخَافُ الشَّخْصُ: أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ إمَّا بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ. [قَوْلُهُ: فِي مَرْضَاتِهِ] أَيْ بِسَبَبِ رِضَا مَنْ اسْتَحْضَرَهُ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَرَّضُ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ] أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ تَعَرَّضَ مِنْهُ حَاجَةً لِنَفْسِهِ يَضْعُفُ عَنْ إرْشَادِهِ وَنُصْحِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ يُذْهِبُ الْعِلْمَ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَا يَذْهَبُ بِالْعِلْمِ مِنْ قُلُوبِ الْعُلَمَاءِ بَعْد أَنْ حَفِظُوهُ وَعَقَلُوهُ؟ فَقَالَ: يُذْهِبُهُ الطَّمَعُ وَشَرَهُ النَّفْسِ وَطَلَبُ الْحَاجَاتِ إلَى النَّاسِ، فَقَالَ: صَدَقْت. [قَوْلُهُ: وَلَا أَحْسَبُهُ. . . إلَخْ] قَصَدَ بِذَلِكَ الْحَثَّ عَلَى التَّبَاعُدِ عَنْ الْجُلُوسِ فِيمَا يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ وَإِنْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ يَقُومُ بِوَاجِبِ حَقِّهِ أَيْ وَلَا أَظُنُّهُ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ قَامَ بِذَلِكَ يَنْجُو لِعُرُوضِ غَفْلَةٍ عَنْ الْإِرْشَادِ مَعَ وُجُودِ مُوجِبِهِ أَوْ خَطَأٌ فِي اجْتِهَادِهِ. [قَوْلُهُ: وَلَا يَسْلَمُ] مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْجُو وَلَا لِلتَّأْكِيدِ فَلَوْ حَذَفَهَا مَا ضَرَّهُ وَهُوَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ، [قَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَهُ. . . إلَخْ] أَيْ وَلَا يَسْلَمُ فِي حَالَةٍ بَيْنَ نَفْسِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبَيْنَ اللَّهِ مِنْ تَقْصِيرٍ وَقَعَ مِنْهُ، وَلَا يُشْعِرُ أَيْ وَلَا يَسْلَمُ بِاعْتِبَارٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنْ قُلْت: يَكُونُ حِينَئِذٍ غَافِلًا وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَكَيْفَ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ؟ قُلْت: الْمُؤَاخَذَةُ مِنْ حَيْثُ قُدُومِهِ أَوَّلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ الَّذِي يَخَافُ عَاقِبَةَ وِزْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ مِنْ إرْشَادٍ غَيْرُ مُحَقَّقٍ عَلَى أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ فَبُعْدُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ دَرْءٌ لِمَفْسَدَةِ الْوِزْرِ، أَيْ مَفْسَدَةٍ هِيَ الْوِزْرُ يُقَدَّمُ عَلَى جَلْبِ مَصْلَحَةِ الْإِرْشَادِ أَيْ مَصْلَحَةٍ هِيَ الْإِرْشَادُ. [قَوْلُهُ: إجْلَالُ الْعَالِمِ الْعَامِلِ] أَيْ أَنَّ تَعْظِيمَ

وَمِنْ شِيَمِ الْعَالِمِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُحْتَرِزًا مِنْ إخْوَانِهِ فَلَمْ يُؤْذِ النَّاسَ قَدِيمًا إلَّا مَعَارِفُهُمْ وَالْمَغْرُورُ مَنْ اغْتَرَّ بِمَدْحِهِمْ لَهُ، وَالْجَاهِلُ مَنْ صَدَّقَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَالِمِ الْعَامِلِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ فَمَنْ عَظَّمَ الْعَالِمَ الْعَامِلَ فَقَدْ عَظَّمَ اللَّهَ أَيْ وَمَنْ حَقَّرَ الْعَالِمَ الْعَامِلَ فَقَدْ حَقَّرَ اللَّهَ، وَتَحْقِيرُ اللَّهِ كُفْرٌ فَتَحْقِيرُ الْعَالِمِ كُفْرٌ أَيْ كَالْكُفْرِ أَوْ كُفْرٌ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ عِلَّتِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعَلِيَّةِ أَيْ أَنَّ الْبَاعِثَ لَهُ عَلَى تَحْقِيرِهِ عِلْمُهُ الْمَوْرُوثُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ أَنَّ التَّحْقِيرَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِهِ الْمَوْرُوثِ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُحَقِّرَ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ فَلَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي كُفْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَاعِثُ لَهُ مَا ذُكِرَ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَنُنْزِلُهُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ كُفْرٌ أَوْ كَالْكُفْرِ وَظَهَرَ مِنْ تَقْيِيدِ الْعَالِمِ بِالْعَامِلِ أَنَّ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ قَاصِرٌ عَلَى الْعَالِمِ الْعَامِلِ. [قَوْلُهُ: الْإِمَامُ] أَيْ السُّلْطَانُ وَقَوْلُهُ الْمُقْسِطُ أَيْ الْعَادِلُ فَيَجِبُ إجْلَالُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا الْقَاسِطُ، أَيْ الْجَائِزُ فَلَا يَجِبُ تَعْظِيمُهُ ذَلِكَ التَّعْظِيمَ وَإِنْ وَجَبَ تَعْظِيمُهُ ظَاهِرًا لِخَوْفِ ضَرَرٍ وَوَجْهُ كَوْنِ تَعْظِيمِ الْعَالِمِ الْعَامِلِ تَعْظِيمَ اللَّهِ، وَكَذَا تَعْظِيمُ الْإِمَامِ الْمُقْسِطِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِتَعْظِيمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا امْتَثَلَ أَمْرَهُ وَعَظَّمَ فَقَدْ عَظَّمَ اللَّهَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فَإِذَا لَمْ يُعَظِّمْ فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ فَلَمْ يُعَظِّمْ. [قَوْلُهُ: وَمِنْ شِيَمِ الْعَالِمِ] أَيْ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَصْفًا لَازِمًا لُزُومَ الطَّبِيعَةِ لِمَطْبُوعِهَا. [قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ] أَيْ بِأَهْلِ زَمَانِهِ أَيْ بِأَحْوَالِهِمْ كَيْ يُعَامِلَهُمْ بِمُقْتَضَى أَحْوَالِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ جَهِلَ حَالَهُمْ لَوَقَعَ فِي الْمَكْرُوهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَاحٌ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِزَمَانِهِ مُمْسِكًا لِلِسَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ. [قَوْلُهُ: مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ] أَيْ مِنْ تَحْصِيلِ حَسَنَةٍ لِمَعَادِهِ أَوْ دِرْهَمٍ لِمَعَاشِهِ أَيْ الْحَالُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ الْمَنْسُوبَةِ لِلشَّخْصِ الْحَالَةُ الْمَكْرُوهَةُ شَرْعًا. [قَوْلُهُ: حَافِظًا لِلِسَانِهِ] أَيْ لِأَنَّ آفَاتِ اللِّسَانِ لَا تُحْصَرُ فَقَدْ نُقِلَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا عَيْبُك قَالَ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لِسَانِي سَبُعٌ إنْ أَرْسَلْتُهُ أَكَلَنِي وَأَخْرَجَ الْفُضَيْلُ مَرْفُوعًا: «أَكْثَرُ النَّاسِ ذُنُوبًا أَكْثَرُهُمْ كَلَامًا فِيمَا لَا يَعْنِيهِ» وَأَجْمَعَتْ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْحُكْمِ الصَّمْتُ وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: لَا حَجَّ وَلَا رِبَاطَ وَلَا جِهَادَ أَشَدُّ مِنْ حَبْسِ اللِّسَانِ. [قَوْلُهُ: مُحْتَرِزًا مِنْ إخْوَانِهِ] أَيْ مِنْ مَعَارِفِهِ وَهُوَ جَمْعُ أَخٍ بِمَعْنَى الصَّاحِبِ، وَأَمَّا الْأَخُ مِنْ النَّسَبِ فَيُجْمَعُ عَلَى إخْوَةٍ. [قَوْلُهُ: فَلَمْ. . . إلَخْ] تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ مُحْتَرِزًا مِنْ إخْوَانِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذِ النَّاسَ قَدِيمًا إلَّا مَعَارِفُهُمْ، فَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَوْصِنِي فَقَالَ لَهُ: أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ جَاءَك شَرٌّ قَطُّ مِنْ غَيْرِ مَنْ تَعْرِفُ وَإِنَّمَا يَأْتِيك الشَّرُّ مِمَّنْ تَعْرِفُ وَأَنْشَدُوا فِي هَذَا الْمَعْنَى شِعْرًا يَحْضُرُنِي الْآنَ مِنْهُ شَطْرُ بَيْتٍ وَهُوَ: جَزَى اللَّهُ خَيْرًا كُلَّ مَنْ لَسْت أَعْرِفُهُ وَقَالَ بَعْضٌ: رَأَيْت الِانْقِبَاضَ أَجَلَّ شَيْءٍ ... وَأَدْعَى فِي الْأُمُورِ إلَى السَّلَامَةِ فَهَذَا الْخَلْقُ سَالِمْهُمْ وَدَعْهُمْ ... فَخُلْطَتُهُمْ تَقُودُ إلَى النَّدَامَةِ وَلَا تُعْنَى بِشَيْءٍ غَيْرَ شَيْءٍ ... يَقُودُ إلَى خَلَاصِكَ فِي الْقِيَامَةِ [قَوْلُهُ: وَالْمَغْرُورُ مَنْ اغْتَرَّ بِمَدْحِهِمْ لَهُ] فَإِنَّهُ إذَا اغْتَرَّ بِمَدْحِهِمْ افْتَتَنَ وَكَمَا جَازَ مَدْحُهُمْ لَك جَازَ ذَمُّهُمْ لَكَ فَإِنَّ مَنْ جَرَّبَ النَّاسَ قَلَاهُمْ وَلَا يَغْتَرُّ بِظَاهِرِ النَّاسِ حَتَّى يَعْرِفَ سَرِيرَتَهُمْ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُمْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَوْ فِي أَدْنَى شَيْءٍ. [قَوْلُهُ:

وَتَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِلْإِقْبَالِ عَلَى امْتِثَالِ مَأْمُورَاتِهِ وَالْإِحْجَامِ عَنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورَاتِهِ، وَيُلْهِمَنَا مَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ، وَيُبَاعِدَنَا مِنْ سَخَطِهِ وَعِقَابِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ مُؤَلِّفُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَدْ فَرَغْت مِنْ تَأْلِيفِ هَذَا الشَّرْحِ فِي سَابِعَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ سَنَةَ 925 خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ انْتَهَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَاهِلُ مَنْ صَدَّقَهُمْ عَلَى خِلَافِ مَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ] أَيْ الْجَاهِلُ جَهْلًا مُرَكَّبًا وَلِذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْقُرَشِيُّ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ لَمْ يَغْتَرَّ بِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ أَنَّهَا مَأْوَى كُلِّ شَرٍّ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَدْلُولَهُ أَنَّهُ يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ جَاهِلٌ مَثَلًا فَيُصَدِّقُهُمْ فِيمَا مَدَحُوهُ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ مَثَلًا أَيْ فَيَعْتَقِدُ صِدْقَهُمْ فَإِذَنْ لَا يَصِحُّ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ: اعْتِقَادُ كَوْنِهِ عَالِمًا مَثَلًا مِنْ حَيْثُ مَدْحِهِمْ لَهُ بِالْعِلْمِ، مَعَ اعْتِقَادِهِ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ جَاهِلٌ وَحَمْلُ التَّصْدِيقِ عَلَى اللِّسَانِيِّ لَا يَقْضِي بِجَهْلِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَصْدِيقِهِمْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لَا حَقِيقَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا. [قَوْلُهُ: وَالْإِحْجَامُ] أَيْ الْكَفُّ. [قَوْلُهُ: مِنْ أَجْرِهِ وَثَوَابِهِ] عَطْفُ الثَّوَابِ عَلَى الْأَجْرِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَمِنْ لِلتَّعْدِيَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُقَرِّبُ أَيْ يُلْهِمُنَا طَاعَةً تُقَرِّبُ مِنْ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ أَيْ تَكُونُ سَبَبًا فِيهِ لَا أَنَّهَا بَيَانِيَّةٌ. [قَوْلُهُ: مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ] السُّخْطُ ضِدُّ الرِّضَا فَيُفَسَّرُ بِإِرَادَةِ الْعِقَابِ أَوْ بِالْعِقَابِ فَهُوَ صِفَةُ ذَاتٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَفِعْلٍ عَلَى الثَّانِي، فَعَلَى الثَّانِي عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِهَا ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ وَالتَّقْدِيرُ وَيُبَاعِدُ مِمَّا يُقَرِّبُ مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ أَيْ وَيُبَاعِدُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي تُقَرِّبُ مِنْ السُّخْطِ وَالْعِقَابِ عَلَى نَسَقِ مَا قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ، وَالْمَعْنَى أَنَّنَا وَإِنْ تَلَبَّسْنَا بِالْمَعَاصِي إلَّا أَنَّنَا نَسْأَلُهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا وَيَتَجَاوَزَ وَلَا يُؤَاخِذَنَا عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاذِلِيِّ، وَاجْعَلْ سَيِّئَاتِنَا سَيِّئَاتِ مَنْ أَحْبَبْت لِأَنَّهُ رَبٌّ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، غَفَرَ اللَّهُ لِمُؤَلِّفِهَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

§1/1